السياسة السودانية

مراقبون لا يستبعدون التدخل العسكري الأجنبي في السودان لإنهاء القتال

[ad_1]

بعد فشل كل الجهود الدبلوماسية والمبادرات والوساطات الإقليمية والدولية والمحلية المتمثلة في جهود واتصالات القوى السياسية، بما فيها جمود منبر جدة (المبادرة السعودية – الأميركية)، طالب مجلس الأمن والسلم الأفريقي، في قرار له مطلع هذا الأسبوع، بتجريد العاصمة السودانية الخرطوم من السلاح بشكل فوري. فكيف يفهم هذا القرار، مقروءاً مع تصريحات أميركية سابقة في شأن إجراءات أكثر تشدداً لوقف القتال في السودان؟ وهل حان الوقت ليرفع المجتمع الدولي والإقليمي العصا الغليظة بإجراءات أكثر صرامة في وجه طرفي القتال تتجاوز كل ذلك الفشل الدبلوماسي لوقف الحرب المندلعة في السودان منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، بعد أن تفاقمت خسائرها البشرية والمادية وتسببت في موجة تشريد ونزوح لملايين المواطنين ما زالت مستمرة؟

يعتبر مدير مركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان أحمد المفتي، أن قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي لا يعدو كونه مجرد خطوة في إطار تصعيد الضغوط على طرفي القتال في السودان، بخاصة أن الاتحاد الأفريقي غاضب من رفض السودان لوساطته، حيث لا يزال الاتحاد يجمد عضويته فيه، فضلاً عن رفض الخرطوم رئاسة كينيا لمجموعة مبادرة “الإيغاد” بدعوى أنها تأوي الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وعلى رغم إنكار الرئيس الكيني لذلك لكن الأمر لم يتم تأكيد حقيقته بعد. ولا يعتقد المفتي أن المجتمع الدولي سيلجأ إلى رفع العصا الغليظة، بمعنى التدخل العسكري الدولي، لأن الفيتو الصيني يقف بالمرصاد لذلك داخل مجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة، فضلاً عن أن تجربة العصا الغليظة لم تفلح في تحسين الأوضاع عندما تم رفعها في دول شهدت تجارب مماثلة. لكنه يرى أن العصا الغليظة من الممكن أن يتم استخدامها أيضاً خارج سياق الأمم المتحدة، لافتاً إلى أن الوسطاء الحاليين يدركون أن تجميد وساطتهم سيفقدهم الملعب السوداني، وفي الوقت نفسه يعطي الفرصة للاعبين آخرين من مصر التي باتت تتحدث عن اجتماع يضم بالإضافة إليها دول الجوار وتركيا وروسيا والصين، وبما أن السودان يعتبر صيداً ثميناً فلن تتركه الأسود الدولية للضباع الأخرى. ويشدد المفتي على أن المطالبة بإسكات صوت الحرب يمثل الآن مطلباً جماهيرياً ووطنياً، ويلتقي مع صوت كل المجتمع الدولي، سواء الأعداء منهم أو الأصدقاء، لأن الجماهير والوطن هما من يدفعان الآن الأثمان الفادحة لهذه الحرب دماراً ودموعاً ونزوحاً دماء عزيزة. ويرى المفتي أن “الحقيقة التي لم يعد أحد يستطيع أن ينكرها هي أن جماهير الشعب السوداني، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، قد تحملوا الفشل التاريخي للنخب السياسية، غير أنه من غير المقبول إطلاقاً الزج بهم في أتون مثل هذه المواجهات المسلحة، ما دفعنا في الحركة للمطالبة بالوقف الفوري المستدام لإطلاق النار”. وتوقع أنه متى تحقق وقف إطلاق النار أن تبدأ النخب المدنية والعسكرية في تكييف ما حدث ومآلاته في إطار صراعاتها المعهودة حول السلطة، والتي لم تتوقف منذ الاستقلال، وفشلت في جعل السودان وطناً يسع الجميع ويوفر لهم الحياة الكريمة، على رغم موارده وثرواته الطبيعية الهائلة. ويشير المفتي إلى أنه لا خروج من تلك الدائرة التاريخية الخبيثة التي وضعت البلاد بين فكي النخب المدنية والعسكرية إلا بوعي جماهيري حقوقي كاسح يضغط على هذه النخب السياسية لتتبنى مطالب الجماهير بعد أن زادت معاناتها إلى الدرجة القصوى. ويضيف “بما أن أياً من طرفي الحرب لم يتمكن من حسم المعركة لمصلحته حتى الآن، فإن الحل الوحيد المتبقي هو الجلوس إلى طاولة المفاوضات الذي يتضمن كخطوة أولى الوقف الفوري لمعاناة الجماهير بالاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار، مصحوباً بعودة فورية للحياة اليومية.

