المشهد الديسمبري شكل التمظهر الأكبر والأوضح في تاريخ ما بعد استقلال السودان للتدخلات الخارجية
[ad_1]
لم يعرف عن التيار الإسلامي السوداني – خارج سياق محاولات الشيطنة والتنميط الصبياني الكسول – أي عصبية مذهبية أو الدعوة في أو إلى إطار أيديلوجي شديد الصرامة، بل تميز هذا التيار – في مختلف تجلياته السياسية والفكرية –
بكونه تكوينا جبهويا ذا طبيعة سياسية مرنة تتنافى مع تكلس البناء التنظيمي وفضاء فكري فضفاض يتعارض مع النزعات الارثوذكسية؛ ولعل ذلك هو ما أكسبه الخصائص والسمات المائزة له سواء عدت في باب الميزات أو المعايب.
المتتبع لمسيرة هذا التيار يجد أن القاسم المشترك الأعظم بين مختلف مكوناته على تفاوتها، وفي كل مراحله التاريخية برغم اختلاف ظروفها وطبيعتها، هو النزوع نحو تبني رؤية وطنية تراهن على الإرادة السودانية ، ومحاولة استجلاء الأمور وتكييف القضايا من خلال منظور فكري وسياسي مستقل عن إملاءات الخارج أو التحيزات السافرة لأي من أقطابه أو مصادر التأثير فيه، برغم ما أشرنا إليه من محاولات تيار الشيطنة التنميطي الرامية في مناسبات عديدة إلى القول بخلاف ذلك.
النزعة الوطنية الاستقلالية المتجذرة صبغت مواقف التيار الإسلامي في إطارها العام بشئ مما يمكن وصفه بالحدة تجاه تدخلات الخارج، والتعبير عن ذلك بأدوات تختلف حسب ظروف التيار وتراوحه بين القوة والضعف، وإكراهات الواقع من حوله، ولكن الوجدان العام للإسلاميين ظل حفياً بهذه النزعة، شديد الاستمساك بها بالقدر الذي تلمسه في تواجدهم الشديد كلما ارتفع صوت الممانعة وثقافة المقاومة لدرجة قد تبلغ مبلغ الهوس أو الجذب الصوفي في بعض الأحيان.
أسوق هذا القول بين يدي ما لمسته من خلال تواصلي على مدى الأشهر الثلاثة الماضية مع أطياف مختلفة من المجتمع السوداني أن ما يمكن أن نطلق عليه القناعات الصلبة (firm beliefs ) لدي الإسلاميين حيال مسألة التدخلات والتأثيرات الخارجية وتفسيراتهم وتكييفهم لها قد تحولت إلى معتقدات جماهيرية وقناعات تسير بين جموع الناس على أنها مسلمات، تحت تأثير صدمة الحرب باعتبارها تعبيرا انتهائيا عن مآلات المشهد الديسمبري الذي شكل التمظهر الأكبر والأوضح في تاريخ ما بعد استقلال السودان لهذه التدخلات.
غني عن القول أن هذا المتغير الكبير ستترتب عليه انعطافات حادة في تشكيل المشهد السوداني القادم، ولعله سيكون المحدد الرئيسي في صياغة السجل المدني الجديد للسياسة السودانية. الدعوة إلى ضرورة ترشيد مظاهر التعبير عن هذه النزعة في مدها الشعبوي والعمل على عقلنتها ستكون ضرورة تتجلى بعد زمن ليس بالطويل، ولعل المطلوب من الإسلاميين في ذلك أكثر من غيرهم بكثير.
زهير عبد الفتاح
مصدر الخبر