منى أبوزيد تكتب : أن تكون غبياً باختيارك..!
“لا تبالغ في إظهار تفوقك ونعمائك”.. روبرت قرين..!
قبل سنوات حل الفنان الشعبي المصري الراحل “شعبان عبد الرحيم”، ضيفاً على برنامج المسابقات الشهير “مَن سيربح المليون”، وبينما كان الجمهور يضحك على طريقته الساذجة في الرد والتخمين، استطاع هو أن يكسب مبلغ مائة وخمسة وعشرين ألف ريال. بعد أن وقع مقدم البرنامج وجمهور الأستديو وملايين المُشاهدين – الذين تابعوا تلك الحلقة عبر شاشات التلفاز – في فخ البساطة والسذاجة الذي نصبه لهم..!
كان يتعمد أن لا يجيب على الأسئلة، بينما كان مقدم البرنامج يخبره بالإجابات الصحيحة تلميحاً، ثم يصيح بعدها معلناً أن الإجابة صحيحة. وبينما كان الجمهور يضحك أعلن شعبان تبرعه بنصف المبلغ لعلاج أحد زملائه الفنانين، وتبرُّعه بنصفه الآخر لإحدى مستشفيات سرطان الأطفال..!
والحقيقة أن الظهور بمظهر الرجل الأمي السّاذج فاسد الذوق في اختيار الملابس، كان “الشكل الفني” الذي اختار شعبان عبد الرحيم أن يشتهر به وأن يكسب ثروةً طائلةً من خلاله. شأنه في ذلك شأن المغنية وعارضة الأزياء الأمريكية الشهيرة “باريس هيلتون” التي اختارت لنفسها شكلاً فنياً يظهرها بمظهر الجميلة الساذجة وريثة سلسلة الفنادق الشهيرة، ذات الجسد الفاتن والرأس الأشقر الجميل، والعقل الفارغ الموشى بشرائط ملونة من الحمق..!
وباريس هذه تتبنى ذات الفلسفة التي تبنتها شقراء أمريكية أخرى فاتنة هي “مارلين مونرو”، والتي كنت قد أشرتُ قبل فترة إلى رواية حديثة صدرت لكاتب فرنسي ومحلل نفسي بشأنها. وكيف أنه قد أعاد من خلالها تفكيك ورسم ملامح شخصية مونرو مستخدماً أحد مناهج التحليل النفسي، ومثبتاً أنها قد استخدمت صورة الشقراء البلهاء بشكل متعمد. وكيف أنها كانت تتظاهر السذاجة بينما كانت تقرأ سراً في كتب الفلسفة، وتهضم بسهولة نصوصاً وعرة لكُتّاب وشُعراء ومُفكِّرين مثل كافكا وريلكة وديستوفيسكي..!
طيب!. لماذا يظهر بعض الناس بمظهر لا يمثل حقيقتهم، ولماذا يخفون ذكاءهم تحت أقنعة “المسكنة” والسّذاجة؟. لأنّهم ببساطة يُحقِّقون طُموحاتهم ويكسبون معاركهم بجهدٍ أقل وتركيز أكبر عندما يبقون أنفسهم خارج دائرة الضوء. ولأن معظم الذين تتم محاربتهم – والإصرار على تدميرهم بالوقوف في طريق نجاحهم – هُم أناس يصرون على إظهار ذكائهم واستعراض قُدراتهم على نحو يحرج ويستفز من يكونون في موقع سلطة أعلى منهم، فيعمدون إلى استخدام سلطتهم لإقصائهم عن الطريق..!
في كتابه “قواعد السطوة الثمانية والأربعون” تناول “روبرت قرين” فوائد هذه الحيلة ونجاحها في اجتناب شرور البشر الخطائين. في القاعدة الواحدة والعشرين – مثلاُ – ينصح القارئ بأن يستدرج خصومه من خلال التظاهر بأنه أقل منهم ذكاءً. وهي نصيحة تنطلق من فهمٍ عميقٍ لطبيعة بني الإنسان الذين لا يقبلون الظهور بمظهر الأقل ذكاءً، دعهم إذاً يشعرون بأنهم يتفوّقون عليك، ولن يشكوا عندها في ما تدبره لتحقيق طموحك في الخفاء..!
وفي القاعدة التي تليها ينصحك “قرين” بأن تستخدم تكتيك الإذعان لتُحَوِّل ضعفك إلى قوة، وهذا يعني أن لا تقاتل بدافع الكرامة، بل أن تجعل الإذعان حيلةً تحرم المتجبرين من متعة هزيمتك. أما القاعدة السادسة والأربعين فتقول “لا تبالغ أبداً في إظهار تفوقك”..!
قد يقول قائل “أين الكبرياء والكرامة”. والحقيقة أن القائلين بذلك ليسوا مجبرين على اتّباع قواعد المُؤلف الثمانية والأربعين للوصول إلى النجاح والسطوة، لكنهم سوف يكونون مجبرين – بكل تأكيد – على تحمُّل تبعات المضي قُدُماً في طريق الكبرياء الشاقّة، وشَق دروب الكرامة الوعرة، ثم أنهم قد يَصِلون يوماً، أو أنهم قد لا يَصِلون أبداً..!
مصدر الخبر