منى أبوزيد تكتب: لا تُمَكرثوا حياتنا..!
“لا تندلع الثورات لأسباب سياسية، معظم الثورات هي عمليات جراحية لاستئصال أوجاع إنسانية غائرة في اللحم الحي”.. الكاتبة..!
إحدى صديقاتي وصفت الإعلامية الأمريكية الشهيرة “أوبرا وينفري” بالشخصية الثورية العظيمة، لأنها حاربت العُنصرية واستثمرت نجاحها المهني الباهر في شجب صورها، وانتصرت عليها بعد أن كانت إحدى ضحاياها. فقلت لها إنّ “أوبرا” شخصية عظيمة بلا شك، لولا أنها – في معرض ثورتها على العُنصرية – قد اكتسبت عُنصريةً مُضادة، باعتبار أن لكل فعل ردة فعل تساويه في الشدة وتعاكسة في الاتجاه. لكن يبدو أن استدلالي بأحد قوانين الحركة التي وضعها “نيوتن” لم يشفع لوجهة نظري عند صديقتي تلك..!
وهو قد لا يشفع لي أيضاً عند من يقودون تيار المكارثية الجديدة في سودان ما بعد الثورة، وهي ذات المكارثية الجديدة التي جثمت على صدر مصر بعد زوال حكم الإخوان، وأقضت مضجع حكومتها التي انشغلت – بمطاردة كل مشتبه بأنه منهم، والانشغال بمحو كل أثرٍ لهم – عن تحقيق أهم تطلعات شعبها الذي ثار من أجل الخُبز والكرامة..!
وقد لا يشفع أي منطقٍ يُذكَر في مواجهة أوَّل وأوْلَى علل ومزالق الممارسة السياسية في هذا السودان، التي إن جاز لعبارة أن تتضمنها لكانت “فوضوية الطرح، عشوائية التلقِّي، وردود الفعل ذات الزوايا الحادة”. معظم الناس في بلادنا حكاماً كانوا أم معارضين، أباطرةً كانوا أم ثائرين، يشقُّ عليهم قبول – أو حتى احترام – حق الآخر في الاختلاف عنهم، باتخاذ الموقف الذي يقنعه وإن كان لا يرضيهم..!
ثورة الإنسان على كل ما لا يحفظ كرامته حق إنساني يستحق الاحترام، والمطالب العادلة للشعوب الحرة أنهارٌ تستحق أن تجري كيفما شاءت وأنَّى شاءت، وكل ثورةٍ بلغت نصابها استحقت أن تقود حاضرها وأن تكتب تاريخها. ولم يحدث قط – عبر التاريخ – أن نجحت ثورةُ شارك فيها الشعب بالإجماع، فانتصار الثورات يأتي دوماً كنتيجة راجحة لفوز الأغلبية..!
وصول الإخوان المسلمين إلى حكم جارتنا مصر بعد اندلاع الثورة، وعبر صناديق الاقتراع، ثم انقلاب معظم فئات الشعب عليهم بعد ذلك – مُستقلين كانوا أم مُغيَّبين – يؤكد أن لكل ثورةٍ أخطاءً. إعدام العلماء في فرنسا على أيدي بعض قادة الثورة، ومعاقبة مدن بأكملها – لأنها تململت من ديكتاتورية بعض الثوار – يُدلِّل على أن لكل ثورة ضحايا..!
استبداد الحكام السابقين لا يعني أن يتحوّل الذين يقودون الثورة عليهم إلى أباطرة لاحقين يصدرون أحكام الإدانة بموالاتهم، ويمنحون صكوك الغفران بالبراءة منها، إذ لا فرق بين سلوكهم – والحال كذلك – وسلوك من ثاروا عليهم. فأي ثورة حقيقية وعادلة هي امتحان ديمقراطي لجدارة الثوار أولاً، ومن ثمَّ مدى استحقاق من يولونهم بقيادة أي تحول ديمقراطي..!
من حقك أن تفكر على طريقتك، ومن حق الآخر – أيضاً – أن يفكر على طريقته، فيتخذ الموقف الذي يشاء من أداء أي حكومة أو من أي كيانٍ سياسي قد يراه مؤهلاً أو غير مؤهل لتمثيل أفكاره ومواقفه، تحت مظلة القانون، ووفقاً لقيم العدالة والديمقراطية. من حقك أنت، ومن حقه – أيضاً – علينا أن لا ننسى هذا..!
صحيفة الصيحة
مصدر الخبر