الحرية مقابل المال … دارفوريون تحت وطأة الاعتقال التعسفي والابتزاز
سودان تربيون : خاص
قالت هيئة مُحامِيي دارفور إنّ المئات من مواطني الإقليم اعتقلوا دونما مسوغات قانونية،وأنّ بعض هذه الاعتقالات تمت بواسطة لجنة تتبع لقوات الدعم السريع شبه العسكرية.
أكّد الصادق علي حسن رئيس مجلس أمناء هيئة مُحامِيي دارفور لـ”سودان تربيون”: “إنّ العشرات من الأشخاص تمّ اعتقالهم بسجن “أردمتا” بالجنينة ضمن حملات اعتقال جزافية قادها عقيد بقوات الدعم السريع يدعى “موسى أمبيلو” ويشغل رئيس لجنة المصالحات القبلية بالدعم السريع”
كما أكّد معتقل سابق، تم الإفراج عنه، تحدث لـ”سوان تربيون” وطلب إخفاء هويته لدواع أمنية وخوفاً من الانتقام،إنّه اعتقل بإيعاز من “عبد الرحيم دقلو” شقيق “محمد حمدان حميدتي” قائد قوات الدعم السريع.
ما أهمية ذلك؟
يقول سجناء وناشطون حقوقيون إن الاعتقالات تتم بواسطة قوات الدعم السريع،ويخضع المعتقلون لمساومات ماليّة مقابل إطلاق سراحهم، بينما تنفي السلطات في إقليم دارفور ذلك وتتكتم على الأمر.
المال مقابل الحرية
قال المحامي “الصادق حسن” لسودان تربيون: “إنّ بعض المعتقلين من ولاية شمال دارفور دفعوا مبالغ مالية قبل أن يفرج عنهم، وإنّ الغالبية من معتقلي هذه الولاية تم الإفراج عنهم سواء من سجن شالا بالفاشر أو الهدى بامدرمان، أمّا الذين رحلوا إلى مدينة الفاشر وعددهم26 محتجزاً فهم موزعون بين سجن شالا وقسمي شرطة الفاشر الأوسط والجنوبي، وقد تم ضمهم لبلاغات مفتوحة إبان أحداث منطقة ملاقات”.
نفى مصدر خاص ومعتقل سابق، تحدث لسودان تربيون تعرضه شخصياً للمساومة على الحرية مقابل المال، لكنه أكّد معرفته بتجارب لمعتقلين آخرين من شمال دارفور جرت مساومتهم على هذا الأساس وقاموا بدفع مبالغ ماليةأخرجوا بعدها من السجن.
وكان والي شمال دارفور نمر عبد الرحمن نفى الإفراج عن محتجزي الولاية بسجن الهدي مقابل مبالغ مالية تصل لـ 500 ألف جنيه
وقال الوالي لـ”سودان تربيون”، في وقتٍ سابق: “هذه الاتهامات دعاية، أيما شخص لديه شاهد أو أدلة تثبت ذلك يمكنه أن يأتي بها وسنتخذ إجراءات ضد من يمارسها”.
في يوم 10/10/2022 أفرج عن مجموعة من السجناء بتوجيهاتٍ من والي شمال دارفور بلغ عددهم 14 فرداً جميعهم من أعضاء لجنة شعبية تمثّل أبناء منطقة “ملاقات”.
يحاذر المعتقلون الذين خضعوا للابتزاز واشتروا حريتهم بالمال من الحديث علناً عن تجاربهم ولا يجرؤ أحد منهم على تقديم أدلة أو شهادات حول الأمر في واقع شديد الهشاشة والسيولة الأمنية.
لكن نائبة رئيس هيئة مُحامِيي دارفور “نفيسة حجر” قدمت إفادة بتلك الوقائع لـ”سودان تربيون”: “لقد أجرينا تحقيقاً حول الأمر، والتقينا بالعشرات من المحتجزين داخل السجن، ووقفنا على حالات لبعض منهم تمت مساومتهم على حريتهم، وأفرج عنهم مقابل مبالغ مالية”.
وقالت المحامية حجر: “استمعنا لأحد المحتجزين داخل السجن وأخبرنا أن شقيقه دفع مبلغاً مالياً بالفعلوأخلي سبيله، بينما لا يزال هو ينتظر لعجزه عن سداد المبلغ المطلوب”.
وتضيف”هؤلاء الأشخاص تم اعتقالهم بواسطة قوات الدعم السريع، هذه المبالغ المالية تذهب لصالح من قاموا باحتجازهم وإيداعهم بالسجون دون إجراءات قانونية لدى الشرطة أو النيابة”.
كيف بدأت الأحداث في شمال دارفور؟
روى شاهد عيان، فضل حجب اسمه، وهو يتحدَّر من منطقة “ملاقات”بشمال دارفور: “إنّ الأحداث بدأت يوم 15/8/2022 عندما عُثر على رجلين، من أصول عربية،مقتولين، تم التخلّص من جثتيهما على الطريق الرئيسي الذي يربط مدينة كتم بدامرة قرير”.
قال الشاهد لـ”سودان تربيون”: “في ذات اليوم، اجتاحت مجموعاتٍ مسلحة من قبائل عربية منطقة “ملاقات” وقتلت 6 أشخاص من عرقيّة التُنجر، وأصابت 11 آخرين بجراح قبل أن تبدأ في أعمال الحرق والنهب مما أدى لفرار السكان المحليين.
وأشار إلى أنّ المسلحين كانوا اجتمعوا بعمدة البلدة مسبقا وقدموا ادعاءات بأن مسؤولية قتل الرجلين تقع على عاتق بعض أهالي البلدة وأمهلوا العمدة ساعات للبحث عن الجناة وتسليمهم لهم، رافضين أن يتخذوا أيما إجراءات قانونية أو إشراك الشرطة بالتحقيق في الحادثة.”
من الذي قاد الهجوم على ملاقات بمحلية كُتم؟
وفقاً لتفاصيل تحصلت عليها سودان تربيون: تشكلت، في اليوم التالي للواقعة، لجنة من سبع إدارات أهليّة، تمثّل أبناء المنطقة التي شهدت الهجوم، التقت والي شمال دارفور “نمر محمد عبد الرحمن” ورافقته في جولة ميدانية إلى مدينة كتم ومنها إلى منطقة الأحداث حيث انخرط الجميع في اجتماعات مع كبار المسؤولين في الشرطة وجهاز الأمن بمحلية كتم.”
وقال الشاهد:”إنّ مدير الشرطة بمحلية كتم أكّد للمجتمعين أنّ المسلحين الذين شنّوا الهجوم على القرية هم رجال الدعم السريع، وأخبرهم أنهم سيجدونهم هناك، لا يزالون يتمركزون على الأرض في موقع الحدث.
وبحسب معلومات لسودان تربيون من مصادر خاصة فإن الوالي والوفد المرافق له عندما وصلوا إلى منطقة “ملاقات” وجدوا أنّ “عبد الرحيم دقلو” سبقهم إلى هناك فاجتمعوا به وقدّم رواية لما حدث من وجهة نظره”.
اعتقال أعضاء اللجنة
وصف مصدر شهد اللقاء الكيفية التي اعتقل بها أعضاء اللجنة من أهالي ملاقات قائلاً: “انخرطت اللجنة في الحديث نيابة عن أبناء المنطقة، وبدأ أعضاؤها في استعراض مطالبهم التي انحصرت في ضرورة توفير الأمن والعمل على ضمان عودة وسلامة الفارين من الأهالي، وربط المنطقة بشبكة الاتصالات وتسهيل وصول المنظمات الإنسانية التي توفر الإسعافات والإغاثة للمحتاجين، أثناء تلك المداولات أمر “عبد الرحيم دقلو” باعتقال المجموعة”
تم اقتياد المجموعة مخفورة إلى مدينة كتم، بحسب ما أفاد المصدر،حيث وجهت الشرطة هناك تهماً لبعضهم تحت المواد 64، 66، 160 من القانون الجنائي، وهي مواد تتعلق أولاها بإثارة الكراهية والاحتقار والعداوة بسبب العرق أو اللون أو اللسان، وتتعلق الثانية بنشر الأخبار الكاذبة، فيما تتعلق المادة 160 بالإساءة والسباب.
من الفاشر إلى سجن الهدى
قضى المعتقلون من أعضاء اللجنة التي تشكلت في منطقة “ملاقات” وعددهم 14 فرداً، أربعة أيام في الحبس بكتم قبل أن يرسلوا إلى سجن الفاشر ومنها في يوم 31/8/2022، إلى سجن الهدى بأم درمان، حيث انضموا لـ64 معتقلاً من أبناء دارفور كانوا رهن الاحتجاز في قضايا مماثلة، وألحق بهم شخصين آخرين ليرتفع العدد داخل سجن الهدى إلى 80 معتقلاً، بحسب الإحصاءات التي تحصّلت عليها سودان تربيون.
ونفذت سلطات غرب دارفور خلال الأعوام الثلاثة الماضية حملات اعتقالات واسعة طالت أعداداً كبيرة من منسوبي القبائل ذات الصلة بالنزاعات القبلية التي شهدتها الولاية، نقل بعضهم إلى سجون في الخرطوم وبور تسودان وأفرج لاحقا عن عدد منهم.
استنادا إلى إحصاءات وفرتها هيئة مُحامِيي دارفور لـ”سودان تربيون” فإن عدد المحتجزين من ولاية غرب دارفور بسجن الهدى بلغ 22 معتقلاً، تم توقيفهم في أبريل من العام 2021 بمدينة الجنينة، قضوا في الحجز 20 شهراً دون أن تتخذ في مواجهتهم أيما إجراءات جنائية، بينما لا يزال يوجد نحواً من109 محتجزاً بسجن بور تسودان و77 محتجزاً بسجن “أردمتّا” بالجنينة جميعهم من غرب دارفور.
وفي يوم الجمعة 16 ديسمبر 2022 أعلنت هيئة محامو دارفور أن السلطات أفرجت عن 41 من المعتقلين في كل من سجن الهدى بالخرطوم وبور تسودان واردميتا بولاية غرب دارفور.
وأفادت في بيان أن 21 محتجزا بسجن الهدى ابلغوا الهيئة أن والي غرب دارفور خميس عبد الله ابكر زار السجن اليوم الجمعة وأفرج عنهم كما منح كل واحد منهم مبلغ عشرون ألف جنيه ونقلوا إلى سوق ليبيا وتركوا في العراء بالسوق وان 15 من المفرج عنهم في حيرة من أمرهم لا يعرفون إلى اين يذهبون في حين 6 منهم فقط لديهم أقارب في أم درمان. .
المصدر