من جانبه، لم يستبعد السفير الصادق المقلي أن يتطور الاهتمام الدولي المتعاظم بالحرب في السودان إلى تدخل عسكري أجنبي إذا استمرت هذه الحرب العبثية التي تحولت إلى كارثة إنسانية متفاقمة، وبخاصة بعد تشريد ملايين المواطنين ما بين نازح ولاجئ، ونهب الأسواق والأفراد واستهداف المستشفيات وإعاقة حركة العاملين في الحقل الطبي وانهيار القطاع الصحي ومعظم الخدمات، فضلاً عن تزايد أعداد ضحايا الحرب في العاصمة ودارفور وكردفان بشكل يومي مفجع، وانتقال الحرب إلى جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق. ويعتبر المقلي أن استهداف المدنيين الذي يحدث في هذه الحرب يرقى إلى درجة الجرائم ضد الإنسانية، بخلاف دورها الكارثي في هدم مقرات الدولة وبنياتها التحتية، لافتاً إلى أن إصرار طرفي الحرب على استمرارها هو ما أفشل كل الهدن التي تم التوصل إليها بواسطة المبادرة السعودية – الأميركية. وأوضح السفير أن الموقف الأميركي الأخير المتوعد باتباع ما سماه نهجاً جديداً تجاه حرب السودان بعد عيد الأضحى، جاء متسقاً مع البيان الأخير لمجلس الأمن والسلم الأفريقي كنوع من التمهيد لتدخل خارجي بحجة حماية المدنيين، كما حدث في عدد من بؤر النزاع في دول عدة عانت أوضاعاً مماثلة. ويدعو المقلي الجميع إلى تحكيم صوت العقل والحكمة حتى يتسنى التوصل إلى حل سوداني من الداخل لهذه الأزمة التاريخية بشكل عاجل، مما يمكّن من سحب البساط أمام أي تدخل من قبل المتربصين بالسودان والطامعين في خيراته وثرواته وموارده وموقعه الاستراتيجي.

إلى ذلك، أعربت وزارة الخارجية الأميركية عن اعتقادها أن لا حل عسكرياً مقبولاً للصراع في السودان، لافتة إلى أن الوضع هناك مقلق بسبب الانتهاكات المتكررة لإعلانات وقف النار. وأوضحت الوزارة، في بيان صحافي، أن الولايات المتحدة وشركاءها على استعداد لاستئناف محادثات جدة بمجرد أن يُظهر الطرفان التزامهما بها.

أوروبياً، كشف وزير الدولة لشؤون أفريقيا بوزارة الخارجية البريطانية أندروا ميشيل، خلال مخاطبته جلسة استماع لمجموعة برلمانية للسودان وجنوب السودان في مقر البرلمان البريطاني، عن عدم إمكانية إرسال قوات بريطانية إلى السودان، مشدداً على ضرورة التزام الأطراف السودانية بالهدنة ووقف الحرب. وطالبت عضو البرلمان البريطاني فيكي فورد، بفرض عقوبات على طرفي الحرب في السودان أسوة بما فعلته الولايات المتحدة الأميركية، منتقدة بطء رد الفعل العالمي تجاه قضايا الإبادة الجماعية في هذا البلد، ومشيرة إلى أنها طالبت رئيس الوزراء بتصعيد هذه القضية.

كانت المبادرة الأميركية – السعودية لإنهاء الحرب في السودان، التي تصدرت مبادرات الوساطة، قد وجدت تجاوباً من طرفي القتال بعد قبولهما المستمر بتجديد الهدنة بينهما مرات عدة من دون الالتزام التام بها. كما تحركت جهات إقليمية ودولية عدة للتوسط من أجل وقف الاشتباكات، مثل مصر والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية “الإيغاد”، والآلية الثلاثية التي تضم كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي و”الإيغاد”، والتي بلورت مبادرة منفصلة ضمت رؤساء جنوب السودان وكينيا وجيبوتي لإدارة الأزمة. كما أعلنت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية تلقيها مبادرة وطنية من شخصيات مدنية سودانية لحل الأزمة، وتأسست الجبهة المدنية (تضم قوى سياسية ونقابات وتنظيمات مجتمع مدني بهدف إيقاف الصراع واستعادة الديمقراطية).

وخلال لقاء في أديس أبابا، في 10 يونيو (حزيران) الحالي، جمع نائب رئيس مجلس السيادة السوداني برئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أبدى الأخير استعداده لزيارة الخرطوم والتوسط من أجل وقف إطلاق النار. وفي نهاية مايو (أيار) الماضي، أعلن الاتحاد الأفريقي عن خريطة طريق لحل الأزمة بالسودان تضمنت وقفاً فورياً ودائماً للأعمال العدائية وحماية المدنيين واستكمال العملية السياسية الانتقالية وصولاً إلى تشكيل حكومة مدنية ديمقراطية. وبات الصراع على السلطة في الخرطوم، الذي تحول إلى حرب في الـ15 أبريل (نيسان) الماضي، وتمدد من العاصمة إلى ولايات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، ينذر بجر البلاد إلى أتون حرب أهلية طويلة وأزمة إنسانية كارثية طاحنة جعلت نصف السودانيين في حاجة ماسة إلى معونات غذائية في وقت لم تتوقف المعارك منذ أكثر من شهرين وحتى اليوم.

جمال عبد القادر البدوي – إندبندنت عربية

[ad_2]
مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى