القنوات السودانية: ما يطلبه المشاهدون لا ما يطلبه الصائمون
مرحبا بشهر رمضان شهر التوبة والغفران شهر البر والخير والإيمان.
شهر فرضه الله لعباده من أجل أن يكونوا أتقياء.
الانحراف عن هذه الغاية غاية الشهر الفضيل قد تكون مبررة من جهات غير رسمية.
من جهات ليس لها علاقة بانضباط وأهداف وقيم.
أما أن يأتي الانحراف من مؤسسات قومية وقنوات تريد أن تعكس من وجودها تشكيل الإنسان السوداني، فهي قطعا ليست منحرفة فقط عن مسارها بل هي فقيرة ومفلسة ليس لها أدنى ما تقدمه لهذا المواطن السوداني.
كشفت القنوات السودانية من أول يوم في رمضان أنها تعاني من أزمة حقيقية لا تقل خطورة عن أزمات السودان السياسية.
أن تتنافس هذه القنوات(السودان والنيل الأزرق والشروق والخرطوم والبلد …الخ) على الغناء في أهم أوقات الصائم التي يكون فيها بالبيت يحلل صيامه رافعا يده لأن يقبل الله طاعته لا يشير فقط إلى عدم تبني هذه القنوات لأي رؤية تريد أن تسمو بها لهذا الإنسان.
بل هي عاجزة وفقيرة وكسولة وفوق كل ذلك سارقة سرقت من هذا الإنسان وقته وقيمه وموروثه الديني بل وماله.
ففي برامجها التي تتنافس فيها لاستغلال أكبر قدر من الكسب المادي.
ويا ليتها فعلت ذلك بمعزل عن روح وطبيعة الشهر الفضيل وإنما هي استغلت الشهر نفسه لإظهار عجزها وإظهار نهمها في حب الشهرة والظهور والمال.
كمية من الفنانين والفنانات ظهروا خلال أول يوم من الشهر الفضيل ليس فقط ظهورا عابرا وإنما ظهور أدهش حتى الفنانين أنفسهم.
ظهروا في بداية الشهر الفضيل، فواضح وواضح جدا أن هؤلاء الفنانين احتاروا في أي قناة تلفزيونية يشاركون من شدة العروض والطلب الذي استقبلته بهم هذه القنوات في هذا الشهر الفضيل.
يظهر من هذا الاستقبال الحاشد لهؤلاء الفنانين خلال الشهر الفضيل شهر التوبة والغفران أن هذه القنوات تريد أن تلبي رغبة الشعب.
تبحث عماذا يريد الشعب وتسعى بكل ما تملك لتحقيق هذه الرغبة.
إلا أن الخطورة أسوأ وأخطر من مجرد تلبية لرغبة الشعب إذ تبين بما لا يدع مجالا للشك أن هذه القنوات التلفزيونية التي ظهرت ببرامج ذات طابع واحد خلال فترة تحليل الصائم لصيامه أنها ليس لها أي إمكانيات وقدرات في جذب هذا المواطن من خلال تقدير هذا الشهر الفضيل.
ليس لها أي قدرات وإمكانيات في توصيل رسالة للمواطن مفادها أن هذا الشهر فرضه الله من أجل إزالة وتنظيف كل الأخطاء التي علقت به خلال السنة.
من أجل إزالة وتنظيف كل الأخطاء التي لا يستطيع الإنسان أن يزيلها بذات برامجه اليومية التي اعتاد عليها من أكل وشرب ونكاح.
استوقفته الإرادة الإلهية من أجل أن يكبح جماح هذه الشهوات التي إن استمر وازداد في تلبية رغباتها وإن كانت بالحلال سترديه الهلاك.
قالت له الإرادة الإلهية من خلال الشهر الفضيل أن توقف أيها المسلم فأنت ليس فقط عبارة عن جسم تلبي رغباته.
وإنما أنت بالإضافة إلى جسمك لك روح تريد غذاء كذلك.
لك روح تريد تنقية وإصلاحا جاء الشهر الفضيل شهر رمضان ليقوم بهذه المهمة.
كل هذه البرمجة الإلهية للشهر الفضيل تريد القنوات التلفزيونية من خلال برامجها أن تزيلها بجرة قلم.
ليس لأنها استكانت لرغبة المشاهد.
كلا.
وإنما لأنها ليس لها أي قدرات وإمكانيات تستطيع بها أن تنقل المواطن من حالة الإلهاء والانشغال من ملذات الدنيا إلى رحاب الطاعات والقربات إلى الله في هذا الشهر الفضيل.
ليس لها أدنى قدرات تنقله؛ ليدرك أن الحسنة بضعفها في هذا الشهر الفضيل فكذلك السيئة بضعفها.
عاجزة من أجل أن تنقل المواطن من حال الإلهاء إلى حال اليقظة والتنبيه.
عجز كامل ليس على صعيد المعاني الروحية فقط بل عجز رباعي وشلل تام في جميع الأصعدة.
انظروا إلى هذه القنوات من خلال علاقاتها مع الأزمات السياسية.
فهي أسوأ وأحط.
فإن كانت هي تظهر معاني الشهر الفضيل من خلال الأذان ونقل صلاة التراويح فهي أمام الحكومات التي تتعاقب على المواطن السوداني لا تملك أدنى رؤية في عكس علاقة هذه الحكومات بالمواطن.
فهي حبيبة ودلوعة حكومة اليوم بصورة سافرة ليس فيها أدنى انتقال.
فهي عسكرية بين رمشة عين وانتباهتها إن استولت الحكومة العسكرية على البلد وهي كذلك وبكل التفاصيل وبدون أي فاصل حبيبة ودلوعة الحكومة المدنية إذا استولت الحكومة المدنية على السلطة.
لا يرجى من هذه القنوات التلفزيونية أدنى خير ليس لأنها فاجرة بل لأنها فارغة.
فالفاجر يرجى من ورائه أن يستفيق ويسترجع.
فيحول طاقته من السلب إلى الإيجاب.
أما الفارغ فهو عاجز لا يملك سوى أن يتلون باللون الموجود، فإن أزرقا فأزرق وإن أصفرا فأصفر.
إن المبدع هو ذلك الكيان الذي يحور الأزمة إلى حل.
المبدع هو ذلك الذي يحور العقبة إلى سلمة يصعد بها.
انظروا إلى الناجحين.
لم ينجحوا في بيئة ناجحة بل على العكس البيئة المفسدة والضالة والسيئة هي التي خلقت منهم الصلاح وجعلت منهم ادوات كنس لكل ما هو بهيمي وحيواني.
الإعلام وخاصة المرئي منه يمكن بسبب إمكانياته الجبارة أن يحول الضائقة المعيشية التي تضرب البلد من أقصاه إلى أقصاه إلى انفراج وسعة من خلال الشهر الكريم.
أن يحول الغني إلى معطاء ويحول الفقير إلى صبور وقنوع.
أن يجعل من الراهن السياسي الغارق في اللاموضوعية والسبهللية إلى الجدية والعزم وقوة الإرادة.
كل هذه المعاني تتجلى في الشهر الفضيل شهر رمضان.
أن يجعل من الحالة الاقتصادية المزرية التي تعاني منها البلاد في جميع مجالاتها الرعوية والزراعية والصناعية والتسويقية والاستهلاكية والإنتاجية.
وذلك من خلال ربط حبال تعطش الإنسان إلى قوة تنجيه وهي قوة التعبد والقرب إلى الله بربطها بحالات الهموم والانشغالات التي تزداد وتتضاعف يوميا وفي كل لحظة من لحظات حياته..
تتجلى في كيف أن الحرمان يكمن في قيم العطاء.
تتجلى في كيف أن الكسب والربح يكمن في قيم الشعور بالآخر وقيم الإيثار.
تتجلى في قيم سامية موجودة في مضامين الصوم.
لا يكتشفها من ينظر إلى الصيام بأنه إقلاع عن الأكل والشرب فقط.
لا يكتشفها من ينظر إلى شهوات وملذات وملهيات الإنسان بأن يعمل للتطبيل لها.
بأن يعمل إلى إثارتها وإشعالها.
تحتاج مضامين الصوم لجهات لها القدرة إلى أن تحول قوى الشر إلى الخير.
تحول قوى الفساد إلى صلاح.
تحول قوى اللامبالاة إلى الجدية.
تحول الحيوانية إلى إنسانية.
لو لم نحتف برمضان ولو لم نحتف بقدومه لما كان هناك أمل.
فما دمنا نحتفي برمضان فهذا يعني أننا نحمل الأمل.
فالخير قادم.
فقط لا بد أولا إزالة رؤوس هذه الشياطين المتمثلة في القنوات التلفزيونية تلك الرؤوس الشيطانية التي تسعى لأن تحول شهرنا الفضيل إلى ملهاة من ملاهي الشيطان.
إلى سخف من سخافات الشيطان.
لكن هيهات فالله الذي خلقهم وخلق رمضان وخلق الأتقياء.
هؤلاء الأتقياء الذين فرض الله عليهم رمضان؛ ليطهرهم وينظفهم في كل عام لهم بالمرصاد.
فالسر سره والحق حقه والملك ملكه.
صحيفة الانتباهة
مصدر الخبر