النيل الأزرق: الصراع الدامي على حكم الإقليم!
[ad_1]
مقدمة
في النصف الثاني من يوليو 2022، تفاجأ السودانيون باندلاع اشتباكات عنيفة بين قبيلة الهوسا، من جَهةٍ، والمكونات الاثنية من السكان “الأصليين”، من جَهةٍ أخرى، في إقليم النيل الأزرق، واتسعت رقعتها في سبتمبر، مما أودى بحياة العشرات وتسبب في نزوح أعدادٍ كبيرة من المواطنيين. (الشعوب الأصلية indigenous peoples مفهوم يُقصدُ به “ الشعوب التي أقامت على الأرض قبل أن يتم السيطرة عليها بالقوة”، من قِبل آخرين، وهي جماعات اجتماعية وثقافية متميزة تتشارك في روابط جماعية متوارثة عن الأجداد بالأراضي والموارد الطبيعية التي تعيش عليها أو تشغلها أو نزحت منها). لم تمض بِضعةِ أشهرٍ حتى فجع أهل الإقليم، والسودانيون قاطبة، بتجدد الاقتتال في 19 أكتوبر 2022، على نطاق أوسع هذه المرة مُخلفاً أعدداً كبيرة من الضحايا، من كلا الجانبين، وتشريد ونزوح الألآف من قراهم. وللمفارقة، وقعت هذه الأحداث في منطقة لم تشهد اشتباكات دموية على هذه الشاكلة حتى خلال فترة الحرب بين الجيش الشعبي لتحرير السودان والحكومة المركزية (1986-2005)، والتي توقفت بعد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل، فيما عدا مواجهات مسلحة محدودة بين فصيلي الحركة الشعبية (القائدين مالك عقار وعبد العزيز الحلو) في أعقاب انشقاقها في أكتوبر 2017.
صحيحٌ، كما ذهبت أغلب تحليلات المراقبين وكتاب الرأي، أنّ الدافع الرئيس للاقتتال الأهلي في الإقليم هو مطالبة المجموعات الوافدة (الهوسا) بِرد الاعتبار لهم واستيعابهم في هياكل الإدارة الأهلية الموروثة للمكونات “الأصلية”. ومع ذلك، فإنّ أطروحة هذا المقال أنه بالرغم من صِحة هذا التحليل، إلاّ أنّ التأجيج الأخير وصب الزيت على نيران “الفتنة” المُشتعلة هو بمثابة تجسيدٍ للصراع السياسي على حكم الإقليم بين أطرافٍ محلية، ومصدره تباين المواقف حول اتفاق جوبا للسلام والطموح في السلطة، وبتغذية مباشرة من أطراف الصراع على السلطة في المركز، في إطار التنافس السياسي بين رئيس مجلس السيادة، القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ونائبه قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي). وفي ظل مجاورة الإقليم لدولتي جنوب السودان وتداخلها السياسي مع الحركة الشعبية بفصيليها، وإثيوبيا بطموحاتها التوسعية، وما يذخر به الإقليم من ثروات وموارد طبيعية متعددة، ربما يُشكل وضعاً مُغرياً لأطماع وتدخلات إقليمية أخرى.
الإدارة الأهلية: ممنوع الاقتراب!
بدأ وفود بعض قبائل غرب أفريقيا إلى غرب وشمال ووسط وشرق السودان، وعلى رأسهم الهوسا، منذ القرن التاسع عشر، واستقرارهم في مناطق النيل الأزرق، على وجه الخصوص، يعود إلى نهايات الستينيات من القرن الماضي. لا شك أنّ الهوسا يشكلون قوة اقتصادية ملحوظة وشريحة مهمة من القوى العاملة السودانية، ويمتلكون مهارات حرفية مُميزة، ومساهمات ثقافية مشهودة، وتنظيم لإدارة شؤون القبلية وحماية مصالحها في كل أرجاء السودان بمسمى “اللجنة المركزية العُليا لقبائل الهوسا”، ومقرها في الخرطوم. بعد هذه الإقامة الطويلة في الإقليم، فمن الطبيعي أن يشعر الهوسا بالقلق على وضعية “مواطنتهم” والمثابرة الحثيثة لأن يكون لهم موقعا، ويتم استيعابهم، في هيكل الإدارة الأهلية لقبائل الإقليم. فالإدارة الأهلية هي بمثابة “الحكم غير المباشر” الذي ابتدعه الاستعمار البريطاني لإدارة البلاد، خاصة في الريف السوداني.
حياد الهوسا خلال فترة الحرب بين نظام الإنقاذ والحركة الشعبية، جعل النظام يعتبرهم ظهيراً سياسياً له بحكم أن القبائل “الأصلية” تدعم أبنائها في الجيش الشعبي. وفي أواخر عام 1992، قام رئيس النظام المخلوع، عمر البشير، بزيارة إلى محلية “سريو”، شمال الدمازين، أبدى خلالها موافقته على إنشاء إمارة للهوسا والفلاتة والبرنو، الأمر الذي لم يتم على أرض الواقع بعد اصطدامه برفض مُغلظ من زعيم الإدارة الأهلية آنذاك، المرحوم المك يوسف عدلان. ومع ذلك، فعدم الاعتراف بالإمارة ضمن هيكل الإدارة الأهلية لم يثن الهوسا عن مواصلة احتجاجهم وضغوطهم في هذا المسعى. هذه الإرادة دفعت الهوسا لتصعيد مطالبهم بصوت عالي لإنشاء إمارة مستقلة تدمج في نظام الإدارة الأهلية، ومشاركتهم في الحكم غير المباشر للإقليم وما يتبعه من نفوذ ضمن البناء السياسي التقليدي، وتعزيز حضورهم الاجتماعي. فمنذ عام 2008، بدأ الهوسا الخروج إلى الشارع للتعبير عن مطالبهم في مواكب ومسيرات شعبية، حتى يناير الماضي في 2022، عندما أقام شباب الهوسا احتفالاً في منطقة ود الماحي احتفالا بعيد الاستقلال. وكان هذا أكبر نشاط للهوسا في سبيل تحقيق مطلبهم في “الإمارة”، مما جعل الهوسا يأملون في قرب الوصول إلى هدفهم، حتى تحول الأمر إلى الاشتباكات الدامية التي أشرت لها في مقدمة المقال. ولو أنّ الحفل قد شارك فيه مسؤولون حُكوميون، إلا أن حاكم النيل الأزرق لم يوافق على “الإمارة” بحكم قرار ديوان الحكم الاتحادي بعدم إنشاء أي أجسام أهلية جديدة. ومن ناحية أخرى، رفضت الإدارة الأهلية، ممثلةً في المك الفاتح عدلان، هذا المطلب، مما دفع الهوسا للخروج في مسيرة بالدراجات البخارية في أبريل 2022.
بينما من الضفة الأخرى، ترى القبائل “الأصيلة”، صاحبة الأرض، هذا الاقتراب ممنوعاً وتعدياً على قواعد تنظيم العلاقات وقوانين الملكية، والتي لا يحق لقبيلة الهوسا حيازتها بضفتها قبيلة وافدة. تضم القبائل “الأصلية”، من مكونات “السلطنة الزرقاء”: الهمج، الكدالو، القمز، البرتا، القباوين، الدوالة، الانقسنا، الرقاريق، السركم، الجمجم، البرون، الادك، الكوما، القنزا، البلدقوا، الجبلاوين، الفونج، الكماتير، المابان، والوطاويط. (كما توجد في إقليم النيل الأزرق كذلك قبائل عربية، وتعمل في الرعي والتجارة ومن أبرزها قبائل رفاعة وكنانة). فتقاليد ملكية الأرض تقوم على المكوكيات التاريخية التي تحكم رقعة جغرافية محددة في الإقليم، وحتى المجموعات الوافدة إلى الإقليم من شمال ووسط البلاد تنظم شؤونها خارج نطاق هيكل الإدارة الأهلية. ووفقا لقانون الأراضي الذي سنه الاستعمار الإنجليزي عام 1923، فإن “المك” هو من يدير حيازة القبيلة من الأرض المعروفة محليا باسم “الحاكورة”، وعززته قوانين الحكم الاتحادي وملكية الأراضي والإدارة الأهلية.
إشعال فتيل الفِتنة: الصراع المحلي على حكم الإقليم!
الرأي العام السائد، والشعور المشترك بين كل المكونات “الأصلية” في الإقليم، لا يبدو قابلاً لقبول استيعاب الهوسا في الهيكل الموروث للإدارة الأهلية. ومع ذلك، فإن اندلاع الأحداث الدامية الأخيرة يقف من ورائها تنظيمٌ سياسي بإسم “أحفاد السلطنة الزرقاء”، يقوده عمدة “الهمج”، العبيد سليمان أبو شوتال، وهدفه الرئيس الإطاحة بالحكومة الإقليمية أو المشاركة في سُلطتها بِسهمٍ أكبر. هذا التنظيم يُثير الحِيرة وسط قطاعات مجتمعية ومدنية مؤثرة، إذ ليس لديهم معرفة أو تعريف لهؤلاء الأحفاد، ولا يعلمون هُويته وهياكله التنظيمية والقيادية.
ولتحقيق مسعاه في الوصول إلى الحكم، باستخدام لافتة تنظيميه مجهولة الهوية، التقط العمدة أبو شوتال قفاز المعركة ضد غريميه عضو مجلس السيادة، الفريق مالك عقار وحاكم الإقليم المُعيّن من قِبله، اللواء أحمد العمدة بادي، مُستخدماً واجهة الإدارة الأهلية للمطالبة بطرد الهوسا، من جِهةٍ، وإلإطاحة بحاكم الإقليم، من جِهةٍ أخرى. فهو يوجه إليهما الاتهام في كل لقاءاته العامة والمسجلة صوتاً وصورة محاولاً اقناع الناس بأن رئيس الحركة الشعبية هو الذي يُألب، ويتواطأ مع الهوسا ضد القبائل الأصلية ويوفر لهم الحماية، بل ويرفض إخراجهم من الإقليم ونزع أراضيهم وتجريدهم من الرقم الوطني. فبدلاً عن أن تخرج توصيات مؤتمر الإدارة الأهلية، أواخر 2022، بدعم الحوار والوصول إلى تفاهمات مشتركة مع أعيان الهوسا، والحفاظ على تماسك النسيج الاجتماعي الذي تميز به الإقليم لقرون من الزمان، أصدر المؤتمر مُخرجاته، أعلاه، المُفعمة بالكراهية ونبذ الآخر، وتهديد التعايش السلمي.
ومن الجدير ذِكرهِ، أنّ الإدارة الأهلية نفسها غير متماسكة، وتحفها انقسامات في المواقف السياسية مما يستدعي إصلاح الخلل في هياكلها ومسمياتها، وتثبيت العُمد والشيوخ “الشرعيين” في مواقعهم، حتى يكون لها موقف موحد ومنسجم مع متطلبات الأوضاع المتفجرة في الإقليم. ومن أمثلة ما يطفو من انقسام، في صفوف قيادة الإدارة الأهلية إدعاء القيادي السابق في الحركة الشعبية عالم مون، في تسجيل فيديو في أواخر أكتوبر الماضي، بأنه هو “ناظر عموم الانقسنا” وليس الناظر محمد أبو العلا. بينما المعروف، بحسب مصادر موثوقة، أن الناظر محمد قد آل إليه الموقع وراثة من والده المرحوم المقدم أبو العلا جمعة ناظر، الانقسنا، الذي كان أحد قُدامى محاربي الجيش الشعبي ومُدرباً لقواته في مدينة “بلفام”، مقر القيادة العسكرية للجيش الشعبي لتحرير السودان (وأصلاً كان ضابطاً في الجيش السوداني وقع في أسرٍ قوات الجيش الشعبي، بقيادة كاربينو كوانين بول، ومن ثم انضم للحركة الشعبية بعد فكِ أسرهِ). وعلمت من نفس المصادر أن الناظر عالم مون ربما يحظى بدعمٍ من رئيس الحركة الشعبية، الفريق مالك عقار، الذي سبق وأن عينه ناظراً للانقسنا في “الأراضي المحررة”، بينما يظل الناظر محمد أبو العلا هو المُعتمد رسمياً في هيكل الإدارة الأهلية. وعلى نفس طول الموجة، من التساؤلات المطروحة، هل العمدة أبو شتال هو العمدة المعتمد في هذا الهيكل أم أخيه الأكبر خالد سليمان أبو شوتال؟ ومثال آخر لأزمة الإدارة الأهلية هو التشكيك في “مكوكية” المك الفاتح، الذي يُعرف نفسه ب “ناظر عموم قبائل النيل الأزرق” بالوراثة عن والده المك يوسف عدلان، الذي ظل يدير شؤون الإدارة “شكلياً” من مدينة الروصيرص فقط.
وفرت هذه الظروف مجتمعة الفرصةَ للعمدة أبو شوتال لاستغلالِ الأجواء الناتجة من معارضة بعض مكونات الإقليم لاتفاق سلام جوبا، بسبب تسليم حُكمِ الإقليم لفصيلٍ واحدٍ من الحركة الشعبية شمال، تتبعه أقلية اثنية، إضافةً إلى الإحساس السائد العام وسط كل المكونات الأصلية بعدم الرضاء باستيعاب الهوسا في هياكل الإدارة الأهلية القائمة على امتلاك الأرض (الحواكير) الموروثة عن الأجداد، حتى يحقق هدفه في الوصول إلى الحُكمِ. وبالطبع، لا يجرؤ الفريق مالك عقار، عضو مجلس السيادة، أو حاكم الإقليم، أن يقِفا بأي حال من الأحوال مع الدعوة لترحيل مواطنين سودانيين، وأحد المرتكزات المجتمعية، بما يتناقض مع مباديء الحركة الشعبية والقواعد الدستورية والقوانين السارية على المستويين المركزي والإقليمي.
إذكاء نار الفِتنة: الاستعانةُ بالمركز!
كما نوهت في مقدمة المقال أنّ سلطة المركز في الخرطوم، في ظل التنافس السياسي بين رئيس مجلس السيادة ونائبه، ليس ببعيدةٍ عن صراع الأطراف المحلية على حكم الإقليم. ففي أعقاب أحداث يوليو المنصرم، كان لرئيس مجلس السيادة مبادرة للصلح بين طرفي النزاع، وبحسب ما توفرّ لي من معلومات، أوفد مجموعةً من بعض الإدارات الأهليه التقت بطرفي النزاع من مكونات السلطنه الزرقاء والهوسا تمهيدا لمبادرةٍ للمصالحة الاجتماعية، ومن ثم عاد الوفد إلى الخرطوم لمقابلة رئيس مجلس السياده ومن ثم طرح المبادرة لكل الأطراف. ولكن تدخلُ نائب رئيس مجلس السيادة، الفريق محمد حمدان دقلو، قطع الطريق عليها بطرح مبادرة جديدة، بدعم من عرب رفاعة وكنانة، الذين تنتسب أعدادٌ منهم إلى قوات الدعم السريع. فأرسل نائب رئيس مجلس السيادة ضابطاً من قوات الدعم السريع بِرُتبة العميد، والذي التقى أيضا بالطرفين المُتنازعين. وبالطبع فضلّ العمدة أبوشوتال التعامل مع مبادرة الدعم السريع (وثيقة الهدنة)، بحسب تصوره بأنّ الجيش غير مُحايدٍ في الصراع. ومع ذلك، لم تفلح المبادرة في وقف الاقتتال في نهاية الأمر. ولهذا الغرض بعث نائب رئيس مجلس السيادة أخيه عبد الرحيم دقلو، قائد ثانِ قوات الدعم السريع، ليكون ضامناً لوثيقه الهدنه، مما طمأن العمدة أبو شوتال بأنه سيحصل على امتيازات مهمه حال إعلان موافقته على مبادرة الدعم السريع.
وهكذا، سعى العمدة أبو شوتال لاستمالة نائب مجلس السيادة، وقائد هذه القوات، لكسب مساندته في تزعمه للحملة الضارية في التعبئة ضد الهوسا، بما يحقق غرضة السياسي ضد خِصميه عضو مجلس السيادة مالك عقار وحاكم الإقليم. وبحثاً عن الدعم السياسي والمادي، خلال الاشتباكات الأخيرة، اجتمع العمدة أبو شوتال مع نائب رئيس مجلس السيادة وأطلعه على خطوته لتنظيم حشدٍ من مواطني الإقليم من المكونات “الأصيلة”، وقيادات الإدارة الأهلية، يأتي إلى الخرطوم دعماً للاجتماع بينهما. أغضب هذا التدخل، من قِبل قائد الدعم السريع، رئيس مجلس السيادة، خاصة بعد احتجاج الفريق مالك، عضو مجلس السيادة على التدخل السياسي لقائد الدعم السريع وانحيازه إلى الخِصوم السياسيين لحكومة الإقليم، مما أفشل خطة العمدة أبو شوتال. بل دعا رئيس مجلس السيادة، الفريق عبد الفتاح البرهان، قيادات الإدارة إلى الاجتماع به في الخرطوم وأرسل طائرة خاصة بغرض إعادة مبادرته في آواخر يوليو الماضي. طلبت هذه القيادات في الاجتماع بتغيير حكومة الإقليم، وهو مطلبٌ لا يستطيع رئيس مجلس السيادة الاستجابة له خارج إطار اتفاقية السلام ومن غير المشاورة مع عضو مجلس السيادة رئيس الحركة الشعبية شمال. وهكذا، أُسدل الستار على محاولات العمدة أبو شوتال للاستقواء بأحد أطراف السلطة في المركز.
يؤكدُ مراقبون لصيقون بالمشهد السياسي في الإقليم أنّ غضبَ رئيس المجلس السيادة من نائبه تجلي في قراراته الأخيرة بتعيين قائد عسكري جديد للإقليم، مع تغيير قائد الاستخبارات العسكرية ورئيس جهاز الأمن ومدير الشرطة، بشُبهةِ التواطؤ مما فتح الطريق لمناصري العمدة أبو شوتال لاقتحام مخازن السلاح واستخدامها في قتل وترويع أحياء الهوسا في الدمازين. ولعل ما يُعزز هذه الريبةِ هو انتشار مقطع فيديو مُصور يظهر فيه العمدة أبو شوتال داخل القيادة العسكرية في الدمازين، ومعه مناصريه، في 24 أكتوبر الماضي، مُعتلياً ظهر عربة عسكرية ومخاطباً الضباط والجنود، بزيٍ مدني، وبعد إعلان حالة الطوارئ مما أثار كثيراً من التساؤلات والظنون وسط مواطني الإقليم. لعنّ أبو شوتال في خطابه اتفاقية جوبا للسلام، التي، بحدِ تعبيره “جاءت لتخرب علينا العلاقة بين شعب مكونات السلطنة الزرقاء والمؤسسات العسكرية”. ويعزي السبب في ذلك “إلى الزول الاسمو مالك عقار ده”، على حدِ قوله أيضاً، مُحملاّ له مسئولية الاقتتال، وإلى حاكم إقليم النيل الأزرق الذي حذره من الحضور لمكتبه في اليوم التالي، بل ودعا مؤيديه إلى محاصرة ومهاجمة مبنى الأمانة العامة للحكومة. ومما يزيد الأمر تعقيداً أنّ القوات المسلحة وقوات الدعم السريع تضم في صفوفها منسوبين من كل أبناء قبائل النيل الأزرق كل منهم يوجه سلاحه ضد الآخر ويقاتل مدافعاً عن أهله وقبيلته، ولعل هذا الوضع هو ما تسبب في توسيع نطاق الاقتتال في عددٍ من محليات الإقليم.
“العمدة” أبو شوتال خصم سياسي قديم للفريق مالك عقار، وكان تحت قيادته في الجيش الشعبي لتحرير السودان، وترقى خلال خدمته من جنديٍ إلى ضابطٍ برتبة العقيد عند فصاله مع الحركة الشعبية، وانضمامه للمؤتمر الوطني (ونقرة على محرك قوقل تزودك بمعرفة التفاصيل). ففي حوار، مع صحيفة “المشهد الآن”، 21 أبريل 2013، أقرَّ العمدة على حد قوله “أنا عضو وقيادي بالمؤتمر الوطني على مستوى الولاية وفي الشورى المركزية، ومستشار لوالي الخرطوم، من ضمن حصة المؤتمر السوداني”. وفي نفس الحوار لم يخف العمدة أبو شوتال عدائه للحركة الشعبية شمال (قبل انقسامها) والجبهة الثورية حينذاك. وقد سبق أن اتهم العمدة أبو شوتال رئيس الحركة الشعبية شمال بإشعال الحرب في النيل الأزرق في مطلع سبتمبر 2011، بينما في رأيه أن الأزمة كان من الممكن حلها بالتفاوض. فإن كان رأيه صائباً، فهذا يتناقض كُلياً مع موقفه الراهن من الوصول للحكم عن طريق اشعال الاقتتال القبلي، وعلى أنقاض اتفاقية جوبا للسلام المتفاوض عليها. وثمة تناقض ثانٍ للعمدة أبو شوتال هو تغيير وجِهةِ اتهامه، للمسؤول عن حوادث القتل في الأحداث الأخيرة، من الفريق مالك عقار إلى الهوسا “بوكو حرام”، في مناظرة تلفزيونية مع سكرتير إعلام اللجنة المركزية للهوسا (قناة الحدث، 23 أكتوبر 2022).
ضربٌ من مناورات العمدة أبو شوتال أن يُشيع بأن عضو مجلس السيادة، الفريق مالك، وحاكم الإقليم، هما من يتوليان كِبرَ تحريض الهوسا ومدهم بالسلاح وهو يعلم بخطلِ هذا الاتهام، بينما هو يسعى لتمهيد طريق وصوله للسلطة. هكذا، وربما تناقضُ آخر، فبالرغم من أنّ “عمدة” الهمج يدعو لإلغاء اتفاقية جوبا للسلام، ويصعد الصراع مع حكومة الإقليم إلا إنه في حقيقة الأمر يهدفُ إلى، ويطمحُ في أن يكون نائباً لحاكم الإقليم وفق نصوص ذات الاتفاقية. فبحكم المادة 30 (أهداف اتفاقية السلام) تُمثل الحركة الشعبية شمال-الجبهة الثورية، على المستويين التنفيذي والتشريعي، بنسبة 30% على أن تتم معالجة هذه القضية في “اللجنة السياسية”. وبحسب علمي أنّ مداولات اللجنة أفضت إلى توافق يقضي بأن تشارك الحركة الشعبية شمال-القائد عبد العزيز الحلو بنسبة 30%، قوى الحرية والتغيير 30%، وأن تترك ال 10% المتبقية للمكونات المدنية الأخرى في الإقليم. فالعمدة أبو شوتال يسعى حثيثاً بأن تؤول له نسبة ال70% من السلطة في الإقليم ليصبح نائباً للحاكم وذلك حسب فهمه بأنه بعد خروج الحريه والتغيير فإن نصيبها حسب محاصصة جوبا يجب أن لا يشغلها مالك عقار بمنسوبيه من الحركة الشعبية وقبيلته فقط، وهذا ما طرحه في اجتماعه مع نائب رئيس مجلس السيادة.
هل القائد عبد العزيز الحلو متورطٌ في الصراع؟
في رأي بعض المحللين السياسيين والمهتمين أنّ أحداث النيل الأزرق تبدو في ظاهرها نزاعاً بين المكونات “الأصيلة” وقبائل الهوسا، بينما في جوهرها صراع بين قوات الجيش الشعبي (القائد الحلو) وقوات الجيش الشعبي (القائد عقار). وبذلك، وجِّهت الاتهامات ضد القائدين عبد العزيز الحلو وجوزيف تكة في إذكاءهما نار الفتنة بين المكونات الاجتماعية في الإقليم، بل واقتحام مخازن السلاح في قيادة الفرقة الرابعة مشاة في الدمازين. وربما ترسخ هذا الفهم في أذهان البعض على خلفية الاتهامات والملاسنات المتبادلة بين قيادات الحركتين. فمن جانبٍ، حاكم الإقليم، الفريق أحمد العمدة، صرح بأنّ “جهات أجنبية والحركة الشعبية شمال، بقيادة عبد العزيز الحلو، ضالعين في أعمال العنف القبلي الذي وقع بالإقليم هذا الشهر”. ومن الجانبِ الآخر، نفي رئيس الحركة الشعبية شمال “في الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة، د. محمد يوسف المصطفى هذا الاتهام بقوله “ليس لحركة القائد عبدالعزيز الحلو شأن بالصراع الدائر بين المكونات الاثنية بأي مكان في البلاد”، بل حاكم الإقليم ورئيس الحركة مالك عقار وأعضاء المجلس الانقلابي هم من يثيرون الفتن”، على حدِ تعبيره (سودان تربيون 29 يوليو 2022).
ومع ذلك، بحُكمِ عِلمي من مصادر موثوقة أزعم بأنه لم تتم أي مواجهة مباشرة بين قوات فصيلي الحركة الشعبية شمال، وقد صدر توجيه من القائد عبد العزيز الحلو بعدم تدخل قوات الجيش الشعبي في العنف القبلي القائم في الإقليم. وللمفارقة، فقد وجِّه نفس الاتهام للحركة الشعبية في أحداث لقاوة بغرب كردفان، في أكتوبر الماضي، وهو الأمر الذي فشل مروجوه في إثباته إلى اليوم. (بل خرج بنات وأبناء النوبة في مسيرة ضخمة وهادرة على مشارف القصر الرئاسي بالخرطوم طالبوا فيها بخروج قوات الدعم السريع من محلية لقاوة بصفتها المسئولة عن الأحداث الدامية التي وقعت). ولا شك، إضافة لعدم توفر المعلومات الصحيحة لدى بعض المحللين السياسيين، فبالطبع هناك قوى سياسية ومجتمعية تنطلق من منصة عداء تاريخي وخلاف أيديولوجي مع الحركة الشعبية تُشيعُ مثل هذا الزعم، تشفياً وشماتةً في تشظي الحركة الشعبية.
في حقيقة الأمر، صحيحٌ أنّ القائدين عبد العزيز الحلو ومالك عقار أصبحا خصمين سياسيين ان منذ إعلان انشقاق الحركة الشعبية شمال في أكتوبر 2017. وصحيحٌ أيضاً أن الحركة الشعبية بقيادة الحلو لديها رأيٌ مُعارضٌ مُعلن لاتفاقية جوبا للسلام، أعادت تأكيده في بيان لها، إثر إندلاع الإقتتال مُجدداً في الإقليم في 20 أكتوبر 2022. البيان يُحمِّل 1) “عضو مجلس السيادة في حكومة الانقلاب مالك عقار،وحاكم الإقليم أحمد العمدة بادي مسئولية ما وقع من مجذرة، وذلك لدورهما المباشر في تأجيج الصراع بالإقليم”، و2) “تؤكد هذه الأحداث فشل اتفاقية جوبا في توفير الأمن والاستقرار للمواطنين”. ولكن، لا يعني هذا الخلاف السياسي بين فصيلي الحركة الشعبية أن يفضي إلى الاشتباك بين قواتهما، من جِهةٍ، أو بين هذه القوات وأطراف المكونات الاجتماعية، من جِهةٍ أخرى. فإن كانت هذه المكونات منقسمة في موالاتها لفصيلي الحركة الشعبية، لا يغيبُ علي قائدي فصيلي الحركة الشعبية أنه ليس كل مواطني الإقليم بمنتسبين إلى أحد هذين الفصلين، إذ هناك من لهم ولاءات سياسية أخرى أو ربما لا شأن لهم بالسياسة مُطلقاً. ولا أظنُ أنّ للحركة الشعيبية شمال، تحت قيادة الفريق الحلو، أي نية أو خطة لإسقاط حكومة الإقليم بالقوة مما يضرُ بالقاعدة الاجتماعية للحركة الشعبية ومواطني الإقليم عموماً، ويفاقم الأوضاع المأساوية الراهنة. ولعل القائد عبد العزيز الحلو يُدرك أن قطاعات مجتمعية مُقدرة ومؤثرة ترى أنّ اتفاقية جوبا للسلام قد وفرت للإقليم الحكم الذاتي وحققت لمواطنيه مكاسباً مُعتبرةً. وبنفس القدر، تظل مسؤولية حكومة الإقليم أن لا تقتصر المشاركة في السلطة على الموالين للحركة الشعبية شمال ِقيادة مالك عقار، أو على مكونٍ مجتمعي بعينه، وينبغي أن ترى كل مكونات الإقليم وجوهها في مِرآة هياكل حُكمِ إقليمهم. فلماذا لا يُقدم إقليم النيل الأزرق، بوحدة مكوناته المتعددة والمتنوعة، مثالاً يحتذى به لتجربة الحكم الذاتي، بل ولحكم البلاد قاطبة؟.
وربما الأهم، في هذا السياق، ما يتداوله كثيرون حول علاقة العمدة أبو شوتال بالحركة الشعبية شمال ورئيسها القائد عبد العزيز الحلو، على خلفية مؤتمر صحفي للعمدة في أواخر ديسمبر 2021، في الدمازين بدار تنظيم القلعة الزراعي، أعلن فيه أنه رئيس الحركة في الإقليم. وربما أن عدم نفي أو تأكيد، قيادة الحركة الشعبية لهذا الإدعاء من أحد أسباب ترسيخ هذا التصور عند كثيرين، إضافة إلى أنّ عدداً مقدرً من الشباب المصطفين خلف العمدة أبو شوتال هم أصلاً من الموالين للحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو (وللقائد جوزيف تكة). وبعد بحثٍ وتقصيٍ، علِمتُ أن العمدة أبو شوتال لا علاقة مباشرة له مع قائد الحركة، ولا بنائبة الفريق جوزيف تكة، ولا يملك تفويضاً كتابةً أو شفاهةً من قيادة الحركة. فقد سبق أن أدخل الحركة الشعبية في حرج بظهوره في لقاءٍ شبه جماهيري في مارس 2022 التمس فيه من عرب الزنديه (طيب البليلاب)، شمال الرصيرص، التحالف معه ضد الهوسا، والذين بدورهم طلبوا من العمدة أبوشوتال أن يمدهم بالسلاح والذخيره. وذلك، بحكم “زعماته” للحركه الشعبيه-القائد عبد الحلو على خلفيته مؤتمره الصحفي الذي أعلن فيه بأنه رئيس الحركة الشعبية بالنيل الأزرق، في ديسمبر 2022.
في الواقع، إن كان هناك تمثيلٌ للحركة الشعبية شمال في الإقليم فمن الأولى أن يكون من “مجموعة نشطاء السلام PAG” بالإقليم، فهم الأكثر قرباً لها، فقد وقع الطرفان على إعلانٍ سياسي في 14 يناير 2021. تضمن الإعلان 19 بنداً حول كافة القضايا المرتبطة ببناء السلام والتحديات التي تواجه التحول الديمقراطي وتحقيق العدالة وسيادة القانون، ونص البند 19 ب “التأمين على مخرجات ورشة العمل غير الرسمية حول علاقة الدين بالدولة، جوبا 29 أكتوبر-1 نوفمبر 2020، وهو على رأس أجندة الحركة التفاوضية. وبالرغم من هذا الإعلان السياسي مع الحركة الشعبية، إلا أنّ مجموعة نشطاء السلام (وتجمع القوى المدنية لشعب النيل الأزرق) اختارت الوقوف إلى جانب، والتحالف مع، حكومة الإقليم بغرض المحافظة على وحدة الإقليم وصيانة مكتسبات اتفاقية السلام. كذلك، فالحركة الشعبية شمال، القائد عبد العزيز الحلو، لا ترغب في أن تُعلن عمن يمثلها في الإقليم طالما لم توقع على اتفاقية جوبا للسلام، بل تنتظر الحركة استئناف المفاوضات مع الحكومة. فإن كان العمدة أبو شوتال يهدف ويسعى إلى المشاركة في حكم الإقليم وسيتأثر بنسبة ال 30%، المحفوظة للحركة الشعبية شمال (وفق تفاهمات اللجنة السياسية)، التي سبق وأن أشرتُ إليها، فعليه أن يأتي بتفويض من قيادة الحركة على نسقِ تسميتها لرئيس الحركة في مناطق سيطرة الحكومة.
إنّ اتفاقية السلام قابلة للمراجعة والتطوير خلال سيرورة تنفيذها طالما شاركت أطرفها في هذه العملية، وبما لا يمس حقوق المواطنين المكتسبة، وبدون انحياز سلطة الإقليم إلى أيٍ من المكونات الاجتماعية، أو عزلهم من المشاركة فيها، حتى تحسم الانتخابات الأمر. إلا أنّ إلغاء الاتفاقية هكذا بجرةِ قلم أو بقرارٍ أُحادي، فذلك يعني فتح صندوق الباندورة للعودة إلى الحرب مجدداً، وربما بشكلٍ مختلف وأفظع هذه المرة، خاصة وأن الترتيبات الأمنية لم تكتمل بعد وما زالت الحركات المسلحة الموقعة، وغير الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام، تحتفظ بقواتها وسلاحها، إضافة إلى أن الإقليم متاخماً للحدود مع إثيوبيا المشتعلة أصلاً، من ناحية، ومع جنوب السودان، من ناحية أخرى.
خاتمة:
الصراع بين الهوسا والمكونات “الأصلية”، إثر مطالبة الهوسا بإمارة مستقلة لهم ضِمنَ هيكل الإدارة الأهلية، ما كان ليتطور إلى اقتتال أهلي وما صاحبته من انتهاكات فظيعة من كلا الطرفين. ذلك، لولا ضُعف بنية الإدارة الأهلية التي فشلت في أخذِ الأمر بيدها، والجلوس مع أعيان قبيلة الهوسا منذ أن ظهرت بوادر الفتنة، بدلاً عن تحولها إلى جماعة سياسية مُتنافرة الأهواء ومحاولة استقوائها بأطراف السلطة المركزية. وربما سؤالٌ يطل برأسه، له تبعات سياسية، ويبحث عن إجابة: كيف تستوي حقوق المواطنة المتساوية في ظِلِ قوانين الحكم الاتحادي والأراضي السائدة، والنظام القانوني المزدوج لملكية الأراضي، بغض النظر عن شكل الحكم وهياكله؟
لا تثريب انتقاد أداء حاكم الإقليم ولجنته الأمنية، وحتى الدعوة إلى تغيير الحاكم، إن كان ضالعاً في هذا الصراع ومسؤولاً عن عواقبه الوخيمة. ومع ذلك، لا يستطيع رئيس مجلس السيادة أن يقيله أو يستبدله بآخر، بدون التشاور مع عضو مجلس السيادة ورئيس الحركة الشعبية شمال بحسب أحكام اتفاقية جوبا للسلام. وعلى كُلِ حالٍ، فإنّ مسؤولية رئيس مجلس السيادة، والقائد العام للقوات المسلحة، تُحتم عليه أن يحافظ على وحدة كل إقليم في البلاد، والتي لن يكتمل قوامها بدون تحديد وتوصيف وضعية قوات الدعم السريع، وتنفيذ الترتيبات الأمنية وإصلاح القطاع الأمني.
وبالرغم من الخصومة السياسية بين القائدين مالك عقار وعبد العزيز الحلو، على إثرِ انقسام الحركة الشعبية شمال في 2017، تبقى هناك قواسمٌ مُشتركةٌ بينهما، ومن بينها: وقف الاضطراب المجتمعي والسياسي من أجلِ الحفاظ على الوحدة والتماسك الداخلي في إقليمي جنوب كردفان والنيل الأزرق. هذه المشتركات توفر أرضية وتفتح نافذة لتشكيل موقف موحد تصنعه كل فصائل الحركة الشعبية، يُفرِّقُ بين مكاسب اتفاقية السلام لأهل النيل الأزرق وبين كيف ومن يحكم الإقليم. أفلم تتوحد الحركة الشعبية، بعد انقسامها في 1991, حول الموقف من تقرير المصير، بينما ظل كل فصيل مستقل بذاته حتى تمت وحدة الحركة ساعة مخاض اتفاقية السلام الشامل؟
أختم، بأنّ الصراع المحتدم على السلطة المركزية، في ظل انشقاقات القوى السياسية وهشاشة تحالفاتها، والتنافس السياسي بين رئيس مجلس السيادة ونائبه، وتسييس القبيلة، أشرع البابَ واسعاً للتدخلات الإقليمية والإملاءات الدولية. وبنفس القدر، فإنّ المشهد السياسي المضطرب والانشطار المجتمعي السائد في إقليم النيل الأزرق، مقرونا بما يتمتع به الإقليم من ثروات طبيعية وموارد متعددة، في باطن وعلى ظاهر الأرض، لا شك مُغرياً لهذه التدخلات الخارجية طمعاً في التأثير على حكم الإقليم. وليس بعيد عن الأذهان الجدل الكثيف الذي أثارته المبادرة الإمارتية، المدعومة من إثيوبيا، لاستغلال أراضي “الفشقة” وإقامة مشروعات استثمارية، في ولاية القضارف، المتاخمة لإقليم النيل الأزرق، في أبريل 2021.
تورونتو، 11 نوفمبر 2022
المصدر