السياسة السودانية

محمد عبد الماجد يكتب: زهرة الأغاني

[ad_1]

(1)

 في السنوات الاخيرة فقدنا الكثير من ملامح حياتنا التى كانت تعطي للحياة طعماً ورائحة ولوناً ونضيف من عندنا ومعنى. اصبح الشعور بالحياة نفسه غائباً، فقد تعطل (زر) الاحساس فينا، لا اعرف كيف تستطعم الاجيال الحديثة الحياة بعد ان افتقدت الحياة (الطعم) ؟ وأصبحت مثل البيض المسلوق الاكيد. ان لكل جيل طريقته الخاصة في احساسه بالحياة واستطعامه له ولكل جيل ادواته التى يشعر فيها بالأشياء . الاشياء التى كانت تسعدنا في الماضي ربما لا تسعدهم الآن وقد ينظرون لها على انها امور لا تستحق الوقوف عندها .. مثلما ننظر للكثير من الاشياء الآن على انها امور (تافهة) ولا قيمة فيها، ونحن نظلمهم على هذا وهم يظلموننا على ذاك.

 كان الاستماع لأغنية على اثير اذاعة ام درمان للطيب عبدالله او زيدان ابراهيم يمثل عندنا قمة النشوة ونحن نتلاشى طرباً بين (قالوا لي انساه) ، و(ليه كل العذاب) .. كنا شركاء في الشوف والسمع والإحساس و (الذوق).. يغنينا حسن خليفة العطبرواي بعد نشرة الثالثة اغنية (نسانا حبيبنا) من كلمات حسب الباري سليمان … لحن وأداء حسن خليفة العبطراوي فنشعر انه يغنيها لنا .. كان هذا الامر (كنز) نترقب الحصول عليه في كل شهر – الآن في زمن الانترنت واليوتيوب والتوك توك لم تعد الاغاني تمثل حالة من (الرفاهية) كما كان عندنا في الماضي عندما كان الحصول على (شريط كاسيت) للفنان حمد الريح يغني فيه الرحيل والوصية والى مسافرة وبين اليقظة والأحلام يمثل عندنا كل السعادة .. اذ تحتفظ بشريط الكاسيت بعيداً عن متناول ايدي الاطفال وأيدي الكبار ايضاً، ولا تستمتع لأغنياته إلّا في الحالات الطارئة التى تحشد فيها كل الهدوء.

 هذه المشقة في الحصول على الاشياء وعلى المعلومة كانت تمنحنا كل السعادة. برنامج (عالم الرياضة) في الاذاعة كان هو الوسيلة الوحيدة للحصول على المعلومة الرياضية بما في ذلك نتائج المباريات التى كنا نعرفها في اليوم التالي.. اما برنامج عالم الرياضة في تلفزيون السودان يوم الجمعة فقد كان المنبر الذي ترى فيه اهداف الهلال وأهداف المريخ .. ان فاتك البرنامج فهذا يعني البحث عن احد الاصدقاء ليحكي لك كيف جاءت الاهداف. البحث في اليوتيوب لم يكن متاحاً، فنحن من جيل كانت تمثل عندنا (الرواية) كل المشاهدة.

(2)

 ان ننسى لا نستطيع ان ننسى سلسلة كتاب او مجلة (زهرة الاغاني) التى كان يصدرها الاستاذ موسى السراج والتى شكلت في وجدانيات الناس محطة مهمة لا يمكن تجاوزها.

 الاستاذ موسى السراج هو احد الذين صنعوا في الوجدان السوداني (متكأً) و (ملجأً) للعاشقين … حينما كان معرفة كلمات الاغاني وشاعرها امراً في غاية الصعوبة قبل ان يوفر (غوغل) للناس كل الكلمات بما في ذلك كلمات لبيد وابن الملوح ود الفراش.

 كنا نوفر من مصروف المدرسة ورسوم الدراسة بعض (النقود) بما تسمح لنا وتمكننا من اغتناء كتاب (زهرة الاغاني) التى تختارها دائماً ان يكون لفنانك المفضل.

 كنا نتابع سلسلة كتيب ( زهرة الاغاني) ونطارد صدورها في المكتبات ونترقب العدد القادم بشيء من الشوق والوله.

 كان موسى السراج بذكاء كبير يقدم مع الاغنيات بعض الاقوال والحكم التى كنا نتلهف لتتبعها بين الصفحات لحفظها والتمثل بها.

 المعلومة او الكلمات التى قدمها لك (غوغل) لا تملك القدرة على البقاء في الذهن، كأنها خلقت فقط لتكون على الشبكة العنكبوتية .. تعرض وتزول بانتهاء لحظة العرض عكس المعلومات والكلمات التى كانت تقدم في الكتب والمجلات والصحف وتمتلك خاصية الانتقال من الكتاب الى العقل والبقاء فيه.

 شخصية مثل موسى السراج يستحق التكريم والتقدير – مثله يجب ان يجد جزاء ما كان يقدمه.

 في الحياة السودانية هنالك شخصيات نجهل قيمتها ولا نعرف قيمة ما قدمته.. حتى منابرنا الاعلامية لا تستضيفهم ولا ترد لهم شيئاً من الوفاء ، اذ تبقى الاستضافة لشخصيات (كرتونية) تظهر وتعلو في فترة معينة ثم تختفي بعد ذلك وتزول.

 (زهرة الاغاني) كنا نناطح بها المغامرين الخمسة بتختخها ولوزتها والشياطين الـ 13 بعثمانها وزعيمها رقم صفر .. كانت تكفينا عن رجل المستحيل وروايات نجيب محفوظ ومسلسلات اسامة انور عكاشة.

 نحن مدينون لموسى السراج بالكثير.

(3)

 عندما فقدت الاسرة القدرة على اللمة في (صينية الغداء) وانتهى عصر (شاي المغرب) إلّا في الحالات الخاصة، واختفت (الصحيفة) من الجيب الخلفي للبنطال وتلاشت فترة الاجازة في الخرطوم وجنينة الحيوانات ومشوار العصاري فقدنا الكثير. بل فقدنا كل شيء وأصبحنا في سباق مستمر لا ينتهي إلّا عندما تضع رأسك على (الوسادة) لتقوم في اليوم التالي وتمارس نفس السباق بنفس التفاصيل والنتائج والديون.

 نحن في حاجة لكي نعيد لحياتنا كبينة الاحساس بالأشياء او الاحساس بالسعادة حتى لا اكون ظالماً في وصفي هذا.

 في حاجة نحن للعودة للبلد والنزول للبحر والقعاد في الرملة وجر الخمسين غلط!!

 لا تجعلوا كل الالوان في حياتكم لبرشلونة والسيتي وباريس سان جيرمان .. يجب ان نعود الى استوديوهاتنا الداخلية بحلة الحِلبة وشاي الحطب وفطور العريس.

 نحن في حاجة للعودة للاستماع لصديق احمد في عصراوية عريس بأسطوله الصوتي البديع.

 مازلت اعتقد ان النيل يفيض عندما يستمع لصديق احمد… هذا اعتقاد راسخ عندي وعلى استعداد ان ادخل به في رهان مع هيئة الارصاد الجوية وخبراء الفيضانات

 كرموا مثل هذه الشخصيات … حتى نعيد الى انفسنا خصلة الوفاء والإخلاص من جديد بعد ان فقدنا ذلك في زحمة الحياة.

 هم ليسوا في حاجة الى تكريمنا.. نحن في حاجة الى ان نكرمهم. لهذا علينا الاعتذار لصديق أحمد.

(4)

 بغم

 احن الى طبيب يكتب في روشتة الدواء (اجمل الحلوين) ثلاث مرات في اليوم… مثلما كانت اغنية (الطيف) لمحمد كرم الله تبثها الاذاعة السودانية في الصباح والنهار والمساء استجابة لرغبة المستمعين.

 محمد سعيد دفع الله هرم اخر يستحق ان نحج اليه (تكريماً).

 وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).

صحيفة الانتباهة

[ad_2]
مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى