السياسة السودانية

فرص نجاح الالية الثلاثية: خيارات مانديلا ومخاطر الانهيار الشامل للدولة السودانية

[ad_1]

 

عبدالرحمن احمد عمر
عبدالرحمن احمد عمر

عبدالرحمن احمد عمر – دبلوماسي سابق
[email protected]

وضعت قرارات الجنرال عبدالفتاح البرهان برفع حالة الطواري واطلاق سراح شباب لجان المقاومة المعتقلين، العملية السياسية في السودان في مسار جزئي صحيح. هذه القرارات تحتاج الي استكمال بانهاء الصلاحيات الاستثنائية التي فوضها لجهاز المخابرات العامة بمنحه سلطات التفتيش والاعتقال وغيرها من الاجراءات الانقلابية الاستثنائية وانهاء حالة استغلال جهاز الدولة التي تسمح بتسلل وعودة النظام السابق تدريجيا. الكرة الان في ملعب القوى الوطنية التي ينبغي ان تأخذ مواقف شجاعة لتقود البلاد الي بر الامان.

انا اتفهم تماما مواقف الغضب العارم في الشارع وبين اوساط شباب لجان المقاومة ضد السلطة الانقلابية، التي لم تكتفي بخيانة الميثاق الدستوري في انقلاب ٢٥ اكتوبر، بل اتبعته بمحاولة حكم السودان بالحديد والنار، وارتكبت في ذلك السياق مجازر وجرائم كثيرة في حق بنات وابناء شعبنا. ولكن القوى السياسية تجد نفسها اليوم في نفس حالة مانديلا عندما قاد الموتمر الوطني الافريقي للتفاوض مع الحزب الوطني الحاكم لانهاء نظام الابارتايد. قام مانديلا بذلك عشية حالة العنف التي اجتاحت جنوب افريقيا، والتي قامت فيها السلطة الحاكمة ومراكز القوى في نظام الفصل العنصري بتمويل جهات لاشعال مزيد من العنف الذي يبرر قبضة الابارتايد الامنية وهجمته على المناضلين من اجل الحرية. اختار مانديلا ان يقايض كل هذا الماضي المليئ بالدماء، بمستقبل اكثر امنا واستقرارا يفتح الطريقة لانهاء الابارتايد وصناعة ديموقراطية في جنوب افريقيا. لم يبدأ مانديلا بالنهايات، فالطريق يصنعه المشي كما قال الشاعر الاسباني ماتشادو، ولكنه بدأ باتفاق اطاري حول المبادئ التي تؤسس لعملية سياسية وتحدد اهدافها لكي لا تخرج عن مطالب الحركة الجماهيرية، وهي العملية التي قادها من السجن وتم تسميتها لاحقا بالتفاوض حول المفاوضات “talks about talks”. نجح مانديلا في خاتمة المطاف، في الاطاحة بنظام الفصل العنصري، وعزل الحزب الوطني عن السلطة وتأسيس نظام ديمقراطي منح السود، وهم غالبية اهل البلاد، سلطة الحكم السياسي، وكانت هذه هي نفسها مطالب الحركة الجماهيرية الجنوب افريقية التي استعملت فيها كل وسائل النضال المسلح والعنيف والسلمي. نجح مانديلا في ذلك بخسائر اقل ومكاسب اكبر، عبر عملية سياسية سلمية. وفي الواقع ان النضال بمختلف اشكاله ليس سوى وسيلة لتحقيق الهدف، وما دامت الاهداف معلنة تحت الشمس، ويجري النقاش والتداول العلني عنها وتعبر عن مخرجات هذا النقاش القوى السياسية المختلفة، فلا يجب ان نغرق في صراع عبثي حول الاختلاف بين هذه الوسائل، بل ان ما ينبغي هو تتكامل هذه الوسائل ويتم التنسيق بين بعضها البعض لتدفع بقاطرة الوصول الي الاهداف الي سقفها الاعلى.

وهنا اقول ان القوى الشبابية وجهود المقاومة، لم تقصر في لعب دورها، ولفت نظر العالم كله الي حالة الرفض القاطع لانقلاب ٢٥ اكتوبر، وهو ما دفع بالامم المتحدة لاعلان عمليتها السياسية لانهاء الوضع الانقلابي في السودان وبعدها تم اضافة الاتحاد الافريقي والايغاد الي العملية وخلق الالية الثلاثية. وبالرغم مما ادت اليه هذه الاضافات من تعقيدات بسبب الاجندة الذاتية التي حاول الدفع بها مبعوث الاتحاد الافريقي؛ الموريتاني محمد الحسن ولد لبات، ولكن نجحت الالية موخرا في اجبار السلطة الانقلابية على التعامل بجدية مع شروط تهيئة المناخ عبر رفع حالة الطوارئ واطلاق سراح المعتقلين. الان القوى السياسية الوطنية مواجهة بضرورة الشفافية حول اطروحاتها للحل السياسي وعرضها علنا للسودانيين. بطبيعة الحال نحن نثق في قوانا السياسية، وان هذه الاطروحات لن تخرج عن اطار تحقيق اهداف ثورة ديسمبر المجيدة، ولكن طرحها علنيا سيؤدي الي حالة من النقاش الايجابي بغرض تطويرها، وخلق الملكية الجماعية لها، وايضا لانهاء حالة الاستقطاب واتهامات التخوين المجانية المتبادلة. وضوح موقف واهداف اطروحات الطرح السياسي بشكل كامل، يحصننا من ذلك ويهزم خطاب التشكيك والانقسام ويدعم تكامل الادوار بين قوى الثورة. وهذا الموقف ينبغي الا يغرق في الانشاء والتفاصيل العمومية، بل ينبغي ان يركز بوضوح على النقاط الاساسية وهي كيفية انهاء الحالة الانقلابية، وتكوين مؤسسات الحكم الانتقالي، وكيفية تحقيق مهام الفترة الانتقالية التي تشكل اصلاح المؤسسة العسكرية وتوحيدها في مؤسسة جديدة لا تنخرط في الحروب الاهلية ولا ترفع السلاح ضد مواطنيها ولا تقوم بالانقلابات العسكرية، واصلاح الخدمة المدنية والوضع الاقتصادي بما يخدم معاش الناس، وتحقيق العدالة والمصالحة الوطنية بالشكل الذي يخاطب قضايا الماضي، والتأسيس لدولة المواطنة والديموقراطية الراسخة في السودان. وفي تفاصيل هذه المواضيع كثير من الاختلافات حتى بين قوانا السياسية الوطنية، ولا يمكن الاتفاق عليها كلها في سياق معالجة مشكلة الانقلاب الطارئة، ولهذا فان من الضروري الاتفاق على اليات للحوار السياسي الشامل خلال الفترة الانتقالية وعبر عمليات صناعة الدستور والحوار الوطني ومؤسسات الحوار والرقابة السياسية مثل المجلس التشريعي الانتقالي والمفوضيات المتخصصة، لادارة مثل هذه الحوار وحسمها في العلن وباوسع مشاركة شعبية وجماهيرية ممكنة خلال الفترة الانتقالية. وبالمثل فان من الضروري التركيز على فضح وتعرية خطاب المزايدة ومداعبة المشاعر الثورية بغرض كسب شعبية انتخابية او دعم جماهيري. ان الفترة الانتقالية لن تنجح ما لم نركز على اهدافها الحقيقية في الاصلاح. لن تكون هناك انتخابات يتم فيها حصاد هذه المكاسب الموقتة ما لم نركز على انجار مهام الفترة الانتقالية نفسها. هذا الوقت الان هو للتعالي على المكاسب الضيقة والذاتية للافراد والتنظيمات ووضع مصلحة السودان وشعبه اولا وتقليل خسائر الانتقال الغالية الي اقصى حد.

الامر الاخر الذي ينبغي الاسراع من اجله في انجاز واجبات الحل السياسي، هو خطر التشرذم والانهيار الشامل الذي قد يصيب السودان في حالة استمرار الوضع الانقلابي الحالي. فبالاضافة الي تعدد مراكز صناعة القرار داخل السلطة الانقلاب والتشاكس المتزايد بينها، ولكن هناك ايضا خطر العودة المؤسسية لتنظيم الاسلاميين. وقد كان ظهور علي كرتي المستفز للسودانيين على شاشة قناة طيبة يوم ٢٥ مايو، ايذانا بافتتاحهم لمشهد العودة. ولا يخفى على اي مراقب ان الاسلاميين وتياراتهم المختلفة هي التي تقود الحملة الشرسة ضد البعثة الاممية والمبعوث الاممي فولكر بشكل يخالف كافة الاعراف الدبلوماسية. وهو امر نابع من ادراكهم الكامل بان نجاح جهود البعثة في استعادة مسار التحول المدني الديموقراطي بقيادة مدنية يقضي على امالهم وطموحاتهم باستعادة حكمهم الشمولي، وهو الامر الذي يجب الا نسمح به على الاطلاق حتى لا تضيع تضحيات الشهداء والمفقودين والمناضلين الذين انجزوا ثورة ديسمبر المجيدة هباء.

[ad_2]
المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى