السودان وحرب الاستعمار – النيلين
[ad_1]
بسم الله الرحمن الرحيم
المؤتمر القومي العربي
السودان وحرب الاستعمار.
نص خطاب قدمته اليوم من ورقة ضمن جلسات المؤتمر.
* مقدمة:
الإخوة والأخوات وبجميع مقاماتكم الرفيعة تحية لكم وسلام من أرض السودان ومن شعب السودان، وتحية لكم على انعقاد هذه الدورة من المؤتمر القومي العربي في دورته الثانية والثلاثين، وأسمحوا لي وأنا عضو مشارك جديد دُعيت لأول مرة وأشارك لأول مرة أسمحوا لي أن أشكر الدكتور محمد حسب الرسول على تقديم هذه الدعوة وعبره كل الأمانة العامة للمؤتمر بقيادة حمدين صباحي ورفاقه وإخوته من المناضلين والمثقفين أعضاء الأمانة. سأقدم لكم ملخصا من ورقة أعدها دكتور محمد حسب رسول تحوي ملخصا تنويرياً واضحاً وشافياً حول التطورات الأخيرة في السودان.
لقد ظل السودان يواجه تحديات عديدة منذ استقلاله في العام 1956م، وهذه التحديات ظلت متصاعدة مع كل حقب الحكم الوطني في السوداني، وزادت وتيرة هذه التحديات بعد التغيير الذي حدث في 11 ابريل/نيسان 2011، في سياق تلك التحديات المفروضة على الدولة السودانية نشبت الحرب يوم 15 أبريل/نيسان 2023 وهي ليست حدثا مفاجئا بل هي بمثابة سيناريو بديل في خطة رئيسة بدأ الإعداد لها مع بداية الفترة الانتقالية، وكُتِبت عنها المقالات الاستشرافية وحذرت منها ومن مخاطرها، كما تحدث عنها أصحابها عشية اندلاعها، حين خيروا الشعب بين هيمنتهم على السودان بوسائل سياسية ودستورية أعدوها منفردين أو من خلال الحرب بكل ما تحمل من أضرار ومخاطر وشرور.
تناقش هذه الورقة قضية الحرب في السودان من حيث طبيعتها وأهدافها، من دون تتبع مساراتها العملياتية ووقائع يوميات العمل العسكري، إذ تعتبر ذلك تفصيلاً قد يزيد تناوله من حالة عدم وضوح طبيعة هذه الحرب وأهدافها وأصحاب المصلحة من ورائها، في وقت يخدم التغييب المتعمد أو المرغوب لطبيعة هذه الحرب مصلحة مشروع الهيمنة الغربية على السودان بأدوات سياسية ودستورية في طور، وأدوات عسكرية في طور آخر.
* ما هو المشروع غير الوطني في السودان:
هو ذلك المشروع الغربي الاستعماري الذي يستهدف السودان وموارده الاقتصادية وموقعه الجغرافي المميز، ونعتقد جازمين بأن خصوصية موقع السودان الجغرافية هي سبب رئيس في الهجوم عليه، فالسودان له خصوصية حيث يمثل نقطة تدامج حضاري وجسر تفاعل بين العرب والأفارقة وداخل فضاءات أفريقية، فأفريقيا ليست وحدة ثقافية واحدة بل هي نطاقات متنوعة، يمثل السودان ربطا بين الغرب الأفريقي ودول الساحل وبين فضاء القرن الأفريقي والجنوب والشمال. من هذا الموقع كانت القوى الاستعمارية تعمل ضد أي مشروع تحرري وطني سوداني، وتسعى لفك ارتباطه بالفضاء العربي الإسلامي وتحاول كسر تلك البوتقة التي تدامج بين العرب وأفريقيا في جبهة نضالية واحدة، ولا ننسى هنا أن تاريخ فكرة منظمة الوحدة الأفريقية قد جاءت من أولئك القادة الذين عرفوا بمجموعة الرباط وقد جمعت عبد الناصر ونكروما وسيكوتوري اجتمعوا في المغرب ووضعوا فكرة لهذه الوحدة وكلهم دعاة للتحرر والقومية والنضال ضد الاستعمار. المشروع غير الوطني في السودان يعمل بأدوات كثيرة ومن ضمنها خلق شركاء محليين يتبنون موقفه ورؤيته بجانب التأثير الفكري والثقافي.
لنعد للتطورات الجارية حاليا في السودان وتسعى الورقة لشرح ما يحدث بشكل واضح وتسميه: مشروع الهيمنة الخارجية على السودان وتركز على الوقائع الحالية وخلال السنوات الأربع الأخيرة:
* مشروع الهيمنة الخارجية على السودان بالوسائل السياسية والدستورية:
عرف السودان عدة تجارب انتقالية منها تجربتان أعقبتا ثورة شعبية أو انتفاضة جماهيرية أزاحت حاكم عسكري، الأولى في أكتوبر/تشرين 1964م (سقوط عبود) والثانية في 11 أبريل/نيسان 1985 (سقوط النميري). العناصر المشتركة في الفترات الانتقالية السابقة:
أ- قصر المرحلة الانتقالية حتى الانتخابات.
ب- المحافظة على السيادة الوطنية وكف التدخل الخارجي.
ت- المحافظة على الهوية السودانية وكبح جماح مشروع تفكيك السودان.
ورغم أخطاء في الممارسة التي صاحبت تلك الفترات إلا أن الفترة الانتقالية الأخيرة والتي جاءت عقب ثورة التغيير المستحق في 2019 كانت مختلفة جوهريا عن كل الخبرة السودانية في المراحل الانتقالية. وذلك في الآتي:
أ- شهدت هذه التجربة أعلى درجات انتهاك السيادة الوطنية، وشُرعت خلالها الأبواب أمام التدخلات الخارجية حتى أمسك الخارج بالقرار السوداني، وهُددت فيها الهوية والمصالح الوطنية، وطالت فيها مرحلة الانتقال.
ب- شهدت هذه الفترة التي شكل فيها الخارج حكومة تحالف الحرية والتغيير برئاسة عبد الله حمدوك استجابة كاملة لمطلوبات الخارج، فعُدلت القوانين التي كانت تسهم في صون هوية المجتمع وقيمه، فطالت التعديلات القانون الجنائي وقانون الأحوال الشخصية وغيرهما من القوانين، في مسعى لاستبدال المنظومة القيمية والثقافية للسودان بمنظومة ترتبط بالمشروع النيوليبرالي الذي تولت هذه الحكومة تنفيذه، ففتحت التعديلات التي أدخلت إلى القوانين الأبواب أمام تفكيك الأسرة والمجتمع والقضاء عليهما، وتوطين المثلية، وإشاعة واستزراع الثقافة الغربية.
ت- عداء موجه ومقنن لمؤسسات الدولة ممثلة في: استهداف القطاع العام بدعاوى الإصلاح وتحفيز مؤسسات بديلة ولجان مشتركة مع أطراف خارجية واستهداف الجيش بدعاوى المدنية والديمقراطية بدون مراعاة لثوابت الأمن القومي.
والنتيجة كانت اضطراب شامل في كافة الجوانب السياسية والاقتصادية بسبب غياب الرشد عن النخبة السياسية التي حكمت بعد التغيير.
* محطات مهمة في مشروع الهيمنة على السودان:
1- بعثة الأمم المتحدة إلى السودان (بعثة الوصايا والانتداب):
بتنسيق تام مع السيد عبد الله حمدوك وبتوجيه من السفير البريطاني في السودان من الأصول الباكستانية السيد عرفان صديق كتب وباسم حكومة السودان طلب للأمين العام للأمم المتحدة من أجل إنشاء بعثة أممية في السودان. قام رئيس الوزراء بإرسال هذه الرسالة سراً إلى الأمين العام للأمم المتحدة من دون علم مجلس السيادة الذي يشكل العسكريون نحو نصف عدد أعضائه، واستجاب مجلس الأمن لطلب رئيس الوزراء، وأنشأ البعثة، وعيّن الصهيوني الألماني فولكر بيرتس رئيساً لها، وهو الذي رافق حقبة هدم الدولة العراقية حين كان أحد مساعدي الحاكم الأميركي للعراق بول بريمر، كما واكب مشروع تدمير الدول السورية في النصف الأول من سنوات الأزمة فيها ضمن الفريق الأممي هناك.
حددت الرسالة طبيعة ومهام البعثة الأممية بما يلي:
– تأليف بعثة سياسية خاصة للسودان تضم عنصراً قوياً، وتشمل ولايتها الجغرافية كامل أراضي السودان، ويمتد نطاقها الزمني حتى يحقق السودان أهداف التنمية المستدامة بحلول 2030،
– أن يكون من مهمات البعثة: دعم تنفيذ الإعلان الدستوري (الدستور الانتقالي)، والرصد المنتظم لتنفيذ نقاطها المرجعية الرئيسية؛ الاضطلاع بعمليات الإصلاح القانوني والقضائي؛ وإصلاح قطاع الأمن (الجيش، والشرطة، والأمن)؛ وإصلاح الخدمة المدنية؛ ووضع الدستور الدائم؛ ودعم جهود السلام.
– استجاب الأمين العام للأمم المتحدة لطلب رئيس الوزراء الانتقالي، وبموجب ذلك أنشأ مجلس الأمن الدولي في 4 حزيران/يونيو 2020، بالقرار الرقم 2524،أنشأ بعثة سياسية أممية للسودان حملت الاسم المختصر “يونتامس”، وقد قابل تحالف الحرية والتغيير هذه الاستجابة بحفاوة بالغة، لأن هذه البعثة في نظره ستحقق أهدافاً كبيرة، من بينها تقليم أظفار المؤسسة العسكرية، وصناعة معادلة جديدة لمصلحة رئيس الحكومة وحاضنته السياسية، برغم المخاطر الكبيرة التي ستترتب على وجود هذه البعثة وأهدافها ودورها من مخاطر كبيرة تستهدف سيادة البلد واستقلاله. وجاءت البعثة تحت الفصل السادس للأمم المتحدة وبطلب من حكومة السودان وهذه لوحدها ظاهرة تستحق الدراسة.
بالنظر إلى مهمات البعثة، وفق رسالة عبد الله حمدوك التي اعتمدها القرار الأممي المنشئ للبعثة، فإنّ تلك المهمات تُمكن البعثة، وبصورة كاملة، من ممارسة الوصاية والانتداب على السودان، وهو ما ثبت إلى حد كبير خلال مدة عملها، ومن خلال ممارساتها العملية.
– كما أن مهمات البعثة تشمل مباشرةً إعادة هندسة أوضاع الدولة تحت مظلة إصلاح مؤسساتها التي وردت ضمن المهمات، وهو الذي تمت ترجمته عملياً من خلال تفكيك بعض مؤسسات الدولة، وإضعاف المؤسسات التي لم يشملها التفكيك، ومن خلال عمليات الإحلال والإبدال التي شملت كوادرها، إذ شهدت حقبة حكومة عبد الله حمدوك الأولى والثانية فصل وتشريد آلاف الكفاءات الوطنية التي تمرست في العمل
– إنّ التدخل الخارجي في الشأن السوداني خلال هذه المرحلة الانتقالية أفضى إلى تحويل طبيعة الصراع السياسي في السودان إلى صراع بين مشروع الاستقلال الوطني ومشروع الهيمنة الغربية على البلاد، التي أعادها إلى مرحلة ما قبل الأول من كانون الثاني/يناير 1956؛ تاريخ استقلال السودان، الأمر الذي أدركه المجتمع وبدأ بحشد طاقاته لمقابلة هذا التحدي الذي استجد.
2- التطبيع خيانة الموقف والتاريخ والحقيقة:
منذ بداية الفترة الانتقالية، أصبح موضوع التطبيع موضوعاً للتنافس بين شركاء الحكم من مدنيين وقادة عسكريين، إذ يعتقد المتنافسون أن التطبيع هو وحده ما يبقي المُطبِع في السلطة التي لا يستطيع الوصول إليها عبر صناديق الانتخابات في بلد اللاءات الثلاث. بدأ المدنيون اتصالاتهم بدولة الكيان الصهيوني عبر دولة خليجية حيناً، وبشكل مباشر في حين آخر، كما بدأت تلك الدولة الخليجية بفتح خطوط الاتصال بين قادة الدعم السريع والكيان. حينها، دخل قائد الجيش على الخط، فسبق المتنافسين إلى عنتبي في يوغندا، واجتمع ببنيامين نتنياهو. وبتحليل موقف كل طرف نجد أن:
• شعر المدنيون بأن شريكهم البرهان هدد بلقائه نتنياهو أحلام السلطة المخيمة على أذهانهم ووجدانهم، فبادر مجلس وزراء تحالف الحرية والتغيير برئاسة عبد الله حمدوك إلى إلغاء قانون مقاطعة “إسرائيل” لعام 1958، وقام المجلس بتعديل المناهج التعليمية لتخدم فكرة التطبيع ومشروعه، فحذف منها الدروس المتعلقة بفلسطين، وحذف منها أيضاً الدروس التي تزرع في النشء والطلاب روح الاستقلال الوطني، كما حذف منها ما ينمي روح البطولة والفداء الوطني. وشمل الحذف والتعديل الدروس المتعلقة بتاريخ الاستقلال الوطني كدروس مناهضة الاحتلال البريطاني، وبالضرورة عدلوا مناهج التربية الإسلامية والمسيحية لتخدم مشروع التطبيع والمشروع النيوليبرالي، الأمر الذي حمل علماء الدين الإسلامي والمسيحي على تنظيم حملة رفض واحتجاج على المقررات الجديدة.
• قام قائد الدعم السريع وأخوه بعقد لقاءات في الجانب الصهيوني في الدولة الخليجية المتولية زمام هذا الأمر، ولقاءات أخرى في جوبا وأديس أبابا وفي “تل أبيب” وكان التعاون بين هذه المليشيا وبين الكيان الصهيوني يمتد للجانب الاستخباراتي والتقني والتسليحي وعبر الإمارات كان الجانب الاقتصادي للمليشيا يتطور بسرعة مذهلة. لقد كان التطبيع الحقيقي يتصل بالمدنيين وقوات الدعم السريع.
• قائد الجيش كان الطرف الأول في لقاء الجانب الإسرائيلي ممثلا للدولة كما عقدت لقاءات وزيارات من ضمنها زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي للسودان وزيارات أخرى غير معلنة. إن مسعى قائد الجيش إلى التطبيع شأن يخص دوافعه في السلطة وهو تقدير أثبتت الأيام خطأه، ولا يعني أبداً أن المؤسسة العسكرية تمضي في المسار ذاته، وهي التي ساندت ودعمت في 1958، وقاتلت في 1967 و1973، وفتحت مصانعها ومخازنها للمقاومة الفلسطينية في كل الظروف وأصعبها، وهي التي كانت وستظل صاحبة أسهم معتبرة في كل مدافعة فلسطينية مع الاحتلال تمت خلال العقود الثلاثة الماضية، لا شك أن في التطبيع خيانة لتاريخ السودان، وخيانة لمواقفه، بل خيانة للحقيقة في أوضح صورها. كذلك فإن تكالب أولئك المدنيين لتبرير التطبيع مع الكيان الصهيوني لا يمثل موقف الشع السوداني الراسخ تجاه دولة الاحتلال حيث لا تزال ذاكرة اللاءات الثلاث التاريخية التي خرجت من الخرطوم ضد الكيان حية في قلوب السودانيين رغم كل المحاولات لطمس روح التحرر والنضال والمقاومة.
* المرحلة الثانية لمشروع الهيمنة الخارجية على السودان بالوسائل السياسية والدستورية:
تضافر العامل الخارجي وحلفائه المحليين من أجل فرض وثيقتين على الشعب السودان تمثلان المرجعية للفترة الانتقالية الأولى هي الإعلان السياسي الذي منح قوى الحرية والتغيير وقيادة الجيش حقا حصريا في حكم الشعب السوداني، والوثيقة الثانية هي الوثيقة الدستورية التي حولت ذلك الإعلان لمواد دستورية تحكم بها المرحلة الانتقالية
– عداء للدولة وفصل لآلاف الكوادر
– نموذج للاستبداد والطغيان والديكتاتورية المدنية التي لم يعرف السودان مثيلاً لها لا في حقب الحكم المدني ولا العسكري، كما اتسمت هذه الفترة بأعلى درجات الاستلاب الخارجي والاستسلام للخارج وتبني مشروعه
صاحبت ممارسات ذلك التحالف الهجين بين العسكر والمدنيين صراعات كثيرة، فالجانب المدني غير منسجم في داخله ولا يمتلك مشروع ولا قاعدة جماهيرية وقد تسبب بسياساته في زيادة حدة التناقضات الكامنة في المجتمع السوداني، انقسم التحالف المدني لثلاث فصائل بقي أكثرها صلة بالفاعل الأجنبي الغربي والدولة الإقليمية الخليجية المؤثرة هو الأكثر قربا للسلطة وفاعلية في السياسة. ثم حدث فض للشراكة بين هذه القوى المدنية وبين الجانب العسكري في 25 أكتوبر 2021
وبسبب التدخلات الخارجية الكبيرة ممثلة فيما عرف بالآلية الثلاثية المشكلة من البعثة الأممية بقيادة الألماني فولكر، وممثلية الاتحاد الأفريقي، وممثلية منظمة الإيغاد (منظمة تجمع دول القرن الأفريقي تعنى بمكافحة التصحر)، وتدخل الآلية الرباعية التي ضمت سفراء بريطانيا وأميركا والإمارات والسعودية ومنعت الآليتين مجلس السيادة من تشكيل حكومة بديلة تدير المرحلة الانتقالية، كما منعته من اللجوء إلى خيار إجراء انتخابات عامة في البلاد تعيد السلطة إلى الشعب وتحقق التحول الديمقراطي المطلوب.
طرحت الآلية وثيقة اتفاق سياسي جديد، ودستور انتقالي جديد أعدته منظمة PILPG وكانت بمثابة بيت الخبرة الذي رعا مشروع الدستور الانتقالي، وبدأت حينها مرحلة جديدة عرفت داخليا (العملية السياسية النهائية) نوى فيها المشروع الخارجي الإمساك التام بكل مفاصل السلطة، واستكمال تفكيك بقية مؤسسات الدولة خاصة السلطة القضائية التي عرفت عبر تاريخ السودان باستقلالها وحيادها وكفاءتها المهنية. وتفكيك بقية المؤسسات المدنية والمؤسسات العسكرية والأمنية وتشكيل مؤسسات بديلة من منسوبي المجلس المركزي وممن يوالون الغرب ويشاركونه أفكاره. ولقد كان لغالب منظمات المجتمع المدني المتصلة بمصادر التمويل الخارجي دورا ًكبيراً في تلك العملية السياسية بجانب الدور الرئيس الذي تقوم به البعثة الأممية والتمثيل الصوري للاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيغاد.
تجدد في الدستور الانتقالي المقترح حذف اللغة العربية مرة أخرى، في تأكيد على إصرار الخارج وشركائه المحليين في تحالف الحرية والتغيير على موقفهم من هوية السودان وضرورة تغيير تلك الهوية، ومن ثم تغيير توجهاته وسياساته ومنظومته الثقافية والحضارية والقيمية. وبرز في الدستور الانتقالي أمر بالغ الخطورة يتمثل في تعزيز مكانة قوات الدعم السريع التي تمتع بها من خلال نصوص الدستور الانتقالي لعام 2019، إذ نص الدستور المقترح على بقاء هذه القوات منفصلة وموازية عن الجيش الوطني وتحت رعاية المدنيين. على أن يستمر هذا الوضع لمدة 10 سنوات ينظر بعدها في توحيد المنظومتين في منظومة واحدة تكون منظومة الدعم السريع هي نواتها وليس الجيش!
تحت ضغط الآلية الرباعية (بريطانيا وأميركا والإمارات والسعودية)، وقع قائدا الجيش والدعم السريع وتحالف الحرية والتغيير المجلس المركزي على اتفاق إطاري يتضمن ما سبق ذكره، فأثار ذلك غضب المجتمع وحفيظة المؤسسة العسكرية التي يهددها هذا الاتفاق بالحل والفناء الذي يترتب عليه ضياع وتفكك الدولة السودانية ووجودها، فهدد تحالف الحرية والتغيير، على لسان كل قادته ورموزه الجيش والمجتمع، بشن الحرب في حال عدم المضي في تنفيذ الاتفاق!
* الحرب كخطة بديلة للهيمنة الغربية على السودان:
– بعدما أفشل المجتمع ومؤسسة الجيش خطط الغرب للسيطرة على السودان بالوسائل السياسية والدستورية، لجأ الغرب إلى الحرب كخطة بديلة ظل يعد لها ويوفر لها عوامل النجاح خلال سنوات الانتقال الأربعة الماضية، فخلال تلك الفترة، تمت زيادة عدد قوات الدعم السريع من 17 ألف جندي إلى أكثر من 120 ألف جندي، وتم رفع قدراتها القتالية عبر التدريب الذي وفرته دول وشركات أجنبية، وعبر تطوير تسليحها الذي تطور تطوراً كبيراً من خلال رعاية إقليمية عربية وصهيونية.
– تشير تقديرات عسكريين مطلعين إلى أن دولة عربية أنفقت ما بين 18 إلى 20 مليار دولار لتأهيل هذه القوات وتطوير تسليحها، وتطوير نظم القيادة والاتصال ونظم التجسس، وتوفير المهام، وتحسين شروط العمل فيها، وترحيل الملايين من أعراب الساحل الأفريقي للاستيطان في السودان ليحقق استيطانهم أهدافاً كثيرة، من بينها توفير حاضنة اجتماعية للدعم السريع وتوفير مصدر لإمدادها بالمقاتلين من داخل السودان. وبفضل هذا العمل، أضحت هذه القوات قادرة على استقطاب سودانيين وأفارقة وبعض الأوروبيين للعمل في صفوفها، وهذا ما تبيّن بجلاء خلال هذه الحرب.
– لم تكن هذه الحرب حرباً عبثية، إذ تشير كثير من المعطيات والوقائع إلى أن هذه الحرب جاءت بعد إعداد طويل لقوات الدعم السريع التي تطورت قوتها العسكرية والاقتصادية كماً وكيفاً خلال أعوام الانتقال الأربعة التي تلت سقوط نظام البشير، حتى تمكنت من تحويل تهديد ظهيرها السياسي، تحالف الحرية والتغيير، إلى واقع ملموس يدفع السودان والسودانيون ثمنه غالياً مع كل دم يراق، وروح تزهق، ومواطن يهجر، وعرض ينتهك، ومال ينهب، وبنية تحتية تدمر.
– إن مليشيا الدعم السريع ووفق وضعها المختل في الدولة مثلت الشق العسكري لمشروع تركيع وحصار وتفكيك السودان كخطة بديلة لفشل المسار السياسي الدستوري من المشروع والذي ظل يمثل دورا مساندا لموقف المليشيا من الحرب ومكررا ذات الدعاية التي تنشرها عن الحرب.
1- أهداف الحرب:
– بدابة كان الهدف فرض الاتفاق الإطاري والدستور الانتقالي الجديد الذي تم إعداده بواسطة الآلية الرباعية. وقد أكد ذلك قائد الدعم السريع حين سيطرت قواته على السلطة في اليوم الأول للحرب، وأضاف أن اعتقال أو اغتيال قادة المؤسسة العسكرية هو كذلك هدف رئيس لهذه الحرب.
– مع مرور الأيام، تبدلت أهداف الحرب، حيث بدأت قوات الدعم السريع، ومنذ نهاية الشهر الأول للحرب، تعلن أن هدف الحرب الرئيس هو وضع نهاية لدولة 1956، وهي الدولة الوطنية التي تأسست بعد نيل السودان استقلاله، وتأسست من خلال التوافق الوطني بين أبناء السودان كافة.
– نهاية هذه الدولة يعني أول ما يعني وضع حد لاستقلال السودان، وإنهاء سيادته على أرضه، كما يعني، وبشكل واضح، أن جغرافيا السودان التي كرستها دولة 1956 عرضة للتقسيم ومستهدفة به. وبهذا الوضوح، ينتفي أي تفسير بسيط لأهداف الحرب يُصورها حرباً على السلطة بين رجلين، ويؤكد ذلك تركيز الدعم السريع على تحقيق إنجازات ميدانية تخدم هدفه (القضاء على دولة 1956).
– خطت قوات الدعم السريع خلال أيام الحرب خطوات خطيرة في مسار إنهاء وتفكيك الدولة السودانية المستقلة منذ العام 1956، وقامت بعمليات بالغة الخطورة يمكن ايجازها في ما يلي:
• تدمير السجل المدني وإحراق دار الوثائق القومية التي تعتبر الذاكرة التاريخية للسودان، وهي تحتوي كل وثائق السودان التاريخية الخاصة بحدوده الجغرافية وبالخرائط المختلفة، وتحتوي على تفاصيل مكوناته الديموغرافية، والعلاقات القائمة بين القبائل، والمواقع الجغرافية لكل قبيلة ومجموعة سكانية. وتحتوي دار الوثائق على كل وثائق الدولة واتفاقياتها الدولية والإقليمية والاتفاقيات الثنائية التي أبرمتها مع الدول، وتحتوي كذلك على كل الإنتاج الفكري والسياسي والإعلامي للسودانيين عبر حقب التاريخ السوداني المختلفة وغيرها من الوثائق. وتدمير 8 متاحف قومية تحتوي على آثار السودان التي تجاوز عمرها 7 آلاف عام. وقد أعلن الدعم السريع عند تدميره لها أنه دمرها لأنها لا تعبر عنه، وأغلب من قاموا بعمليات التدمير من غير السودانيين، وإحراق المكتبات العامة والمكتبات الخاصة بالجامعة ودور النشر، وتدمير المعامل الخاصة بالجامعات، وتدمير مراكز معلومات الجامعات التي تحتوي وثائق الجامعات وسجلاتها الأكاديمية، وتدمير مركز معلومات وزارة التعليم العالي. وبهذا، يتعذر استخراج الشهادات الأكاديمية أو توثيقها. وتدمير سجلات الأراضي والعقارات. وبذلك، يتعذر على كل صاحب عقار طردته منه قوات الدعم السريع واحتلته إثبات ملكيته له بعد نهاية الحرب. وتدمير أرشيف السلطة القضائية وسجلاتها ومتحفها. وتدمير معهد الأبحاث الزراعية الذي يحتوي خلاصات جهود علماء الزراعة في السودان التي حققوا عبرها أهم الإنجازات في مجالات الزراعة كافة. وتدمير معهد الأبحاث الصناعية الذي يعتبر المنصة البحثية الوطنية الأولى والكبر والأهم في السودان، والذي يحتوي على رصيد علمي ثري في مجالات الصناعة. وتدمير مركز أبحاث النفط الذي مكن السودان من امتلاك تكنولوجيا النفط ووطنها، وتمكن من خلالها استغلال موارده النفطية في زمن فرضت فيه أميركا والغرب حظراً على السودان، ومنعت شركاتها من الاستثمار فيه، ومنعت نقل تكنولوجيا صناعة النفط من الدخول إليه. وتدمير مكتبة الإذاعة والتلفزيون السوداني التي تحتوي على الإنتاج الإعلامي والثقافي والفكري السوداني المشاهد والمسموع، وتدمير كل الأرشيف الخاصة بهما، في مسعى لمحو الذاكرة الثقافية للسودانيين. وتدمير المناطق الصناعية في الخرطوم، وعددها 10 مناطق، وسرقة مدخلات إنتاجها ومنتجاتها، وتدمير المصانع، في عمل يتجاوز ما لحق بالمناطق الصناعية في سوريا خلال سنوات أزمتها. وتدمير المصارف وسرقة أموالها، وسرقة أمانات المواطنين المحفوظة في صناديق الأمانات بهذه المصارف. ونهب أسواق ولاية الخرطوم وإحراقها. وتهجير سكان أحياء الخرطوم، وطردهم من منازلهم، ونهب مقتنياتهم، واحتلال منازلهم، واستجلاب مستوطنين من غرب أفريقيا ليسكنوا فيها. وممارسة الاغتصاب والزواج القسري، واختطاف نساء سودانيات، ومساومة أسرهم للإفراج عنهم مقابل المال.
2- التطهير العرقي في السودان أرض الميعاد الجديدة:
– تشير المعلومات إلى أن مليوناً ومئة ألف من هؤلاء المهجرين استخرجت لهم قوات الدعم السريع أرقاماً وطنية وجوازات سودانية من مركزين أسستهما لهذا الغرض؛ أحدهما في جنوب ليبيا، والآخر في دولة مالي. وتم وضع خطة متكاملة كذلك لعمليات الاستيطان، كان التركيز فيها على الجغرافيا ذات الخصوصية التاريخية والاقتصادية، كما هي الحال في الشمال والوسط وعلى امتداد نهر النيل، وكان التركيز على الموقع الجغرافي المرتبط بالصراع في دارفور والتي ترتبط بحدود مع بعض الدول التي تم تهجير المستوطنين منها، فتم شراء الأراضي والمزارع في الشمال والوسط وعلى النيل، وتم توطين المستوطنين فيها، وتم ذلك في بعض ولايات دارفور الخمس.
– كما تمت عمليات توطين المستوطنين في الخرطوم بعد طرد وتهجير السكان من منازلهم، وتكرر ذلك في ولاية غرب دارفور، لكن بعدما قامت قوات الدعم السريع بعمليات تطهير عرقي في هذه الولاية بتاريخ 14/6/2023، راح ضحيتها 5200 شاب ورجل في يوم واحد في مدينة الجنينة عاصمة الولاية وحاضرة قبيلة المساليت صاحبة الأرض والتاريخ في هذه الجغرافيا.
– لم يكن مشهد التصفية والتطهير العرقي مشهداً حصرياً في مدينة الجنينة، فقد تكرر في مدينة زالنجي، ومدينة كاس، كما تكرر في مدن وقرى أخرى في دارفور، ومثلت منطقة الزُرق مثالاً خاصاً حيث حدث فيها إحلال سكاني طرد بموجبه سكانها التاريخيين وجعلت مستوطنة خاصة بأسرة قائد الدعم السريع. وقد بذلت قوات الدعم السريع جهوداً كبيرة لإنجاح المشروع الاستيطاني، وقامت ببناء مدن وقرى جديدة، وقامت بتوريد منازل جاهزة من خارج السودان لتكون سكناً للمستوطنين في هذه المدن والقرى، وفّرت فيها من الخدمات ما يخاطب أكثر من حاجات المستوطنين وتطلعاتهم.
3- من يقف وراء الحرب؟
– من يطلع على أبعاد الحرب في السودان وما حظيت به من رعاية واهتمام وتمويل، وقبل ذلك من تخطيط، يدرك أن مشروع الحرب ليس صراعاً بين رجلين على سلطة، وليس حرباً نمطية يريد من خلالها فريق سياسي محلي أن يبسط سلطانه على بلده، فهذه الحرب التي جرى التحضير والإعداد لها أكبر من ذلك، وأكبر من قدرات قائد الدعم السريع الثقافية والسياسية والمعرفية، فهو شخص محدود التعليم، حديث العهد بالعمل العسكري وبالسياسة والعمل العام، لا يمتلك من القدرات الذهنية ما يحمله على إنتاج مشروع بهذا الحجم.
– علاقة دعم قديمة من الاتحاد الأوروبي لقوات الدعم السريع وصلات قوية بالكيان الصهيوني وتعامل مع شركة فاغنر الروسية الخاصة ونشاط اقتصادي في الذهب ثم تحالف مع القوى السياسية المساندة للمشروع الغربي في السودان ودعم منظمات مجتمع مدني بأموال من قوات الدعم السريع وهناك شهود كثر عن وجود منظمات تعادي الجيش وتتلقى أموالا من الدعم السريع والعون الأمريكي USAID في ذات الوقت.
– دعم كبير من دولتين خليجيتين ومن الكيان الصهيوني.
وعودة للدور الإسرائيلي في السودان وهو دور قديم، حيث عمل الصهاينة منذ ما قبل استقلال السودان من أجل إشعال الصراع وصب الزيت على النار واللعب على وتر العرقية والإثنية في السودان.
*السودان من المنظور الديني الصهيوني.
يحظى السودان بأهمية كبيرة في منظومة التفكير والعقائد الصهيونية، ويعد الكتاب المقدس أهم مصدر لهذا الاهتمام، فقد ورد اسم السودان فيه 55 مرة تحت اسم كوش، وقد وصفه هذا الكتاب بأرض حفيف الأجنحة، ويحظى السودان كذلك باهتمام خاص من قبل بعض الجماعات الدينية التي ترى أن أجزاء واسعة من السودان هي جزء من جغرافيتههم.
5- السودان في المنظور الاستراتيجي الصهيوني.
– لقد جعلت “دولة” الكيان الصهيوني حدودها من النيل إلى الفرات، ونهر النيل الذي يتكون في الخرطوم من النيلين الأزرق والأبيض ويتدفق نحو الشمال باتجاه مصر له مكانة خاصة في المنظور الاستراتيجي الصهيوني شأنه شأن الفرات، وصممت علمها ليعكس أهمية النهرين من منظورها الاستراتيجي، ورمزت لهما بخطين أزرقين في أعلى وأسفل العلم بينهما نجمة داؤود، في تكامل بين الديني والاستراتيجي.
– في شهر آب/أغسطس 2008، قدم وزير الأمن الصهيوني آنذاك آفي ديختر محاضرة في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي عن الاستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة، تناول خلالها الرؤية الاستراتيجية للكيان الصهيوني تجاه 7 دول، هي فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وإيران ومصر والسودان
– لخص ديختر الرؤية الاستراتيجية الصهيونية تجاه هذه الدول بمقولته: “إن إضعاف تلك الدول واستنزاف طاقاتها وقدرتها هو واجب وضرورة من أجل تعظيم قوة إسرائيل، وإعلاء منعتها في مواجهة الأعداء، وهو ما يحتم عليها استخدام الحديد والنار تارة، والدبلوماسية ووسائل الحرب الخفية تارة أخرى”.
– وقال إن السودان، بموارده ومساحته الشاسعة، من الممكن أن يصبح دولة إقليمية قوية منافسة لدول مثل مصر والعراق والسعودية، وإنه يشكل عمقاً استراتيجياً لمصر، وهو ما تجسّد بعد حرب 1967، عندما تحول إلى قواعد تدريب وإيواء لسلاح الجو المصري والقوات الليبية، كما أنه أرسل قوات مساندة لمصر في حرب الاستنزاف عام 1968. وبناء عليه، بحسب ديختر:
• لا يجب أن يسمح لهذا البلد بأن يُصبح قوةً مضافةً إلى قوة العرب.
• لا بدَّ من العمل على إضعافه وانتزاع المبادرة منه لمنع بناء دولة قوية موحدة فيه.
• سودان ضعيف ومجزأ وهشّ أفضل من سودان قوي وموحّد وفاعل.
ما سبق يمثّل من المنظور الاستراتيجي ضرورة من ضرورات الأمن القومي الإسرائيلي وقد كان التدخل الصهيوني في السودان قديم من قبل استقلال السودان حيث كان يحفز أسباب الصراع العرقي والإثني وكان يرتكز على استراتيجية عزل السودان من المحيط الإسلامي العربي ومنع ذلك التركيب السوداني العربي الأفريقي من أن يكون جسرا لفاعلية واتصال حضاري وثقافي في أفريقيا. وقد أضيفت لهذه الاستراتيجية أهداف اقتصادية ذات صلة بالأمن المائي والغذائي لدولة الكيان الصهيوني.
*مصالح “دولة” الكيان الصهيوني في السودان.
– موقع السودان الجيواستراتيجي والجيوحضاري مركز اهتمام كبيراً لـ”دولة” الكيان الصهيوني يمكن أن يكون لمصلحة مشروع التحرر والاستقلال الوطني والقومي في الوطن العربي وفي قارتي آسيا وأفريقيا، إن تمكّنت من بسط نفوذها في السودان حدّت من مخاطره عليها، لكونها مشروعاً كولونيالياً متعدد الأوجه والأهداف، وإن أفلت السودان منها وتحرر من نفوذها وقف في الضفة الأخرى المقابلة لها، كما كان منذ قيام “دولة” الكيان.
– الكيان الصهيوني له مصالح اقتصادية في السودان الذي يتمتع بموارد اقتصادية هائلة ظلت هدفاً لـ”دولة” الكيان الوظيفية التي أقامها الغرب لتكون قاعدة اقتصادية متقدمة له حيث الموارد الاقتصادية وحيث مدخلات الإنتاج المتنوعة التي عرفت بها قارتا آسيا وأفريقيا، وحيث الأسواق التي تعتبر الأكبر في العالم، لأنها سوق لستة مليار نسمة يشكلون مجموع سكان القارتين.
– ولهذا الكيان كذلك مصالح سياسية في السودان، يحققها أو يخسرها وفقاً لموقعه في المسرح السوداني، ومن هذه المصالح موقف السودان من القضية الفلسطينية، وتأثيرات هذا الموقف في الفضاء الأفريقي، وبخاصة في أفريقيا جنوب الصحراء، وله مخاوف أمنية في السودان الذي ظل داعماً للقضية الفلسطينية في كل الحروب التي بدأت منذ حرب 1948 وحتى عملية سيف القدس، حيث كان للسودان مساهمة فيها كلها مشاركاً وداعماً لفلسطين، يمكن لهذه المخاوف أن تتحول لمصالح في حال تمكّن مع الغرب من تنصيب نظام حكم موالٍ لهما.
*مستقبل الحرب.
– يقول خبراء عسكريون إنَّ المعركة العسكرية الأساسية حسمت في الأسبوع الأول من الحرب حين قام الجيش بتدمير جميع المراكز العسكرية لقوات الدعم السريع في ولاية الخرطوم، وأنّه تمكن كذلك من تدمير منظومة القيادة والاتصال الخاصة بها، كما قام بتدمير غالب قدراتها العسكرية، وقضى على أكثر من 70% من قواتها المقاتلة، وأنَّه مسيطر على جميع ولايات السودان البالغ عددها 18 ولاية، وأنّ الجيش يتمتع بتأييد واحتضان شعبي غير مسبوق، وقد ترجم الشعب ذلك في حجم الدعم اللوجيستي الذي قدمته الولايات بقراها ومدنها للجيش، ومن خلال تطوع عشرات الآلاف من الشباب والشابات للقتال إلى جانب الجيش.
– لكن بات واضحاً أن انتشار ما تبقى من قوات الدعم السريع داخل الأحياء السكنية وفي بيوت الموطنين وداخل المؤسسات الصحية والخدمية الأخرى قد صنع تحدياً أمنياً كبيراً يتعامل معه الجيش بتؤدة ونفس طويل.
– نشأ إلى جانب هذا التحدي تحدٍ دبلوماسي وسياسي من واقع إحساس الغرب وشركائه الإقليميين والمحليين بفشل مشروعهم للسيطرة على السودان من خلال استخدام القوة العسكرية التي سهروا على إعدادها لهذه المهمة، ووفروا لها كل متطلبات النجاح المادية.
– يبذل الغرب وشركاؤه جهوداً كبيرة لإنقاذ الموقف، واستنقاذ ما تبقى من قوات الدعم السريع، والسعي لتوفير الفرص لها لالتقاط أنفاسها، وسد حاجاتها من العتاد العسكري مع محاولات الغرب المتكررة لتوظيف الآليات الإقليمية، مثل الاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيغاد، لاستعادة الملف السياسي الذي أضاعته الحرب، والعمل على إحياء الاتفاق الإطاري.
– الرأي العام الشعبي رافض لأي مستقبل سياسي وعسكري لهذه القوات المتمردة ولذلك شكَّل حالة من الضغط على أمام الضغوط الغربية والإقليمية ويواجه الذراع السياسي المساند للمليشيا.
– ظل تحدي الإعلام يمثل خطراً كبيراً، إذ ما تزال المنصات الإعلامية الفضائية والرقمية التي تتركز في منطقة الخليج تمارس أقسى أساليب الحرب والحرب النفسية، في مقابل ضعف بائن وكبير لإعلام الدولة.
– ثمة فرص كبيرة يمكن استثمارها من قبل الدولة والقوى الوطنية تتمثل في الالتحام الشعبي مع الجيش خلال هذه الحرب، وهناك ما يشبه الإجماع بين المكونات الاجتماعية في السودان كله، وفي دارفور بشكل خاص، وهو ما يمكن توظيفه في تحصين وتقوية وحدة المجتمع السودان لصون وحدة السودان.
– وللمساهمة في تقصير أمد الحرب من خلال إشاعة الوعي، وفي منع توفير وقودها المتمثل في المقاتلين المحليين أو القادمين من وراء الحدود لما لهذه المكونات من قدرة تمكنهم من ذلك، ومن خلال قيادة جهود مجتمعية تهدف إلى تحقيق توافق وتراضي وطني حول الأجندة الوطنية التي تمكن من وقف الحرب وتوفير عناصر نجاح الفترة الانتقالية وتوفير عناصر استدامة الأمن والاستقرار.
– الاستثمار في قدرات المجتمع السودان وتوظيفها لمصلحة عمليات بسطة الأمن والطمأنينة، وتحصين البلد من التدخل الخارجي، وحماية سيادتها ووحدتها وهويتها، ودفع جهود التحول الديمقراطي، كفيل بوضع السودان في منصة جديدة قادرة على مقارعة الصعاب والتحديات والخطوب.
* توصيات وختام.
– توظيف الطاقات الشعبية العربية لدعم السودان في مواجهة التحدي الوجودي. وتعزيز جهود المجتمع السوداني الهادفة إلى حماية استقلال السودان، وصون استقلاله، والمحافظة على وحدة ترابه وشعبه.
– التأكيد على دور المؤسسة العسكرية السودانية كضامن لوحدة السودان أرضاً وشعباً، ولكونها تمثل أحد أهم ممسكات الوحدة الوطنية وركائزها، والتأكيد على ضرورة صونها من الاضعاف والتفكيك، والعمل من أجل المحافظة عليها وتمكينها من الاضطلاع بدورها الدستوري والحصري في حماية الامن القومي السوداني ومقابلة التحديات التي تواجهه.
– الضغط على دور بعض الدول الخليجية السلبي تجاه السودان خصوصا دولة الإمارات.
– تمكين المجتمع السوداني من اجتراح الحلول لأزماته وفقاً لإرادته الوطنية الحرة وبعيداً من التدخلات الخارجية.
– دعوة الدول العربية للمساهمة الفاعلة في عمليات اعادة اعمار ما دمرته الحرب، وتجديد الدعوة لتعزيز الشراكات الاقتصادية مع السودان لتحقيق الأمن الغذائي العربي بوصفه عنصر رئيس من عناصر تحقيق الأمن القومي العربي.
– الدعوة إلى إعادة السلطة إلى الشعب ليختار برامج الحكم التي تخاطب تطلعاته، والحكام الذين يتمتعون بثقته عبر انتخابات حرة ونزيهة وشفافة بسرعة ودون إبطاء.
– ونؤكد على أهمية عقد مؤتمر تخصصي أو ورشة حول الظاهرة الانقسامية في الوطن العربي فالدولة الوطنية العربية مهددة حتى في صيغتها القطرية. ونعتقد جازمين وجود ترابط بنيوي بين المشروع الوحدوي القومي وبين التحرر الوطني لكل قطر ضد المشروع الأجنبي وسياسات التحالف الغربي الصهيوني.
حفظ الله شعب السودان وأرض السودان.
حفظ الله أرض فلسطين من البحر حتى النهر.
وحفظ الله سائر الأوطان العربية من المحيط إلى الخليج.
حفظ الله أفريقيا حرة أبية على الاستعمار.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هشام عثمان الشواني – الأمين السياسي لحركة المستقبل للإصلاح والتنمية.
مصدر الخبر