السودان على أعتاب اتفاق سياسي جديد
شهدت البلاد خلال اليومين الماضيين إنتظام اجتماعات مكثفة ضمت ممثلين عن الحرية والتغيير/المجلس المركزي وممثلين عن ثلاثة تنظيمات رئيسية في الحرية والتغيير/الكتلة الديمقراطية، وهي حركة العدل والمساواة بقيادة حبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، والاتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة جعفر الميرغني، وذلك بحضور ومشاركة قيادة القوات المسلحة وقيادة الدعم السريع ممثلين في رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو، وبدفع وتشجيع من الآلية الثلاثية والمجموعة الرباعية.
وكان الهدف المطروح على طاولة المحادثات في هذه اللقاءات هو حسم ومعالجة الخلافات بين مجموعتي الحرية والتغيير، المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية، في اتجاه إزالة، أو الحد من، الاستقطاب السياسي الحاد في البلاد، وتذليل كل المعوقات أمام التوافق على مخرج من الأزمة الطاحنة التي تمر بها. وحسب التعميمات الصحافية المقتضبة الصادرة بعد إنتهاء هذه الاجتماعات، فإن المشاركين في الاجتماعات توصلوا إلى إتفاق نهائي حول إعلان سياسي جديد توقع عليه القوى السياسية والمدنية وأطراف إتفاق سلام جوبا، ويمهد لترتيبات دستورية جديدة تحكم الفترة الإنتقالية.
وبالطبع، نحن نرحب بشدة بهذا الإتفاق ونرى أنه يمثل ضربة بداية أو خطوة أولى في الإتجاه الصحيح لفك الاختناق السياسي الراهن في البلاد. وفي هذا السياق، فإننا نقرن ترحيبنا هذا بمجموعة من الملاحظات والنقاط، أهمها:
أولا، نعتقد أنه بالأساس لم تكن هناك أي صعوبة أو معضلة في أن يتوصل المشاركون في هذه اللقاءات إلى إتفاق جديد على الورق، وذلك بالنظر إلى نقاط الاتفاق أو التقارب الكثيرة بين الإتفاق السياسي الإطاري الموقع بين الحرية والتغيير/المجلس المركزي والقيادة العسكرية في البلاد، ومقترح الوثيقة الوطنية الحاكمة للقترة الانتقالية» الصادرة عن ورشة القاهرة الأخيرة. وهذه النقطة، رغم كونها إيجابية، إلا أنها قد تعزز الشكوك الموجودة أصلا عند الكثيرين من أن الخلاف الرئيسي في الأساس هو حول كراسي السلطة، وارتباط ذلك بمصالح المجموعات والأطراف، الداخلية والخارجية، على حساب مصالح الوطن التي تشترط تنفيذ مهام الفترة الانتقالية كما عبرت عنها مطالبات وشعارات الثورة. وأعتقد أن المطلوب ليس درء هذه الشكوك وتفنيدها عبر التمارين الذهنية المجردة، وإنما أن يأتي محتوى أي إتفاق جديد مشبعا بالقضايا الواجبة التنفيذ حتى تعود الفترة الانتقالية إلى مسارها الصحيح في تحقيق أهداف ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 العظيمة.
ثانيا، أن تكون الأولوية للتوافق على آلية قومية تحظى بالقبول من كل الأطراف، وتضم ممثلين عن القوى السياسية والمجتمع المدني والقوى الشبابية والعسكريين والشخصيات الوطنية المجمع عليها، وذلك لاختيار قيادة الفترة الانتقالية، رأس الدولة ورئيس الوزراء، والإطلاع بمهام التشريع والرقابة على أساس مبدأ الشفافية والمحاسبة وسيادة حكم القانون. وفي هذا الصدد لابد من الاستفادة من الخلل الذي صاحب محاولات تكوين المجلس التشريعي الانتقالي في الفترة السابقة، حيث أن تصميم العملية وما صاحبها من محاولات عقيمة، جاء وكأن تشكيل المجلس لم يكن في موقعه الطبيعي ضمن الأولويات.
ثالثا، يتم تشكيل القيادة التنفيذية الانتقالية للبلاد على أساس الكفاءة والنزاهة، وبعيدا عن أي ترضيات أو محاصصات سياسية، وتعمل على تحويل نصوص أي اتفاق سياسي أو دستوري إلى واقع ملموس. أما الأحزاب والقوى السياسية، فنقترح أن تبتعد عن الجهاز التنفيذي وتكتفي بمراقبة سير تنفيذ المشروع السياسي البديل من خلال تواجدها في الآلية القومية المشار إليها أعلاه.
رابعا، عملية صياغة البرنامج الانتقالي الجديد لن تبدأ من الصفر أو من صفحة خالية، وإنما لا بد أن تضع في حسبانها التجربة السابقة، بنجاحاتها وإخفاقاتها، وأنها تأتي استكمالا للبرنامج الذي تم التوافق عليه عند تشكيل الحكومة الإنتقالية السابقة بقيادة الدكتور عبد الله حمدوك، كما أنها ستستفيد من نشاط الورش الذي انتظم في البلاد عقب التوقيع على الإتفاق الإطاري.
خامسا، صياغة وتنفيذ برنامج الفترة الانتقالية هي مهمة تاريخية لا يمكن أن تقوم بها مجموعة بعينها من الفصائل، مثلما لا يمكنها أن تقتصر على النخب والقيادات السياسية وحدها. ومن هنا ضرورة انتظام حوار سوداني سوداني عبر مؤتمر مائدة مستديرة، قبل أو مباشرة بعد إختيار رئيس الوزراء الإنتقالي، تشارك فيه كل قوى الثورة، من السياسيين والتكنوقراط والمجتمع المدني والعسكريين والشخصيات الوطنية المجمع عليها، بهدف الخروج برؤية موحدة حول المشروع الإنتقالي الذي من الممكن أن ينتشل البلاد من أزمتها الراهنة.
سادسا، نكرر القول، بأن أي اتفاق سياسي جديد لن يصمد كثيرا إذا لم تكن في صدر أولوياته قضية العدالة ومحاسبة المسؤولين عن جرائم سفك دماء الشهداء، وإذا لم يضع وينفذ برنامجا إسعافيا عاجلا لتخفيف أعباء المعيشة، وإيقاف التدهور الاقتصادي، وكشف وضرب مكامن الفساد في الدولة والمجتمع، وإذا لم ينفذ تدابير عملية لاستعادة الدولة المخطوفة من براثن حزب المؤتمر الوطني. وهذه ليست مجرد عملية إجرائية، ولا تعتمد التدابير الأمنية والبوليسية، كما أنها ليست مجرد رد فعل عكسي لإجراءات الفصل التعسفي التي نفذتها الانقاذ بدرجة غير مسبوقة في تاريخ السودان الحديث، وإنما هي عملية سياسية صرفة، تنفذ في إطار القانون، وذلك لتحقيق الكفاءة والنزاهة ومفهوم القومية في كل أجهزة وهياكل الدولة، المدنية والعسكرية.
سابعا، وفي قمة أولويات البرنامج الانتقالي يأتي مواصلة مجهود التوصل الى سلام مع الحركة الشعبية شمال على أساس الإتفاق الإطاري الموقع بين البرهان والحلو، ومع حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور.
ثامنا، وفي قمة الأولويات أيضا، عقد المؤتمر القومي الدستوري، والتوافق على قانون انتخابات جديد يتجاوز سلبيات التجارب الديمقراطية السابقة.
تاسعا، الفترة الانتقالية غير معنية بالقضايا المصيرية والكبرى، الداخلية وفي علاقاتنا الخارجية، فهذه تترك للأجهزة المنتخبة وحدها لتقرر بشأنها.
عاشراً، مراعاة خصوصية العلاقة مع دول الجوار، وخاصة مصر ودولة جنوب السودان.
13 فبراير 2023| القدس العربي
المصدر