السفير عبد الله الأزرق يكتب: 📍”عرب الديفا”.. وحربهم في السودان
[ad_1]
ذكرتني هبّة دول غرب أفريقيا ضد السيطرة الفرنسية عليها، وكلها دول تحكمها أنظمة علمانية فرانكفونية، وأوغلت فرنسا في فَرْنَسَتِها؛ بما كتبه ضابط CIA ثم البروفيسور في جامعة ڤانكوفر جراهام فولر Graham Fuller في 2009 في فورن بوليسي..
كان عنوان بحث جراهام فولر: A World Without Islam: (عالم بلا إسلام).
ثم طوّر فولر بحثه ذاك إلى كتاب.
من بين خلاصات ذلك البحث الهامة أن الانتفاض ضد الغرب لا يتطلب أن تكون مسلماً، فقد ثار الأحرار في ڤيتنام وفي كينيا وفي كوبا ونيكاراجوا ضد التسلط الغربي، وكلهم لا علاقة لهم بإسلام..
وهذا عَيْنُهُ ما حدث ويحدث في ست من دول غرب أفريقيا، وآخرها النيجر.
وتفاوتت ردود الفعل الغربية إزاء رفض دول غرب أفريقيا على الهيمنة الغربية، كما تمثلها فرنسا.
ففي حالة النيجر، جاء رفضها للانقلاب سريعاً وقوياً..
ويعود التفاوت لعوامل عدة مثل التنافس بين الشرق والغرب ، والأهم مدى غنى الدولة بموارد طبيعية تحتاجها الدول الغربية، أو إحدى أخواتها.
والنيجر تحديداً يتمتع بموارد نادرة ومهمة.
ففرنسا مثلاً، تعتمد مفاعلاتها بنسبة 35 % على اليورانيوم النيجري، وتمثل الكهرباء المستخرجة من المفاعلات 75% من احتياجات فرنسا للكهرباء.
وبالنيجر الذهب والحديد والفوسفات والفحم.
ومن ذكرياتي في النيجر، أنني رأيت بمتحفها الوطني – ولأول مرة في حياتي – خام اليورانيوم، ورأيت اليورانيوم معالج في طور بُدرة أو ما يُسمى الكيك الأصفر Yellow Cake.
ورأيت جمجمة بقرة لها قرون بحجم (الزير)!!
قال محدثنا: إن ذلك النوع من الأبقار كان يعيش في النيجر وفي منطقة بحيرة تشاد وانقرض الآن، وإن قرونه الضخمة تساعده على الطفو وهو يسبح في البحيرة أو عابراً نهر النيجر.
ورأيت هيكل عظمي لديناصور.
وأشار محدثنا إلى صناديق ضخمة، قال إنها تحتوي على هيكل عظمي لديناصور آخر يبلغ طوله 220 متراً، لكنهم لم يعرضوه إلّا مرّةً واحدة في أميركا، وإنهم لايملكون مبني بهذه الضخامة ليعرضوه به !!! أو كما قال .
أكبر قبائل النيجر هم الهوسا (50%) والجرما (18%) والطوارق (9%) والفولاني وهم الفلاتة (8%).
ويقطن في منطقة ديفا شرقي النيجر عرب من الرزيقات يعرفون في النيجر بعرب ديفا وتبلغ نسبتهم أكثر من 1% بقليل من مجموع سكان النيجر.
وفي النيجر لا يجد عرب الرزيقات هؤلاء قبولاً، للحد الذي قررت فيه الدولة عام 2006 ترحيلهم إلى تشاد؛ بحجة أنهم ليسوا من أهل البلاد أصلاً.. والإيحاء بطردهم جاء من فرنسا التي ترغب في الخلاص من القبائل الشبيهة في مناطق نفوذها.
والحقيقة أنه نزح أكثر هذه القبائل العربية إلى النيجر في ثمانيات القرن الماضي. ولم يجدوا قبولاً اجتماعياً هناك.
وينتمي رئيس النيجر المخلوع الاسبوع الماضي محمد بازوم للمجموعة العربية، لكن فرعه (أولاد سليمان) جاؤوا قبل ذلك من ليبيا.
وبازوم من الموالين لفرنسا، ودعم الانقلاب الذي رتبته فرنسا على الرئيس محمد تانجا عام 2010.. وكان يساري النزعة منذ أن كان في جامعة داكار حيث درس الفلسفة.
ولأن “الطشاش في بلد العِمِي شوف” فأهله العرب يسمونه الفيلسوف!!!
كانت جريمة الرئيس محمد تانجا بالنسبة لفرنسا، أنه طالب الشركة الفرنسية المسيطرة على اليورانيوم في النيجر زيادة أسعار الخام!!!
ونظراً لأن محمد بازوم رجل فرنسا، فقد توعدت الحكام الجدد، ويتوقع أنها ستخلق كثيراً من التوترات ضد العسكر الذين أطاحوا به، خاصة أن لها خمس قواعد عسكرية بالنيجر.
ولأميركا وجود عسكري هناك أيضاً.
وكلا البلدين يتحججان لوجودهما بمحاربة الإرهاب (داعش وبوكو حرام). هذا إضافة لتنامي الطموح الروسي في المنطقة.
وقد خلق فوز محمد بازوم بانتخابات الرئاسة في النيجر عام 2021، حالة من النشوة لدى قبائل الشتات العربي في أفريقيا الغربية عامةً.
ومع تنامي دور حميدتي في السودان وتمكنه من تجنيس مليون شخص من هذه القبائل المنتشرة في كل دول الساحل الأفريقي Sahel وكلاً من ليبيا وموريتانيا شمالاً، تكرس لديها الشعور بإمكانية تحقيق حلمها لإنشاء (دولة الجنيد الكبرى).
وبسبب التشابك العشائري دعم حميدتي حملة بازوم بالمال.. وخلال حملته كان مناصروه يوزعون النقود على الناخبين علانيةً. وذلك يشبه أسلوب حميدتي في استخدام المال السياسي لاجتذاب دعم الشيوخ والكثير من الفاعلين في مجالات شتى. وكان حميدتي يعد العدة ليكون رئيساً من ثلاث سنين.
تتّسِم الدولة بالهشاشة في كل دول الساحل الأفريقي Sahel، وتتمدد هذه الهشاشة لتشمل السودان.
ومع طغيان الانتماء العشائري على الانتماء الوطني تتفاقم الهشاشة.
وتتّسم دارفور بخاصة بطغيان الانتماء القبلي.
وقد استغل متعلمو دارفور هذا العامل لتحقيق مكاسبهم الذاتية، فظلوا يشتكون من “التهميش” حتى في زمن البشير الذي مكّنهم من الوظائف العليا بنسبة تفوق نسبة دارفور إلى عدد السكان في كثير من الأقاليم.. والإحصاءات تؤكد هذا.
ومع الرفض الغربي والأفريقي ، ودول اكواس خاصة ، للانقلاب في النيجر، ورفض الجيش المكون من قبائل الأكثرية لمحمد بازوم، فالأوضاع مرشحة للاضطراب في النيجر.
أرجح أن فرنسا لن تتدخل عسكرياً منفردةً، فهي تعلم الحساسية العالية لدي المسلمين في النيجر وفي البلاد المجاورة. وغالباً ستسعي أن تكون بعضاً من قوات اكواس رديفةً embedded لقواتها لتخفيف الصدمة على المسلمين.
وأياً كانت نتيجة التدخل فبعض مظاهر الفوضى مرشحة للظهور.
وبالطبع، فإن جوهر ودافع التدخل الفرنسي لن يكون من أجل عيون الديمقراطية، التي في طَرْفِهَا حَوَرٌ!!!
كما أن وضع محمد كاكا غير مستقر في تشاد خاصة بعد التصفيات الكبيرة التي قام بها في الجيش والأمن. وقد مسّت هذه الإجراءات أجزاءً من قبائل الزغاوة والقرعان (أهل والدته) ومجموعة السارا ومجموعة التبو.
والحال كما وصفنا، فالمخاوف موجودة من تدفق عرب الديفا لفزع مليشيا حميدتي من النيجر ومن رزيقات تشاد، وكذلك بدافع ما يسمونه الغنائم التي أصبحت ممكنة في الخرطوم، يغريهم بذلك ألوف السيارات ، والأموال والأثاثات التي جلبتها الموجة الأولى من الغُزاة.
وعرب الديفا تحديداً أشد حرصاً على الاستقرار في السودان؛ لإحساسهم بالرفض من قبل قبائل الأكثرية في النيجر، ولا يزال شبح محاولة طردهم في 2006 يطاردهم.
وتدهور أوضاع النيجر (وربما تشاد) يزيد من وتِيرَة تدفقهم على السودان.
تُرى هل تطيل تداعيات ما وقع في النيجر من أمد الحرب في السودان؟
هذا ما ستكشف عنه فعالية Effectiveness مكافحة المليشيا وجواسيسها وداعميها من ملأِ قحت (والملأ دائماً قِلّة)، وما يُحدثه فيهم الجيش من مَقَاتِل في الخرطوم خاصة.
السفير عبد الله الأزرق
مصدر الخبر