كاتب قطري: السودانيون لن ينسوا سقوط حكم العسكر عام 1964م عندما جاءت الجبهة الاسلامية
[ad_1]
عندما نشأت الحركة الاسلامية في السودان جذب توازنها وايضاً عقلانيتها كما تلك الفترة في اربعينيات القرن الماضي كثيراً من شرائح المجتمع السوداني المتنوع بكافة اطيافه داخل النسيج السوداني وفي اعماقه وتحت مساحة الاراضي السودانية الشاسعة بالاضافة للتنوع القبلي والحركات السياسية والثقافية المختلفة وتركيبها وتعقيداتها الصعبة حتى وصلت للسلطة في اواخر الثمانينيات وذلك باسم حركة التحرير الاسلامي، والتي تحولت فيما بعد الى الاخوان المسلمين مما أدخل السودان في احد الفصول التاريخية والسياسية الجديدة وهذا بالضبط كما حدث عندما اتجه مئات الآلاف للادلاء بأصواتهم في اختيار نواب الشعب عندما اعلنت السودان بذلك حسب وصفها فصلا جديدا من الديمقراطية التي نستطيع ان نطلق عليها الديمقراطية الشعبية او الحزبية معلنة بذلك ايضاً البدء في فصل جديد من التصارع والتنافس بحكم ان فصول تلك النقلة الديمقراطية لها عدة وجوه تتعدد بين ما هو عسكري ومن ثم انتقالي رغم تفاؤل البعض بهذه التجربة الديمقراطية في السودان إلا ان كثيرا من العقلاء يرى تلك التجربة أنها لا تعدو ان تكون سلسلة من حلقات العبث بأمن السودان ومحاولة ضرب النسيج الاجتماعي والسياسي في السودان بعضه ببعض في حين ان البعض كان يعطي هذه الحلقة من التجربة الديمقراطية الأمل ويشبهها بالإنعاش كالصادق المهدي باعتبار ان تلك التجربة ما هي الا نقله حضارية ونتاج حرية المواطن السوداني وسط الاراء المختلفة والتي سيطرت على كل الحريات كالسلطة والاحزاب المختلفة.
نستطيع القول ان السودانيين لن ينسوا سقوط حكم العسكر عام 1964م عندما جاءت الجبهة الاسلامية بشعار الدستور الاسلامي باعتباره منهج حياة ولكن دون العمل بهذا المنهج الاسلامي كأساس للحكم مع اقتصار الحركة في تلك الفترة على تقديم نفسها كإطار اسلامي جديد للامة وان الاسلام هو نهجها في التطبيق والحكم ومبادئ العدالة حتى مع جنوب السودان.
مع ملاحظة انه كانت هناك بعض النجاحات والتي قد لا تعود لأي استثمارات سياسية للحركة سوى انها تعاونت في بعض القضايا بشكل إيجابي مع تحالفات مؤقتة مع الاحزاب التقليدية ومنها أيضاً وقف عمل الحزب الشيوعي والنجاح في ابعاده من البرلمان وانشاء علاقات مع دول من خارج السودان ومنها فتح باب الهجرة والتعاون في مجال التدريب مع بعض الدول الافريقية بجانب ابتعاث طلابها للدراسة في دول الغرب وفي كافة التخصصات العلمية والفنية والصناعية وفي اعتقادي ان تلك التجربة كانت افضل من التجربة الثالثة في اواخر الثمانينات خاصة ان الحركة الاسلامية في تلك الحقبة في اواخر الستينيات وبداية السبعينيات انخرطت في تحالف مع حكم النميري رغم اختلاف التوجهات الفكرية والسياسية وايضاً الدينية لكلا الفريقين. ربما يستحق تسليط الضوء على اللقاء التاريخي ما بين الصادق المهدي والرئيس النميري في عام 1977م وذلك بعد الانقلاب الفاشل ضد النميري وبعد العصيان المسلح وبعد اعتقال الكثير من الحركة الاسلامية وكوادرها القيادية وزجهم في المعتقلات وذلك بعد جملة من الاعتقالات والتي قد يكون اهمها نتيجة عملية الانقلاب الفاشلة.
لذلك وتحت هذه الظروف الطارئة وغير المتوقعة عملت الحركة الاسلامية على التصالح مع النميري رغم الخسائر التي تكبدتها من قتلى وجرحى وخسائر مادية ومعنوية ولكن مع هذا سعت بالحوار والتواصل الداخلي والخارجي لدرجة ان قام مجلس الشورى في تلك الفترة بتشجيع وتأييد التصالح ما بين الحركة الاسلامية والنميري. وما لبث حتى استقرت الأمور فانطلق الكثير إلى قواعد الجهاد وانتهت بذلك المعارضة وانقسم بذلك جميع من في هذه الحركة الاسلامية وتوزعوا ما بين ثلاثة اقسام؛ فقسم وهم القلة من التحق بالركب، وقسم ظل كالمتفرج المنتظر الى أين سوف تؤول الأمور، وقسم فضل الهجرة والابتعاد عن كل تلك السيناريوهات مع خروج البعض من الحركة لدرجة ان البعض اصبح شديد العداء لها ويحاربها بكل ما يستطيع سواء بالكلمة او المنتدى او الصحافة.
من جملة الحركات التي سبقت حركة اواخر الثمانينات التي نحن بصدد التحدث عنها هو انشاء الجبهة الاسلامية القومية والتي كانت لها تجارب سابقة في المشاركة في حكم نميري، لذلك استغلت تجاربها السابقة وخبرتها في ان تتجاوز العزلة التي عمل البعض من أجل بقائها فيها لأهداف سياسية سوف نتناول جانبا منها في مقالات قادمة، لذلك خاضت الجبهة الاسلامية القومية تجربتها البرلمانية فأصبحت أكثر عدداً وعدة في البرلمان واستطاعت بذلك ان تظهر قوتها على الساحة السياسية وسط ضعف الاحزاب التقليدية في تلك الفترة وايضاً تدني المستوى المعيشي للمواطنين السودانيين. لذا.. كانت هناك احزاب او نستطيع ان نسميها قوى داخلية كانت على أهبة الاستعداد لتولي السلطة في السودان في اي فرصة تسنح لها فلن تتوانى في الهجوم مباشرة لتولي زمام الأمور كعادة المشهد السياسي المتكرر في هذه الدولة المتلاطمة الحركات والتوجهات والثقافات والاحزاب والتيارات والقوميات المتعددة المختلفة.
أحمد محمد غيث الكواري – رؤية على المشهد السياسي السوداني (5)
“صحيفة الشرق”
مصدر الخبر