الورقة الكورية كـ”وقود للمدافع” في حرب روسيا وأوكرانيا
لماذا تثار كل هذه المخاوف، لدى دول الجوار، وإقليميًا بشمال شرق آسيا، ودوليًا، مما يتردد عن انضمام قوات كورية شمالية لنظيرتها الروسية في حرب روسيا وأوكرانيا؟ وهل ستختل -فعليًا- التوازنات الميدانية بساحة القتال في مصلحة طرف ضد الآخر؟
سفير كوريا الشمالية لدى الأمم المتحدة كيم سونج، اعترف -على نحو غير مباشر- بإرسال بلاده قوات إلى روسيا، مؤكدًا أن معاهدة المشاركة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين تتوافق مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وتتضمن المعاهدة بندا للدفاع المتبادل، ويقدم كلا الجانبين الدعم العسكري للآخر إذا تعرض لهجوم.
في تعليقه على أنباء تتحدث عن وجود قوات كورية شمالية بروسيا، وصف الرئيس فلاديمير بوتين، مثل هذه الأنباء بأنها “أمر جدي”، مؤكدًا أن قوات الناتو شاركت، منذ فترة طويلة وبشكل مباشر، في الصراع الأوكراني، وأن اتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين موسكو وبيونج يانج تتضمن بندا بشأن الدفاع المشترك.
في أثناء زيارته الأخيرة لبيونج يانج، قال وزير الدفاع الروسي أندريه بيلاوسوف: “الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين روسيا وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية تلعب دورًا مهمًا في تحقيق الاستقرار بشمال شرق آسيا، وتساهم في الحفاظ على توازن القوى بالمنطقة، والحد من خطر تكرار الحرب في شبه الجزيرة الكورية، وبطبيعة الحال، تساهم في وضع حجر الأساس لبناء نظام أمني أوراسي جديد”.
بدورها، أوضحت الخارجية الروسية، أن التعاون الإستراتيجي بين موسكو وبيونج يانج ليس غير عادي، أو استثنائي، رغم محاولات الغرب شيطنته، مشيرة إلى أن أولئك الملتزمين بالتفاعل السلمي مع موسكو ليس لديهم ما يدعو للقلق إطلاقا.
تقديرات سول وواشنطن لحجم القوات الكورية الشمالية -التي جرى إرسالها لروسيا لدعم عمليتها الخاصة في أوكرانيا- تصل إلى أكثر من 10 آلاف جندي، كذلك، تشير التقديرات لمشاركة جنود من هذه القوات -فعليًا- في القتال بمنطقة كورسك الحدودية.
من جانبها، أوضحت وكالة الاستخبارات الكورية الجنوبية أن حوالي 11 ألف جندي كوري شمالي أكملوا تدريبات التأقلم في روسيا، وجرى نقلهم إلى كورسك الحدودية في أكتوبر الماضي، وبعد تعيينهم باللواء المحمول جوًا أو بمشاة البحرية الروسية، خضع جنود شماليون للتدريب على التكتيكات ومكافحة المسيرات، فيما شارك آخرون في القتال، رغم الانتقادات بأن إدخالهم لساحة المعركة قد يوسع نطاق الحرب، ويؤثر على الأمن في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
أيضًا، أشارت وكالة الاستخبارات الكورية الجنوبية إلى قيام كوريا الشمالية بتصدير مقذوفات بعيدة المدى إلى روسيا، بما في ذلك مدافع هاوتزر ذاتية الدفع عيار 170 ملم، بالإضافة لتصدير قذائف مدفعية وصواريخ باليستية قصيرة المدى.
كييف أعلنت أن الجنود الكوريين الشماليين جرى دمجهم في وحدات عسكرية على مستوى السرية العسكرية الروسية، التي تتكون من أقليات عرقية تتنكر في هيئة سكان أصليين، في حين أشارت سول إلى أنه من المرجح إرسال الفصائل الشمالية إلى أخطر وأصعب مناطق القتال بحرب روسيا وأوكرانيا، ليصبحوا -فعليًا- “كوقود للمدافع”.
كوريا الجنوبية تعتبر مشاركة قوات شمالية في حرب روسيا وأوكرانيا تهديدًا خطيرًا في ضوء ما سوف تكتسبه -هذه القوات- من خبرات قتالية تثير تحديات أمنية إضافية في منطقة شمال شرق آسيا. وقال الرئيس يون صوك-يول: “لقد تجاوزت كوريا الشمالية الاستفزازات النووية والصاروخية، بنشرها عددًا كبيرًا من القوات في روسيا، مما يشكل تهديدًا خطيرًا ليس فقط لسلام كوريا الجنوبية، ولكن –أيضًا- للمجتمع الدولي”، معربًا عن مخاوفه بشأن الآثار الأمنية المترتبة على احتمال اكتساب القوات الشمالية خبرة الحرب الحديثة، في أثناء قتالها إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا. وقال: “مع توقع مشاركة ما يقرب من 12 ألف جندي كوري شمالي خبراتهم القتالية، مع بقية القوات الكورية الشمالية، التي يزيد قوامها عن مليون جندي، من المهم للغاية أن يحافظ الجيش الجنوبي على جاهزيته الشاملة”.
ما الذي تكسبه بيونج يانج من مشاركتها بالحرب الروسية-الأوكرانية؟ هذا السؤال أجاب عنه تقرير نشرته بي بي سي البريطانية جاء فيه: “استفادت كوريا الشمالية -بالفعل- من مبيعات الأسلحة إلى روسيا، إذ تراوحت التقديرات بين 2 مليار دولار و5 مليارات دولار، كما يعد إرسال قوى عاملة كورية شمالية إلى منطقة الصراع مربحًا أيضًا، فإذا نظرنا إلى الحد الأدنى لراتب الجندي الروسي في الحرب، فإن بيونج يانج قد تكسب نحو 250 مليون دولار سنويًا مقابل 10 آلاف جندي”.
تعد كوريا الشمالية، مثل جارتها الجنوبية، دولة جبلية، وتعتبر بيونج يانج جارتها سول، عدوها اللدود، والجنود مدربون على القتال بالجبال، ويتمتعون بقدرة بدنية عالية على التحمل والمرونة، كما يؤدون الأداء، نفسه، بالمناطق الممهدة.
أيضًا، لا تزال توجد أسئلة عديدة طرحها خبراء بي بي سي، من بينها: هل يتقن الجنود الشماليون استخدام المعدات العسكرية الروسية بسرعة، أم أنهم يستخدمون أنظمتهم السوفيتية والصينية القديمة إلى حد كبير؟ وما هي حالتهم المعنوية؟ وكيف يتغلبون على حاجز اللغة، لأن التواصل في ساحة المعركة أمر حيوي للبقاء؟
المخاوف الأمنية في اليابان لم تتوقف عند حدود الاستفزازات النووية والصاروخية واكتساب الجيش الكوري الشمالي خبرات إضافية -بروسيا- عن الحرب الحديثة، بل ازدادت التعقيدات، مع إثارة الجدل مجددا حول إمكانية انسحاب واشنطن من الناتو.
يقول البروفيسور بجامعة صوفيا، مياجي تايزو: “بالنسبة لرئيس براجماتي مثل ترامب، فإن التحالفات الأمريكية مع شركاء شمال شرق آسيا، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية، قد تواجه تحديات، خاصة إذا أعطى الأولوية لما تجنيه الولايات المتحدة من هذه الشراكات، وهناك منشورات دولية بارزة حذرت من أن غياب التزام واضح من البيت الأبيض بدعم التحالفات الأمنية قد يدفع سول وطوكيو إلى التفكير في امتلاك أسلحة نووية خاصة بهما كبديل عن المظلة النووية الأمريكية”.
يضيف البروفيسور الياباني قائلا: “في كوريا الجنوبية تحديدًا، كان النقاش حول تطوير قدرات نووية محلية محظورًا حتى عام 2016، لكن استطلاعات الرأي الحديثة تشير إلى أن أكثر من 60% من الكوريين يدعمون الآن هذا التوجه”.
يوضح البروفيسور مياجي تايزو: “على الرغم من أن ترامب يبدو شخصية استثنائية في المشهد السياسي الأمريكي، إلا أن الميل الأمريكي نحو تقليص التدخلات العسكرية الخارجية قد بدأ قبل عهده، ومن الصعب تخيل تغيُّر هذا التوجه في حال عودته إلى البيت الأبيض. لذلك، ربما يكون الوقت قد حان لمناقشة إنشاء إطار أمني متعدد الأطراف في شرق آسيا، ومن هذا المنطلق، قد يجد مقترح رئيس مجلس الوزراء الياباني إيشيبا شيجيرو بإنشاء حلف ناتو أسيوي بعض الاهتمام”.
كمال جاب الله – بوابة الأهرام
مصدر الخبر