الموازنة العامة .. أرقام حكومية و تكرار السيناريو ..!
[ad_1]
للمرة الثانية على التوالي.. يتكرر سيناريو موازنة العام المالي 2023 من حيث عدم الكشف عنها شكلاً وحجماً، وذلك لمعرفة ما تحمله الموازنة للرأي العام من بشريات إن لم تكن مثل موازنة العام الماضي، وبالتالي أصبحت الموازنة والإفصاح عنها أمراً يشغل أذهان كثير من المراقبين والمواطنين، لدرجة ظل الاهتمام بها كبيراً على عكس ما كان في السابق، وبالنظر لبروز العديد من القضايا المتعلقة بالجانب الاقتصادي السوداني؛ ظهرت الرسوم الحكومية مطلع العام المنقضي، وكذلك توسعة الإضرابات المطلبية للعاملين بالدولة، مما أدت إلى تفاقم حدة الأزمة الاقتصادية بالبلاد مقارنة بموازنات الدولة في السابق، بعض الخبراء الاقتصاديين ينظرون إلى فشل الدولة للمرة الثانية للموازنة بأن هناك حالة ضبابية تسيطر على المشهد الاقتصادي، وذهب البعض إلى أنه يوجد خلل كبير في الاقتصاد السوداني نتيجة لتأخر إجازة الموازنة العامة، وبالتالي يبدو أن المشهد الخاص بالعام الماضي يتكرر، فيما يرى آخرون أن من الواضح أن موازنة العام 2023 تشير إلى أنها قد أعدت وستنفذ جزئياً.
قدر وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، جبريل إبراهيم، المبلغ المرصود لموازنة العام الحالي بحوالي 5 تريليونات جنيه سوداني، وقال في مقابلة مع (سودان تربيون) المبلغ النهائي المرصود في موازنة 2023 لا أتذكره لكنه في حدود 5 تريليونات جنيه سوداني، وأبان أن التحدي الأكبر للموازنة يتمثل في الحصول على الإيرادات الكافية لتغطية المصروفات المتوقعة، وأقر بوجود عجز في الموازنة لا يتخطى 15%، مع إمكانية تغطيته باللجوء إلى الاقتراض من البنك المركزي، وأعرب جبريل عن تفاؤلهم بتحصيل إيرادات أكبر خلال العام الجاري، جراء عمليات الحوسبة، وضبط الصرف إلى أقصى حد، وتوسعة المظلة الضريبية من دون فرض زيادات جديدة، علاوة على المتوقع من عائدات الموانئ والمعابر، وكانت وزارة المالية أودعت نهاية العام المنصرم موازنة العام الحالي بمنضدة مجلس الوزراء لمناقشتها من قبل اللجان المتخصصة، تمهيداً لرفعها وإجازتها.
السيناريو يتكرر
قال المحلل الاقتصادي الدكتور، محمد الناير، بالتأكيد يوجد خلل كبير في الاقتصاد السوداني نتيجة لتأخر إجازة الموازنة العامة ويبدو أن المشهد الخاص بالعام الماضي يتكرر حيث أن العام 2022 لأول مرة منذ الاستقلال لا تجاز الموازنة في موعدها المحدد وكان ينبغي أن تجاز في ديسمبر 2021 ولكن لم يحدث ذلك وأجيزت موازنة 2022 في يناير من نفس العام والسيناريو يتكرر للمرة الثانية على التوالي بأن الدولة تفشل في إجازة الموازنة 2023، وتابع قائلاً: نحن في يناير ولم تعرض الموازنة، كما كان في السابق، داعياً الجهات ذات الصلة اتحاد أصحاب العمل واتحاد أصحاب المصارف وغيرها، وأكد أن الموازنة أصبحت تجد اهتماماً من جميع شرائح المجتمع، سواء كانوا مستثمرين أو قطاع خاص المواطنين، وبالتالي الكل يرى ما الذي يأتي في الموازنة من جديد؛ هل هناك آثار إيجابية ستنعكس عليه أم آثار سالبة وغيرها والمستثمر ينظر إلى هل هناك عبء ضريبي، وهل هناك إعفاءات ضريبية والعاملين في القطاع العام ينظرون هل هناك زيادة في الأجور؟؛ لذلك باتت تشكل الموازنة العامة للدولة أهمية كبيرة خلال المرحلة الحالية عكس ما كان في السابق، كان الاهتمام بالموازنة قليلاً جداً .
إطفاء الحرائق
وأوضح د. محمد في حديثه ل(اليوم التالي) أن هناك حالة من الضبابية ولم يتم الإفصاح عن الموازنة شكلاً وحجماً، هناك تسريبات قليلة في وسائل الإعلام بأن 6.7 ترليونات جنيه لحجم الموازنة وتصريح وزير المالية 5 ترليونات جنيه، هناك تضارب في الأرقام ولكن في كل الأحوال هو نسبة العجز 15% فهي نسبة كبيرة من الموازنة العامة للدولة، قائلاً: ( لم نعرف حتى الآن كم حجم الناتج المحلي الإجمالي المتوقع في الموازنة حتى نقيس حجم العجز منسوباً للناتج المحلي الإجمالي)، مشيراً إلى أن نسبة العجر لحد الآن أقل من 1% بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، وأبان أن نسبة العجز التي وردت في حديث وزير المالية 15% من حجم الموازنة، وأكد أن هناك تضارباً ومضاعفة للموازنة نفسها بالرجوع إلى موازنة العام الماضي 2022 جملة إيراداتها المستهدف 3.3 ترليونات جنيه وجملة الإنفاق العام 3.6 ترليونات، ومع ذلك ظهر حديث في وسائل الإعلام عن أن الموازنة بلغت 2.9 ترليون لم تحقق الهدف بالكامل، وبالتالي لا يتحمل المواطن ما تحمله في العام 2022 مزيداً من فرض الرسوم والضرائب وإرهاب كاهل المواطن بصورة كبيرة، فضلاً عن أن هناك تحديات كبيرة في زيادة مرتبات للعاملين في القطاع العام، حتى يتم الانتهاء من سياسة إطفاء الحرائق التي تمت في 2022 نتيجة لإضرابات كثير من القطاعات المهمة والحيوية، ونوه إلى أنه إذا لم تتم معالجة المرتبات بصورة عملية وكلية لكافة القطاعات، ستكون تلك الإضرابات بصورة مستمرة.
التحدي العصي
المحلل الاقتصادي الدكتور، وائل فهمي البدوي،
بالتأكيد.. أن ملامح موازنة العام المالي 2023 التي قدرت بحوالي 5 تريليونات جنيه، قد فرض التحدي العصي على الحصول على الإيرادات العامة، والتي أوضحتها اللجنة الاقتصادية ل(قحت) الأولى في عام 2019 عند إعداد موازنة 2020، وقال من الواضح أن موازنة ال5 تريليونات للعام 2023 تشير إلى أنها قد أعدت وستنفذ جزئياً، على الأقل باستمرار معطيات العام المالي الماضي، خاصة دون معالجة أزمة الإيرادات العامة الذاتية منذ العهد البائد وحتى تاريخه بالولاية الكاملة للمالية على كافة مستويات الحكم على المال العام، ونبه إلى أن حديث وزير المالية بأن الإيرادات العامة سيتم تحصليها بكل رفع أسعار الخدمات الحكومية المختلفة وطباعة النقود، وقال: في ظل صعوبة أو عدم رغبة في فرض الضرائب التصاعدية على أصحاب الدخول المرتفعة خاصة تلك المتحققة من معدلات التضخم الجامحة السابقة، وتابع: في ظل عدم وجود حكومة مدنية وغياب مجلس تشريعي حقيقي وحصار مالي دولي والأهم هو عدم كامل ولاية وزارة المالية على المال العام في اقتصاد موزع، على حسب قوله.
عاتق الفقراء
وأكد أنه من المعروف أن التأثير السلبي لمعضلة الإيرادات الذاتية للموازنة العامة، التي أشار إليها الوزير، تثبت أن التجربة الفائتة للسياسات النيوليبرالية التضخمية، ويرى د. وائل في حديثه ل(اليوم التالي) إن في ظل سوء إدارة الموارد المالية والنقدية، قد ساهمت في تعقيد إعداد وتنفيذ موازنة قادرة على الاعتماد على الموارد الذاتية بقاعدة ضريبية (ضعيفة إن لم تكن منكمشة بهروب رؤوس الأموال الوطنية)، ويعتقد أن الملفت للنظر من خلال تصريحات وزير المالية وفق الأخبار بأن عجز الموازنة لا يراد له أن يتخطى 15% ولكنه يؤكد احتمالية إمكانية تغطيته باللجوء إلى الاقتراض من البنك المركزي، أي طباعة النقود، لفرض التضخم باعتباره ضريبة غير مباشرة تنازلية، أي تقع على عاتق الفقراء، لتغطية مصروفات (ستتجاوز بهذا التضخم) مبلغ ال5 ترليونات المرصودة بالموازنة للعام 2023، ويشير إلى استمرار اقتصاد مجزأ مع حرية للوحدات الحكومية في تحديد مصروفاتها و إيراداتها بموافقة وزارة المالية والتخطيط الاقتصاد، وذلك في بيئة سياسية واقتصادية ما زالت أصلاً تعاني من التضخم الجامح.
الإنفاق التنموي
المحلل الاقتصادي الدكتور، الفاتح عثمان محجوب قال: جاءت موازنة العام الحالي المقترحة بعجز بسيط نسبياً لأنه لا يتعدى 15% وبالتالي اعتمدت الموازنة كلياً على الإيرادات الذاتية لتحقيق السياسة النقدية الانكماشية التي تهدف لتخفيض التضخم إلى 25%، وقال لذلك تم فرض زيادات كبيرة في الرسوم الحكومية لغالب المعاملات مع الجمهور وتم توسيع المظلة الضريبية لتشمل القطاع الزراعي وغيره من القطاعات المعفية وتمت زيادة ضرائب شركات التعدين إلى 30% أسوة بضرائب الشركات التجارية، وذلك لتحقيق زيادة في الإيرادات تسمح بتغطية احتياجات الموازنة التمويلية، وأكد د. الفاتح في حديثه ل(اليوم التالي) أن الموازنة خلت من الإنفاق التنموي الذي يحرك الاقتصاد بأن احتوت على زيادات للمرتبات، ويعتقد أنه ليس بما يكفي لإقناع النقابات المهنية للتوقف عن الإضرابات المطلبية.
حالات إفلاس
لذلك قال: من المتوقع أن يكون العام الحالي فترة إضرابات مطلبية وفترة كساد وركود اقتصادي كبير، للعام الثاني على التوالي، وهذا يعني فقدان مئات الآلاف من الوظائف في القطاعين الصناعي والخدمي وحالات إفلاس كثيرة جداً في القطاعات الإنتاجية والخدمية والصناعية، داعياً الحكومة لتنفيذ سياسات حماية لصالح القطاع الصناعي في ظل الركود الاقتصادي الكبير المهيمن على الأسواق السودانية خاصة ضد الواردات من جمهورية مصر التي تسببت في إقفال غالب مصانع الحلويات والبسكوت، وتهدد بإغلاق مصانع الأسمنت ومختلف الصناعات التحويلية، كما حث الحكومة على تقديم تحريك الاقتصاد على تخفيض التضخم لأن تحريك الاقتصاد يقلل من الفقر ويوفر الوظائف للعمال، ويعتبر أنه هدف أهم بكثير من خفض التضخم إلى حوالي 25% ويمكن للاقتصاد السوداني التعايش مع تضخم في حدود 75% كما يفعل الاقتصاد التركي الذي يواصل النمو بالرغم من التضخم المرتفع.
الخرطوم: علي وقيع الله
صحيفة اليوم التالي
مصدر الخبر