عادل عسوم: أخي، لاتجزع لحادثة الليالي.. (وقفة بين يدي آية)
[ad_1]
{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ(23)} سورة الحديد.
شدتني هاتين الآيتين خلال تلاوتي اليوم، فلم استطع مبارحتهما قبل أن اقرأ شيئا مما كُتِب في تفسيرهما، فإذا بي أجد هذا الجمال
في نداء الإيمان:
إن هذا الوجود من الدقة والتقدير بحيث لا يقع فيه حادث إلا وهو مقدر من قبل في تصميمه، محسوب حسابه في كيانه .. لا مكان فيه للمصادفة .. وقبل خلق الأرض وقبل خلق الأنفس كان في علم الله الكامل الشامل الدقيق كل حدث سيظهر للخلائق في وقته المقدور .. وفي علم الله لا شيء ماض، ولا شيء حاضر، ولا شئ قادم .. وهذا الكون وما يقع فيه من أحداث وأطوار منذ نشأته إلى نهايته كائن في علم الله جملة لا حدود فيه ولا فواصل من زمان أو مكان. ولكل حادث موضعه في تصميمه الكلي المكشوف لعلم الله. فكل مصيبة – من خير أو شر فاللفظ على إطلاقه اللغوي لا يختص بخير ولا بشر – تقع في الأرض كلها وفي أنفس البشر أو المخاطبين منهم يومها .. هي في ذلك الكتاب الأزلي من قبل ظهور الأرض وظهور الأنفس في صورتها التي ظهرت بها .. (إن ذلك على الله يسير) .. وقيمة هذه الحقيقة .. قيمتها في النفس البشرية أن تسكب فيها السكون والطمأنينة عند استقبال الأحداث خيرها وشرها. فلا تجزع الجزع الذي تطير به شعاعا وتذهب معه حسرات عند الضراء. ولا تفرح الفرح الذي تستطار به وتفقد الاتزان عند السراء: (لكيلا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم) .. فلا يأسى على فائت أسى يضعضعه ويزلزله، ولا يفرح بحاصل فرحا يستخفه ويذهله. ولكن يمضي مع قدر الله في طواعية وفي رضى. رضى العارف المدرك أن ما هو كائن هو الذي ينبغي أن يكون! وهذه درجة قد لا يستطيعها إلا القليلون. فأما سائر المؤمنين فالمطلوب منهم ألا يخرجهم الألم للضراء، ولا الفرح بالسراء عن دائرة التوجه إلى الله، وذكره بهذه وتلك، والاعتدال في الفرح والحزن. قال عكرمة رضي الله عنه “ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن، ولكن اجعلوا الفرح شكرا والحزن صبرا” .. وهذا هو اعتدال الإسلام الميسر للأسوياء ..
أقول:
ما أجمل هذه السياحة الإيمانية في سوح آيتي سورة الحديد أعلاه!
ياااااه
ما أجمل وقع الآيات على النفس وقد خامرتا شغاف القلب، فيزداد اليقين بإحاطة الله صاحب الملكوت بكل هدأة فيه وحراك!
لعمري إن الذي يقرأ هذه الآيات؛ ثم يتوقف مليا بين سرابات أسطر تفسيرهما، فإنه لامحالة واصل إلى تصالح عجيب مع النفس، يهون دونه كل الغيب مهما كان، فيُخبِتُ إلى الله طائعا راضيا محبا، راضيا بكل مايصيبه، والوجدان مترع بالحب والتسليم لرب رحيم.
اللهم لك الحمد والشكر حتى ترضى.
ألا رحم الله الإمام الشافعي فقد قال:
دَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاءُ
وَطِب نَفساً إِذا حَكَمَ القَضاءُ
وَلا تَجزَع لِحادِثَةِ اللَيالي
فَما لِحَوادِثِ الدُنيا بَقاءُ
وَكُن رَجُلاً عَلى الأَهوالِ جَلداً
وَشيمَتُكَ السَماحَةُ وَالوَفاءُ
وَإِن كَثُرَت عُيوبُكَ في البَرايا
وَسَرَّكَ أَن يَكونَ لَها غِطاءُ
تَسَتَّر بِالسَخاءِ فَكُلُّ عَيبٍ
يُغَطّيهِ كَما قيلَ السَخاءُ
وَلا تُرِ لِلأَعادي قَطُّ ذُلّاً
فَإِنَّ شَماتَةَ الأَعدا بَلاءُ
وَلا تَرجُ السَماحَةَ مِن بَخيلٍ
فَما في النارِ لِلظَمآنِ ماءُ
وَرِزقُكَ لَيسَ يُنقِصُهُ التَأَنّي
وَلَيسَ يَزيدُ في الرِزقِ العَناءُ
وَلا حُزنٌ يَدومُ وَلا سُرورٌ
وَلا بُؤسٌ عَلَيكَ وَلا رَخاءُ
إِذا ما كُنتَ ذا قَلبٍ قَنوعٍ
فَأَنتَ وَمالِكُ الدُنيا سَواءُ
وَمَن نَزَلَت بِساحَتِهِ المَنايا
فَلا أَرضٌ تَقيهِ وَلا سَماءُ
وَأَرضُ اللَهِ واسِعَةٌ وَلَكِن
إِذا نَزَلَ القَضا ضاقَ الفَضاءُ
دَعِ الأَيّامَ تَغدِرُ كُلَّ حِينٍ
فَما يُغني عَنِ المَوتِ الدَواءُ.
عادل عسوم
مصدر الخبر