جعفر عباس يكتب: السعرات سلاح للترويع
[ad_1]
كان مقالي هنا يوم الثلاثاء الماضي عن الإحساس العام بالنقصان رغم ان المخترعات الحديثة جعلت الكثير من أمور الحياة ميسّرة، وعن كيف اننا محرومون من راحة البال والطمأنينة رغم أن الواحد منا قد يكون ناجحا في إنجاز أمور كثيرة، والشكوى لغير الله مذلة ولكن الفضفضة تمنع الاضطرابات والعقد النفسية، وأنا يا جماهير أمتنا الباسلة (سابقاً) أعاني الأمرين مع كل وجبة بعد أن أصبحت زوجتي حجة ومرجعاً في شؤون السعرات الحرارية، وعناصر التغذية في كل صنف من الطعام، فبزعم أنها تريد لنا أن نكون أصحاء فرضت علينا العلف المغلي الذي تسميه شوربة خضار، وما إن ألقي عليها نظرة متأنية حتى يخيل إليّ أنها صنعتها من مخلفات وجبات سابقة انتهت صلاحيتها، فالشوربة المزعومة تتألف من سائل قبيح المنظر به قطع بشعة الشكل تتقافز وكأنها ذات روح، وخيوط وأنسجة دقيقة لا شك عندي أنها نتجت عن طبخ الحبال والقطن. وليس ذلك مستغرباً على زوجتي التي أصبحت مهووسة بالألياف والفيتامينات والتي باتت لا تشتري لنا سوى العصير الخالي من السعرات الحرارية ويخلو بالتالي من أي طعم أو نكهة، لا أدري ماذا دهاها وقد كانت حتى عهد قريب بنت ناس وعاقلة، تضع أمامنا تلالا من اللحوم والحلويات وتقضي يومها كله تقلب كتب وكتالوجات الطبخ وكان يحلو لها أحياناً أن تنهض في منتصف الليل لتجرب نوعاً من المعجنات قرأت عنه مؤخراً، وكنا سعداء بذلك، ولكنها قررت فجأة أن تفقد بضعة كيلوجرامات اكتسبتها من حر مالي واشترت لهذا الغرض (بفلوسي) جهازا للرياضة وضعته داخل غرفة النوم وما أن أستلقي على سريري بعد عناء يوم عمل سخيف (وكل أيام العمل سخيفة وخاصة الأحد والثلاثاء والأربعاء) حتى يبدأ الجهاز اللعين في الأنين والصرير بينما تعلو وجهها ابتسامة وكأنها تعتقد أن السعرات الحرارية إسرائيلية الانتماء، وأن القضاء عليها قضاء على الطاعون الصهيوني، قلت لها: يا بنت الناس أنا راض بما قسم الله لي ولن يغير اكتسابك عشرين كيلوجراماً أو فقدانك لجزء منها من أمر زواجنا شيئا، وأنا على استعداد لكتابة تعهد بعدم الزواج بغيرك، حتى لو نقلوك إلى غوانتنامو بعد اكتشاف نزعاتك الإرهابية، فقط تبرعي بهذا الجهاز لضحايا المجاعة في هولندا، فقد صرنا نشتاق إلى عصر القطائف واللطائف واللحم المحمر والمكرونة، ولكنها مثل معظم النساء تعقد أنها وحدها تعرف مصلحة أفراد أسرتها، وربما زادها عناداً أن قوانين الأحوال الشخصية في جميع الدول العاربة والمستعربة، صارت تسمح للمرأة بالخلع. طول عمري وأنا آكل كل ما يوضع أمامي، ولا أعيب طعاماً مهما كان سيئ الإعداد، الاستثناء الوحيد هو الكوسا فأنا لا أجامل فيها بل ولا أسمح لشخص أن يتعاطاها أمام ناظري، وقد تعلمت زوجتي الحلاقة (الطبخ) على رأسي أنا المسكين، ولم أكن أشكو أو (أتململ) إيثاراً للسلامة (أحياناً)، في الفترة التي كان كل شيء تطبخه يتحول الى “عصيدة”، فقد كنا وقبل أن ننجب العيال ننفق على الطعام شهريا ما يكفي ستة أشخاص، لأن معظم طبخاتها كان مصيرها الإعدام، ثم صارت ماهرة في الطبخ، بدرجة أن عيالي كانوا يفضلون ما تطبخه من طعام على ذلك المعروض في المطاعم، ولكن عفريت الرشاقة الذي سكن عقلها وعقول النساء في الآونة الأخيرة حول الطعام من متعة إلى عذاب، وجاء في استطلاع نشرته صحف خليجية أن 66% من طالبات الجامعات الخليجيات يعانين من سوء التغذية، ولم يحدث هذا بسبب شح الطعام في بيوتهن ولكن لأن ليدي غاغا ونور التركية وتلك العجرمية أصبحن المثل الأعلى لبناتنا مع أنك لو عجنت ثلاثتهن فلن تخرج بامرأة مُقنِعة (بكسر النون)! لقد قلتها مرارا وأقولها مجددا: لم يتغزل شاعر باي لغة بكلاكيع المحبوبة، فشكل العظام الناتئة لا يسر، ولكن عزائي أن هوس الرشاقة “شدة وتزول”، فصلاحية الرشاقة عند الجنسين في العالم العربي تنتهي عند سن الثالثة والأربعين.
صحيفة الشروق
مصدر الخبر