ذهب الشمالية .. رب ضارة نافعة
الذهب في الشمالية، في المحس او القعب أو دلقو، أو غالب محليات الولاية، ليس وليدة صدفة أو اكتشاف اليوم … فسبب دخول بعض الدول الكبرى بجيوشها واحتلالها السودان كان من أهم أهدافها الطمع في الحصول على ذهب الشمالية. فالذهب هو نقمة ونعمة. فمثلا ما نسمع عن موت وإصابة العشرات من ابناءنا بسبب انهيار ابار تنقيب الذهب البدائية والتي لا تتوفر فيها ادني مقومات السلامة والامان، ونفقد أرواحا عزيزة سعت لتوفير لقمة العيش لاسرته، وقد نجد في لحظات اعدادا من البشر يدفنون تحت الأنقاض بسبب انهيار الآبار ولا يجدون معدات إسعافية متطورة تناسب الحادث لإنقاذهم قبل وفاتهم. وان كان المصاب محظوظا وخرج حيامن تحت الانقاض لا توجد لهم معينات طبية او سيارات إسعاف جاهزة تنقلهم في الوقت المناسب للمستشفيات، وقد يتم نقلهم لأقرب مستشفى على شاحنة نصف نقل ويصلون المستشفيات وقد ساءت حالتهم وربما يموتون في الطريق. ونجد بعض الشركات تستخدم مواد كيميائية مثل الزئبق والسيانيد، والتي تفتك بالاحياء وتدمر التربة، وتمثل أيضا خطرا على الحمل والانجاب، حتى اطفالنا وتربتنا ومياهنا لم تسلم من اثار التنقيب في الشمالية، ومع ذلك فإن هذا الذهب كان سببا في ستر حال كثير من الأسر وغناهم احيانا، ومن محاسنه أيضا أنه إزال الغبن وسوء الفهم لكثير من أبناء السودان من الغرب والشرق والجنوب والذين زارو قرى ومدن الشمالية، وكانوا يعتقدون أن مدن وقرى الشمالية مثل باريس والشارقة، كنا نسمع عن مقاطع صوتية يصبون جام غضبهم على أهل الشمالية ويعتقدون فيه أن أهل الشمالية أخذوا اكثر من نصيبهم من ثروة البلاد وخيراتها لصالح اهاليهم، وعندما ذهبوا هناك رأوا (التهميش) مجسدة أمام اعينهم، ووجدوا ان المرافق الموجودة من مراكز صحية ومدارس ومستشفيات بنيت بجهود ودعم أبناء المنطقة، وعرفوا سماحة انسان الشمال، ومعاملتهم الطيبة، وكيف أنهم لا يستطيعون ممارسة نشاط التنقيب في مناطقهم في نزاعات يتفوق فيها القوي على الضعيف، وكيف انهم قسموا مناطق التنقيب على أنفسهم دون أن يشاركوا غيرهم، في حين أستقبلهم أهل الشمالية بكل ترحاب وسعة صدر. ذهب الشمالية بالرغم مما ذكرناها من المساوئ وبالرغم من الآثار الوخيمة للتنقيب البدائي وضرره على الأرواح والذرية والتربة والمياه والغطاء النباتي في الشمالية، الا أن له من الفوائد أهمها انه يمثل صورة حية من صور الوحدة الوطنية والتعايش السلمي والمشاركة والتسامح بين أبناء الوطن الواحد.
د. عنتر حسن
مصدر الخبر