بعد عام على الانقلاب.. هل أرهق التأهب المستمر القوات النظامية؟
[ad_1]
خاص: سودان تربيون
أكملت القوات النظامية السودانية، عامًا في وضعية الاستعداد المتفاوت بين النسبي والكامل، وحالة التأهب القصوى اقترانًا بإجراءات قائد الجيش في 25 أكتوبر الماضي وإطاحته بالحكومة المدنية.
وفي خضم احتجاجات متواصلة ورفض سياسي لتلك الإجراءات التي تستند في الأساس على سلطة السلاح، دخلت معظم الوحدات العسكرية في معادلة الاستعداد والتأهب الذي تقوم به قيادة القوات النظامية لقمع ووقف الاحتجاجات على الانقلاب العسكري.
وعند النظر إلى تأثير وضع القوات المختلفة “الموضوعة” منذ عام كامل على أهبة الاستعداد والموصوفة بأنها من الفترات القياسية، مع إكمالها عاماً كاملاً، يشكل هذا تأثيرًا سلبيًا على المنظومة نفسها، وتضعها على محك التفكك والانهيار والفشل في مقاومة الانفلات الأمني، ومحاربة الجريمة وغيرها من مهامها الأساسية.
اقتصاد الحرب
بالاستناد إلى الدراسات العسكرية والإستراتيجية تكلف تلك الوضعيات الاستعدادية أموالاً طائلة واحتياجات لوجستية ضخمة لجهة أنها قوات كبيرة العدد ومتنوعة الوحدات والتخصصات ومختلفة المهام والتسليح والتحركات.
تؤيد دراسات نشرها مركز الجزيرة للدراسات تأثير المكوِّن العسكري في الاقتصاد، والتأثير العسكري في صناعة القرار، وتضخم الإنفاق العسكري، ونشر الجيش في الشارع، وانتشار السلاح والميليشيات في المجتمع، وعسكرة التنشئة الاجتماعية.
وتبين تحليلات أنّ اقتصاد الحرب بما في ذلك مواجهة الاحتجاجات الشعبية المستمرة تتجه ناحية بوصلة الصرف العام وأولوياته تجاه ذلك المجهود، وتعمد الأنظمة العسكرية القائمة على وضع كل الإمكانيات تحت أمرة تلك القوات.
نشرت(Global Firepower تصنيفاً للقوات العسكرية في أفريقيا للعام (2022) ووضعت الجيش السوداني في المرتبة التاسعة بين (36) دولة أفريقية مدرجة في المراجعة الدفاعية السنوية. حلّ الجيش السوداني في التصنيف العالمي للجيوش بالمرتبة (73) بين (142) من الدول التي تم النظر إليها في مراجعة (GFP) السنوية.
عقوبات خطيرة
في المقابل ومع عمليات القتل والقمع العنيف للمتظاهرين السلميين منذ إجراءات قائد الجيش في 25 أكتوبر الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية خلال مارس الماضي، عقوبات على شرطة الاحتياطي المركزي في السودان لضلوعها في قتل المتظاهرين المطالبين بالحكم المدني.
وبرزت شرطة الاحتياطي في قمع الاحتجاجات المناوئة للحكم العسكري، منذ الانقلاب الذي نفذه قائد الجيش في أكتوبر 2021، ضمن تشكيلات نظامية أخرى.
وتشمل العقوبات حظر جميع ممتلكات ومصالح شرطة الاحتياطي المركزي داخل أو التي تأتي إلى أمريكا، إضافة إلى التي في حوزة أو تحت سيطرة الأمريكيين.
وأشار البيان إلى أن وزارة الخزانة حظرت جميع المعاملات التي يقوم بها الأمريكيين داخل أو عبر أمريكا الخاصة بمصالح شرطة الاحتياطي المركزي.
الدعم السريع
تبين متابعات ومصادر بقوات الدعم السريع، أن القوة التي يقودها نائب رئيس مجلس السيادة، ذات طبيعة مختلفة كليًا في العمل العسكري وجوانب الاستعداد والحركة والتسليح والتحرك وأهم من ذلك تلقي الأوامر.
وتتلقى القوة التي تطالب القوى المدنية بدمجها في الجيش النظامي تعليماتها مباشرة من قائدها محمد حمدان دقلو “حميدتي”، أو شقيقه عبد الرحيم ، بينما تتلقى تعليمات الحركة من الضباط وفق ترتيبات من قيادتها التي يمثلها الشقيقان.
وتشارك قوات الدعم السريع فيما يعرف بـ”القوة المشتركة” وهي قوات كبيرة من الجيش والشرطة وجهاز المخابرات، تقوم بإدارتها أيضاً قيادة مشتركة يقع مقرها بين القيادة العامة للجيش ومقر جهاز المخابرات العامة.
ومنذ اتهامات صوبت نحو الدعم السريع بفض اعتصام القيادة العامة في 3 يونيو 2019، عمدت القوات وقيادتها لتجنب المشاركة في قمع المظاهرات الرافضة للانقلاب، وتحاول العمل تحت غطاء “القوة المشتركة” وتسعى لتجنب التعامل مع الجماهير في كل الجوانب فيما يبدو أنها تعليمات مشددة من قيادتها لتحسين صورتها.
الشرطة المُنهكة
أكثر الأجهزة التي تتواجد في حالة التأهب المستمر بمختلف درجاته وصولاً للحالة القصوى، هي الشرطة، التي وصلت حد الإنهاك التام، والتي تواجه بمختلف تشكيلاتها خاصة شرطة الخرطوم والاحتياطي المركزي وقوات فض الشغب، التظاهرات المستمرة منذ عام على إجراءات قائد الجيش.
يقول ضابطان في الشرطة لـ”سودان تربيون” أن هناك ثلاثة مناطق تشهد مظاهرات يومية في الخرطوم هي شارع المعرض بحي بري، وشارع المعونة قبالة سوق بحري، وأم درمان أمام صينية الأزهري.
ويقر الضابطان بوصول الجنود لمرحلة من الإنهاك والتعب الشديد بسبب المواجهات المستمرة مع المتظاهرين والتواجد المتواصل في الشارع أو الاستعداد المنتظم.
تأثير إداري ووظيفي ولوجستي
في ذات السياق، يقدر الخبير في إدارة الأزمات والتفاوض اللواء د. أمين إسماعيل مجذوب، تأثير حالة التأهب على القوات النظامية طوال العام بنسبة مئوية تقدر بـ 40% لكل ناحية من النواحي الثلاث، الإدارية، الوظيفية، واللوجستية.
من جانبها تقول الشرطة في بيانات لاحقة تعقب معظم مواكب المظاهرات في السودان التي تتعامل وتصطدم فيها بالمتظاهرين بأنها تتعامل بالقدر الأدنى من القوة كما تحرص على اعلان خسائرها البشرية والمادية، لكن لجنة أطباء السودان المركزية ومنظمات المجتمع المدني تتهم الشرطة دائمًا باستخدام العنف المفرط في مواجهة المتظاهرين السلميين بدليل مقتل 119 متظاهر حتى 25 أكتوبر 2022، وإصابة آلاف بعضهم بإصابات خطيرة أو إعاقات دائمة.
بدلات عالية
تشير معلومات غير متاحة للإعلام حصلت عليها “سودان تربيون” من مصادر بالشرطة إلى أن الجندي يحصل على ما بين 5-3 آلاف جنيه في حالة الاستعداد مع امتيازات أخرى مثل أموال منفصلة للترحيل والتأمين الطبي في المستشفيات العسكرية والخاصة، بجانب وسائل الإعاشة والتموين للأسرة شهريًا.
ينال الضباط مبالغ أكبر وفق تلك المعلومات لكن من غير المؤكد حجمها وطريقة تصنيفها واختلافها بين الوحدات في الجيش والشرطة والدعم السريع وجهاز المخابرات بالإضافة للنثريات والدعم اللوجستي للأفراد المتخفين التابعين للمباحث والشرطة الأمنية والاستخبارات العسكرية وشُّعب العمليات الخاصة في القوات المختلفة، وجهاز المخابرات العامة.
إقامة دائمة
يشاهد المارة على طريق القيادة العامة في العاصمة الخرطوم، المئات من جنود الجيش يقيمون بصفة دائمة على أسطح مبنى المدينة الطبية التي توجد في الجهة المقابلة للقيادة العامة للجيش.
يوجد أولئك الجنود منذ وقت طويل في حالة استعداد وهم يتبعون لعدد من وحدات الجيش، وأوضح أحدهم لـ”سودان تربيون” أنه يتم استبدالهم كل شهر أو ثلاثة أشهر ويقومون بالمشاركة في الأطواف الأمنية، وتأمين بعض المقار الحيوية في الخرطوم، والعمل في الارتكازات الليلية بمداخل الجسور والكباري وقرب بعض المواقع العامة.
مع ذلك، يؤكد الجندي عدم مشاركتهم في قمع المظاهرات، في وقت وثق فيه ناشطين خلال مرات عديدة جنودا من الجيش وهم يقومون بقمع المتظاهرين ومطاردتهم، “عند مواجهة الجندي بتلك المعلومات رفض مواصلة الحديث”.
توقف التدريب والصرف العالي
ويرى الخبير في إدارة الأزمات والتفاوض اللواء د. أمين إسماعيل مجذوب، أن القوات النظامية تحملت عقب قرارات 25 أكتوبر مسؤولية كبيرة بوضعها في الاستعداد أغلب هذه الفترة.
وأكد أمين لـ”سودان تربيون” ان هناك تأثيرات، انعكست على توقف التدريب تماما باعتبار أن غالبية هذه القوات تكون على استعداد لمواجهة التفاعلات الأمنية الموجودة سواء كانت تحركات سياسية أو التدخل في صراعات قبلية أو حتى مواجهة عصابات موجودة، وهذا بالنسبة لجميع القوات النظامية.
ويطابق أمين في حديثه حول التأثيرات اللوجستية، بوجود صرف مادي كيير جداً ووجود علاوات خاصة لوضع القوات في حالة استعداد، وأيضاً إعاشة القوات وتوفير الإقامة يكون فيها تأثيرات لوجستية كبيرة.
ويؤكد الخبير أمين، أن من الناحية الوظيفية هناك تأثير على المهام المحددة لكل قوة، إذا أخذ على سبيل المثال البلاغات المقيدة لدى الشرطة.
وأضاف: “يتأثر سير البلاغات والتحقيقات باعتبار أن أغلب القوة تكون موجودة في الشارع لمواجهة حراكات معينة حسب الأوامر الموجهة لها”.
ويضيف “أن القوات المسلحة أيضا تكون في حماية المناطق الحيوية والمباني الحكومية وبالتالي رأينا أيضا قوات تذهب إلى الفشقة والى مناطق الصراعات القبلية، وهذا له تأثير على المهام لأن الاستعداد يجعل الفرد في حالة يقظة وتوتر”.
كما ينوه إلى وجود تأثير على النواحي الإدارية في إدارة القوات، وذكر أن القوات النظامية والأجهزة الأمنية السودانية لديها خبرة تراكمية وقدرة على التعامل مع الظروف الملتهبة، وما تقوم به مرتبط بالتوجيهات التي تصدر إليها من القائد الأعلى للقوات المسلحة.
المصدر