السياسة السودانية

حليم: حول حدود تفويض الجيش للتفاوض مع المليشيا

[ad_1]

ما يُسمى ب “القوى المدنية” التي يُراد لها أن تشارك في المفاوضات هم عبارة عن حلفاء المليشيا من القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري. إدخال هذه القوى في المفاوضات يعني أن يتفاوض الجيش مع المليشيا زائد حلفاءها، وهو أمر غير مقعول اللهم إلا إذا كانت قيادة الجيش تريد إنتاج شراكة جديدة شبيهة بشراكة كورنثيا، وهو بمثابة انتحار لقيادة الجيش لا يمكن أن تقدم عليه ولا يوجد ما يجبرها على ذلك.

الدعم السريع في الأساس عبارة عن مشكلة عسكرية. قوة تمردت وحاولت الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح، وشنت حرب ضد الدولة والشعب. لا توجد أي أجندة سياسية هنا لمناقشتها. المطلوب إنهاء التمرد ومن ثم إنهاء مشكلة الدعم السريع كقوة موازية للجيش؛ قوة تكونت من أموال الشعب السوداني ولم يخترعها آل دقلو أو قوى الحرية والتغيير ليركبوا عليها أجندتهم وطموحاتهم السياسية.

مؤسسة القوات المسلحة التي يدعمها الشعب السوداني ويقف خلفها هي مؤسسة عسكرية وليست حزباً سياسياً، ولذلك فهي لا تعقد التحالفات السياسية مع الأحزاب؛ ومليشيا الدعم السريع كانت قوة تابعة للمنظومة الأمنية في البلد مثلها مثل هيئة العمليات أو الاحتياطي المركزي، ووظيفتها وظيفة عسكرية بحتة. هل يمكن تصور قيادة الاحتياطي المركزي وهي تتحالف مع أحزاب وتتبنى أجندة سياسية؟ أو هل يمكن تصور هيئة العمليات وهي تقوم بذلك؟

قوات الدعم السريع بموجب قانونها تستمد شرعيتها ووجودها كقوات عسكرية مهمتها إسناد الجيش، اي كقوات تقوم بعمل عسكري بحت، لا مجال لقيامها بأي أدوار سياسية. ما حدث من إدخال الدعم السريع في الصراع السياسي يتعلق بالطموح الشخصي لحميدتي وليس بطبيعة هذه القوات. وهذا خطأ يجب أن ينتهي.

الخطأ الآخر الذي يجب أن ينتهي هو خطأ أبريل 2019. يجب تجاوز ما يُسمب بثورة ديسمبر وكل ما يترتب عليها. وهدا لا يعني بأي حال من الأحول تجاوز تطلعات السودانيين في العدالة وفي الديمقراطية،

ولكن إطار ديسمبر كما ترسخ خلال السنوات الماضية وتجسد في قوى الحرية والتغيير ولاحقاً في الدعم السريع (هذه هي القوى التي تقتات على شعارات ديسمبر) لا يعبر لا عن الديمقراطية ولا عن أي شيء يتطلع آليه الشعب الشعب السوداني.

ديسمبر تعبر عن أجندة قوى محدودة تسمي نفسها قوى الثورة أو القوى المدنية وانضمت إليها لاحقاً مليشيا الدعم السريع التي تريد أن ترث ديسمبر برمتها (ويمكنها ذلك؛ فالدعم السريع كما تطرح نفسها الآن هي أقوى مكونات قوى ديسمبر؛ تملك جنود وسلاح وأموال وعلاقات خارجية وهي أقوى من كل أحزاب قحت وشتات ديسمبر ويمكنها قيادتهم إذا ما تم لها الاتفاق مع الجيش؛ ستصبح مليشيا الدعم السريع شيئاً شبيها بحركة جون قرنق رافعة جديدة لشتات ديسمبر من ما يُسمى بالقوى المدنية وسينحاز لها كل هذه الشتات بعد توقيع اتفاق سلام مع العسكر تغتسل بواسطته من جرائمها وتصبح الطرف الثاني وربما الأول الأكثر فاعلية في المشهد السوداني)،

ولكل ذلك فيجب تجاوز مستنقع ديسمبر برمته لصالح أفق وطني جديد؛ ومرحباً في الإطار الوطني الجديد بقوى ديسمبر المؤمنة بقيم الديمقراطية والعدالة مضافاً إليها قيم السيادة والتوافق والوحدة الوطنية. أما إطار ديسمبر فهو إطار قائم على الإقصاء وعلى الاستهبال واختطاف إرادة الشعب بواسطة قوى عملية تعمل كمخالب للتدخل الخارجي بقدر ما تسعى لمصالحها الذاتية الضيقة إن لم يكن أكثر.

نحن مع قيم الديمقراطية والعدالة ولكن في أفق وطني واسع يستوعب الجميع بلا استثناء وبلا وصاية داخلية أو خارجية، ومع استعادة السيادة الوطنية التي أضاعتها ثورة ديسمبر وما ترتب عليها، فما يسمى بحكومة الثورة هي من استدعت بعثة أممية بقيادة فولكر لتتحكم في الشأن السياسي الداخلي

وأصبحت القوى التي تعتبر عن ديسمبر تستمد شرعيتها من الخارج بأكثر مما تستمدها من الشعب السوداني؛

فأحزاب قحت لم يفوضها أحد، ولكنها تتمتع بثقل سياسي لأنها مدعومة الخارج بوصفها القوى المدنية الديمقراطية التي تعبر عن تطلعات الشعب السوداني في الحرية والديمقراطية، هكذا يُراد فرضها علينا من الخارج. ولكل ذلك لابد من قطعية كاملة مع ديسمبر برمتها.

بعد الحرب إذا أراد العسكر أن يتكموا مع الشعب السوداني فيجب عليهم أن يتكلموا مع كل السودانيين عبر المكونات التي تمثلهم، وليس مع أحزاب وقوى الثورة لوحدها، تلك مرحلة انتهت.

مرة أخرى، الدعم السريع مشكلة عسكرية بحتة، وهو قوة عسكرية تمردت وليس حركة مطلبية أو حزب سياسي ولا وجود لشيء اسمه قوى مدنية تمثل الشعب السوداني في التفاوض.

الشعب السوداني تمثله مؤسسة القوات المسلحة بموجب قانونها، وتفويض القوات المسلحة الذي تمثل بموجبه الشعب هو السيطرة على التمرد واستعادة الأمن؛ هذه هي حدود تفويض الجيش في أي تفاوض مع المليشيا؛ هدف الجيش إنهاء التمرد واستعادة الأمن والاستقرار، وليس الدخول في مناقشات سياسية حول الفترة الانتقالية والديمقراطية في غير محلها؛ هذه القضايا قضايا سياسية تهم كل الشعب السوداني ومحلها هو الحوار الوطني الشامل وليس قاعات التفاوض بشأن وقف الحرب الحالية.

حليم عباس

[ad_2]
مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى