السياسة السودانية

عبدالحفيظ مريود يكتب: مقام البصل

[ad_1]

شقيقى الأصغر، آدم مريود، ترجمان ومثقف.. يترجم عن الفرنسية، الإنجليزية، الإسبانية.. دقيق الملاحظة، ورث الصمت والهدوء عن والدنا، عليه رحمة الله..
ذات يوم ونحن نسير في زحام سوق ٦ بالحاج يوسف، نحاول أن نعبر، أجبرنا الزحام على التوقف، ثوانٍ معدودات، بجانب رجل سبعيني يفترش الأرض، مكوماً ثلاثة أكوام من البصل، على شوال خيش..
حين تخطينا الزحام، سألته: “هل تتخيل نفسك، مكان عمك السبعيني ذاك؟”.. أجابني “دا مقام.. إنت قايلو ساي كدا؟ ما بقدر أي زول يلقاهو”.
شايف كيف؟
أن تصحو وتذهب إلى تاجر القطاعي، تشتري منه ملوة بصل.. تقسمها ثلاثة أكوام.. تضع هامش ربحك، منصرفاتك، وتحافظ على “رأس المال”.. بالحسابات العادية الواضحة: ليس هناك من شيء، ههنا.
قد يمر الناس، جميعاً، دون أن يتوقف أحد ليشتري منه كوم بصل.. وقد يضطر إلى حمل ملوة البصل، أو تخزينها للغد.. وقد يبيع أكوامه الثلاثة ويعود ليشتري ملوة أخرى، ويعيد تقسيمها وينتظر.. يستأذن جاره ليذهب إلى الحمام، فالصلوات التي تصادف “دوامه” في السوق، ويعود..
قد يفطر، يشرب كوب شاي، يمر عليه أحد معارفه، ويصر عليه ليشرب شيئاً: شايا، قهوة.. الخ..
الحسابات لا تظبط، أبداً..
ولماذا – وهو السبعيني – يضطر إلى فعل ذلك..
تبدأ السرحة.. الخيال.. الشطح…
لم يتزوج، وبالتالي لا أولاد أو أحفاد.. رفض عمه تزويجه ابنته، فـ”حرد” الزواج.. تزوج، ولكنه لم ينجب.. تزوج وأنجب، لكن بناته تزوجن وسافرن، أو اضطر هو للرحيل إلى الخرطوم، لأن لا أحد يعتني به، بعد وفاة زوجته.. هو وحيد – مع ذلك – بلا إخوة أو أخوات ليقوم واحد من أبنائهم أو بناتهم برعايته..
شايف كيف؟
كيف يتحقق المقام؟ وما هو “المقام”، أساساً؟
“وجئت على قدرٍ يا موسى”.
مجموع ملابسات، كما يقولون، ظروف دقيقة وحساسة، يتوجب أن تقودك إلى “مقامك”.. و(مقامك، حيث أقامك)، كما يقول القوم..
يذهبون إلى أن “العصا”، عصا موسى، الشهيرة، هي ميراث، من لدن آدم.. ولابد أن يهرب موسى “خائفاً يترقب”، لأن العصا عند شعيب..ت صادفه ابنتا شعيب لدى البئر، يسقي لهما، تتوفر فيه “مقومات” ومؤهلات الخدمة، يستدعيه شعيب ليكتمل البناء الدرامي.. الظروف الدقيقة والملابسات..
ولأن شعيباً بكى من حب الله، حتى ذهب بصره، ثلاث مرات، أوحى إليه – تعالى – “وعزتي وجلالي، لأجعلن موسى بن عمران يخدمك”.. وموسى بن عمران من أولي العزم.. مركزي جداً في الرسالات الإلهية.. مركزي جداً في القرءان الكريم.. ورد ذكره أكثر من أي نبي، آخر.. وأن يخدم رجل بهذه المركزية، شعيباً، لهو شرف عظيم..
لكن لابد من منطق درامي تسير به أقدار الله..
لذلك أحب الدراما..
شايف كيف؟
إريك بنتلي اكتشف هذه الحقيقة، في كتابة “الحياة والدراما”.. لا تتخلق الأقدار، المصائر، كل شيء إلا في قالب درامي.. شديد ودقيق الحبكة..
إن استطعت أن تنظر عميقاً في “مقامك” هذا، الذي أنت فيه الآن، لوجدت المنطق الدرامي، التطور الدرامي للبناء الكلي لحياتك، ولاستطعت أن تستكشف القادم..
ويمكنك من تتبع تفاصيل حياتك وأقدارك، أن تعرف في أي مقام أنت.. وأي مقام ينتظرك..
عليك أن تتخطى الاختبارات.. تصقل بصيرتك.. فالاختبارات ضرورية للوصول.. مثل امتحانات الانتقال من صف للذي يعلوه.. من مرحلة للتي تعلوها.. فالنظام الأرضي مستلف من نظام أشمل وأدق منه، كما يقول العلامة محمد حسين الطباطبائي، قدس الله سره..
فشنووووو
“الناس مقامات”، جميعهم.
فالزم مقامك.. مقام البصل، لأن “الحلة: بصل، والفول: زيت، والمرأة:…..”

صحيفة اليوم التالي

[ad_2]
مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى