Your IP : 18.223.196.146


Current Path : /home/sudancam/.trash/quran/includes/tafseer/
Upload File :
Current File : /home/sudancam/.trash/quran/includes/tafseer/4-8.php

<?php
$TAFSEER['4']['25']['1'] = 'مَكِّيَّة كُلّهَا فِي قَوْل الْجُمْهُور . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة : إِلَّا ثَلَاث آيَات مِنْهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ , وَهِيَ : &quot; وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر &quot; [ الْفُرْقَان : 68 ] إِلَى قَوْله : &quot; وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا &quot; [ الْفَتْح : 14 ] . وَقَالَ الضَّحَّاك : هِيَ مَدَنِيَّة , وَفِيهَا آيَات مَكِّيَّة ; قَوْله : &quot; وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر &quot; الْآيَات . وَمَقْصُود هَذِهِ السُّورَة ذِكْر مَوْضِع عِظَم الْقُرْآن , وَذِكْر مَطَاعِن الْكُفَّار فِي النُّبُوَّة وَالرَّدّ عَلَى مَقَالَاتهمْ وَجَهَالَاتهمْ ; فَمِنْ جُمْلَتهَا قَوْلهمْ : إِنَّ الْقُرْآن اِفْتَرَاهُ مُحَمَّد , وَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِنْد اللَّه . 

&quot; تَبَارَكَ &quot; اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ ; فَقَالَ الْفَرَّاء : هُوَ فِي الْعَرَبِيَّة وَ &quot; تَقَدَّسَ &quot; وَاحِد , وَهُمَا لِلْعَظَمَةِ . وَقَالَ الزَّجَّاج : &quot; تَبَارَكَ &quot; تَفَاعَلَ مِنْ الْبَرَكَة . قَالَ : وَمَعْنَى الْبَرَكَة الْكَثْرَة مِنْ كُلّ ذِي خَيْر . وَقِيلَ : &quot; تَبَارَكَ &quot; تَعَالَى . وَقِيلَ : تَعَالَى عَطَاؤُهُ , أَيْ زَادَ وَكَثُرَ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى دَامَ وَثَبَتَ إِنْعَامه . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا أَوْلَاهَا فِي اللُّغَة وَالِاشْتِقَاق ; مِنْ بَرَكَ الشَّيْء إِذَا ثَبَتَ ; وَمِنْهُ بَرَكَ الْجَمَل وَالطَّيْر عَلَى الْمَاء , أَيْ دَامَ وَثَبَتَ . فَأَمَّا الْقَوْل الْأَوَّل فَمُخَلَّط ; لِأَنَّ التَّقْدِيس إِنَّمَا هُوَ مِنْ الطَّهَارَة وَلَيْسَ مِنْ ذَا فِي شَيْء . قَالَ الثَّعْلَبِيّ : وَيُقَال تَبَارَكَ اللَّه , وَلَا يُقَال مُتَبَارَك وَلَا مُبَارَك ; لِأَنَّهُ يُنْتَهَى فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاته إِلَى حَيْثُ وَرَدَ التَّوْقِيف . وَقَالَ الطِّرِمَّاح : تَبَارَكْت لَا مُعْطٍ لِشَيْءٍ مَنَعْته وَلَيْسَ لِمَا أَعْطَيْت يَا رَبّ مَانِع وَقَالَ آخَر : تَبَارَكْت مَا تُقَدِّر يَقَع وَلَك الشُّكْر قُلْت : قَدْ ذَكَرَ بَعْض الْعُلَمَاء فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى &quot; الْمُبَارَك &quot; وَذَكَرْنَاهُ أَيْضًا فِي كِتَابنَا . فَإِنْ كَانَ وَقَعَ اِتِّفَاق عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَال فَيُسَلَّم لِلْإِجْمَاعِ . وَإِنْ كَانَ وَقَعَ فِيهِ اِخْتِلَاف فَكَثِير مِنْ الْأَسْمَاء اِخْتَلَفَ فِي عَدّه ; كَالدَّهْرِ وَغَيْره . وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ هُنَالِكَ , وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَ &quot; الْفُرْقَان &quot; الْقُرْآن . وَقِيلَ : إِنَّهُ اِسْم لِكُلِّ مُنَزَّل ; كَمَا قَالَ : &quot; وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفُرْقَان &quot; [ الْأَنْبِيَاء : 48 ] . وَفِي تَسْمِيَته فُرْقَانًا وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : لِأَنَّهُ فَرَقَ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل , وَالْمُؤْمِن وَالْكَافِر . الثَّانِي : لِأَنَّ فِيهِ بَيَان مَا شَرَعَ مِنْ حَلَال وَحَرَام ; حَكَاهُ النَّقَّاش .
 
يُرِيد مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

اِسْم &quot; يَكُون &quot; فِيهَا مُضْمَر يَعُود عَلَى &quot; عَبْده &quot; وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْرَب إِلَيْهِ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون يَعُود عَلَى &quot; الْفُرْقَان &quot; . وَقَرَأَ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر : &quot; عَلَى عِبَاده &quot; . وَيُقَال : أَنْذَرَ إِذَا خَوَّفَ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل &quot; الْبَقَرَة &quot; . وَالنَّذِير : الْمُحَذِّر مِنْ الْهَلَاك . الْجَوْهَرِيّ : وَالنَّذِير الْمُنْذِر , وَالنَّذِير الْإِنْذَار . وَالْمُرَاد بِ &quot; الْعَالَمِينَ &quot; هُنَا الْإِنْس وَالْجِنّ , لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ رَسُولًا إِلَيْهِمَا , وَنَذِيرًا لَهُمَا , وَأَنَّهُ خَاتَم الْأَنْبِيَاء , وَلَمْ يَكُنْ غَيْره عَامّ الرِّسَالَة إِلَّا نُوح فَإِنَّهُ عَمَّ بِرِسَالَتِهِ جَمِيع الْإِنْس بَعْد الطُّوفَان , لِأَنَّهُ بَدَأَ بِهِ الْخَلْق .';
$TAFSEER['4']['25']['2'] = 'عَظَّمَ تَعَالَى نَفْسه .

نَزَّهَ سُبْحَانه وَتَعَالَى نَفْسه عَمَّا قَالَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَنَّ الْمَلَائِكَة أَوْلَاد اللَّه ; يَعْنِي بَنَات اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى . وَعَمَّا قَالَتْ الْيَهُود : عُزَيْر اِبْن اللَّه ; جَلَّ اللَّه تَعَالَى . وَعَمَّا قَالَتْ النَّصَارَى : الْمَسِيح اِبْن اللَّه ; تَعَالَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ .
 
كَمَا قَالَ عَبَدَة الْأَوْثَان .

لَا كَمَا قَالَ الْمَجُوس وَالثَّنْوِيَّة : إِنَّ الشَّيْطَان أَوْ الظُّلْمَة يَخْلُق بَعْض الْأَشْيَاء . وَلَا كَمَا يَقُول مَنْ قَالَ : لِلْمَخْلُوقِ قُدْرَة الْإِيجَاد . فَالْآيَة رَدّ عَلَى هَؤُلَاءِ .

أَيْ قَدَّرَ كُلّ شَيْء مِمَّا خَلَقَ بِحِكْمَتِهِ عَلَى مَا أَرَادَ , لَا عَنْ سَهْوَة وَغَفْلَة , بَلْ جَرَتْ الْمَقَادِير عَلَى مَا خَلَقَ اللَّه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَبَعْد الْقِيَامَة , فَهُوَ الْخَالِق الْمُقَدِّر ; فَإِيَّاهُ فَاعْبُدُوهُ .';
$TAFSEER['4']['25']['3'] = 'ذَكَرَ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى جِهَة التَّعْجِيب فِي اِتِّخَاذهمْ الْآلِهَة , مَعَ مَا أَظْهَرَ مِنْ الدَّلَالَة عَلَى وَحْدَانِيّته وَقُدْرَته .

يَعْنِي الْآلِهَة .
 
لَمَّا اِعْتَقَدَ الْمُشْرِكُونَ فِيهَا أَنَّهَا تَضُرّ وَتَنْفَع , عَبَّرَ عَنْهَا كَمَا يُعَبَّر عَمَّا يَعْقِل .
 
أَيْ لَا دَفْع ضُرّ وَجَلْب نَفْع , فَحُذِفَ الْمُضَاف . وَقِيلَ : لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَضُرُّوا أَنْفُسهمْ أَوْ يَنْفَعُوهَا بِشَيْءٍ , وَلَا لِمَنْ يَعْبُدهُمْ , لِأَنَّهَا جَمَادَات .

أَيْ لَا يُمِيتُونَ أَحَدًا , وَلَا يُحْيُونَهُ . وَالنُّشُور : الْإِحْيَاء بَعْد الْمَوْت ; أَنْشَرَ اللَّه الْمَوْتَى فَنُشِرُوا . وَقَدْ تَقَدَّمَ وَقَالَ الْأَعْشَى : حَتَّى يَقُول النَّاس مِمَّا رَأَوْا يَا عَجَبًا لِلْمَيِّتِ النَّاشِر';
$TAFSEER['4']['25']['4'] = 'يَعْنِي مُشْرِكِي قُرَيْش . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْقَائِل مِنْهُمْ ذَلِكَ النَّضْر بْن الْحَرْث ; وَكَذَا كُلّ مَا فِي الْقُرْآن فِيهِ ذِكْر الْأَسَاطِير . قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : و كَانَ مُؤْذِيًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
  
يَعْنِي الْقُرْآن .
 
أَيْ كَذِب اِخْتَلَقَهُ .

يَعْنِي الْيَهُود ; قَالَهُ مُجَاهِد . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمُرَاد بِقَوْلِهِ : &quot; قَوْم آخَرُونَ &quot; أَبُو فَكِيهَة مَوْلَى بَنِي الْحَضْرَمِيّ وَعَدَّاس وَجَبْر , وَكَانَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب . وَقَدْ مَضَى فِي &quot; النَّحْل &quot; ذِكْرهمْ .
 
أَيْ بِظُلْمٍ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى فَقَدْ أَتَوْا ظُلْمًا .';
$TAFSEER['4']['25']['5'] = 'قَالَ الزَّجَّاج : وَاحِد الْأَسَاطِير أُسْطُورَة ; مِثْل أُحْدُوثَة وَأَحَادِيث . وَقَالَ غَيْره : أَسَاطِير جَمْع أَسْطَار ; مِثْل أَقْوَال وَأَقَاوِيل .
  
يَعْنِي مُحَمَّدًا .
 
أَيْ تُلْقَى عَلَيْهِ وَتُقْرَأ حَتَّى تُحْفَظ . وَ &quot; تُمْلَى &quot; أَصْله تُمْلَل ; فَأُبْدِلَتْ اللَّام الْأَخِيرَة يَاء مِنْ التَّضْعِيف : كَقَوْلِهِمْ : تَقَضَّى الْبَازِيّ ; وَشَبَهه .';
$TAFSEER['4']['25']['6'] = 'أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّد أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآن الَّذِي يَعْلَم السِّرّ , فَهُوَ عَالِم الْغَيْب , فَلَا يَحْتَاج إِلَى مُعَلِّم . وَذَكَرَ &quot; السِّرّ &quot; دُون الْجَهْر ; لِأَنَّهُ مَنْ عَلِمَ السِّرّ فَهُوَ فِي الْجَهْر أَعْلَم . وَلَوْ كَانَ الْقُرْآن مَأْخُوذًا مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَغَيْرهمْ لَمَا زَادَ عَلَيْهَا , وَقَدْ جَاءَ بِفُنُونٍ تَخْرُج عَنْهَا , فَلَيْسَ مَأْخُوذًا مِنْهَا . وَأَيْضًا وَلَوْ كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ هَؤُلَاءِ لَتَمَكَّنَ الْمُشْرِكُونَ مِنْهُ أَيْضًا كَمَا تَمَكَّنَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَهَلَّا عَارَضُوهُ فَبَطَلَ اِعْتِرَاضهمْ مِنْ كُلّ وَجْه .

يُرِيد غَفُورًا لِأَوْلِيَائِهِ رَحِيمًا بِهِمْ .';
$TAFSEER['4']['25']['7'] = 'فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : 

الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : &quot; وَقَالُوا &quot; ذَكَرَ شَيْئًا آخَر مِنْ مَطَاعِنهمْ . وَالضَّمِير فِي &quot; قَالُوا &quot; لِقُرَيْشٍ ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانَ لَهُمْ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِس مَشْهُور , . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي &quot; سُبْحَان &quot; ذَكَرَهُ اِبْن إِسْحَاق فِي السِّيرَة وَغَيْره . مُضَمِّنه - أَنَّ سَادَتهمْ عُتْبَة بْن رَبِيعَة وَغَيْره اِجْتَمَعُوا مَعَهُ فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد ! إِنْ كُنْت تُحِبّ الرِّيَاسَة وَلَّيْنَاك عَلَيْنَا , وَإِنْ كُنْت تُحِبّ الْمَال جَمَعْنَا لَك مِنْ أَمْوَالنَا ; فَلَمَّا أَبَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ رَجَعُوا فِي بَاب الِاحْتِجَاج مَعَهُ فَقَالُوا : مَا بَالُك وَأَنْتَ رَسُول اللَّه تَأْكُل الطَّعَام , وَتَقِف بِالْأَسْوَاقِ ! فَعَيَّرُوهُ بِأَكْلِ الطَّعَام ; لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَكُون الرَّسُول مَلَكًا , وَعَيَّرُوهُ بِالْمَشْيِ فِي الْأَسْوَاق حِين رَأَوْا الْأَكَاسِرَة وَالْقَيَاصِرَة وَالْمُلُوك الْجَبَابِرَة يَتَرَفَّعُونَ عَنْ الْأَسْوَاق , وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يُخَالِطهُمْ فِي أَسْوَاقهمْ , وَيَأْمُرهُمْ وَيَنْهَاهُمْ ; فَقَالُوا : هَذَا يَطْلُب أَنْ يَتَمَلَّك عَلَيْنَا , فَمَا لَهُ يُخَالِف سِيرَة الْمُلُوك ; فَأَجَابَهُمْ اللَّه بِقَوْلِهِ , وَأَنْزَلَ عَلَى نَبِيّه : &quot; وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلك مِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاق &quot; [ الْفُرْقَان : 20 ] فَلَا تَغْتَمّ وَلَا تَحْزَن , فَإِنَّهَا شَكَاة ظَاهِر عَنْك عَارهَا . 

الثَّانِيَة : دُخُول الْأَسْوَاق مُبَاح لِلتِّجَارَةِ وَطَلَب الْمَعَاش . وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يُدْخِلهَا لِحَاجَتِهِ , وَلِتَذْكِرَةِ الْخَلْق بِأَمْرِ اللَّه وَدَعْوَته , وَيَعْرِض نَفْسه فِيهَا عَلَى الْقَبَائِل , لَعَلَّ اللَّه أَنْ يَرْجِع بِهِمْ إِلَى الْحَقّ . وَفِي الْبُخَارِيّ فِي صِفَته عَلَيْهِ السَّلَام : &quot; لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظ وَلَا سَخَّاب فِي الْأَسْوَاق &quot; . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَعْرَاف 

وَذِكْر السُّوق مَذْكُور فِي غَيْر مَا حَدِيث , ذَكَرَهُ أَهْل الصَّحِيح . وَتِجَارَة الصَّحَابَة فِيهَا مَعْرُوفَة , وَخَاصَّة الْمُهَاجِرِينَ ; كَمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : وَإِنَّ إِخْوَاننَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلهُمْ الصَّفْق بِالْأَسْوَاقِ ; خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ . وَسَيَأْتِي لِهَذِهِ الْمَسْأَلَة زِيَادَة بَيَان فِي هَذِهِ السُّورَة إِنْ شَاءَ اللَّه .
  
أَيْ هَلَّا .

جَوَاب الِاسْتِفْهَام .';
$TAFSEER['4']['25']['8'] = 'فِي مَوْضِع رَفْع ; وَالْمَعْنَى : أَوْ هَلَّا يُلْقَى &quot; إِلَيْهِ كَنْز &quot;

هَلَّا
 
&quot; يَأْكُل &quot; بِالْيَاءِ قَرَأَ الْمَدَنِيُّونَ وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم . وَقَرَأَ سَائِر الْكُوفِيِّينَ بِالنُّونِ , وَالْقِرَاءَتَانِ حَسَنَتَانِ تُؤَدِّيَانِ عَنْ مَعْنًى , وَإِنْ كَانَتْ الْقِرَاءَة بِالْيَاءِ أَبْيَن ; لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْده فَأَنْ يَعُود الضَّمِير عَلَيْهِ أَبْيَن ; ذَكَرَهُ النَّحَّاس .

أَبُو جَهْل وَالْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة وَأَمْثَالهمَا .

أَيْ مَطْبُوبًا قَدْ خَبَلَهُ السِّحْر فَاخْتَلَطَ عَلَيْهِ أَمْره , يَقُولُونَ ذَلِكَ لِيُنَفِّرُوا عَنْهُ النَّاس . وَقَالَ مُجَاهِد : &quot; مَسْحُورًا &quot; أَيْ مَخْدُوعًا , مِثْل قَوْله : &quot; فَأَنَّى تُسْحَرُونَ &quot; [ الْمُؤْمِنُونَ : 89 ] أَيْ مِنْ أَيْنَ تُخْدَعُونَ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : &quot; مَسْحُورًا &quot; مَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ سِحْرًا , أَيْ رِئَة , فَهُوَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ الطَّعَام وَالشَّرَاب , فَهُوَ مِثْلكُمْ وَلَيْسَ بِمَلَكٍ . وَتَقُول الْعَرَب لِلْجَبَانِ : قَدْ اِنْتَفَخَ سَحَره . وَلِكُلِّ مَنْ أَكَلَ مِنْ آدَمِيّ وَغَيْره أَوْ شَرِبَ مَسْحُورًا وَمُسَحَّر . قَالَ لَبِيد : فَإِنْ تَسْأَلِينَا فِيمَ نَحْنُ فَإِنَّنَا عَصَافِير مِنْ هَذَا الْأَنَام الْمُسَحَّر وَقَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : أَرَانَا مَوْضِعَيْنِ لِأَمْرِ غَيْب وَنَسْحَر بِالطَّعَامِ وَبِالشَّرَابِ أَيْ نُغَذِّي وَنُعَلِّل . وَفِي الْحَدِيث عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : مَنْ هَذِهِ الَّتِي تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ تُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن سَحَرِي وَنَحْرِي .';
$TAFSEER['4']['25']['9'] = 'أَيْ ضَرَبُوا لَك هَذِهِ الْأَمْثَال لِيَتَوَصَّلُوا إِلَى تَكْذِيبك .
 
عَنْ سَبِيل الْحَقّ وَعَنْ بُلُوغ مَا أَرَادُوا .

إِلَى تَصْحِيح مَا قَالُوهُ فِيك .';
$TAFSEER['4']['25']['10'] = 'شَرْط وَمُجَازَاة , وَلَمْ يُدْغَم &quot; جَعَلَ لَك &quot; لِأَنَّ الْكَلِمَتَيْنِ مُنْفَصِلَتَانِ , وَيَجُوز الْإِدْغَام لِاجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ . &quot; وَيَجْعَل لَك &quot; فِي مَوْضِع جَزْم عَطْفًا عَلَى مَوْضِع &quot; جَعَلَ &quot; . وَيَجُوز أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع رَفْع مَقْطُوعًا مِنْ الْأَوَّل . وَكَذَلِكَ قَرَأَ أَهْل الشَّام . وَيُرْوَى عَنْ عَاصِم أَيْضًا : &quot; وَيَجْعَل لَك &quot; بِالرَّفْعِ ; أَيْ وَسَيَجْعَلُ لَك فِي الْآخِرَة قُصُورًا . قَالَ مُجَاهِد : كَانَتْ قُرَيْش تَرَى الْبَيْت مِنْ حِجَارَة قَصْرًا كَائِنًا مَا كَانَ . وَالْقَصْر فِي اللُّغَة الْحَبْس , وَسُمِّيَ الْقَصْر قَصْرًا لِأَنَّ مَنْ فِيهِ مَقْصُور عَنْ أَنْ يُوصَل إِلَيْهِ . وَقِيلَ : الْعَرَب تُسَمِّي بُيُوت الطِّين الْقَصْر . وَمَا يُتَّخَذ مِنْ الصُّوف وَالشَّعْر الْبَيْت . حَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ . وَرَوَى سُفْيَان عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت عَنْ خَيْثَمَة قَالَ : قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ شِئْت أَنْ نُعْطِيك خَزَائِن الدُّنْيَا وَمَفَاتِيحهَا وَلَمْ يُعْطَ ذَلِكَ مَنْ قَبْلك وَلَا يُعْطَاهُ أَحَد بَعْدك , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَاقِصِك فِي الْآخِرَة شَيْئًا ; وَإِنْ شِئْت جَمَعْنَا لَك ذَلِكَ فِي الْآخِرَة ; فَقَالَ : ( يُجْمَع ذَلِكَ لِي فِي الْآخِرَة ) فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : &quot; تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار وَيَجْعَل لَك قُصُورًا &quot; . وَيُرْوَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَة أَنْزَلَهَا رِضْوَان خَازِن الْجِنَان إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَفِي الْخَبَر : إِنَّ رِضْوَان لَمَّا نَزَلَ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّد ! رَبّ الْعِزَّة يُقْرِئك السَّلَام , وَهَذَا سَفَط - فَإِذَا سَفَط مِنْ نُور يَتَلَأْلَأ - يَقُول لَك رَبّك : هَذِهِ مَفَاتِيح خَزَائِن الدُّنْيَا , مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْقُص مَا لَك فِي الْآخِرَة مِثْل جَنَاح بَعُوضَة ; فَنَظَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيل كَالْمُسْتَشِيرِ لَهُ ; فَضَرَبَ جِبْرِيل بِيَدِهِ الْأَرْض يُشِير أَنْ تَوَاضَعْ ; فَقَالَ : ( يَا رِضْوَان لَا حَاجَة لِي فِيهَا الْفَقْر أَحَبّ إِلَيَّ وَأَنْ أَكُون عَبْدًا صَابِرًا شَكُورًا ) . فَقَالَ رِضْوَان : أَصَبْت ! اللَّه لَك . وَذَكَرَ الْحَدِيث .';
$TAFSEER['4']['25']['11'] = 'يُرِيد يَوْم الْقِيَامَة .
 
يُرِيد جَهَنَّم تَتَلَظَّى عَلَيْهِمْ .';
$TAFSEER['4']['25']['12'] = 'أَيْ مِنْ مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام . &quot; سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا &quot; قِيلَ : الْمَعْنَى إِذَا رَأَتْهُمْ جَهَنَّم سَمِعُوا لَهَا صَوْت التَّغَيُّظ عَلَيْهِمْ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى إِذَا رَأَتْهُمْ خُزَّانها سَمِعُوا لَهُمْ تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا حِرْصًا عَلَى عَذَابهمْ . وَالْأَوَّل أَصَحّ ; لِمَا رُوِيَ مَرْفُوعًا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ بَيْن عَيْنَيْ جَهَنَّم مَقْعَدًا ) قِيلَ : يَا رَسُول اللَّه ! وَلَهَا عَيْنَانِ ؟ قَالَ : ( أَمَا سَمِعْتُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول : &quot; إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَان بَعِيد سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا &quot; يَخْرُج عُنُق مِنْ النَّار لَهُ عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَلِسَان يَنْطِق فَيَقُول وُكِّلْت بِكُلِّ مَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر فَلَهُوَ أَبْصَر بِهِمْ مِنْ الطَّيْر بِحَبِّ السِّمْسِم فَيَلْتَقِطهُ ) فِي رِوَايَة ( فَيَخْرُج عُنُق مِنْ النَّار فَيَلْتَقِط الْكُفَّار لَقْط الطَّائِر حَبّ السِّمْسِم ) ذَكَرَهُ رَزِين فِي كِتَابه , وَصَحَّحَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ فِي قَبَسه , وَقَالَ : أَيْ تَفْصِلهُمْ عَنْ الْخَلْق فِي الْمَعْرِفَة كَمَا يَفْصِل الطَّائِر حَبّ السِّمْسِم مِنْ التُّرْبَة . وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ( يَخْرُج عُنُق مِنْ النَّار يَوْم الْقِيَامَة لَهُ عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَان يَنْطِق يَقُول إِنِّي وُكِّلْت بِثَلَاثٍ بِكُلِّ جَبَّار عَنِيد وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر وَبِالْمُصَوِّرِينَ ) . وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي سَعِيد قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث حَسَن غَرِيب صَحِيح . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا كَتَغَيُّظِ بَنِي آدَم وَصَوْتًا كَصَوْتِ الْحِمَار . وَقِيلَ : فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير , سَمِعُوا لَهَا زَفِيرًا وَعَلِمُوا لَهَا تَغَيُّظًا . وَقَالَ قُطْرُب : التَّغَيُّظ لَا يُسْمَع , وَلَكِنْ يُرَى , وَالْمَعْنَى : رَأَوْا لَهَا تَغَيُّظًا وَسَمِعُوا لَهَا زَفِيرًا ; كَقَوْلِ الشَّاعِر : وَرَأَيْت زَوْجك فِي الْوَغَى مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا أَيْ وَحَامِلًا رُمْحًا . وَقِيلَ : &quot; سَمِعُوا لَهَا &quot; أَيْ فِيهَا ; أَيْ سَمِعُوا فِيهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا لِلْمُعَذَّبِينَ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : &quot; لَهُمْ فِيهَا زَفِير وَشَهِيق &quot; [ هُود : 106 ] وَ &quot; فِي وَاللَّام &quot; يَتَقَارَبَانِ ; تَقُول : أَفْعَل هَذَا فِي اللَّه وَلِلَّهِ .';
$TAFSEER['4']['25']['13'] = 'قَالَ قَتَادَة : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عَبْد اللَّه كَانَ يَقُول : إِنَّ جَهَنَّم لَتَضِيق عَلَى الْكَافِر كَتَضْيِيقِ الزَّجّ عَلَى الرُّمْح ; ذَكَرَهُ اِبْن الْمُبَارَك فِي رَقَائِقه . وَكَذَا قَالَ اِبْن عَبَّاس , ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ وَالْقُشَيْرِيّ عَنْهُ , وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو . وَمَعْنَى &quot; مُقَرَّنِينَ &quot; مُكَتَّفِينَ ; قَالَهُ أَبُو صَالِح . وَقِيلَ : مُصَفَّدِينَ قَدْ قُرِّنَتْ أَيْدِيهمْ إِلَى أَعْنَاقهمْ فِي الْأَغْلَال . وَقِيلَ : قُرِنُوا مَعَ الشَّيَاطِين ; أَيْ قُرِنَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ إِلَى شَيْطَانه ; قَالَهُ يَحْيَى بْن سَلَّام . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي &quot; إِبْرَاهِيم &quot; وَقَالَ عَمْرو بْن كُلْثُوم : فَآبُوا بِالنِّهَابِ وَبِالسَّبَايَا وَأُبْنَا بِالْمُلُوكِ مُقَرَّنِينَا 

أَيْ هَلَاكًا ; قَالَهُ الضَّحَّاك . اِبْن عَبَّاس : وَيْلًا . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( أَوَّل مَنْ يَقُول إِبْلِيس وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّل مَنْ يُكْسَى حُلَّة مِنْ النَّار فَتُوضَع عَلَى حَاجِبَيْهِ وَيَسْحَبهَا مِنْ خَلْفه وَذُرِّيَّته مِنْ خَلْفه وَهُوَ يَقُول وَاثُبُورَاه ) . وَانْتَصَبَ عَلَى الْمَصْدَر , أَيْ ثَبَرَنَا ثُبُورًا ; قَالَهُ الزَّجَّاج . وَقَالَ غَيْره : هُوَ مَفْعُول بِهِ .';
$TAFSEER['4']['25']['14'] = 'فَإِنَّ هَلَاككُمْ أَكْثَر مِنْ أَنْ تَدْعُوا مَرَّة وَاحِدَة . وَقَالَ : ثُبُورًا لِأَنَّهُ مَصْدَر يَقَع لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِير فَلِذَلِكَ لَمْ يُجْمَع ; وَهُوَ كَقَوْلِك : ضَرَبْته ضَرْبًا كَثِيرًا , وَقَعَدَ قُعُودًا طَوِيلًا . وَنَزَلَتْ الْآيَات فِي اِبْن خَطَل وَأَصْحَابه .';
$TAFSEER['4']['25']['15'] = 'إِنْ قِيلَ : كَيْفَ قَالَ &quot; أَذَلِكَ خَيْر &quot; وَلَا خَيْر فِي النَّار ; فَالْجَوَاب أَنَّ سِيبَوَيْهِ حَكَى عَنْ الْعَرَب : الشَّقَاء أَحَبّ إِلَيْك أَمْ السَّعَادَة , وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ السَّعَادَة أَحَبّ إِلَيْهِ . وَقِيلَ : لَيْسَ هُوَ مِنْ بَاب أَفْعَل مِنْك , وَإِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِك : عِنْده خَيْر . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا قَوْل حَسَن ; كَمَا قَالَ : فَشَرّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاء قِيلَ : إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْجَنَّة وَالنَّار قَدْ دَخَلَتَا فِي بَاب الْمَنَازِل ; فَقَالَ ذَلِكَ لِتَفَاوُتِ مَا بَيْن الْمَنْزِلَتَيْنِ . وَقِيلَ : هُوَ مَرْدُود عَلَى قَوْله : &quot; تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ &quot; الْآيَة . وَقِيلَ : هُوَ مَرْدُود عَلَى قَوْله : &quot; أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْز أَوْ تَكُون لَهُ جَنَّة يَأْكُل مِنْهَا &quot; [ الْفُرْقَان : 8 ] . وَقِيلَ : إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى عِلْمكُمْ وَاعْتِقَادكُمْ أَيّهَا الْكُفَّار ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ عَمَل أَهْل النَّار صَارُوا كَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ فِي النَّار خَيْرًا .';
$TAFSEER['4']['25']['16'] = 'أَيْ مِنْ النَّعِيم .
 
قَالَ الْكَلْبِيّ : وَعَدَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّة جَزَاء عَلَى أَعْمَالهمْ , فَسَأَلُوهُ ذَلِكَ الْوَعْد فَقَالُوا : &quot; رَبّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتنَا عَلَى رُسُلك &quot; [ آل عِمْرَان : 194 ] . وَهُوَ مَعْنَى قَوْل اِبْن عَبَّاس . وَقِيلَ : إِنَّ الْمَلَائِكَة تَسْأَل لَهُمْ الْجَنَّة ; دَلِيله قَوْله تَعَالَى : &quot; رَبّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّات عَدْن الَّتِي وَعَدْتهمْ &quot; [ غَافِر : 8 ] الْآيَة . وَهَذَا قَوْل مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ . وَقِيلَ : مَعْنَى &quot; وَعْدًا مَسْئُولًا &quot; أَيْ وَاجِبًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَسْأَل كَالدَّيْنِ ; حُكِيَ عَنْ الْعَرَب : لَأُعْطِيَنَّكَ أَلْفًا . وَقِيلَ : &quot; وَعْدًا مَسْئُولًا &quot; يَعْنِي أَنَّهُ وَاجِب لَك فَتَسْأَلهُ . وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَم : سَأَلُوا اللَّه الْجَنَّة فِي الدُّنْيَا وَرَغِبُوا إِلَيْهِ بِالدُّعَاءِ , فَأَجَابَهُمْ فِي الْآخِرَة إِلَى مَا سَأَلُوا وَأَعْطَاهُمْ مَا طَلَبُوا . وَهَذَا يَرْجِع إِلَى الْقَوْل الْأَوَّل .';
$TAFSEER['4']['25']['17'] = 'قَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن وَحُمَيْد وَابْن كَثِير وَحَفْص وَيَعْقُوب وَأَبُو عَمْرو فِي رِوَايَة الدُّورِيّ : &quot; يَحْشُرهُمْ &quot; بِالْيَاءِ . وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم ; لِقَوْلِهِ فِي أَوَّل الْكَلَام : &quot; كَانَ عَلَى رَبّك &quot; وَفِي آخِره &quot; أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ &quot; . الْبَاقُونَ بِالنُّونِ عَلَى التَّعْظِيم .

مِنْ الْمَلَائِكَة وَالْإِنْس وَالْجِنّ وَالْمَسِيح وَعُزَيْر ; قَالَهُ مُجَاهِد وَابْن جُرَيْج . الضَّحَّاك وَعِكْرِمَة : الْأَصْنَام .

قِرَاءَة الْعَامَّة بِالْيَاءِ وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم . وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَأَبُو حَيْوَة بِالنُّونِ عَلَى التَّعْظِيم .

وَهَذَا اِسْتِفْهَام تَوْبِيخ لِلْكُفَّارِ .';
$TAFSEER['4']['25']['18'] = 'أَيْ قَالَ الْمَعْبُودُونَ مِنْ دُون اللَّه سُبْحَانك ; أَيْ تَنْزِيهًا لَك

فَإِنْ قِيلَ : فَإِنْ كَانَتْ الْأَصْنَام الَّتِي تُعْبَد تُحْشَر فَكَيْفَ تَنْطِق وَهِيَ جَمَاد ؟ قِيلَ لَهُ : يُنْطِقهَا اللَّه تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة كَمَا يُنْطِق الْأَيْدِي وَالْأَرْجُل . وَقَرَأَ الْحَسَن وَأَبُو جَعْفَر : &quot; أَنْ نُتَّخَذ &quot; بِضَمِّ النُّون وَفَتْح الْخَاء عَلَى الْفِعْل الْمَجْهُول . وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَة النَّحْوِيُّونَ ; فَقَالَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء وَعِيسَى بْن عُمَر : لَا يَجُوز &quot; نُتَّخَذ &quot; . وَقَالَ أَبُو عَمْرو : لَوْ كَانَتْ &quot; نُتَّخَذ &quot; لَحُذِفَتْ &quot; مِنْ &quot; الثَّانِيَة فَقُلْت : أَنْ نَتَّخِذ مِنْ دُونك أَوْلِيَاء . كَذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة , لَا يَجُوز &quot; نُتَّخَذ &quot; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذَكَرَ &quot; مِنْ &quot; مَرَّتَيْنِ , وَلَوْ كَانَ كَمَا قَرَأَ لَقَالَ : أَنْ نَتَّخِذ مِنْ دُونك أَوْلِيَاء . وَقِيلَ : إِنَّ &quot; مِنْ &quot; الثَّانِيَة صِلَة قَالَ النَّحَّاس : وَمِثْل أَبِي عَمْرو عَلَى جَلَالَته وَمَحَلّه يَسْتَحْسِن مَا قَالَ ; لِأَنَّهُ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ . وَشَرْح مَا قَالَ أَنَّهُ يُقَال : مَا اِتَّخَذْت رَجُلًا وَلِيًّا ; فَيَجُوز أَنْ يَقَع هَذَا لِلْوَاحِدِ بِعَيْنِهِ ; ثُمَّ يُقَال : مَا اِتَّخَذْت مِنْ رَجُل وَلِيًّا فَيَكُون نَفْيًا عَامًّا , وَقَوْلك &quot; وَلِيًّا &quot; تَابِع لِمَا قَبْله فَلَا يَجُوز أَنْ تَدْخُل فِيهِ &quot; مِنْ &quot; لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي ذَلِكَ .
 
أَيْ فِي الدُّنْيَا بِالصِّحَّةِ وَالْغِنَى وَطُول الْعُمُر بَعْد مَوْت الرُّسُل صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ .

أَيْ تَرَكُوا ذِكْرك فَأَشْرَكُوا بِك بَطَرًا وَجَهْلًا فَعَبَدُونَا مِنْ غَيْر أَنْ أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ . وَفِي الذِّكْر قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : الْقُرْآن الْمُنَزَّل عَلَى الرُّسُل ; تَرَكُوا الْعَمَل بِهِ ; قَالَهُ اِبْن زَيْد . الثَّانِي : الشُّكْر عَلَى الْإِحْسَان إِلَيْهِمْ وَالْإِنْعَام عَلَيْهِمْ . إِنَّهُمْ &quot; كَانُوا قَوْمًا بُورًا &quot; أَيْ هَلْكَى ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . مَأْخُوذ مِنْ الْبَوَار وَهُوَ الْهَلَاك . وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَى أَهْل حِمْص : يَا أَهْل حِمْص ! هَلُمَّ إِلَى أَخ لَكُمْ نَاصِح , فَلَمَّا اِجْتَمَعُوا حَوْله قَالَ : مَا لَكُمْ لَا تَسْتَحُونَ ! تَبْنُونَ مَا لَا تَسْكُنُونَ , وَتَجْمَعُونَ مَا لَا تَأْكُلُونَ , وَتَأْمُلُونَ مَا لَا تُدْرِكُونَ , إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ بَنَوْا مَشِيدًا وَجَمَعُوا عَبِيدًا , وَأَمَّلُوا بَعِيدًا , فَأَصْبَحَ جَمْعهمْ بُورًا , وَآمَالهمْ غُرُورًا , وَمَسَاكِنهمْ قُبُورًا . 

فَقَوْله : &quot; بُورًا &quot; أَيْ هَلْكَى . وَفِي خَبَر آخَر : فَأَصْبَحَتْ مَنَازِلهمْ بُورًا ; أَيْ خَالِيَة لَا شَيْء فِيهَا . وَقَالَ الْحَسَن : &quot; بُورًا &quot; لَا خَيْر فِيهِمْ . مَأْخُوذ مِنْ بَوَار الْأَرْض , وَهُوَ تَعْطِيلهَا مِنْ الزَّرْع فَلَا يَكُون فِيهَا خَيْر . وَقَالَ شَهْر بْن حَوْشَب : الْبَوَار . الْفَسَاد وَالْكَسَاد ; مَأْخُوذ مِنْ قَوْلهمْ : بَارَتْ السِّلْعَة إِذَا كَسَدَتْ كَسَاد الْفَاسِد ; وَمِنْهُ الْحَدِيث : ( نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ بَوَار الْأَيْم ) . وَهُوَ اِسْم مَصْدَر كَالزُّورِ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِد وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْع وَالْمُذَكَّر وَالْمُؤَنَّث . قَالَ اِبْن الزِّبَعْرَى : يَا رَسُول الْمَلِيك إِنَّ لِسَانِي رَاتِق مَا فَتَقْت إِذْ أَنَا بُور إِذْ أُبَارِي الشَّيْطَان فِي سُنَن اِلْغَ يّ وَمَنْ مَالَ مَيْله مَثْبُور وَقَالَ بَعْضهمْ : الْوَاحِد بَائِر وَالْجَمْع بُور . كَمَا يُقَال : عَائِذ وَعُوذ , وَهَائِد وَهُود . وَقِيلَ : &quot; بُورًا &quot; عُمْيًا عَنْ الْحَقّ .';
$TAFSEER['4']['25']['19'] = 'أَيْ يَقُول اللَّه تَعَالَى عِنْد تَبَرِّي الْمَعْبُودِينَ : &quot; فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ &quot; أَيْ فِي قَوْلكُمْ إِنَّهُمْ آلِهَة .

يَعْنِي الْآلِهَة صَرْفَ الْعَذَاب عَنْكُمْ وَلَا نَصْركُمْ . وَقِيلَ : فَمَا يَسْتَطِيع هَؤُلَاءِ الْكُفَّار لَمَّا كَذَّبَهُمْ الْمَعْبُودُونَ &quot; صَرْفًا &quot; لِلْعَذَابِ &quot; وَلَا نَصْرًا &quot; مِنْ اللَّه . 

وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْمَعْنَى فَقَدْ كَذَّبَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّار بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد ; وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى &quot; بِمَا تَقُولُونَ &quot; بِمَا تَقُولُونَ مِنْ الْحَقّ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْد : الْمَعْنَى ; فَمَا تَقُولُونَ فِيمَا يَسْتَطِيعُونَ لَكُمْ صَرْفًا عَنْ الْحَقّ الَّذِي هَدَاكُمْ اللَّه إِلَيْهِ , وَلَا نَصْرًا لِأَنْفُسِهِمْ مِمَّا يَنْزِل بِهِمْ مِنْ الْعَذَاب بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاكُمْ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة &quot; بِمَا تَقُولُونَ &quot; بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَاهُ . وَحَكَى الْفَرَّاء أَنَّهُ يَقْرَأ &quot; فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ &quot; مُخَفَّفًا , &quot; بِمَا يَقُولُونَ &quot; . وَكَذَا قَرَأَ مُجَاهِد وَالْبَزِّيّ بِالْيَاءِ , وَيَكُون مَعْنَى &quot; يَقُولُونَ &quot; بِقَوْلِهِمْ . وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة : &quot; بِمَا يَقُولُونَ &quot; بِيَاءٍ &quot; فَمَا تَسْتَطِيعُونَ &quot; بِتَاءٍ عَلَى الْخِطَاب لِمُتَّخِذِي الشُّرَكَاء . وَمَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ فَالْمَعْنَى : فَمَا يَسْتَطِيع الشُّرَكَاء .
 
قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَنْ يُشْرِك مِنْكُمْ ثُمَّ مَاتَ عَلَيْهِ .
 
أَيْ فِي الْآخِرَة .

أَيْ شَدِيدًا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا &quot; [ الْإِسْرَاء : 4 ] أَيْ شَدِيدًا .';
$TAFSEER['4']['25']['20'] = 'قَوْله تَعَالَى : &quot; وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلك مِنْ الْمُرْسَلِينَ &quot; نَزَلَتْ جَوَابًا لِلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ قَالُوا : &quot; مَالِ هَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق &quot; [ الْفُرْقَان : 7 ] . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمَّا عَيَّرَ الْمُشْرِكُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَاقَةِ وَقَالُوا : &quot; مَالِ هَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام &quot; الْآيَة حَزِنَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ فَنَزَلَتْ تَعْزِيَة لَهُ ; فَقَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام : السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول اللَّه ! اللَّه رَبّك يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول لَك : &quot; وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلك مِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوُق &quot; أَيْ يَبْتَغُونَ الْمَعَايِش فِي الدُّنْيَا . 

قَوْله تَعَالَى : &quot; إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام &quot; إِذَا دَخَلَتْ اللَّام لَمْ يَكُنْ فِي &quot; إِنَّ &quot; إِلَّا الْكَسْر , وَلَوْ لَمْ تَكُنْ اللَّام مَا جَازَ أَيْضًا إِلَّا الْكَسْر ; لِأَنَّهَا مُسْتَأْنَفَة . هَذَا قَوْل جَمِيع النَّحْوِيِّينَ . قَالَ النَّحَّاس : إِلَّا أَنَّ عَلِيّ بْن سُلَيْمَان حَكَى لَنَا عَنْ مُحَمَّد بْن يَزِيد قَالَ : يَجُوز فِي &quot; إِنَّ &quot; هَذِهِ الْفَتْح وَإِنْ كَانَ بَعْدهَا اللَّام ; وَأَحْسَبهُ وَهْمًا مِنْهُ . قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : وَفِي الْكَلَام حَذْف ; وَالْمَعْنَى وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلك رُسُلًا إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام , ثُمَّ حُذِفَ رُسُلًا , لِأَنَّ فِي قَوْله : &quot; مِنْ الْمُرْسَلِينَ &quot; مَا يَدُلّ عَلَيْهِ . فَالْمَوْصُوف مَحْذُوف عِنْد الزَّجَّاج . وَلَا يَجُوز عِنْده حَذْف الْمَوْصُول وَتَبْقِيَة الصِّلَة كَمَا قَالَ الْفَرَّاء . قَالَ الْفَرَّاء : وَالْمَحْذُوف &quot; مَنْ &quot; وَالْمَعْنَى إِلَّا مَنْ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام . وَشَبَّهَهُ بِقَوْلِهِ : &quot; وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَام مَعْلُوم &quot; [ الصَّافَّات : 164 ] , وَقَوْله &quot; وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا &quot; [ مَرْيَم : 71 ] أَيْ مَا مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ هُوَ وَارِدهَا . وَهَذَا قَوْل الْكِسَائِيّ أَيْضًا . وَتَقُول الْعَرَب : مَا بَعَثْت إِلَيْك مِنْ النَّاس إِلَّا مَنْ إِنَّهُ لَيُطِيعك . فَقَوْلك : إِنَّهُ لَيُطِيعك صِلَة مَنْ . قَالَ الزَّجَّاج : هَذَا خَطَأ ; لِأَنَّ مَنْ مَوْصُولَة فَلَا يَجُوز حَذْفهَا . وَقَالَ أَهْل الْمَعَانِي : الْمَعْنَى ; وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلك مِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا قِيلَ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ; دَلِيله قَوْله تَعَالَى : &quot; مَا يُقَال لَك إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلك &quot; [ فُصِّلَتْ : 43 ] . وَقَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : كُسِرَتْ &quot; إِنَّهُمْ &quot; بَعْد &quot; إِلَّا &quot; لِلِاسْتِئْنَافِ بِإِضْمَارِ وَاو . أَيْ إِلَّا وَإِنَّهُمْ . وَذَهَبَتْ فِرْقَة إِلَى أَنَّ قَوْله : &quot; لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام &quot; كِنَايَة عَنْ الْحَدَث . قُلْت : وَهَذَا بَلِيغ فِي مَعْنَاهُ , وَمِثْله &quot; مَا الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل وَأُمّه صِدِّيقَة كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَام &quot; [ الْمَائِدَة : 75 ] . &quot; وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاق &quot; قَرَأَ الْجُمْهُور &quot; يَمْشُونَ &quot; بِفَتْحِ الْيَاء وَسُكُون الْمِيم وَتَخْفِيف الشِّين . وَقَرَأَ عَلِيّ وَابْن عَوْف وَابْن مَسْعُود بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الْمِيم وَشَدّ الشِّين الْمَفْتُوحَة , بِمَعْنَى يُدْعَوْنَ إِلَى الْمَشْي وَيُحْمَلُونَ عَلَيْهِ . وَقَرَأَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الْمِيم وَضَمّ الشِّين الْمُشَدَّدَة , وَهِيَ بِمَعْنَى يَمْشُونَ ; قَالَ الشَّاعِر : وَمَشَّى بِأَعْطَانِ الْمَبَاءَة وَابْتَغَى قَلَائِص مِنْهَا صَعْبَة وَرَكُوب وَقَالَ كَعْب بْن زُهَيْر : مِنْهُ تَظَلّ سِبَاع الْجَوّ ضَامِزَة وَلَا تُمَشِّي بِوَادِيهِ الْأَرَاجِيل بِمَعْنَى تَمْشِي . 

هَذِهِ الْآيَة أَصْل فِي تَنَاوُل الْأَسْبَاب وَطَلَب الْمَعَاش بِالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَة وَغَيْر ذَلِكَ . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْر مَوْضِع , لَكِنَّا نَذْكُر هُنَا مِنْ ذَلِكَ مَا يَكْفِي فَنَقُول : قَالَ لِي بَعْض مَشَايِخ هَذَا الزَّمَان فِي كَلَام جَرِيء : إِنَّ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام إِنَّمَا بُعِثُوا لِيَسُنُّوا الْأَسْبَاب لِلضُّعَفَاءِ ; فَقُلْت مُجِيبًا لَهُ : هَذَا قَوْل لَا يَصْدُر إِلَّا مِنْ الْجُهَّال وَالْأَغْبِيَاء , وَالرَّعَاع السُّفَهَاء , أَوْ مِنْ طَاعِن فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة الْعَلْيَاء ; وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه عَنْ أَصْفِيَائِهِ وَرُسُله وَأَنْبِيَائِهِ بِالْأَسْبَابِ وَالِاحْتِرَاف فَقَالَ وَقَوْله الْحَقّ : &quot; وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَة لَبُوس لَكُمْ &quot; [ الْأَنْبِيَاء : 80 ] . وَقَالَ : &quot; وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلك مِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاق &quot; قَالَ الْعُلَمَاء : أَيْ يَتَّجِرُونَ وَيَحْتَرِفُونَ . وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( جُعِلَ رِزْقِي تَحْت ظِلّ رُمْحِي ) وَقَالَ تَعَالَى : &quot; فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا &quot; [ الْأَنْفَال : 69 ] وَكَانَ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ يَتَّجِرُونَ وَيَحْتَرِفُونَ وَفِي أَمْوَالهمْ يَعْمَلُونَ , وَمَنْ خَالَفَهُمْ مِنْ الْكُفَّار يُقَاتِلُونَ ; أَتُرَاهُمْ ضُعَفَاء ! بَلْ هُمْ كَانُوا وَاَللَّه الْأَقْوِيَاء , وَبِهِمْ الْخَلَف الصَّالِح اِقْتَدَى , وَطَرِيقهمْ فِيهِ الْهُدَى وَالِاهْتِدَاء . قَالَ : إِنَّمَا تَنَاوَلُوهَا لِأَنَّهُمْ أَئِمَّة الِاقْتِدَاء , فَتَنَاوَلُوهَا مُبَاشَرَة فِي حَقّ الضُّعَفَاء , فَأَمَّا فِي حَقّ أَنْفُسهمْ فَلَا ; وَبَيَان ذَلِكَ أَصْحَاب الصُّفَّة . قُلْت : لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الرَّسُول مَعَهُمْ الْبَيَان ; كَمَا ثَبَتَ فِي الْقُرْآن &quot; وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك الذِّكْر لِتُبَيِّن لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ &quot; [ النَّحْل : 44 ] وَقَالَ : &quot; إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَات وَالْهُدَى &quot; [ الْبَقَرَة : 159 ] الْآيَة . وَهَذَا مِنْ الْبَيِّنَات وَالْهُدَى . وَأَمَّا أَصْحَاب الصُّفَّة فَإِنَّهُمْ كَانُوا ضَيْف الْإِسْلَام عِنْد ضِيق الْحَال , فَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَة خَصَّهُمْ بِهَا , وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّة أَكَلَهَا مَعَهُمْ , وَكَانُوا مَعَ هَذَا يَحْتَطِبُونَ وَيَسُوقُونَ الْمَاء إِلَى أَبْيَات رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . كَذَا وَصَفَهُمْ الْبُخَارِيّ وَغَيْره . ثُمَّ لَمَّا اِفْتَتَحَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْبِلَاد وَمَهَّدَ لَهُمْ الْمِهَاد تَأَمَّرُوا . وَبِالْأَسْبَابِ أُمِرُوا . ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْقَوْل يَدُلّ عَلَى ضَعْف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه ; لِأَنَّهُمْ أُيِّدُوا بِالْمَلَائِكَةِ وَثُبِّتُوا بِهِمْ , فَلَوْ كَانُوا أَقْوِيَاء مَا اِحْتَاجُوا إِلَى تَأْيِيد الْمَلَائِكَة وَتَأْيِيدهمْ إِذْ ذَلِكَ سَبَب مِنْ أَسْبَاب النَّصْر ; نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ قَوْل وَإِطْلَاق يَئُول إِلَى هَذَا , بَلْ الْقَوْل بِالْأَسْبَابِ وَالْوَسَائِط سُنَّة اللَّه وَسُنَّة رَسُوله , وَهُوَ الْحَقّ الْمُبِين , وَالطَّرِيق الْمُسْتَقِيم الَّذِي اِنْعَقَدَ عَلَيْهِ إِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ ; وَإِلَّا كَانَ يَكُون قَوْله الْحَقّ : &quot; وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِبَاط الْخَيْل &quot; [ الْأَنْفَال : 60 ] - الْآيَة - مَقْصُورًا عَلَى الضُّعَفَاء , وَجَمِيع الْخِطَابَات كَذَلِكَ . وَفِي التَّنْزِيل حَيْثُ خَاطَبَ مُوسَى الْكَلِيم &quot; اِضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْر &quot; [ الشُّعَرَاء : 63 ] وَقَدْ كَانَ قَادِرًا عَلَى فَلْق الْبَحْر دُون ضَرْب عَصًا . وَكَذَلِكَ مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام &quot; وَهُزِّي إِلَيْك بِجِذْعِ النَّخْلَة &quot; [ مَرْيَم : 25 ] وَقَدْ كَانَ قَادِرًا عَلَى سُقُوط الرُّطَب دُون هَزّ وَلَا تَعَب ; وَمَعَ هَذَا كُلّه فَلَا نُنْكِر أَنْ يَكُون رَجُل يُلْطَف بِهِ وَيُعَان , أَوْ تُجَاب دَعْوَته , أَوْ يُكْرَم بِكَرَامَةٍ فِي خَاصَّة نَفْسه أَوْ لِأَجْلِ غَيْره , وَلَا تُهَدّ لِذَلِكَ الْقَوَاعِد الْكُلِّيَّة وَالْأُمُور الْجَمِيلَة . هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ! لَا يُقَال فَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَفِي السَّمَاء رِزْقكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ &quot; [ الذَّارِيَات : 22 ] فَإِنَّا نَقُول : صَدَقَ اللَّه الْعَظِيم , وَصَدَقَ رَسُوله الْكَرِيم , وَأَنَّ الرِّزْق هُنَا الْمَطَر بِإِجْمَاعِ أَهْل التَّأْوِيل ; بِدَلِيلِ ; قَوْله : &quot; وَيُنَزِّل لَكُمْ مِنْ السَّمَاء رِزْقًا &quot; [ غَافِر : 13 ] وَقَالَ : &quot; وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاء مَاء مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّات وَحَبّ الْحَصِيد &quot; [ ق : 9 ] وَلَمْ يُشَاهَد يَنْزِل مِنْ السَّمَاء عَلَى الْخَلْق أَطْبَاق الْخُبْز وَلَا جِفَان اللَّحْم , بَلْ الْأَسْبَاب أَصْل فِي وُجُود ذَلِكَ ; وَمَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( اُطْلُبُوا الرِّزْق فِي خَبَايَا الْأَرْض ) أَيْ بِالْحَرْثِ وَالْحَفْر وَالْغَرْس . وَقَدْ يُسَمَّى الشَّيْء بِمَا يَئُول إِلَيْهِ , وَسُمِّيَ الْمَطَر رِزْقًا لِأَنَّهُ عَنْهُ يَكُون الرِّزْق , وَذَلِكَ مَشْهُور فِي كَلَام الْعَرَب . وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( لَأَنْ يَأْخُذ أَحَدكُمْ حَبْله فَيَحْتَطِب عَلَى ظَهْره خَيْر لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَل أَحَدًا أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ) وَهَذَا فِيمَا خَرَجَ مِنْ غَيْر تَعَب مِنْ الْحَشِيش وَالْحَطَب . وَلَوْ قُدِّرَ رَجُل بِالْجِبَالِ مُنْقَطِعًا عَنْ النَّاس لَمَا كَانَ لَهُ بُدّ مِنْ الْخُرُوج إِلَى مَا تُخْرِجهُ الْآكَام وَظُهُور الْأَعْلَام حَتَّى يَتَنَاوَل مِنْ ذَلِكَ مَا يَعِيش بِهِ ; وَهُوَ مَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّه حَقّ تَوَكُّله لَرُزِقْتُمْ كَمَا تُرْزَق الطَّيْر تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوح بِطَانًا ) فَغُدُوّهَا وَرَوَاحهَا سَبَب ; فَالْعَجَب الْعَجَب مِمَّنْ يَدَّعِي التَّجْرِيد وَالتَّوَكُّل عَلَى التَّحْقِيق , وَيَقْعُد عَلَى ثَنِيَّات الطَّرِيق , وَيَدَع الطَّرِيق الْمُسْتَقِيم , وَالْمَنْهَج الْوَاضِح الْقَوِيم . ثَبَتَ فِي الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ أَهْل الْيَمَن يَحُجُّونَ وَلَا يَتَزَوَّدُونَ وَيَقُولُونَ نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ , فَإِذَا قَدِمُوا سَأَلُوا النَّاس ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى &quot; وَتَزَوَّدُوا &quot; [ الْبَقَرَة : 197 ] . وَلَمْ يُنْقَل عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ خَرَجُوا إِلَى أَسْفَارهمْ بِغَيْرِ زَادَ , وَكَانُوا الْمُتَوَكِّلِينَ حَقًّا . وَالتَّوَكُّل اِعْتِمَاد الْقَلْب عَلَى الرَّبّ فِي أَنْ يُلِمّ شَعَثه وَيَجْمَع عَلَيْهِ أَرَبه ; ثُمَّ يَتَنَاوَل الْأَسْبَاب بِمُجَرَّدِ الْأَمْر . وَهَذَا هُوَ الْحَقّ . سَأَلَ رَجُل الْإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل فَقَالَ : إِنَى أُرِيد الْحَجّ عَلَى قَدَم التَّوَكُّل . فَقَالَ : اُخْرُجْ وَحْدك ; فَقَالَ : لَا , إِلَّا مَعَ النَّاس . فَقَالَ لَهُ : أَنْتَ إِذْن مُتَّكِل عَلَى أَجْرِبَتهمْ . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى هَذَا فِي كِتَاب &quot; قَمْع الْحِرْص بِالزُّهْدِ وَالْقَنَاعَة وَرَدّ ذُلّ السُّؤَال بِالْكَسْبِ وَالصِّنَاعَة &quot; . 

خَرَّجَ مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَحَبّ الْبِلَاد إِلَى اللَّه مَسَاجِدهَا وَأَبْغَض الْبِلَاد إِلَى اللَّه أَسْوَاقهَا ) . وَخَرَّجَ الْبَزَّار عَنْ سَلْمَان الْفَارِسِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَكُونَنَّ إِنْ اِسْتَطَعْت أَوَّل مَنْ يَدْخُل السُّوق وَلَا آخِر مَنْ يَخْرُج مِنْهَا فَإِنَّهَا مَعْرَكَة الشَّيْطَان وَبِهَا يَنْصِب رَايَته ) . أَخْرَجَهُ أَبُو بَكْر الْبَرْقَانِيّ مُسْنَدًا عَنْ أَبِي مُحَمَّد عَبْد الْغَنِيّ بْن سَعِيد الْحَافِظ - مِنْ رِوَايَة عَاصِم - عَنْ أَبِي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَنْ سَلْمَان قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَكُنْ أَوَّل مَنْ يَدْخُل السُّوق وَلَا آخِر مَنْ يَخْرُج مِنْهَا فَبِهَا بَاضَ الشَّيْطَان وَفَرَّخَ ) . فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث مَا يَدُلّ عَلَى كَرَاهَة دُخُول الْأَسْوَاق , لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمَان الَّتِي يُخَالِط فِيهَا الرِّجَال النِّسْوَانِ . وَهَكَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا لَمَّا كَثُرَ الْبَاطِل فِي الْأَسْوَاق وَظَهَرَتْ فِيهَا الْمَنَاكِر : كُرِهَ دُخُولهَا لِأَرْبَابِ الْفَضْل وَالْمُقْتَدَى بِهِمْ فِي الدِّين تَنْزِيهًا لَهُمْ عَنْ الْبِقَاع الَّتِي يُعْصَى اللَّه فِيهَا . فَحَقّ عَلَى مَنْ اِبْتَلَاهُ اللَّه بِالسُّوقِ أَنْ يَخْطِر بِبَالِهِ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ مَحَلّ الشَّيْطَان وَمَحَلّ جُنُوده , وَإِنَّهُ إِنْ أَقَامَ هُنَاكَ هَلَكَ , وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَاله اِقْتَصَرَ مِنْهُ عَلَى قَدْر ضَرُورَته , وَتَحَرَّزَ مِنْ سُوء عَاقِبَته وَبَلِيَّته . 

تَشْبِيه النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّوق بِالْمَعْرَكَةِ تَشْبِيه حَسَن ; وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْرَكَة مَوْضِع الْقِتَال , سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَعَارُكِ الْأَبْطَال فِيهِ , وَمُصَارَعَة بَعْضهمْ بَعْضًا . فَشَبَّهَ السُّوق وَفِعْل الشَّيْطَان بِهَا وَنَيْله مِنْهُمْ مِمَّا يُحَمِّلهُمْ مِنْ الْمَكْر وَالْخَدِيعَة , وَالتَّسَاهُل فِي الْبُيُوع الْفَاسِدَة وَالْكَذِب وَالْأَيْمَان الْكَاذِبَة , وَاخْتِلَاط الْأَصْوَات وَغَيْر ذَلِكَ بِمَعْرَكَةِ الْحَرْب وَمَنْ يُصْرَع فِيهَا . 

قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : أَمَّا أَكْل الطَّعَام فَضَرُورَة الْخَلْق لَا عَار وَلَا دَرْك فِيهِ , وَأَمَّا الْأَسْوَاق فَسَمِعْت مَشْيَخَة أَهْل الْعِلْم يَقُولُونَ : لَا يَدْخُل إِلَّا سُوق الْكُتُب وَالسِّلَاح , وَعِنْدِي أَنَّهُ يَدْخُل كُلّ سُوق لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَلَا يَأْكُل فِيهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ إِسْقَاط لِلْمُرُوءَةِ وَهَدْم لِلْحِشْمَةِ ; وَمِنْ الْأَحَادِيث الْمَوْضُوعَة ( الْأَكْل فِي السُّوق دَنَاءَة ) . قُلْت : مَا ذَكَرَتْهُ مَشْيَخَة أَهْل الْعِلْم فَنِعِمَّا هُوَ ; فَإِنَّ ذَلِكَ خَالٍ عَنْ النَّظَر إِلَى النِّسْوَان وَمُخَالَطَتهنَّ ; إِذْ لَيْسَ بِذَلِكَ مِنْ حَاجَتهنَّ . وَأَمَّا غَيْرهمَا مِنْ الْأَسْوَاق , فَمَشْحُونَة مِنْهُنَّ , وَقِلَّة الْحَيَاء قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِنَّ , حَتَّى تَرَى الْمَرْأَة فِي الْقَيْسَارِيَّات وَغَيْرهنَّ قَاعِدَة مُتَبَرِّجَة بِزِينَتِهَا , وَهَذَا مِنْ الْمُنْكَر الْفَاشِي فِي زَمَاننَا هَذَا . نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ سَخَطه . 

خَرَّجَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنَده حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن زَيْد قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرو بْن دِينَار قَهْرَمَان آل الزُّبَيْر عَنْ سَالِم عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب قَالَ : ( مَنْ دَخَلَ سُوقًا مِنْ هَذِهِ الْأَسْوَاق فَقَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ , لَهُ الْمُلْك وَلَهُ الْحَمْد يُحْيِي وَيُمِيت وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير كَتَبَ اللَّه لَهُ أَلْف أَلْف حَسَنَة وَمَحَا عَنْهُ أَلْف أَلْف سَيِّئَة وَبَنَى لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّة ) خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضًا وَزَادَ بَعْد ( وَمَحَا عَنْهُ أَلْف أَلْف سَيِّئَة ) : ( وَرَفَعَ لَهُ أَلْف أَلْف دَرَجَة وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّة ) . وَقَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب . قَالَ : اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا إِذَا لَمْ يَقْصِد فِي تِلْكَ الْبُقْعَة سِوَاهُ لِيَعْمُرهَا بِالطَّاعَةِ إِذْ عُمِّرَتْ بِالْمَعْصِيَةِ , وَلِيُحَلِّيَهَا بِالذِّكْرِ إِذْ عُطِّلَتْ بِالْغَفْلَةِ , وَلِيُعَلِّم الْجَهَلَة وَيُذَكِّر النَّاسِينَ .

أَيْ إِنَّ الدُّنْيَا دَار بَلَاء وَامْتِحَان , فَأَرَادَ سُبْحَانه أَنْ يَجْعَل بَعْض الْعَبِيد فِتْنَة لِبَعْضٍ عَلَى الْعُمُوم فِي جَمِيع النَّاس مُؤْمِن وَكَافِر , فَالصَّحِيح فِتْنَة لِلْمَرِيضِ , وَالْغَنِيّ فِتْنَة لِلْفَقِيرِ , وَالْفَقِير الصَّابِر فِتْنَة لِلْغَنِيِّ . وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ كُلّ وَاحِد مُخْتَبَر بِصَاحِبِهِ ; فَالْغَنِيّ مُمْتَحَن بِالْفَقِيرِ , عَلَيْهِ أَنْ يُوَاسِيه وَلَا يَسْخَر مِنْهُ . وَالْفَقِير مُمْتَحَن بِالْغَنِيِّ , عَلَيْهِ أَلَّا يَحْسُدهُ وَلَا يَأْخُذ مِنْهُ إِلَّا مَا أَعْطَاهُ , وَأَنْ يَصْبِر كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا عَلَى الْحَقّ ; كَمَا قَالَ الضَّحَّاك فِي مَعْنَى &quot; أَتَصْبِرُونَ &quot; : أَيْ عَلَى الْحَقّ . وَأَصْحَاب الْبَلَايَا يَقُولُونَ : لِمَ لَمْ نُعَافَ ؟ وَالْأَعْمَى يَقُول : لِمَ لَمْ أُجْعَل كَالْبَصِيرِ ؟ وَهَكَذَا صَاحِب كُلّ آفَة . وَالرَّسُول الْمَخْصُوص بِكَرَامَةِ النُّبُوَّة فِتْنَة لِأَشْرَافِ النَّاس مِنْ الْكُفَّار فِي عَصْره . وَكَذَلِكَ الْعُلَمَاء وَحُكَّام الْعَدْل . أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلهمْ &quot; لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآن عَلَى رَجُل مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم &quot; [ الزُّخْرُف : 31 ] . فَالْفِتْنَة أَنْ يَحْسُد الْمُبْتَلَى الْمُعَافَى , وَيَحْقِر الْمُعَافَى الْمُبْتَلَى . وَالصَّبْر : أَنْ يَحْبِس كِلَاهُمَا نَفْسه , هَذَا عَنْ الْبَطَر , وَذَاكَ عَنْ الضَّجَر . &quot; أَتَصْبِرُونَ &quot; مَحْذُوف الْجَوَاب , يَعْنِي أَمْ لَا تَصْبِرُونَ . فَيَقْتَضِي جَوَابًا كَمَا قَالَ الْمُزَنِيّ , وَقَدْ أَخْرَجَتْهُ الْفَاقَة فَرَأَى خَصِيًّا فِي مَرَاكِب وَمَنَاكِب , فَخَطَرَ بِبَالِهِ شَيْء فَسَمِعَ مَنْ يَقْرَأ الْآيَة : &quot; أَتَصْبِرُونَ &quot; فَقَالَ : بَلَى رَبّنَا ! نَصْبِر وَنَحْتَسِب . وَقَدْ تَلَا اِبْن الْقَاسِم صَاحِب مَالِك هَذِهِ الْآيَة حِين رَأَى أَشْهَب بْن عَبْد الْعَزِيز فِي مَمْلَكَته عَابِرًا عَلَيْهِ , ثُمَّ أَجَابَ نَفْسه بِقَوْلِهِ : سَنَصْبِرُ . وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاء أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( وَيْل لِلْعَالِمِ مِنْ الْجَاهِل وَوَيْل لِلْجَاهِلِ مِنْ الْعَالِم وَوَيْل لِلْمَالِكِ مِنْ الْمَمْلُوك وَوَيْل لِلْمُلُوكِ مِنْ الْمَالِك وَوَيْل لِلشَّدِيدِ مِنْ الضَّعِيف وَوَيْل لِلضَّعِيفِ مِنْ الشَّدِيد وَوَيْل لِلسُّلْطَانِ مِنْ الرَّعِيَّة وَوَيْل لِلرَّعِيَّةِ مِنْ السُّلْطَان وَبَعْضهمْ لِبَعْضٍ فِتْنَة ) وَهُوَ قَوْله : &quot; وَجَعَلْنَا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَة أَتَصْبِرُونَ &quot; أَسْنَدَهُ الثَّعْلَبِيّ تَغَمَّدَهُ اللَّه بِرَحْمَتِهِ . وَقَالَ مُقَاتِل : نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْل بْن هِشَام وَالْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة وَالْعَاص بْن وَائِل , وَعُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط وَعُتْبَة بْن رَبِيعَة وَالنَّضْر بْن الْحَرْث حِين رَأَوْا أَبَا ذَرّ وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , وَعَمَّارًا وَبِلَالًا وَصُهَيْبًا وَعَامِر بْن فُهَيْرَة , وَسَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة وَمَهْجَعًا مَوْلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب وَجَبْرًا مَوْلَى الْحَضْرَمِيّ , وَذَوِيهِمْ ; فَقَالُوا عَلَى سَبِيل الِاسْتِهْزَاء : أَنُسْلِمُ فَنَكُون مِثْل هَؤُلَاءِ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى يُخَاطِب هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ : &quot; أَتَصْبِرُونَ &quot; عَلَى مَا تَرَوْنَ مِنْ هَذِهِ الْحَال الشَّدِيدَة وَالْفَقْر ; فَالتَّوْقِيف بِ &quot; أَتَصْبِرُونَ &quot; خَاصّ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُحِقِّينَ مِنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . كَأَنَّهُ جَعَلَ إِمْهَال الْكُفَّار وَالتَّوْسِعَة عَلَيْهِمْ فِتْنَة لِلْمُؤْمِنِينَ , أَيْ اِخْتِبَارًا لَهُمْ . وَلَمَّا صَبَرَ الْمُسْلِمُونَ أَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : &quot; إِنِّي جَزَيْتهمْ الْيَوْم بِمَا صَبَرُوا &quot; [ الْمُؤْمِنُونَ : 111 ] .
 
أَيْ بِكُلِّ اِمْرِئٍ وَبِمَنْ يَصْبِر أَوْ يَجْزَع , وَمَنْ يُؤْمِن وَمَنْ لَا يُؤْمِن , وَبِمَنْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَقّ وَمَنْ لَا يُؤَدِّي . وَقِيلَ : &quot; أَتَصْبِرُونَ &quot; أَيْ اِصْبِرُوا . مِثْل &quot; فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ &quot; [ الْمَائِدَة : 91 ] أَيْ اِنْتَهُوا ; فَهُوَ أَمْر لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّبْرِ .';
$TAFSEER['4']['25']['21'] = 'يُرِيد لَا يَخَافُونَ الْبَعْث وَلِقَاء اللَّه , أَيْ لَا يُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ . قَالَ : إِذَا لَسَعَتْهُ النَّحْل لَمْ يَرْجُ لَسْعَتَهَا وَخَالَفَهَا فِي بَيْت نَوْب عَوَامِل وَقِيلَ : &quot; لَا يَرْجُونَ &quot; لَا يُبَالُونَ . قَالَ : لَعَمْرُكَ مَا أَرْجُو إِذَا كُنْت مُسْلِمًا عَلَى أَيّ جَنْب كَانَ فِي اللَّه مَصْرَعِي اِبْن شَجَرَة : لَا يَأْمُلُونَ ; قَالَ : أَتَرْجُو أُمَّة قَتَلَتْ حُسَيْنًا شَفَاعَة جَدّه يَوْم الْحِسَاب 

أَيْ هَلَّا أُنْزِلَ .

فَيُخْبِرُوا أَنَّ مُحَمَّدًا صَادِق .
 
عِيَانًا فَيُخْبِرنَا بِرِسَالَتِهِ . نَظِيره قَوْل تَعَالَى : &quot; وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى تَفْجُر لَنَا مِنْ الْأَرْض يَنْبُوعًا &quot; [ الْإِسْرَاء : 90 ] إِلَى قَوْله : &quot; أَوْ تَأْتِي بِاَللَّهِ وَالْمَلَائِكَة قَبِيلًا &quot; [ الْإِسْرَاء : 92 ] .
 
حَيْثُ سَأَلُوا اللَّه الشَّطَط ; لِأَنَّ الْمَلَائِكَة لَا تُرَى إِلَّا عِنْد الْمَوْت أَوْ عِنْد نُزُول الْعَذَاب , وَاَللَّه تَعَالَى لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يُدْرِك الْأَبْصَار , فَلَا عَيْن تَرَاهُ . وَقَالَ مُقَاتِل : &quot; عَتَوْا &quot; عَلَوْا فِي الْأَرْض . وَالْعُتُوّ : أَشَدّ الْكُفْر وَأَفْحَش الظُّلْم . وَإِذَا لَمْ يَكْتَفُوا بِالْمُعْجِزَاتِ وَهَذَا الْقُرْآن فَكَيْفَ يَكْتَفُونَ بِالْمَلَائِكَةِ ؟ وَهُمْ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنهمْ وَبَيْن الشَّيَاطِين , وَلَا بُدّ لَهُمْ مِنْ مُعْجِزَة يُقِيمهَا مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ مَلَك , وَلَيْسَ لِلْقَوْمِ طَلَب مُعْجِزَة بَعْد أَنْ شَاهَدُوا مُعْجِزَة ,';
$TAFSEER['4']['25']['22'] = 'يُرِيد أَنَّ الْمَلَائِكَة لَا يَرَاهَا أَحَد إِلَّا عِنْد الْمَوْت : فَتُبَشِّر الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ , وَتَضْرِب الْمُشْرِكِينَ وَالْكُفَّار بِمَقَامِعِ الْحَدِيد حَتَّى تُخْرِج أَنْفُسهمْ . &quot; وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا &quot; يُرِيد تَقُول الْمَلَائِكَة حَرَامًا مُحَرَّمًا أَنْ يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَأَقَامَ شَرَائِعهَا ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . وَقِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة ; قَالَهُ مُجَاهِد وَعَطِيَّة الْعَوْفِيّ . قَالَ عَطِيَّة : إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة تَلْقَى الْمُؤْمِن بِالْبُشْرَى : فَإِذَا رَأَى ذَلِكَ الْكَافِر تَمَنَّاهُ فَلَمْ يَرَهُ مِنْ الْمَلَائِكَة . وَانْتَصَبَ &quot; يَوْم يَرَوْنَ &quot; بِتَقْدِيرِ لَا بُشْرَى لِلْمُجْرِمِينَ يَوْم يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة . &quot; يَوْمئِذٍ &quot; تَأْكِيد لِ &quot; يَوْم يَرَوْنَ &quot; . قَالَ النَّحَّاس : لَا يَجُوز أَنْ يَكُون &quot; يَوْم يَرَوْنَ &quot; مَنْصُوبًا بِ &quot; بُشْرَى &quot; لِأَنَّ مَا فِي حَيِّز النَّفْي لَا يَعْمَل فِيمَا قَبْله , وَلَكِنْ فِيهِ تَقْدِير أَنْ يَكُون الْمَعْنَى يُمْنَعُونَ الْبِشَارَة يَوْم يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة ; وَدَلَّ عَلَى هَذَا الْحَذْف مَا بَعْده , وَيَجُوز أَنْ يَكُون التَّقْدِير : لَا بُشْرَى تَكُون يَوْم يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة , وَ &quot; يَوْمئِذٍ &quot; مُؤَكِّد . وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : اُذْكُرْ يَوْم يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة : ثُمَّ اِبْتَدَأَ فَقَالَ : &quot; لَا بُشْرَى يَوْمئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا &quot; أَيْ وَتَقُول الْمَلَائِكَة حَرَامًا مُحَرَّمًا أَنْ تَكُون لَهُمْ الْبُشْرَى إِلَّا لِلْمُؤْمِنِينَ . قَالَ الشَّاعِر : أَلَا أَصْبَحَتْ أَسْمَاء حِجْرًا مُحَرَّمًا وَأَصْبَحَتْ مِنْ أَدْنَى حَمْوَتهَا حَمَا أَرَادَ أَلَا أَصْبَحَتْ أَسْمَاء حَرَامًا مُحَرَّمًا . وَقَالَ آخَر : حَنَّتْ إِلَيَّ النَّخْلَة الْقُصْوَى فَقُلْت لَهَا حِجْر حَرَام أَلَا تِلْكَ الدَّهَارِيس وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ : &quot; وَيَقُولُونَ حِجْرًا &quot; وَقَفَ مِنْ قَوْل الْمُجْرِمِينَ ; فَقَالَ اللَّه . عَزَّ وَجَلَّ : &quot; مَحْجُورًا &quot; عَلَيْهِمْ أَنْ يُعَاذُوا أَوْ يُجَارُوا ; فَحَجَرَ اللَّه ذَلِكَ عَلَيْهِمْ يَوْم الْقِيَامَة . وَالْأَوَّل قَوْل اِبْن عَبَّاس . وَبِهِ قَالَ الْفَرَّاء ; قَالَهُ اِبْن الْأَنْبَارِيّ . وَقَرَأَ الْحَسَن وَأَبُو رَجَاء : &quot; حُجْرًا &quot; بِضَمِّ الْحَاء وَالنَّاس عَلَى كَسْرهَا . وَقِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ مِنْ قَوْل الْكُفَّار قَالُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ ; قَالَهُ قَتَادَة فِيمَا ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ . وَقِيلَ : هُوَ قَوْل الْكُفَّار لِلْمَلَائِكَةِ . وَهِيَ كَلِمَة اِسْتِعَاذَة وَكَانَتْ مَعْرُوفَة فِي الْجَاهِلِيَّة ; فَكَانَ إِذَا لَقِيَ الرَّجُل مَنْ يَخَافهُ قَالَ : حِجْرًا مَحْجُورًا ; أَيْ حَرَامًا عَلَيْك التَّعَرُّض لِي . وَانْتِصَابه عَلَى مَعْنَى : حُجِرَتْ عَلَيْك , أَوْ حَجَرَ اللَّه عَلَيْك ; كَمَا تَقُول : سَقْيًا وَرَعْيًا . أَيْ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ إِذَا رَأَوْا الْمَلَائِكَة يَلْقَوْنَهُمْ فِي النَّار قَالُوا : نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْكُمْ ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ , وَحَكَى مَعْنَاهُ الْمَهْدَوِيّ عَنْ مُجَاهِد . وَقِيلَ : &quot; حِجْرًا &quot; مِنْ قَوْل الْمُجْرِمِينَ . &quot; مَحْجُورًا &quot; مِنْ قَوْل الْمَلَائِكَة ; أَيْ قَالُوا لِلْمَلَائِكَةِ نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْكُمْ أَنْ تَتَعَرَّضُوا لَنَا . فَتَقُول الْمَلَائِكَة : &quot; مَحْجُورًا &quot; أَنْ تُعَاذُوا مِنْ شَرّ هَذَا الْيَوْم ; قَالَهُ الْحَسَن .';
$TAFSEER['4']['25']['23'] = 'هَذَا تَنْبِيه عَلَى عِظَم قَدْر يَوْم الْقِيَامَة ; أَيْ قَصَدْنَا فِي ذَلِكَ إِلَى مَا كَانَ يَعْمَلهُ الْمُجْرِمُونَ مِنْ عَمَل بِرّ عِنْد أَنْفُسهمْ . يُقَال : قَدِمَ فُلَان إِلَى أَمْر كَذَا أَيْ قَصَدَهُ . وَقَالَ مُجَاهِد : &quot; قَدِمْنَاهُ &quot; أَيْ عَمَدْنَا . وَقَالَ الرَّاجِز : وَقَدِمَ الْخَوَارِج الضُّلَّال إِلَى عِبَاد رَبّهمْ فَقَالُوا إِنَّ دِمَاءَكُمْ لَنَا حَلَال وَقِيلَ : هُوَ قُدُوم الْمَلَائِكَة , أَخْبَرَ بِهِ نَفْسه تَعَالَى فَاعِله .

أَيْ لَا يُنْتَفَع بِهِ ; أَيْ أَبْطَلْنَاهُ بِالْكُفْرِ . وَلَيْسَ &quot; هَبَاء &quot; مِنْ ذَوَات الْهَمْز وَإِنَّمَا هُمِزَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ . وَالتَّصْغِير هُبَيّ فِي مَوْضِع الرَّفْع , وَمِنْ النَّحْوِيِّينَ مَنْ يَقُول : هُبَيّ فِي مَوْضِع الرَّفْع ; حَكَاهُ النَّحَّاس . وَوَاحِده هَبَاة وَالْجَمْع أَهَبَاء . قَالَ الْحَارِث بْن حِلِّزَة يَصِف نَاقَة : فَتَرَى خَلْفهَا مِنْ الرَّجْع وَالْوَقْ عِ مَنِينًا كَأَنَّهُ أَهَبَاء وَرَوَى الْحَرْث عَنْ عَلِيّ قَالَ : الْهَبَاء الْمَنْثُور شُعَاع الشَّمْس الَّذِي يَدْخُل مِنْ الْكُوَّة . وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ : الْهَبَاء مَا يَخْرُج مِنْ الْكُوَّة فِي ضَوْء الشَّمْس شَبِيه بِالْغُبَارِ . تَأْوِيله : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَحْبَطَ أَعْمَالهمْ حَتَّى صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْهَبَاء الْمَنْثُور . فَأَمَّا الْهَبَاء الْمُنْبَثّ . فَهُوَ مَا تُثِيرهُ الْخَيْل بِسَنَابِكِهَا مِنْ الْغُبَار . وَالْمُنْبَثّ الْمُتَفَرِّق . وَقَالَ اِبْن عَرَفَة : الْهَبْوَة وَالْهَبَاء التُّرَاب الدَّقِيق . الْجَوْهَرِيّ : وَيُقَال لَهُ إِذَا اِرْتَفَعَ هَبَا يَهَبُوا هَبْوًا وَأَهْبَيْته أَنَا . وَالْهَبْوَة الْغَبَرَة . قَالَ رُؤْبَة . تَبْدُو لَنَا أَعْلَامه بَعْد الْغَرَق فِي قَطْع الْآل وَهَبَوَات الدُّقَق وَمَوْضِع هَابِي التُّرَاب أَيْ كَأَنَّ تُرَابه مِثْل الْهَبَاء فِي الرِّقَّة . وَقِيلَ : إِنَّهُ مَا ذَرَّته الرِّيَاح مِنْ يَابِس أَوْرَاق الشَّجَر ; قَالَهُ قَتَادَة وَابْن عَبَّاس . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : إِنَّهُ الْمَاء الْمُهْرَاق . وَقِيلَ : إِنَّهُ الرَّمَاد ; قَالَهُ عُبَيْد بْن يَعْلَى .';
$TAFSEER['4']['25']['24'] = 'تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ عِنْد قَوْله تَعَالَى : &quot; قُلْ أَذَلِكَ خَيْر أَمْ جَنَّة الْخُلْد الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ &quot; [ الْفُرْقَان : 15 ] . قَالَ النَّحَّاس : وَالْكُوفِيُّونَ يُجِيزُونَ &quot; الْعَسَل أَحْلَى مِنْ الْخَلّ &quot; وَهَذَا قَوْل مَرْدُود ; لِأَنَّ مَعْنَى فُلَان خَيْر مِنْ فُلَان أَنَّهُ أَكْثَر خَيْرًا مِنْهُ وَلَا حَلَاوَة فِي الْخَلّ . وَلَا يَجُوز أَنْ يُقَال : النَّصْرَانِيّ خَيْر مِنْ الْيَهُودِيّ ; لِأَنَّهُ لَا خَيْر فِيهِمَا فَيَكُون أَحَدهمَا أَزْيَد فِي الْخَيْر . لَكِنْ يُقَال : الْيَهُودِيّ شَرّ مِنْ النَّصْرَانِيّ ; فَعَلَى هَذَا كَلَام الْعَرَب . وَ &quot; مُسْتَقَرًّا &quot; نُصِبَ عَلَى الظَّرْف إِذَا قُدِّرَ عَلَى غَيْر بَاب &quot; أَفْعَل مِنْك &quot; وَالْمَعْنَى لَهُمْ خَيْر فِي مُسْتَقَرّ . وَإِذَا كَانَ مِنْ بَاب &quot; أَفْعَل مِنْك &quot; فَانْتِصَابه عَلَى الْبَيَان ; قَالَ النَّحَّاس وَالْمَهْدَوِيّ . قَالَ قَتَادَة : &quot; وَأَحْسَن مَقِيلًا &quot; مَنْزِلًا وَمَأْوَى . وَقِيلَ : هُوَ عَلَى مَا تَعْرِفهُ الْعَرَب مِنْ مَقِيل نِصْف النَّهَار . وَمِنْهُ الْحَدِيث الْمَرْفُوع ( إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَفْرُغ مِنْ حِسَاب الْخَلْق فِي مِقْدَار نِصْف يَوْم فَيَقِيل أَهْل الْجَنَّة فِي الْجَنَّة وَأَهْل النَّار فِي النَّار ) ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود : لَا يَنْتَصِف النَّهَار يَوْم الْقِيَامَة مِنْ نَهَار الدُّنْيَا حَتَّى يَقِيل هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّة وَهَؤُلَاءِ فِي النَّار , ثُمَّ قَرَأَ : &quot; ثُمَّ إِنَّ مَقِيلهمْ لَإِلَى الْجَحِيم &quot; كَذَا هِيَ فِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْحِسَاب مِنْ ذَلِكَ الْيَوْم فِي أَوَّله , فَلَا يَنْتَصِف النَّهَار مِنْ يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يَقِيل أَهْل الْجَنَّة فِي الْجَنَّة وَأَهْل النَّار فِي النَّار . وَمِنْهُ مَا رُوِيَ : ( قِيلُوا فَإِنَّ الشَّيَاطِين لَا تَقِيل ) . وَذَكَرَ قَاسِم بْن أَصْبَغ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد . الْخُدْرِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة ) فَقُلْت : مَا أَطْوَل هَذَا الْيَوْم . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَيُخَفَّف عَنْ الْمُؤْمِن حَتَّى يَكُون أَخَفّ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاة الْمَكْتُوبَة يُصَلِّيهَا فِي الدُّنْيَا ) .';
$TAFSEER['4']['25']['25'] = 'أَيْ وَاذْكُرْ يَوْم تَشَقَّق السَّمَاء بِالْغَمَامِ . وَقَرَأَهُ عَاصِم وَالْأَعْمَش وَيَحْيَى وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَأَبُو عَمْرو : &quot; تَشَقَّق &quot; بِتَخْفِيفِ الشِّين وَأَصْله تَتَشَقَّق بِتَاءَيْنِ فَحَذَفُوا الْأُولَى تَخْفِيفًا , وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد . الْبَاقُونَ &quot; تَشَّقَّق &quot; بِتَشْدِيدِ الشِّين عَلَى الِادِّغَام , وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم . وَكَذَلِكَ فِي &quot; ق &quot; . &quot; بِالْغَمَامِ &quot; أَيْ عَنْ الْغَمَام . وَالْبَاء وَعَنْ يَتَعَاقَبَانِ ; كَمَا تَقُول : رَمَيْت بِالْقَوْسِ وَعَنْ الْقَوْس . رُوِيَ أَنَّ السَّمَاء تَتَشَقَّق عَنْ سَحَاب أَبْيَض رَقِيق مِثْل الضَّبَابَة , وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا لِبَنِي إِسْرَائِيل فِي تِيههمْ فَتَنْشَقّ السَّمَاء عَنْهُ ; وَهُوَ الَّذِي قَالَ تَعَالَى : &quot; هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام &quot; [ الْبَقَرَة : 210 ] .

مِنْ السَّمَوَات , وَيَأْتِي الرَّبّ جَلَّ وَعَزَّ فِي الثَّمَانِيَة الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْش لِفَصْلِ الْقَضَاء , عَلَى مَا يَجُوز أَنْ يُحْمَل عَلَيْهِ إِتْيَانه ; لَا عَلَى مَا تُحْمَل عَلَيْهِ صِفَات الْمَخْلُوقِينَ مِنْ الْحَرَكَة وَالِانْتِقَال . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : تَتَشَقَّق سَمَاء الدُّنْيَا فَيَنْزِل أَهْلهَا وَهُمْ أَكْثَر مِمَّنْ فِي الْأَرْض مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس , ثُمَّ تَنْشَقّ السَّمَاء الثَّانِيَة فَيَنْزِل أَهْلهَا وَهُمْ أَكْثَر مِمَّنْ فِي سَمَاء الدُّنْيَا , ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى تَنْشَقّ السَّمَاء السَّابِعَة , ثُمَّ يُنَزَّل الْكَرُوبِيُّونَ وَحَمَلَة الْعَرْش ; وَهُوَ مَعْنَى قَوْله : &quot; وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَة تَنْزِيلًا &quot; أَيْ مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض لِحِسَابِ الثَّقَلَيْنِ . وَقِيلَ : إِنَّ السَّمَاء تَنْشَقّ بِالْغَمَامِ الَّذِي بَيْنهَا وَبَيْن النَّاس ; فَبِتَشَقُّقِ الْغَمَام تَتَشَقَّق السَّمَاء ; فَإِذَا اِنْشَقَّتْ السَّمَاء اِنْتَقَضَ تَرْكِيبهَا وَطُوِيَتْ وَنُزِّلَتْ الْمَلَائِكَة إِلَى مَكَان سِوَاهَا . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير : &quot; وَنُنْزِل الْمَلَائِكَة &quot; بِالنَّصْبِ مِنْ الْإِنْزَال . الْبَاقُونَ . &quot; وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَة &quot; بِالرَّفْعِ . دَلِيله &quot; تَنْزِيلًا &quot; وَلَوْ كَانَ عَلَى الْأَوَّل لَقَالَ إِنْزَالًا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ نَزَّلَ وَأَنْزَلَ بِمَعْنًى ; فَجَاءَ &quot; تَنْزِيلًا &quot; عَلَى &quot; نَزَّلَ &quot; وَقَدْ قَرَأَ عَبْد الْوَهَّاب عَنْ أَبِي عَمْرو : &quot; وَنَزَّلَ الْمَلَائِكَة تَنْزِيلًا &quot; . وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود : &quot; وَأُنْزِلَ الْمَلَائِكَة &quot; . أُبَيّ بْن كَعْب : &quot; وَنُزِّلَتْ الْمَلَائِكَة &quot; . وَعَنْهُ &quot; وَتَنَزَّلَتْ الْمَلَائِكَة &quot; .';
$TAFSEER['4']['25']['26'] = '&quot; الْمُلْك &quot; مُبْتَدَأ وَ &quot; الْحَقّ &quot; صِفَة لَهُ وَ &quot; لِلرَّحْمَنِ &quot; الْخَبَر ; لِأَنَّ الْمُلْك الَّذِي يَزُول وَيَنْقَطِع لَيْسَ بِمُلْكٍ ; فَبَطَلَتْ يَوْمئِذٍ أَمْلَاك الْمَالِكِينَ وَانْقَطَعَتْ دَعَاوِيهمْ , وَزَالَ كُلّ مَلِك وَمُلْكه . وَبَقِيَ الْمُلْك الْحَقّ لِلَّهِ وَحْده .
 
أَيْ لِمَا يَنَالهُمْ مِنْ الْأَهْوَال وَيَلْحَقهُمْ مِنْ الْخِزْي وَالْهَوَان , وَهُوَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَخَفّ مِنْ صَلَاة مَكْتُوبَة ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيث . وَهَذِهِ الْآيَة دَالَّة عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا فَهُوَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ يَسِير . يُقَال : عَسُرَ يَعْسُر , وَعَسِرَ يَعْسَر .';
$TAFSEER['4']['25']['27'] = 'الْمَاضِي عَضِضْت . وَحَكَى الْكِسَائِيّ عَضَضْت بِفَتْحِ الضَّاد الْأُولَى . وَجَاءَ التَّوْقِيف عَنْ أَهْل التَّفْسِير , مِنْهُمْ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَنَّ الظَّالِم هَاهُنَا يُرَاد بِهِ عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط , وَأَنَّ خَلِيله أُمَيَّة بْن خَلَف ; فَعُقْبَة قَتَلَهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْأُسَارَى يَوْم بَدْر فَأَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ ; فَقَالَ : أَأُقْتَلُ دُونهمْ ؟ فَقَالَ . نَعَمْ , بِكُفْرِك وَعُتُوّك . فَقَالَ : مَنْ لِلصِّبْيَةِ ؟ فَقَالَ : النَّار . فَقَامَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَتَلَهُ . وَأُمَيَّة قَتَلَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَانَ هَذَا مِنْ دَلَائِل نُبُوَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ خَبَّرَ عَنْهُمَا بِهَذَا فَقُتِلَا عَلَى الْكُفْر . وَلَمْ يُسَمَّيَا فِي الْآيَة لِأَنَّهُ أَبْلَغ فِي الْفَائِدَة , لِيُعْلَم أَنَّ هَذَا سَبِيل كُلّ ظَالِم قَبْل مَنْ غَيْره فِي مَعْصِيَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا : وَكَانَ عُقْبَة قَدْ هَمَّ بِالْإِسْلَامِ فَمَنَعَهُ مِنْهُ أُبَيّ بْن خَلَف وَكَانَا خِدْنَيْنِ , وَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَهُمَا جَمِيعًا : قَتَلَ عُقْبَة يَوْم بَدْر صَبْرًا , وَأُبَيّ بْن خَلَف فِي الْمُبَارَزَة يَوْم أُحُد ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ وَالثَّعْلَبِيّ , وَالْأَوَّل ذَكَرَهُ النَّحَّاس . وَقَالَ السُّهَيْلِيّ : &quot; وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ &quot; هُوَ عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط , وَكَانَ صَدِيقًا لِأُمَيَّةَ بْن خَلَف الْجُمَحِيّ وَيُرْوَى لِأُبَيِّ بْن خَلَف أَخِي أُمَيَّة , وَكَانَ قَدْ صَنَعَ وَلِيمَة فَدَعَا إِلَيْهَا قُرَيْشًا , وَدَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبَى أَنْ يَأْتِيه إِلَّا أَنْ يُسْلِم . وَكَرِهَ عُقْبَة أَنْ يَتَأَخَّر عَنْ طَعَامه مِنْ أَشْرَاف قُرَيْش أَحَد فَأَسْلَمَ وَنَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ , فَأَتَاهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلَ مِنْ طَعَامه , فَعَاتَبَهُ خَلِيله أُمَيَّة بْن خَلَف , أَوْ أُبَيّ بْن خَلَف وَكَانَ غَائِبًا . فَقَالَ عُقْبَة : رَأَيْت عَظِيمًا أَلَّا يَحْضُر طَعَامِي رَجُل مِنْ أَشْرَاف قُرَيْش . فَقَالَ لَهُ خَلِيله : لَا أَرْضَى حَتَّى تَرْجِع وَتَبْصُق فِي وَجْهه وَتَطَأ عُنُقه وَتَقُول كَيْت وَكَيْت . فَفَعَلَ عَدُوّ اللَّه مَا أَمَرَهُ بِهِ خَلِيله ; فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : &quot; وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ &quot; . قَالَ الضَّحَّاك : لَمَّا بَصَقَ عُقْبَة فِي وَجْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ بُصَاقه فِي وَجْهه وَشَوَى وَجْهه وَشَفَتَيْهِ , حَتَّى أَثَّرَ فِي وَجْهه وَأَحْرَقَ خَدَّيْهِ , فَلَمْ يَزَلْ أَثَر ذَلِكَ فِي وَجْهه حَتَّى قُتِلَ . وَعَضّه يَدَيْهِ فِعْل النَّادِم الْحَزِين لِأَجْلِ طَاعَته خَلِيله .

فِي الدُّنْيَا , يَعْنِي طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّة .';
$TAFSEER['4']['25']['28'] = 'دُعَاء بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور عَلَى مُحَالَفَة الْكَافِر وَمُتَابَعَته .

يَعْنِي أُمَيَّة , وَكُنِّيَ عَنْهُ وَلَمْ يُصَرَّح بِاسْمِهِ لِئَلَّا يَكُون هَذَا الْوَعْد مَخْصُوصًا بِهِ وَلَا مَقْصُورًا , بَلْ يَتَنَاوَل جَمِيع مَنْ فَعَلَ مِثْل فِعْلهمَا . وَقَالَ مُجَاهِد وَأَبُو رَجَاء : الظَّالِم عَامّ فِي كُلّ ظَالِم , وَفُلَان : الشَّيْطَان . وَاحْتَجَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْقَوْل بِأَنَّ بَعْده &quot; وَكَانَ الشَّيْطَان لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا &quot; . وَقَرَأَ الْحَسَن : &quot; يَا وَيْلَتَى &quot; . وَقَدْ مَضَى فِي هُود بَيَانه وَالْخَلِيل : الصَّاحِب وَالصَّدِيق وَقَدْ مَضَى فِي &quot; النِّسَاء &quot; بَيَانه .';
$TAFSEER['4']['25']['29'] = 'أَيْ يَقُول هَذَا النَّادِم : لَقَدْ أَضَلَّنِي مَنْ اِتَّخَذْته فِي الدُّنْيَا خَلِيلًا عَنْ الْقُرْآن وَالْإِيمَان بِهِ . وَقِيلَ : &quot; عَنْ الذِّكْر &quot; أَيْ عَنْ الرَّسُول .
 
قِيلَ : هَذَا مِنْ قَوْل اللَّه لَا مِنْ قَوْل الظَّالِم . وَتَمَام الْكَلَام عَلَى هَذَا عِنْد قَوْله : &quot; بَعْد إِذْ جَاءَنِي &quot; . وَالْخَذْل التَّرْك مِنْ الْإِعَانَة ; وَمِنْهُ خِذْلَان إِبْلِيس لِلْمُشْرِكِينَ لَمَّا ظَهَرَ لَهُمْ فِي صُورَة سُرَاقَة بْن مَالِك , فَلَمَّا رَأَى الْمَلَائِكَة تَبَرَّأَ مِنْهُمْ . وَكُلّ مَنْ صَدَّ عَنْ سَبِيل اللَّه وَأُطِيعَ فِي مَعْصِيَة اللَّه فَهُوَ شَيْطَان لِلْإِنْسَانِ , خَذُولًا عِنْد نُزُول الْعَذَاب وَالْبَلَاء . وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ : تَجَنَّبْ قَرِين السُّوء وَأَصْرِمْ حِبَاله فَإِنْ لَمْ تَجِد عَنْهُ مَحِيصًا فَدَارِهِ وَأَحْبِبْ حَبِيب الصِّدْق وَاحْذَرْ مِرَاءَهُ تَنَلْ مِنْهُ صَفْو الْوُدّ مَا لَمْ تُمَارِهِ وَفِي الشَّيْب مَا يَنْهَى الْحَلِيم عَنْ الصِّبَا إِذَا اِشْتَعَلَتْ نِيرَانه فِي عِذَاره آخَر : اِصْحَبْ خِيَار النَّاس حَيْثُ لَقِيتهمْ خَيْر الصَّحَابَة مَنْ يَكُون عَفِيفَا وَالنَّاس مِثْل دَرَاهِم مَيَّزْتهَا فَوَجَدْت مِنْهَا فِضَّة وَزُيُوفَا وَفِي الصَّحِيح مِنْ حَدِيث أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّمَا مَثَل الْجَلِيس الصَّالِح وَالْجَلِيس السُّوء كَحَامِلِ الْمِسْك وَنَافِخ الْكِير فَحَامِل الْمِسْك إِمَّا أَنْ يَحْذِيك وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاع مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِد رِيحًا طَيِّبَة وَنَافِخ الْكِير إِمَّا أَنْ يُحْرِق ثِيَابك وَإِمَّا أَنْ تَجِد رِيحًا خَبِيثَة ) لَفْظ مُسْلِم . وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيث أَنَس . وَذَكَرَ أَبُو بَكْر الْبَزَّار عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قِيلَ يَا رَسُول اللَّه ; أَيّ جُلَسَائِنَا خَيْر ؟ قَالَ : ( مَنْ ذَكَّرَكُمْ بِاَللَّهِ رُؤْيَته وَزَادَ فِي عِلْمكُمْ مَنْطِقه وَذَكَّرَكُمْ بِالْآخِرَةِ عَمَله ) . وَقَالَ مَالِك بْن دِينَار : إِنَّك إِنْ تَنْقُل الْأَحْجَار مَعَ الْأَبْرَار خَيْر لَك مِنْ أَنْ تَأْكُل الْخَبِيص مَعَ الْفُجَّار . وَأَنْشَدَ : وَصَاحِبْ خِيَار النَّاس تَنْجُ مُسْلِمًا وَصَاحِبْ شِرَار النَّاس يَوْمًا فَتَنْدَمَا';
$TAFSEER['4']['25']['30'] = 'يُرِيد مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَشْكُوهُمْ إِلَى اللَّه تَعَالَى .

أَيْ قَالُوا فِيهِ غَيْر الْحَقّ مِنْ أَنَّهُ سِحْر وَشِعْر ; عَنْ مُجَاهِد وَالنَّخَعِيّ . وَقِيلَ : مَعْنَى &quot; مَهْجُورًا &quot; أَيْ مَتْرُوكًا ; فَعَزَّاهُ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَسَلَّاهُ بِقَوْلِهِ : &quot; وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيّ عَدُوًّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ &quot;';
$TAFSEER['4']['25']['31'] = 'أَيْ كَمَا جَعَلْنَا لَك يَا مُحَمَّد عَدُوًّا مِنْ مُشْرِكِي قَوْمك - وَهُوَ أَبُو جَهْل فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس - فَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيّ عَدُوًّا مِنْ مُشْرِكِي قَوْمه , فَاصْبِرْ , لِأَمْرِي كَمَا صَبَرُوا , فَإِنِّي هَادِيك وَنَاصِرك عَلَى كُلّ مَنْ نَاوَأَك . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ قَوْل الرَّسُول &quot; يَا رَبّ &quot; إِنَّمَا يَقُولهُ يَوْم الْقِيَامَة ; أَيْ هَجَرُوا الْقُرْآن وَهَجَرُونِي وَكَذَّبُونِي . وَقَالَ أَنَس : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآن وَعَلَّقَ مُصْحَفه لَمْ يَتَعَاهَدهُ وَلَمْ يَنْظُر فِيهِ جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة مُتَعَلِّقًا بِهِ يَقُول يَا رَبّ الْعَالَمِينَ إِنَّ عَبْدك هَذَا اِتَّخَذَنِي مَهْجُورًا فَاقْضِ بَيْنِي وَبَيْنه ) . ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ .
 
نُصِبَ عَلَى الْحَال أَوْ التَّمْيِيز , أَيْ يَهْدِيك وَيَنْصُرك فَلَا تُبَالِ بِمَنْ عَادَاك . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : عَدُوّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو جَهْل لَعَنَهُ اللَّه .';
$TAFSEER['4']['25']['32'] = 'اُخْتُلِفَ فِي قَائِل ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُمْ كُفَّار قُرَيْش ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَالثَّانِي : أَنَّهُمْ الْيَهُود حِين رَأَوْا نُزُول الْقُرْآن مُفَرَّقًا قَالُوا : هَلَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ جُمْلَة وَاحِدَة كَمَا أُنْزِلَتْ التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى وَالْإِنْجِيل عَلَى عِيسَى وَالزَّبُور عَلَى دَاوُد . فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; كَذَلِكَ &quot; أَيْ فَعَلْنَا &quot; لِنُثَبِّت بِهِ فُؤَادك &quot; نُقَوِّي بِهِ قَلْبك فَتَعِيه وَتَحْمِلهُ ; لِأَنَّ الْكُتُب الْمُتَقَدِّمَة أُنْزِلَتْ عَلَى أَنْبِيَاء يَكْتُبُونَ وَيَقْرَءُونَ , وَالْقُرْآن أُنْزِلَ عَلَى نَبِيّ أُمِّيّ ; وَلِأَنَّ مِنْ الْقُرْآن النَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ , وَمِنْهُ مَا هُوَ جَوَاب لِمَنْ سَأَلَ عَنْ أُمُور , فَفَرَّقْنَاهُ لِيَكُونَ أَوْعَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَيْسَر عَلَى الْعَامِل بِهِ ; فَكَانَ كُلَّمَا نَزَلَ وَحْي جَدِيد زَادَهُ قُوَّة قَلْب . قُلْت : فَإِنْ قِيلَ هَلَّا أُنْزِلَ الْقُرْآن دَفْعَة وَاحِدَة وَحَفِظَهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي قُدْرَته ؟ . قِيلَ : فِي قُدْرَة اللَّه أَنْ يُعَلِّمهُ الْكِتَاب وَالْقُرْآن فِي لَحْظَة وَاحِدَة , وَلَكِنَّهُ لَمْ يَفْعَل وَلَا مُعْتَرَض عَلَيْهِ فِي حُكْمه , وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْه الْحِكْمَة فِي ذَلِكَ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ قَوْله &quot; كَذَلِكَ &quot; مِنْ كَلَام الْمُشْرِكِينَ , أَيْ لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة كَذَلِكَ , أَيْ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيل , فَيَتِمّ الْوَقْف عَلَى &quot; كَذَلِكَ &quot; ثُمَّ يَبْتَدِئ &quot; لِنُثَبِّت بِهِ فُؤَادك &quot; . وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْوَقْف عَلَى قَوْله : &quot; جُمْلَة وَاحِدَة &quot; ثُمَّ يَبْتَدِئ &quot; كَذَلِكَ لِنُثَبِّت بِهِ فُؤَادك &quot; عَلَى مَعْنَى أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْك كَذَلِكَ مُتَفَرِّقًا لِنُثَبِّت بِهِ فُؤَادك . قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَالْوَجْه الْأَوَّل أَجْوَد وَأَحْسَن , وَالْقَوْل الثَّانِي قَدْ جَاءَ بِهِ التَّفْسِير , حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُثْمَان الشَّيْبِيّ قَالَ حَدَّثَنَا مُنْجَاب قَالَ حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة عَنْ أَبِي رَوْق عَنْ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى : &quot; إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقَدْر &quot; [ الْقَدْر : 1 ] قَالَ : أُنْزِلَ الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة مِنْ عِنْد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ إِلَى السَّفَرَة الْكِرَام الْكَاتِبِينَ فِي السَّمَاء , فَنَجَّمَهُ السَّفَرَة الْكِرَام عَلَى جِبْرِيل عِشْرِينَ لَيْلَة , وَنَجَّمَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى مُحَمَّد عِشْرِينَ سَنَة . قَالَ : فَهُوَ قَوْله &quot; فَلَا أُقْسِم بِمَوَاقِعِ النُّجُوم &quot; [ الْوَاقِعَة : 75 ] يَعْنِي نُجُوم الْقُرْآن &quot; وَإِنَّهُ لَقَسَم لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيم . إِنَّهُ لَقُرْآن كَرِيم &quot; [ الْوَاقِعَة : 76 - 77 ] . قَالَ : فَلَمَّا لَمْ يَنْزِل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُمْلَة وَاحِدَة , قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة ; فَقَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : &quot; كَذَلِكَ لِنُثَبِّت بِهِ فُؤَادك &quot; يَا مُحَمَّد .
  
يَقُول : وَرَسَّلْنَاهُ تَرْسِيلًا ; يَقُول : شَيْئًا بَعْد شَيْء .';
$TAFSEER['4']['25']['33'] = 'يَقُول : لَوْ أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة ثُمَّ سَأَلُوك لَمْ يَكُنْ عِنْدك مَا تُجِيب بِهِ , وَلَكِنْ نُمْسِك عَلَيْك فَإِذَا سَأَلُوك أَجَبْت . قَالَ النَّحَّاس : وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ عَلَامَات النُّبُوَّة , لِأَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَ عَنْ شَيْء إِلَّا أُجِيبُوا عَنْهُ , وَهَذَا لَا يَكُون إِلَّا مِنْ نَبِيّ , فَكَانَ ذَلِكَ تَثْبِيتًا لِفُؤَادِهِ وَأَفْئِدَتهمْ , وَيَدُلّ عَلَى هَذَا &quot; وَلَا يَأْتُونَك بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاك بِالْحَقِّ وَأَحْسَن تَفْسِيرًا &quot; وَلَوْ نُزِّلَ جُمْلَة بِمَا فِيهِ مِنْ الْفَرَائِض لَثَقُلَ عَلَيْهِمْ , وَعِلْم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الصَّلَاح فِي إِنْزَاله مُتَفَرِّقًا , لِأَنَّهُمْ يُنَبِّهُونَ بِهِ مَرَّة بَعْد مَرَّة , وَلَوْ نُزِّلَ جُمْلَة وَاحِدَة لَزَالَ مَعْنَى التَّنْبِيه وَفِيهِ نَاسِخ وَمَنْسُوخ , فَكَانُوا يَتَعَبَّدُونَ بِالشَّيْءِ إِلَى وَقْت بِعَيْنِهِ قَدْ عَلِمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ الصَّلَاح , ثُمَّ يَنْزِل النَّسْخ بَعْد ذَلِكَ ; فَمُحَال أَنْ يَنْزِل جُمْلَة وَاحِدَة : اِفْعَلُوا كَذَا وَلَا تَفْعَلُوا . قَالَ النَّحَّاس : وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُون التَّمَام &quot; جُمْلَة وَاحِدَة &quot; لِأَنَّهُ إِذَا وُقِفَ عَلَى &quot; كَذَلِكَ &quot; صَارَ الْمَعْنَى كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَلَمْ يَتَقَدَّم لَهَا ذِكْر . قَالَ الضَّحَّاك : &quot; وَأَحْسَن تَفْسِيرًا &quot; أَيْ تَفْصِيلًا . وَالْمَعْنَى : أَحْسَن مِنْ مَثَلهمْ تَفْصِيلًا ; فَحُذِفَ لِعِلْمِ السَّامِع . وَقِيلَ : كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَسْتَمِدُّونَ مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَكَانَ قَدْ غَلَبَ عَلَى أَهْل الْكِتَاب التَّحْرِيف وَالتَّبْدِيل , فَكَانَ مَا يَأْتِي بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَن تَفْسِيرًا مِمَّا عِنْدهمْ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَخْلِطُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ , وَالْحَقّ الْمَحْض أَحْسَن مِنْ حَقّ مُخْتَلِط بِبَاطِلٍ , وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : &quot; وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ &quot; [ الْبَقَرَة : 42 ] . وَقِيلَ : &quot; لَا يَأْتُونَك بِمَثَلٍ &quot; كَقَوْلِهِمْ فِي صِفَة عِيسَى إِنَّهُ خُلِقَ مِنْ غَيْر أَب إِلَّا جِئْنَاك بِالْحَقِّ أَيْ بِمَا فِيهِ نَقْض حُجَّتهمْ كَآدَمَ إِذْ خُلِقَ مِنْ غَيْر أَب وَأُمّ .';
$TAFSEER['4']['25']['34'] = 'فِيهِ وَجْهَانِ : [ أَحَدهمَا ] أَنَّ ذَلِكَ عِبَارَة عَنْ الْإِسْرَاع بِهِمْ إِلَى جَهَنَّم ; مِنْ قَوْل الْعَرَب : قَدِمَ الْقَوْم عَلَى وُجُوههمْ إِذَا أَسْرَعُوا . [ الثَّانِي ] أَنَّهُمْ يُسْحَبُونَ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى وُجُوههمْ إِلَى جَهَنَّم كَمَا يُفْعَل فِي الدُّنْيَا بِمَنْ يُبَالَغ فِي هَوَانه وَتَعْذِيبه . وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح ; لِحَدِيثِ أَنَس أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُول اللَّه , الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوههمْ , أَيُحْشَرُ الْكَافِر عَلَى وَجْهه ؟ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَلَيْسَ الَّذِي أَمَشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيه عَلَى وَجْهه يَوْم الْقِيَامَة ) : قَالَ قَتَادَة حِين بَلَغَهُ : بَلَى وَعِزَّة رَبّنَا . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم . وَحَسْبك .

لِأَنَّهُمْ فِي جَهَنَّم . وَقَالَ مُقَاتِل : قَالَ الْكُفَّار لِأَصْحَابِ مُحَمَّد . صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ شَرّ الْخَلْق . فَنَزَلَتْ الْآيَة
 
أَيْ دِينًا وَطَرِيقًا . وَنَظْم الْآيَة : وَلَا يَأْتُونَك بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاك بِالْحَقِّ , وَأَنْتَ مَنْصُور عَلَيْهِمْ بِالْحُجَجِ الْوَاضِحَة , وَهُمْ مَحْشُورُونَ عَلَى وُجُوههمْ .';
$TAFSEER['4']['25']['35'] = 'يُرِيد التَّوْرَاة .
  
وَكَانَ هَارُون أَكْبَر مِنْ مُوسَى بِسَنَةٍ , وَقِيلَ : بِثَلَاثٍ . 

وَكَانَ هَارُون أَكْثَر لَحْمًا مِنْ مُوسَى , وَأَتَمّ طُولًا , وَأَبْيَض جِسْمًا , وَأَفْصَح لِسَانًا . وَمَاتَ قَبْل مُوسَى بِثَلَاثِ سِنِينَ وَكَانَ . فِي جَبْهَة هَارُون شَامَة , وَعَلَى أَرْنَبَة أَنْف مُوسَى شَامَة , وَعَلَى طَرَف لِسَانه شَامَة , وَلَمْ تَكُنْ عَلَى أَحَد قَبْله وَلَا تَكُون عَلَى أَحَد بَعْده , وَقِيلَ إِنَّهَا كَانَتْ سَبَب الْعُقْدَة الَّتِي فِي لِسَانه . وَاَللَّه أَعْلَم .';
$TAFSEER['4']['25']['36'] = 'الْخِطَاب لَهُمَا . وَقِيلَ : إِنَّمَا أُمِرَ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذَّهَابِ وَحْده فِي الْمَعْنَى . وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْله : &quot; نَسِيَا حُوتهمَا &quot; [ الْكَهْف : 61 ] . وَقَوْله : &quot; يَخْرُج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ وَالْمَرْجَان &quot; [ الرَّحْمَن : 22 ] وَإِنَّمَا يَخْرُج مِنْ أَحَدهمَا . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْتَرَأ بِهِ عَلَى كِتَاب اللَّه تَعَالَى , وَقَدْ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ : &quot; فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى . قَالَا رَبّنَا إِنَّنَا نَخَاف أَنْ يَفْرُط عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى . قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَع وَأَرَى . فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبّك &quot; [ طَه : 44 - 47 ] . وَنَظِير هَذَا : &quot; وَمِنْ دُونهمَا جَنَّتَانِ &quot; [ الرَّحْمَن : 62 ] . وَقَدْ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : &quot; ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُون بِآيَاتِنَا &quot; [ الْمُومِنُونَ : 45 ] قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَقَوْله فِي مَوْضِع آخَر : &quot; اِذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْن إِنَّهُ طَغَى &quot; [ طَه : 24 ] لَا يُنَافِي هَذَا ; لِأَنَّهُمَا إِذَا كَانَا مَأْمُورَيْنِ فَكُلّ وَاحِد مَأْمُور . وَيَجُوز أَنْ يُقَال : أُمِرَ مُوسَى أَوَّلًا , ثُمَّ لَمَّا قَالَ : &quot; وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي &quot; [ طَه : 29 ] قَالَ : &quot; اِذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْن &quot; [ طَه : 43 ] .

الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا &quot; يُرِيد فِرْعَوْن وَهَامَان وَالْقِبْط .
 
فِي الْكَلَام إِضْمَار ; أَيْ فَكَذَّبُوهُمَا &quot; فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا &quot; أَيْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِهْلَاكًا .';
$TAFSEER['4']['25']['37'] = 'فِي نَصْب &quot; قَوْم &quot; أَرْبَعَة أَقْوَال : الْعَطْف عَلَى الْهَاء وَالْمِيم فِي &quot; دَمَّرْنَاهُمْ &quot; . الثَّانِي : بِمَعْنَى اُذْكُرْ . الثَّالِث : بِإِضْمَارِ فِعْل يُفَسِّرهُ مَا بَعْده ; وَالتَّقْدِير : وَأَغْرَقْنَا قَوْم نُوح أَغْرَقْنَاهُمْ . الرَّابِع : إِنَّهُ مَنْصُوب بِ &quot; أَغْرَقْنَاهُمْ &quot; قَالَهُ الْفَرَّاء . وَرَدَّهُ النَّحَّاس قَالَ : لِأَنَّ &quot; أَغْرَقْنَا &quot; لَيْسَ مِمَّا يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ فَيَعْمَل فِي الْمُضْمَر وَفِي &quot; قَوْم نُوح &quot; .
  
ذَكَرَ الْجِنْس وَالْمُرَاد نُوح وَحْده ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْوَقْت رَسُول إِلَيْهِمْ إِلَّا نُوح وَحْده ; فَنُوح إِنَّمَا بُعِثَ بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَبِالْإِيمَانِ بِمَا يُنَزِّل اللَّه , فَلَمَّا كَذَّبُوهُ كَانَ فِي ذَلِكَ تَكْذِيب لِكُلِّ مَنْ بُعِثَ بَعْده بِهَذِهِ الْكَلِمَة . وَقِيلَ : إِنَّ مَنْ كَذَّبَ رَسُولًا فَقَدْ كَذَّبَ جَمِيع الرُّسُل ; لِأَنَّهُمْ لَا يُفَرَّق بَيْنهمْ فِي الْإِيمَان , وَلِأَنَّهُ مَا مِنْ نَبِيّ إِلَّا يُصَدِّق سَائِر أَنْبِيَاء اللَّه , فَمَنْ كَذَّبَ مِنْهُمْ نَبِيًّا فَقَدْ كَذَّبَ كُلّ مَنْ صَدَّقَهُ مِنْ النَّبِيِّينَ .
 
أَيْ بِالطُّوفَانِ .
 
أَيْ عَلَامَة ظَاهِرَة عَلَى قُدْرَتنَا

أَيْ لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْم نُوح
 
أَيْ فِي الْآخِرَة . وَقِيلَ : أَيْ هَذِهِ سَبِيلِي فِي كُلّ ظَالِم .';
$TAFSEER['4']['25']['38'] = 'كُلّه مَعْطُوف عَلَى &quot; قَوْم نُوح &quot; إِذَا كَانَ &quot; قَوْم نُوح &quot; مَنْصُوبًا عَلَى الْعَطْف , أَوْ بِمَعْنَى اُذْكُرْ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون كُلّه مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوف عَلَى الْمُضْمَر فِي &quot; دَمَّرْنَاهُمْ &quot; أَوْ عَلَى الْمُضْمَر فِي &quot; جَعَلْنَاهُمْ &quot; وَهُوَ اِخْتِيَار النَّحَّاس ; لِأَنَّهُ أَقْرَب إِلَيْهِ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَنْصُوبًا بِإِضْمَارِ فِعْل ; أَيْ اُذْكُرْ عَادًا الَّذِينَ كَذَّبُوا هُودًا فَأَهْلَكَهُمْ اللَّه بِالرِّيحِ الْعَقِيم , وَثَمُود كَذَّبُوا صَالِحًا فَأُهْلِكُوا بِالرَّجْفَةِ . وَ &quot; أَصْحَاب الرَّسّ &quot; وَالرَّسّ فِي كَلَام الْعَرَب الْبِئْر الَّتِي تَكُون غَيْر مَطْوِيَّة , وَالْجَمْع رِسَاس . قَالَ : تَنَابِلَة يَحْفِرُونَ الرِّسَاسَا يَعْنِي آبَار الْمَعَادِن . قَالَ اِبْن عَبَّاس : سَأَلْت كَعْبًا عَنْ أَصْحَاب الرَّسّ قَالَ : صَاحِب &quot; يس &quot; الَّذِي قَالَ : &quot; يَا قَوْم اِتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ &quot; [ يس : 20 ] قَتَلَهُ قَوْمه وَرَسُّوهُ فِي بِئْر لَهُمْ يُقَال لَهَا الرَّسّ طَرَحُوهُ فِيهَا , وَكَذَا قَالَ مُقَاتِل . السُّدِّيّ : هُمْ أَصْحَاب قِصَّة &quot; يس &quot; أَهْل أَنْطَاكِيَّة , وَالرَّسّ بِئْر بَأَنْطَاكِيَّةَ قَتَلُوا فِيهَا حَبِيبًا النَّجَّار مُؤْمِن آل &quot; يس &quot; فَنُسِبُوا إِلَيْهَا . وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : هُمْ قَوْم كَانُوا يَعْبُدُونَ شَجَرَة صَنَوْبَر فَدَعَا عَلَيْهِمْ نَبِيّهمْ ; وَكَانَ مِنْ وَلَد يَهُوذَا , فَيَبِسَتْ الشَّجَرَة فَقَتَلُوهُ وَرَسُّوهُ فِي بِئْر , فَأَظَلَّتْهُمْ سَحَابَة سَوْدَاء فَأَحْرَقَتْهُمْ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هُمْ قَوْم بِأَذْرَبِيجَانَ قَتَلُوا أَنْبِيَاء فَجَفَّتْ أَشْجَارهمْ وَزُرُوعهمْ فَمَاتُوا جُوعًا وَعَطَشًا . وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : كَانُوا أَهْل بِئْر يَقْعُدُونَ عَلَيْهَا وَأَصْحَاب مَوَاشِي , وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَام , فَأَرْسَلَ اللَّه إِلَيْهِمْ شُعَيْبًا فَكَذَّبُوهُ وَآذَوْهُ , وَتَمَادَوْا عَلَى كُفْرهمْ وَطُغْيَانهمْ , فَبَيْنَمَا هُمْ حَوْل الْبِئْر فِي مَنَازِلهمْ اِنْهَارَتْ بِهِمْ وَبِدِيَارِهِمْ ; فَخَسَفَ اللَّه بِهِمْ فَهَلَكُوا جَمِيعًا . وَقَالَ قَتَادَة : أَصْحَاب الرَّسّ وَأَصْحَاب الْأَيْكَة أُمَّتَانِ أَرْسَلَ اللَّه إِلَيْهِمَا شُعَيْبًا فَكَذَّبُوهُ فَعَذَّبَهُمَا اللَّه بِعَذَابَيْنِ . قَالَ قَتَادَة : وَالرَّسّ قَرْيَة بِفَلْجِ الْيَمَامَة . وَقَالَ عِكْرِمَة : هُمْ قَوْم رَسُّوا نَبِيّهمْ فِي بِئْر حَيًّا . دَلِيله مَا رَوَى مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ عَمَّنْ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَوَّل النَّاس يَدْخُل الْجَنَّة يَوْم الْقِيَامَة عَبْد أَسْوَد وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى بَعَثَ نَبِيًّا إِلَى قَوْمه فَلَمْ يُؤْمِن بِهِ إِلَّا ذَلِكَ الْأَسْوَد فَحَفَرَ أَهْل الْقَرْيَة بِئْرًا وَأَلْقَوْا فِيهَا نَبِيّهمْ حَيًّا وَأَطْبَقُوا عَلَيْهِ حَجَرًا ضَخْمًا وَكَانَ الْعَبْد الْأَسْوَد يَحْتَطِب عَلَى ظَهْره وَيَبِيعهُ وَيَأْتِيه بِطَعَامِهِ وَشَرَابه فَيُعِينهُ اللَّه عَلَى رَفْع تِلْكَ الصَّخْرَة حَتَّى يُدْلِيه إِلَيْهِ فَبَيْنَمَا هُوَ يَحْتَطِب إِذْ نَامَ فَضَرَبَ اللَّه عَلَى أُذُنه سَبْع سِنِينَ نَائِمًا ثُمَّ هَبَّ مِنْ نَوْمه فَتَمَطَّى وَاتَّكَأَ عَلَى شِقّه الْآخَر فَضَرَبَ اللَّه عَلَى أُذُنه سَبْع سِنِينَ ثُمَّ هَبَّ فَاحْتَمَلَ حُزْمَة الْحَطَب فَبَاعَهَا وَأَتَى بِطَعَامِهِ وَشَرَابه إِلَى الْبِئْر فَلَمْ يَجِدهُ وَكَانَ قَوْمه قَدْ أَرَاهُمْ اللَّه تَعَالَى آيَة فَاسْتَخْرَجُوهُ وَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ وَمَاتَ ذَلِكَ النَّبِيّ ) . قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ ذَلِكَ الْعَبْد الْأَسْوَد لَأَوَّل مَنْ يَدْخُل الْجَنَّة ) وَذَكَرَ هَذَا الْخَبَر الْمَهْدَوِيّ وَالثَّعْلَبِيّ , وَاللَّفْظ لِلثَّعْلَبِيِّ , وَقَالَ : هَؤُلَاءِ آمَنُوا بِنَبِيِّهِمْ فَلَا يَجُوز أَنْ يَكُونُوا أَصْحَاب الرَّسّ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ أَصْحَاب الرَّسّ أَنَّهُ دَمَّرَهُمْ , إِلَّا أَنْ يُدَمَّرُوا بِأَحْدَاثٍ أَحْدَثُوهَا بَعْد نَبِيّهمْ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : أَصْحَاب الرَّسّ قَوْم أَرْسَلَ اللَّه إِلَيْهِمْ نَبِيًّا فَأَكَلُوهُ . وَهُمْ أَوَّل مَنْ عَمِلَ نِسَاؤُهُمْ السَّحْق ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقِيلَ : هُمْ أَصْحَاب الْأُخْدُود الَّذِينَ حَفَرُوا الْأَخَادِيد وَحَرَّقُوا فِيهَا الْمُؤْمِنِينَ , وَسَيَأْتِي . وَقِيلَ : هُمْ بَقَايَا مِنْ قَوْم ثَمُود , وَإنَّ الرَّسّ الْبِئْر الْمَذْكُورَة فِي &quot; الْحَجّ &quot; فِي قَوْله : &quot; وَبِئْر مُعَطَّلَة &quot; [ الْحَجّ : 45 ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَفِي الصِّحَاح : وَالرَّسّ اِسْم بِئْر كَانَتْ لِبَقِيَّةٍ مِنْ ثَمُود . وَقَالَ جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ : أَصْحَاب الرَّسّ قَوْم كَانُوا يَسْتَحْسِنُونَ لِنِسَائِهِمْ السَّحْق , وَكَانَ نِسَاؤُهُمْ كُلّهمْ سَحَّاقَات . وَرُوِيَ مِنْ حَدِيث أَنَس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ مِنْ أَشْرَاط السَّاعَة أَنْ يَكْتَفِي الرِّجَال بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاء بِالنِّسَاءِ وَذَلِكَ السَّحْق ) . وَقِيلَ : الرَّسّ مَاء وَنَخْل لِبَنِي أَسَد . وَقِيلَ : الثَّلْج الْمُتَرَاكِم فِي الْجِبَال ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ . وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا هُوَ الْمَعْرُوف , وَهُوَ كُلّ حَفْر اُحْتُفِرَ كَالْقَبْرِ وَالْمَعْدِن وَالْبِئْر . قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الرَّسّ كُلّ رَكِيَّة لَمْ تُطْوَ ; وَجَمْعهَا رِسَاس . قَالَ الشَّاعِر : وَهُمْ سَائِرُونَ إِلَى أَرْضهمْ فَيَا لَيْتَهُمْ يَحْفِرُونَ الرِّسَاسَا وَالرَّسّ اِسْم وَادٍ فِي قَوْل زُهَيْر : بَكَرْنَ بُكُورًا وَاسْتَحَرْنَ بِسُحْرَةٍ فَهُنَّ لِوَادِي الرَّسّ كَالْيَدِ لِلْفَمِ وَرَسَسْت رَسًّا : حَفَرْت بِئْرًا . وَرُسَّ الْمَيِّت أَيْ قُبِرَ . وَالرَّسّ : الْإِصْلَاح بَيْن النَّاس , وَالْإِفْسَاد أَيْضًا وَقَدْ رَسَسْت بَيْنهمْ ; فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَاد . وَقَدْ قِيلَ فِي أَصْحَاب الرَّسّ غَيْر مَا ذَكَرْنَا , ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ وَغَيْره . &quot; وَقُرُونًا بَيْن ذَلِكَ كَثِيرًا &quot; أَيْ أُمَمًا لَا يَعْلَمهُمْ إِلَّا اللَّه بَيْن قَوْم نُوح وَعَاد . وَثَمُود وَأَصْحَاب الرَّسّ . وَعَنْ الرَّبِيع بْن خَيْثَم اِشْتَكَى فَقِيلَ لَهُ : أَلَا تَتَدَاوَى فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ بِهِ ؟ قَالَ : لَقَدْ هَمَمْت بِذَلِكَ ثُمَّ فَكَّرْت فِيمَا بَيْنِي وَبَيْن نَفْسِي فَإِذَا عَاد وَثَمُود وَأَصْحَاب الرَّسّ وَقُرُونًا بَيْن ذَلِكَ كَثِيرًا كَانُوا أَكْثَر وَأَشَدّ حِرْصًا عَلَى جَمْع الْمَال , فَكَانَ فِيهِمْ أَطِبَّاء , فَلَا النَّاعِت مِنْهُمْ بَقِيَ وَلَا الْمَنْعُوت ; فَأَبَى أَنْ يَتَدَاوَى فَمَا مَكَثَ إِلَّا خَمْسَة أَيَّام حَتَّى مَاتَ , رَحِمَهُ اللَّه .';
$TAFSEER['4']['25']['39'] = 'قَالَ الزَّجَّاج . أَيْ وَأَنْذَرْنَا كُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَال وَبَيَّنَّا لَهُمْ الْحُجَّة , وَلَمْ نَضْرِب لَهُمْ الْأَمْثَال الْبَاطِلَة كَمَا يَفْعَلهُ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة . وَقِيلَ : اِنْتَصَبَ عَلَى تَقْدِير ذَكَرْنَا كُلًّا وَنَحْوه ; لِأَنَّ ضَرْب الْأَمْثَال تَذْكِير وَوَعْظ ; ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ . وَالْمَعْنَى وَاحِد .

أَيْ أَهْلَكْنَا بِالْعَذَابِ . وَتَبَّرْت الشَّيْء كَسَرْته . وَقَالَ الْمُؤَرِّج وَالْأَخْفَش : دَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا . تُبْدَل التَّاء وَالْبَاء مِنْ الدَّال وَالْمِيم .';
$TAFSEER['4']['25']['40'] = 'يَعْنِي مُشْرِكِي مَكَّة . وَالْقَرْيَة قَرْيَة قَوْم لُوط . وَالْحِجَارَة الَّتِي أُمْطِرُوا بِهَا

الْحِجَارَة الَّتِي أُمْطِرُوا بِهَا .
 
أَيْ فِي أَسْفَارهمْ لِيَعْتَبِرُوا . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَتْ قُرَيْش فِي تِجَارَتهَا إِلَى الشَّام تَمُرّ بِمَدَائِنِ قَوْم لُوط كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ &quot; [ الصَّافَّات : 137 ] وَقَالَ : &quot; وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِين &quot; [ الْحِجْر : 79 ] . وَقَدْ تَقَدَّمَ
  
أَيْ لَا يُصَدِّقُونَ بِالْبَعْثِ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَى &quot; يَرْجُونَ &quot; يَخَافُونَ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون عَلَى بَابه وَيَكُون مَعْنَاهُ : بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ ثَوَاب الْآخِرَة .';
$TAFSEER['4']['25']['41'] = 'جَوَاب &quot; إِذَا &quot; &quot; إِنْ يَتَّخِذُونَك &quot; لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَتَّخِذُونَك . وَقِيلَ : الْجَوَاب مَحْذُوف وَهُوَ قَالُوا أَوْ يَقُولُونَ : &quot; أَهَذَا الَّذِي &quot; وَقَوْله : &quot; إِنْ يَتَّخِذُونَك إِلَّا هُزُوًا &quot; كَلَام مُعْتَرِض . 

وَنَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْل كَانَ يَقُول لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَهْزِئًا : &quot; أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّه رَسُولًا &quot; وَالْعَائِد مَحْذُوف , أَيْ بَعَثَهُ اللَّه . &quot; رَسُولًا &quot; نُصِبَ عَلَى الْحَال وَالتَّقْدِير : أَهَذَا الَّذِي بَعَثَهُ اللَّه مُرْسَلًا . &quot; أَهَذَا &quot; رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَ &quot; الَّذِي &quot; خَبَره . &quot; رَسُولًا &quot; نُصِبَ عَلَى الْحَال . وَ &quot; بَعَثَ &quot; فِي صِلَة &quot; الَّذِي &quot; وَاسْم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ رُفِعَ بِ &quot; بَعَثَ &quot; . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَصْدَرًا ; لِأَنَّ مَعْنَى &quot; بَعَثَ &quot; أَرْسَلَ وَيَكُون مَعْنَى رَسُولًا &quot; رِسَالَة عَلَى هَذَا . وَالْأَلِف لِلِاسْتِفْهَامِ عَلَى مَعْنَى التَّقْرِير وَالِاحْتِقَار .';
$TAFSEER['4']['25']['42'] = 'أَيْ قَالُوا قَدْ كَادَ أَنْ يَصْرِفنَا .

أَيْ حَبَسْنَا أَنْفُسنَا عَلَى عِبَادَتهَا .

يُرِيد مَنْ أَضَلّ دِينًا أَهُمْ أَمْ مُحَمَّد , وَقَدْ رَأَوْهُ فِي يَوْم بَدْر .';
$TAFSEER['4']['25']['43'] = 'عَجِبَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِضْمَارهمْ عَلَى الشِّرْك وَإِصْرَارهمْ عَلَيْهِ مَعَ إِقْرَارهمْ بِأَنَّهُ خَالِقهمْ وَرَازِقهمْ , ثُمَّ يَعْمِد إِلَى حَجَر يَعْبُدهُ مِنْ غَيْر حُجَّة . قَالَ الْكَلْبِيّ وَغَيْره : كَانَتْ الْعَرَب إِذَا هَوِيَ الرَّجُل مِنْهُمْ شَيْئًا عَبَدَهُ مِنْ دُون اللَّه , فَإِذَا رَأَى أَحْسَن مِنْهُ تَرَكَ الْأَوَّل وَعَبَدَ الْأَحْسَن ; فَعَلَى هَذَا يَعْنِي : أَرَأَيْت مَنْ اِتَّخَذَ إِلَهه بِهَوَاهُ ; فَحُذِفَ الْجَارّ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْهَوَى إِلَه يُعْبَد مِنْ دُون اللَّه , ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة . قَالَ الشَّاعِر : لَعَمْر أَبِيهَا لَوْ تَبَدَّتْ لِنَاسِكٍ قَدْ اِعْتَزَلَ الدُّنْيَا بِإِحْدَى الْمَنَاسِك لَصَلَّى لَهَا قَبْل الصَّلَاة لِرَبِّهِ وَلَارْتَدَّ فِي الدُّنْيَا بِأَعْمَالِ فَاتِك وَقِيلَ : &quot; اِتَّخَذَ إِلَهه هَوَاهُ &quot; أَيْ أَطَاعَ هَوَاهُ . وَعَنْ الْحَسَن لَا يَهْوَى شَيْئًا إِلَّا اِتَّبَعَهُ , وَالْمَعْنَى وَاحِد .
 
أَيْ حَفِيظًا وَكَفِيلًا حَتَّى تَرُدّهُ إِلَى الْإِيمَان وَتُخْرِجهُ مِنْ هَذَا الْفَسَاد . أَيْ لَيْسَتْ الْهِدَايَة وَالضَّلَالَة مَوْكُولَتَيْنِ إِلَى مَشِيئَتك , وَإِنَّمَا عَلَيْك التَّبْلِيغ . وَهَذَا رَدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة . ثُمَّ قِيلَ : إِنَّهَا مَنْسُوخَة بِآيَةِ الْقِتَال . وَقِيلَ : لَمْ تُنْسَخ ; لِأَنَّ الْآيَة تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .';
$TAFSEER['4']['25']['44'] = 'وَلَمْ يَقُلْ أَنَّهُمْ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ يُؤْمِن . وَذَمَّهُمْ جَلَّ وَعَزَّ بِهَذَا . &quot; أَمْ تَحْسَب أَنَّ أَكْثَرهمْ يَسْمَعُونَ &quot; سَمَاع قَبُول أَوْ يُفَكِّرُونَ فِيمَا تَقُول فَيَعْقِلُونَهُ ; أَيْ هُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يَعْقِل وَلَا يَسْمَع . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَا يَسْمَعُونَ فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا ; وَالْمُرَاد أَهْل مَكَّة . وَقِيلَ : &quot; أَمْ &quot; بِمَعْنَى بَلْ فِي مِثْل هَذَا الْمَوْضِع .

أَيْ فِي الْأَكْل وَالشُّرْب لَا يُفَكِّرُونَ فِي الْآخِرَة .
 
إِذْ لَا حِسَاب وَلَا عِقَاب عَلَى الْأَنْعَام . وَقَالَ مُقَاتِل : الْبَهَائِم تَعْرِف رَبّهَا وَتَهْتَدِي إِلَى مَرَاعِيهَا وَتَنْقَاد لِأَرْبَابِهَا الَّتِي تَعْقِلهَا , وَهَؤُلَاءِ لَا يَنْقَادُونَ وَلَا يَعْرِفُونَ رَبّهمْ الَّذِي خَلَقَهُمْ وَرَزَقَهُمْ . وَقِيلَ : لِأَنَّ الْبَهَائِم إِنْ لَمْ تَعْقِل صِحَّة التَّوْحِيد وَالنُّبُوَّة لَمْ تَعْتَقِد بُطْلَان ذَلِكَ أَيْضًا .';
$TAFSEER['4']['25']['45'] = 'يَجُوز أَنْ تَكُون هَذِهِ الرُّؤْيَة مِنْ رُؤْيَة الْعَيْن , وَيَجُوز أَنْ تَكُون مِنْ الْعِلْم . وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا : مَدّ الظِّلّ مِنْ طُلُوع الْفَجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ غُيُوبَة الشَّمْس إِلَى طُلُوعهَا . وَالْأَوَّل أَصَحّ ; وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سَاعَة أَطْيَب مِنْ تِلْكَ السَّاعَة ; فَإِنَّ فِيهَا يَجِد الْمَرِيض رَاحَة وَالْمُسَافِر وَكُلّ ذِي عِلَّة : وَفِيهَا تُرَدّ نُفُوس الْأَمْوَات وَالْأَرْوَاح مِنْهُمْ إِلَى الْأَجْسَاد , وَتَطِيب نُفُوس الْأَحْيَاء فِيهَا . وَهَذِهِ الصِّفَة مَفْقُودَة بَعْد الْمَغْرِب . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة : نَهَار الْجَنَّة هَكَذَا ; وَأَشَارَ إِلَى سَاعَة الْمُصَلِّينَ صَلَاة الْفَجْر . أَبُو عُبَيْدَة : الظِّلّ بِالْغَدَاةِ وَالْفَيْء بِالْعَشِيِّ ; لِأَنَّهُ يَرْجِع بَعْد زَوَال الشَّمْس ; سُمِّيَ فَيْئًا لِأَنَّهُ فَاءَ مِنْ الْمَشْرِق إِلَى جَانِب الْمَغْرِب . قَالَ الشَّاعِر , وَهُوَ حُمَيْد بْن ثَوْر يَصِف سَرْحَة وَكَنَّى بِهَا عَنْ اِمْرَأَة : فَلَا الظِّلّ مِنْ بَرْد الضُّحَا تَسْتَطِيعهُ وَلَا الْفَيْء مِنْ بَرْد الْعَشِيّ تَذُوق وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت : الظِّلّ مَا نَسَخَتْهُ الشَّمْس وَالْفَيْء مَا نَسَخَ الشَّمْس . وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَة عَنْ رُؤْبَة قَالَ : كُلّ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الشَّمْس فَزَالَتْ عَنْهُ فَهُوَ فَيْء وَظِلّ , وَمَا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ الشَّمْس فَهُوَ ظِلّ .

أَيْ دَائِمًا مُسْتَقِرًّا لَا تَنْسَخهُ الشَّمْس . اِبْن عَبَّاس : يُرِيد إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَوْ شَاءَ لَمَنَعَ الشَّمْس الطُّلُوع .
  
أَيْ جَعَلْنَا الشَّمْس يَنْسَخهَا الظِّلّ عِنْد مَجِيئِهَا دَالَّة عَلَى أَنَّ الظِّلّ شَيْء وَمَعْنًى ; لِأَنَّ الْأَشْيَاء تُعْرَف بِأَضْدَادِهَا وَلَوْلَا الشَّمْس مَا عُرِفَ الظِّلّ , وَلَوْلَا النُّور مَا عُرِفَتْ الظُّلْمَة . فَالدَّلِيل فَعِيل بِمَعْنَى الْفَاعِل . وَقِيلَ : بِمَعْنَى الْمَفْعُول كَالْقَتِيلِ وَالدَّهِين وَالْخَضِيب . أَيْ دَلَلْنَا الشَّمْس عَلَى الظِّلّ حَتَّى ذَهَبَتْ بِهِ ; أَيْ أَتْبَعْنَاهَا إِيَّاهُ . فَالشَّمْس دَلِيل أَيْ حُجَّة وَبُرْهَان , وَهُوَ الَّذِي يَكْشِف الْمُشْكِل وَيُوَضِّحهُ . وَلَمْ يُؤَنَّث الدَّلِيل وَهُوَ صِفَة الشَّمْس لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الِاسْم ; كَمَا يُقَال : الشَّمْس بُرْهَان وَالشَّمْس حَقّ .';
$TAFSEER['4']['25']['46'] = 'يُرِيد ذَلِكَ الظِّلّ الْمَمْدُود .
 
أَيْ يَسِيرًا قَبْضه عَلَيْنَا . وَكُلّ أَمْر رَبّنَا عَلَيْهِ يَسِير . فَالظِّلّ مُكْثه فِي هَذَا الْجَوّ بِمِقْدَارِ طُلُوع الْفَجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس , فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس صَارَ الظِّلّ مَقْبُوضًا , وَخَلَّفَهُ فِي هَذَا الْجَوّ شُعَاع الشَّمْس فَأَشْرَقَ عَلَى الْأَرْض وَعَلَى الْأَشْيَاء إِلَى وَقْت غُرُوبهَا , فَإِذَا غَرَبَتْ فَلَيْسَ هُنَاكَ ظِلّ , إِنَّمَا ذَلِكَ بَقِيَّة نُور النَّهَار . وَقَالَ قَوْم : قَبْضه بِغُرُوبِ الشَّمْس ; لِأَنَّهَا مَا لَمْ تَغْرُب فَالظِّلّ فِيهِ بَقِيَّة , وَإِنَّمَا يَتِمّ زَوَاله بِمَجِيءِ اللَّيْل وَدُخُول الظُّلْمَة عَلَيْهِ . وَقِيلَ : إِنَّ هَذَا الْقَبْض وَقَعَ بِالشَّمْسِ ; لِأَنَّهَا إِذَا طَلَعَتْ أَخَذَ الظِّلّ فِي الذَّهَاب شَيْئًا فَشَيْئًا ; قَالَهُ أَبُو مَالِك وَإِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ . وَقِيلَ : &quot; ثُمَّ قَبَضْنَاهُ &quot; أَيْ قَبَضْنَا ضِيَاء الشَّمْس بِالْفَيْءِ &quot; قَبْضًا يَسِيرًا &quot; . وَقِيلَ : &quot; يَسِيرًا &quot; أَيْ سَرِيعًا , قَالَهُ الضَّحَّاك . قَتَادَة : خَفِيًّا ; أَيْ إِذَا غَابَتْ الشَّمْس قُبِضَ الظِّلّ قَبْضًا خَفِيًّا ; كُلَّمَا قُبِضَ جُزْء مِنْهُ جُعِلَ مَكَانه جُزْء مِنْ الظُّلْمَة , وَلَيْسَ يَزُول دَفْعَة وَاحِدَة . فَهَذَا مَعْنَى قَوْل قَتَادَة ; وَهُوَ قَوْل مُجَاهِد .';
$TAFSEER['4']['25']['47'] = 'يَعْنِي سِتْرًا لِلْخَلْقِ يَقُوم مَقَام اللِّبَاس فِي سَتْر الْبَدَن . قَالَ الطَّبَرِيّ : وُصِفَ اللَّيْل بِاللِّبَاسِ تَشْبِيهًا مِنْ حَيْثُ يَسْتُر الْأَشْيَاء وَيَغْشَاهَا . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : ظَنَّ بَعْض الْغَفَلَة أَنَّ مَنْ صَلَّى عُرْيَانًا فِي الظَّلَّام أَنَّهُ يُجْزِئهُ ; لِأَنَّ اللَّيْل لِبَاس . وَهَذَا يُوجِب أَنْ يُصَلِّي فِي بَيْته عُرْيَانًا إِذَا أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابه . وَالسَّتْر فِي الصَّلَاة عِبَادَة تَخْتَصّ بِهَا لَيْسَتْ لِأَجْلِ نَظَر النَّاس . وَلَا حَاجَة إِلَى الْإِطْنَاب فِي هَذَا .
 
أَيْ رَاحَة لِأَبْدَانِكُمْ بِانْقِطَاعِكُمْ عَنْ الْأَشْغَال . وَأَصْل السُّبَات مِنْ التَّمَدُّد . يُقَال : سَبَتَتْ الْمَرْأَة شَعْرهَا أَيْ نَقَضَتْهُ وَأَرْسَلَتْهُ . وَرَجُل مَسْبُوت أَيْ مَمْدُود الْخِلْقَة . وَقِيلَ : لِلنَّوْمِ سُبَات لِأَنَّهُ بِالتَّمَدُّدِ يَكُون , وَفِي التَّمَدُّد مَعْنَى الرَّاحَة . وَقِيلَ : السَّبْت الْقَطْع ; فَالنَّوْم اِنْقِطَاع عَنْ الِاشْتِغَال ; وَمِنْهُ سَبْت الْيَهُود لِانْقِطَاعِهِمْ عَنْ الْأَعْمَال فِيهِ . وَقِيلَ : السَّبْت الْإِقَامَة فِي الْمَكَان ; فَكَأَنَّ السُّبَات سُكُون مَا وَثُبُوت عَلَيْهِ ; فَالنَّوْم سُبَات عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ سُكُون عَنْ الِاضْطِرَاب وَالْحَرَكَة . وَقَالَ الْخَلِيل : السُّبَات نَوْم ثَقِيل ; أَيْ جَعَلْنَا نَوْمكُمْ ثَقِيلًا لِيَكْمُل الْإِجْمَام وَالرَّاحَة .
  
مِنْ الِانْتِشَار لِلْمَعَاشِ ; أَيْ النَّهَار سَبَب الْإِحْيَاء لِلِانْتِشَارِ . شَبَّهَ الْيَقَظَة فِيهِ بِتَطَابُقِ الْإِحْيَاء مَعَ الْإِمَاتَة . وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذَا أَصْبَحَ قَالَ : ( الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْد مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُور ) .';
$TAFSEER['4']['25']['48'] = 'عَطْف عَلَى قَوْله : &quot; يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار &quot; [ الرَّعْد : 3 ] . ذَكَرَ شَيْئًا آخَر مِنْ نِعَمه , وَدَلَّ عَلَى وَحْدَانِيّته وَثُبُوت إِلَهِيَّته . 

وَرِيَاح جَمْع كَثْرَة وَأَرْوَاح جَمْع قِلَّة . وَأَصْل رِيح رَوْح . وَقَدْ خُطِّئَ مَنْ قَالَ فِي جَمْع الْقِلَّة أَرْيَاح . 

&quot; بُشْرًا &quot; فِيهِ سَبْع قِرَاءَات : قَرَأَ أَهْل الْحَرَمَيْنِ وَأَبُو عَمْرو &quot; نُشُرًا &quot; بِضَمِّ النُّون وَالشِّين جَمْع نَاشِر عَلَى مَعْنَى النَّسَب , أَيْ ذَات نُشُر ; فَهُوَ مِثْل شَاهِد وَشُهُد . وَيَجُوز أَنْ يَكُون جَمْع نَشُور كَرَسُولٍ وَرُسُل . يُقَال : رِيح النُّشُور إِذَا أَتَتْ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا . وَالنُّشُور بِمَعْنَى الْمَنْشُور ; كَالرُّكُوبِ بِمَعْنَى الْمَرْكُوب . أَيْ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِل الرِّيَاح مُنْشِرَة . وَقَرَأَ الْحَسَن وَقَتَادَة &quot; نُشْرًا &quot; بِضَمِّ النُّون وَإِسْكَان الشِّين مُخَفَّفًا مِنْ نَشَرَ ; كَمَا يُقَال : كُتُب وَرُسُل . وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَحَمْزَة &quot; نَشْرًا &quot; بِفَتْحِ النُّون وَإِسْكَان الشِّين عَلَى الْمَصْدَر , أَعْمَلَ فِيهِ مَعْنَى مَا قَبْله ; كَأَنَّهُ قَالَ : وَهُوَ الَّذِي يَنْشُر الرِّيَاح نَشْرًا . نَشَرْت الشَّيْء فَانْتَشَرَ , فَكَأَنَّهَا كَانَتْ مَطْوِيَّة فَنُشِّرَتْ عِنْد الْهُبُوب . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَصْدَرًا فِي مَوْضِع الْحَال مِنْ الرِّيَاح ; كَأَنَّهُ قَالَ يُرْسِل الرِّيَاح مُنْشِرَة , أَيْ مُحْيِيَة ; مِنْ أَنْشَرَ اللَّه الْمَيِّت فَنُشِرَ , كَمَا تَقُول أَتَانَا رَكْضًا , أَيْ رَاكِضًا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ نَشْرًا ( بِالْفَتْحِ ) مِنْ النَّشْر الَّذِي هُوَ خِلَاف الطَّيّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا . كَأَنَّ الرِّيح فِي سُكُونهَا كَالْمَطْوِيَّةِ ثُمَّ تُرْسَل مِنْ طَيّهَا ذَلِكَ فَتَصِير كَالْمُنْفَتِحَةِ . وَقَدْ فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْد بِمَعْنَى مُتَفَرِّقَة فِي وُجُوههَا , عَلَى مَعْنَى يَنْشُرهَا هَاهُنَا وَهَاهُنَا . وَقَرَأَ عَاصِم : &quot; بُشْرًا &quot; بِالْبَاءِ وَإِسْكَان الشِّين وَالتَّنْوِين جَمْع بَشِير , أَيْ الرِّيَاح تُبَشِّر بِالْمَطَرِ . وَشَاهِده قَوْله : &quot; وَمِنْ آيَاته أَنْ يُرْسِل الرِّيَاح مُبَشِّرَات &quot; . وَأَصْل الشِّين الضَّمّ , لَكِنْ سُكِّنَتْ تَخْفِيفًا كَرُسْلٍ وَرُسُل . وَرُوِيَ عَنْهُ &quot; بَشْرًا &quot; بِفَتْحِ الْبَاء . قَالَ النَّحَّاس : وَيُقْرَأ &quot; بَشْرًا &quot; وَ &quot; بُشْر مَصْدَر بَشَرَهُ يَبْشُرهُ بِمَعْنَى بَشَّرَهُ &quot; فَهَذِهِ خَمْس قِرَاءَات . وَقَرَأَ مُحَمَّد الْيَمَانِيّ &quot; بُشْرَى &quot; عَلَى وَزْن حُبْلَى . وَقِرَاءَة سَابِعَة &quot; بُشُرَى &quot; بِضَمِّ الْبَاء وَالشِّين . 

فِيهِ خَمْس عَشْرَة مَسْأَلَة : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : &quot; مَاء طَهُورًا &quot; يُتَطَهَّر بِهِ ; كَمَا يُقَال : وَضُوء لِلْمَاءِ الَّذِي يُتَوَضَّأ بِهِ . وَكُلّ طَهُور طَاهِر وَلَيْسَ كُلّ طَاهِر طَهُورًا . فَالطَّهُور ( بِفَتْحِ الطَّاء ) الِاسْم . وَكَذَلِكَ الْوَضُوء وَالْوَقُود . وَبِالضَّمِّ الْمَصْدَر , وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوف فِي اللُّغَة ; قَالَهُ اِبْن الْأَنْبَارِيّ . فَبَيَّنَ أَنَّ الْمَاء الْمُنَزَّل مِنْ السَّمَاء طَاهِر فِي نَفْسه مُطَهِّر لِغَيْرِهِ ; فَإِنَّ الطَّهُور بِنَاء مُبَالَغَة فِي طَاهِر وَهَذِهِ الْمُبَالَغَة اِقْتَضَتْ أَنْ يَكُون طَاهِرًا مُطَهِّرًا . وَإِلَى هَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور . وَقِيلَ : إِنَّ &quot; طَهُورًا &quot; بِمَعْنَى طَاهِر ; وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَة ; وَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; وَسَقَاهُمْ رَبّهمْ شَرَابًا طَهُورًا &quot; [ الْإِنْسَان : 21 ] يَعْنِي طَاهِرًا . وَيَقُول الشَّاعِر : خَلِيلَيَّ هَلْ فِي نَظْرَة بَعْد تَوْبَة أُدَاوِي بِهَا قَلْبِي عَلَيَّ فُجُور إِلَى رُجَّح الْأَكْفَال غِيد مِنْ الظِّبَا عِذَاب الثَّنَايَا رِيقُهُنَّ طَهُور فَوَصَفَ الرِّيق بِأَنَّهُ طَهُور وَلَيْسَ بِمُطَهِّرٍ . وَتَقُول الْعَرَب : رَجُل نَئُوم وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُنِيم لِغَيْرِهِ , وَإِنَّمَا يَرْجِع ذَلِكَ إِلَى فِعْل نَفْسه . وَلَقَدْ أَجَابَ عُلَمَاؤُنَا عَنْ هَذَا فَقَالُوا : وُصِفَ شَرَاب الْجَنَّة بِأَنَّهُ طَهُور يُفِيد التَّطْهِير عَنْ أَوْضَار الذُّنُوب وَعَنْ خَسَائِس الصِّفَات كَالْغِلِّ وَالْحَسَد , فَإِذَا شَرِبُوا هَذَا الشَّرَاب يُطَهِّرهُمْ اللَّه مِنْ رَحْض الذُّنُوب وَأَوْضَار الِاعْتِقَادَات الذَّمِيمَة , فَجَاءُوا اللَّه بِقَلْبٍ سَلِيم , وَدَخَلُوا الْجَنَّة بِصِفَاتِ التَّسْلِيم , وَقِيلَ لَهُمْ حِينَئِذٍ : &quot; سَلَام عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ &quot; [ الزُّمَر : 73 ] . وَلَمَّا كَانَ حُكْمه فِي الدُّنْيَا بِزَوَالِ حُكْم الْحَدَث بِجَرَيَانِ الْمَاء عَلَى الْأَعْضَاء كَانَتْ تِلْكَ حِكْمَته فِي الْآخِرَة . وَأَمَّا قَوْل الشَّاعِر : رِيقهنَّ طَهُور فَإِنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَة فِي وَصْف الرِّيق بِالطَّهُورِيَّةِ لِعُذُوبَتِهِ وَتَعَلُّقه بِالْقُلُوبِ , وَطِيبه فِي النُّفُوس , وَسُكُون غَلِيل الْمُحِبّ بِرَشْفِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ الْمَاء الطَّهُور , وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة لَا تَثْبُت بِالْمُجَازَاةِ الشِّعْرِيَّة ; فَإِنَّ الشُّعَرَاء يَتَجَاوَزُونَ فِي الِاسْتِغْرَاق حَدّ الصِّدْق إِلَى الْكَذِب , وَيَسْتَرْسِلُونَ فِي الْقَوْل حَتَّى يُخْرِجهُمْ ذَلِكَ إِلَى الْبِدْعَة وَالْمَعْصِيَة , وَرُبَّمَا وَقَعُوا فِي الْكُفْر مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ . أَلَا تَرَى إِلَى قَوْل بَعْضهمْ : وَلَوْ لَمْ تُلَامِس صَفْحَة الْأَرْض رِجْلهَا لَمَا كُنْت أَدْرِي عِلَّة لِلتَّيَمُّمِ وَهَذَا كُفْر صُرَاح , نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْهُ . قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : هَذَا مُنْتَهَى لُبَاب كَلَام الْعُلَمَاء , وَهُوَ بَالِغ فِي فَنّه ; إِلَّا أَنِّي تَأَمَّلْت مِنْ طَرِيق الْعَرَبِيَّة فَوَجَدْت فِيهِ مَطْلَعًا مُشْرِقًا , وَهُوَ أَنَّ بِنَاء فَعُول لِلْمُبَالَغَةِ , إِلَّا أَنَّ الْمُبَالَغَة قَدْ تَكُون فِي الْفِعْل . الْمُتَعَدِّي كَمَا قَالَ الشَّاعِر : ضَرُوب بِنَصْلِ السَّيْف سُوق سِمَانهَا وَقَدْ تَكُون فِي الْفِعْل الْقَاصِر كَمَا قَالَ الشَّاعِر : نَئُوم الضُّحَى لَمْ تَنْتَطِق عَنْ تَفَضُّل وَإِنَّمَا تُؤْخَذ طَهُورِيَّة الْمَاء لِغَيْرِهِ مِنْ الْحُسْن نَظَافَة وَمِنْ الشَّرْع طَهَارَة ; كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( لَا يَقْبَل اللَّه صَلَاة بِغَيْرِ طَهُور ) . وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة لُغَة وَشَرِيعَة عَلَى أَنَّ وَصْف طَهُور يَخْتَصّ بِالْمَاءِ فَلَا يَتَعَدَّى إِلَى سَائِر الْمَائِعَات وَهِيَ طَاهِرَة ; فَكَانَ اِقْتِصَارهمْ بِذَلِكَ عَلَى الْمَاء أَدَلّ دَلِيل عَلَى أَنَّ الطَّهُور هُوَ الْمُطَهِّر , وَقَدْ يَأْتِي فَعُول لِوَجْهٍ آخَر لَيْسَ مِنْ هَذَا كُلّه وَهُوَ الْعِبَارَة بِهِ عَنْ الْآلَة لِلْفِعْلِ لَا عَنْ الْفِعْل كَقَوْلِنَا : وَقُود وَسَحُور بِفَتْحِ الْفَاء , فَإِنَّهَا عِبَارَة عَنْ الْحَطَب وَالطَّعَام الْمُتَسَحَّر بِهِ ; فَوُصِفَ الْمَاء بِأَنَّهُ طَهُور ( بِفَتْحِ الطَّاء ) أَيْضًا يَكُون خَبَرًا عَنْ الْآلَة الَّتِي يُتَطَهَّر بِهَا . فَإِذَا ضُمَّتْ الْفَاء فِي الْوَقُود وَالسَّحُور وَالطَّهُور عَادَ إِلَى الْفِعْل وَكَانَ خَبَرًا عَنْهُ . فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ اِسْم الْفَعُول ( بِفَتْحِ الْفَاء ) يَكُون بِنَاء لِلْمُبَالَغَةِ وَيَكُون خَبَرًا عَنْ الْآلَة , وَهُوَ الَّذِي خَطَرَ بِبَالِ الْحَنَفِيَّة , وَلَكِنْ قَصُرَتْ أَشْدَاقهَا عَنْ لَوْكه , وَبَعْد هَذَا يَقِف الْبَيَان عَنْ الْمُبَالَغَة وَعَنْ الْآلَة عَلَى الدَّلِيل بِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاء مَاء طَهُورًا &quot; . وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( جُعِلَتْ لِي الْأَرْض مَسْجِدًا وَطَهُورًا ) يَحْتَمِل الْمُبَالَغَة وَيَحْتَمِل الْعِبَارَة بِهِ عَنْ الْآلَة ; فَلَا حُجَّة فِيهِ لِعُلَمَائِنَا , لَكِنْ يَبْقَى قَوْل &quot; لِيُطَهِّركُمْ بِهِ &quot; [ الْأَنْفَال : 11 ] نَصّ فِي أَنَّ فِعْله يَتَعَدَّى إِلَى غَيْره . 

الثَّانِيَة : الْمِيَاه الْمُنَزَّلَة مِنْ السَّمَاء وَالْمُودَعَة فِي الْأَرْض طَاهِرَة مُطَهِّرَة عَلَى اِخْتِلَاف أَلْوَانهَا وَطُعُومهَا وَأَرْيَاحهَا حَتَّى يُخَالِطهَا غَيْرهَا , وَالْمُخَالِط لِلْمَاءِ عَلَى ثَلَاثَة أَضْرُب ضَرْب يُوَافِقهُ فِي صِفَتَيْهِ جَمِيعًا , فَإِذَا خَالَطَهُ فَغَيْره لَمْ يَسْلُبهُ وَصْفًا مِنْهُمَا لِمُوَافَقَتِهِ لَهُمَا وَهُوَ التُّرَاب . وَالضَّرْب الثَّانِي يُوَافِقهُ فِي إِحْدَى صِفَتَيْهِ وَهِيَ الطَّهَارَة , فَإِذَا خَالَطَهُ غَيْره سَلَبَهُ مَا خَالَفَهُ فِيهِ وَهُوَ التَّطْهِير ; كَمَاءِ الْوَرْد وَسَائِر الطَّاهِرَات . وَالضَّرْب الثَّالِث يُخَالِفهُ فِي الصِّفَتَيْنِ جَمِيعًا , فَإِذَا خَالَطَهُ غَيْره سَلَبَهُ الصِّفَتَيْنِ جَمِيعًا لِمُخَالَفَتِهِ لَهُ فِيهِمَا وَهُوَ النَّجَس . 

الثَّالِثَة : ذَهَبَ الْمِصْرِيُّونَ مِنْ أَصْحَاب مَالِك إِلَى أَنَّ قَلِيل الْمَاء يُفْسِدهُ قَلِيل النَّجَاسَة , وَأَنَّ الْكَثِير لَا يُفْسِدهُ إِلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنه أَوْ طَعْمه أَوْ رِيحه مِنْ الْمُحَرَّمَات . وَلَمْ يَحُدُّوا بَيْن الْقَلِيل وَالْكَثِير حَدًّا يُوقَف عِنْده , إِلَّا أَنَّ اِبْن الْقَاسِم رَوَى عَنْ مَالِك فِي , الْجُنُب يَغْتَسِل فِي حَوْض مِنْ الْحِيَاض الَّتِي تُسْقَى فِيهَا الدَّوَابّ , وَلَمْ يَكُنْ غَسَلَ مَا بِهِ مِنْ الْأَذَى أَنَّهُ قَدْ أَفْسَدَ الْمَاء ; وَهُوَ مَذْهَب اِبْن الْقَاسِم وَأَشْهَب وَابْن عَبْد الْحَكَم وَمَنْ اِتَّبَعَهُمْ مِنْ الْمِصْرِيِّينَ . إِلَّا اِبْن وَهْب فَإِنَّهُ يَقُول فِي الْمَاء بِقَوْلِ الْمَدَنِيِّينَ مِنْ أَصْحَاب مَالِك . وَقَوْلهمْ مَا حَكَاهُ أَبُو مُصْعَب عَنْهُمْ وَعَنْهُ : أَنَّ الْمَاء لَا تُفْسِدهُ النَّجَاسَة الْحَالَّة فِيهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا إِلَّا أَنْ تَظْهَر فِيهِ النَّجَاسَة الْحَالَّة فِيهِ وَتُغَيِّر مِنْهُ طَعْمًا أَوْ رِيحًا أَوْ لَوْنًا . وَذَكَر أَحْمَد بْن الْمُعَدِّل أَنَّ هَذَا قَوْل مَالِك بْن أَنَس فِي الْمَاء . وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق وَمُحَمَّد بْن بُكَيْر وَأَبُو الْفَرَج الْأَبْهَرِيّ وَسَائِر الْمُنْتَحِلِينَ لِمَذْهَبِ مَالِك , مِنْ الْبَغْدَادِيِّينَ ; وَهُوَ قَوْل الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث بْن سَعْد وَالْحَسَن بْن صَالِح وَدَاوُد بْن عَلِيّ . وَهُوَ مَذْهَب أَهْل الْبَصْرَة , وَهُوَ الصَّحِيح فِي النَّظَر وَجَيِّد الْأَثَر . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِذَا وَقَعَتْ نَجَاسَة فِي الْمَاء أَفْسَدَتْهُ كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا إِذَا تَحَقَّقَتْ عُمُوم النَّجَاسَة فِيهِ . وَوَجْه تَحَقُّقهَا عِنْده أَنْ تَقَع مَثَلًا نُقْطَة بَوْل فِي بِرْكَة , فَإِنْ كَانَتْ الْبِرْكَة يَتَحَرَّك طَرَفَاهَا بِتَحَرُّكِ أَحَدهمَا فَالْكُلّ نَجِس , وَإِنْ كَانَتْ حَرَكَة أَحَد الطَّرَفَيْنِ لَا تُحَرِّك الْآخَر لَمْ يَنْجَس . وَفِي الْمَجْمُوعَة نَحْو مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة . وَقَالَ الشَّافِعِيّ بِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ , وَهُوَ حَدِيث مَطْعُون فِيهِ ; اُخْتُلِفَ فِي إِسْنَاده وَمَتْنه ; أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَخَاصَّة الدَّارَقُطْنِيّ , فَإِنَّهُ صَدَّرَ بِهِ كِتَابه وَجَمَعَ طُرُقه . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَقَدْ رَامَ الدَّارَقُطْنِيّ عَلَى إِمَامَته أَنْ يُصَحِّح حَدِيث الْقُلَّتَيْنِ فَلَمْ يَقْدِر . وَقَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ : وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيّ مِنْ حَدِيث الْقُلَّتَيْنِ فَمَذْهَب ضَعِيف مِنْ جِهَة النَّظَر , غَيْر ثَابِت فِي الْأَثَر ; لِأَنَّهُ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم بِالنَّقْلِ , وَلِأَنَّ الْقُلَّتَيْنِ لَا يُوقَف عَلَى حَقِيقَة مَبْلَغهمَا فِي أَثَر ثَابِت وَلَا إِجْمَاع , فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ حَدًّا لَازِمًا لَوَجَبَ عَلَى الْعُلَمَاء الْبَحْث عَنْهُ لِيَقِفُوا عَلَى حَدّ مَا حَدَّهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ مِنْ أَصْل دِينهمْ وَفَرْضهمْ , وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ مَا ضَيَّعُوهُ , فَلَقَدْ بَحَثُوا عَمَّا هُوَ أَدْوَن مِنْ ذَلِكَ وَأَلْطَف . قُلْت : وَفِيمَا ذَكَرَ اِبْن الْمُنْذِر فِي الْقُلَّتَيْنِ مِنْ الْخِلَاف يَدُلّ عَلَى عَدَم التَّوْقِيف فِيهِمَا وَالتَّحْدِيد . وَفِي سُنَن الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ عَاصِم بْن الْمُنْذِر قَالَ : الْقِلَال الْخَوَابِي الْعِظَام . وَعَاصِم هَذَا هُوَ أَحَد رُوَاة حَدِيث الْقُلَّتَيْنِ . وَيَظْهَر مِنْ قَوْل الدَّارَقُطْنِيّ أَنَّهَا مِثْل قِلَال هَجَر ; لِسِيَاقِهِ حَدِيث الْإِسْرَاء عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَمَّا رُفِعْت إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى فِي السَّمَاء السَّابِعَة نَبْقهَا مِثْل قِلَال هَجَر وَوَرَقهَا مِثْل آذَان الْفِيَلَة ) . وَذَكَرَ الْحَدِيث . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَتَعَلَّقَ عُلَمَاؤُنَا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ فِي بِئْر بُضَاعَة , رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرهمْ . وَهُوَ أَيْضًا حَدِيث ضَعِيف لَا قَدَم لَهُ فِي الصِّحَّة فَلَا تَعْوِيل عَلَيْهِ . وَقَدْ فَاوَضْت الطُّوسِيّ الْأَكْبَر فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة فَقَالَ : إِنَّ أَخْلَص الْمَذَاهِب فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة مَذْهَب مَالِك , فَإِنَّ الْمَاء طَهُور مَا لَمْ يَتَغَيَّر أَحَد أَوْصَافه ; إِذْ لَا حَدِيث فِي الْبَاب يُعَوَّل عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا الْمُعَوَّل عَلَيْهِ ظَاهِر الْقُرْآن وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : &quot; وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاء مَاء طَهُورًا &quot; وَهُوَ مَا دَامَ بِصِفَاتِهِ , فَإِذَا تَغَيَّرَ عَنْ شَيْء مِنْهَا خَرَجَ عَنْ الِاسْم لِخُرُوجِهِ عَنْ الصِّفَة , وَلِذَلِكَ لَمَّا لَمْ يَجِد الْبُخَارِيّ إِمَام الْحَدِيث وَالْفِقْه فِي الْبَاب خَبَرًا يُعَوَّل عَلَيْهِ قَالَ : &quot; بَاب إِذَا تَغَيَّرَ وَصْف الْمَاء ) وَأَدْخَلَ الْحَدِيث الصَّحِيح : ( مَا مِنْ أَحَد يُكْلَم فِي سَبِيل اللَّه وَاَللَّه أَعْلَم بِمَنْ يُكْلَم فِي سَبِيله إِلَّا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وَجُرْحه يَثْعَب دَمًا اللَّوْن لَوْن الدَّم وَالرِّيح رِيح الْمِسْك ) . فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الدَّم بِحَالِهِ وَعَلَيْهِ رَائِحَة الْمِسْك , وَلَمْ تُخْرِجهُ الرَّائِحَة عَنْ صِفَة الدَّمَوِيَّة . وَلِذَلِكَ قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إِذَا تَغَيَّرَ الْمَاء بِرِيحِ جِيفَة عَلَى طَرَفه وَسَاحِله لَمْ يَمْنَع ذَلِكَ الْوُضُوء مِنْهُ . وَلَوْ تَغَيَّرَ بِهَا وَقَدْ وُضِعَتْ فِيهِ لَكَانَ ذَلِكَ تَنْجِيسًا لَهُ لِلْمُخَالَطَةِ وَالْأَوَّل مُجَاوَرَة لَا تَعْوِيل عَلَيْهَا . قُلْت : وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهِ أَيْضًا عَلَى نَقِيض ذَلِكَ , وَهُوَ أَنَّ تَغَيُّر الرَّائِحَة يُخْرِجهُ عَنْ أَصْله . وَوَجْه هَذَا الِاسْتِدْلَال أَنَّ الدَّم لَمَّا اِسْتَحَالَتْ رَائِحَته إِلَى رَائِحَة الْمِسْك خَرَجَ عَنْ كَوْنه مُسْتَخْبَثًا نَجِسًا , وَأَنَّهُ صَارَ مِسْكًا ; وَإِنَّ الْمِسْك بَعْض دَم الْغَزَال . فَكَذَلِكَ الْمَاء إِذَا تَغَيَّرَتْ رَائِحَته . وَإِلَى هَذَا التَّأْوِيل ذَهَبَ الْجُمْهُور فِي الْمَاء . وَإِلَى الْأَوَّل ذَهَبَ عَبْد الْمَلِك . قَالَ أَبُو عُمَر : جَعَلُوا الْحُكْم لِلرَّائِحَةِ دُون اللَّوْن , فَكَانَ الْحُكْم لَهَا فَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهَا فِي زَعْمهمْ بِهَذَا الْحَدِيث . وَهَذَا لَا يُفْهَم مِنْهُ مَعْنًى تَسْكُن إِلَيْهِ النَّفْس , وَلَا فِي الدَّم مَعْنَى الْمَاء فَيُقَاسَ عَلَيْهِ , وَلَا يَشْتَغِل بِمِثْلِ هَذَا الْفُقَهَاء , وَلَيْسَ مِنْ شَأْن أَهْل الْعِلْم اللَّغْز بِهِ وَإِشْكَاله ; وَإِنَّمَا شَأْنهمْ إِيضَاحه وَبَيَانه , وَلِذَلِكَ أُخِذَ الْمِيثَاق عَلَيْهِمْ لَيُبَيِّنُنَّهُ . لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ , وَالْمَاء لَا يَخْلُو تَغَيُّره بِنَجَاسَةٍ أَوْ بِغَيْرِ نَجَاسَة , فَإِنْ كَانَ بِنَجَاسَةٍ وَتَغَيَّرَ فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ غَيْر طَاهِر وَلَا مُطَهِّر , وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا أَنَّهُ إِذَا تَغَيَّرَ بِغَيْرِ نَجَاسَة أَنَّهُ طَاهِر عَلَى أَصْله . وَقَالَ الْجُمْهُور . إِنَّهُ غَيْر مُطَهِّر إِلَّا أَنْ يَكُون تَغَيُّره مِنْ تُرْبَة وَمِأَة . وَمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فَهُوَ الْحَقّ الَّذِي لَا إِشْكَال فِيهِ , وَلَا اِلْتِبَاس مَعَهُ . 

الرَّابِعَة : الْمَاء الْمُتَغَيِّر بِقَرَارِهِ كَزِرْنِيخٍ أَوْ جِير يَجْرِي عَلَيْهِ , أَوْ تَغَيَّرَ بِطُحْلُبٍ أَوْ وَرَق شَجَر يَنْبُت عَلَيْهِ لَا يُمْكِن الِاحْتِرَاز عَنْهُ فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَع مِنْ الْوُضُوء بِهِ , لِعَدَمِ الِاحْتِرَاز مِنْهُ وَالِانْفِكَاك عَنْهُ ; وَقَدْ رَوَى اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك أَنَّ غَيْره أَوْلَى مِنْهُ . 

الْخَامِسَة : قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ : وَيُكْرَه سُؤْر النَّصْرَانِيّ وَسَائِر الْكُفَّار وَالْمُدْمِن الْخَمْر , وَمَا أَكَلَ الْجِيَف ; كَالْكِلَابِ وَغَيْرهَا . وَمَنْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِهِمْ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَيْقِن النَّجَاسَة . قَالَ الْبُخَارِيّ : وَتَوَضَّأَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْ بَيْت نَصْرَانِيَّة . ذَكَرَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة قَالَ : حَدَّثُونَا عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم عَنْ أَبِيهِ قَالَ : لَمَّا كُنَّا بِالشَّامِ أَتَيْت عُمَر بْن الْخَطَّاب بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ جِئْت بِهَذَا الْمَاء ؟ مَا رَأَيْت مَاء عَذْبًا وَلَا مَاء سَمَاء أَطْيَب مِنْهُ . قَالَ قُلْت : جِئْت بِهِ مِنْ بَيْت هَذِهِ الْعَجُوز النَّصْرَانِيَّة ; فَلَمَّا تَوَضَّأَ أَتَاهَا فَقَالَ : ( أَيَّتهَا الْعَجُوز أَسْلِمِي تَسْلَمِي , بَعَثَ اللَّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ . قَالَ : فَكَشَفَتْ عَنْ رَأْسهَا ; فَإِذَا مِثْل الثَّغَامَة , فَقَالَتْ : عَجُوز كَبِيرَة , وَإِنَّمَا أَمُوت الْآن ! فَقَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : اللَّهُمَّ اِشْهَدْ ) . خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ , حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الْبُوشَنْجِيّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَان . . فَذَكَرَهُ . وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ الْحُسَيْن بْن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدَّثَنَا خَلَّاد بْن أَسْلَم حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ تَوَضَّأَ مِنْ بَيْت نَصْرَانِيَّة أَتَاهَا فَقَالَ : أَيَّتهَا الْعَجُوز أَسْلِمِي . . . ; وَذَكَرَ الْحَدِيث بِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ . 

السَّادِسَة : فَأَمَّا الْكَلْب إِذَا وَلَغَ فِي الْمَاء فَقَالَ مَالِك : يُغْسَل الْإِنَاء سَبْعًا وَلَا يُتَوَضَّأ مِنْهُ وَهُوَ طَاهِر . وَقَالَ الثَّوْرِيّ : يُتَوَضَّأ بِذَلِكَ الْمَاء وَيُتَيَمَّم مَعَهُ . وَهُوَ قَوْل عَبْد الْمَلِك بْن عَبْد الْعَزِيز وَمُحَمَّد بْن مَسْلَمَة . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : الْكَلْب نَجِس وَيُغْسَل الْإِنَاء مِنْهُ لِأَنَّهُ نَجِس . وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق . وَقَدْ كَانَ مَالِك يُفَرِّق بَيْن مَا يَجُوز اِتِّخَاذه مِنْ الْكِلَاب وَبَيْن مَا لَا يَجُوز اِتِّخَاذه مِنْهَا فِي غَسْل الْإِنَاء مِنْ وُلُوغه . وَتَحْصِيل مَذْهَبه أَنَّهُ طَاهِر عِنْده لَا يُنَجِّس وُلُوغه شَيْئًا وَلَغَ فِيهِ طَعَامًا وَلَا غَيْره ; إِلَّا أَنَّهُ اِسْتَحَبَّ هِرَاقَة مَا وَلَغَ فِيهِ مِنْ الْمَاء لِيَسَارَةِ مُؤْنَته . وَكَلْب الْبَادِيَة وَالْحَاضِرَة سَوَاء . وَيُغْسَل الْإِنَاء مِنْهُ عَلَى كُلّ حَال سَبْعًا تَعَبُّدًا . هَذَا مَا اِسْتَقَرَّ عَلَيْهِ مَذْهَبه عِنْد الْمُنَاظِرِينَ مِنْ أَصْحَابه . ذَكَرَ اِبْن وَهْب وَقَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحِيَاض الَّتِي تَكُون فِيمَا بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة , فَقِيلَ لَهُ : إِنَّ الْكِلَاب وَالسِّبَاع تَرِد عَلَيْهَا . فَقَالَ : ( لَا مَا أَخَذَتْ فِي بُطُونهَا وَلَنَا مَا بَقِيَ شَرَاب وَطَهُور ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ . وَهَذَا نَصّ فِي طَهَارَة الْكِلَاب وَطَهَارَة مَا تَلَغ فِيهِ . وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ الْكِلَاب كَانَتْ تُقْبِل وَتُدْبِر فِي مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ . وَقَالَ عُمَر بِحَضْرَةِ الصَّحَابَة لِصَاحِبِ الْحَوْض الَّذِي سَأَلَهُ عَمْرو بْن الْعَاص : هَلْ تَرِد حَوْضك السِّبَاع . فَقَالَ عُمَر : يَا صَاحِب الْحَوْض , لَا تُخْبِرنَا فَإِنَّا نَرِد عَلَى السِّبَاع وَتَرِد عَلَيْنَا . أَخْرَجَهُ مَالِك وَالدَّارَقُطْنِيّ . وَلَمْ يُفَرِّق بَيْن السِّبَاع , وَالْكَلْب مِنْ جُمْلَتهَا , وَلَا حُجَّة لِلْمُخَالِفِ فِي الْأَمْر بِإِرَاقَةِ مَا وَلَغَ فِيهِ وَأَنَّ ذَلِكَ لِلنَّجَاسَةِ , وَإِنَّمَا أَمَرَ بِإِرَاقَتِهِ لِأَنَّ النَّفْس تَعَافهُ لَا لِنَجَاسَتِهِ ; لِأَنَّ التَّنَزُّه مِنْ الْأَقْذَار مَنْدُوب إِلَيْهِ , أَوْ تَغْلِيظًا عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ نُهُوا عَنْ اِقْتِنَائِهَا كَمَا قَالَهُ اِبْن عُمَر وَالْحَسَن ; فَلَمَّا لَمْ يَنْتَهُوا عَنْ ذَلِكَ غُلِّظَ عَلَيْهِمْ فِي الْمَاء لِقِلَّتِهِ عِنْدهمْ فِي الْبَادِيَة , حَتَّى يَشْتَدّ عَلَيْهِمْ فَيَمْتَنِعُوا مِنْ اِقْتِنَائِهَا . وَأَمَّا الْأَمْر بِغَسْلِ الْإِنَاء فَعِبَادَة لَا لِنَجَاسَتِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ بِدَلِيلَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّ الْغَسْل قَدْ دَخَلَهُ الْعَدَد . الثَّانِي : أَنَّهُ جُعِلَ لِلتُّرَابِ فِيهِ مَدْخَل لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَة بِالتُّرَابِ ) . وَلَوْ كَانَ لِلنَّجَاسَةِ لَمَا كَانَ لِلْعَدَدِ وَلَا لِلتُّرَابِ فِيهِ مَدْخَل كَالْبَوْلِ . وَقَدْ جَعَلَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهِرّ وَمَا وَلَغَ فِيهِ طَاهِرًا , وَالْهِرّ سَبُع لَا خِلَاف فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ يَفْتَرِس وَيَأْكُل الْمَيْتَة ; فَكَذَلِكَ الْكَلْب وَمَا كَانَ مِثْله مِنْ السِّبَاع ; لِأَنَّهُ إِذَا جَاءَ نَصّ ذَلِكَ فِي أَحَدهمَا كَانَ نَصًّا فِي الْآخَر . وَهَذَا مِنْ أَقْوَى أَنْوَاع الْقِيَاس . هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَلِيل ; وَقَدْ ذَكَرْنَا النَّصّ عَلَى طَهَارَته فَسَقَطَ قَوْل الْمُخَالِف . وَالْحَمْد لِلَّهِ . 

السَّابِعَة : مَا مَاتَ فِي الْمَاء مِمَّا لَا دَم لَهُ فَلَا يَضُرّ الْمَاء إِنْ لَمْ يُغَيِّر رِيحه ; فَإِنْ أَنْتَنَ لَمْ يُتَوَضَّأ بِهِ . وَكَذَلِكَ مَا كَانَ لَهُ دَم سَائِل مِنْ دَوَابّ الْمَاء كَالْحُوتِ وَالضُّفْدَع لَمْ يُفْسِد ذَلِكَ الْمَاء مَوْته فِيهِ ; إِلَّا أَنْ تَتَغَيَّر رَائِحَته , فَإِنْ تَغَيَّرَتْ رَائِحَته وَأَنْتَنَ لَمْ يَجُزْ التَّطَهُّر بِهِ وَلَا الْوُضُوء مِنْهُ , وَلَيْسَ بِنَجِسٍ عِنْد مَالِك . وَأَمَّا مَا لَهُ نَفْس سَائِلَة فَمَاتَ فِي الْمَاء وَنُزِحَ مَكَانه وَلَمْ يُغَيِّر لَوْنه وَلَا طَعْمه وَلَا رِيحه فَهُوَ طَاهِر مُطَهِّر سَوَاء كَانَ الْمَاء قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا عِنْد الْمَدَنِيِّينَ وَاسْتَحَبَّ بَعْضهمْ . أَنْ يُنْزَحْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاء دِلَاء لِتَطِيبَ النَّفْس بِهِ , وَلَا يَحُدُّونَ فِي ذَلِكَ حَدًّا لَا يُتَعَدَّى . وَيَكْرَهُونَ اِسْتِعْمَال ذَلِكَ الْمَاء قَبْل نَزْح الدِّلَاء , فَإِنْ اِسْتَعْمَلَهُ أَحَد فِي غُسْل أَوْ وُضُوء جَازَ إِذَا كَانَتْ حَاله مَا وَصَفْنَا . وَقَدْ كَانَ بَعْض أَصْحَاب مَالِك يَرَى لِمَنْ تَوَضَّأَ بِهَذَا الْمَاء وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّر أَنْ يَتَيَمَّم , فَيَجْمَع بَيْن الطَّهَارَتَيْنِ اِحْتِيَاطًا , فَإِنْ لَمْ يَفْعَل وَصَلَّى بِذَلِكَ الْمَاء أَجْزَأَهُ . وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ أَنَّ زِنْجِيًّا وَقَعَ فِي زَمْزَم - يَعْنِي فَمَاتَ - فَأَمَرَ بِهِ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَأُخْرِجَ فَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُنْزَح . قَالَ : فَغَلَبَتْهُمْ عَيْن جَاءَتْهُمْ مِنْ الرُّكْن فَأَمَرَ بِهَا فَدُسِمَتْ بِالْقُبَاطِيِّ وَالْمَطَارِف حَتَّى نَزَحُوهَا , فَلَمَّا نَزَحُوهَا اِنْفَجَرَتْ عَلَيْهِمْ . وَأَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي الطُّفَيْل أَنَّ غُلَامًا وَقَعَ فِي بِئْر زَمْزَم فَنُزِحَتْ . وَهَذَا يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمَاء تَغَيَّرَ , وَاَللَّه أَعْلَم . وَرَوَى . شُعْبَة عَنْ مُغِيرَة عَنْ إِبْرَاهِيم أَنَّهُ كَانَ يَقُول : كُلّ نَفْس سَائِلَة لَا يُتَوَضَّأ مِنْهَا , وَلَكِنْ رُخِّصَ فِي الْخُنْفُسَاء وَالْعَقْرَب وَالْجَرَاد وَالْجُدْجُد إِذَا وَقَعْنَ فِي الرِّكَاء فَلَا بَأْس بِهِ . قَالَ شُعْبَة : وَأَظُنّهُ قَدْ ذَكَرَ الْوَزَغَة . أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ , حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْوَلِيد قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَة . . . ; فَذَكَرَهُ . 

الثَّامِنَة : ذَهَبَ الْجُمْهُور مِنْ الصَّحَابَة وَفُقَهَاء الْأَمْصَار وَسَائِر التَّابِعِينَ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاق أَنَّ مَا وَلَغَ فِيهِ الْهِرّ مِنْ الْمَاء طَاهِر , وَأَنَّهُ لَا بَأْس بِالْوُضُوءِ بِسُؤْرِهِ ; لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَة , أَخْرَجَهُ مَالِك وَغَيْره . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِيهِ خِلَاف . وَرُوِيَ عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَمُحَمَّد بْن سِيرِينَ أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِإِرَاقَةِ مَاء وَلَغَ فِيهِ الْهِرّ وَغَسْل الْإِنَاء مِنْهُ . وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنْ الْحَسَن . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْحَسَن رَأَى فِي فَمه نَجَاسَة لِيَصِحّ مَخْرَج الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ . قَالَ التِّرْمِذِيّ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيث مَالِك : &quot; وَفِي الْبَاب عَنْ عَائِشَة وَأَبِي هُرَيْرَة , هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح , وَهُوَ قَوْل أَكْثَر أَهْل الْعِلْم مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدهمْ ; مِثْل الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق , لَمْ يَرَوْا بِسُؤْرِ الْهِرَّة بَأْسًا &quot; . وَهَذَا أَحْسَن شَيْء فِي الْبَاب , وَقَدْ جَوَّدَ مَالِك هَذَا الْحَدِيث عَنْ إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي طَلْحَة , وَلَمْ يَأْتِ بِهِ أَحَد أَتَمّ مِنْ مَالِك . قَالَ الْحَافِظ أَبُو عُمَر : الْحُجَّة عِنْد التَّنَازُع وَالِاخْتِلَاف سُنَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ صَحَّ مِنْ حَدِيث أَبِي قَتَادَة أَنَّهُ أَصْغَى لَهَا الْإِنَاء حَتَّى شَرِبَتْ . الْحَدِيث . وَعَلَيْهِ اِعْتِمَاد الْفُقَهَاء فِي كُلّ مِصْر إِلَّا أَبَا حَنِيفَة وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ ; فَإِنَّهُ كَانَ يَكْرَه سُؤْره . وَقَالَ : إِنْ تَوَضَّأَ بِهِ أَحَد أَجْزَأَهُ , وَلَا أَعْلَم حُجَّة لِمَنْ كَرِهَ الْوُضُوء بِسُؤْرِ الْهِرَّة أَحْسَن مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغهُ حَدِيث أَبِي قَتَادَة , وَبَلَغَهُ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي الْكَلْب فَقَاسَ الْهِرّ عَلَيْهِ , وَقَدْ فَرَّقَتْ السُّنَّة بَيْنهمَا فِي بَاب التَّعَبُّد فِي غَسْل الْإِنَاء , وَمَنْ حَجَّتْهُ السُّنَّة خَاصَمَتْهُ , وَمَا خَالَفَهَا مُطْرَح . وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق . وَمَنْ حُجَّتهمْ أَيْضًا مَا رَوَاهُ قُرَّة بْن خَالِد عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( طَهُور الْإِنَاء إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْهِرّ أَنْ يُغْسَل مَرَّة أَوْ مَرَّتَيْنِ ) شَكَّ قُرَّة . وَهَذَا الْحَدِيث لَمْ يَرْفَعهُ إِلَّا قُرَّة بْن خَالِد , وَقُرَّة ثِقَة ثَبَت . قُلْت : هَذَا الْحَدِيث أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ , وَمَتْنه : ( طَهُور الْإِنَاء إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْب أَنْ يُغْسَل سَبْع مَرَّات الْأُولَى بِالتُّرَابِ وَالْهِرّ مَرَّة أَوْ مَرَّتَيْنِ ) . قُرَّة شَكَّ . قَالَ أَبُو بَكْر : كَذَا رَوَاهُ أَبُو عَاصِم مَرْفُوعًا , وَرَوَاهُ غَيْره عَنْ قُرَّة ( وُلُوغ الْكَلْب ) مُرَفَّعًا وَ ( وُلُوغ الْهِرّ ) مَوْقُوفًا . وَرَوَى أَبُو صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُغْسَل الْإِنَاء مِنْ الْهِرّ كَمَا يُغْسَل مِنْ الْكَلْب ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : لَا يَثْبُت هَذَا مَرْفُوعًا وَالْمَحْفُوظ مِنْ قَوْل أَبِي هُرَيْرَة وَاخْتُلِفَ عَنْهُ . وَذَكَرَ مَعْمَر وَابْن جُرَيْج عَنْ اِبْن طَاوُس عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَل الْهِرّ مِثْل الْكَلْب . وَعَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَالَ فِي الْإِنَاء يَلْغُ فِيهِ السِّنَّوْر قَالَ : اِغْسِلْهُ سَبْع مَرَّات . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ . 

التَّاسِعَة : الْمَاء الْمُسْتَعْمَل طَاهِر إِذَا كَانَتْ أَعْضَاء الْمُتَوَضِّئ بِهِ طَاهِرَة ; إِلَّا أَنَّ مَالِكًا وَجَمَاعَة مِنْ الْفُقَهَاء الْجِلَّة كَانُوا يَكْرَهُونَ الْوُضُوء بِهِ . وَقَالَ مَالِك : لَا خَيْر فِيهِ , وَلَا أُحِبّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَوَضَّأ بِهِ , فَإِنْ فَعَلَ وَصَلَّى لَمْ أَرَ عَلَيْهِ إِعَادَة الصَّلَاة وَيَتَوَضَّأ لِمَا يَسْتَقْبِل . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَابهمَا : لَا يَجُوز اِسْتِعْمَاله فِي رَفْع الْحَدَث , وَمَنْ تَوَضَّأَ بِهِ أَعَادَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَق ; وَيَتَيَمَّم وَاجِده لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِدٍ مَاء . وَقَالَ بِقَوْلِهِمْ فِي ذَلِكَ أَصْبَغ بْن الْفَرَج , وَهُوَ قَوْل الْأَوْزَاعِيّ . وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الصُّنَابِحِيّ خَرَّجَهُ مَالِك وَحَدِيث عَمْرو بْن عَنْبَسَة أَخْرَجَهُ مُسْلِم , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآثَار . وَقَالُوا : الْمَاء إِذَا تُوُضِّئَ بِهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مَعَهُ ; فَوَجَبَ التَّنَزُّه عَنْهُ لِأَنَّهُ مَاء الذُّنُوب . قَالَ أَبُو عُمَر : وَهَذَا عِنْدِي لَا وَجْه لَهُ ; لِأَنَّ الذُّنُوب لَا تُنَجِّس الْمَاء لِأَنَّهَا لَا أَشْخَاص لَهَا وَلَا أَجْسَام تُمَازِج الْمَاء فَتُفْسِدهُ , وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْله : &quot; خَرَجَتْ الْخَطَايَا مَعَ الْمَاء &quot; إِعْلَام مِنْهُ بِأَنَّ الْوُضُوء لِلصَّلَاةِ عَمَل يُكَفِّر اللَّه بِهِ السَّيِّئَات عَنْ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ رَحْمَة مِنْهُ بِهِمْ وَتَفَضُّلًا عَلَيْهِمْ . وَقَالَ أَبُو ثَوْر وَدَاوُد مِثْل قَوْل مَالِك , وَأَنَّ الْوُضُوء بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَل جَائِز ; لِأَنَّهُ مَاء طَاهِر لَا يَنْضَاف إِلَيْهِ شَيْء وَهُوَ مَاء مُطْلَق . وَاحْتَجُّوا بِإِجْمَاعِ الْأُمَّة عَلَى طَهَارَته إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَعْضَاء الْمُتَوَضِّئ نَجَاسَة . وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو عَبْد اللَّه الْمَرْوَزِيّ مُحَمَّد بْن نَصْر . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَابْن عُمَر وَأَبِي أُمَامَة وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالنَّخَعِيّ وَمَكْحُول وَالزُّهْرِيّ أَنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ نَسِيَ مَسْح رَأْسه فَوَجَدَ فِي لِحْيَته بَلَلًا : إِنَّهُ يُجْزِئهُ أَنْ يَمْسَح بِذَلِكَ الْبَلَل رَأْسه ; فَهَؤُلَاءِ كُلّهمْ أَجَازُوا الْوُضُوء بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَل . رُوِيَ عَبْد السَّلَام بْن صَالِح حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن سُوَيْد عَنْ الْعَلَاء بْن زِيَاد عَنْ رَجُل مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْضِيّ ( أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَيْهِمْ ذَات يَوْم وَقَدْ اِغْتَسَلَ وَقَدْ بَقِيَتْ لُمْعَة مِنْ جَسَده لَمْ يُصِبْهَا الْمَاء , فَقُلْنَا : يَا رَسُول اللَّه , هَذِهِ لُمْعَة لَمْ يُصِبْهَا الْمَاء ; فَكَانَ لَهُ شَعْر وَارِد , فَقَالَ بِشَعْرِهِ هَكَذَا عَلَى الْمَكَان فَبَلَّهُ ) . أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ , وَقَالَ : عَبْد السَّلَام بْن صَالِح هَذَا بَصْرِيّ وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ وَغَيْره مِنْ الثِّقَات يَرْوِيه عَنْ إِسْحَاق عَنْ الْعَلَاء مُرْسَلًا , وَهُوَ الصَّوَاب . قُلْت : الرَّاوِي الثِّقَة عَنْ إِسْحَاق بْن سُوَيْد الْعَدَوِيّ عَنْ الْعَلَاء بْن زِيَاد الْعَدَوِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِغْتَسَلَ . . . ; الْحَدِيث فِيمَا ذَكَرَهُ هُشَيْم . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : &quot; مَسْأَلَة الْمَاء الْمُسْتَعْمَل إِنَّمَا تَنْبَنِي عَلَى أَصْل آخَر , وَهُوَ أَنَّ الْآلَة إِذَا أُدِّيَ بِهَا فَرْض هَلْ يُؤَدَّى بِهَا فَرْض آخَر أَمْ لَا ; فَمَنَعَ ذَلِكَ الْمُخَالِف قِيَاسًا عَلَى الرَّقَبَة إِذَا أُدِّيَ بِهَا فَرْض عِتْقٍ لَمْ يَصْلُح أَنْ يَتَكَرَّر فِي أَدَاء فَرْض آخَر ; وَهَذَا بَاطِل مِنْ الْقَوْل , فَإِنَّ الْعِتْق إِذَا أَتَى عَلَى الرِّقّ أَتْلَفَهُ فَلَا يَبْقَى مَحَلّ لِأَدَاءِ الْفَرْض بِعِتْقٍ آخَر . وَنَظِيره مِنْ الْمَاء مَا تَلِفَ عَلَى الْأَعْضَاء فَإِنَّهُ لَا يَصِحّ أَنْ يُؤَدَّى بِهِ فَرْض آخَر لِتَلَفِ عَيْنه حِسًّا كَمَا تَلِفَ الرِّقّ فِي الرَّقَبَة بِالْعِتْقِ حُكْمًا , وَهَذَا نَفِيس فَتَأَمَّلُوهُ &quot; . 

الْعَاشِرَة : لَمْ يُفَرِّق مَالِك وَأَصْحَابه بَيْن الْمَاء تَقَع فِيهِ النَّجَاسَة وَبَيْن النَّجَاسَة يَرِد عَلَيْهِ الْمَاء , رَاكِدًا كَانَ الْمَاء أَوْ غَيْر رَاكِد ; لِقَوْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمَاء لَا يُنَجِّسهُ شَيْء إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَيْهِ فَغَيَّرَ طَعْمه أَوْ لَوْنه أَوْ رِيحه ) . وَفَرَّقَتْ الشَّافِعِيَّة فَقَالُوا : إِذَا وَرَدَتْ النَّجَاسَة : عَلَى الْمَاء تَنَجَّسَ ; وَاخْتَارَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ . وَقَالَ : مِنْ أُصُول الشَّرِيعَة فِي أَحْكَام الْمَاء أَنَّ وُرُود النَّجَاسَة عَلَى الْمَاء لَيْسَ كَوُرُودِ الْمَاء عَلَى النَّجَاسَة ; لِقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا اِسْتَيْقَظَ أَحَدكُمْ مِنْ نَوْمه فَلَا يَغْمِس يَده فِي الْإِنَاء حَتَّى يَغْسِلهَا ثَلَاثًا فَإِنَّ أَحَدكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَده ) . فَمَنَعَ مِنْ وُرُود الْيَد عَلَى الْمَاء وَأَمَرَ بِإِيرَادِ الْمَاء عَلَيْهَا , وَهَذَا أَصْل بَدِيع فِي الْبَاب , وَلَوْلَا وُرُوده عَلَى النَّجَاسَة - قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا - لَمَا طَهُرَتْ . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي بَوْل الْأَعْرَابِيّ فِي الْمَسْجِد : ( صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاء ) . قَالَ شَيْخنَا أَبُو الْعَبَّاس : وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ , فَقَالُوا : إِذَا كَانَ الْمَاء دُون الْقُلَّتَيْنِ فَحَلَّتْهُ نَجَاسَة تَنَجَّسَ وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرهُ , وَإِنْ وَرَدَ ذَلِكَ الْقَدْر فَأَقَلّ عَلَى النَّجَاسَة فَأَذْهَبَ عَيْنهَا بَقِيَ الْمَاء عَلَى طَهَارَته وَأَزَالَ النَّجَاسَة . وَهَذِهِ مُنَاقَضَة , إِذْ الْمُخَالَطَة قَدْ حَصَلَتْ فِي الصُّورَتَيْنِ , وَتَفْرِيقهمْ بِوُرُودِ الْمَاء عَلَى النَّجَاسَة وَوُرُودهَا عَلَيْهِ فَرْق صُورِيّ لَيْسَ فِيهِ مِنْ الْفِقْه شَيْء , فَلَيْسَ الْبَاب بَاب التَّعَبُّدَات بَلْ مِنْ بَاب عَقْلِيَّة الْمَعَانِي , فَإِنَّهُ مِنْ بَاب إِزَالَة النَّجَاسَة وَأَحْكَامهَا . ثُمَّ هَذَا كُلّه مِنْهُمْ يَرُدّهُ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( الْمَاء طَهُور لَا يُنَجِّسهُ شَيْء إِلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنه أَوْ طَعْمه أَوْ رِيحه ) . قُلْت : هَذَا الْحَدِيث أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ رِشْدِين بْن سَعْد أَبِي الْحَجَّاج عَنْ مُعَاوِيَة بْن صَالِح عَنْ رَاشِد بْن سَعْد عَنْ أَبِي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ وَعَنْ ثَوْبَان عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْر اللَّوْن . وَقَالَ : لَمْ يَرْفَعهُ غَيْر رِشْدِين بْن سَعْد عَنْ مُعَاوِيَة بْن صَالِح وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ , وَأَحْسَن مِنْهُ فِي الِاسْتِدْلَال مَا رَوَاهُ أَبُو أُسَامَة عَنْ الْوَلِيد بْن كَثِير عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن رَافِع بْن خَدِيج عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ قِيلَ : يَا رَسُول اللَّه , أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْر بُضَاعَة ؟ وَهِيَ بِئْر تُلْقَى فِيهَا الْحِيَض وَلُحُوم الْكِلَاب وَالنَّتْن ; فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْمَاء طَهُور لَا يُنَجِّسهُ شَيْء ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ كُلّهمْ بِهَذَا الْإِسْنَاد . وَقَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث حَسَن , وَقَدْ جَوَّدَ أَبُو أُسَامَة . هَذَا الْحَدِيث وَلَمْ يَرْوِ أَحَد حَدِيث أَبِي سَعِيد فِي بِئْر بُضَاعَة أَحْسَن مِمَّا رَوَى أَبُو أُسَامَة . فَهَذَا الْحَدِيث نَصِّيّ فِي وُرُود النَّجَاسَة عَلَى الْمَاء , وَقَدْ حَكَمَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَهَارَتِهِ وَطَهُوره . قَالَ أَبُو دَاوُد : سَمِعْت قُتَيْبَة بْن سَعِيد قَالَ : سَأَلْت قَيِّم بِئْر بُضَاعَة عَنْ عُمْقهَا ; قُلْت : أَكْثَر مَا يَكُون الْمَاء فِيهَا ؟ قَالَ : إِلَى الْعَانَة . قُلْت : فَإِذَا نَقَصَ ؟ قَالَ : دُون الْعَوْرَة . قَالَ أَبُو دَاوُد : وَقَدَّرْت بِئْر بُضَاعَة بِرِدَائِي مَدَدْته عَلَيْهَا ثُمَّ ذَرَعْته فَإِذَا عَرْضهَا سِتَّة أَذْرُع , وَسَأَلْت الَّذِي فَتَحَ لِي بَاب الْبُسْتَان فَأَدْخَلَنِي إِلَيْهِ : هَلْ غُيِّرَ بِنَاؤُهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ لَا . وَرَأَيْت فِيهَا مَاء مُتَغَيِّر اللَّوْن . فَكَانَ هَذَا دَلِيلًا لَنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ , غَيْر أَنَّ اِبْن الْعَرَبِيّ قَالَ : إِنَّهَا فِي وَسَط السَّبْخَة , فَمَاؤُهَا يَكُون مُتَغَيِّرًا مِنْ قَرَارهَا ; وَاَللَّه أَعْلَم . 

الْحَادِيَة عَشْرَة : الْمَاء الطَّاهِر الْمُطَهِّر الَّذِي يَجُوز بِهِ الْوُضُوء وَغَسْل النَّجَاسَات هُوَ الْمَاء الْقَرَاح الصَّافِي مِنْ مَاء السَّمَاء وَالْأَنْهَار وَالْبِحَار وَالْعُيُون وَالْآبَار , وَمَا عَرَفَهُ النَّاس مَاء مُطْلَقًا غَيْر مُضَاف إِلَى شَيْء خَالَطَهُ كَمَا خَلَقَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ صَافِيًا وَلَا يَضُرّهُ لَوْن أَرْضه عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ . وَخَالَفَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَة . أَبُو حَنِيفَة وَعَبْد اللَّه بْن عَمْرو وَعَبْد اللَّه بْن عُمَر فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَة فَأَجَازَ الْوُضُوء بِالنَّبِيذِ فِي السَّفَر , وَجَوَّزَ إِزَالَة النَّجَاسَة بِكُلِّ مَائِع طَاهِر . فَأَمَّا بِالدُّهْنِ وَالْمَرَق فَعَنْهُ رِوَايَة أَنَّهُ لَا يَجُوز إِزَالَتهَا بِهِ . إِلَّا أَنَّ أَصْحَابه يَقُولُونَ : إِذَا زَالَتْ النَّجَاسَة بِهِ جَازَ . وَكَذَلِكَ عِنْده النَّار وَالشَّمْس ; حَتَّى أَنَّ جِلْد الْمَيْتَة إِذَا جَفَّ فِي الشَّمْس طَهُرَ مِنْ غَيْر دِبَاغ . وَكَذَلِكَ النَّجَاسَة عَلَى الْأَرْض إِذَا جَفَّتْ بِالشَّمْسِ فَإِنَّهُ يَطْهُر ذَلِكَ الْمَوْضِع , بِحَيْثُ تَجُوز الصَّلَاة عَلَيْهِ , وَلَكِنْ لَا يَجُوز التَّيَمُّم بِذَلِكَ التُّرَاب . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : لَمَّا وَصَفَ اللَّه سُبْحَانه الْمَاء بِأَنَّهُ طَهُور وَامْتَنَّ بِإِنْزَالِهِ مِنْ السَّمَاء لِيُطَهِّرنَا بِهِ دَلَّ عَلَى اِخْتِصَاصه بِذَلِكَ ; وَكَذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِأَسْمَاءَ بِنْت الصِّدِّيق حِين سَأَلَتْهُ عَنْ دَم الْحَيْض يُصِيب الثَّوْب : ( حُتِّيهِ ثُمَّ اُقْرُصِيهِ ثُمَّ اِغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ ) . فَلِذَلِكَ لَمْ يَلْحَق غَيْر الْمَاء بِالْمَاءِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِبْطَال الِامْتِنَان , وَلَيْسَتْ النَّجَاسَة مَعْنًى مَحْسُوسًا حَتَّى يُقَال كُلّ مَا أَزَالَهَا فَقَدْ قَامَ بِهِ الْغَرَض , وَإِنَّمَا النَّجَاسَة حُكْم شَرْعِيّ عَيَّنَ لَهُ صَاحِب الشَّرْع الْمَاء فَلَا يَلْحَق بِهِ غَيْره ; إِذْ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ , وَلِأَنَّهُ لَوْ لَحِقَ بِهِ لَأَسْقَطَهُ , وَالْفَرْع إِذَا عَادَ إِلْحَاقه بِالْأَصْلِ فِي إِسْقَاطه سَقَطَ فِي نَفْسه . وَقَدْ كَانَ تَاج السُّنَّة ذُو الْعِزّ بْن الْمُرْتَضَى الدَّبُوسِيّ يُسَمِّيه فَرْخ زِنًى . قُلْت : وَأَمَّا مَا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اِسْتِعْمَال النَّبِيذ فَأَحَادِيث وَاهِيَة , ضِعَاف لَا يَقُوم شَيْء مِنْهَا عَلَى . سَاق ; ذَكَرَهَا الدَّارَقُطْنِيّ وَضَعَّفَهَا وَنَصَّ عَلَيْهَا . وَكَذَلِكَ ضُعِّفَ مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس مَوْقُوفًا ( النَّبِيذ وَضُوء لِمَنْ لَمْ يَجِد الْمَاء ) . فِي طَرِيقه اِبْن مُحْرِز مَتْرُوك الْحَدِيث . وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيّ أَنَّهُ قَالَ : لَا بَأْس بِالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ . الْحَجَّاج وَأَبُو لَيْلَى ضَعِيفَانِ . وَضُعِّفَ حَدِيث اِبْن مَسْعُود وَقَالَ : تَفَرَّدَ بِهِ اِبْن لَهِيعَة وَهُوَ ضَعِيف الْحَدِيث . وَذُكِرَ عَنْ عَلْقَمَة بْن قَيْس قَالَ : قُلْت لِعَبْدِ اللَّه بْن مَسْعُود : أَشَهِدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَد مِنْكُمْ لَيْلَة أَتَاهُ دَاعِي الْجِنّ ؟ فَقَالَ لَا . قُلْت : هَذَا إِسْنَاد صَحِيح لَا يُخْتَلَف فِي عَدَالَة رُوَاته . وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث اِبْن مَسْعُود قَالَ : سَأَلَنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا فِي إِدْوَاتك ) فَقُلْت : نَبِيذ . فَقَالَ : ( ثَمَرَة طَيِّبَة وَمَاء طَهُور ) قَالَ : فَتَوَضَّأَ مِنْهُ . قَالَ أَبُو عِيسَى : وَإِنَّمَا رُوِيَ هَذَا الْحَدِيث , عَنْ أَبِي زَيْد عَنْ عَبْد اللَّه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَبُو زَيْد رَجُل مَجْهُول عِنْد أَهْل الْحَدِيث لَا نَعْرِف لَهُ رِوَايَة . غَيْر هَذَا الْحَدِيث , وَقَدْ رَأَى بَعْض أَهْل الْعِلْم الْوُضُوء بِالنَّبِيذِ , مِنْهُمْ سُفْيَان وَغَيْره , وَقَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم : لَا يُتَوَضَّأ بِالنَّبِيذِ , وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق , وَقَالَ إِسْحَاق : إِنْ اُبْتُلِيَ رَجُل بِهَذَا فَتَوَضَّأَ بِالنَّبِيذِ وَتَيَمَّمَ أَحَبّ إِلَيَّ . قَالَ أَبُو عِيسَى : وَقَوْل مَنْ يَقُول لَا يُتَوَضَّأ بِالنَّبِيذِ أَقْرَب إِلَى الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَأَشْبَه ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ : &quot; فَلَمْ تَجِدُوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا &quot; [ الْمَائِدَة : 6 ] . وَهَذِهِ الْمَسْأَلَة مُطَوَّلَة فِي كُتُب الْخِلَاف ; وَعُمْدَتهمْ التَّمَسُّك بِلَفْظِ الْمَاء حَسْبَمَا تَقَدَّمَ فِي &quot; الْمَائِدَة &quot; بَيَانه وَاَللَّه أَعْلَم . 

الثَّانِيَة عَشْرَة : لَمَّا قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاء مَاء طَهُورًا &quot; وَقَالَ : &quot; لِيُطَهِّركُمْ بِهِ &quot; [ الْأَنْفَال : 11 ] تَوَقَّفَ جَمَاعَة فِي مَاء الْبَحْر ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُنَزَّلٍ مِنْ السَّمَاء ; حَتَّى رَوَوْا عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر وَابْن عَمْرو مَعًا أَنَّهُ لَا يُتَوَضَّأ بِهِ ; لِأَنَّهُ نَار وَلِأَنَّهُ طَبَق جَهَنَّم . وَلَكِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ حُكْمه حِين قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ : ( هُوَ الطَّهُور مَاؤُهُ الْحِلّ مَيْتَته ) أَخْرَجَهُ مَالِك . وَقَالَ فِيهِ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَهُوَ قَوْل أَكْثَر الْفُقَهَاء مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِنْهُمْ أَبُو بَكْر وَعُمَر وَابْن عَبَّاس , لَمْ يَرَوْا بَأْسًا بِمَاءِ الْبَحْر , وَقَدْ كَرِهَ بَعْض أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوُضُوء بِمَاءِ الْبَحْر ; مِنْهُمْ اِبْن عُمَرو وَعَبْد اللَّه بْن عَمْرو , وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : هُوَ نَار . قَالَ أَبُو عُمَر ; وَقَدْ سُئِلَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ عَنْ حَدِيث مَالِك هَذَا عَنْ صَفْوَان بْن سُلَيْم فَقَالَ : هُوَ عِنْدِي حَدِيث صَحِيح . قَالَ أَبُو عِيسَى فَقُلْت لِلْبُخَارِيِّ : هُشَيْم يَقُول فِيهِ اِبْن أَبِي بَرْزَة . فَقَالَ : وَهِمَ فِيهِ , إِنَّمَا هُوَ الْمُغِيرَة بْن أَبِي بُرْدَة . قَالَ أَبُو عُمَر : لَا أَدْرِي مَا هَذَا مِنْ الْبُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّه , وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَأَخْرَجَهُ فِي مُصَنَّفه الصَّحِيح عِنْده , وَلَمْ يَفْعَل لِأَنَّهُ لَا يُعَوَّل فِي الصَّحِيح إِلَّا عَلَى الْإِسْنَاد . وَهَذَا الْحَدِيث لَا يَحْتَجّ أَهْل الْحَدِيث بِمِثْلِ إِسْنَاده , وَهُوَ عِنْدِي صَحِيح لِأَنَّ الْعُلَمَاء تَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ لَهُ وَالْعَمَل بِهِ , وَلَا يُخَالِف فِي جُمْلَته أَحَد مِنْ الْفُقَهَاء , وَإِنَّمَا الْخِلَاف بَيْنهمْ فِي بَعْض مَعَانِيه . وَقَدْ أَجْمَعَ جُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء وَجَمَاعَة أَئِمَّة الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ مِنْ الْفُقَهَاء : أَنَّ الْبَحْر طَهُور مَاؤُهُ , وَأَنَّ الْوُضُوء بِهِ جَائِز ; إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص أَنَّهُمَا كَرِهَا الْوُضُوء بِمَاءِ الْبَحْر , وَلَمْ يُتَابِعهُمَا أَحَد مِنْ فُقَهَاء الْأَمْصَار عَلَى ذَلِكَ وَلَا عَرَّجَ عَلَيْهِ , وَلَا اِلْتَفَتَ إِلَيْهِ لِحَدِيثِ هَذَا الْبَاب . وَهَذَا يَدُلّك عَلَى اِشْتِهَار الْحَدِيث عِنْدهمْ , وَعَمَلهمْ بِهِ وَقَبُولهمْ لَهُ , وَهُوَ أَوْلَى عِنْدهمْ مِنْ الْإِسْنَاد الظَّاهِر الصِّحَّة لِمَعْنًى تَرُدّهُ الْأُصُول . وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق . قَالَ أَبُو عُمَر : وَصَفْوَان بْن سُلَيْم مَوْلَى حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف الزُّهْرِيّ , مِنْ عُبَّاد أَهْل الْمَدِينَة وَأَتْقَاهُمْ لِلَّهِ , نَاسِكًا , كَثِير الصَّدَقَة بِمَا وَجَدَ مِنْ قَلِيل وَكَثِير , كَثِير الْعَمَل , خَائِفًا لِلَّهِ , يُكَنَّى أَبَا عَبْد اللَّه , سَكَنَ الْمَدِينَة لَمْ يَنْتَقِل عَنْهَا , وَمَاتَ بِهَا سَنَة اِثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة . ذَكَرَ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن حَنْبَل قَالَ : سَمِعْت أَبِي يَسْأَل عَنْ صَفْوَان بْن سُلَيْم فَقَالَ : ثِقَة مِنْ خِيَار عِبَاد اللَّه وَفُضَلَاء الْمُسْلِمِينَ . وَأَمَّا سَعِيد بْن سَلَمَة . فَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ فِيمَا عَلِمْت إِلَّا صَفْوَان - وَاَللَّه أَعْلَم - وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَاله فَهُوَ مَجْهُول لَا تَقُوم بِهِ حُجَّة عِنْد جَمِيعهمْ . وَأَمَّا الْمُغِيرَة بْن أَبِي بُرْدَة فَقِيلَ عَنْهُ إِنَّهُ غَيْر مَعْرُوف فِي حَمَلَة الْعِلْم كَسَعِيدِ بْن سَلَمَة . وَقِيلَ : لَيْسَ بِمَجْهُولٍ . قَالَ أَبُو عُمَر : الْمُغِيرَة بْن أَبِي بُرْدَة وَجَدْت ذِكْره فِي مَغَازِي مُوسَى بْن نُصَيْر بِالْمَغْرِبِ , وَكَانَ مُوسَى يَسْتَعْمِلهُ عَلَى الْخَيْل , وَفَتَحَ اللَّه لَهُ فِي بِلَاد الْبَرْبَر فُتُوحَات فِي الْبَرّ وَالْبَحْر . وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ غَيْر طَرِيق مَالِك عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ لَمْ يُطَهِّرهُ مَاء الْبَحْر فَلَا طَهَّرَهُ اللَّه ) . قَالَ إِسْنَاده حَسَن . 

الثَّالِثَة عَشْرَة : قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : تَوَهَّمَ قَوْم أَنَّ الْمَاء إِذَا فَضَلَتْ لِلْجُنُبِ مِنْهُ فَضْلَة لَا يُتَوَضَّأ بِهِ , وَهُوَ مَذْهَب بَاطِل , فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ مَيْمُونَة أَنَّهَا قَالَتْ : أَجْنَبْت أَنَا وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاغْتَسَلْت مِنْ جَفْنَة وَفَضَلَتْ فَضْلَة , فَجَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَغْتَسِل مِنْهُ فَقُلْت : إِنِّي قَدْ اِغْتَسَلْت مِنْهُ . فَقَالَ : ( إِنَّ الْمَاء لَيْسَ عَلَيْهِ نَجَاسَة - أَوْ - إِنَّ الْمَاء لَا يُجْنِب ) . قَالَ أَبُو عُمَر : وَرَدَتْ آثَار فِي هَذَا الْبَاب مَرْفُوعَة فِي النَّهْي عَنْ أَنْ يَتَوَضَّأ الرَّجُل بِفَضْلِ الْمَرْأَة . وَزَادَ بَعْضهمْ فِي بَعْضهَا : وَلَكِنْ لِيَغْتَرِفَا جَمِيعًا . فَقَالَتْ طَائِفَة : لَا يَجُوز أَنْ يَغْتَرِف الرَّجُل مَعَ الْمَرْأَة فِي إِنَاء وَاحِد ; لِأَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مُتَوَضِّئ بِفَضْلِ صَاحِبه . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَنْفَرِد الْمَرْأَة بِالْإِنَاءِ ثُمَّ يَتَوَضَّأ الرَّجُل بَعْدهَا بِفَضْلِهَا . وَكُلّ وَاحِد مِنْهُمْ رَوَى بِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَثَرًا . وَاَلَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء وَجَمَاعَة فُقَهَاء الْأَمْصَار أَنَّهُ لَا بَأْس أَنْ يَتَوَضَّأ الرَّجُل بِفَضْلِ الْمَرْأَة وَتَتَوَضَّأ الْمَرْأَة مِنْ فَضْله , اِنْفَرَدَتْ الْمَرْأَة بِالْإِنَاءِ أَوْ لَمْ تَنْفَرِد . وَفِي مِثْل هَذَا آثَار كَثِيرَة صِحَاح . وَاَلَّذِي نَذْهَب إِلَيْهِ أَنَّ الْمَاء لَا يُنَجِّسهُ شَيْء إِلَّا مَا ظَهَرَ فِيهِ مِنْ النَّجَاسَات أَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ مِنْهَا ; فَلَا وَجْه لِلِاشْتِغَالِ بِمَا لَا يَصِحّ مِنْ الْآثَار وَالْأَقْوَال . وَاَللَّه الْمُسْتَعَان . رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : حَدَّثَتْنِي مَيْمُونَة قَالَتْ : كُنْت أَغْتَسِل أَنَا وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاء وَاحِد مِنْ الْجَنَابَة . قَالَ هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَرَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : كُنْت أَغْتَسِل أَنَا وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاء وَاحِد يُقَال لَهُ الْفَرْق . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِل بِفَضْلِ مَيْمُونَة . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : اِغْتَسَلَ بَعْض أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِي جَفْنَة فَأَرَادَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَوَضَّأ مِنْهُ فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه , إِنِّي كُنْت جُنُبًا . قَالَ : ( إِنَّ الْمَاء لَا يُجْنِب ) . قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح , وَهُوَ قَوْل سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَمَالِك وَالشَّافِعِيّ . وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَمْرَة عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : كُنْت أَتَوَضَّأ أَنَا وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاء وَاحِد وَقَدْ أَصَابَتْ الْهِرَّة مِنْهُ قَبْل ذَلِكَ . قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي غِفَار قَالَ : ( نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَضْل طَهُور الْمَرْأَة ) . وَفِي الْبَاب عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَرْجِس , وَكَرِهَ بَعْض الْفُقَهَاء فَضْل طَهُور الْمَرْأَة , وَهُوَ قَوْل أَحْمَد وَإِسْحَاق . 

الرَّابِعَة عَشْرَة : رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم مَوْلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب كَانَ يُسَخَّن لَهُ الْمَاء فِي قُمْقُمَة وَيَغْتَسِل بِهِ . قَالَ : وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح . وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَخَّنْت مَاء فِي الشَّمْس . فَقَالَ : ( لَا تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاء فَإِنَّهُ يُورِث الْبَرَص ) . رَوَاهُ خَالِد بْن إِسْمَاعِيل الْمَخْزُومِيّ , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة , وَهُوَ مَتْرُوك . وَرَوَاهُ عَمْرو بْن مُحَمَّد الْأَعْشَم عَنْ فُلَيْح عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة . وَهُوَ مُنْكَر الْحَدِيث , وَلَمْ يَرْوِهِ غَيْره عَنْ فُلَيْح , وَلَا يَصِحّ عَنْ الزُّهْرِيّ ; قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيّ . 

الْخَامِسَة عَشْرَة : كُلّ إِنَاء طَاهِر فَجَائِز الْوُضُوء مِنْهُ إِلَّا إِنَاء الذَّهَب وَالْفِضَّة ; لِنَهْيِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اِتِّخَاذهمَا . وَذَلِكَ - وَاَللَّه أَعْلَم - لِلتَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ وَالْجَبَابِرَة لَا لِنَجَاسَةٍ فِيهِمَا . وَمَنْ تَوَضَّأَ فِيهِمَا أَجْزَاهُ وُضُوءُهُ وَكَانَ عَاصِيًا بِاسْتِعْمَالِهِمَا . وَقَدْ قِيلَ : لَا يُجْزِئ الْوُضُوء فِي أَحَدهمَا . وَالْأَوَّل أَكْثَر ; قَالَهُ أَبُو عُمَر . وَكُلّ جِلْد ذُكِّيَ فَجَائِز اِسْتِعْمَاله لِلْوُضُوءِ وَغَيْر ذَلِكَ . وَكَانَ مَالِك يَكْرَه الْوُضُوء فِي إِنَاء جِلْد الْمَيْتَة بَعْد الدِّبَاغ ; عَلَى اِخْتِلَاف مِنْ قَوْله . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي النَّحْل';
$TAFSEER['4']['25']['49'] = 'أَيْ بِالْمَطَرِ .
 
بِالْجُدُوبَةِ وَالْمَحَلّ وَعَدَم النَّبَات . قَالَ كَعْب : الْمَطَر رُوح الْأَرْض يُحْيِيهَا اللَّه بِهِ . وَقَالَ : &quot; مَيْتًا &quot; وَلَمْ يَقُلْ مَيِّتَة لِأَنَّ مَعْنَى الْبَلْدَة وَالْبَلَد وَاحِد ; قَالَهُ الزَّجَّاج . وَقِيلَ : أَرَادَ بِالْبَلَدِ الْمَكَان .
 
قِرَاءَة الْعَامَّة بِضَمِّ النُّون . وَقَرَأَ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعَاصِم وَالْأَعْمَش فِيمَا رَوَى الْمُفَضَّل عَنْهُمَا &quot; نَسْقِيه &quot; ( بِفَتْحِ ) النُّون .

أَيْ بَشَرًا كَثِيرًا وَأَنَاسِيّ وَاحِده إِنْسِيّ نَحْو جَمْع الْقُرْقُور قَرَاقِير وَقَرَاقِر فِي قَوْل الْأَخْفَش وَالْمُبَرِّد وَأَحَد قَوْلَيْ الْفَرَّاء ; وَلَهُ قَوْل آخَر وَهُوَ أَنْ يَكُون وَاحِده إِنْسَانًا ثُمَّ تُبْدَل مِنْ النُّون يَاء ; فَتَقُول : أَنَاسِيّ , وَالْأَصْل أَنَاسِينَ , مِثْل سِرْحَان وَسَرَاحِين , وَبُسْتَان وَبَسَاتِين ; فَجَعَلُوا الْيَاء عِوَضًا مِنْ النُّون , وَعَلَى هَذَا يَجُوز سَرَاحِيّ وَبَسَاتِيّ , لَا فَرْق بَيْنهمَا . قَالَ الْفَرَّاء : وَيَجُوز &quot; أَنَاسِي &quot; بِتَخْفِيفِ الْيَاء الَّتِي فِيمَا بَيْن لَام الْفِعْل وَعَيْنه ; مِثْل قَرَاقِير وَقَرَاقِر . وَقَالَ &quot; كَثِيرًا &quot; وَلَمْ يَقُلْ كَثِيرِينَ ; لِأَنَّ فَعِيلًا قَدْ يُرَاد بِهِ الْكَثْرَة ; نَحْو &quot; وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا &quot; [ النِّسَاء : 69 ] .';
$TAFSEER['4']['25']['50'] = 'يَعْنِي الْقُرْآن , وَقَدْ جَرَى ذِكْره فِي أَوَّل السُّورَة : قَوْله تَعَالَى : &quot; تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَان &quot; [ الْفُرْقَان : 1 ] . وَقَوْله : &quot; لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْر بَعْد إِذْ جَاءَنِي &quot; [ الْفُرْقَان : 29 ] وَقَوْله : &quot; اِتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا &quot; [ الْفُرْقَان : 30 ] . &quot; لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَر النَّاس إِلَّا كُفُورًا &quot; أَيْ جُحُودًا لَهُ وَتَكْذِيبًا بِهِ . وَقِيلَ : &quot; وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنهمْ &quot; هُوَ الْمَطَر . رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود : وَأَنَّهُ لَيْسَ عَام بِأَكْثَرَ مَطَرًا مِنْ عَام وَلَكِنَّ اللَّه يَصْرِفهُ حَيْثُ يَشَاء , فَمَا زِيدَ لِبَعْضٍ نَقَصَ مِنْ غَيْرهمْ . فَهَذَا مَعْنَى التَّصْرِيف . وَقِيلَ : &quot; صَرَّفْنَاهُ بَيْنهمْ &quot; وَابِلًا وَطَشًّا وَطَلًّا وَرِهَامًا - الْجَوْهَرِيّ : الرِّهَام الْأَمْطَار اللَّيِّنَة - وَرَذَاذًا . وَقِيلَ : تَصْرِيفه تَنْوِيع الِانْتِفَاع بِهِ فِي الشُّرْب وَالسَّقْي وَالزِّرَاعَات بِهِ وَالطَّهَارَات وَسَقْي الْبَسَاتِين وَالْغُسْل وَشَبَهه .

قَالَ عِكْرِمَة : هُوَ قَوْلهمْ فِي الْأَنْوَاء : مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا . قَالَ النَّحَّاس : وَلَا نَعْلَم بَيْن أَهْل التَّفْسِير اِخْتِلَافًا أَنَّ الْكُفْر هَاهُنَا قَوْلهمْ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا ; وَأَنَّ نَظِيره فَعَلَ النَّجْم كَذَا , وَأَنَّ كُلّ مَنْ نَسَبَ إِلَيْهِ فِعْلًا فَهُوَ كَافِر . وَرَوَى الرَّبِيع بْن صُبَيْح قَالَ : مُطِرَ النَّاس عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات لَيْلَة , فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَصْبَحَ النَّاس فِيهَا رَجُلَيْنِ شَاكِر وَكَافِر فَأَمَّا الشَّاكِر فَيَحْمَد اللَّه تَعَالَى عَلَى سُقْيَاهُ وَغِيَاثه وَأَمَّا الْكَافِر فَيَقُول مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا ) . وَهَذَا مُتَّفَق عَلَى صِحَّته بِمَعْنَاهُ وَسَيَأْتِي فِي الْوَاقِعَة إِنْ شَاءَ اللَّه وَرُوِيَ مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( مَا مِنْ سَنَة بِأَمْطَرَ مِنْ أُخْرَى وَلَكِنْ إِذَا عَمِلَ قَوْم بِالْمَعَاصِي صَرَفَ اللَّه ذَلِكَ إِلَى غَيْرهمْ فَإِذَا عَصَوْا جَمِيعًا صَرَفَ اللَّه ذَلِكَ إِلَى الْفَيَافِي وَالْبِحَار ) . وَقِيلَ : التَّصْرِيف رَاجِع إِلَى الرِّيح , وَقَدْ مَضَى فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; بَيَانه . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ : &quot; لِيَذْكُرُوا &quot; مُخَفَّفَة الذَّال مِنْ الذِّكْر . الْبَاقُونَ مُثَقَّلًا مِنْ التَّذَكُّر ؟ أَيْ لِيَذْكُرُوا نِعَم اللَّه وَيَعْلَمُوا أَنَّ مَنْ أَنْعَمَ بِهَا لَا يَجُوز الْإِشْرَاك بِهِ ; فَالتَّذَكُّر قَرِيب مِنْ الذِّكْر غَيْر أَنَّ التَّذَكُّر يُطْلَق فِيمَا بَعُدَ عَنْ الْقَلْب فَيَحْتَاج إِلَى تَكَلُّف فِي التَّذَكُّر .';
$TAFSEER['4']['25']['51'] = 'أَيْ رَسُولًا يُنْذِرهُمْ كَمَا قَسَمْنَا . الْمَطَر لِيَخِفّ عَلَيْك أَعْبَاء النُّبُوَّة , وَلَكِنَّا لَمْ نَفْعَل بَلْ جَعَلْنَاك نَذِيرًا لِلْكُلِّ لِتَرْتَفِع دَرَجَتك فَاشْكُرْ نِعْمَة اللَّه عَلَيْك .';
$TAFSEER['4']['25']['52'] = 'أَيْ فِيمَا يَدْعُونَك إِلَيْهِ مِنْ اِتِّبَاع آلِهَتهمْ .

قَالَ اِبْن عَبَّاس بِالْقُرْآنِ . اِبْن زَيْد : بِالْإِسْلَامِ . وَقِيلَ : بِالسَّيْفِ ; وَهَذَا فِيهِ بُعْد ; لِأَنَّ السُّورَة مَكِّيَّة نَزَلَتْ قَبْل الْأَمْر بِالْقِتَالِ .

لَا يُخَالِطهُ فُتُور .';
$TAFSEER['4']['25']['53'] = 'عَادَ الْكَلَام إِلَى ذِكْر النَّعَم . وَ ( مَرَجَ ) خَلَّى وَخَلَطَ وَأَرْسَلَ . قَالَ مُجَاهِد : أَرْسَلَهُمَا وَأَفَاضَ أَحَدهمَا فِي الْآخَر . قَالَ اِبْن عَرَفَة : &quot; مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ &quot; أَيْ خَلَطَهُمَا فَهُمَا يَلْتَقِيَانِ ; يُقَال : مَرَجْته إِذَا خَلَطْته . وَمَرَجَ الدِّين وَالْأَمْر اِخْتَلَطَ وَاضْطَرَبَ ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : &quot; فِي أَمْر مَرِيج &quot; [ قِ : 5 ] . وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِعَبْدِ اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ : ( إِذَا رَأَيْت النَّاس مَرَجَتْ عُهُودهمْ وَخَفَّتْ أَمَانَاتهمْ وَكَانُوا هَكَذَا وَهَكَذَا ) وَشَبَّكَ بَيْن أَصَابِعه فَقُلْت لَهُ : كَيْفَ أَصْنَع عِنْد ذَلِكَ , جَعَلَنِي اللَّه فِدَاك ! قَالَ : ( اِلْزَمْ بَيْتك وَامْلِكْ عَلَيْك لِسَانك وَخُذْ بِمَا تَعْرِف وَدَعْ مَا تُنْكِر وَعَلَيْك بِخَاصَّةِ أَمْر نَفْسك وَدَعْ عَنْك أَمْر الْعَامَّة ) خَرَّجَهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرهمَا . وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ : &quot; مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ &quot; خَلَّى بَيْنهمَا ; يُقَال مَرَجْت الدَّابَّة إِذَا خَلَّيْتهَا تَرْعَى . وَقَالَ ثَعْلَب : الْمَرْج الْإِجْرَاء ; فَقَوْله : &quot; مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ &quot; أَيْ أَجْرَاهُمَا . وَقَالَ الْأَخْفَش : يَقُول قَوْم أَمْرَجَ الْبَحْرَيْنِ مِثْل مَرَجَ فَعَلَ وَأَفْعَلَ بِمَعْنًى .
 
أَيْ حُلْو شَدِيد الْعُذُوبَة .

أَيْ فِيهِ مُلُوحَة وَمَرَارَة . وَرُوِيَ عَنْ طَلْحَة أَنَّهُ قُرِئَ : &quot; وَهَذَا مَلِح &quot; بِفَتْحِ الْمِيم وَكَسْر اللَّام .
  
أَيْ حَاجِزًا مِنْ قُدْرَته لَا يَغْلِب أَحَدهمَا عَلَى صَاحِبه ; كَمَا قَالَ فِي سُورَة الرَّحْمَن &quot; مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ . بَيْنهمَا بَرْزَخ لَا يَبْغِيَانِ &quot; [ الرَّحْمَن : 19 - 20 ] .

أَيْ سِتْرًا مَسْتُورًا يَمْنَع أَحَدهمَا مِنْ الِاخْتِلَاط بِالْآخَرِ . فَالْبَرْزَخ الْحَاجِز , وَالْحِجْر الْمَانِع . وَقَالَ الْحَسَن : يَعْنِي بَحْر فَارِس وَبَحْر الرُّوم . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن جُبَيْر : يَعْنِي بَحْر السَّمَاء وَبَحْر الْأَرْض . قَالَ اِبْن عَبَّاس : يَلْتَقِيَانِ فِي كُلّ عَام وَبَيْنهمَا بَرْزَخ قَضَاء مِنْ قَضَائِهِ . &quot; وَحِجْرًا مَحْجُورًا &quot; حَرَامًا مُحَرَّمًا أَنْ يُعْذَب هَذَا الْمِلْح بِالْعَذْبِ , أَوْ يُمْلَح هَذَا الْعَذْب بِالْمِلْحِ .';
$TAFSEER['4']['25']['54'] = 'أَيْ خَلَقَ مِنْ النُّطْفَة إِنْسَانًا . &quot; فَجَعَلَهُ &quot; أَيْ جَعَلَ الْإِنْسَان &quot; نَسَبًا وَصِهْرًا &quot; . وَقِيلَ : &quot; مِنْ الْمَاء &quot; إِشَارَة إِلَى أَصْل الْخِلْقَة فِي أَنَّ كُلّ حَيّ مَخْلُوق مِنْ الْمَاء . وَفِي هَذِهِ الْآيَة تَعْدِيد النِّعْمَة عَلَى النَّاس فِي , إِيجَادهمْ بَعْد الْعَدَم , وَالتَّنْبِيه عَلَى الْعِبْرَة فِي ذَلِكَ .

النَّسَب وَالصِّهْر مَعْنَيَانِ يَعُمَّانِ كُلّ قُرْبَى تَكُون بَيْن آدَمِيَّيْنِ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : النَّسَب عِبَارَة عَنْ خَلْط الْمَاء بَيْن الذَّكَر وَالْأُنْثَى عَلَى وَجْه الشَّرْع ; فَإِنْ كَانَ بِمَعْصِيَةٍ كَانَ خَلْقًا مُطْلَقًا وَلَمْ يَكُنْ نَسَبًا مُحَقَّقًا , وَلِذَلِكَ لَمْ يَدْخُل تَحْت قَوْله : &quot; حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتكُمْ وَبَنَاتكُمْ &quot; [ النِّسَاء : 23 ] بِنْته مِنْ الزِّنَى ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِبِنْتٍ لَهُ فِي أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ لِعُلَمَائِنَا وَأَصَحّ الْقَوْلَيْنِ فِي الدِّين ; وَإِذَا لَمْ يَكُنْ نَسَب شَرْعًا فَلَا صِهْر شَرْعًا فَلَا يُحَرِّم الزِّنَى بِنْت أُمّ وَلَا أُمّ بِنْت , وَمَا يَحْرُم مِنْ الْحَلَال لَا يَحْرُم مِنْ الْحَرَام ; لِأَنَّ اللَّه اِمْتَنَّ بِالنَّسَبِ وَالصِّهْر عَلَى عِبَاده وَرَفَعَ قَدْرهمَا , وَعَلَّقَ الْأَحْكَام فِي الْحِلّ وَالْحُرْمَة عَلَيْهِمَا فَلَا يَلْحَق الْبَاطِل بِهِمَا وَلَا يُسَاوِيهِمَا . قُلْت : اِخْتَلَفَ الْفُقَهَاء فِي نِكَاح الرَّجُل اِبْنَته مِنْ زِنًى أَوْ أُخْته أَوْ بِنْت اِبْنه مِنْ زِنًى ; فَحَرَّمَ ذَلِكَ قَوْم مِنْهُمْ اِبْن الْقَاسِم , وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه , وَأَجَازَ ذَلِكَ آخَرُونَ مِنْهُمْ عَبْد الْمَلِك بْن الْمَاجِشُونِ , وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ , وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي &quot; النِّسَاء &quot; مُجَوَّدًا . قَالَ الْفَرَّاء : النَّسَب الَّذِي لَا يَحِلّ نِكَاحه , وَالصِّهْر الَّذِي يَحِلّ نِكَاحه . وَقَالَهُ الزَّجَّاج : وَهُوَ قَوْل عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَاشْتِقَاق الصِّهْر مِنْ صَهَرْت الشَّيْء إِذَا خَلَطْته ; فَكُلّ وَاحِد مِنْ الصِّهْرَيْنِ قَدْ خَالَطَ صَاحِبه , فَسُمِّيَتْ الْمَنَاكِح صِهْرًا لِاخْتِلَاطِ النَّاس بِهَا . وَقِيلَ : الصِّهْر قَرَابَة النِّكَاح ; فَقَرَابَة الزَّوْجَة هُمْ الْأَخْتَان , وَقَرَابَة الزَّوْج هُمْ الْأَحْمَاء . وَالْأَصْهَار يَقَع عَامًّا لِذَلِكَ كُلّه ; قَالَهُ الْأَصْمَعِيّ . وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : الْأَخْتَان أَبُو الْمَرْأَة وَأَخُوهُمَا وَعَمّهَا - كَمَا قَالَ الْأَصْمَعِيّ - وَالصِّهْر زَوْج اِبْنَة الرَّجُل وَأَخُوهُ وَأَبُوهُ وَعَمّه . وَقَالَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن فِي رِوَايَة أَبِي سُلَيْمَان الْجُوزَجَانِيّ : أَخْتَان الرَّجُل أَزْوَاج بَنَاته وَأَخَوَاته وَعَمَّاته وَخَالَاته , وَكُلّ ذَات مَحْرَم مِنْهُ , وَأَصْهَاره كُلّ ذِي رَحِم مَحْرَم مِنْ زَوْجَته . قَالَ النَّحَّاس : الْأَوْلَى فِي هَذَا أَنْ يَكُون الْقَوْل فِي الْأَصْهَار مَا قَالَ الْأَصْمَعِيّ , وَأَنْ يَكُون مِنْ قِبَلهمَا جَمِيعًا . يُقَال : صَهَرْت الشَّيْء أَيْ خَلَطْته ; فَكُلّ وَاحِد مِنْهُمَا قَدْ خَلَطَ صَاحِبه . وَالْأَوْلَى فِي الْأَخْتَان مَا قَالَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن لِجِهَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا الْحَدِيث الْمَرْفُوع , رَوَى مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ يَزِيد بْن عَبْد اللَّه بْن قُسَيْط عَنْ مُحَمَّد بْن أُسَامَة بْن زَيْد عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَمَّا أَنْتَ يَا عَلِيّ فَخَتْنِي وَأَبُو وَلَدِي وَأَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْك ) . فَهَذَا عَلَى أَنَّ زَوْج الْبِنْت خَتْن . وَالْجِهَة الْأُخْرَى أَنَّ اِشْتِقَاق الْخَتْن مِنْ خَتَنَهُ إِذَا قَطَعَهُ ; وَكَانَ الزَّوْج قَدْ اِنْقَطَعَ عَنْ أَهْله , وَقَطَعَ زَوْجَته عَنْ أَهْلهَا . وَقَالَ الضَّحَّاك : الصِّهْر قَرَابَة الرَّضَاع . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَذَلِكَ عِنْدِي وَهْم أَوْجَبه أَنَّ اِبْن عَبَّاس قَالَ : حَرُمَ مِنْ النَّسَب سَبْع , وَمِنْ الصِّهْر خَمْس . وَفِي رِوَايَة أُخْرَى مِنْ الصِّهْر سَبْع ; يُرِيد قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : &quot; حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتكُمْ وَبَنَاتكُمْ وَأَخَوَاتكُمْ وَعَمَّاتكُمْ وَخَالَاتكُمْ وَبَنَات الْأَخ وَبَنَات الْأُخْت &quot; [ النِّسَاء : 23 ] فَهَذَا هُوَ النَّسَب . ثُمَّ يُرِيد بِالصِّهْرِ قَوْله تَعَالَى : &quot; وَأُمَّهَاتكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ &quot; إِلَى قَوْله : &quot; وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْن الْأُخْتَيْنِ &quot; . ثُمَّ ذَكَرَ الْمُحْصَنَات . وَمَحْمَل هَذَا أَنَّ اِبْن عَبَّاس أَرَادَ حَرُمَ مِنْ الصِّهْر مَا ذُكِرَ مَعَهُ , فَقَدْ أَشَارَ بِمَا ذَكَرَ إِلَى عِظَمه وَهُوَ الصِّهْر , لَا أَنَّ الرَّضَاع صِهْر , وَإِنَّمَا الرَّضَاع عَدِيل النَّسَب يَحْرُم مِنْهُ مَا يَحْرُم مِنْ النَّسَب بِحُكْمِ الْحَدِيث الْمَأْثُور فِيهِ . وَمَنْ رَوَى وَحَرُمَ مِنْ الصِّهْر خَمْس أَسْقَطَ مِنْ الْآيَتَيْنِ الْجَمْع بَيْن الْأُخْتَيْنِ وَالْمُحْصَنَات ; وَهُنَّ ذَوَات الْأَزْوَاج . قُلْت : فَابْن عَطِيَّة جَعَلَ الرَّضَاع مَعَ مَا تَقَدَّمَ نَسَبًا , وَهُوَ قَوْل الزَّجَّاج . قَالَ أَبُو إِسْحَاق : النَّسَب الَّذِي لَيْسَ بِصِهْرٍ مِنْ قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : &quot; حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتكُمْ &quot; [ النِّسَاء : 23 ] إِلَى قَوْله &quot; وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْن الْأُخْتَيْنِ &quot; [ النِّسَاء : 23 ] وَالصِّهْر مَنْ لَهُ التَّزْوِيج . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَحَكَى الزَّهْرَاوِيّ قَوْلًا أَنَّ النَّسَب مِنْ جِهَة الْبَنِينَ وَالصِّهْر مِنْ جِهَة الْبَنَات . قُلْت : وَذَكَرَ هَذَا الْقَوْل النَّحَّاس , وَقَالَ : لِأَنَّ الْمُصَاهَرَة مِنْ جِهَتَيْنِ تَكُون . وَقَالَ اِبْن سِيرِينَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ; لِأَنَّهُ جَمَعَهُ مَعَهُ نَسَب وَصِهْر . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : فَاجْتِمَاعهمَا وِكَادَة حُرْمَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة .

عَلَى خَلْق مَا يُرِيدهُ .';
$TAFSEER['4']['25']['55'] = 'لَمَّا عَدَّدَ النِّعَم وَبَيَّنَ كَمَال قُدْرَته عَجِبَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي إِشْرَاكهمْ بِهِ مَنْ لَا يَقْدِر عَلَى نَفْع وَلَا ضُرّ ; أَيْ إِنَّ اللَّه هُوَ الَّذِي خَلَقَ مَا ذَكَرَهُ , ثُمَّ هَؤُلَاءِ لِجَهْلِهِمْ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونه أَمْوَاتًا جَمَادَات لَا تَنْفَع وَلَا تَضُرّ .
 
رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس &quot; الْكَافِر &quot; هُنَا أَبُو جَهْل لَعَنَهُ اللَّه ; وَشَرْحه أَنَّهُ يَسْتَظْهِر بِعِبَادَةِ الْأَوْثَان عَلَى أَوْلِيَائِهِ . وَقَالَ عِكْرِمَة : &quot; الْكَافِر &quot; إِبْلِيس , ظَهَرَ عَلَى عَدَاوَة رَبّه . وَقَالَ مُطَرِّف : &quot; الْكَافِر &quot; هُنَا الشَّيْطَان . 

وَقَالَ الْحَسَن : &quot; ظَهِيرًا &quot; أَيْ مُعِينًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى الْمَعَاصِي . وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; وَكَانَ الْكَافِر عَلَى رَبّه هَيِّنًا ذَلِيلًا لَا قَدْر لَهُ وَلَا وَزْن عِنْده ; مِنْ قَوْل الْعَرَب : ظَهَرْت بِهِ أَيْ جَعَلْته خَلْف ظَهْرك وَلَمْ تَلْتَفِت إِلَيْهِ . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : &quot; وَاِتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا &quot; [ هُود : 92 ] أَيْ هَيِّنًا . وَمِنْهُ قَوْل الْفَرَزْدَق : تَمِيم بْن قَيْس لَا تَكُونَنَّ حَاجَتِي بِظَهْرٍ فَلَا يَعْيَا عَلَيَّ جَوَابهَا هَذَا مَعْنَى قَوْل أَبِي عُبَيْدَة . وَظَهِير بِمَعْنَى مَظْهُور . أَيْ كُفْر الْكَافِرِينَ هَيِّن عَلَى اللَّه تَعَالَى , وَاَللَّه مُسْتَهِين بِهِ لِأَنَّ كُفْره لَا يَضُرّهُ . وَقِيلَ : وَكَانَ الْكَافِر عَلَى رَبّه الَّذِي يَعْبُدهُ وَهُوَ الصَّنَم قَوِيًّا غَالِبًا يَعْمَل بِهِ مَا يَشَاء ; لِأَنَّ الْجَمَاد لَا قُدْرَة لَهُ عَلَى دَفْع ضُرّ وَنَفْع .';
$TAFSEER['4']['25']['56'] = 'يُرِيد بِالْجَنَّةِ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا مِنْ النَّار ; وَمَا أَرْسَلْنَاك وَكِيلًا وَلَا مُسَيْطِرًا .';
$TAFSEER['4']['25']['57'] = 'يُرِيد عَلَى مَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنْ الْقُرْآن وَالْوَحْي . وَ &quot; مِنْ &quot; لِلتَّأْكِيدِ .
 
لَكِنْ مَنْ شَاءَ ; فَهُوَ اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع , وَالْمَعْنَى : لَكِنْ مَنْ شَاءَ.
 
بِإِنْفَاقِهِ مِنْ مَاله فِي سَبِيل اللَّه فَلْيُنْفِقْ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مُتَّصِلًا وَيُقَدَّر حَذْف الْمُضَاف ; التَّقْدِير : إِلَّا أَجْر &quot; مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذ إِلَى رَبّه سَبِيلًا &quot; بِاتِّبَاعِ دِينِي حَتَّى يَنَال كَرَامَة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة .';
$TAFSEER['4']['25']['58'] = 'تَقَدَّمَ مَعْنَى التَّوَكُّل فِي &quot; آل عِمْرَان &quot; وَهَذِهِ السُّورَة وَأَنَّهُ اِعْتِمَاد الْقَلْب عَلَى اللَّه تَعَالَى فِي كُلّ الْأُمُور , وَأَنَّ الْأَسْبَاب وَسَائِط أَمَرَ بِهَا مِنْ غَيْر اِعْتِمَاد عَلَيْهَا .
 
أَيْ نَزِّهْ اللَّه تَعَالَى عَمَّا يَصِفهُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّار بِهِ مِنْ الشُّرَكَاء . وَالتَّسْبِيح التَّنْزِيه وَقَدْ تَقَدَّمَ 

وَقِيلَ : &quot; وَسَبِّحْ &quot; أَيْ وَصَلِّ لَهُ ; وَتُسَمَّى الصَّلَاة تَسْبِيحًا .
  
أَيْ عَلِيمًا فَيُجَازِيهِمْ بِهَا .';
$TAFSEER['4']['25']['59'] = 'بَيَّنَ أَنَّهُ الْمُنْفَرِد بِقُدْرَةِ الْإِيجَاد , فَهُوَ الَّذِي يَجِب أَنْ يُعْبَد . وَأَصْل &quot; سِتَّة &quot; سِدْسَة , فَأَرَادُوا إِدْغَام الدَّال فِي السِّين فَالْتَقَيَا عِنْد مَخْرَج التَّاء فَغَلَبَتْ عَلَيْهِمَا . وَإِنْ شِئْت قُلْت : أُبْدِلَ مِنْ إِحْدَى السِّينَيْنِ تَاء وَأُدْغِمَ فِي الدَّال ; لِأَنَّك تَقُول فِي تَصْغِيرهَا : سُدَيْسَة , وَفِي الْجَمْع أَسْدَاس , وَالْجَمْع وَالتَّصْغِير يَرُدَّانِ الْأَسْمَاء إِلَى أُصُولهَا . وَيَقُولُونَ : جَاءَ فُلَان سَادِسًا وَسَادِتًا وَسَاتًّا ; فَمَنْ قَالَ : سَادِتًا أَبْدَلَ مِنْ السِّين تَاء . وَالْيَوْم : مِنْ طُلُوع الشَّمْس إِلَى غُرُوبهَا . فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَمْس فَلَا يَوْم ; قَالَ الْقُشَيْرِيّ . وَقَالَ : وَمَعْنَى ( فِي سِتَّة أَيَّام ) أَيْ مِنْ أَيَّام الْآخِرَة , كُلّ يَوْم أَلْف سَنَة ; لِتَفْخِيمِ خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض . وَقِيلَ : مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا . قَالَ مُجَاهِد وَغَيْره : أَوَّلهَا الْأَحَد وَآخِرهَا الْجُمْعَة . وَذَكَرَ هَذِهِ الْمُدَّة وَلَوْ أَرَادَ خَلْقهَا فِي لَحْظَة لَفَعَلَ ; إِذْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَقُول لَهَا كُونِي فَتَكُون . وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُعَلِّم الْعِبَاد الرِّفْق وَالتَّثَبُّت فِي الْأُمُور , وَلِتَظْهَر قُدْرَته لِلْمَلَائِكَةِ شَيْئًا بَعْد شَيْء . وَهَذَا عِنْد مَنْ يَقُول : خَلَقَ الْمَلَائِكَة قَبْل خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض . وَحِكْمَة أُخْرَى - خَلَقَهَا فِي سِتَّة أَيَّام لِأَنَّ لِكُلِّ شَيْء عِنْده أَجَلًا . وَبَيَّنَ بِهَذَا تَرْك مُعَاجَلَة الْعُصَاة بِالْعِقَابِ ; لِأَنَّ لِكُلِّ شَيْء عِنْده أَجَلًا . وَهَذَا كَقَوْلِ : &quot; وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا فِي سِتَّة أَيَّام وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوب . فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ &quot; [ ق : 38 , 39 ] . بَعْد أَنْ قَالَ : &quot; وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ مِنْ قَرْن هُمْ أَشَدّ مِنْهُمْ بَطْشًا &quot; [ ق : 36 ] . 

وَ &quot; الَّذِي &quot; فِي مَوْضِع خَفْض نَعْتًا لِلْحَيِّ . وَقَالَ : &quot; بَيْنهمَا &quot; وَلَمْ يَقُلْ بَيْنهنَّ ; لِأَنَّهُ أَرَادَ الصِّنْفَيْنِ وَالنَّوْعَيْنِ وَالشَّيْئَيْنِ ; كَقَوْلِ الْقُطَامِيّ : أَلَمْ يَحْزُنك أَنَّ حِبَال قَيْس وَتَغْلِب قَدْ تَبَايَنَتَا اِنْقِطَاعًا أَرَادَ وَحِبَال تَغْلِب فَثَنَّى , وَالْحِبَال جَمْع ; لِأَنَّهُ أَرَادَ الشَّيْئَيْنِ وَالنَّوْعَيْنِ .
 
هَذِهِ مَسْأَلَة الِاسْتِوَاء ; وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهَا كَلَام وَإِجْرَاء . وَقَدْ بَيَّنَّا أَقْوَال الْعُلَمَاء فِيهَا فِي الْكِتَاب ( الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى وَصِفَاته الْعُلَى ) وَذَكَرْنَا فِيهَا هُنَاكَ أَرْبَعَة عَشَرَ قَوْلًا . وَالْأَكْثَر مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ إِذَا وَجَبَ تَنْزِيه الْبَارِي سُبْحَانه عَنْ الْجِهَة وَالتَّحَيُّز فَمِنْ ضَرُورَة ذَلِكَ وَلَوَاحِقه اللَّازِمَة عَلَيْهِ عِنْد عَامَّة الْعُلَمَاء الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَادَتهمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ تَنْزِيهه تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ الْجِهَة , فَلَيْسَ بِجِهَةِ فَوْق عِنْدهمْ ; لِأَنَّهُ يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ عِنْدهمْ مَتَى اِخْتَصَّ بِجِهَةٍ أَنْ يَكُون فِي مَكَان أَوْ حَيِّز , وَيَلْزَم عَلَى الْمَكَان وَالْحَيِّز الْحَرَكَة وَالسُّكُون لِلْمُتَحَيِّزِ , وَالتَّغَيُّر وَالْحُدُوث . هَذَا قَوْل الْمُتَكَلِّمِينَ . وَقَدْ كَانَ السَّلَف الْأَوَّل رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ لَا يَقُولُونَ بِنَفْيِ الْجِهَة وَلَا يَنْطِقُونَ بِذَلِكَ , بَلْ نَطَقُوا هُمْ وَالْكَافَّة بِإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا نَطَقَ كِتَابه وَأَخْبَرَتْ رُسُله . وَلَمْ يُنْكِر أَحَد مِنْ السَّلَف الصَّالِح أَنَّهُ اِسْتَوَى عَلَى عَرْشه حَقِيقَة . وَخُصَّ الْعَرْش بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْظَم مَخْلُوقَاته , وَإِنَّمَا جَهِلُوا كَيْفِيَّة الِاسْتِوَاء فَإِنَّهُ لَا تُعْلَم حَقِيقَته . قَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : الِاسْتِوَاء مَعْلُوم - يَعْنِي فِي اللُّغَة - وَالْكَيْف مَجْهُول , وَالسُّؤَال عَنْ هَذَا بِدْعَة . وَكَذَا قَالَتْ أُمّ سَلَمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا . وَهَذَا الْقَدْر كَافٍ , وَمَنْ أَرَادَ زِيَادَة عَلَيْهِ فَلْيَقِفْ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعه مِنْ كُتُب الْعُلَمَاء . وَالِاسْتِوَاء فِي كَلَام الْعَرَب هُوَ الْعُلُوّ وَالِاسْتِقْرَار . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَاسْتَوَى مِنْ اِعْوِجَاج , وَاسْتَوَى عَلَى ظَهْر دَابَّته ; أَيْ اِسْتَقَرَّ . وَاسْتَوَى إِلَى السَّمَاء أَيْ قَصَدَ . وَاسْتَوَى أَيْ اِسْتَوْلَى وَظَهَرَ . قَالَ : قَدْ اِسْتَوَى بِشْر عَلَى الْعِرَاق مِنْ غَيْر سَيْف وَدَم مُهْرَاق وَاسْتَوَى الرَّجُل أَيْ اِنْتَهَى شَبَابه . وَاسْتَوَى الشَّيْء إِذَا اِعْتَدَلَ . وَحَكَى أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَة فِي قَوْله تَعَالَى : &quot; الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى &quot; [ طَه : 5 ] قَالَ : عَلَا . وَقَالَ الشَّاعِر : فَأَوْرَدْتهمْ مَاء بِفَيْفَاء قَفْرَة وَقَدْ حَلَّقَ النَّجْم الْيَمَانِي فَاسْتَوَى أَيْ عَلَا وَارْتَفَعَ . قُلْت : فَعُلُوّ اللَّه تَعَالَى وَارْتِفَاعه عِبَارَة عَنْ عُلُوّ مَجْده وَصِفَاته وَمَلَكُوته . أَيْ لَيْسَ فَوْقه فِيمَا يَجِب لَهُ مِنْ مَعَانِي الْجَلَال أَحَد , وَلَا مَعَهُ مَنْ يَكُون الْعُلُوّ مُشْتَرَكًا بَيْنه وَبَيْنه ; لَكِنَّهُ الْعَلِيّ بِالْإِطْلَاقِ سُبْحَانه . 

&quot; عَلَى الْعَرْش &quot; لَفْظ مُشْتَرَك يُطْلَق عَلَى أَكْثَر مَنْ وَاحِد . قَالَ الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره : الْعَرْش سَرِير الْمُلْك . وَفِي التَّنْزِيل &quot; نَكِّرُوا لَهَا عَرْشهَا &quot; [ النَّمْل : 41 ] , &quot; وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْش &quot; [ يُوسُف : 100 ] . وَالْعَرْش : سَقْف الْبَيْت . وَعَرْش الْقَدَم : مَا نَتَأَ فِي ظَهْرهَا وَفِيهِ الْأَصَابِع . وَعَرْش السِّمَاك : أَرْبَعَة كَوَاكِب صِغَار أَسْفَل مِنْ الْعُوَاء , يُقَال : إِنَّهَا عَجُز الْأَسَد . وَعَرْش الْبِئْر : طَيّهَا بِالْخَشَبِ , بَعْد أَنْ يُطْوَى أَسْفَلهَا بِالْحِجَارَةِ قَدْر قَامَة ; فَذَلِكَ الْخَشَب هُوَ الْعَرْش , وَالْجَمْع عُرُوش . وَالْعَرْش اِسْم لِمَكَّةَ . وَالْعَرْش الْمُلْك وَالسُّلْطَان . يُقَال : ثُلَّ عَرْش فُلَان إِذَا ذَهَبَ مُلْكه وَسُلْطَانه وَعِزّه . قَالَ زُهَيْر : تَدَارَكْتُمَا عَبْسًا وَقَدْ ثُلَّ عَرْشهَا وَذُبْيَان إِذْ ذَلَّتْ بِأَقْدَامِهَا النَّعْل وَقَدْ يُؤَوَّل الْعَرْش فِي الْآيَة بِمَعْنَى الْمُلْك , أَيْ مَا اِسْتَوَى الْمُلْك إِلَّا لَهُ جَلَّ وَعَزَّ . وَهُوَ قَوْل حَسَن وَفِيهِ نَظَر , وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي جُمْلَة الْأَقْوَال فِي كِتَابنَا . وَالْحَمْد لِلَّهِ .

قَالَ الزَّجَّاج : الْمَعْنَى فَاسْأَلْ عَنْهُ . وَقَدْ حَكَى هَذَا جَمَاعَة مِنْ أَهْل اللُّغَة أَنَّ الْبَاء تَكُون بِمَعْنَى عَنْ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : &quot; سَأَلَ سَائِل بِعَذَابٍ وَاقِع &quot; [ الْمَعَارِج : 1 ] وَقَالَ الشَّاعِر : هَلَّا سَأَلْت الْخَيْل يَا اِبْنَة مَالِك إِنْ كُنْت جَاهِلَة بِمَا لَمْ تَعْلَمِي وَقَالَ عَلْقَمَة بْن عَبْدَة : فَإِنْ تَسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فَإِنَّنِي خَبِير بِأَدْوَاءِ النِّسَاء طَبِيب أَيْ عَنْ النِّسَاء وَعَمَّا لَمْ تَعْلَمِي . وَأَنْكَرَهُ عَلِيّ بْن سُلَيْمَان وَقَالَ : أَهْل النَّظَر يُنْكِرُونَ أَنْ تَكُون الْبَاء بِمَعْنَى عَنْ ; لِأَنَّ فِي هَذَا إِفْسَادًا لِمَعَانِي قَوْل الْعَرَب : لَوْ لَقِيت فُلَانًا لَلَقِيَك بِهِ الْأَسَد ; أَيْ لَلَقِيَك بِلِقَائِك إِيَّاهُ الْأَسَد . الْمَعْنَى فَاسْأَلْ بِسُؤَالِك إِيَّاهُ خَبِيرًا . وَكَذَلِكَ قَالَ اِبْن جُبَيْر : الْخَبِير هُوَ اللَّه تَعَالَى . فَ &quot; خَبِيرًا &quot; نُصِبَ عَلَى الْمَفْعُول بِهِ بِالسُّؤَالِ . قُلْت : قَوْل الزَّجَّاج يَخْرُج عَلَى وَجْه حَسَن , وَهُوَ أَنْ يَكُون الْخَبِير غَيْر اللَّه , أَيْ فَاسْأَلْ عَنْهُ خَبِيرًا , أَيْ عَالِمًا بِهِ , أَيْ بِصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى فَاسْأَلْ لَهُ خَبِيرًا , فَهُوَ نُصِبَ عَلَى الْحَال مِنْ الْهَاء الْمُضْمَرَة . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَلَا يَحْسُن حَالًا إِذْ لَا يَخْلُو أَنْ تَكُون الْحَال مِنْ السَّائِل أَوْ الْمَسْئُول , وَلَا يَصِحّ كَوْنهَا حَالًا مِنْ الْفَاعِل ; لِأَنَّ الْخَبِير لَا يَحْتَاج أَنْ يَسْأَل غَيْره . وَلَا يَكُون مِنْ الْمَفْعُول ; لِأَنَّ الْمَسْئُول عَنْهُ وَهُوَ الرَّحْمَن خَبِير أَبَدًا , وَالْحَال فِي أَغْلَب الْأَمْر يَتَغَيَّر وَيَنْتَقِل ; إِلَّا أَنْ يُحْمَل عَلَى أَنَّهَا حَال مُؤَكِّدَة ; مِثْل : &quot; وَهُوَ الْحَقّ مُصَدِّقًا &quot; [ الْبَقَرَة : 91 ] فَيَجُوز . وَأَمَّا &quot; الرَّحْمَن &quot; فَفِي رَفْعه ثَلَاثَة أَوْجُه : يَكُون بَدَلًا مِنْ الْمُضْمَر الَّذِي فِي &quot; اِسْتَوَى &quot; . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَرْفُوعًا بِمَعْنَى هُوَ الرَّحْمَن . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَرْفُوعًا بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَره &quot; فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا &quot; . وَيَجُوز الْخَفْض بِمَعْنَى وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت الرَّحْمَن ; يَكُون نَعْتًا . وَيَجُوز النَّصْب عَلَى الْمَدْح .';
$TAFSEER['4']['25']['60'] = 'أَيْ لِلَّهِ تَعَالَى .

عَلَى جِهَة الْإِنْكَار وَالتَّعَجُّب , أَيْ مَا نَعْرِف الرَّحْمَن إِلَّا رَحْمَن الْيَمَامَة , يَعْنُونَ مُسَيْلِمَة الْكَذَّاب . وَزَعَمَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ أَنَّهُمْ إِنَّمَا جَهِلُوا الصِّفَة لَا الْمَوْصُوف , وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ , بِقَوْلِهِ : &quot; وَمَا الرَّحْمَن &quot; وَلَمْ يَقُولُوا وَمَنْ الرَّحْمَن . قَالَ اِبْن الْحَصَّار : وَكَأَنَّهُ رَحِمَهُ اللَّه لَمْ يَقْرَأ الْآيَة الْأُخْرَى &quot; وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ &quot; [ الرَّعْد : 30 ] .
 
هَذِهِ قِرَاءَة الْمَدَنِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ ; أَيْ لِمَا تَأْمُرنَا أَنْتَ يَا مُحَمَّد . وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم . وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ : &quot; يَأْمُرنَا &quot; بِالْيَاءِ . يَعْنُونَ الرَّحْمَن ; كَذَا تَأَوَّلَهُ أَبُو عُبَيْد , قَالَ : وَلَوْ أَقَرُّوا بِأَنَّ الرَّحْمَن أَمَرَهُمْ مَا كَانُوا كُفَّارًا . فَقَالَ النَّحَّاس : وَلَيْسَ يَجِب أَنْ يُتَأَوَّل عَنْ الْكُوفِيِّينَ فِي قِرَاءَتهمْ هَذَا التَّأْوِيل الْبَعِيد , وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُون التَّأْوِيل لَهُمْ &quot; أَنَسْجُدُ لِمَا يَأْمُرنَا &quot; النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَتَصِحّ الْقِرَاءَة عَلَى هَذَا , وَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى أَبْيَن وَأَقْرَب تَنَاوُلًا .
  
أَيْ زَادَهُمْ قَوْل الْقَائِل لَهُمْ اُسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ نُفُورًا عَنْ الدِّين . وَكَانَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : إِلَهِي زَادَنِي لَك خُضُوعًا مَا زَادَ أَعْدَاءَك نُفُورًا .';
$TAFSEER['4']['25']['61'] = 'أَيْ مَنَازِل وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرهَا

قَالَ اِبْن عَبَّاس : يَعْنِي الشَّمْس ; نَظِيره ; &quot; وَجَعَلَ الشَّمْس سِرَاجًا &quot; [ نُوح : 16 ] . وَقِرَاءَة الْعَامَّة : &quot; سِرَاجًا &quot; بِالتَّوْحِيدِ . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ : &quot; سُرُجًا &quot; يُرِيدُونَ النُّجُوم الْعِظَام الْوَقَّادَة . وَالْقِرَاءَة الْأُولَى عِنْد أَبِي عُبَيْد أَوْلَى ; لِأَنَّهُ تَأَوَّلَ أَنَّ السُّرُج النُّجُوم , وَأَنَّ الْبُرُوج النُّجُوم ; فَيَجِيء الْمَعْنَى نُجُومًا وَنُجُومًا . النَّحَّاس : وَلَكِنَّ التَّأْوِيل لَهُمْ أَنَّ أَبَان بْن تَغْلِب قَالَ : السَّرْج النُّجُوم الدَّرَارِيّ . الثَّعْلَبِيّ : كَالزَّهْرَةِ وَالْمُشْتَرَى وَزُحَل وَالسِّمَاكَيْنِ وَنَحْوهَا .

يُنِير الْأَرْض إِذَا طَلَعَ . وَرَوَى عِصْمَة عَنْ الْأَعْمَش &quot; وَقَمَرًا &quot; بِضَمِّ الْقَاف وَإِسْكَان الْمِيم . وَهَذِهِ قِرَاءَة شَاذَّة , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِلَّا أَنَّ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَهُوَ إِمَام الْمُسْلِمِينَ فِي وَقْته قَالَ : لَا تَكْتُبُوا مَا يَحْكِيه عِصْمَة الَّذِي يَرْوِي الْقِرَاءَات , وَقَدْ أُولِعَ أَبُو حَاتِم السِّجِسْتَانِيّ بِذِكْرِ مَا يَرْوِيه عِصْمَة هَذَا .';
$TAFSEER['4']['25']['62'] = 'فِيهِ أَرْبَع مَسَائِل : 

الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : &quot; خِلْفَة &quot; قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْخِلْفَة كُلّ شَيْء بَعْد شَيْء . وَكُلّ وَاحِد مِنْ اللَّيْل وَالنَّهَار يُخْلِف صَاحِبه . وَيُقَال لِلْمَبْطُونِ : أَصَابَتْهُ خِلْفَة ; أَيْ قِيَام وَقُعُود يَخْلُف هَذَا ذَاكَ . وَمِنْهُ خِلْفَة النَّبَات , وَهُوَ وَرَق يَخْرُج بَعْد الْوَرَق الْأَوَّل فِي الصَّيْف . وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْل زُهَيْر بْن أَبِي سُلْمَى : بِهَا الْعَيْن وَالْآرَام يَمْشِينَ خِلْفَة وَأَطْلَاؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلّ مَجْثَم الرِّئْم وَلَد الظَّبْي وَجَمْعه آرَام ; يَقُول : إِذَا ذَهَبَ فَوْج جَاءَ فَوْج . وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر يَصِف اِمْرَأَة تَنْتَقِل مِنْ مَنْزِل فِي الشِّتَاء إِلَى مَنْزِل فِي الصَّيْف دَأْبًا . وَلَهَا بِالْمَاطِرُونَ إِذَا أَكَلَ النَّمْل الَّذِي جَمَعَا خِلْفَة حَتَّى إِذَا اِرْتَبَعَتْ سَكَنَتْ مِنْ جِلَّق بِيَعَا فِي بُيُوت وَسْط دَسْكَرَة حَوْلهَا الزَّيْتُون قَدْ يَنَعَا قَالَ مُجَاهِد : &quot; خِلْفَة &quot; مِنْ الْخِلَاف ; هَذَا أَبْيَض وَهَذَا أَسْوَد ; وَالْأَوَّل أَقْوَى . وَقِيلَ : يَتَعَاقَبَانِ فِي الضِّيَاء وَالظَّلَّام وَالزِّيَادَة وَالنُّقْصَان . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ بَاب حَذْف الْمُضَاف ; أَيْ جَعَلَ اللَّيْل وَالنَّهَار ذَوِي خِلْفَة , أَيْ اِخْتِلَاف . &quot; لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّر &quot; أَيْ يَتَذَكَّر , فَيَعْلَم أَنَّ اللَّه لَمْ يَجْعَلهُ كَذَلِكَ عَبَثًا فَيَعْتَبِر فِي مَصْنُوعَات اللَّه , وَيَشْكُر اللَّه تَعَالَى عَلَى نِعَمه عَلَيْهِ فِي الْعَقْل وَالْفِكْر وَالْفَهْم . وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَابْن عَبَّاس وَالْحَسَن : مَعْنَاهُ مَنْ فَاتَهُ شَيْء مِنْ الْخَيْر بِاللَّيْلِ أَدْرَكَهُ بِالنَّهَارِ , وَمَنْ فَاتَهُ بِالنَّهَارِ أَدْرَكَهُ بِاللَّيْلِ . وَفِي الصَّحِيح : ( مَا مِنْ اِمْرِئٍ تَكُون لَهُ صَلَاة بِاللَّيْلِ فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا نَوْم فَيُصَلِّي مَا بَيْن طُلُوع الشَّمْس إِلَى صَلَاة الظُّهْر إِلَّا كَتَبَ اللَّه لَهُ أَجْر صَلَاته وَكَانَ نَوْمه عَلَيْهِ صَدَقَة ) . وَرَوَى مُسْلِم عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبه أَوْ عَنْ شَيْء مِنْهُ فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْن صَلَاة الْفَجْر وَصَلَاة الظُّهْر كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنْ اللَّيْل ) . 

الثَّانِيَة : قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : سَمِعْت ذَا الشَّهِيد الْأَكْبَر يَقُول : إِنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ الْعَبْد حَيًّا عَالِمًا , وَبِذَلِكَ كَمَاله , وَسَلَّطَ عَلَيْهِ آفَة النَّوْم وَضَرُورَة الْحَدَث وَنُقْصَان الْخِلْقَة ; إِذْ الْكَمَال لِلْأَوَّلِ الْخَالِق , فَمَا أَمْكَنَ الرَّجُل مِنْ دَفْع النَّوْم بِقِلَّةِ الْأَكْل وَالسَّهَر فِي طَاعَة اللَّه فَلْيَفْعَلْ . وَمِنْ الْغَبْن الْعَظِيم أَنْ يَعِيش الرَّجُل سِتِّينَ سَنَة يَنَام لَيْلهَا فَيَذْهَب النِّصْف مِنْ عُمْره لَغْوًا , وَيَنَام سُدُس النَّهَار رَاحَة فَيَذْهَب ثُلُثَاهُ وَيَبْقَى لَهُ مِنْ الْعُمْر عِشْرُونَ سَنَة , وَمِنْ الْجَهَالَة وَالسَّفَاهَة أَنْ يُتْلِف الرَّجُل ثُلُثَيْ عُمُره فِي لَذَّة فَانِيَة , وَلَا يُتْلِف عُمُره بِسَهَرٍ فِي لَذَّة بَاقِيَة عِنْد الْغَنِيّ الْوَفِيّ الَّذِي لَيْسَ بِعَدِيمٍ وَلَا ظَلُوم . 

الثَّالِثَة : الْأَشْيَاء لَا تَتَفَاضَل بِأَنْفُسِهَا ; فَإِنَّ الْجَوَاهِر وَالْأَعْرَاض مِنْ حَيْثُ الْوُجُود مُتَمَاثِلَة , وَإِنَّمَا يَقَع التَّفَاضُل بِالصِّفَاتِ . وَقَدْ اُخْتُلِفَ أَيّ الْوَقْتَيْنِ أَفْضَل , اللَّيْل أَوْ النَّهَار . وَفِي الصَّوْم غُنْيَة فِي الدَّلَالَة , وَاَللَّه أَعْلَم ; قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ . قُلْت : وَاللَّيْل عَظِيم قَدْره ; أَمَرَ نَبِيّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِقِيَامِهِ فَقَالَ : &quot; وَمِنْ اللَّيْل فَتَهَجَّدَ بِهِ نَافِلَة لَك &quot; [ الْإِسْرَاء : 79 ] , وَقَالَ : &quot; قُمْ اللَّيْل &quot; [ الْمُزَّمِّل : 2 ] عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه . وَمَدَحَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى قِيَامه فَقَالَ : &quot; تَتَجَافَى جَنُوبهمْ عَنْ الْمَضَاجِع &quot; [ السَّجْدَة : 16 ] وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( وَالصَّدَقَة تُطْفِئ الْخَطِيئَة كَمَا يُطْفِئ الْمَاء النَّار وَصَلَاة الرَّجُل فِي جَوْف اللَّيْل وَفِيهِ سَاعَة يُسْتَجَاب فِيهَا الدُّعَاء وَفِيهِ يَنْزِل الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) حَسْبَمَا يَأْتِي بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . 

الرَّابِعَة : قَرَأَ حَمْزَة وَحْده : &quot; يَذْكُر &quot; بِسُكُونِ الذَّال وَضَمّ الْكَافّ . وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن وَثَّاب وَطَلْحَة وَالنَّخَعِيّ . وَفِي مُصْحَف أُبَيّ &quot; يَتَذَكَّر &quot; بِزِيَادَةِ تَاء . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ : &quot; يَذَّكَّر &quot; بِتَشْدِيدِ الْكَاف . وَيَذْكُر وَيَذَّكَّر بِمَعْنًى وَاحِد . وَقِيلَ : مَعْنَى &quot; يَذْكُر &quot; بِالتَّخْفِيفِ أَيْ مَا يَذْكُر مَا نَسِيَهُ فِي أَحَد الْوَقْتَيْنِ فِي الْوَقْت الثَّانِي , أَوْ لِيَذْكُر تَنْزِيه اللَّه وَتَسْبِيحه فِيهَا . &quot; أَوْ أَرَادَ شُكُورًا &quot; يُقَال : شَكَرَ يَشْكُر شُكْرًا وَشُكُورًا , مِثْل كُفْر يُكْفُر كُفْرًا وَكُفُورًا . وَهَذَا الشُّكُور عَلَى أَنَّهُمَا جَعَلَهُمَا قِوَامًا لِمَعَاشِهِمْ . وَكَأَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا : &quot; وَمَا الرَّحْمَن &quot; قَالُوا : هُوَ الَّذِي يَقْدِر عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاء .';
$TAFSEER['4']['25']['63'] = 'لَمَّا ذَكَرَ جَهَالَات الْمُشْرِكِينَ وَطَعْنَهُمْ فِي الْقُرْآن وَالنُّبُوَّة ذَكَرَ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا وَذَكَرَ صِفَاتهمْ , وَأَضَافَهُمْ إِلَى عُبُودِيَّته تَشْرِيفًا لَهُمْ , كَمَا قَالَ : &quot; سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ &quot; [ الْإِسْرَاء : 1 ] . وَقَدْ تَقَدَّمَ فَمَنْ أَطَاعَ اللَّه وَعَبَدَهُ وَشَغَلَ سَمِعَهُ وَبَصَره وَلِسَانه وَقَلْبه بِمَا أَمَرَهُ فَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِقّ اِسْم الْعُبُودِيَّة , وَمَنْ كَانَ بِعَكْسِ هَذَا شَمَلَهُ قَوْله تَعَالَى : &quot; أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ &quot; [ الْأَعْرَاف : 179 ] يَعْنِي فِي عَدَم الِاعْتِبَار ; كَمَا تَقَدَّمَ فِي &quot; الْأَعْرَاف &quot; . وَكَأَنَّهُ قَالَ : وَعِبَاد الرَّحْمَن هُمْ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض , فَحُذِفَ هُمْ ; كَقَوْلِك : زَيْد الْأَمِير , أَيْ زَيْد هُوَ الْأَمِير . فَ &quot; الَّذِينَ &quot; خَبَر مُبْتَدَأ مَحْذُوف ; قَالَهُ الْأَخْفَش . وَقِيلَ : الْخَبَر قَوْله فِي آخِر السُّورَة : &quot; أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَة بِمَا صَبَرُوا &quot; [ الْفُرْقَان : 75 ] وَمَا بَيْن الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر أَوْصَاف لَهُمْ وَمَا تَعَلَّقَ بِهَا ; قَالَهُ الزَّجَّاج . قَالَ : وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْخَبَر &quot; الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض &quot; . وَ &quot; يَمْشُونَ &quot; عِبَارَة عَنْ عَيْشهمْ وَمُدَّة حَيَاتهمْ وَتَصَرُّفَاتهمْ , فَذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ الْعِظَم , لَا سِيَّمَا وَفِي ذَلِكَ الِانْتِقَال فِي الْأَرْض ; وَهُوَ مُعَاشَرَة النَّاس وَخُلْطَتهمْ . قَوْله تَعَالَى : &quot; هَوْنًا &quot; الْهَوْن مَصْدَر الْهَيِّن وَهُوَ مِنْ السَّكِينَة وَالْوَقَار . وَفِي التَّفْسِير : يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض حُلَمَاء مُتَوَاضِعِينَ , يَمْشُونَ فِي اِقْتِصَاد . وَالْقَصْد وَالتُّؤَدَة وَحُسْن السَّمْت مِنْ أَخْلَاق النُّبُوَّة . وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيّهَا النَّاس عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَإِنَّ الْبِرّ لَيْسَ فِي الْإِيضَاع ) وَرُوِيَ فِي صِفَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا زَالَ زَالَ تَقَلُّعًا , وَيَخْطُو تَكَفُّؤًا , وَيَمْشِي هَوْنًا , ذَرِيع الْمِشْيَة إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطّ مِنْ صَبَب . التَّقَلُّع , رَفْع الرِّجْل بِقُوَّةٍ وَالتَّكَفُّؤ : الْمَيْل إِلَى سُنَن الْمَشْي وَقَصْده . وَالْهَوْن الرِّفْق وَالْوَقَار . وَالذَّرِيع الْوَاسِع الْخُطَا ; أَيْ أَنَّ مَشْيه كَانَ يَرْفَع فِيهِ رِجْله بِسُرْعَةٍ وَيَمُدّ خَطْوه ; خِلَاف مِشْيَة الْمُخْتَال , وَيَقْصِد سَمْته ; وَكُلّ ذَلِكَ بِرِفْقٍ وَتَثَبُّت دُون عَجَلَة . كَمَا قَالَ : كَأَنَّمَا يَنْحَطّ مِنْ صَبَب , قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاض . وَكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يُسْرِع جِبِلَّة لَا تَكَلُّفًا . قَالَ الزُّهْرِيّ : سُرْعَة الْمَشْي تُذْهِب بَهَاء الْوَجْه . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : يُرِيد الْإِسْرَاع الْحَثِيث لِأَنَّهُ يُخِلّ بِالْوَقَارِ ; وَالْخَيْر فِي التَّوَسُّط . وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَم : كُنْت أَسْأَل عَنْ تَفْسِير قَوْله تَعَالَى : &quot; الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض هَوْنًا &quot; فَمَا وَجَدْت مِنْ ذَلِكَ شِفَاء , فَرَأَيْت فِي الْمَنَام مَنْ جَاءَنِي فَقَالَ لِي : هُمْ الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ أَنْ يُفْسِدُوا فِي الْأَرْض . قَالَ الْقُشَيْرِيّ ; وَقِيلَ لَا يَمْشُونَ لِإِفْسَادِ وَمَعْصِيَة , بَلْ فِي طَاعَة اللَّه وَالْأُمُور الْمُبَاحَة مِنْ غَيْر هَوَك . وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْض مَرَحًا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ كُلّ مُخْتَال فَخُور &quot; [ لُقْمَان : 18 ] . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : بِالطَّاعَةِ وَالْمَعْرُوف وَالتَّوَاضُع . الْحَسَن : حُلَمَاء إِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجْهَلُوا . وَقِيلَ : لَا يَتَكَبَّرُونَ عَلَى النَّاس . قُلْت : وَهَذِهِ كُلّهَا مَعَانٍ مُتَقَارِبَة , وَيَجْمَعهَا الْعِلْم بِاَللَّهِ وَالْخَوْف مِنْهُ , وَالْمَعْرِفَة بِأَحْكَامِهِ وَالْخَشْيَة مِنْ عَذَابه وَعِقَابه ; جَعَلْنَا اللَّه مِنْهُمْ بِفَضْلِهِ وَمِنْهُ . وَذَهَبَتْ فِرْقَة إِلَى أَنَّ &quot; هَوْنًا &quot; مُرْتَبِط بِقَوْلِهِ : &quot; يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض &quot; , أَنَّ الْمَشْي هُوَ هَوْن . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَيُشْبِه أَنْ يُتَأَوَّل هَذَا عَلَى أَنْ تَكُون أَخْلَاق ذَلِكَ الْمَاشِي هَوْنًا مُنَاسَبَة لِمَشْيِهِ , فَيَرْجِع الْقَوْل إِلَى نَحْو مَا بَيَّنَّاهُ . وَأَمَّا أَنْ يَكُون الْمُرَاد صِفَة الْمَشْي وَحْده فَبَاطِل ; لِأَنَّهُ رُبَّ مَاشٍ هَوْنًا رُوَيْدًا وَهُوَ ذِئْب أَطْلَس . وَقَدْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَكَفَّأ فِي مَشْيه كَأَنَّمَا يَنْحَطّ فِي صَبَب . وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الصَّدْر فِي هَذِهِ الْأُمَّة . وَقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( مَنْ مَشَى مِنْكُمْ فِي طَمَع فَلْيَمْشِ رُوَيْدًا ) إِنَّمَا أَرَادَ فِي عَقْد نَفْسه , وَلَمْ يُرِدْ الْمَشْي وَحْده . أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُبْطِلِينَ الْمُتَحَلِّينَ بِالدِّينِ تَمَسَّكُوا بِصُورَةِ الْمَشْي فَقَطْ ; حَتَّى قَالَ فِيهِمْ الشَّاعِر ذَمًّا لَهُمْ : كُلّهمْ يَمْشِي رُوَيْدَا كُلّهمْ يَطْلُب صَيْدَا قُلْت : وَفِي عَكْسه أَنْشَدَ اِبْن الْعَرَبِيّ لِنَفْسِهِ . تَوَاضَعْت فِي الْعَلْيَاء وَالْأَصْل كَابِر وَحُزْت قِصَاب السَّبْق بِالْهَوْنِ فِي الْأَمْر سُكُون فَلَا خُبْث السَّرِيرَة أَصْله وَجُلّ سُكُون النَّاس مِنْ عِظَم الْكِبْر   

قَالَ النَّحَّاس : لَيْسَ &quot; سَلَامًا &quot; مِنْ التَّسْلِيم إِنَّمَا هُوَ مِنْ التَّسَلُّم ; تَقُول الْعَرَب : سَلَامًا , أَيْ تَسَلُّمًا مِنْك , أَيْ بَرَاءَة مِنْك . مَنْصُوب عَلَى أَحَد أَمْرَيْنِ : يَجُوز أَنْ يَكُون مَنْصُوبًا بِ &quot; قَالُوا &quot; , وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَصْدَرًا ; وَهَذَا قَوْل سِيبَوَيْهِ . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَاَلَّذِي أَقُولهُ : إِنْ &quot; قَالُوا &quot; هُوَ الْعَامِل فِي &quot; سَلَامًا &quot; لِأَنَّ الْمَعْنَى قَالُوا هَذَا اللَّفْظ . وَقَالَ مُجَاهِد : مَعْنَى &quot; سَلَامًا &quot; سَدَادًا . أَيْ يَقُول لِلْجَاهِلِ كَلَامًا يَدْفَعهُ بِهِ بِرِفْقٍ وَلِين . فَ &quot; قَالُوا &quot; عَلَى هَذَا التَّأْوِيل عَامِل فِي قَوْله : &quot; سَلَامًا &quot; عَلَى طَرِيقَة النَّحْوِيِّينَ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ بِمَعْنَى قَوْلًا . وَقَالَتْ فِرْقَة : يَنْبَغِي لِلْمُخَاطَبِ أَنْ يَقُول لِلْجَاهِلِ سَلَامًا ; بِهَذَا اللَّفْظ . أَيْ سَلَّمْنَا سَلَامًا أَوْ تَسْلِيمًا , وَنَحْو هَذَا ; فَيَكُون الْعَامِل فِيهِ فِعْلًا مِنْ لَفْظه عَلَى طَرِيقَة النَّحْوِيِّينَ . 

مَسْأَلَة : هَذِهِ الْآيَة كَانَتْ قَبْل آيَة السَّيْف , نُسِخَ مِنْهَا مَا يَخُصّ الْكَفَرَة وَبَقِيَ أَدَبهَا فِي الْمُسْلِمِينَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . وَذَكَرَ سِيبَوَيْهِ النَّسْخ فِي هَذِهِ الْآيَة فِي كِتَابه , وَمَا تَكَلَّمَ فِيهِ عَلَى نَسْخ سِوَاهُ ; رَجَّحَ بِهِ أَنَّ الْمُرَاد السَّلَامَة لَا التَّسْلِيم ; لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يُؤْمَرُوا قَطُّ بِالسَّلَامِ عَلَى الْكَفَرَة . وَالْآيَة مَكِّيَّة فَنَسَخَتْهَا آيَة السَّيْف . قَالَ النَّحَّاس : وَلَا نَعْلَم لِسِيبَوَيْهِ كَلَامًا فِي مَعْنَى النَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ إِلَّا فِي هَذِهِ الْآيَة . قَالَ سِيبَوَيْهِ : لَمْ يُؤْمَر الْمُسْلِمُونَ يَوْمئِذٍ أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ لَكِنَّهُ عَلَى مَعْنَى قَوْله : تَسَلُّمًا مِنْكُمْ , وَلَا خَيْر وَلَا شَرّ بَيْننَا وَبَيْنكُمْ . الْمُبَرِّد : كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَال : لَمْ يُؤْمَر الْمُسْلِمُونَ يَوْمئِذٍ بِحَرْبِهِمْ ثُمَّ أُمِرُوا بِحَرْبِهِمْ . مُحَمَّد بْن يَزِيد . أَخْطَأَ سِيبَوَيْهِ فِي هَذَا وَأَسَاءَ الْعِبَارَة . اِبْن الْعَرَبِيّ : لَمْ يُؤْمَر الْمُسْلِمُونَ يَوْمئِذٍ أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَلَا نُهُوا عَنْ ذَلِكَ , بَلْ أُمِرُوا بِالصَّفْحِ وَالْهَجْر الْجَمِيل , وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَقِف عَلَى أَنْدِيَتهمْ وَيُحْيِيهِمْ وَيُدَانِيهِمْ وَلَا يُدَاهِنهُمْ . وَقَدْ اِتَّفَقَ النَّاس عَلَى أَنَّ السَّفِيه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا جَفَاك يَجُوز أَنْ تَقُول لَهُ سَلَام عَلَيْك . قُلْت : هَذَا الْقَوْل أَشْبَه بِدَلَائِل السُّنَّة . وَقَدْ بَيَّنَّا فِي سُورَة &quot; مَرْيَم &quot; اِخْتِلَاف الْعُلَمَاء فِي جَوَاز التَّسْلِيم عَلَى الْكُفَّار , فَلَا حَاجَة إِلَى دَعْوَى النَّسْخ ; وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ ذَكَرَ النَّضْر بْن شُمَيْل قَالَ حَدَّثَنِي الْخَلِيل قَالَ : أَتَيْت أَبَا رَبِيعَة الْأَعْرَابِيّ وَكَانَ مِنْ أَعْلَم مَنْ رَأَيْت , فَإِذَا هُوَ عَلَى سَطْح , فَلَمَّا سَلَّمْنَا رَدَّ عَلَيْنَا السَّلَام وَقَالَ لَنَا : اِسْتَوُوا . وَبَقِينَا مُتَحَيِّرِينَ وَلَمْ نَدْرِ مَا قَالَ . فَقَالَ لَنَا أَعْرَابِيّ إِلَى جَنْبه : أَمَرَكُمْ أَنْ تَرْتَفِعُوا . قَالَ الْخَلِيل : هُوَ مِنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : &quot; ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان &quot; [ فُصِّلَتْ : 11 ] فَصَعِدْنَا إِلَيْهِ فَقَالَ : هَلْ لَكُمْ فِي خُبْز فَطَيْر , وَلَبَن هَجِير , وَمَاء نَمِير ؟ فَقُلْنَا : السَّاعَة فَارَقْنَاهُ . فَقَالَ : سَلَامًا . فَلَمْ نَدْرِ مَا قَالَ . قَالَ . قَالَ : الْأَعْرَابِيّ : إِنَّهُ سَأَلَكُمْ مُتَارَكَة لَا خَيْر فِيهَا وَلَا شَرّ . فَقَالَ الْخَلِيل : هُوَ مِنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : &quot; وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا &quot; . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَرَأَيْت فِي بَعْض التَّوَارِيخ أَنَّ إِبْرَاهِيم بْن الْمَهْدِيّ - وَكَانَ مِنْ الْمَائِلِينَ عَلَى عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - قَالَ يَوْمًا بِحَضْرَةِ الْمَأْمُون وَعِنْده جَمَاعَة : كُنْت أَرَى عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب فِي النَّوْم فَكُنْت أَقُول لَهُ مَنْ أَنْتَ ؟ فَكَانَ يَقُول : عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب . فَكُنْت أَجِيء مَعَهُ إِلَى قَنْطَرَة فَيَذْهَب فَيَتَقَدَّمنِي فِي عُبُورهَا . فَكُنْت أَقُول : إِنَّمَا تَدَّعِي هَذَا الْأَمْر بِامْرَأَةٍ وَنَحْنُ أَحَقّ بِهِ مِنْك . فَمَا رَأَيْت لَهُ فِي الْجَوَاب بَلَاغَة كَمَا يُذْكَر عَنْهُ . قَالَ الْمَأْمُون : وَبِمَاذَا جَاوَبَك ؟ قَالَ : فَكَانَ يَقُول لِي سَلَامًا . قَالَ الرَّاوِي : فَكَأَنَّ إِبْرَاهِيم بْن الْمَهْدِيّ لَا يَحْفَظ الْآيَة أَوْ ذَهَبَتْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْت . فَنَبَّهَ الْمَأْمُون عَلَى الْآيَة مَنْ حَضَرَهُ وَقَالَ : هُوَ وَاَللَّه يَا عَمّ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , وَقَدْ جَاوَبَك بِأَبْلَغِ جَوَاب , فَخُزِيَ إِبْرَاهِيم وَاسْتَحْيَا . وَكَانَتْ رُؤْيَا لَا مَحَالَة صَحِيحَة .';
$TAFSEER['4']['25']['64'] = 'قَالَ الزَّجَّاج : بَاتَ الرَّجُل يَبِيت إِذَا أَدْرَكَهُ اللَّيْل , نَامَ أَوْ لَمْ يَنَمْ . قَالَ زُهَيْر : فَبِتْنَا قِيَامًا عِنْد رَأْس جَوَادنَا يُزَاوِلُنَا عَنْ نَفْسه وَنُزَاوِلهُ وَأَنْشَدُوا فِي صِفَة الْأَوْلِيَاء : اِمْنَعْ جُفُونك أَنْ تَذُوق مَنَامًا وَاذْرِ الدُّمُوع عَلَى الْخُدُود سِجَامًا وَاعْلَمْ بِأَنَّك مَيِّت وَمُحَاسَب يَا مَنْ عَلَى سُخْط الْجَلِيل أَقَامَا لِلَّهِ قَوْم أَخْلَصُوا فِي حُبّه فَرَضِيَ بِهِمْ وَاخْتَصَّهُمْ خُدَّامًا قَوْم إِذَا جَنَّ الظَّلَّام عَلَيْهِمْ بَاتُوا هُنَالِكَ سُجَّدًا وَقِيَامًا خُمْص الْبُطُون مِنْ التَّعَفُّف ضُمَّرًا لَا يَعْرِفُونَ سِوَى الْحَلَال طَعَامًا وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَر بَعْد الْعِشَاء فَقَدْ بَاتَ لِلَّهِ سَاجِدًا وَقَائِمًا . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : مَنْ أَقَامَ رَكْعَتَيْنِ بَعْد الْمَغْرِب وَأَرْبَعًا بَعْد الْعِشَاء فَقَدْ بَاتَ سَاجِدًا وَقَائِمًا .';
$TAFSEER['4']['25']['65'] = 'أَيْ هُمْ مَعَ طَاعَتهمْ مُشْفِقُونَ خَائِفُونَ وَجِلُونَ مِنْ عَذَاب اللَّه . اِبْن عَبَّاس : يَقُولُونَ ذَلِكَ فِي سُجُودهمْ وَقِيَامهمْ .
 
أَيْ لَازِمًا دَائِمًا غَيْر مُفَارِق . وَمِنْهُ سُمِّيَ الْغَرِيم لِمُلَازَمَتِهِ . وَيُقَال : فُلَان مُغْرَم بِكَذَا أَيْ لَازِم لَهُ مُولَع بِهِ . وَهَذَا مَعْنَاهُ فِي كَلَام الْعَرَب فِيمَا ذَكَرَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ وَابْن عَرَفَة وَغَيْرهمَا . وَقَالَ الْأَعْشَى : إِنْ يُعَاقِب يَكُنْ غَرَامًا وَإِنْ يُعْطِ جَزِيلًا فَإِنَّهُ لَا يُبَالِي وَقَالَ الْحَسَن : قَدْ عَلِمُوا أَنَّ كُلّ غَرِيم يُفَارِق غَرِيمه إِلَّا غَرِيم جَهَنَّم . وَقَالَ الزَّجَّاج : الْغَرَام أَشَدّ الْعَذَاب . وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْغَرَام الشَّرّ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْهَلَاك . وَالْمَعْنَى وَاحِد . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : طَالَبَهُمْ اللَّه تَعَالَى بِثَمَنِ النَّعِيم فِي الدُّنْيَا فَلَمْ يَأْتُوا بِهِ , فَأَغْرَمَهُمْ ثَمَنهَا بِإِدْخَالِهِمْ النَّار .';
$TAFSEER['4']['25']['66'] = 'أَيْ بِئْسَ الْمُسْتَقَرّ وَبِئْسَ الْمُقَام . أَيْ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ عَنْ عِلْم , وَإِذَا قَالُوهُ عَنْ عِلْم كَانُوا أَعْرَف بِعِظَمِ قَدْر مَا يَطْلُبُونَ , فَيَكُون ذَلِكَ أَقْرَب إِلَى النَّجْح .';
$TAFSEER['4']['25']['67'] = 'اِخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة . فَقَالَ النَّحَّاس : وَمِنْ أَحْسَن مَا قِيلَ فِي مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ أَنْفَقَ فِي غَيْر طَاعَة اللَّه فَهُوَ الْإِسْرَاف , وَمَنْ أَمْسَكَ عَنْ طَاعَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ الْإِقْتَار , وَمَنْ أَنْفَقَ , فِي طَاعَة اللَّه تَعَالَى فَهُوَ الْقَوَام . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : مَنْ أَنْفَقَ مِائَة أَلْف فِي حَقّ فَلَيْسَ بِسَرَفٍ , وَمَنْ أَنْفَقَ دِرْهَمًا فِي غَيْر حَقّه فَهُوَ سَرَف , وَمَنْ مَنَعَ مِنْ حَقّ عَلَيْهِ فَقَدْ قَتَرَ . وَقَالَهُ مُجَاهِد وَابْن زَيْد وَغَيْرهمَا . وَقَالَ عَوْن بْن عَبْد اللَّه : الْإِسْرَاف أَنْ تُنْفِق مَال غَيْرك . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا وَنَحْوه غَيْر مُرْتَبِط بِالْآيَةِ , وَالْوَجْه أَنْ يُقَال . إِنَّ النَّفَقَة فِي مَعْصِيَة أَمْر قَدْ حَظَرَتْ الشَّرِيعَة قَلِيله وَكَثِيره وَكَذَلِكَ التَّعَدِّي عَلَى مَال الْغَيْر , وَهَؤُلَاءِ الْمَوْصُوفُونَ مُنَزَّهُونَ عَنْ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا التَّأْدِيب فِي هَذِهِ الْآيَة هُوَ فِي نَفَقَة الطَّاعَات فِي الْمُبَاحَات , فَأَدَّبَ الشَّرْع فِيهَا أَلَّا يُفَرِّط الْإِنْسَان حَتَّى يُضَيِّع حَقًّا آخَر أَوْ عِيَالًا وَنَحْو هَذَا , وَأَلَّا يُضَيِّق أَيْضًا وَيَقْتُر حَتَّى يُجِيع الْعِيَال وَيُفْرِط فِي الشُّحّ , وَالْحَسَن فِي ذَلِكَ هُوَ الْقَوَام , أَيْ الْعَدْل , وَالْقَوَام فِي كُلّ وَاحِد بِحَسَبِ عِيَاله وَحَاله , وَخِفَّة ظَهْره وَصَبْره وَجَلَده عَلَى الْكَسْب , أَوْ ضِدّ هَذِهِ الْخِصَال , وَخَيْر الْأُمُور أَوْسَاطهَا ; وَلِهَذَا تَرَكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق أَنْ يَتَصَدَّق بِجَمِيعِ مَاله ; لِأَنَّ ذَلِكَ وَسَط بِنِسْبَةِ جَلَده وَصَبْره فِي الدِّين , وَمَنَعَ غَيْره مِنْ ذَلِكَ . وَنِعْمَ مَا قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ : هُوَ الَّذِي لَا يُجِيع وَلَا يُعْرِي وَلَا يُنْفِق نَفَقَة يَقُول النَّاس قَدْ أَسْرَفَ . وَقَالَ يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب : هُمْ الَّذِينَ لَا يَلْبَسُونَ الثِّيَاب لِجَمَالٍ , وَلَا يَأْكُلُونَ طَعَامًا لِلَذَّةِ . وَقَالَ يَزِيد أَيْضًا فِي هَذِهِ الْآيَة : أُولَئِكَ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا لَا يَأْكُلُونَ طَعَامًا لِلتَّنْعِيمِ وَاللَّذَّة , وَلَا يَلْبَسُونَ ثِيَابًا لِلْجَمَالِ , وَلَكِنْ كَانُوا يُرِيدُونَ مِنْ الطَّعَام مَا يَسُدّ عَنْهُمْ الْجُوع وَيُقَوِّيهِمْ عَلَى عِبَادَة رَبّهمْ , وَمِنْ اللِّبَاس مَا يَسْتُر عَوْرَاتهمْ وَيُكَنِّهِمْ مِنْ الْحَرّ وَالْبَرْد . وَقَالَ عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان لِعُمَرَ بْن عَبْد الْعَزِيز حِين زَوَّجَهُ اِبْنَته فَاطِمَة : مَا نَفَقَتك ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَر : الْحَسَنَة بَيْن سَيِّئَتَيْنِ , ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة . وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : كَفَى بِالْمَرْءِ سَرَفًا أَلَّا يَشْتَهِي شَيْئًا إِلَّا اِشْتَرَاهُ فَأَكَلَهُ . وَفِي سُنَن اِبْن مَاجَهْ عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مِنْ السَّرَف أَنْ تَأْكُل كُلّ مَا اِشْتَهَيْت ) وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : لَمْ يَزِيدُوا عَلَى الْمَعْرُوف وَلَمْ يَبْخَلُوا . كَقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; وَلَا تَجْعَل يَدك مَغْلُولَة إِلَى عُنُقك وَلَا تَبْسُطهَا كُلّ الْبَسْط &quot; [ الْإِسْرَاء : 29 ] وَقَالَ الشَّاعِر : وَلَا تَغْلُ فِي شَيْء مِنْ الْأَمْر وَاقْتَصِدْ كِلَا طَرَفَيْ قَصْد الْأُمُور ذَمِيم وَقَالَ آخَر : إِذَا الْمَرْء أَعْطَى نَفْسه كُلّ مَا اِشْتَهَتْ وَلَمْ يَنْهَهَا تَاقَتْ إِلَى كُلّ بَاطِل وَسَاقَتْ إِلَيْهِ الْإِثْم وَالْعَار بِاَلَّذِي دَعَتْهُ إِلَيْهِ مِنْ حَلَاوَة عَاجِل وَقَالَ عُمَر لِابْنِهِ عَاصِم : يَا بُنَيَّ , كُلْ فِي نِصْف بَطْنك ; وَلَا تَطْرَح ثَوْبًا حَتَّى تَسْتَخْلِقهُ , وَلَا تَكُنْ مِنْ قَوْم يَجْعَلُونَ مَا رَزَقَهُمْ اللَّه فِي بُطُونهمْ وَعَلَى ظُهُورهمْ . وَلِحَاتِمِ طَيِّئ : إِذَا أَنْتَ قَدْ أَعْطَيْت بَطْنك سُؤْله وَفَرْجك نَالَا مُنْتَهَى الذَّمّ أَجْمَعَا &quot; وَلَمْ يَقْتُرُوا &quot; 

قَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَالْأَعْمَش وَعَاصِم وَيَحْيَى بْن وَثَّاب عَلَى اِخْتِلَاف عَنْهُمَا &quot; يَقْتُرُوا &quot; بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمّ التَّاء , وَهِيَ قِرَاءَة حَسَنَة ; مِنْ قَتَرَ يَقْتُر . وَهَذَا الْقِيَاس فِي اللَّازِم , مِثْل قَعَدَ يَقْعُد . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء وَابْن كَثِير بِفَتْحِ الْيَاء وَكَسْر التَّاء , وَهِيَ لُغَة مَعْرُوفَة حَسَنَة . وَقَرَأَ أَهْل الْمَدِينَة وَابْن عَامِر وَأَبُو بَكْر عَنْ عَاصِم بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر - التَّاء . قَالَ الثَّعْلَبِيّ : كُلّهَا لُغَات صَحِيحَة . النَّحَّاس : وَتَعَجَّبَ أَبُو حَاتِم مِنْ قِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة هَذِهِ ; لِأَنَّ أَهْل الْمَدِينَة عِنْده لَا يَقَع فِي قِرَاءَتهمْ الشَّاذّ , وَإِنَّمَا يُقَال : أَقْتَرَ يُقْتِر إِذَا اِفْتَقَرَ , كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : &quot; وَعَلَى الْمُقْتِر قَدَره &quot; [ الْبَقَرَة : 236 ] وَتَأَوَّلَ أَبُو حَاتِم لَهُمْ أَنَّ الْمُسْرِف يَفْتَقِر سَرِيعًا . وَهَذَا تَأْوِيل بَعِيد , وَلَكِنَّ التَّأْوِيل لَهُمْ أَنَّ أَبَا عُمَر الْجَرْمِيّ حَكَى عَنْ الْأَصْمَعِيّ أَنَّهُ يُقَال لِلْإِنْسَانِ إِذَا ضَيَّقَ : قَتَرَ يَقْتُر وَيَقْتَر , وَأَقْتَرَ يُقْتِر . فَعَلَى هَذَا تَصِحّ الْقِرَاءَة , وَإِنْ كَانَ فَتْح الْيَاء أَصَحّ وَأَقْرَب مُتَنَاوَلًا , وَأَشْهَر وَأَعْرَف . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَالنَّاس &quot; قَوَامًا &quot; بِفَتْحِ الْقَاف ; يَعْنِي عَدْلًا . وَقَرَأَ حَسَّان بْن عَبْد الرَّحْمَن : &quot; قِوَامًا &quot; بِكَسْرِ الْقَاف ; أَيْ مَبْلَغًا وَسَدَادًا وَمِلَاك حَال . وَالْقِوَام بِكَسْرِ الْقَاف , مَا يَدُوم عَلَيْهِ الْأَمْر وَيَسْتَقِرّ . وَقِيلَ : هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى . وَ &quot; قَوَامًا &quot; خَبَر كَانَ , وَاسْمهَا مُقَدَّر فِيهَا , أَيْ كَانَ الْإِنْفَاق بَيْن الْإِسْرَاف وَالْقَتْر قَوَامًا ; قَالَ الْفَرَّاء . وَلَهُ قَوْل آخَر يَجْعَل &quot; بَيْن &quot; اِسْم كَانَ وَيَنْصِبهَا ; لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظ كَثِير اِسْتِعْمَالهَا فَتُرِكَتْ عَلَى حَالهَا فِي مَوْضِع الرَّفْع . قَالَ النَّحَّاس : مَا أَدْرِي مَا وَجْه هَذَا ; لِأَنَّ &quot; بَيْن &quot; إِذَا كَانَتْ فِي مَوْضِع رَفْع رُفِعَتْ ; كَمَا يُقَال : بَيْن عَيْنَيْهِ أَحْمَر .';
$TAFSEER['4']['25']['68'] = 'إِخْرَاج لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ صِفَات الْكَفَرَة فِي عِبَادَتهمْ الْأَوْثَان , وَقَتْلهمْ النَّفْس بِوَأْدِ الْبَنَات ; وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الظُّلْم وَالِاغْتِيَال , وَالْغَارَات , وَمِنْ الزِّنَى الَّذِي كَانَ عِنْدهمْ مُبَاحًا . وَقَالَ مَنْ صَرَفَ هَذِهِ الْآيَة عَنْ ظَاهِرهَا مِنْ أَهْل الْمَعَانِي : لَا يَلِيق بِمَنْ أَضَافَهُمْ الرَّحْمَن إِلَيْهِ إِضَافَة الِاخْتِصَاص , وَذِكْرُهُمْ وَوَصْفُهُمْ مِنْ صِفَات الْمَعْرِفَة وَالتَّشْرِيف وُقُوع هَذِهِ الْأُمُور الْقَبِيحَة مِنْهُمْ حَتَّى يُمْدَحُوا بِنَفْيِهَا عَنْهُمْ لِأَنَّهُمْ أَعْلَى وَأَشْرَف , فَقَالَ : مَعْنَاهَا لَا يَدْعُونَ الْهَوَى إِلَهًا , وَلَا يُذِلُّونَ أَنْفُسهمْ بِالْمَعَاصِي فَيَكُون قَتْلًا لَهَا . وَمَعْنَى &quot; إِلَّا بِالْحَقِّ &quot; أَيْ إِلَّا بِسِكِّينِ الصَّبْر وَسَيْف الْمُجَاهَدَة فَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى نِسَاء لَيْسَتْ لَهُمْ بِمَحْرَمٍ بِشَهْوَةٍ فَيَكُون سِفَاحًا ; بَلْ بِالضَّرُورَةِ فَيَكُون كَالنِّكَاحِ . قَالَ شَيْخنَا أَبُو الْعَبَّاس : وَهَذَا كَلَام رَائِق غَيْر أَنَّهُ عِنْد السَّبْر مَائِق . وَهِيَ نَبْعَة بَاطِنِيَّة وَنَزْعَة بَاطِلِيَّة وَإِنَّمَا صَحَّ تَشْرِيف عِبَاد اللَّه بِاخْتِصَاصِ الْإِضَافَة بَعْد أَنْ تَحَلَّوْا بِتِلْكَ الصِّفَات الْحَمِيدَة وَتَخَلَّوْا عَنْ نَقَائِض ذَلِكَ مِنْ الْأَوْصَاف الذَّمِيمَة , فَبَدَأَ فِي صَدْر هَذِهِ الْآيَات بِصِفَاتِ التَّحَلِّي تَشْرِيفًا لَهُمْ , ثُمَّ أَعْقَبَهَا بِصِفَاتِ التَّخَلِّي تَبْعِيدًا لَهَا ; وَاَللَّه أَعْلَم . قُلْت : وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى بُطْلَان مَا اِدَّعَاهُ هَذَا الْقَائِل مِنْ أَنَّ تِلْكَ الْأُمُور لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرهَا مَا رَوَى مُسْلِم مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ قُلْت : يَا رَسُول اللَّه , أَيّ الذَّنْب أَكْبَر عِنْد اللَّه ؟ قَالَ : ( أَنْ تَدْعُو لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك ) قَالَ : ثُمَّ أَيّ ؟ قَالَ : ( أَنْ تَقْتُل وَلَدك مَخَافَة أَنْ يَطْعَم ) قَالَ : ثُمَّ أَيّ ؟ قَالَ : ( أَنْ تُزَانِي حَلِيلَة جَارك ) فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى تَصْدِيقهَا : &quot; وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا &quot; . وَالْأَثَام فِي كَلَام الْعَرَب الْعِقَاب , وَبِهِ قَرَأَ اِبْن زَيْد وَقَتَادَة هَذِهِ الْآيَة . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : جَزَى اللَّه اِبْن عُرْوَة حَيْثُ أَمْسَى عَقُوقًا وَالْعُقُوق لَهُ أَثَام أَيْ جَزَاء وَعُقُوبَة . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو وَعِكْرِمَة وَمُجَاهِد : إِنَّ &quot; أَثَامًا &quot; وَادٍ فِي جَهَنَّم جَعَلَهُ اللَّه عِقَابًا لِلْكَفَرَةِ . قَالَ الشَّاعِر : لَقِيت الْمَهَالِك فِي حَرْبنَا وَبَعْد الْمَهَالِك تَلْقَى أَثَامًا وَقَالَ السُّدِّيّ : جَبَل فِيهَا . قَالَ : وَكَانَ مَقَامنَا نَدْعُو عَلَيْهِمْ بِأَبْطَحَ ذِي الْمَجَاز لَهُ أَثَام وَفِي صَحِيح مُسْلِم أَيْضًا عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْل الشِّرْك قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا ; فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : إِنَّ الَّذِي تَقُول وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَن , وَهُوَ يُخْبِرنَا بِأَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَة , فَنَزَلَتْ : &quot; وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا &quot; . وَنَزَلَ : &quot; يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ &quot; [ الزُّمَر : 53 ] الْآيَة . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة , &quot; يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا &quot; نَزَلَتْ فِي وَحْشِيّ قَاتِل حَمْزَة ; قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر وَابْن عَبَّاس . وَسَيَأْتِي فِي &quot; الزُّمَر &quot; بَيَانه . قَوْله تَعَالَى : &quot; إِلَّا بِالْحَقِّ &quot; أَيْ بِمَا يَحِقّ أَنْ تُقْتَل بِهِ النُّفُوس مِنْ كُفْر بَعْد إِيمَان أَوْ زِنًى بَعْد إِحْصَان ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي &quot; الْأَنْعَام &quot; . &quot; وَلَا يَزْنُونَ &quot; فَيَسْتَحِلُّونَ الْفُرُوج بِغَيْرِ نِكَاح وَلَا مِلْك يَمِين . وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَة عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بَعْد الْكُفْر أَعْظَم مِنْ قَتْل النَّفْس بِغَيْرِ الْحَقّ ثُمَّ الزِّنَى ; وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي حَدّ الزِّنَا الْقَتْل لِمَنْ كَانَ مُحْصَنًا أَوْ أَقْصَى الْجَلْد لِمَنْ كَانَ غَيْر مُحْصَن .';
$TAFSEER['4']['25']['69'] = 'قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامِر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ يُضَاعَف . وَيَخْلُد جَزْمًا . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير : &quot; يُضَعَّف &quot; بِشَدِّ الْعَيْن وَطَرْح الْأَلِف وَبِالْجَزْمِ فِي &quot; يُضَعَّف . وَيَخْلُد &quot; وَقَرَأَ طَلْحَة بْن سُلَيْمَان : &quot; نُضَعِّف &quot; بِضَمِّ النُّون وَكَسْر الْعَيْن الْمُشَدَّدَة . &quot; الْعَذَاب &quot; نُصِبَ &quot; وَيَخْلُد &quot; جُزِمَ , وَهِيَ قِرَاءَة أَبِي جَعْفَر وَشَيْبَة . وَقَرَأَ عَاصِم فِي رِوَايَة أَبِي بَكْر : &quot; يُضَاعَف . وَيَخْلُد &quot; بِالرَّفْعِ فِيهِمَا عَلَى الْعَطْف وَالِاسْتِئْنَاف . وَقَرَأَ طَلْحَة بْن سُلَيْمَان : &quot; وَتَخْلُد &quot; بِالتَّاءِ عَلَى مَعْنَى مُخَاطَبَة الْكَافِر . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرو &quot; وَيُخْلَد &quot; بِضَمِّ الْيَاء مِنْ تَحْت وَفَتْح اللَّام . قَالَ أَبُو عَلِيّ : وَهِيَ غَلَط مِنْ جِهَة الرِّوَايَة . وَ &quot; يُضَاعَف &quot; بِالْجَزْمِ بَدَل مِنْ &quot; يَلْقَ &quot; الَّذِي هُوَ جَزَاء الشَّرْط . قَالَ سِيبَوَيْهِ : مُضَاعَفَة الْعَذَاب لُقِيّ الْأَثَام . قَالَ الشَّاعِر : مَتَى تَأْتِنَا تُلْمِمْ بِنَا فِي دِيَارنَا تَجِد حَطَبًا جَزْلًا وَنَارًا تَأَجَّجَا وَقَالَ آخَر : إِنَّ عَلَيَّ اللَّه أَنْ تُبَايِعَا تُؤْخَذ كَرْهًا أَوْ تَجِيء طَائِعَا وَأَمَّا الرَّفْع فَفِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا أَنْ تَقْطَعهُ مِمَّا قَبْله . وَالْآخَر أَنْ يَكُون مَحْمُولًا عَلَى الْمَعْنَى ; كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ : مَا لَقِيَ الْأَثَام ؟ فَقِيلَ لَهُ : يُضَاعَف لَهُ الْعَذَاب .

مَعْنَاهُ ذَلِيلًا خَاسِئًا مُبْعَدًا مَطْرُودًا .';
$TAFSEER['4']['25']['70'] = 'لَا خِلَاف بَيْن الْعُلَمَاء أَنَّ الِاسْتِثْنَاء عَامِل فِي الْكَافِر وَالزَّانِي . وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَاتِل مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي &quot; النِّسَاء &quot; وَمَضَى فِي &quot; الْمَائِدَة &quot; الْقَوْل فِي جَوَاز التَّرَاخِي فِي الِاسْتِثْنَاء فِي الْيَمِين , وَهُوَ مَذْهَب اِبْن عَبَّاس مُسْتَدِلًّا بِهَذِهِ الْآيَة .
 
قَالَ النَّحَّاس : مِنْ أَحْسَن مَا قِيلَ فِيهِ أَنَّهُ يُكْتَب مَوْضِع كَافِر مُؤْمِن , وَمَوْضِع عَاصٍ مُطِيع . وَقَالَ مُجَاهِد وَالضَّحَّاك : أَنْ يُبَدِّلهُمْ اللَّه مِنْ الشِّرْك الْإِيمَان وَرُوِيَ نَحْوه عَنْ الْحَسَن . قَالَ الْحَسَن : قَوْم يَقُولُونَ التَّبْدِيل فِي الْآخِرَة , وَلَيْسَ كَذَلِكَ , إِنَّمَا التَّبْدِيل فِي الدُّنْيَا ; يُبَدِّلهُمْ اللَّه إِيمَانًا مِنْ الشِّرْك , وَإِخْلَاصًا مِنْ الشَّكّ , وَإِحْصَانًا مِنْ الْفُجُور . وَقَالَ الزَّجَّاج : لَيْسَ بِجَعْلِ مَكَان السَّيِّئَة الْحَسَنَة , وَلَكِنْ بِجَعْلِ مَكَان السَّيِّئَة التَّوْبَة , وَالْحَسَنَة مَعَ التَّوْبَة . وَرَوَى أَبُو ذَرّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَّ السَّيِّئَات تُبَدَّل بِحَسَنَاتٍ ) . وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ سَلْمَان الْفَارِسِيّ وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَغَيْرهمَا . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : ذَلِكَ فِي الْآخِرَة فِيمَنْ غَلَبَتْ حَسَنَاته عَلَى سَيِّئَاته , فَيُبَدِّل اللَّه السَّيِّئَات حَسَنَات . وَفِي الْخَبَر : ( لَيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَام أَنَّهُمْ أَكْثَرُوا مِنْ السَّيِّئَات ) فَقِيلَ : وَمَنْ هُمْ ؟ قَالَ : ( الَّذِينَ يُبَدِّل اللَّه سَيِّئَاتهمْ حَسَنَات ) . رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ وَالْقُشَيْرِيّ . وَقِيلَ : التَّبْدِيل عِبَارَة عَنْ الْغُفْرَان ; أَيْ يَغْفِر اللَّه لَهُمْ تِلْكَ السَّيِّئَات لَا أَنْ يُبَدِّلهَا حَسَنَات . قُلْت : فَلَا يَبْعُد فِي كَرَم اللَّه تَعَالَى إِذَا صَحَّتْ تَوْبَة الْعَبْد أَنْ يَضَع مَكَان كُلّ سَيِّئَة حَسَنَة ; وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ : ( أَتْبِعْ السَّيِّئَة الْحَسَنَة تَمْحُهَا وَخَالِقْ النَّاس بِخُلُقٍ حَسَن ) . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي لَأَعْلَم آخِر أَهْل الْجَنَّة دُخُولًا الْجَنَّة وَآخِر أَهْل النَّار خُرُوجًا مِنْهَا رَجُل يُؤْتَى بِهِ يَوْم الْقِيَامَة فَيُقَال اِعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَار ذُنُوبه وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارهَا فَتُعْرَض عَلَيْهِ صِغَار ذُنُوبه فَيُقَال عَمِلْت يَوْم كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا وَعَمِلْت يَوْم كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا فَيَقُول نَعَمْ لَا يَسْتَطِيع أَنْ يُنْكِر وَهُوَ مُشْفِق فِي كِبَار ذُنُوبه أَنْ تُعْرَض عَلَيْهِ فَيُقَال لَهُ فَإِنَّ لَك مَكَان كُلّ سَيِّئَة حَسَنَة فَيَقُول يَا رَبّ قَدْ عَمِلْت أَشْيَاء لَا أَرَاهَا هَاهُنَا ) فَلَقَدْ رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذه . وَقَالَ أَبُو طَوِيل : يَا رَسُول اللَّه , أَرَأَيْت رَجُلًا عَمِلَ الذُّنُوب كُلّهَا وَلَمْ يَتْرُك مِنْهَا شَيْئًا , وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَتْرُك حَاجَة وَلَا دَاجَة إِلَّا اِقْتَطَعَهَا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَة ؟ قَالَ : ( هَلْ أَسْلَمْت ) ؟ قَالَ : أَنَا أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ , وَأَشْهَد أَنَّك عَبْد اللَّه وَرَسُوله . قَالَ ( نَعَمْ . تَفْعَل الْخَيْرَات وَتَتْرُك السَّيِّئَات يَجْعَلهُنَّ اللَّه كُلّهنَّ خَيْرَات ) . قَالَ : وَغَدَرَاتِي وَفَجَرَاتِي يَا نَبِيّ اللَّه ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ) . قَالَ : اللَّه أَكْبَر ! فَمَا زَالَ يُكَرِّرهَا حَتَّى تَوَارَى . ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . قَالَ مُبَشَّر بْن عُبَيْد , وَكَانَ عَالِمًا بِالنَّحْوِ وَالْعَرَبِيَّة : الْحَاجَة الَّتِي تُقْطَع عَلَى الْحَاجّ إِذَا تَوَجَّهُوا . وَالدَّاجَة الَّتِي تُقْطَع عَلَيْهِمْ إِذَا قَفَلُوا .
  
يُرِيد غَفُورًا لِأَوْلِيَائِهِ رَحِيمًا بِهِمْ .';
$TAFSEER['4']['25']['71'] = 'لَا يُقَال : مَنْ قَامَ فَإِنَّهُ يَقُوم ; فَكَيْفَ قَالَ مَنْ تَابَ فَإِنَّهُ يَتُوب ؟ فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمَعْنَى مَنْ آمَنَ مِنْ أَهْل مَكَّة وَهَاجَرَ وَلَمْ يَكُنْ قَتَلَ وَزَنَى بَلْ عَمِلَ صَالِحًا وَأَدَّى الْفَرَائِض فَإِنَّهُ يَتُوب إِلَى اللَّه مَتَابًا ; أَيْ فَإِنِّي قَدَّمْتهمْ وَفَضَّلْتهمْ عَلَى مَنْ قَاتَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَحَلَّ الْمَحَارِم . وَقَالَ الْقَفَّال : يَحْتَمِل أَنْ تَكُون الْآيَة الْأُولَى فِيمَنْ تَابَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , وَلِهَذَا قَالَ : &quot; إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ &quot; [ مَرْيَم : 60 ] ثُمَّ عُطِفَ عَلَيْهِ مَنْ تَابَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَتْبَعَ تَوْبَته عَمَلًا صَالِحًا فَلَهُ حُكْم التَّائِبِينَ أَيْضًا . وَقِيلَ : أَيْ مَنْ تَابَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُحَقِّق ذَلِكَ بِفِعْلِهِ , فَلَيْسَتْ تِلْكَ التَّوْبَة نَافِعَة ; بَلْ مَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَحَقَّقَ تَوْبَته بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة فَهُوَ الَّذِي تَابَ إِلَى اللَّه مَتَابًا , أَيْ تَابَ حَقّ التَّوْبَة وَهِيَ النَّصُوح وَلِذَا أَكَّدَ بِالْمَصْدَرِ . فَ &quot; مَتَابًا &quot; مَصْدَر مَعْنَاهُ التَّأْكِيد , كَقَوْلِهِ : &quot; وَكَلَّمَ اللَّه مُوسَى تَكْلِيمًا &quot; [ النِّسَاء : 164 ] أَيْ فَإِنَّهُ يَتُوب إِلَى اللَّه حَقًّا فَيَقْبَل اللَّه تَوْبَته حَقًّا';
$TAFSEER['4']['25']['72'] = 'فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : &quot; وَاَلَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّور &quot; أَيْ لَا يَحْضُرُونَ الْكَذِب وَالْبَاطِل وَلَا يُشَاهِدُونَهُ . وَالزُّور كُلّ بَاطِل زُور وَزُخْرُف , وَأَعْظَمه الشِّرْك وَتَعْظِيم الْأَنْدَاد . وَبِهِ فَسَّرَ الضَّحَّاك وَابْن زَيْد وَابْن عَبَّاس وَفِي رِوَايَة عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ أَعْيَاد الْمُشْرِكِينَ . عِكْرِمَة : لَعِب كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة يُسَمَّى بِالزُّورِ . مُجَاهِد : الْغِنَاء ; وَقَالَهُ مُحَمَّد اِبْن الْحَنَفِيَّة أَيْضًا . اِبْن جُرَيْج : الْكَذِب ; وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد . وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة وَمُحَمَّد بْن عَلِيّ : الْمَعْنَى لَا يَشْهَدُونَ بِالزُّورِ , مِنْ الشَّهَادَة لَا مِنْ الْمُشَاهَدَة . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : أَمَّا الْقَوْل بِأَنَّهُ الْكَذِب فَصَحِيح , لِأَنَّ كُلّ ذَلِكَ إِلَى الْكَذِب يَرْجِع , وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَعِب كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة فَإِنَّهُ يَحْرُم ذَلِكَ إِذَا كَانَ فِيهِ قِمَار أَوْ جَهَالَة , أَوْ أَمْر يَعُود إِلَى الْكُفْر , وَأَمَّا الْقَوْل بِأَنَّهُ الْغِنَاء فَلَيْسَ يَنْتَهِي إِلَى هَذَا الْحَدّ . قُلْت : مِنْ الْغِنَاء مَا يَنْتَهِي سَمَاعه إِلَى التَّحْرِيم , وَذَلِكَ كَالْأَشْعَارِ الَّتِي تُوصَف فِيهَا الصُّوَر الْمُسْتَحْسَنَات وَالْخَمْر وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا يُحَرِّك الطِّبَاع وَيُخْرِجهَا عَنْ الِاعْتِدَال , أَوْ يُثِير كَامِنًا مِنْ حُبّ اللَّهْو ; مِثْل قَوْل بَعْضهمْ : ذَهَبِيّ اللَّوْن تَحْسَب مِنْ وَجْنَتَيْهِ النَّار تَقْتَدِح خَوَّفُونِي مِنْ فَضِيحَته لَيْتَهُ وَافَى وَافْتَضَحَ لَا سِيَّمَا إِذَا اِقْتَرَنَ بِذَلِكَ شَبَّابَات وَطَارَات مِثْل مَا يُفْعَل الْيَوْم فِي هَذِهِ الْأَزْمَان , عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع . وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهُ شَهَادَة الزُّور ; وَهِيَ : 

الثَّانِيَة : فَكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَجْلِد شَاهِد الزُّور أَرْبَعِينَ جَلْدَة , وَيُسَخِّم وَجْهه , وَيَحْلِق رَأْسه , وَيَطُوف بِهِ فِي السُّوق . وَقَالَ أَكْثَر أَهْل الْعِلْم : وَلَا تُقْبَل لَهُ شَهَادَة أَبَدًا وَإِنْ تَابَ وَحَسُنَتْ حَاله فَأَمْره إِلَى اللَّه . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ إِذَا كَانَ غَيْر مُبْرِز فَحَسُنَتْ حَاله قُبِلَتْ شَهَادَته حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة &quot; الْحَجّ &quot; فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ .
 
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام فِي اللَّغْو , وَهُوَ كُلّ سَقْط مِنْ قَوْل أَوْ فِعْل ; فَيَدْخُل فِيهِ الْغِنَاء وَاللَّهْو وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا قَارَبَهُ , وَتَدْخُل فِيهِ سَفَه الْمُشْرِكِينَ وَأَذَاهُمْ الْمُؤْمِنِينَ وَذِكْر النِّسَاء وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمُنْكَر . وَقَالَ مُجَاهِد : إِذَا أُوذُوا صَفَحُوا . وَرُوِيَ عَنْهُ : إِذَا ذُكِرَ النِّكَاح كَنُّوا عَنْهُ . وَقَالَ الْحَسَن : اللَّغْو الْمَعَاصِي كُلّهَا . وَهَذَا جَامِع . وَ &quot; كِرَامًا &quot; مَعْنَاهُ مُعْرِضِينَ مُنْكِرِينَ لَا يَرْضَوْنَهُ , وَلَا يُمَالِئُونَ عَلَيْهِ , وَلَا يُجَالِسُونَ أَهْله . أَيْ مَرُّوا مَرَّ الْكِرَام الَّذِينَ لَا يَدْخُلُونَ فِي الْبَاطِل . يُقَال تَكَرَّمَ فُلَان عَمَّا يَشِينهُ , أَيْ تَنَزَّهَ وَأَكْرَمَ نَفْسه عَنْهُ . وَرُوِيَ أَنَّ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود سَمِعَ غِنَاء فَأَسْرَعَ وَذَهَبَ , فَبَلَغَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( لَقَدْ أَصْبَحَ اِبْن أُمّ عَبْدٍ كَرِيمًا ) . وَقِيلَ : مِنْ الْمُرُور بِاللَّغْوِ كَرِيمًا أَنْ يَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَر .';
$TAFSEER['4']['25']['73'] = 'أَيْ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآن ذَكَرُوا آخِرَتهمْ وَمَعَادهمْ وَلَمْ يَتَغَافَلُوا حَتَّى يَكُونُوا بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يَسْمَع .
  
وَلَيْسَ ثَمَّ خَرُور ; كَمَا يُقَال : قَعَدَ يَبْكِي وَإِنْ كَانَ غَيْر قَاعِد ; قَالَهُ الطَّبَرِيّ وَاخْتَارَهُ ; قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهُوَ أَنْ يَخِرُّوا صُمًّا وَعُمْيَانًا هِيَ صِفَة الْكُفَّار , وَهِيَ عِبَارَة عَنْ إِعْرَاضهمْ ; وَقَرَنَ ذَلِكَ بِقَوْلِك : قَعَدَ فُلَان يَشْتُمنِي وَقَامَ فُلَان يَبْكِي وَأَنْتَ لَمْ تَقْصِد الْإِخْبَار بِقُعُودٍ وَلَا قِيَام , وَإِنَّمَا هِيَ تَوْطِئَات فِي الْكَلَام وَالْعِبَارَة . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : فَكَأَنَّ الْمُسْتَمِع لِلذِّكْرِ قَائِم الْقَنَاة قَوِيم الْأَمْر , فَإِذَا أَعْرَضَ وَضَلَّ كَانَ ذَلِكَ خَرُورًا , وَهُوَ السُّقُوط عَلَى غَيْر نِظَام وَتَرْتِيب ; وَإِنْ كَانَ قَدْ شُبِّهَ بِهِ الَّذِي يَخِرّ سَاجِدًا لَكِنَّ أَصْله عَلَى غَيْر تَرْتِيب . وَقِيلَ : أَيْ إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَات اللَّه وَجِلَتْ قُلُوبهمْ فَخَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا , وَلَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا . وَقَالَ الْفَرَّاء : أَيْ لَمْ يَقْعُدُوا عَلَى حَالهمْ الْأَوَّل كَأَنْ لَمْ يَسْمَعُوا . 

قَالَ بَعْضهمْ : إِنَّ مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأ سَجْدَة يَسْجُد مَعَهُ ; لِأَنَّهُ قَدْ سَمِعَ آيَات اللَّه تُتْلَى عَلَيْهِ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا لَا يَلْزَم إِلَّا الْقَارِئ وَحْده , وَأَمَّا غَيْره فَلَا يَلْزَمهُ ذَلِكَ إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة ; وَهُوَ أَنَّ الرَّجُل إِذَا تَلَا الْقُرْآن وَقَرَأَ السَّجْدَة فَإِنْ كَانَ الَّذِي جَلَسَ مَعَهُ جَلَسَ لِيَسْمَعهُ فَلْيَسْجُدْ مَعَهُ , وَإِنْ لَمْ يَلْتَزِم السَّمَاع مَعَهُ فَلَا سُجُود عَلَيْهِ . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي &quot; الْأَعْرَاف &quot; .';
$TAFSEER['4']['25']['74'] = 'قَالَ الضَّحَّاك : أَيْ مُطِيعِينَ لَك . وَفِيهِ جَوَاز الدُّعَاء بِالْوَلَدِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ وَالذُّرِّيَّة تَكُون وَاحِدًا وَجَمْعًا . فَكَوْنهَا لِلْوَاحِدِ قَوْله : &quot; رَبّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْك ذُرِّيَّة طَيِّبَة &quot; &quot; فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْك وَلِيًّا &quot; [ مَرْيَم : 5 ] وَكَوْنهَا لِلْجَمْعِ &quot; ذُرِّيَّة ضِعَافًا &quot; [ النِّسَاء : 9 ] وَقَدْ مَضَى فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; اِشْتِقَاقهَا مُسْتَوْفًى . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كَثِير وَابْن عَامِر وَالْحَسَن : &quot; وَذُرِّيَّاتنَا &quot; وَقَرَأَ أَبُو عُمَر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَطَلْحَة وَعِيسَى : &quot; وَذُرِّيَّتنَا &quot; بِالْإِفْرَادِ . &quot; قُرَّة أَعْيُن &quot; نُصِبَ عَلَى الْمَفْعُول , أَيْ قُرَّة أَعْيُن لَنَا . وَهَذَا نَحْو قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِأَنَسٍ : ( اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَاله وَوَلَده وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ ) . وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه فِي &quot; آل عِمْرَان &quot; وَ &quot; مَرْيَم &quot; وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَان إِذَا بُورِكَ لَهُ فِي مَاله وَوَلَده قَرَّتْ عَيْنه بِأَهْلِهِ وَعِيَاله , حَتَّى إِذَا كَانَتْ عِنْده زَوْجَة اِجْتَمَعَتْ لَهُ فِيهَا أَمَانِيّه مِنْ جَمَال وَعِفَّة وَنَظَر وَحَوْطَة أَوْ كَانَتْ عِنْده ذُرِّيَّة مُحَافِظُونَ عَلَى الطَّاعَة , مُعَاوِنُونَ لَهُ عَلَى وَظَائِف الدِّين وَالدُّنْيَا , لَمْ يُلْتَفَت إِلَى زَوْج أَحَد وَلَا إِلَى وَلَده , فَتَسْكُن عَيْنه عَنْ الْمُلَاحَظَة , وَلَا تَمْتَدّ عَيْنه إِلَى مَا تَرَى ; فَذَلِكَ حِين قَرَّتْ الْعَيْن , وَسُكُون النَّفْس . وَوَحَّدَ &quot; قُرَّة &quot; لِأَنَّهُ مَصْدَر ; تَقُول : قَرَّتْ عَيْنك قُرَّة . وَقُرَّة الْعَيْن يَحْتَمِل أَنْ تَكُون مِنْ الْقَرَار , وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون مِنْ الْقُرّ وَهُوَ الْأَشْهَر . وَالْقُرّ الْبَرْد ; لِأَنَّ الْعَرَب تَتَأَذَّى بِالْحَرِّ وَتَسْتَرِيح إِلَى الْبَرْد . وَأَيْضًا فَإِنَّ دَمْع السُّرُور بَارِد , وَدَمْع الْحُزْن سُخْن , فَمِنْ هَذَا يُقَال : أَقَرَّ اللَّه عَيْنك , وَأَسْخَنَ اللَّه عَيْن الْعَدُوّ . وَقَالَ الشَّاعِر : فَكَمْ سَخِنَتْ بِالْأَمْسِ عَيْن قَرِيرَة وَقَرَّتْ عُيُون دَمْعهَا الْيَوْم سَاكِب 
 
أَيْ قُدْوَة يُقْتَدَى بِنَا فِي الْخَيْر , وَهَذَا لَا يَكُون إِلَّا أَنْ يَكُون الدَّاعِي مُتَّقِيًا قُدْوَة ; وَهَذَا هُوَ قَصْد الدَّاعِي . وَفِي الْمُوَطَّأ : ( إِنَّكُمْ أَيّهَا الرَّهْط أَئِمَّة يُقْتَدَى بِكُمْ ) فَكَانَ اِبْن عُمَر يَقُول فِي دُعَائِهِ : اللَّهُمَّ اِجْعَلْنَا مِنْ أَئِمَّة الْمُتَّقِينَ . وَقَالَ : &quot; إِمَامًا &quot; وَلَمْ يَقُلْ أَئِمَّة عَلَى الْجَمْع ; لِأَنَّ الْإِمَام مَصْدَر . يُقَال : أَمَّ الْقَوْم فُلَان إِمَامًا ; مِثْل الصِّيَام وَالْقِيَام . وَقَالَ بَعْضهمْ : أَرَادَ أَئِمَّة , كَمَا يَقُول الْقَائِل أَمِيرنَا هَؤُلَاءِ , يَعْنِي أُمَرَاءَنَا . وَقَالَ الشَّاعِر : يَا عَاذِلَاتِي لَا تَزِدْنَ مَلَامَتِي إِنَّ الْعَوَاذِل لَسْنَ لِي بِأَمِيرِ أَيْ أُمَرَاء . وَكَانَ الْقُشَيْرِيّ أَبُو الْقَاسِم شَيْخ الصُّوفِيَّة يَقُول : الْإِمَامَة بِالدُّعَاءِ لَا بِالدَّعْوَى , يَعْنِي بِتَوْفِيقِ اللَّه وَتَيْسِيره وَمِنَّته لَا بِمَا يَدَّعِيه كُلّ أَحَد لِنَفْسِهِ . وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ : لَمْ يَطْلُبُوا الرِّيَاسَة بَلْ بِأَنْ يَكُونُوا قُدْوَة فِي الدِّين . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : اِجْعَلْنَا أَئِمَّة هُدًى , كَمَا قَالَ تَعَالَى : &quot; وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّة يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا &quot; [ السَّجْدَة : 24 ] وَقَالَ مَكْحُول : اِجْعَلْنَا أَئِمَّة فِي التَّقْوَى يَقْتَدِي بِنَا الْمُتَّقُونَ . وَقِيلَ : هَذَا مِنْ الْمَقْلُوب ; مَجَازه : وَاجْعَلْ الْمُتَّقِينَ لَنَا إِمَامًا ; وَقَالَ مُجَاهِد . وَالْقَوْل الْأَوَّل أَظْهَر وَإِلَيْهِ يَرْجِع قَوْل اِبْن عَبَّاس وَمَكْحُول , وَيَكُون فِيهِ دَلِيل . عَلَى أَنَّ طَلَب الرِّيَاسَة فِي الدِّين نُدِبَ . وَإِمَام وَاحِد يَدُلّ عَلَى جَمْع ; لِأَنَّهُ مَصْدَر كَالْقِيَامِ . قَالَ الْأَخْفَش : الْإِمَام جَمْع آمّ مِنْ أَمَّ يَؤُمّ جُمِعَ عَلَى فِعَال , نَحْو صَاحِب وَصِحَاب , وَقَائِم وَقِيَام .';
$TAFSEER['4']['25']['75'] = '&quot; أُولَئِكَ &quot; خَبَر &quot; وَعِبَاد الرَّحْمَن &quot; فِي قَوْل الزَّجَّاج عَلَى مَا تَقَدَّمَ , وَهُوَ أَحْسَن مَا قِيلَ فِيهِ . وَمَا تَخَلَّلَ بَيْن الْمُبْتَدَإِ وَخَبَره أَوْصَافهمْ مِنْ التَّحَلِّي وَالتَّخَلِّي ; وَهِيَ إِحْدَى عَشْرَة : التَّوَاضُع , وَالْحِلْم , وَالتَّهَجُّد , وَالْخَوْف , وَتَرْك الْإِسْرَاف وَالْإِقْتَار , وَالنَّزَاهَة عَنْ الشِّرْك , وَالزِّنَى وَالْقَتْل , وَالتَّوْبَة وَتَجَنُّب الْكَذِب , وَالْعَفْو عَنْ الْمُسِيء , وَقَبُول الْمَوَاعِظ , وَالِابْتِهَال إِلَى اللَّه . وَ &quot; الْغُرْفَة &quot; الدَّرَجَة الرَّفِيعَة وَهِيَ أَعْلَى مَنَازِل الْجَنَّة وَأَفْضَلهَا كَمَا أَنَّ الْغُرْفَة أَعْلَى مَسَاكِن الدُّنْيَا . حَكَاهُ اِبْن شَجَرَة . وَقَالَ الضَّحَّاك : الْغُرْفَة الْجَنَّة . &quot; بِمَا صَبَرُوا &quot; أَيْ بِصَبْرِهِمْ عَلَى أَمْر رَبّهمْ : وَطَاعَة نَبِيّهمْ عَلَيْهِ أَفْضَل الصَّلَاة وَالسَّلَام . وَقَالَ مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن : &quot; بِمَا صَبَرُوا &quot; عَلَى الْفَقْر وَالْفَاقَة فِي الدُّنْيَا . وَقَالَ الضَّحَّاك : &quot; بِمَا صَبَرُوا &quot; عَنْ الشَّهَوَات .
 
قَرَأَ أَبُو بَكْر وَالْمُفَضَّل وَالْأَعْمَش وَيَحْيَى وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَخَلَف : &quot; وَيَلْقَوْنَ &quot; مُخَفَّفَة , وَاخْتَارَهُ الْفَرَّاء ; قَالَ لِأَنَّ الْعَرَب تَقُول : فُلَان يَتَلَقَّى بِالسَّلَامِ وَبِالتَّحِيَّةِ وَبِالْخَيْرِ بِالتَّاءِ , وَقَلَّمَا يَقُولُونَ فُلَان يَلْقَى السَّلَامَة . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ : &quot; وَيُلَقَّوْنَ &quot; وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; وَلَقَّاهُمْ نَضْرَة وَسُرُورًا &quot; [ الْإِنْسَان : 11 ] . قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْفَرَّاء وَاخْتَارَهُ غَلَط ; لِأَنَّهُ يَزْعُم أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ &quot; يُلَقَّوْنَ &quot; كَانَتْ فِي الْعَرَبِيَّة بِتَحِيَّةٍ وَسَلَام , وَقَالَ كَمَا يُقَال : فُلَان يَتَلَقَّى بِالسَّلَامِ وَبِالْخَيْرِ ; فَمِنْ عَجِيب مَا فِي هَذَا الْبَاب أَنَّهُ قَالَ يَتَلَقَّى وَالْآيَة &quot; يُلَقَّوْنَ &quot; وَالْفَرْق بَيْنهمَا بَيْن : لِأَنَّهُ يُقَال فُلَان يَتَلَقَّى بِالْخَيْرِ وَلَا يَجُوز حَذْف الْبَاء , فَكَيْفَ يُشْبِه هَذَا ذَاكَ ! وَأَعْجَب مِنْ هَذَا أَنَّ فِي الْقُرْآن &quot; وَلَقَّاهُمْ نَضْرَة وَسُرُورًا &quot; وَلَا يَجُوز أَنْ يُقْرَأ بِغَيْرِهِ . وَهَذَا يُبَيِّن أَنَّ الْأُولَى عَلَى خِلَاف مَا قَالَ . وَالتَّحِيَّة مِنْ اللَّه وَالسَّلَام مِنْ الْمَلَائِكَة . وَقِيلَ : التَّحِيَّة الْبَقَاء الدَّائِم وَالْمُلْك الْعَظِيم ; وَالْأَظْهَر أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِد , وَأَنَّهُمَا مِنْ قِبَل اللَّه تَعَالَى ; دَلِيله قَوْله تَعَالَى : &quot; تَحِيَّتهمْ يَوْم يَلْقَوْنَهُ سَلَام &quot; [ الْأَحْزَاب : 44 ] وَسَيَأْتِي .';
$TAFSEER['4']['25']['76'] = 'نُصِبَ عَلَى الْحَال';
$TAFSEER['4']['25']['77'] = 'هَذِهِ آيَة مُشْكِلَة تَعَلَّقَتْ بِهَا الْمُلْحِدَة . يُقَال : مَا عَبَأْت بِفُلَانٍ أَيْ مَا بَالَيْت بِهِ ; أَيْ مَا كَانَ لَهُ عِنْدِي وَزْن وَلَا قَدْر . وَأَصْل يَعْبَأ مِنْ الْعِبْء وَهُوَ الثِّقَل . وَقَوْل الشَّاعِر : كَأَنَّ بِصَدْرِهِ وَبِجَانِبَيْهِ عَبِيرًا بَاتَ يَعْبَؤُهُ عَرُوس أَيْ يَجْعَل بَعْضه عَلَى بَعْض . فَالْعِبْء الْحِمْل الثَّقِيل , وَالْجَمْع أَعْبَاء . وَالْعِبْء الْمَصْدَر . وَمَا اِسْتِفْهَامِيَّة ; ظَهَرَ فِي أَثْنَاء كَلَام الزَّجَّاج , وَصَرَّحَ بِهِ الْفَرَّاء . وَلَيْسَ يَبْعُد أَنْ تَكُون نَافِيَة ; لِأَنَّك إِذَا حَكَمْت بِأَنَّهَا اِسْتِفْهَام فَهُوَ نَفْي خَرَجَ مَخْرَج الِاسْتِفْهَام ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : &quot; هَلْ جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان &quot; [ الرَّحْمَن : 60 ] قَالَ اِبْن الشَّجَرِيّ : وَحَقِيقَة الْقَوْل عِنْدِي أَنَّ مَوْضِع &quot; مَا &quot; نَصْب ; وَالتَّقْدِير : أَيّ عِبْء يَعْبَأ بِكُمْ ; أَيْ أَيّ مُبَالَاة يُبَالِي رَبِّي بِكُمْ لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ; أَيْ لَوْلَا دُعَاؤُهُ إِيَّاكُمْ لِتَعْبُدُوهُ , فَالْمَصْدَر الَّذِي هُوَ الدُّعَاء عَلَى هَذَا الْقَوْل مُضَاف إِلَى مَفْعُوله ; وَهُوَ اِخْتِيَار الْفَرَّاء . وَفَاعِله مَحْذُوف وَجَوَابه لَوْلَا مَحْذُوف كَمَا حُذِفَ فِي قَوْله : &quot; وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال &quot; [ الرَّعْد : 31 ] تَقْدِيره : لَمْ يَعْبَأ بِكُمْ . وَدَلِيل هَذَا الْقَوْل قَوْله تَعَالَى : &quot; وَمَا خَلَقْت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا لِيَعْبُدُونِ &quot; [ الذَّارِيَات : 56 ] فَالْخِطَاب لِجَمِيعِ النَّاس ; فَكَأَنَّهُ قَالَ لِقُرَيْشٍ مِنْهُمْ : أَيْ مَا يُبَالِ اللَّه بِكُمْ لَوْلَا عِبَادَتكُمْ إِيَّاهُ أَنْ لَوْ كَانَتْ ; وَذَلِكَ الَّذِي يَعْبَأ بِالْبَشَرِ مِنْ أَجْله . وَيُؤَيِّد هَذَا قِرَاءَة اِبْن الزُّبَيْر وَغَيْره . &quot; فَقَدْ كَذَّبَ الْكَافِرُونَ &quot; فَالْخِطَاب بِمَا يَعْبَأ لِجَمِيعِ النَّاس , ثُمَّ يَقُول لِقُرَيْشٍ : فَأَنْتُمْ قَدْ كَذَّبْتُمْ وَلَمْ تَعْبُدُوهُ فَسَوْفَ يَكُون التَّكْذِيب هُوَ سَبَب الْعَذَاب لِزَامًا . وَقَالَ النَّقَّاش وَغَيْره : الْمَعْنَى ; لَوْلَا اِسْتَغَاثَتْكُمْ إِلَيْهِ فِي الشَّدَائِد وَنَحْو ذَلِكَ . بَيَانه : &quot; فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْك دَعَوْا اللَّه مُخْلِصِينَ &quot; [ الْعَنْكَبُوت : 65 ] وَنَحْو هَذَا . وَقِيلَ : &quot; مَا يَعْبَأ بِكُمْ &quot; أَيْ بِمَغْفِرَةِ ذُنُوبكُمْ وَلَا هُوَ عِنْده عَظِيم &quot; لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ &quot; مَعَهُ الْآلِهَة وَالشُّرَكَاء . بَيَانه : &quot; مَا يَفْعَل اللَّه بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ &quot; [ النِّسَاء : 147 ] . قَالَ الضَّحَّاك . وَقَالَ الْوَلِيد بْن أَبِي الْوَلِيد : بَلَغَنِي فِيهَا أَيْ مَا خَلَقْتُكُمْ وَلِي حَاجَة إِلَيْكُمْ إِلَّا تَسْأَلُونِي فَأَغْفِر لَكُمْ وَأُعْطِيكُمْ . وَرَوَى وَهْب بْن مُنَبِّه أَنَّهُ كَانَ فِي التَّوْرَاة : &quot; يَا بْن آدَم وَعِزَّتِي مَا خَلَقْتُك لِأَرْبَحَ عَلَيْك إِنَّمَا خَلَقْتُك لِتَرْبَحَ عَلَيَّ فَاِتَّخِذْنِي بَدَلًا مِنْ كُلّ شَيْء فَأَنَا خَيْر لَك مِنْ كُلّ شَيْء &quot; . قَالَ اِبْن جِنِّي : قَرَأَ اِبْن الزُّبَيْر وَابْن عَبَّاس &quot; فَقَدْ كَذَّبَ الْكَافِرُونَ &quot; . قَالَ الزَّهْرَاوِيّ وَالنَّحَّاس : وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود وَهِيَ عَلَى التَّفْسِير ; لِلتَّاءِ وَالْمِيم فِي &quot; كَذَّبْتُمْ &quot; . وَذَهَبَ الْقُتَبِيّ وَالْفَارِسِيّ إِلَى أَنَّ الدُّعَاء مُضَاف إِلَى الْفَاعِل وَالْمَفْعُول مَحْذُوف . الْأَصْل لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ آلِهَة مِنْ دُونه ; وَجَوَاب &quot; لَوْلَا &quot; مَحْذُوف تَقْدِيره فِي هَذَا الْوَجْه : لَمْ يُعَذِّبكُمْ . وَنَظِير قَوْله : لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ آلِهَة قَوْله : &quot; إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه عِبَاد أَمْثَالكُمْ &quot; [ الْأَعْرَاف : 194 ] .
  
أَيْ كَذَّبْتُمْ بِمَا دُعِيتُمْ إِلَيْهِ ; هَذَا عَلَى الْقَوْل الْأَوَّل ; وَكَذَّبْتُمْ بِتَوْحِيدِ اللَّه عَلَى الثَّانِي .

أَيْ يَكُون تَكْذِيبكُمْ مُلَازِمًا لَكُمْ . وَالْمَعْنَى : فَسَوْفَ يَكُون جَزَاء التَّكْذِيب كَمَا قَالَ : &quot; وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا &quot; [ الْكَهْف : 49 ] أَيْ جَزَاء مَا عَمِلُوا وَقَوْله : &quot; فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ &quot; [ الْأَنْعَام : 30 ] أَيْ جَزَاء مَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ . وَحَسُنَ إِضْمَار التَّكْذِيب لِتَقَدُّمِ ذِكْر فِعْله ; لِأَنَّك إِذَا ذَكَرْت الْفِعْل دَلَّ بِلَفْظِهِ عَلَى مَصْدَره , كَمَا قَالَ : &quot; وَلَوْ آمَنَ أَهْل الْكِتَاب لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ &quot; [ آل عِمْرَان : 110 ] أَيْ لَكَانَ الْإِيمَان . وَقَوْله : &quot; وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ &quot; [ الزُّمَر : 7 ] أَيْ يَرْضَى الشُّكْر . وَمِثْله كَثِير . وَجُمْهُور الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِاللِّزَامِ هُنَا مَا نَزَلَ بِهِمْ يَوْم بَدْر , وَهُوَ قَوْل عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود وَأُبَيّ بْن كَعْب وَأَبِي مَالِك وَمُجَاهِد وَمُقَاتِل وَغَيْرهمْ . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه : وَقَدْ مَضَتْ الْبَطْشَة وَالدُّخَان وَاللِّزَام . وَسَيَأْتِي مُبَيَّنًا فِي سُورَة &quot; الدُّخَان &quot; إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَقَالَتْ فِرْقَة : هُوَ تَوَعُّد بِعَذَابِ الْآخِرَة . وَعَنْ اِبْن مَسْعُود أَيْضًا : اللِّزَام التَّكْذِيب نَفْسه ; أَيْ لَا يُعْطَوْنَ التَّوْبَة مِنْهُ ; ذَكَرَهُ الزَّهْرَاوِيّ ; فَدَخَلَ فِي هَذَا يَوْم بَدْر وَغَيْره مِنْ الْعَذَاب الَّذِي يَلْزَمُونَهُ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : لِزَامًا فَيْصَلًا أَيْ فَسَوْفَ يَكُون فَيْصَلًا بَيْنكُمْ وَبَيْن الْمُؤْمِنِينَ . وَالْجُمْهُور مِنْ الْقُرَّاء عَلَى كَسْر اللَّام ; وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَة لِصَخْرٍ : فَإِمَّا يَنْجُوَا مِنْ خَسْف أَرْض فَقَدْ لَقِيَا حُتُوفهمَا لِزَامًا وَلِزَامًا وَمُلَازَمَة وَاحِد . وَقَالَ الطَّبَرِيّ : &quot; لِزَامًا &quot; يَعْنِي عَذَابًا دَائِمًا لَازِمًا , وَهَلَاكًا مُفْنِيًا يُلْحِق بَعْضكُمْ بِبَعْضٍ ; كَقَوْلِ أَبِي ذُؤَيْب : فَفَاجَأَهُ بِعَادِيَةٍ لِزَام كَمَا يَتَفَجَّر الْحَوْض اللَّقِيف يَعْنِي بِاللِّزَامِ الَّذِي يَتْبَع بَعْضه بَعْضًا , وَبِاللَّقِيفِ الْمُتَسَاقِط الْحِجَارَة الْمُتَهَدِّم . النَّحَّاس : وَحَكَى أَبُو حَاتِم عَنْ أَبِي زَيْد قَالَ سَمِعْت قُعْنُبًا أَبَا السَّمَّال يَقْرَأ : &quot; لَزَامًا &quot; بِفَتْحِ اللَّام . قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَكُون مَصْدَر لَزِمَ وَالْكَسْر أَوْلَى , يَكُون مِثْل قِتَال وَمُقَاتَلَة , كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى الْكَسْر فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : &quot; وَلَوْلَا كَلِمَة سَبَقَتْ مِنْ رَبّك لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَل مُسَمَّى &quot; [ طَه : 129 ] . قَالَ غَيْره : اللِّزَام بِالْكَسْرِ مَصْدَر لَازِم لِزَامًا مِثْل خَاصَمَ خِصَامًا , وَاللَّزَام بِالْفَتْحِ مَصْدَر لَزِمَ مِثْل سَلِمَ سَلَامًا أَيْ سَلَامَة ; فَاللَّزَام بِالْفَتْحِ اللُّزُوم , وَاللِّزَام الْمُلَازَمَة , وَالْمَصْدَر فِي الْقِرَاءَتَيْنِ وَقَعَ مَوْقِع اِسْم الْفَاعِل . فَاللِّزَام وَقَعَ مَوْقِع مُلَازِم , وَاللِّزَام وَقَعَ مَوْقِع لَازِم . كَمَا قَالَ تَعَالَى : &quot; قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا &quot; [ الْمُلْك : 30 ] أَيْ غَائِرًا . قَالَ النَّحَّاس : وَلِلْفَرَّاءِ قَوْل فِي اِسْم يَكُون ; قَالَ : يَكُون مَجْهُولًا وَهَذَا غَلَط ; لِأَنَّ الْمَجْهُول لَا يَكُون خَبَره إِلَّا جُمْلَة , كَمَا قَالَ تَعَالَى : &quot; إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِر &quot; [ يُوسُف : 90 ] وَكَمَا حَكَى النَّحْوِيُّونَ كَانَ زَيْد مُنْطَلِق يَكُون فِي كَانَ مَجْهُول وَيَكُون الْمُبْتَدَأ وَخَبَره خَبَر الْمَجْهُول , التَّقْدِير : كَانَ الْحَدِيث ; فَأَمَّا أَنْ يُقَال كَانَ مُنْطَلِقًا , وَيَكُون فِي كَانَ مَجْهُول فَلَا يَجُوز عِنْد أَحَد عَلِمْنَاهُ . وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق وَهُوَ الْمُسْتَعَان';
$TAFSEER['4']['26']['1'] = 'سُورَة الشُّعَرَاء : هِيَ مَكِّيَّة فِي قَوْل الْجُمْهُور . وَقَالَ مُقَاتِل : مِنْهَا مَدَنِيّ ; الْآيَة الَّتِي يُذْكَر فِيهَا الشُّعَرَاء , وَقَوْله : &quot; أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَة أَنْ يَعْلَمهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل &quot; [ الشُّعَرَاء : 197 ] . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة : مَكِّيَّة إِلَّا أَرْبَع آيَات مِنْهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ مِنْ قَوْله : &quot; وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعهُمْ الْغَاوُونَ &quot; [ الشُّعَرَاء : 224 ] إِلَى آخِرهَا . وَهِيَ مِائَتَانِ وَسَبْع وَعِشْرُونَ آيَة . وَفِي رِوَايَة : سِتّ وَعِشْرُونَ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أُعْطِيت السُّورَة الَّتِي تُذْكَر فِيهَا الْبَقَرَة مِنْ الذِّكْر الْأَوَّل وَأُعْطِيت طه وَطسم مِنْ أَلْوَاح مُوسَى وَأُعْطِيت فَوَاتِح الْقُرْآن وَخَوَاتِيم سُورَة الْبَقَرَة مِنْ تَحْت الْعَرْش وَأُعْطِيت الْمُفَصَّل نَافِلَة ) . وَعَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّه أَعْطَانِي السَّبْع الطِّوَال مَكَان التَّوْرَاة وَأَعْطَانِي الْمُبِين مَكَان الْإِنْجِيل وَأَعْطَانِي الطَّوَاسِين مَكَان الزَّبُور وَفَضَّلَنِي بِالْحَوَامِيمِ وَالْمُفَصَّل مَا قَرَأَهُنَّ نَبِيّ قَبْلِي ) . 

قَرَأَ الْأَعْمَش وَيَحْيَى وَأَبُو بَكْر وَالْمُفَضَّل وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَخَلَف : بِإِمَالَةِ الطَّاء مُشْبَعًا فِي هَذِهِ السُّورَة وَفِي أُخْتَيْهَا . وَقَرَأَ نَافِع وَأَبُو جَعْفَر وَشَيْبَة وَالزُّهْرِيّ : بَيْن اللَّفْظَيْنِ ; وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ مُشْبَعًا . قَالَ الثَّعْلَبِيّ : وَهِيَ كُلّهَا لُغَات فَصَيْحَة . وَقَدْ مَضَى فِي &quot; طه &quot; قَوْل النَّحَّاس فِي هَذَا . قَالَ النَّحَّاس : وَقَرَأَ الْمَدَنِيُّونَ وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم وَالْكِسَائِيّ : &quot; طسم &quot; بِإِدْغَامِ النُّون فِي الْمِيم , وَالْفَرَّاء يَقُول بِإِخْفَاءِ النُّون . وَقَرَأَ الْأَعْمَش : وَحَمْزَة : &quot; طسين مِيم &quot; بِإِظْهَارِ النُّون . قَالَ النَّحَّاس : لِلنُّونِ السَّاكِنَة وَالتَّنْوِين أَرْبَعَة أَقْسَام عِنْد سِيبَوَيْهِ : يُبَيَّنَانِ عِنْد حُرُوف الْحَلْق , وَيُدْغَمَانِ عِنْد الرَّاء وَاللَّام وَالْمِيم وَالْوَاو وَالْيَاء , وَيُقْلَبَانِ مِيمًا عِنْد الْبَاء وَيَكُونَانِ مِنْ الْخَيَاشِيم ; أَيْ لَا يُبَيَّنَانِ ; فَعَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعَة الْأَقْسَام الَّتِي نَصَّهَا سِيبَوَيْهِ لَا تَجُوز هَذِهِ الْقِرَاءَة ; لِأَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا حَرْف مِنْ حُرُوف الْحَلْق فَتُبَيَّن النُّون عِنْده , وَلَكِنْ فِي ذَلِكَ وُجَيْه : وَهُوَ أَنَّ حُرُوف الْمُعْجَم حُكْمهَا أَنْ يُوقَف عَلَيْهَا , فَإِذَا وَقَفَ عَلَيْهَا تَبَيَّنَتْ النُّون . قَالَ الثَّعْلَبِيّ : الْإِدْغَام اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم قِيَاسًا عَلَى كُلّ الْقُرْآن , وَإِنَّمَا أَظْهَرَهَا أُولَئِكَ لِلتَّبْيِينِ وَالتَّمْكِين , وَأَدْغَمَهَا هَؤُلَاءِ لِمُجَاوَرَتِهَا حُرُوف الْفَم . قَالَ النَّحَّاس : وَحَكَى أَبُو إِسْحَاق فِي كِتَابه &quot; فِيمَا يَجْرِي وَفِيمَا لَا يَجْرِي &quot; أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يُقَال : &quot; طسين مِيم &quot; بِفَتْحِ النُّون وَضَمّ الْمِيم , كَمَا يُقَال هَذَا مَعْدِي كَرِبُ . وَقَالَ أَبُو حَاتِم : قَرَأَ خَالِد : &quot; طسين مِيم &quot; . اِبْن عَبَّاس : &quot; طسم &quot; قَسَم وَهُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى , وَالْمُقْسَم عَلَيْهِ : &quot; إِنْ نَشَأْ نُنَزِّل عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء آيَة &quot; . وَقَالَ قَتَادَة : اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن أَقْسَمَ اللَّه بِهِ . مُجَاهِد : هُوَ اِسْم السُّورَة ; وَيُحَسِّن اِفْتِتَاح السُّورَة . الرَّبِيع : حِسَاب مُدَّة قَوْم . وَقِيلَ : قَارِعَة تَحُلّ بِقَوْمٍ . &quot; طسم &quot; وَ &quot; طس &quot; وَاحِد . قَالَ : وَفَاؤُكُمَا كَالرَّبْعِ أَشْجَاهُ طَاسِمُهْ بِأَنْ تُسْعِدَا وَالدَّمْع أَشْفَاهُ سَاجِمهْ وَقَالَ الْقَرَظِيّ : أَقْسَمَ اللَّه بِطَوْلِهِ وَسَنَائِهِ وَمُلْكه . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل : الطَّاء طُور سَيْنَاء وَالسِّين إِسْكَنْدَرِيَّة وَالْمِيم مَكَّة . وَقَالَ جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ : الطَّاء شَجَرَة طُوبَى , وَالسِّين سِدْرَة الْمُنْتَهَى , وَالْمِيم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : الطَّاء مِنْ الطَّاهِر وَالسِّين مِنْ الْقُدُّوس - وَقِيلَ : مِنْ السَّمِيع وَقِيلَ : مِنْ السَّلَام - وَالْمِيم مِنْ الْمَجِيد . وَقِيلَ : مِنْ الرَّحِيم . وَقِيلَ : مِنْ الْمَلِك . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي أَوَّل سُورَة &quot; الْبَقَرَة &quot; . وَالطَّوَاسِيم وَالطَّوَاسِين سُوَر فِي الْقُرْآن جُمِعَتْ عَلَى غَيْر قِيَاس . وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَة : وَبِالطَّوَاسِيم الَّتِي قَدْ ثُلِّثَتْ وَبِالْحَوَامِيمِ الَّتِي قَدْ سُبِّعَتْ قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَالصَّوَاب أَنْ تُجْمَع بِذَوَاتِ وَتُضَاف إِلَى وَاحِد , فَيُقَال : ذَوَات طسم وَذَوَات حم .';
$TAFSEER['4']['26']['2'] = 'رُفِعَ عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَإٍ أَيْ هَذِهِ &quot; تِلْكَ آيَات الْكِتَاب الْمُبِين &quot; الَّتِي كُنْتُمْ وُعِدْتُمْ بِهَا ; لِأَنَّهُمْ قَدْ وُعِدُوا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل بِإِنْزَالِ الْقُرْآن . وَقِيلَ : &quot; تِلْكَ &quot; بِمَعْنَى هَذِهِ .';
$TAFSEER['4']['26']['3'] = 'أَيْ قَاتِل نَفْسك وَمُهْلِكهَا . وَقَدْ مَضَى فِي &quot; الْكَهْف &quot; بَيَانه .



أَيْ لِتَرْكِهِمْ الْإِيمَان . قَالَ الْفَرَّاء : &quot; أَنْ &quot; فِي مَوْضِع نَصْب ; لِأَنَّهَا جَزَاء . قَالَ النَّحَّاس : وَإِنَّمَا يُقَال : بِإِنْ مَكْسُورَة لِأَنَّهَا جَزَاء ; كَذَا الْمُتَعَارَف . وَالْقَوْل فِي هَذَا مَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاق فِي كِتَابه فِي الْقُرْآن ; قَالَ : &quot; أَنْ &quot; فِي مَوْضِع نَصْب مَفْعُول مِنْ أَجْله ; وَالْمَعْنَى لَعَلَّك قَاتِل نَفْسك لِتَرْكِهِمْ الْإِيمَان .';
$TAFSEER['4']['26']['4'] = 'أَيْ مُعْجِزَة ظَاهِرَة وَقُدْرَة بَاهِرَة فَتَصِير مَعَارِفهمْ ضَرُورِيَّة , وَلَكِنْ سَبَقَ الْقَضَاء بِأَنْ تَكُون الْمَعَارِف نَظَرِيَّة . وَقَالَ أَبُو حَمْزَة الثُّمَالِيّ فِي هَذِهِ الْآيَة : بَلَغَنِي أَنَّ لِهَذِهِ الْآيَة صَوْتًا يُسْمَع مِنْ السَّمَاء فِي النِّصْف مِنْ شَهْر رَمَضَان ; تَخْرُج بِهِ الْعَوَاتِق مِنْ الْبُيُوت وَتَضِجّ لَهُ الْأَرْض . وَهَذَا فِيهِ بُعْد ; لِأَنَّ الْمُرَاد قُرَيْش لَا غَيْرهمْ .


أَيْ فَتَظَلّ أَعْنَاقهمْ &quot; لَهَا خَاضِعِينَ &quot; قَالَ مُجَاهِد : أَعْنَاقهمْ كُبَرَاؤُهُمْ ; وَقَالَ النَّحَّاس : وَمَعْرُوف فِي اللُّغَة ; يُقَال : جَاءَنِي عُنُق مِنْ النَّاس أَيْ رُؤَسَاء مِنْهُمْ . أَبُو زَيْد وَالْأَخْفَش : &quot; أَعْنَاقهمْ &quot; جَمَاعَاتهمْ ; يُقَال : جَاءَنِي عُنُق مِنْ النَّاس أَيْ جَمَاعَة . وَقِيلَ : إِنَّمَا أَرَادَ أَصْحَاب الْأَعْنَاق , فَحَذَفَ الْمُضَاف وَأَقَامَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مَقَامه . قَتَادَة : الْمَعْنَى لَوْ شَاءَ لَأَنْزَلَ آيَة يَذِلُّونَ بِهَا فَلَا يَلْوِي أَحَد مِنْهُمْ عُنُقه إِلَى مَعْصِيَة . اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ فِينَا وَفِي بَنِي أُمَيَّة سَتَكُونُ لَنَا عَلَيْهِمْ الدَّوْلَة فَتَذِلّ لَنَا أَعْنَاقهمْ بَعْد مُعَاوِيَة ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ وَالْغَزْنَوِيّ فَاَللَّه أَعْلَم . وَخَاضِعِينَ وَخَاضِعَة هُنَا سَوَاء ; قَالَهُ عِيسَى بْن عُمَر وَاخْتَارَهُ الْمُبَرِّد . وَالْمَعْنَى : إِنَّهُمْ إِذَا ذَلَّتْ رِقَابهمْ ذَلُّوا ; فَالْإِخْبَار عَنْ الرِّقَاب إِخْبَار عَنْ أَصْحَابهَا . وَيَسُوغ فِي كَلَام الْعَرَب أَنْ تَتْرُك الْخَبَر عَنْ الْأَوَّل وَتُخْبِر عَنْ الثَّانِي ; قَالَ الرَّاجِز : طُول اللَّيَالِي أَسْرَعَتْ فِي نَقْضِي طَوَيْنَ طُولِي وَطَوَيْنَ عَرْضِي فَأَخْبَرَ عَنْ اللَّيَالِي وَتَرَكَ الطُّول . وَقَالَ جَرِير : أَرَى مَرّ السِّنِينَ أَخَذْنَ مِنِّي كَمَا أَخَذَ السِّرَار مِنْ الْهِلَال وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ أُسْقِطَ مَرّ وَطُول مِنْ الْكَلَام لَمْ يَفْسُد مَعْنَاهُ ; فَكَذَلِكَ رَدّ الْفِعْل إِلَى , الْكِنَايَة فِي قَوْله : &quot; فَظَلَّتْ أَعْنَاقهمْ &quot; لِأَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَ الْأَعْنَاق لَمَا فَسَدَ الْكَلَام , وَلَأَدَّى مَا بَقِيَ مِنْ الْكَلَام عَنْهُ حَتَّى يَقُول : فَظَلُّوا لَهَا خَاضِعِينَ . وَعَلَى هَذَا اِعْتَمَدَ الْفَرَّاء وَأَبُو عُبَيْدَة . وَالْكِسَائِيّ يَذْهَب إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى خَاضِعِيهَا هُمْ , وَهَذَا خَطَأ عِنْد الْبَصْرِيِّينَ وَالْفَرَّاء . وَمِثْل هَذَا الْحَذْف لَا يَقَع فِي شَيْء مِنْ الْكَلَام ; قَالَهُ النَّحَّاس .';
$TAFSEER['4']['26']['5'] = 'وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : &quot; وَهُمْ غَفَلَة مُعْرِضُونَ &quot; يَعْنِي بِالدُّنْيَا عَنْ الْآخِرَة . 

الثَّانِي : عَنْ التَّأَهُّب لِلْحِسَابِ وَعَمَّا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهَذَا الْوَاو عِنْد سِيبَوَيْهِ بِمَعْنَى &quot; إِذْ &quot; وَهِيَ الَّتِي يُسَمِّيهَا النَّحْوِيُّونَ وَاو الْحَال ; كَمَا قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : &quot; يَغْشَى طَائِفَة مِنْكُمْ وَطَائِفَة قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسهمْ &quot; [ آلَ عِمْرَان : 154 ] . قَوْله تَعَالَى : &quot; مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْر مِنْ رَبّهمْ مُحْدَث &quot; &quot; مُحْدَث &quot; نَعْت لِ &quot; ذِكْر &quot; . وَأَجَازَ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء &quot; مُحْدَثًا &quot; بِمَعْنَى مَا يَأْتِيهِمْ مُحْدَثًا ; نُصِبَ عَلَى الْحَال . وَأَجَازَ الْفَرَّاء أَيْضًا رَفْع &quot; مُحْدَث &quot; عَلَى النَّعْت لِلذِّكْرِ ; لِأَنَّك لَوْ حَذَفْت &quot; مِنْ &quot; رَفَعْت ذِكْرًا ; أَيْ مَا يَأْتِيهِمْ ذِكْر مِنْ رَبّهمْ مُحْدَث ; يُرِيد فِي النُّزُول وَتِلَاوَة جِبْرِيل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنَّهُ كَانَ يُنْزِل سُورَة بَعْد سُورَة , وَآيَة بَعْد آيَة , كَمَا كَانَ يُنْزِل اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ فِي وَقْت بَعْد وَقْت ; لَا أَنَّ الْقُرْآن مَخْلُوق . وَقِيلَ : الذِّكْر مَا يَذْكُرهُمْ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعِظهُمْ بِهِ . وَقَالَ : &quot; مِنْ رَبّهمْ &quot; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْطِق إِلَّا بِالْوَحْيِ , فَوَعْظ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْذِيره ذِكْر , وَهُوَ مُحْدَث ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّر &quot; [ الْغَاشِيَة : 21 ] . وَيُقَال : فُلَان فِي مَجْلِس الذِّكْر . وَقِيلَ : الذِّكْر الرَّسُول نَفْسه ; قَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل بِدَلِيلِ مَا فِي سِيَاق الْآيَة &quot; هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَر مِثْلكُمْ &quot; [ الْأَنْبِيَاء : 3 ] وَلَوْ أَرَادَ بِالذِّكْرِ الْقُرْآن لَقَالَ : هَلْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ ; وَدَلِيل هَذَا التَّأْوِيل قَوْله تَعَالَى : &quot; وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُون . وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْر لِلْعَالَمِينَ &quot; [ الْقَلَم : 51 - 52 ] يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ : &quot; قَدْ أَنْزَلَ اللَّه إِلَيْكُمْ ذِكْرًا . رَسُولًا &quot; [ الطَّلَاق : 10 - 11 ] . &quot; إِلَّا اِسْتَمَعُوهُ &quot; يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ الْقُرْآن مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ أُمَّته . &quot; وَهُمْ يَلْعَبُونَ &quot; أَيْ يَلْهُونَ . وَقِيلَ : يَشْتَغِلُونَ ; فَإِنْ حُمِلَ تَأْوِيله عَلَى اللَّهْو اِحْتَمَلَ مَا يَلْهُونَ بِهِ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : بِلَذَّاتِهِمْ . الثَّانِي : بِسَمَاعِ مَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ . وَإِنْ حُمِلَ تَأْوِيله عَلَى الشُّغْل اِحْتَمَلَ مَا يَتَشَاغَلُونَ بِهِ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : بِالدُّنْيَا لِأَنَّهَا لَعِب ; كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; إِنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا لَعِب وَلَهْو &quot; [ مُحَمَّد : 36 ] . الثَّانِي : يَتَشَاغَلُونَ بِالْقَدْحِ فِيهِ , وَالِاعْتِرَاض عَلَيْهِ . قَالَ الْحَسَن : كُلَّمَا جُدِّدَ لَهُمْ الذِّكْر اِسْتَمَرُّوا عَلَى الْجَهْل وَقِيلَ : يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآن مُسْتَهْزِئِينَ .';
$TAFSEER['4']['26']['6'] = 'أَيْ أَعْرَضُوا وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ شَيْء وَلَمْ يَقْبَلهُ فَهُوَ تَكْذِيب لَهُ .



وَعِيد لَهُمْ ; أَيْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ عَاقِبَة مَا كَذَّبُوا وَاَلَّذِي اِسْتَهْزَءُوا بِهِ .';
$TAFSEER['4']['26']['7'] = 'نَبَّهَ عَلَى عَظَمَته وَقُدْرَته وَأَنَّهُمْ لَوْ رَأَوْا بِقُلُوبِهِمْ وَنَظَرُوا بِبَصَائِرِهِمْ لَعَلِمُوا أَنَّهُ الَّذِي يَسْتَحِقّ أَنْ يُعْبَد ; إِذْ هُوَ الْقَادِر عَلَى كُلّ شَيْء . وَالزَّوْج هُوَ اللَّوْن ; قَالَهُ الْفَرَّاء . وَ &quot; كَرِيم &quot; حَسَن شَرِيف , وَأَصْل الْكَرَم فِي اللُّغَة الشَّرَف وَالْفَضْل , فَنَخْلَة كَرِيمَة أَيْ فَاضِلَة كَثِيرَة الثَّمَر , وَرَجُل كَرِيم شَرِيف , فَاضِل صَفُوح . وَنَبَتَتْ الْأَرْض وَأَنْبَتَتْ بِمَعْنًى . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَة &quot; الْبَقَرَة &quot; وَاَللَّه سُبْحَانه هُوَ الْمُخْرِج وَالْمُنْبِت لَهُ . وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيّ أَنَّهُ قَالَ : النَّاس مِنْ نَبَات الْأَرْض فَمَنْ صَارَ مِنْهُمْ إِلَى الْجَنَّة فَهُوَ كَرِيم , وَمَنْ صَارَ إِلَى النَّار فَهُوَ لَئِيم .';
$TAFSEER['4']['26']['8'] = 'أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْإِنْبَات فِي الْأَرْض لِدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّ اللَّه قَادِر , لَا يُعْجِزهُ شَيْء .



أَيْ مُصَدِّقِينَ لِمَا سَبَقَ مِنْ عِلْمِي فِيهِمْ . وَ &quot; كَانَ &quot; هُنَا صِلَة فِي قَوْل سِيبَوَيْهِ ; تَقْدِيره : وَمَا أَكْثَرهمْ مُؤْمِنِينَ .';
$TAFSEER['4']['26']['9'] = 'يُرِيد الْمَنِيع الْمُنْتَقِم مِنْ أَعْدَائِهِ , الرَّحِيم بِأَوْلِيَائِهِ .';
$TAFSEER['4']['26']['10'] = '&quot; إِذْ &quot; فِي مَوْضِع نَصْب ; الْمَعْنَى : وَاتْلُ عَلَيْهِمْ &quot; إِذْ نَادَى رَبّك مُوسَى &quot; وَيَدُلّ عَلَى هَذَا أَنَّ بَعْده . &quot; وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ إِبْرَاهِيم &quot; [ الشُّعَرَاء : 69 ] ذَكَرَهُ النَّحَّاس . وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; وَاذْكُرْ إِذَا نَادَى كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي قَوْله : &quot; وَاذْكُرْ أَخَا عَاد &quot; [ الْأَحْقَاف : 21 ] وَقَوْله : &quot; وَاذْكُرْ عِبَادنَا إِبْرَاهِيم &quot; [ ص : 45 ] وَقَوْله : &quot; وَاذْكُرْ فِي الْكِتَاب مَرْيَم &quot; [ مَرْيَم : 16 ] . وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; &quot; وَإِذْ نَادَى رَبّك مُوسَى &quot; كَانَ كَذَا وَكَذَا . وَالنِّدَاء الدُّعَاء بِيَا فُلَان , أَيْ قَالَ رَبّك يَا مُوسَى :


ثُمَّ أَخْبَرَ مَنْ هُمْ فَقَالَ , &quot; قَوْم فِرْعَوْن أَلَا يَتَّقُونَ &quot;';
$TAFSEER['4']['26']['11'] = 'فَ &quot; قَوْم &quot; بَدَل ; وَمَعْنَى &quot; أَلَا يَتَّقُونَ &quot; أَلَا يَخَافُونَ عِقَاب اللَّه ؟ وَقِيلَ : هَذَا مِنْ الْإِيمَاء إِلَى الشَّيْء لِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَأْتِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ , وَدَلَّ قَوْله : &quot; يَتَّقُونَ &quot; عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَتَّقُونَ , وَعَلَى أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالتَّقْوَى . وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; قُلْ لَهُمْ &quot; أَلَا تَتَّقُونَ &quot; وَجَاءَ بِالْيَاءِ لِأَنَّهُمْ غُيَّب وَقْت الْخِطَاب , وَلَوْ جَاءَ بِالتَّاءِ لَجَازَ . وَمِثْله &quot; قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ &quot; [ آلَ عِمْرَانَ : 12 ] بِالتَّاءِ وَالْيَاء . وَقَدْ قَرَأَ عُبَيْد بْن عُمَيْر وَأَبُو حَازِم &quot; أَلَا تَتَّقُونَ &quot; بِتَاءَيْنِ أَيْ قُلْ لَهُمْ &quot; أَلَا تَتَّقُونَ &quot; .';
$TAFSEER['4']['26']['12'] = 'أَيْ قَالَ مُوسَى :



أَيْ فِي الرِّسَالَة وَالنُّبُوَّة .';
$TAFSEER['4']['26']['13'] = 'لِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّايَ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة &quot; وَيَضِيق &quot; &quot; وَلَا يَنْطَلِق &quot; بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَاف . وَقَرَأَ يَعْقُوب وَعِيسَى بْن عَمْرو أَبُو حَيْوَة : &quot; وَيَضِيق - وَلَا يَنْطَلِق &quot; بِالنَّصْبِ فِيهِمَا رَدًّا عَلَى قَوْله : &quot; أَنْ يُكَذِّبُونَ &quot; قَالَ الْكِسَائِيّ : الْقِرَاءَة بِالرَّفْعِ ; يَعْنِي فِي &quot; يَضِيق صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِق لَسَانَى &quot; مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا الِابْتِدَاء وَالْآخَر بِمَعْنَى وَإِنِّي يَضِيق صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِق لِسَانِي يَعْنِي نَسَقًا عَلَى &quot; إِنِّي أَخَاف &quot; قَالَ الْفَرَّاء : وَيُقْرَأ بِالنَّصْبِ . حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الْأَعْرَج وَطَلْحَة وَعِيسَى بْن عُمَر وَكِلَاهُمَا لَهُ وَجْه . قَالَ النَّحَّاس : الْوَجْه الرَّفْع ; لِأَنَّ النَّصْب عَطْف عَلَى &quot; يُكَذِّبُونَ &quot; وَهَذَا بَعِيد يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : &quot; وَاحُلَل عُقْدَة مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي &quot; [ طه : 27 - 28 ] فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ كَذَا .



فِي الْمُحَاجَّة عَلَى مَا أُحِبّ ; وَكَانَ فِي لِسَانه عُقْدَة عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي &quot; طه &quot; .



أَرْسِلْ إِلَيْهِ جِبْرِيل بِالْوَحْيِ , وَاجْعَلْهُ رَسُولًا مَعِي لِيُؤَازِرنِي وَيُظَاهِرنِي وَيُعَاوِننِي . وَلَمْ يَذْكُر هُنَا لِيُعِينَنِي ; لِأَنَّ الْمَعْنَى كَانَ مَعْلُومًا , وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي سُورَة &quot; طه &quot; : &quot; وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا &quot; [ طه : 29 ] وَفِي الْقَصَص : &quot; أَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقنِي &quot; [ الْقَصَص : 34 ] وَكَأَنَّ مُوسَى أُذِنَ لَهُ فِي هَذَا السُّؤَال , وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ اِسْتِعْفَاء مِنْ الرِّسَالَة بَلْ طَلَبَ مَنْ يُعِينهُ . فَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ لَا يَسْتَقِلّ بِأَمْرٍ , وَيَخَاف مِنْ نَفْسه تَقْصِيرًا , أَنْ يَأْخُذ مَنْ يَسْتَعِين بِهِ عَلَيْهِ , وَلَا يَلْحَقهُ فِي ذَلِكَ لَوْم .';
$TAFSEER['4']['26']['14'] = 'الذَّنْب هُنَا قَتْل الْقِبْطِيّ وَاسْمه فَاثُور عَلَى مَا يَأْتِي فِي &quot; الْقَصَص &quot; بَيَانه , وَقَدْ مَضَى فِي &quot; طه &quot; ذِكْره . وَخَافَ مُوسَى أَنْ يَقْتُلُوهُ بِهِ , وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخَوْف قَدْ يَصْحَب الْأَنْبِيَاء وَالْفُضَلَاء وَالْأَوْلِيَاء مَعَ مَعْرِفَتهمْ بِاَللَّهِ وَأَنْ لَا فَاعِل إِلَّا هُوَ ; إِذْ قَدْ يُسَلِّط مَنْ شَاءَ عَلَى مَنْ شَاءَ';
$TAFSEER['4']['26']['15'] = 'أَيْ كَلَّا لَنْ يَقْتُلُوك . فَهُوَ رَدْع وَزَجْر عَنْ هَذَا الظَّنّ , وَأَمْر بِالثِّقَةِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ; أَيْ ثِقْ بِاَللَّهِ وَانْزَجِرْ عَنْ خَوْفك مِنْهُمْ ; فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى قَتْلك , وَلَا يَقْوَوْنَ عَلَيْهِ .


أَيْ أَنْتَ وَأَخُوك فَقَدْ جَعَلْته رَسُولًا مَعَك .


أَيْ بِبَرَاهِينِنَا وَبِالْمُعْجِزَاتِ . وَقِيلَ : أَيْ مَعَ آيَاتنَا .


يُرِيد نَفْسه سُبْحَانه وَتَعَالَى .



أَيْ سَامِعُونَ مَا يَقُولُونَ وَمَا يُجَاوِبُونَ . وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ تَقْوِيَة قَلْبَيْهِمَا وَأَنَّهُ يُعِينهُمَا وَيَحْفَظهُمَا . وَالِاسْتِمَاع إِنَّمَا يَكُون بِالْإِصْغَاءِ , وَلَا يُوصَف الْبَارِي سُبْحَانه بِذَلِكَ . وَقَدْ وَصَفَ سُبْحَانه نَفْسه بِأَنَّهُ السَّمِيع الْبَصِير . وَقَالَ فِي &quot; طه &quot; : &quot; أَسْمَع وَأَرَى &quot; [ طه : 46 ] وَقَالَ : &quot; مَعَكُمْ &quot; فَأَجْرَاهُمَا مَجْرَى الْجَمْع ; لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ جَمَاعَة . وَيَجُوز أَنْ يَكُون لَهُمَا وَلِمَنْ أُرْسِلَا إِلَيْهِ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون لِجَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيل .';
$TAFSEER['4']['26']['16'] = 'قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : رَسُول بِمَعْنَى رِسَالَة وَالتَّقْدِير عَلَى هَذَا ; إِنَّا ذَوُو رِسَالَة رَبّ الْعَالَمِينَ . قَالَ الْهُذَلِيّ : أَلِكْنِي إِلَيْهَا وَخَيْر الرَّسُول أَعْلَمهمْ بِنَوَاحِي الْخَبَر أَلِكْنِي إِلَيْهَا مَعْنَاهُ أَرْسِلْنِي . وَقَالَ آخَر : لَقَدْ كَذَبَ الْوَاشُونَ مَا بُحْت عِنْدهمْ بِسِرٍّ وَلَا أَرْسَلْتهمْ بِرَسُولِ آخَر : أَلَا أَبْلِغْ بَنِي عَمْرو رَسُولًا بِأَنِّي عَنْ فُتَاحَتِكُمْ غَنِيّ وَقَالَ الْعَبَّاس بْن مِرْدَاس : أَلَا مِنْ مُبَلِّغ عَنِّي خُفَافَا رَسُولًا بَيْت أَهْلك مُنْتَهَاهَا يَعْنِي رِسَالَة فَلِذَلِكَ أَنَّثَهَا . قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَيَجُوز أَنْ يَكُون الرَّسُول فِي مَعْنَى الِاثْنَيْنِ وَالْجَمْع ; فَتَقُول الْعَرَب : هَذَا رَسُولِي وَوَكِيلِي , وَهَذَانِ رَسُولِي وَوَكِيلِي , وَهَؤُلَاءِ رَسُولِي وَوَكِيلِي . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : &quot; فَإِنَّهُمْ عَدُوّ لِي &quot; [ الشُّعَرَاء : 77 ] . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ إِنَّ كُلّ وَاحِد مِنَّا رَسُول رَبّ الْعَالَمِينَ .';
$TAFSEER['4']['26']['17'] = 'أَيْ أَطْلِقْهُمْ وَخَلِّ سَبِيلهمْ حَتَّى يَسِيرُوا مَعَنَا إِلَى فِلَسْطِين وَلَا تَسْتَعْبِدهُمْ ; وَكَانَ فِرْعَوْن اِسْتَعْبَدَهُمْ أَرْبَعمِائَةِ سَنَة , وَكَانُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْت سِتّمِائَةِ أَلْف وَثَلَاثِينَ أَلْفًا . فَانْطَلَقَا إِلَى فِرْعَوْن فَلَمْ يُؤْذَن لَهُمَا سَنَة فِي الدُّخُول عَلَيْهِ , فَدَخَلَ الْبَوَّاب عَلَى فِرْعَوْن فَقَالَ : هَاهُنَا إِنْسَان يَزْعُم أَنَّهُ رَسُول رَبّ الْعَالَمِينَ . فَقَالَ فِرْعَوْن : ايذَنْ لَهُ لَعَلَّنَا نَضْحَك مِنْهُ ; فَدَخَلَا عَلَيْهِ وَأَدَّيَا الرِّسَالَة . وَرَوَى وَهْب وَغَيْره : أَنَّهُمَا لَمَّا دَخَلَا عَلَى فِرْعَوْن وَجَدَاهُ وَقَدْ أَخْرَجَ سِبَاعًا مِنْ أُسْد وَنُمُور وَفُهُود يَتَفَرَّج عَلَيْهَا , فَخَافَ سُوَّاسهَا أَنْ تَبْطِش بِمُوسَى وَهَارُون , فَأَسْرَعُوا إِلَيْهَا , وَأَسْرَعَتْ السِّبَاع إِلَى مُوسَى وَهَارُون , فَأَقْبَلَتْ تَلْحَس أَقْدَامهمَا , وَتُبَصْبِص إِلَيْهِمَا بِأَذْنَابِهَا , وَتُلْصِق خُدُودهَا بِفَخِذَيْهِمَا , فَعَجِبَ فِرْعَوْن مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ : مَا أَنْتُمَا ؟ قَالَا : &quot; إِنَّا رَسُول رَبّ الْعَالَمِينَ &quot; فَعَرَفَ مُوسَى لِأَنَّهُ نَشَأَ فِي بَيْته ;';
$TAFSEER['4']['26']['18'] = 'عَلَى جِهَة الْمَنّ عَلَيْهِ وَالِاحْتِقَار . أَيْ رَبَّيْنَاك صَغِيرًا وَلَمْ نَقْتُلك فِي جُمْلَة مَنْ قَتَلْنَا


فَمَتَى كَانَ هَذَا الَّذِي تَدَّعِيه . ثُمَّ قَرَّرَهُ بِقَتْلِ الْقِبْطِيّ';
$TAFSEER['4']['26']['19'] = 'وَالْفَعْلَة بِفَتْحِ الْفَاء الْمَرَّة مِنْ الْفِعْل . وَقَرَأَ الشَّعْبِيّ : &quot; فِعْلَتك &quot; بِكَسْرِ الْفَاء وَالْفَتْح أَوْلَى ; لِأَنَّهَا الْمَرَّة الْوَاحِدَة , وَالْكَسْر بِمَعْنَى الْهَيْئَة وَالْحَال , أَيْ فَعْلَتك الَّتِي تَعْرِف فَكَيْف تَدَّعِي مَعَ عِلْمنَا أَحْوَالك بِأَنَّ اللَّه أَرْسَلَك . وَقَالَ الشَّاعِر : كَأَنَّ مِشْيَتهَا مِنْ بَيْت جَارَتهَا مَرّ السَّحَابَة لَا رَيْث وَلَا عَجَل وَيُقَال : كَانَ ذَلِكَ أَيَّام الرِّدَّة وَالرَّدَّة .


قَالَ الضَّحَّاك : أَيْ فِي قَتْلك الْقِبْطِيّ إِذْ هُوَ نَفْس لَا يَحِلّ قَتْله . وَقِيلَ : أَيْ بِنِعْمَتِي الَّتِي كَانَتْ لَنَا عَلَيْك مِنْ التَّرْبِيَة وَالْإِحْسَان إِلَيْك ; قَالَهُ اِبْن زَيْد . الْحَسَن : &quot; مِنْ الْكَافِرِينَ &quot; فِي أَنِّي إِلَهك . السُّدِّيّ : &quot; مِنْ الْكَافِرِينَ &quot; بِاَللَّهِ لِأَنَّك كُنْت مَعَنَا عَلَى دِيننَا هَذَا الَّذِي تَعِيبهُ . وَكَانَ بَيْن خُرُوج مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حِين قَتَلَ الْقِبْطِيّ وَبَيْن رُجُوعه نَبِيًّا أَحَد عَشَر عَامًا غَيْر أَشْهُر .';
$TAFSEER['4']['26']['20'] = 'أَيْ فَعَلْت تِلْكَ الْفَعْلَة يُرِيد قَتْل الْقِبْطِيّ


إِذْ ذَاكَ




أَيْ مِنْ الْجَاهِلِينَ ; فَنَفَى عَنْ نَفْسه الْكُفْر , وَأَخْبَرَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى الْجَهْل . وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد ; &quot; مِنْ الضَّالِّينَ &quot; مِنْ الْجَاهِلِينَ . اِبْن زَيْد : مِنْ الْجَاهِلِينَ بِأَنَّ الْوَكْزَة تَبْلُغ الْقَتْل . وَفِي مُصْحَف عَبْد اللَّه &quot; مِنْ الْجَاهِلِينَ &quot; وَيُقَال لِمَنْ جَهِلَ شَيْئًا ضَلَّ عَنْهُ . وَقِيلَ : &quot; وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ &quot; مِنْ النَّاسِينَ ; قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة . وَقِيلَ : &quot; وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ &quot; عَنْ النُّبُوَّة وَلَمْ يَأْتِنِي عَنْ اللَّه فِيهِ شَيْء , فَلَيْسَ عَلَيَّ فِيمَا فَعَلْته فِي تِلْكَ الْحَالَة تَوْبِيخ . وَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ التَّرْبِيَة فِيهِمْ لَا تُنَافِي النُّبُوَّة وَالْحِلْم عَلَى النَّاس , وَأَنَّ الْقَتْل خَطَأ أَوْ فِي وَقْت لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرْع لَا يُنَافِي النُّبُوَّة .';
$TAFSEER['4']['26']['21'] = 'أَيْ خَرَجْت مِنْ بَيْنكُمْ إِلَى مَدْيَن كَمَا فِي سُورَة &quot; الْقَصَص &quot; : &quot; فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّب &quot; [ الْقَصَص : 21 ] وَذَلِكَ حِين الْقَتْل .


يَعْنِي النُّبُوَّة ; عَنْ السُّدِّيّ وَغَيْره . الزَّجَّاج : تَعْلِيم التَّوْرَاة الَّتِي فِيهَا حُكْم اللَّه . وَقِيلَ : عِلْمًا وَفَهْمًا .';
$TAFSEER['4']['26']['22'] = 'اِخْتَلَفَ النَّاسِي مَعْنَى هَذَا الْكَلَام ; فَقَالَ السُّدِّيّ وَالطَّبَرِيّ وَالْفَرَّاء : هَذَا الْكَلَام مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى جِهَة الْإِقْرَار بِالنِّعْمَةِ ; كَأَنَّهُ يَقُول : نَعَمْ ؟ وَتَرْبِيَتك نِعْمَة عَلَيَّ مِنْ حَيْثُ عَبَّدْت غَيْرِي وَتَرَكْتنِي , وَلَكِنْ لَا يَدْفَع ذَلِكَ رِسَالَتِي . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى جِهَة الْإِنْكَار ; أَيْ أَتَمُنُّ عَلَيَّ بِأَنْ رَبَّيْتنِي وَلِيدًا وَأَنْتَ قَدْ اِسْتَعْبَدْت بَنِي إِسْرَائِيل وَقَتَلْتهمْ ؟ ! أَيْ لَيْسَتْ بِنِعْمَةٍ ؟ لِأَنَّ الْوَاجِب كَانَ أَلَّا تَقْتُلهُمْ وَلَا تَسْتَعْبِدهُمْ فَإِنَّهُمْ قَوْمِي ; فَكَيْف تَذْكُر إِحْسَانك إِلَيَّ عَلَى الْخُصُوص ؟ ! قَالَ مَعْنَاهُ قَتَادَة وَغَيْره . وَقِيلَ : فِيهِ تَقْدِير اِسْتِفْهَام ; أَيْ أَوَتِلْكَ نِعْمَة ؟ قَالَهُ الْأَخْفَش وَالْفَرَّاء أَيْضًا وَأَنْكَرَهُ النَّحَّاس وَغَيْره . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا لَا يَجُوز لِأَنَّ أَلِف الِاسْتِفْهَام تُحْدِث مَعْنًى , وَحَذْفهَا مُحَال إِلَّا أَنْ يَكُون فِي الْكَلَام أَمْ ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : تَرُوح مِنْ الْحَيّ أَمْ تَبْتَكِر وَلَا أَعْلَم بَيْن النَّحْوِيِّينَ اِخْتِلَافًا فِي هَذَا إِلَّا شَيْئًا قَالَهُ الْفَرَّاء . قَالَ : يَجُوز أَلِف الِاسْتِفْهَام فِي أَفْعَال الشَّكّ , وَحُكِيَ تَرَى زَيْدًا مُنْطَلِقًا ؟ بِمَعْنَى أَتَرَى . وَكَانَ عَلِيّ بْن سُلَيْمَان يَقُول فِي هَذَا : إِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ أَلْفَاظ الْعَامَّة . قَالَ الثَّعْلَبِيّ : قَالَ الْفَرَّاء وَمَنْ قَالَ إِنَّهَا إِنْكَار قَالَ مَعْنَاهُ أَوَتِلْكَ نِعْمَة ؟ عَلَى طَرِيق الِاسْتِفْهَام ; كَقَوْلِهِ : &quot; هَذَا رَبِّي &quot; [ الْأَنْعَام : 76 ] &quot; فَهُمْ الْخَالِدُونَ &quot; [ الْأَنْبِيَاء : 34 ] . قَالَ الشَّاعِر : رَفَوْنِي وَقَالُوا يَا خُوَيْلِد لَا تُرَع فَقُلْت وَأَنْكَرْت الْوُجُوه هُمُ هُمُ وَأَنْشَدَ الْغَزْنَوِيّ شَاهِدًا عَلَى تَرْك الْأَلِف قَوْلهمْ : لَمْ أَنْسَ يَوْم الرَّحِيل وَقَفْتهَا وَجَفْنهَا مِنْ دُمُوعهَا شَرِق وَقَوْلهَا وَالرِّكَاب وَاقِفَة /و تَرَكْتنِي هَكَذَا وَتَنْطَلِق قُلْت : فَفِي هَذَا حَذْف أَلِف الِاسْتِفْهَام مَعَ عَدَم أَمْ خِلَاف قَوْل النَّحَّاس . وَقَالَ الضَّحَّاك : إِنَّ الْكَلَام خَرَجَ مَخْرَج التَّبْكِيت وَالتَّبْكِيت يَكُون , بِاسْتِفْهَامٍ وَبِغَيْرِ اِسْتِفْهَام ; وَالْمَعْنَى : لَوْ . لَمْ تَقْتُل بَنِي إِسْرَائِيل لَرَبَّانِي أَبَوَايَ ; فَأَيّ نِعْمَة لَك عَلَيَّ ! فَأَنْتَ تَمُنّ عَلَيَّ بِمَا لَا يَجِب أَنْ تَمُنّ بِهِ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ كَيْف تَمُنّ بِالتَّرْبِيَةِ وَقَدْ أَهَنْت قَوْمِي ؟ وَمَنْ أُهِينَ قَوْمه ذَلَّ . وَ &quot; أَنْ عَبَّدْت &quot; فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى الْبَدَل مِنْ &quot; نِعْمَة &quot; وَيَجُوز أَنْ تَكُون فِي مَوْضِع نَصْب بِمَعْنَى : لِأَنْ عَبَّدْت بَنِي إِسْرَائِيل ; أَيْ اِتَّخَذْتهمْ عَبِيدًا . يُقَال : عَبَّدْته وَأَعْبَدْته بِمَعْنًى ; قَالَهُ الْفَرَّاء وَأَنْشَدَ : عَلَامَ يُعْبِدنِي قَوْمِي وَقَدْ كَثُرَتْ /و فِيهِمْ أَبَاعِر مَا شَاءُوا وَعِبْدَان';
$TAFSEER['4']['26']['23'] = 'لَمَّا غَلَبَ مُوسَى فِرْعَوْن بِالْحُجَّةِ وَلَمْ يَجِد اللَّعِين مِنْ تَقْرِيره عَلَى التَّرْبِيَة وَغَيْر ذَلِكَ حُجَّة رَجَعَ إِلَى مُعَارَضَة مُوسَى فِي قَوْله : رَسُول رَبّ الْعَالَمِينَ ; فَاسْتَفْهَمَهُ اِسْتِفْهَامًا عَنْ مَجْهُول مِنْ الْأَشْيَاء . قَالَ مَكِّيّ وَغَيْره : كَمَا يُسْتَفْهَم عَنْ الْأَجْنَاس فَلِذَلِكَ اِسْتَفْهَمَ بِ &quot; مَا &quot; . قَالَ مَكِّيّ : وَقَدْ وَرَدَ لَهُ اِسْتِفْهَام بِ &quot; مَنْ &quot; فِي مَوْضِع آخَر وَيُشْبِه أَنَّهَا مَوَاطِن ; فَأَتَى مُوسَى بِالصِّفَاتِ الدَّالَّة عَلَى اللَّه مِنْ مَخْلُوقَاته الَّتِي لَا يُشَارِكهُ فِيهَا مَخْلُوق , وَقَدْ سَأَلَ فِرْعَوْن عَنْ الْجِنْس وَلَا جِنْس لِلَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّ الْأَجْنَاس مُحْدَثَة , فَعَلِمَ مُوسَى جَهْله فَأَضْرَبَ عَنْ سُؤَاله وَأَعْلَمَهُ بِعَظِيمِ قُدْرَة اللَّه الَّتِي تُبَيِّن لِلسَّامِعِ أَنَّهُ لَا مُشَارَكَة لِفِرْعَوْنَ فِيهَا .';
$TAFSEER['4']['26']['24'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['25'] = 'فَقَالَ فِرْعَوْن : &quot; أَلَا تَسْتَمِعُونَ &quot; عَلَى مَعْنَى الْإِغْرَاء وَالتَّعَجُّب مِنْ سَفَه الْمَقَالَة إِذْ كَانَتْ عَقِيدَة الْقَوْم أَنَّ فِرْعَوْن رَبّهمْ وَمَعْبُودهمْ وَالْفَرَاعِنَة قَبْله كَذَلِكَ .';
$TAFSEER['4']['26']['26'] = 'فَزَادَ مُوسَى فِي الْبَيَان بِقَوْلِهِ : &quot; رَبّكُمْ وَرَبّ آبَائِكُمْ الْأَوَّلِينَ &quot; فَجَاءَ بِدَلِيلٍ يَفْهَمُونَهُ عَنْهُ ; لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُمْ آبَاء وَأَنَّهُمْ قَدْ فَنُوا وَأَنَّهُ لَا بُدّ لَهُمْ مِنْ مُغَيِّر , وَأَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا بَعْد أَنْ لَمْ يَكُونُوا , وَأَنَّهُمْ لَا بُدّ لَهُمْ مِنْ مُكَوِّن . فَقَالَ فِرْعَوْن حِينَئِذٍ عَلَى جِهَة الِاسْتِخْفَاف :';
$TAFSEER['4']['26']['27'] = 'أَيْ لَيْسَ يُجِيبنِي عَمَّا أَسْأَل ; فَأَجَابَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَنْ هَذَا بِأَنْ قَالَ : &quot; رَبّ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب &quot;';
$TAFSEER['4']['26']['28'] = 'أَيْ لَيْسَ مُلْكه كَمُلْكِك ; لِأَنَّك إِنَّمَا تَمْلِك بَلَدًا وَاحِدًا لَا يَجُوز أَمْرك فِي غَيْره , وَيَمُوت مَنْ لَا تُحِبّ أَنْ يَمُوت , وَاَلَّذِي أَرْسَلَنِي يَمْلِك الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب ;



وَقِيلَ عَلِمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّ قَصْده فِي السُّؤَال مَعْرِفَة مَنْ سَأَلَ عَنْهُ , فَأَجَابَ بِمَا هُوَ الطَّرِيق إِلَى مَعْرِفَة الرَّبّ الْيَوْم . ثُمَّ لَمَّا اِنْقَطَعَ فِرْعَوْن لَعَنَهُ اللَّه فِي بَاب الْحُجَّة رَجَعَ إِلَى الِاسْتِعْلَاء وَالتَّغَلُّب فَتَوَعَّدَ مُوسَى بِالسَّجْنِ , وَلَمْ يَقُلْ مَا دَلِيلك عَلَى أَنَّ هَذَا الْإِلَه أَرْسَلَك ; لِأَنَّ فِيهِ الِاعْتِرَاف بِأَنَّ ثَمَّ إِلَهًا غَيْره .';
$TAFSEER['4']['26']['29'] = 'وَفِي تَوَعُّده بِالسَّجْنِ ضَعْف . وَكَانَ فِيمَا يُرْوَى أَنَّهُ يَفْزَع مِنْهُ فَزَعًا شَدِيدًا حَتَّى كَانَ اللَّعِين لَا يُمْسِك بَوْله . وَرُوِيَ أَنَّ سَجْنه كَانَ أَشَدّ مِنْ الْقَتْل . وَكَانَ إِذَا سَجَنَ أَحَدًا لَمْ يُخْرِجهُ مِنْ سَجْنه حَتَّى يَمُوت , فَكَانَ مَخُوفًا . ثُمَّ لَمَّا كَانَ عِنْد مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ أَمْر اللَّه تَعَالَى مَا لَا يَرُعْهُ تَوَعَّدَ فِرْعَوْن &quot; قَالَ &quot; لَهُ عَلَى جِهَة اللُّطْف بِهِ وَالطَّمَع فِي إِيمَانه :';
$TAFSEER['4']['26']['30'] = 'فَيَتَّضِح لَك بِهِ صِدْقِي , فَلَمَّا سَمِعَ فِرْعَوْن ذَلِكَ طَمِعَ فِي أَنْ يَجِد أَثْنَاءَهُ مَوْضِع مُعَارَضَة &quot; فَقَالَ &quot; لَهُ &quot; فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْت مِنْ الصَّادِقِينَ &quot;';
$TAFSEER['4']['26']['31'] = 'وَلَمْ يَحْتَجْ الشَّرْط إِلَى جَوَاب عِنْد سِيبَوَيْهِ ; لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ يَكْفِي مِنْهُ .';
$TAFSEER['4']['26']['32'] = 'مِنْ يَده فَكَانَ مَا أَخْبَرَ اللَّه مِنْ قِصَّته . وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان ذَلِكَ وَشَرْحه فِي &quot; الْأَعْرَاف &quot; إِلَى آخِر الْقِصَّة .';
$TAFSEER['4']['26']['33'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['34'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['35'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['36'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['37'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['38'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['39'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['40'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['41'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['42'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['43'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['44'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['45'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['46'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['47'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['48'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['49'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['50'] = 'وَقَالَ السَّحَرَة لَمَّا تَوَعَّدَهُمْ فِرْعَوْن بِقَطْعِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُل &quot; قَالُو لَا ضَيْر &quot; أَيْ لَا ضَرَر عَلَيْنَا فِيمَا يَلْحَقنَا مِنْ عَذَاب الدُّنْيَا ; أَيْ إِنَّمَا عَذَابك سَاعَة فَنَصْبِر لَهَا وَقَدْ لَقِينَا اللَّه مُؤْمِنِينَ . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى شِدَّة اِسْتِبْصَارهمْ وَقُوَّة إِيمَانهمْ . قَالَ مَالِك : دَعَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِرْعَوْن أَرْبَعِينَ سَنَة إِلَى الْإِسْلَام , وَأَنَّ السَّحَرَة آمَنُوا بِهِ فِي يَوْم وَاحِد . يُقَال : لَا ضَيْر وَلَا ضَوْر وَلَا ضَرّ وَلَا ضَرَر وَلَا ضَارُورَة بِمَعْنًى وَاحِد ; قَالَهُ الْهَرَوِيّ . وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَة : فَإِنَّك لَا يَضُورك بَعْد حَوْل أَظَبْي كَانَ أُمّك أَمْ حِمَار وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : ضَارَهُ يَضُورهُ وَيَضِيرهُ ضَيْرًا وَضَوْرًا أَيْ ضَرَّهُ . قَالَ الْكِسَائِيّ : سَمِعْت بَعْضهمْ يَقُول لَا يَنْفَعنِي ذَلِكَ وَلَا يَضُورنِي . وَالتَّضَوُّر الصِّيَاح وَالتَّلَوِّي عِنْد الضَّرْب أَوْ الْجُوع . وَالضُّورَة بِالضَّمِّ الرَّجُل الْحَقِير الصَّغِير الشَّأْن .


يُرِيد نَتَقَلَّب إِلَى رَبّ كَرِيم رَحِيم';
$TAFSEER['4']['26']['51'] = '&quot; أَنْ &quot; فِي مَوْضِع نَصْب , أَيْ لِأَنْ كُنَّا . وَأَجَازَ الْفَرَّاء كَسْرهَا عَلَى أَنْ تَكُون مُجَازَاة . وَمَعْنَى &quot; أَوَّل الْمُؤْمِنِينَ &quot; أَيْ عِنْد ظُهُور الْآيَة مِمَّنْ كَانَ فِي جَانِب فِرْعَوْن . الْفَرَّاء : أَوَّل مُؤْمِنِي زَمَاننَا . وَأَنْكَرَهُ الزَّجَّاج وَقَالَ : قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ آمَنَ مَعَهُ سِتّمِائَةِ أَلْف وَسَبْعُونَ أَلْفًا , وَهُمْ الشِّرْذِمَة الْقَلِيلُونَ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ فِرْعَوْن : &quot; إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَة قَلِيلُونَ &quot; رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَغَيْره .';
$TAFSEER['4']['26']['52'] = 'لَمَّا كَانَ مِنْ سُنَّته تَعَالَى فِي عِبَاده إِنْجَاء الْمُؤْمِنِينَ الْمُصَدِّقِينَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ , الْمُعْتَرِفِينَ بِرِسَالَةِ رُسُله وَأَنْبِيَائِهِ , وَإِهْلَاك الْكَافِرِينَ الْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ مِنْ أَعْدَائِهِ , أَمَرَ مُوسَى أَنْ يَخْرُج بِبَنِي إِسْرَائِيل لَيْلًا وَسَمَّاهُمْ عِبَاده ; لِأَنَّهُمْ آمَنُوا بِمُوسَى . وَمَعْنَى &quot; إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ &quot; أَيْ يَتَّبِعكُمْ فِرْعَوْن وَقَوْمه لِيَرُدُّوكُمْ . وَفِي ضِمْن هَذَا الْكَلَام تَعْرِيفهمْ أَنَّ اللَّه يُنْجِيهِمْ مِنْهُمْ ; فَخَرَجَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِبَنِي إِسْرَائِيل سَحَرًا , فَتَرَكَ الطَّرِيق إِلَى الشَّام عَلَى يَسَاره وَتَوَجَّهَ نَحْو الْبَحْر , فَكَانَ الرَّجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل يَقُول لَهُ فِي تَرْك الطَّرِيق فَيَقُول : هَكَذَا أُمِرْت .';
$TAFSEER['4']['26']['53'] = 'فَلَمَّا أَصْبَحَ فِرْعَوْن وَعَلِمَ بِسُرَى مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيل , خَرَجَ فِي أَثَرهمْ , وَبَعَثَ إِلَى مَدَائِن مِصْر لِتَلْحَقهُ الْعَسَاكِر , فَرُوِيَ أَنَّهُ لَحِقَهُ وَمَعَهُ مِائَة أَلْف أَدْهَم مِنْ الْخَيْل سِوَى سَائِر الْأَلْوَان . وَرُوِيَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيل كَانُوا سِتّمِائَةِ أَلْف وَسَبْعِينَ أَلْفًا . وَاَللَّه أَعْلَم بِصِحَّتِهِ . وَإِنَّمَا اللَّازِم مِنْ الْآيَة الَّذِي يُقْطَع بِهِ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام خَرَجَ بِجَمْعٍ عَظِيم مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَأَنَّ فِرْعَوْن تَبِعَهُ بِأَضْعَافِ ذَلِكَ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ مَعَ فِرْعَوْن أَلْف جَبَّار كُلّهمْ عَلَيْهِ تَاج وَكُلّهمْ أَمِير خَيْل .';
$TAFSEER['4']['26']['54'] = 'وَالشِّرْذِمَة الْجَمْع الْقَلِيل الْمُحْتَقَر وَالْجَمْع الشَّرَاذِم . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : الشِّرْذِمَة الطَّائِفَة مِنْ النَّاس وَالْقِطْعَة مِنْ الشَّيْء . وَثَوْب شَرَاذِم أَيْ قِطَع . وَأَنْشَدَ الثَّعْلَبِيّ قَوْل الرَّاجِز : جَاءَ الشِّتَاء وَثِيَابِي أَخْلَاق شَرَاذِم يَضْحَك مِنْهَا النَّوَّاق النَّوَّاق مِنْ الرِّجَال الَّذِي يُرَوِّض الْأُمُور وَيُصْلِحهَا ; قَالَهُ فِي الصِّحَاح . وَاللَّام فِي قَوْله &quot; لَشِرْذِمَة &quot; لَام تَوْكِيد وَكَثِيرًا مَا تَدْخُل فِي خَبَر إِنَّ , إِلَّا أَنَّ الْكُوفِيِّينَ لَا يُجِيزُونَ إِنَّ زَيْدًا لَسَوْفَ يَقُوم . وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّهُ جَائِز قَوْله تَعَالَى : &quot; فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ &quot; وَهَذِهِ لَام التَّوْكِيد بِعَيْنِهَا وَقَدْ دَخَلَتْ عَلَى سَوْفَ ; قَالَهُ النَّحَّاس .';
$TAFSEER['4']['26']['55'] = 'أَيْ أَعْدَاء لَنَا لِمُخَالَفَتِهِمْ دِيننَا وَذَهَابهمْ بِأَمْوَالِنَا الَّتِي اِسْتَعَارُوهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَمَاتَتْ أَبْكَارهمْ تِلْكَ اللَّيْلَة . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي &quot; الْأَعْرَاف &quot; وَ &quot; طه &quot; مُسْتَوْفًى . يُقَال : غَاظَنِي كَذَا وَأَغَاظَنِي . وَالْغَيْظ الْغَضَب وَمِنْهُ التَّغَيُّظ وَالِاغْتِيَاظ . أَيْ غَاظُونَا بِخُرُوجِهِمْ مِنْ غَيْر إِذْن .';
$TAFSEER['4']['26']['56'] = 'أَيْ مُجْتَمَع مُسْتَعِدّ أَخَذْنَا حَذَرنَا وَأَسْلِحَتنَا . وَقُرِئَ : &quot; حَاذِرُونَ &quot; وَمَعْنَاهُ مَعْنَى &quot; حَذِرُونَ &quot; أَيْ فَرِقُونَ خَائِفُونَ . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَقُرِئَ &quot; وَإِنَّا لَجَمِيع حَاذِرُونِ &quot; وَ &quot; حَذِرُونَ &quot; وَ &quot; حَذُرُونَ &quot; بِضَمِّ الذَّال حَكَاهُ الْأَخْفَش ; وَمَعْنَى : &quot; حَاذِرُونَ &quot; مُتَأَهِّبُونَ , وَمَعْنَى : &quot; حَذِرُونَ &quot; خَائِفُونَ . قَالَ النَّحَّاس : &quot; حَذِرُونَ &quot; قِرَاءَة الْمَدَنِيِّينَ وَأَبِي عَمْرو , وَقِرَاءَة أَهْل الْكُوفَة : &quot; حَاذِرُونَ &quot; وَهِيَ مَعْرُوفَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس ; وَ &quot; حَادِرُونَ &quot; بِالدَّالِ غَيْر الْمُعْجَمَة قِرَاءَة أَبِي عَبَّاد وَحَكَاهَا الْمَهْدَوِيّ عَنْ اِبْن أَبِي عَمَّار , وَالْمَاوَرْدِيّ وَالثَّعْلَبِيّ عَنْ سُمَيْط بْن عَجْلَان . قَالَ النَّحَّاس : أَبُو عُبَيْدَة يَذْهَب إِلَى أَنَّ مَعْنَى &quot; حَذِرُونَ &quot; &quot; وَحَاذِرُونَ &quot; وَاحِد . وَهُوَ قَوْل سِيبَوَيْهِ وَأَجَازَ : هُوَ حَذِر زَيْدًا ; كَمَا يُقَال : حَاذِر زَيْدًا , وَأَنْشَدَ : حَذِر أُمُورًا لَا تَضِير وَآمِن مَا لَيْسَ مُنْجِيه مِنْ الْأَقْدَار وَزَعَمَ أَبُو عُمَر الْجِرْمِيّ أَنَّهُ يَجُوز هُوَ حَذِر زَيْدًا عَلَى حَذْف مِنْ . فَأَمَّا أَكْثَر النَّحْوِيِّينَ فَيُفَرَّقُونَ بَيْن حَذِر وَحَاذِر ; مِنْهُمْ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء وَمُحَمَّد بْن يَزِيد ; فَيَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّ مَعْنَى حَذِر فِي خِلْقَته الْحَذَر , أَيْ مُتَيَقِّظ مُتَنَبِّه , فَإِذَا كَانَ هَكَذَا لَمْ يَتَعَدَّ , وَمَعْنَى حَاذِر مُسْتَعِدّ وَبِهَذَا جَاءَ التَّفْسِير عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ . قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : &quot; وَإِنَّا لَجَمِيع حَاذِرُونَ &quot; قَالَ : مُؤْدُونَ فِي السِّلَاح وَالْكُرَاع مُقْوُونَ , فَهَذَا ذَاكَ بِعَيْنِهِ . وَقَوْله : مُؤْدُونَ مَعَهُمْ أَدَاة . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْمَعْنَى : مَعَنَا سِلَاح وَلَيْسَ مَعَهُمْ سِلَاح يُحَرِّضهُمْ عَلَى الْقِتَال ; فَأَمَّا &quot; حَادِرُونَ &quot; بِالدَّالِ الْمُهْمَلَة فَمُشْتَقّ مِنْ قَوْلهمْ عَيْن حَدْرَة أَيْ مُمْتَلِئَة ; أَيْ نَحْنُ مُمْتَلِئُونَ غَيْظًا عَلَيْهِمْ ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : وَعَيْن لَهَا حَدْرَة بَدْرَة شُقَّتْ مَآقِيهمَا مِنْ أُخَر وَحَكَى أَهْل اللُّغَة أَنَّهُ يُقَال : رَجُل حَادِر إِذَا كَانَ مُمْتَلِئ اللَّحْم ; فَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى الِامْتِلَاء مِنْ السِّلَاح . الْمَهْدَوِيّ : الْحَادِر الْقَوِيّ الشَّدِيد .';
$TAFSEER['4']['26']['57'] = 'يَعْنِي مِنْ أَرْض مِصْر . وَعَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو قَالَ : كَانَتْ الْجَنَّات بِحَافَّتَيْ النِّيل فِي الشُّقَّتَيْنِ جَمِيعًا مِنْ أُسْوَان إِلَى رَشِيد , وَبَيْن الْجَنَّات زُرُوع . وَالنِّيل سَبْعَة خِلْجَان : خَلِيج الْإِسْكَنْدَرِيَّة , وَخَلِيج سَخَا , وَخَلِيج دِمْيَاط , وَخَلِيج سَرْدُوس , وَخَلِيج مَنْف , وَخَلِيج الْفَيَّوم , وَخَلِيج الْمَنْهَى مُتَّصِلَة لَا يَنْقَطِع مِنْهَا شَيْء عَنْ شَيْء , وَالزُّرُوع مَا بَيْن الْخِلْجَان كُلّهَا . وَكَانَتْ أَرْض مِصْر كُلّهَا تُرْوَى مِنْ سِتَّة عَشَر ذِرَاعًا بِمَا دَبَّرُوا وَقَدَّرُوا مِنْ قَنَاطِرهَا وَجُسُورهَا وَخُلْجَانهَا ; وَلِذُلِّك سُمِّيَ النِّيل إِذَا غَلَّقَ سِتَّة عَشْر ذِرَاعًا نِيل السُّلْطَان , وَيُخْلَع عَلَى اِبْن أَبِي الرَّدَّاد ; وَهَذِهِ الْحَال مُسْتَمِرَّة إِلَى الْآن . وَإِنَّمَا قِيلَ نِيل السُّلْطَان لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجِب الْخَرَاج عَلَى النَّاس . وَكَانَتْ أَرْض مِصْر جَمِيعهَا تُرْوَى مِنْ إِصْبَع وَاحِدَة مِنْ سَبْعَة عَشْر ذِرَاعًا , وَكَانَتْ إِذَا غُلِقَ النِّيل سَبْعَة عَشَر ذِرَاعًا وَنُودِيَ عَلَيْهِ إِصْبَع وَاحِد مِنْ ثَمَانِيَة عَشَر ذِرَاعًا , اِزْدَادَ فِي خَرَاجهَا أَلْف أَلْف دِينَار . فَإِذَا خَرَجَ . عَنْ ذَلِكَ وَنُودِيَ عَلَيْهِ إِصْبَعًا وَاحِدًا مِنْ تِسْعَة عَشَر ذِرَاعًا نَقَصَ خَرَاجهَا أَلْف أَلْف دِينَار . وَسَبَب هَذَا مَا كَانَ يَنْصَرِف فِي الْمَصَالِح وَالْخِلْجَان وَالْجُسُور وَالِاهْتِمَام بِعِمَارَتِهَا . فَأَمَّا الْآن فَإِنَّ أَكْثَرهَا لَا يُرْوَى حَتَّى يُنَادَى إِصْبَع مِنْ تِسْعَة عَشَر ذِرَاعًا بِمِقْيَاسِ مِصْر . وَأَمَّا أَعْمَال الصَّعِيد الْأَعْلَى , فَإِنَّ بِهَا مَا لَا يَتَكَامَل رَيّه إِلَّا بَعْد دُخُول الْمَاء فِي الذِّرَاع الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ بِالصَّعِيدِ الْأَعْلَى . قُلْت : أَمَّا أَرْض مِصْر فَلَا تُرْوَى جَمِيعهَا الْآن إِلَّا مِنْ عِشْرِينَ ذِرَاعًا وَأَصَابِع ; لِعُلُوِّ الْأَرْض وَعَدَم الِاهْتِمَام بِعِمَارَةِ جُسُورهَا , وَهُوَ مِنْ عَجَائِب الدُّنْيَا ; وَذَلِكَ أَنَّهُ يَزِيد إِذَا اِنْصَبَّتْ الْمِيَاه فِي جَمِيع الْأَرْض حَتَّى يَسِيح عَلَى جَمِيع أَرْض مِصْر , وَتَبْقَى الْبِلَاد كَالْأَعْلَامِ لَا يُوصَل إِلَيْهَا إِلَّا بِالْمَرَاكِبِ وَالْقِيَاسَات . وَرُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص أَنَّهُ قَالَ : نِيل مِصْر سَيِّد الْأَنْهَار , سَخَّرَ اللَّه لَهُ كُلّ نَهْر بَيْن الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب , وَذَلَّلَ اللَّه لَهُ الْأَنْهَار ; فَإِذَا أَرَادَ اللَّه أَنْ يُجْرِي نِيل مِصْر أَمَرَ كُلّ نَهْر أَنْ يَمُدّهُ , فَأَمَدَّتْهُ الْأَنْهَار بِمَائِهَا , وَفَجَّرَ اللَّه لَهُ عُيُونًا , فَإِذَا اِنْتَهَى إِلَى مَا أَرَادَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , أَوْحَى اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى كُلّ مَاء أَنْ يَرْجِع إِلَى عُنْصُره . وَقَالَ قَيْس بْن الْحَجَّاج : لَمَّا اُفْتُتِحَتْ مِصْر أَتَى أَهْلهَا إِلَى عَمْرو بْن الْعَاص حِين دَخَلَ بَئُونَة مِنْ أَشْهُر الْقِبْط فَقَالُوا لَهُ : أَيّهَا الْأَمِير إِنَّ لِنِيلِنَا هَذَا سُنَّة لَا يَجْرِي إِلَّا بِهَا , فَقَالَ لَهُمْ : وَمَا ذَاكَ ؟ فَقَالُوا : إِذَا كَانَ لِاثْنَتَيْ عَشْرَة لَيْلَة تَخْلُو مِنْ هَذَا الشَّهْر عَمَدْنَا إِلَى جَارِيَة بِكْر بَيْن أَبَوَيْهَا ; أَرْضَيْنَا أَبَوَيْهَا , وَحَمَلْنَا عَلَيْهَا مِنْ الْحُلِيّ وَالثِّيَاب أَفْضَل مَا يَكُون , ثُمَّ أَلْقَيْنَاهَا فِي هَذَا النِّيل ; فَقَالَ لَهُمْ عَمْرو : هَذَا لَا يَكُون فِي الْإِسْلَام ; وَإِنَّ الْإِسْلَام لَيَهْدِم مَا قَبْله . فَأَقَامُوا أَبِيب وَمِسْرَى لَا يَجْرِي قَلِيل وَلَا كَثِير , وَهَمُّوا بِالْجَلَاءِ . فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَمْرو بْن الْعَاص كَتَبَ إِلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا , فَأَعْلَمَهُ بِالْقِصَّةِ , فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَر بْن الْخَطَّاب : إِنَّك قَدْ أَصَبْت بِاَلَّذِي فَعَلْت , وَأَنَّ الْإِسْلَام يَهْدِم مَا قَبْله وَلَا يَكُون هَذَا . وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِبِطَاقَةٍ فِي دَاخِل كِتَابه . وَكَتَبَ إِلَى عَمْرو : إِنِّي قَدْ بَعَثْت إِلَيْك بِبِطَاقَةٍ دَاخِل كِتَابِي , فَأَلْقِهَا فِي النِّيل إِذَا أَتَاك كِتَابِي . فَلَمَّا قَدِمَ كِتَاب عُمَر إِلَى عَمْرو بْن الْعَاص أَخَذَ الْبِطَاقَة فَفَتَحَهَا فَإِذَا فِيهَا : مِنْ عَبْد اللَّه أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عُمَر إِلَى نِيل مِصْر - أَمَّا بَعْد - فَإِنْ كُنْت إِنَّمَا تَجْرِي مِنْ قِبَلك فَلَا تَجْرِ وَإِنْ كَانَ اللَّه الْوَاحِد الْقَهَّار هُوَ الَّذِي يُجْرِيك فَنَسْأَل اللَّه الْوَاحِد الْقَهَّار أَنْ يُجْرِيك . قَالَ : فَأَلْقَى الْبِطَاقَة فِي النِّيل قَبْل الصَّلِيب بِيَوْمٍ وَقَدْ تَهَيَّأَ أَهْل مِصْر لِلْجَلَاءِ وَالْخُرُوج مِنْهَا ; لِأَنَّهُ لَا تَقُوم مَصْلَحَتهمْ فِيهَا إِلَّا بِالنِّيلِ . فَلَمَّا أَلْقَى الْبِطَاقَة فِي النِّيل , أَصْبَحُوا يَوْم الصَّلِيب وَقَدْ أَجْرَاهُ اللَّه فِي لَيْلَة وَاحِدَة سِتَّة عَشَر ذِرَاعًا , وَقَطَعَ اللَّه تِلْكَ السِّيرَة عَنْ أَهْل مِصْر مِنْ تِلْكَ السَّنَة . قَالَ كَعْب الْأَحْبَار : أَرْبَعَة أَنْهَار مِنْ الْجَنَّة وَضَعَهَا اللَّه فِي الدُّنْيَا سَيْحَان وَجَيْحَان وَالنِّيل وَالْفُرَات , فَسَيْحَان نَهْر الْمَاء فِي الْجَنَّة , وَجَيْحَان نَهَر اللَّبَن فِي الْجَنَّة , وَالنِّيل نَهْر الْعَسَل فِي الْجَنَّة , وَالْفُرَات نَهْر الْخَمْر فِي الْجَنَّة . وَقَالَ اِبْن لَهِيعَة : الدِّجْلَة نَهْر اللَّبَن فِي الْجَنَّة . قُلْت : الَّذِي فِي الصَّحِيح مِنْ هَذَا حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( سَيْحَان وَجَيْحَان وَالنِّيل وَالْفُرَات كُلّ مِنْ أَنْهَار الْجَنَّة ) لَفْظ مُسْلِم وَفِي حَدِيث الْإِسْرَاء مِنْ حَدِيث أَنَس بْن مَالِك عَنْ مَالِك بْن صَعْصَعَة رَجُل مِنْ قَوْمه قَالَ : ( وَحَدَّثَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى أَرْبَعَة أَنْهَار يَخْرُج مِنْ أَصْلهَا نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ وَنَهْرَانِ بَاطِنَانِ فَقُلْت يَا جِبْرِيل مَا هَذِهِ الْأَنْهَار قَالَ أَمَّا النَّهَرَانِ الْبَاطِنَانِ فَنَهَرَانِ فِي الْجَنَّة وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيل وَالْفُرَات ) لَفْظ مُسْلِم . وَقَالَ الْبُخَارِيّ مِنْ طَرِيق شَرِيك عَنْ أَنَس ( فَإِذَا هُوَ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا بِنَهْرَيْنِ يَطَّرِدَانِ فَقَالَ مَا هَذَانِ النَّهَرَانِ يَا جِبْرِيل قَالَ هَذَا النِّيل وَالْفُرَات عُنْصُرهمَا ثُمَّ مَضَى فِي السَّمَاء فَإِذَا هُوَ بِنَهْرٍ آخَر عَلَيْهِ قَصْر مِنْ اللُّؤْلُؤ وَالزَّبَرْجَد فَضَرَبَ بِيَدِهِ فَإِذَا هُوَ مِسْك أَذْفَر فَقَالَ مَا هَذَا يَا جِبْرِيل فَقَالَ هَذَا هُوَ الْكَوْثَر الَّذِي خَبَّأَ لَك رَبّك . ) وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْعُيُونِ عُيُون الْمَاء . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : الْمُرَاد عُيُون الذَّهَب . وَفِي الدُّخَان &quot; كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّات وَعُيُون . وَزُرُوع &quot; [ الدُّخَان : 26 - 27 ] . قِيلَ : إِنَّهُمْ كَانُوا يَزْرَعُونَ مَا بَيْن الْجَبَلَيْنِ مِنْ أَوَّل مِصْر إِلَى آخِرهَا . وَلَيْسَ فِي الدُّخَان &quot; وَكُنُوز &quot; .';
$TAFSEER['4']['26']['58'] = 'جَمْع كَنْز ; وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي سُورَة &quot; بَرَاءَة &quot; . وَالْمُرَاد بِهَا هَاهُنَا الْخَزَائِن . وَقِيلَ : الدَّفَائِن . وَقَالَ الضَّحَّاك : الْأَنْهَار ; وَفِيهِ نَظَر ; لِأَنَّ الْعُيُون تَشْمَلهَا .



قَالَ اِبْن عُمَر وَاِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد : الْمَقَام الْكَرِيم الْمَنَابِر ; وَكَانَتْ أَلْف مِنْبَر لِأَلْفِ جَبَّار يُعَظِّمُونَ عَلَيْهَا فِرْعَوْن وَمُلْكه . وَقِيلَ : مَجَالِس الرُّؤَسَاء وَالْأُمَرَاء ; حَكَاهُ اِبْن عِيسَى وَهُوَ قَرِيب مِنْ الْأَوَّل . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : الْمَسَاكِن الْحِسَان . وَقَالَ اِبْن لَهِيعَة : سَمِعْت أَنَّ الْمَقَام الْكَرِيم الْفَيُّوم . وَقِيلَ : كَانَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام قَدْ كَتَبَ عَلَى مَجْلِس مِنْ مَجَالِسه ( لَا إِلَه إِلَّا اللَّه إِبْرَاهِيم خَلِيل اللَّه ) فَسَمَّاهَا اللَّه كَرِيمَة بِهَذَا . وَقِيلَ : مَرَابِط الْخَيْل لِتَفَرُّدِ الزُّعَمَاء بِارْتِبَاطِهَا عُدَّة وَزِينَة ; فَصَارَ مَقَامهَا أَكْرَم مَنْزِل بِهَذَا ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَالْأَظْهَر أَنَّهَا الْمَسَاكِن الْحِسَان كَانَتْ تُكَرَّم عَلَيْهِمْ . وَالْمَقَام فِي اللُّغَة يَكُون الْمَوْضِع وَيَكُون مَصْدَرًا . قَالَ النَّحَّاس : الْمَقَام فِي اللُّغَة الْمَوْضِع ; مِنْ قَوْلك قَامَ يَقُوم , وَكَذَا الْمَقَامَات وَاحِدهَا مُقَامَة ; كَمَا قَالَ : وَفِيهِمْ مَقَامَات حِسَان وُجُوههمْ وَأَنْدِيَة يَنْتَابهَا الْقَوْل وَالْفِعْل وَالْمَقَام أَيْضًا الْمَصْدَر مِنْ قَامَ يَقُوم . وَالْمُقَام ( بِالضَّمِّ ) الْمَوْضِع مِنْ أَقَامَ . وَالْمَصْدَر أَيْضًا مِنْ أَقَامَ يُقِيم .';
$TAFSEER['4']['26']['59'] = 'يُرِيد أَنَّ جَمِيع مَا ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى مِنْ الْجَنَّات وَالْعُيُون وَالْكُنُوز وَالْمَقَام الْكَرِيم أَوْرَثَهُ اللَّه بَنِي إِسْرَائِيل . قَالَ الْحَسَن وَغَيْره : رَجَعَ بَنُو إِسْرَائِيل إِلَى مِصْر بَعْد هَلَاك فِرْعَوْن وَقَوْمه . وَقِيلَ : أَرَادَ بِالْوِرَاثَةِ هُنَا مَا اِسْتَعَارُوهُ مِنْ حُلِيّ آلَ فِرْعَوْن بِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى . قُلْت : وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ حَصَلَ لَهُمْ . وَالْحَمْد لِلَّهِ .';
$TAFSEER['4']['26']['60'] = 'إِسْرَائِيل . قَالَ السُّدِّيّ : حِين أَشْرَقَتْ الشَّمْس بِالشُّعَاعِ . وَقَالَ قَتَادَة : حِين أَشْرَقَتْ الْأَرْض بِالضِّيَاءِ . قَالَ الزَّجَّاج : يُقَال شَرَقَتْ الشَّمْس إِذَا طَلَعَتْ , وَأَشْرَقَتْ إِذَا أَضَاءَتْ . وَاخْتُلِفَ فِي تَأَخُّر فِرْعَوْن وَقَوْمه عَنْ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيل عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدهمَا : لِاشْتِغَالِهِمْ بِدَفْنِ أَبْكَارهمْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة ; لِأَنَّ الْوَبَاء فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَقَعَ فِيهِمْ ; فَقَوْله : &quot; مُشْرِقِينَ &quot; حَال لِقَوْمِ فِرْعَوْن . الثَّانِي : إِنَّ سَحَابَة أَظَلَّتْهُمْ وَظُلْمَة فَقَالُوا : نَحْنُ بَعْد فِي اللَّيْل فَمَا تَقَشَّعَتْ عَنْهُمْ حَتَّى أَصْبَحُوا . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : مَعْنَى &quot; فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ &quot; نَاحِيَة الْمَشْرِق . وَقَرَأَ الْحَسَن وَعَمْرو بْن مَيْمُون : &quot; فَاتَّبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ &quot; بِالتَّشْدِيدِ وَأَلِف الْوَصْل ; أَيْ نَحْو الْمَشْرِق ; مَأْخُوذ مِنْ قَوْلهمْ : شَرَّقَ وَغَرَّبَ إِذَا سَارَ نَحْو الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب . وَمَعْنَى الْكَلَام قَدَّرْنَا أَنْ يَرِثهَا بَنُو إِسْرَائِيل فَاتَّبَعَ قَوْم فِرْعَوْن بَنِي إِسْرَائِيل مُشْرِقِينَ فَهَلَكُوا , وَوَرِثَ بَنُو إِسْرَائِيل بِلَادهمْ .';
$TAFSEER['4']['26']['61'] = 'أَيْ تَقَابَلَا الْجَمْعَانِ بِحَيْثُ يَرَى كُلّ فَرِيق صَاحِبه ; وَهُوَ تَفَاعُل مِنْ الرُّؤْيَة .



أَيْ قَرُبَ مِنَّا الْعَدُوّ وَلَا طَاقَة لَنَا بِهِ . وَقِرَاءَة الْجَمَاعَة : &quot; لَمُدْرَكُونَ &quot; بِالتَّخْفِيفِ مِنْ أَدْرَكَ . وَمِنْهُ : &quot; حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَق &quot; [ يُونُس : 90 ] . وَقَرَأَ عُبَيْد بْن عُمَيْر وَالْأَعْرَج وَالزُّهْرِيّ : &quot; لَمُدَّرَكُونَ &quot; بِتَشْدِيدِ الدَّال مِنْ اِدَّرَكَ . قَالَ الْفَرَّاء : حَفَرَ وَاحْتَفَرَ بِمَعْنًى وَاحِد , وَكَذَلِكَ &quot; لَمُدْرَكُونَ &quot; وَ &quot; لَمُدَّرَكُونَ &quot; بِمَعْنًى وَاحِد . النَّحَّاس : وَلَيْسَ كَذَلِكَ يَقُول النَّحْوِيُّونَ الْحُذَّاق ; إِنَّمَا يَقُولُونَ : مُدْرَكُونَ مُلْحَقُونَ , وَمُدْرَكُونَ مُجْتَهَد فِي لِحَاقهمْ , كَمَا يُقَال : كَسَبْت بِمَعْنَى أَصَبْت وَظَفِرْت , وَاكْتَسَبْت بِمَعْنَى اِجْتَهَدْت وَطَلَبْت وَهَذَا مَعْنَى قَوْل سِيبَوَيْهِ .';
$TAFSEER['4']['26']['62'] = 'لَمَّا لَحِقَ فِرْعَوْن بِجَمْعِهِ جَمْع مُوسَى وَقَرُبَ مِنْهُمْ , وَرَأَتْ بَنُو إِسْرَائِيل الْعَدُوّ الْقَوِيّ وَالْبَحْر أَمَامهمْ سَاءَتْ ظُنُونهمْ , وَقَالُوا لِمُوسَى , عَلَى جِهَة التَّوْبِيخ وَالْجَفَاء : &quot; إِنَّا لَمُدْرَكُونَ &quot; فَرَدَّ عَلَيْهِمْ قَوْلهمْ وَزَجَرَهُمْ وَذَكَّرَهُمْ وَعْد اللَّه سُبْحَانه لَهُ بِالْهِدَايَةِ وَالظَّفَر &quot; كَلَّا &quot; أَيْ لَمْ يُدْرِكُوكُمْ &quot; إِنَّ مَعِي رَبِّي &quot; أَيْ بِالنَّصْرِ عَلَى الْعَدُوّ . &quot; سَيَهْدِينِ &quot; أَيْ سَيَدُلُّنِي عَلَى طَرِيق النَّجَاة ;';
$TAFSEER['4']['26']['63'] = 'فَلَمَّا عَظُمَ الْبَلَاء عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل ; وَرَأَوْا مِنْ الْجُيُوش مَا لَا طَاقَة لَهُمْ بِهَا , أَمَرَ اللَّه تَعَالَى مُوسَى أَنْ يَضْرِب الْبَحْر بِعَصَاهُ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَرَادَ أَنْ تَكُون الْآيَة مُتَّصِلَة بِمُوسَى وَمُتَعَلِّقَة بِفِعْلٍ يَفْعَلهُ ; وَإِلَّا فَضَرْب الْعَصَا لَيْسَ بِفَارِقٍ لِلْبَحْرِ , وَلَا مُعِين عَلَى ذَلِكَ بِذَاتِهِ إِلَّا بِمَا اِقْتَرَنَ بِهِ مِنْ قُدْرَة اللَّه تَعَالَى وَاخْتِرَاعه . وَقَدْ مَضَى فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; قِصَّة هَذَا الْبَحْر . وَلَمَّا اِنْفَلَقَ صَارَ فِيهِ اِثْنَا عَشَر طَرِيقًا عَلَى عَدَد أَسْبَاط بَنِي إِسْرَائِيل , وَوَقَفَ الْمَاء بَيْنهَا كَالطَّوْدِ الْعَظِيم , أَيْ الْجَبَل الْعَظِيم . وَالطَّوْد الْجَبَل ; وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس : فَبَيْنَا الْمَرْء فِي الْأَحْيَاء طَوْد رَمَاهُ النَّاس عَنْ كَثَب فَمَالَا وَقَالَ الْأَسْوَد بْن يَعْفُر : حَلُّوا بِأَنْقِرَةٍ يَسِيل عَلَيْهِمْ مَاء الْفُرَات يَجِيء مِنْ أَطْوَاد جَمْع طَوْد أَيْ جَبَل . فَصَارَ لِمُوسَى وَأَصْحَابه طَرِيقًا فِي الْبَحْر يَبَسًا ; فَلَمَّا خَرَجَ أَصْحَاب مُوسَى وَتَكَامَلَ آخِر أَصْحَاب فِرْعَوْن عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي &quot; يُونُس &quot; اِنْصَبَّ عَلَيْهِمْ وَغَرِقَ فِرْعَوْن , فَقَالَ بَعْض أَصْحَاب مُوسَى : مَا غَرِقَ فِرْعَوْن ; فَنُبِذَ عَلَى سَاحِل الْبَحْر حَتَّى نَظَرُوا إِلَيْهِ . وَرَوَى اِبْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك قَالَ : خَرَجَ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام رَجُلَانِ مِنْ التُّجَّار إِلَى الْبَحْر فَلَمَّا أَتَوْا إِلَيْهِ قَالَا لَهُ بِمَ أَمَرَك اللَّه ؟ قَالَ : أُمِرْت أَنْ أَضْرِب الْبَحْر بِعَصَايَ هَذِهِ فَيَنْفَلِق ; فَقَالَا لَهُ اِفْعَلْ مَا أَمَرَك اللَّه فَلَنْ يُخْلِفك ; ثُمَّ أَلْقَيَا أَنْفُسهمَا فِي الْبَحْر تَصْدِيقًا لَهُ ; فَمَا زَالَ كَذَلِكَ الْبَحْر حَتَّى دَخَلَ فِرْعَوْن وَمَنْ مَعَهُ , ثُمَّ اِرْتَدَّ كَمَا كَانَ . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَة &quot; الْبَقَرَة &quot; .';
$TAFSEER['4']['26']['64'] = 'أَيْ قَرَّبْنَاهُمْ إِلَى الْبَحْر ; يَعْنِي فِرْعَوْن وَقَوْمه . قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره ; قَالَ الشَّاعِر : وَكُلّ يَوْم مَضَى أَوْ لَيْلَة سَلَفَتْ فِيهَا النُّفُوس إِلَى الْآجَال تَزْدَلِف أَبُو عُبَيْدَة : &quot; أَزْلَفْنَا &quot; جَمَعْنَا وَمِنْهُ قِيلَ لِلَّيْلَةِ الْمُزْدَلِفَة لَيْلَة جَمْع . وَقَرَأَ أَبُو عَبْد اللَّه بْن الْحَرْث وَأُبَيّ بْن كَعْب وَابْن عَبَّاس : &quot; وَأَزْلَقْنَا &quot; بِالْقَافِ عَلَى مَعْنَى أَهْلَكْنَاهُمْ ; مِنْ قَوْله : أَزَلَقَتْ النَّاقَة وَأَزْلَقَتْ الْفَرَس فَهِيَ مُزْلِق إِذَا أَزَلَقَتْ وَلَدهَا .';
$TAFSEER['4']['26']['65'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['66'] = 'يَعْنِي فِرْعَوْن وَقَوْمه .';
$TAFSEER['4']['26']['67'] = 'أَيْ عَلَامَة عَلَى قُدْرَة اللَّه تَعَالَى



لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِن مِنْ قَوْم فِرْعَوْن إِلَّا مُؤْمِن آلَ فِرْعَوْن وَاسْمه حَزْقِيل وَابْنَته آسِيَة اِمْرَأَة فِرْعَوْن , وَمَرْيَم بِنْت ذَا مُوسَى الْعَجُوز الَّتِي دَلَّتْ عَلَى قَبْر يُوسُف الصِّدِّيق عَلَيْهِ السَّلَام . وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا خَرَجَ بِبَنِي إِسْرَائِيل مِنْ مِصْر أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ الْقَمَر فَقَالَ لِقَوْمِهِ : مَا هَذَا ؟ فَقَالَ عُلَمَاؤُهُمْ : إِنَّ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْت أَخَذَ عَلَيْنَا مَوْثِقًا مِنْ اللَّه أَلَّا نَخْرُج مِنْ مِصْر حَتَّى نَنْقُل عِظَامه مَعَنَا . قَالَ مُوسَى : فَأَيّكُمْ يَدْرِي قَبْره ؟ قَالَ : مَا يَعْلَمهُ إِلَّا عَجُوز لِبَنِي إِسْرَائِيل ; فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا ; فَقَالَ : دُلِّينِي عَلَى قَبْر يُوسُف , قَالَتْ : لَا وَاَللَّه لَا أَفْعَل حَتَّى تُعْطِينِي حُكْمِي , قَالَ : وَمَا حُكْمك ؟ قَالَتْ : حُكْمِي أَنْ أَكُون مَعَك فِي الْجَنَّة ; فَثَقُلَ عَلَيْهِ , فَقِيلَ لَهُ : أَعْطِهَا حُكْمهَا ; فَدَلَّتْهُمْ عَلَيْهِ , فَاحْتَفَرُوهُ وَاسْتَخْرَجُوا عِظَامه , فَلَمَّا أَقَلُّوهَا , فَإِذَا الطَّرِيق مِثْل ضَوْء النَّهَار فِي رِوَايَة : فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنْ أَعْطِهَا فَفَعَلَ , فَأَتَتْ بِهِمْ إِلَى بُحَيْرَة , فَقَالَتْ لَهُمْ : أَنْضِبُوا هَذَا الْمَاء فَأَنْضَبُوهُ وَاسْتَخْرَجُوا عِظَام يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام ; فَتَبَيَّنَتْ لَهُمْ الطَّرِيق مِثْل ضَوْء النَّهَار . وَقَدْ مَضَى فِي &quot; يُوسُف &quot; . وَرَوَى أَبُو بُرْدَة عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ بِأَعْرَابِيٍّ فَأَكْرَمَهُ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( حَاجَتك ) قَالَ : نَاقَة أَرْحَلهَا وَأَعْنُزًا أَحْلُبهَا ; فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَلِمَ عَجَزْت أَنْ تَكُون مِثْل عَجُوز بَنِي إِسْرَائِيل ) فَقَالَ أَصْحَابه : وَمَا عَجُوز بَنِي إِسْرَائِيل ؟ فَذَكَرَ لَهُمْ حَال هَذِهِ الْعَجُوز الَّتِي اِحْتَكَمَتْ عَلَى مُوسَى أَنْ تَكُون مَعَهُ فِي الْجَنَّة .';
$TAFSEER['4']['26']['68'] = 'يُرِيد الْمَنِيع الْمُنْتَقِم مِنْ أَعْدَائِهِ , الرَّحِيم بِأَوْلِيَائِهِ .';
$TAFSEER['4']['26']['69'] = 'نَبَّهَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى فَرْط جَهْلهمْ إِذْ رَغِبُوا عَنْ اِعْتِقَاد إِبْرَاهِيم وَدِينه وَهُوَ أَبُوهُمْ . وَالنَّبَأ الْخَبَر ; أَيْ اُقْصُصْ عَلَيْهِمْ يَا مُحَمَّد خَبَره وَحَدِيثه وَعَيْبه عَلَى قَوْمه مَا يَعْبُدُونَ . وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مُلْزِمًا لَهُمْ الْحُجَّة . وَالْجُمْهُور مِنْ الْقُرَّاء عَلَى تَخْفِيف الْهَمْزَة الثَّانِيَة وَهُوَ أَحْسَن الْوُجُوه ; لِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى تَخْفِيف الثَّانِيَة مِنْ كَلِمَة وَاحِدَة نَحْو آدَم . وَإِنْ شِئْت حَقَّقْتهمَا فَقُلْت : &quot; نَبَأ إِبْرَاهِيم &quot; . وَإِنْ شِئْت خَفَّفَتْهُمَا فَقُلْت : &quot; نَبَا إِبْرَاهِيم &quot; . وَإِنْ شِئْت خَفَّفْت الْأُولَى . وَثَمَّ وَجْه خَامِس إِلَّا أَنَّهُ بَعِيد فِي الْعَرَبِيَّة وَهُوَ أَنْ يُدْغَم الْهَمْزَة فِي الْهَمْزَة كَمَا يُقَال رَأْس لِلَّذِي يَبِيع الرُّءُوس . وَإِنَّمَا بَعُدَ لِأَنَّك تَجْمَع بَيْن هَمْزَتَيْنِ كَأَنَّهُمَا فِي كَلِمَة وَاحِدَة , وَحَسُنَ فِي فَعَّال لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي إِلَّا مُدْغَمًا .';
$TAFSEER['4']['26']['70'] = 'أَيْ أَيّ شَيْء تَعْبُدُونَ';
$TAFSEER['4']['26']['71'] = 'وَكَانَتْ أَصْنَامهمْ مِنْ ذَهَب وَفِضَّة وَنُحَاس وَحَدِيد وَخَشَب .


أَيْ فَنُقِيم عَلَى عِبَادَتهَا . وَلَيْسَ الْمُرَاد وَقْتًا مُعَيَّنًا بَلْ هُوَ إِخْبَار عَمَّا هُمْ فِيهِ . وَقِيلَ : كَانُوا يَعْبُدُونَهَا بِالنَّهَارِ دُون اللَّيْل , وَكَانُوا فِي اللَّيْل يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِب . فَيُقَال : ظَلَّ يَفْعَل كَذَا إِذَا فَعَلَهُ نَهَارًا وَبَاتَ يَفْعَل كَذَا إِذَا فَعَلَهُ لَيْلًا .';
$TAFSEER['4']['26']['72'] = 'أَيْ هَلْ تَنْفَعكُمْ هَذِهِ الْأَصْنَام وَتَرْزُقكُمْ , أَوْ تَمْلِك لَكُمْ خَيْرًا أَوْ ضَرًّا إِنْ عَصَيْتُمْ ؟ ! وَهَذَا اِسْتِفْهَام لِتَقْرِيرِ الْحُجَّة ; فَإِذَا لَمْ يَنْفَعُوكُمْ وَلَمْ يَضُرُّوا فَمَا مَعْنَى عِبَادَتكُمْ لَهَا .';
$TAFSEER['4']['26']['73'] = 'أَيْ هَلْ تَنْفَعكُمْ هَذِهِ الْأَصْنَام وَتَرْزُقكُمْ , أَوْ تَمْلِك لَكُمْ خَيْرًا أَوْ ضَرًّا إِنْ عَصَيْتُمْ ؟ ! وَهَذَا اِسْتِفْهَام لِتَقْرِيرِ الْحُجَّة ; فَإِذَا لَمْ يَنْفَعُوكُمْ وَلَمْ يَضُرُّوا فَمَا مَعْنَى عِبَادَتكُمْ لَهَا .';
$TAFSEER['4']['26']['74'] = 'فَنَزَعُوا إِلَى التَّقْلِيد مِنْ غَيْر حُجَّة وَلَا دَلِيل . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِيهِ .';
$TAFSEER['4']['26']['75'] = 'إِبْرَاهِيم



مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَام';
$TAFSEER['4']['26']['76'] = 'الْأَوَّلُونَ';
$TAFSEER['4']['26']['77'] = 'وَاحِد يُؤَدِّي عَنْ جَمَاعَة , وَكَذَلِكَ يُقَال لِلْمَرْأَةِ هِيَ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوَّة اللَّه ؟ حَكَاهُمَا الْفَرَّاء . قَالَ عَلِيّ بْن سُلَيْمَان : مَنْ قَالَ عَدُوَّة اللَّه وَأَثْبَتَ الْهَاء قَالَ هِيَ بِمَعْنَى مُعَادِيَة , وَمَنْ قَالَ عَدُوّ لِلْمُؤَنَّثِ وَالْجَمْع جَعَلَهُ بِمَعْنَى النَّسَب . وَوَصَفَ الْجَمَاد بِالْعَدَاوَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ عَدُوّ لِي إِنْ عَبَدْتهمْ يَوْم الْقِيَامَة ; كَمَا قَالَ : &quot; كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا &quot; [ مَرْيَم : 82 ] . وَقَالَ الْفَرَّاء : هُوَ مِنْ الْمَقْلُوب ; مَجَازه فَإِنِّي عَدُوّ لَهُمْ لِأَنَّ مَنْ عَادَيْته عَادَاك .



قَالَ الْكَلْبِيّ : أَيْ إِلَّا مَنْ عَبْد رَبّ الْعَالَمِينَ ; إِلَّا عَابِد رَبّ الْعَالَمِينَ ; فَحُذِفَ الْمُضَاف . قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : قَالَ النَّحْوِيُّونَ هُوَ اِسْتِئْنَاء لَيْسَ مِنْ الْأَوَّل ; وَأَجَازَ أَبُو إِسْحَاق أَنْ يَكُون مِنْ الْأَوَّل عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَيَعْبُدُونَ مَعَهُ الْأَصْنَام , فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ تَبَرَّأَ مِمَّا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّه . وَتَأَوَّلَهُ الْفَرَّاء عَلَى الْأَصْنَام وَحْدهَا وَالْمَعْنَى عِنْده : فَإِنَّهُمْ لَوْ عَبَدْتهمْ عَدُوّ لِي يَوْم الْقِيَامَة ; عَلَى مَا ذَكَرْنَا . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : تَقْدِيره : أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الْأَقْدَمُونَ إِلَّا رَبّ الْعَالَمِينَ فَإِنَّهُمْ عَدُوّ لِي . وَإِلَّا بِمَعْنَى دُون وَسِوَى ; كَقَوْلِهِ : &quot; لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْت إِلَّا الْمَوْتَة الْأُولَى &quot; [ الدُّخَان : 56 ] أَيْ دُون الْمَوْتَة الْأُولَى .';
$TAFSEER['4']['26']['78'] = 'أَيْ يُرْشِدنِي إِلَى الدِّين .';
$TAFSEER['4']['26']['79'] = 'أَيْ يَرْزُقنِي . وَدُخُول &quot; هُوَ &quot; تَنْبِيه عَلَى أَنَّ غَيْره لَا يُطْعِم وَلَا يَسْقِي ; كَمَا تَقُول : زَيْد هُوَ الَّذِي فَعَلَ كَذَا ; أَيْ لَمْ يَفْعَلهُ غَيْره .';
$TAFSEER['4']['26']['80'] = 'قَالَ : &quot; مَرِضْت &quot; رِعَايَة لِلْأَدَبِ وَإِلَّا فَالْمَرَض وَالشِّفَاء مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ جَمِيعًا . وَنَظِيره قَوْل فَتَى مُوسَى : &quot; وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَان &quot; [ الْكَهْف : 63 ] .';
$TAFSEER['4']['26']['81'] = 'يُرِيد الْبَعْث وَكَانُوا يَنْسُبُونَ الْمَوْت إِلَى الْأَسْبَاب ; فَبَيَّنَ أَنَّ اللَّه هُوَ الَّذِي يُمِيت وَيُحْيِي . وَكُلّه بِغَيْرِ يَاء : &quot; يَهْدِينِ &quot; &quot; يَشْفِينِ &quot; لِأَنَّ الْحَذْف فِي رُءُوس الْآي حَسَن لِتَتَّفِق كُلّهَا . وَقَرَأَ اِبْن أَبِي إِسْحَاق عَلَى جَلَالَته وَمَحَلّه مِنْ الْعَرَبِيَّة هَذِهِ كُلّهَا بِالْيَاءِ ; لِأَنَّ الْيَاء اِسْم وَإِنَّمَا دَخَلَتْ النُّون لِعِلَّةٍ . فَإِنْ قِيلَ : فَهَذِهِ صِفَة لِجَمِيعِ الْخَلْق فَكَيْف جَعَلَهَا إِبْرَاهِيم دَلِيلًا عَلَى هِدَايَته وَلَمْ يَهْتَدِ بِهَا غَيْره ؟ قِيلَ : إِنَّمَا ذَكَرَهَا اِحْتِجَاجًا عَلَى وُجُوب الطَّاعَة ; لِأَنَّ مَنْ أَنْعَمَ وَجَبَ أَنْ يُطَاع وَلَا يُعْصَى لِيَلْتَزِم غَيْره مِنْ الطَّاعَة مَا قَدْ اِلْتَزَمَهَا ; وَهَذَا إِلْزَام صَحِيح . قُلْت : وَتَجُوز بَعْض أَهْل الْإِشَارَات فِي غَوَامِض الْمَعَانِي فَعَدَلَ عَنْ ظَاهِر مَا ذَكَرْنَاهُ إِلَى مَا تَدْفَعهُ بِدَائِهِ الْعُقُول مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَاد مِنْ إِبْرَاهِيم . فَقَالَ : &quot; وَاَلَّذِي هُوَ يُطْعِمنِي وَيَسْقِينِ &quot; أَيْ يُطْعِمنِي لَذَّة الْإِيمَان وَيَسْقِينِ حَلَاوَة الْقَبُول . وَلَهُمْ فِي قَوْله : &quot; وَإِذَا مَرِضْت فَهُوَ يَشْفِينِ &quot; وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : إِذَا مَرِضْت بِمُخَالَفَتِهِ شَفَانِي بِرَحْمَتِهِ . الثَّانِي : إِذَا مَرِضْت بِمُقَاسَاةِ الْخَلْق , شَفَانِي بِمُشَاهَدَةِ الْحَقّ . وَقَالَ جَعْفَر بْن مُحَمَّد الصَّادِق : إِذَا مَرِضْت بِالذُّنُوبِ شَفَانِي بِالتَّوْبَةِ . وَتَأَوَّلُوا قَوْله : &quot; وَاَلَّذِي يُمِيتنِي ثُمَّ يُحْيِينِ &quot; عَلَى ثَلَاثَة أَوْجُه : فَاَلَّذِي يُمِيتنِي بِالْمَعَاصِي يُحْيِينِي بِالطَّاعَاتِ . الثَّانِي : يُمِيتنِي بِالْخَوْفِ وَيُحْيِينِي بِالرَّجَاءِ . الثَّالِث : يُمِيتنِي , بِالطَّمَعِ وَيُحْيِينِي بِالْقَنَاعَةِ . وَقَوْل رَابِع : يُمِيتنِي بِالْعَدْلِ وَيُحْيِينِي بِالْفَضْلِ . وَقَوْل خَامِس : يُمِيتنِي بِالْفِرَاقِ وَيُحْيِينِي بِالتَّلَاقِ . وَقَوْل سَادِس : يُمِيتنِي بِالْجَهْلِ وَيُحْيِينِي بِالْعَقْلِ ; إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْهُ مُرَاد مِنْ الْآيَة ; فَإِنَّ هَذِهِ التَّأْوِيلَات الْغَامِضَة , وَالْأُمُور الْبَاطِنَة , إِنَّمَا تَكُون لِمَنْ حَذَقَ وَعَرَفَ الْحَقّ , وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي عَمًى عَنْ الْحَقّ وَلَا يَعْرِف الْحَقّ فَكَيْف تُرْمَز لَهُ الْأُمُور الْبَاطِنَة , وَتُتْرَك الْأُمُور الظَّاهِرَة ؟ هَذَا مُحَال . وَاَللَّه أَعْلَم .';
$TAFSEER['4']['26']['82'] = '&quot; أَطْمَع &quot; أَيْ أَرْجُو . وَقِيلَ : هُوَ بِمَعْنَى الْيَقِين فِي حَقّه , وَبِمَعْنَى الرَّجَاء فِي حَقّ الْمُؤْمِنِينَ سِوَاهُ . وَقَرَأَ الْحَسَن وَابْن أَبِي إِسْحَاق : &quot; خَطَايَايَ &quot; وَقَالَ : لَيْسَتْ خَطِيئَة وَاحِدَة . قَالَ النَّحَّاس : خَطِيئَة بِمَعْنَى خَطَايَا مَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب , وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى التَّوْحِيد فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ &quot; فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ &quot; [ الْمُلْك : 11 ] وَمَعْنَاهُ بِذُنُوبِهِمْ . وَكَذَا &quot; وَأَقِيمُوا الصَّلَاة &quot; [ الْبَقَرَة : 43 ] مَعْنَاهُ الصَّلَوَات . وَكَذَا &quot; خَطِيئَتِي &quot; إِنْ كَانَتْ خَطَايَا . وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ مُجَاهِد : يَعْنِي بِخَطِيئَتِهِ قَوْله : &quot; بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرهمْ هَذَا &quot; [ الْأَنْبِيَاء : 63 ] وَقَوْله : &quot; إِنِّي سَقِيم &quot; [ الصَّافَّات : 89 ] وَقَوْله : إِنَّ سَارَّة أُخْته . زَادَ الْحَسَن وَقَوْله لِلْكَوْكَبِ : &quot; هَذَا رَبِّي &quot; [ الْأَنْعَام : 76 ] وَقَدْ مَضَى بَيَان هَذَا مُسْتَوْفًى . وَقَالَ الزَّجَّاج : الْأَنْبِيَاء بَشَر فَيَجُوز أَنْ تَقَع مِنْهُمْ الْخَطِيئَة ; نَعَمْ لَا تَجُوز عَلَيْهِمْ الْكَبَائِر لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ عَنْهَا .



يَوْم الْجَزَاء حَيْثُ يُجَازِي الْعِبَاد بِأَعْمَالِهِمْ . وَهَذَا مِنْ إِبْرَاهِيم إِظْهَار لِلْعُبُودِيَّةِ وَإِنْ كَانَ يَعْلَم أَنَّهُ مَغْفُور لَهُ . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَائِشَة ; قُلْت يَا رَسُول اللَّه : اِبْن جُدْعَان كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة يَصِل الرَّحِم , وَيُطْعِم الْمِسْكِين , فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعه ؟ قَالَ : ( لَا يَنْفَعهُ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا &quot; رَبّ اِغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْم الدِّين &quot; ) .';
$TAFSEER['4']['26']['83'] = '&quot; حُكْمًا &quot; مَعْرِفَة بِك وَبِحُدُودِك وَأَحْكَامك ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ مُقَاتِل : فَهْمًا وَعِلْمًا ; وَهُوَ رَاجِع إِلَى الْأَوَّل . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : نُبُوَّة وَرِسَالَة إِلَى الْخَلْق . &quot; وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ &quot; أَيْ بِالنَّبِيِّينَ مِنْ قَبْلِي فِي الدَّرَجَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : بِأَهْلِ الْجَنَّة ; وَهُوَ تَأْكِيد قَوْله : &quot; هَبْ لِي حُكْمًا &quot; .';
$TAFSEER['4']['26']['84'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ اِجْتِمَاع الْأُمَم عَلَيْهِ . وَقَالَ مُجَاهِد : هُوَ الثَّنَاء الْحَسَن . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : هُوَ الثَّنَاء وَخُلْد الْمَكَانَة بِإِجْمَاعِ الْمُفَسِّرِينَ ; وَكَذَلِكَ أَجَابَ اللَّه دَعْوَته , وَكُلّ أُمَّة تَتَمَسَّك بِهِ وَتُعَظِّمهُ , وَهُوَ عَلَى الْحَنِيفِيَّة الَّتِي جَاءَ بِهَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ مَكِّيّ : وَقِيلَ مَعْنَاهُ سُؤَاله أَنْ يَكُون مِنْ ذُرِّيَّته فِي آخِر الزَّمَان مَنْ يَقُوم بِالْحَقِّ ; فَأُجِيبَتْ الدَّعْوَة فِي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا مَعْنَى حَسَن إِلَّا أَنَّ لَفْظ الْآيَة لَا يُعْطِيه إِلَّا بِتَحَكُّمٍ عَلَى اللَّفْظ . وَقَالَ الْقُشَيْرِيّ : أَرَادَ الدُّعَاء الْحَسَن إِلَى قِيَام السَّاعَة ; فَإِنَّ زِيَادَة الثَّوَاب مَطْلُوبَة فِي حَقّ كُلّ أَحَد . قُلْت : وَقَدْ فَعَلَ اللَّه ذَلِكَ إِذْ لَيْسَ أَحَد يُصَلِّي عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى إِبْرَاهِيم وَخَاصَّة فِي الصَّلَوَات , وَعَلَى الْمَنَابِر الَّتِي هِيَ أَفْضَل الْحَالَات وَأَفْضَل الدَّرَجَات . وَالصَّلَاة دُعَاء بِالرَّحْمَةِ : وَالْمُرَاد بِاللِّسَانِ الْقَوْل , وَأَصْله جَارِحَة الْكَلَام . قَالَ الْقُتَبِيّ : وَمَوْضِع اللِّسَان مَوْضِع الْقَوْل عَلَى الِاسْتِعَارَة , وَقَدْ تُكَنِّي الْعَرَب بِهَا عَنْ الْكَلِمَة . قَالَ الْأَعْشَى : إِنِّي أَتَتْنِي لِسَان لَا أُسَرّ بِهَا مِنْ عُلُوّ لَا عَجَب مِنْهَا وَلَا سَخَر قَالَ الْجَوْهَرِيّ : يُرْوَى مِنْ عُلُوّ بِضَمِّ الْوَاو وَفَتْحهَا وَكَسْرهَا . أَيْ أَتَانِي خَبَر مِنْ أَعْلَى , وَالتَّأْنِيث لِلْكَلِمَةِ . وَكَانَ قَدْ أَتَاهُ خَبَر مَقْتَل أَخِيهِ الْمُنْتَشِر . رَوَى أَشْهَب عَنْ مَالِك قَالَ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : &quot; وَاجْعَلْ لِي لِسَان صِدْق فِي الْآخِرِينَ &quot; لَا بَأْس أَنْ يُحِبّ الرَّجُل أَنْ يُثْنَى عَلَيْهِ صَالِحًا وَيُرَى فِي عَمَل الصَّالِحِينَ , إِذَا قَصَدَ بِهِ وَجْه اللَّه تَعَالَى ; وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَأَلْقَيْت عَلَيْك مَحَبَّة مِنِّي &quot; [ طه : 39 ] وَقَالَ : &quot; إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَن وُدًّا &quot; [ مَرْيَم : 96 ] أَيْ حُبًّا فِي قُلُوب عِبَاده وَثَنَاء حَسَنًا , فَنَبَّهَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ : &quot; وَاجْعَلْ لِي لِسَان صِدْق فِي الْآخِرِينَ &quot; عَلَى اِسْتِحْبَاب اِكْتِسَاب مَا يُورِث الذِّكْر الْجَمِيل . اللَّيْث بْن سُلَيْمَان : إِذْ هِيَ الْحَيَاة الثَّانِيَة . قِيلَ : قَدْ مَاتَ قَوْم وَهُمْ فِي النَّاس أَحْيَاء قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ شُيُوخ . الزُّهْد فِي هَذَا دَلِيل عَلَى التَّرْغِيب فِي الْعَمَل الصَّالِح الَّذِي يُكْسِب الثَّنَاء الْحَسَن , قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا مَاتَ اِبْن آدَم اِنْقَطَعَ عَمَله إِلَّا مِنْ ثَلَاث ) الْحَدِيث وَفِي رِوَايَة إِنَّهُ كَذَلِكَ فِي الْغَرْس وَالزَّرْع وَكَذَلِكَ فِيمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا يُكْتَب لَهُ عَمَله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي آخِر &quot; آل عِمْرَانَ &quot; وَالْحَمْد لِلَّهِ .';
$TAFSEER['4']['26']['85'] = 'دُعَاء بِالْجَنَّةِ وَبِمَنْ يَرِثهَا , وَهُوَ يَرُدّ قَوْل بَعْضهمْ : لَا أَسْأَل جَنَّة وَلَا نَارًا .';
$TAFSEER['4']['26']['86'] = 'كَانَ أَبُوهُ وَعَدَهُ فِي الظَّاهِر أَنْ يُؤْمِن بِهِ فَاسْتَغْفَرَ لَهُ لِهَذَا , فَلَمَّا بَانَ أَنَّهُ لَا يَفِي بِمَا قَالَ تَبَرَّأَ مِنْهُ . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى .


أَيْ الْمُشْرِكِينَ . &quot; وَكَانَ &quot; زَائِدَة .';
$TAFSEER['4']['26']['87'] = 'أَيْ لَا تَفْضَحنِي عَلَى رُءُوس الْأَشْهَاد , أَوْ لَا تُعَذِّبنِي يَوْم الْقِيَامَة . وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ إِبْرَاهِيم يَرَى أَبَاهُ يَوْم الْقِيَامَة عَلَيْهِ الْغَبَرَة وَالْقَتَرَة ) وَالْغَبَرَة هِيَ الْقَتَرَة . وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَلْقَى إِبْرَاهِيم أَبَاهُ فَيَقُول يَا رَبّ إِنَّك وَعَدْتنِي أَلَّا تُخْزِينِي يَوْم يُبْعَثُونَ فَيَقُول اللَّه تَعَالَى إِنِّي حَرَّمْت الْجَنَّة عَلَى الْكَافِرِينَ ) اِنْفَرَدَ بِهِمَا الْبُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّه .';
$TAFSEER['4']['26']['88'] = '&quot; يَوْم &quot; بَدَل مِنْ &quot; يَوْم &quot; الْأَوَّل . أَيْ يَوْم لَا يَنْفَع مَال وَلَا بَنُونَ أَحَدًا . وَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ : &quot; وَلَا بَنُونَ &quot; الْأَعْوَان ; لِأَنَّ الِابْن إِذَا لَمْ يَنْفَع فَغَيْره مَتَى يَنْفَع ؟ وَقِيلَ : ذَكَرَ الْبَنِينَ لِأَنَّهُ جَرَى ذِكْر وَالِد إِبْرَاهِيم , أَيْ لَمْ يَنْفَعهُ إِبْرَاهِيم .';
$TAFSEER['4']['26']['89'] = 'هُوَ اِسْتِثْنَاء مِنْ الْكَافِرِينَ ; أَيْ لَا يَنْفَعهُ مَاله وَلَا بَنُوهُ . وَقِيلَ : هُوَ اِسْتِثْنَاء مِنْ غَيْر الْجِنْس , أَيْ لَكِنْ &quot; مَنْ أَتَى اللَّه بِقَلْبٍ سَلِيم &quot; يَنْفَعهُ لِسَلَامَةِ قَلْبه . وَخَصَّ الْقَلْب بِالذِّكْرِ ; لِأَنَّهُ الَّذِي إِذَا سَلِمَ سَلِمَتْ الْجَوَارِح , وَإِذَا فَسَدَ فَسَدَتْ سَائِر الْجَوَارِح . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل &quot; الْبَقَرَة &quot; . وَاخْتُلِفَ فِي الْقَلْب السَّلِيم فَقِيلَ : مِنْ الشَّكّ وَالشِّرْك , فَأَمَّا الذُّنُوب فَلَيْسَ يَسْلَم مِنْهَا أَحَد ; قَالَهُ قَتَادَة وَابْن زَيْد وَأَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ . وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : الْقَلْب السَّلِيم الصَّحِيح هُوَ قَلْب الْمُؤْمِن ; لِأَنَّ قَلْب الْكَافِر وَالْمُنَافِق مَرِيض ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; فِي قُلُوبهمْ مَرَض &quot; [ الْبَقَرَة : 10 ] وَقَالَ أَبُو عُثْمَان السَّيَّارِيّ : هُوَ الْقَلْب الْخَالِي عَنْ الْبِدْعَة الْمُطْمَئِنّ إِلَى السُّنَّة . وَقَالَ الْحَسَن : سَلِيم مِنْ آفَة الْمَال وَالْبَنِينَ . وَقَالَ الْجُنَيْد : السَّلِيم فِي اللُّغَة اللَّدِيغ ; فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ قَلْب كَاللَّدِيغِ مِنْ خَوْف اللَّه . وَقَالَ الضَّحَّاك : السَّلِيم الْخَالِص . قُلْت : وَهَذَا الْقَوْل يَجْمَع شَتَات الْأَقْوَال بِعُمُومِهِ وَهُوَ حَسَن , أَيْ الْخَالِص مِنْ الْأَوْصَاف الذَّمِيمَة , وَالْمُتَّصِف بِالْأَوْصَافِ الْجَمِيلَة ; وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُرْوَة أَنَّهُ قَالَ : يَا بَنِيَّ لَا تَكُونُوا لَعَّانِينَ فَإِنَّ إِبْرَاهِيم لَمْ يَلْعَن شَيْئًا قَطُّ , قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; إِذْ جَاءَ رَبّه بِقَلْبٍ سَلِيم &quot; [ الصَّافَّات : 84 ] . وَقَالَ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ : الْقَلْب السَّلِيم أَنْ يَعْلَم أَنَّ اللَّه حَقّ , وَأَنَّ السَّاعَة قَائِمَة , وَأَنَّ اللَّه يَبْعَث مَنْ فِي الْقُبُور . وَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَدْخُل الْجَنَّة أَقْوَام أَفْئِدَتهمْ مِثْل أَفْئِدَة الطَّيْر ) يُرِيد - وَاَللَّه أَعْلَم - أَنَّهَا مِثْلهَا فِي أَنَّهَا خَالِيَة مِنْ كُلّ ذَنْب , سَلِيمَة مِنْ كُلّ عَيْب , لَا خِبْرَة لَهُمْ بِأُمُورِ الدُّنْيَا ; كَمَا رَوَى أَنَس بْن مَالِك قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَكْثَر أَهْل الْجَنَّة الْبُلْه ) وَهُوَ حَدِيث صَحِيح . أَيْ الْبُلْه عَنْ مَعَاصِي اللَّه . قَالَ الْأَزْهَرِيّ : الْأَبْلَه هُنَا هُوَ الَّذِي طُبِعَ عَلَى الْخَيْر وَهُوَ غَافِل عَنْ الشَّرّ لَا يَعْرِفهُ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : الْبُلْه هُمْ الَّذِينَ غَلَبَتْ عَلَيْهِمْ سَلَامَة الصُّدُور وَحُسْن الظَّنّ بِالنَّاسِ .';
$TAFSEER['4']['26']['90'] = 'أَيْ قُرِّبَتْ وَأُدْنِيَتْ لِيَدْخُلُوهَا . وَقَالَ الزَّجَّاج : قَرُبَ دُخُولهمْ إِيَّاهَا .';
$TAFSEER['4']['26']['91'] = 'أَيْ أُظْهِرَتْ


يَعْنِي جَهَنَّم .


أَيْ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ ضَلُّوا عَنْ الْهُدَى . أَيْ تَظْهَر جَهَنَّم لِأَهْلِهَا قَبْل أَنْ يَدْخُلُوهَا حَتَّى يَسْتَشْعِرُوا الرَّوْع وَالْحُزْن , كَمَا يَسْتَشْعِر أَهْل الْجَنَّة الْفَرَح لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة .';
$TAFSEER['4']['26']['92'] = 'مِنْ الْأَصْنَام وَالْأَنْدَاد';
$TAFSEER['4']['26']['93'] = 'مِنْ الْأَصْنَام وَالْأَنْدَاد


مِنْ عَذَاب اللَّه


لِأَنْفُسِهِمْ . وَهَذَا كُلّه تَوْبِيخ .';
$TAFSEER['4']['26']['94'] = 'أَيْ قُلِّبُوا عَلَى رُءُوسهمْ . وَقِيلَ : دُهْوِرُوا وَأُلْقِيَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض . وَقِيلَ : جُمِعُوا . مَأْخُوذ مِنْ الْكَبْكَبَة وَهِيَ الْجَمَاعَة ; قَالَهُ الْهَرَوِيّ . وَقَالَ النَّحَّاس : هُوَ مُشْتَقّ مِنْ كَوْكَب الشَّيْء أَيْ مُعْظَمه . وَالْجَمَاعَة مِنْ الْخَيْل كَوْكَب وَكَبْكَبَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : جُمِعُوا فَطُرِحُوا فِي النَّار . وَقَالَ مُجَاهِد : دُهْوِرُوا . وَقَالَ مُقَاتِل : قُذِفُوا . وَالْمَعْنَى وَاحِد . تَقُول : دَهْوَرْت الشَّيْء إِذَا جَمَعْته ثُمَّ قَذَفْته فِي مَهْوَاة . يُقَال : هُوَ يُدَهْوِر اللُّقَم إِذَا كَبَّرَهَا . وَيُقَال : فِي الدُّعَاء كَبَّ اللَّه عَدُوّ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُقَال أَكَبَّهُ . وَكَبْكَبَهُ , أَيْ كَبَّهُ وَقَلَّبَهُ . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : &quot; فَكُبْكِبُوا فِيهَا &quot; وَالْأَصْل كُبِّبُوا فَأُبْدِلَ مِنْ الْبَاء الْوُسْطَى كَاف اِسْتِثْقَالًا لِاجْتِمَاعِ الْبَاءَات . قَالَ السُّدِّيّ : الضَّمِير فِي &quot; كُبْكِبُوا &quot; لِمُشْرِكِي الْعَرَب


الْآلِهَة .';
$TAFSEER['4']['26']['95'] = 'مَنْ كَانَ مِنْ ذُرِّيَّته . وَقِيلَ : كُلّ مَنْ دَعَاهُ إِلَى عِبَادَة الْأَصْنَام فَاتَّبَعَهُ . وَقَالَ قَتَادَة وَالْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل : &quot; الْغَاوُونَ &quot; هُمْ الشَّيَاطِين . وَقِيلَ : إِنَّمَا تُلْقَى الْأَصْنَام فِي النَّار وَهِيَ حَدِيد وَنُحَاس لِيُعَذَّب بِهَا غَيْرهمْ .';
$TAFSEER['4']['26']['96'] = 'يَعْنِي الْإِنْس وَالشَّيَاطِين وَالْغَاوِينَ وَالْمَعْبُودِينَ اِخْتَصَمُوا حِينَئِذٍ .';
$TAFSEER['4']['26']['97'] = 'حَلَفُوا بِاَللَّهِ


أَيْ فِي خَسَار وَتَبَار وَحَيْرَة عَنْ الْحَقّ بَيِّنَة إِذَا اِتَّخَذْنَا مَعَ اللَّه آلِهَة فَعَبَدْنَاهَا كَمَا يُعْبَد ;';
$TAFSEER['4']['26']['98'] = 'أَيْ فِي الْعِبَادَة وَأَنْتُمْ لَا تَسْتَطِيعُونَ الْآن نَصْرنَا وَلَا نَصْر أَنْفُسكُمْ .';
$TAFSEER['4']['26']['99'] = 'يَعْنِي الشَّيَاطِين الَّذِينَ زَيَّنُوا لَنَا عِبَادَة الْأَصْنَام . وَقِيلَ : أَسْلَافنَا الَّذِينَ قَلَّدْنَاهُمْ . قَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَعِكْرِمَة : &quot; الْمُجْرِمُونَ &quot; إِبْلِيس وَابْن آدَم الْقَاتِل هُمَا أَوَّل مَنْ سَنَّ الْكُفْر وَالْقَتْل وَأَنْوَاع الْمَعَاصِي .';
$TAFSEER['4']['26']['100'] = 'أَيْ شُفَعَاء يَشْفَعُونَ لَنَا مِنْ الْمَلَائِكَة وَالنَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ .';
$TAFSEER['4']['26']['101'] = 'أَيْ صَدِيق مُشْفِق ; وَكَانَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول : عَلَيْكُمْ بِالْإِخْوَانِ فَإِنَّهُمْ عُدَّة الدُّنْيَا وَعُدَّة الْآخِرَة ; أَلَا تَسْمَع إِلَى قَوْل أَهْل النَّار : &quot; فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلَا صَدِيق حَمِيم &quot; الزَّمَخْشَرِيّ : وَجُمِعَ الشَّافِع لِكَثْرَةِ الشَّافِعِينَ وَوُحِّدَ الصَّدِيق لِقِلَّتِهِ ; أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُل إِذَا اُمْتُحِنَ بِإِرْهَاقِ ظَالِم مَضَتْ جَمَاعَة وَافِرَة مِنْ أَهْل بَلَده لِشَفَاعَتِهِ ; رَحْمَة لَهُ وَحِسْبَة وَإِنْ لَمْ تَسْبِق لَهُ بِأَكْثَرِهِمْ مَعْرِفَة ; وَأَمَّا الصَّدِيق فَهُوَ الصَّادِق فِي وِدَادك الَّذِي يُهِمّهُ مَا يُهِمّك فَأَعَزّ مِنْ بِيض الْأُنُوق ; وَعَنْ بَعْض الْحُكَمَاء أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الصَّدِيق فَقَالَ : اِسْم لَا مَعْنَى لَهُ . وَيَجُوز أَنْ يُرِيد بِالصَّدِيقِ الْجَمْع وَالْحَمِيم الْقَرِيب وَالْخَاصّ ; وَمِنْهُ حَامَّة الرَّجُل أَيْ أَقْرِبَاؤُهُ . وَأَصْل هَذَا مِنْ الْحَمِيم وَهُوَ الْمَاء الْحَارّ ; وَمِنْهُ الْحَمَّام وَالْحُمَّى ; فَحَامَّة الرَّجُل الَّذِينَ يُحْرِقهُمْ مَا أَحْرَقَهُ ; يُقَال : وَهُمْ حُزَانَته أَيْ يُحْزِنهُمْ مَا يُحْزِنهُ . وَيُقَال : حُمَّ الشَّيْء وَأَحَمَّ إِذَا قَرُبَ , وَمِنْهُ الْحُمَّى ; لِأَنَّهَا تَقْرُب مِنْ الْأَجَل . وَقَالَ عَلِيّ بْن عِيسَى : إِنَّمَا سُمِّيَ الْقَرِيب حَمِيمًا ; لِأَنَّهُ يُحْمَى لِغَضَبِ صَاحِبه , فَجَعَلَهُ مَأْخُوذًا مِنْ الْحَمِيَّة . وَقَالَ قَتَادَة : يُذْهِب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَوْم الْقِيَامَة مَوَدَّة الصَّدِيق وَرِقَّة الْحَمِيم . وَيَجُوز : &quot; وَلَا صَدِيق حَمِيم &quot; بِالرَّفْعِ عَلَى مَوْضِع &quot; مِنْ شَافِعِينَ &quot; ; لِأَنَّ &quot; مِنْ شَافِعِينَ &quot; فِي مَوْضِع رَفْع . وَجَمْع صِدِّيق أَصْدِقَاء وَصُدَقَاء وَصِدَاق . وَلَا يُقَال صُدُق لِلْفَرْقِ بَيْن النَّعْت وَغَيْره . وَحَكَى الْكُوفِيُّونَ : أَنَّهُ يُقَال فِي جَمْعه صُدْقَان . النَّحَّاس : وَهَذَا بَعِيد ; لِأَنَّ هَذَا جَمْع مَا لَيْسَ بِنَعْتٍ نَحْو رَغِيف وَرُغْفَان . وَحَكَمُوا أَيْضًا صَدِيق وَأَصَادِق . وَأَفَاعِل إِنَّمَا هُوَ جَمْع أَفْعَل إِذَا لَمْ يَكُنْ نَعْتًا نَحْو أَشْجَع وَأَشَاجِع . وَيُقَال : صَدِيق لِلْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَة وَلِلْمَرْأَةِ ; قَالَ الشَّاعِر : نَصَبْنَ الْهَوَى ثُمَّ اِرْتَمَيْنَ قُلُوبنَا بِأَعْيُنِ أَعْدَاء وَهُنَّ صَدِيق وَيُقَال : فُلَان صَدِيقِي أَيْ أَخَصّ أَصْدِقَائِي , وَإِنَّمَا يُصَغَّر عَلَى جِهَة الْمَدْح ; كَقَوْلِ حُبَاب بْن الْمُنْذِر : ( أَنَا جُذَيْلهَا الْمُحَكَّك , وَعُذَيْقهَا الْمُرَجَّب ) ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيّ . النَّحَّاس : وَجَمْع حَمِيم أَحِمَّاء وَأَحِمَّة وَكَرِهُوا أَفْعِلَاء لِلتَّضْعِيفِ .';
$TAFSEER['4']['26']['102'] = '&quot; أَنَّ &quot; فِي مَوْضِع رَفْع , الْمَعْنَى وَلَوْ وَقَعَ لَنَا رُجُوع إِلَى الدُّنْيَا لَآمَنَّا حَتَّى يَكُون لَنَا شُفَعَاء . تَمَنَّوْا حِين لَا يَنْفَعهُمْ التَّمَنِّي . وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ حِين شَفَعَ الْمَلَائِكَة وَالْمُؤْمِنُونَ . قَالَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الرَّجُل لَيَقُول فِي الْجَنَّة مَا فَعَلَ فُلَان وَصَدِيقه فِي الْجَحِيم فَلَا يَزَال يَشْفَع لَهُ حَتَّى يُشَفِّعهُ اللَّه فِيهِ فَإِذَا نَجَا قَالَ الْمُشْرِكُونَ : ( مَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلَا صَدِيق حَمِيم ) . وَقَالَ الْحَسَن : مَا اِجْتَمَعَ مَلَأ عَلَى ذِكْر اللَّه , فِيهِمْ عَبْد مِنْ أَهْل الْجَنَّة إِلَّا شَفَّعَهُ اللَّه فِيهِمْ , وَإِنَّ أَهْل الْإِيمَان لَيَشْفَع بَعْضهمْ فِي بَعْض وَهُمْ عِنْد اللَّه شَافِعُونَ مُشَفَّعُونَ . وَقَالَ كَعْب : إِنَّ الرَّجُلَيْنِ كَانَا صَدِيقَيْنِ فِي الدُّنْيَا , فَيَمُرّ أَحَدهمَا بِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُجَرّ إِلَى النَّار , فَيَقُول لَهُ أَخُوهُ : وَاَللَّه مَا بَقِيَ لِي إِلَّا حَسَنَة وَاحِدَة أَنْجُو بِهَا , خُذْهَا أَنْتَ يَا أَخِي فَتَنْجُو بِهَا مِمَّا أَرَى , وَأَبْقَى أَنَا وَإِيَّاكَ مِنْ أَصْحَاب الْأَعْرَاف . قَالَ : فَيَأْمُر اللَّه بِهِمَا جَمِيعًا فَيَدْخُلَانِ الْجَنَّة .';
$TAFSEER['4']['26']['103'] = 'أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْإِنْبَات فِي الْأَرْض لِدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّ اللَّه قَادِر , لَا يُعْجِزهُ شَيْء .


أَيْ مُصَدِّقِينَ لِمَا سَبَقَ مِنْ عِلْمِي فِيهِمْ . وَ &quot; كَانَ &quot; هُنَا صِلَة فِي قَوْل سِيبَوَيْهِ ; تَقْدِيره : وَمَا أَكْثَرهمْ مُؤْمِنِينَ .';
$TAFSEER['4']['26']['104'] = 'يُرِيد الْمَنِيع الْمُنْتَقِم مِنْ أَعْدَائِهِ , الرَّحِيم بِأَوْلِيَائِهِ .';
$TAFSEER['4']['26']['105'] = 'قَالَ &quot; كَذَّبَتْ &quot; وَالْقَوْم مُذَكَّر ; لِأَنَّ الْمَعْنَى كَذَّبَتْ جَمَاعَة قَوْم نُوح , وَقَالَ : &quot; الْمُرْسَلِينَ &quot; لِأَنَّ مَنْ كَذَّبَ رَسُولًا فَقَدْ كَذَّبَ الرُّسُل ; لِأَنَّ كُلّ رَسُول يَأْمُر بِتَصْدِيقِ جَمِيع الرُّسُل . وَقِيلَ : كَذَّبُوا نُوحًا فِي النُّبُوَّة وَفِيمَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ مِنْ مَجِيء الْمُرْسَلِينَ بَعْده . وَقِيلَ : ذَكَرَ الْجِنْس وَالْمُرَاد نُوح عَلَيْهِ السَّلَام . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي &quot; الْفُرْقَان &quot; .';
$TAFSEER['4']['26']['106'] = 'أَيْ اِبْن أَبِيهِمْ وَهِيَ أُخُوَّة نَسَب لَا أُخُوَّة دِين . وَقِيلَ : هِيَ أُخُوَّة الْمُجَانَسَة . قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُول إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمه &quot; [ إِبْرَاهِيم : 4 ] وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي &quot; الْأَعْرَاف &quot; . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل الْعَرَب يَا أَخَا بَنِي تَمِيم . يُرِيدُونَ يَا وَاحِدًا مِنْهُمْ . الزَّمَخْشَرِيّ : وَمِنْهُ بَيْت الْحَمَاسَة : لَا يَسْأَلُونَ أَخَاهُمْ حِين يَنْدُبهُمْ فِي النَّائِبَات عَلَى مَا قَالَ بُرْهَانًا 



أَيْ أَلَا تَتَّقُونَ اللَّه فِي عِبَادَة الْأَصْنَام .';
$TAFSEER['4']['26']['107'] = 'أَيْ صَادِق فِيمَا أُبَلِّغكُمْ عَنْ اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : &quot; أَمِين &quot; فِيمَا بَيْنكُمْ ; فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَرَفُوا أَمَانَته وَصِدْقه مِنْ قَبْل كَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُرَيْش .';
$TAFSEER['4']['26']['108'] = 'أَيْ فَاسْتَتِرُوا بِطَاعَةِ اللَّه تَعَالَى مِنْ عِقَابه .


فِيمَا آمُركُمْ بِهِ مِنْ الْإِيمَان .';
$TAFSEER['4']['26']['109'] = 'أَيْ لَا طَمَع لِي فِي مَالكُمْ .


أَيْ مَا جَزَائِي &quot; إِلَّا عَلَى رَبّ الْعَالَمِينَ &quot; .';
$TAFSEER['4']['26']['110'] = 'كُرِّرَ تَأْكِيدًا .';
$TAFSEER['4']['26']['111'] = 'فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : 

الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : &quot; قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَك &quot; أَيْ نُصَدِّق قَوْلك . &quot; وَاتَّبَعَك الْأَرْذَلُونَ &quot; الْوَاو لِلْحَالِ وَفِيهِ إِضْمَار قَدْ , أَيْ وَقَدْ اِتَّبَعَك . &quot; الْأَرْذَلُونَ &quot; جَمْع الْأَرْذَل , الْمُكَسَّر الْأَرَاذِل وَالْأُنْثَى الرُّذْلَى وَالْجَمْع الرُّذَّل . قَالَ النَّحَّاس : وَلَا يَجُوز حَذْف الْأَلِف وَاللَّام فِي شَيْء مِنْ هَذَا عِنْد أَحَد مِنْ النَّحْوِيِّينَ عَلِمْنَاهُ . وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود وَالضَّحَّاك وَيَعْقُوب الْحَضْرَمِيّ وَغَيْرهمْ , &quot; وَأَتْبَاعك الْأَرْذَلُونَ &quot; . النَّحَّاس : وَهِيَ قِرَاءَة حَسَنَة ; وَهَذِهِ الْوَاو أَكْثَرهَا تَتْبَعهَا الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال بِقَدْ . وَأَتْبَاع جَمْع تَبِعْ وَتَبِيع يَكُون لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْع . قَالَ الشَّاعِر : لَهُ تَبَع قَدْ يَعْلَم النَّاس أَنَّهُ عَلَى مَنْ يُدَانِي صَيِّف وَرَبِيع اِرْتِفَاع &quot; أَتْبَاعك &quot; يَجُوز أَنْ يَكُون بِالِابْتِدَاءِ وَ &quot; الْأَرْذَلُونَ &quot; الْخَبَر ; التَّقْدِير أَنُؤْمِنُ لَك وَإِنَّمَا أَتْبَاعك الْأَرْذَلُونَ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْطُوفًا عَلَى الضَّمِير فِي قَوْله : &quot; أَنُؤْمِنُ لَك &quot; وَالتَّقْدِير : أَنُؤْمِنُ لَك نَحْنُ وَأَتْبَاعك الْأَرْذَلُونَ فَنُعَدّ مِنْهُمْ ; وَحَسَّنَ ذَلِكَ الْفَصْل بِقَوْلِهِ : &quot; لَك &quot; وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي الْأَرَاذِل فِي سُورَة &quot; هُود &quot; مُسْتَوْفًى . وَنَزِيدهُ هُنَا بَيَانًا وَهِيَ الْمَسْأَلَة : 

الثَّانِيَة : فَقِيلَ : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ بَنُوهُ وَنِسَاؤُهُ وَكَنَّاته وَبَنُو بَنِيهِ . وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ مَعَهُمْ غَيْرهمْ أَمْ لَا . وَعَلَى أَنَّ الْوَجْهَيْنِ كَانَ فَالْكُلّ صَالِحُونَ ; وَقَدْ قَالَ نُوح : &quot; وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِي مِنْ الْمُؤْمِنِينَ &quot; وَاَلَّذِينَ مَعَهُ هُمْ الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ , وَلَا يَلْحَقهُمْ مِنْ قَوْل الْكَفَرَة شَيْن وَلَا ذَمّ بَلْ الْأَرْذَلُونَ هُمْ الْمُكَذِّبُونَ لَهُمْ . قَالَ السُّهَيْلِيّ : وَقَدْ أُغْرِيَ كَثِير مِنْ الْعَوَامّ بِمَقَالَةٍ رُوِيَتْ فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة : هُمْ الْحَاكَة وَالْحَجَّامُونَ . وَلَوْ كَانُوا حَاكَة كَمَا زَعَمُوا لَكَانَ إِيمَانهمْ بِنَبِيِّ اللَّه وَاتِّبَاعهمْ لَهُ مُشَرِّفًا كَمَا تَشَرَّفَ بِلَال وَسَلْمَان بِسَبَقِهِمَا لِلْإِسْلَامِ ; فَهُمَا مِنْ وُجُوه أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ أَكَابِرهمْ , فَلَا ذُرِّيَّة نُوح كَانُوا حَاكَة وَلَا حَجَّامِينَ , وَلَا قَوْل الْكَفَرَة فِي الْحَاكَة وَالْحَجَّامِينَ إِنْ كَانُوا آمَنُوا بِهِمْ أَرْذَلُونَ مَا يَلْحَق الْيَوْم بِحَاكَتِنَا ذَمًّا وَلَا نَقْصًا ; لِأَنَّ هَذِهِ حِكَايَة عَنْ قَوْل الْكَفَرَة إِلَّا أَنْ يُجْعَل الْكَفَرَة حُجَّة وَمَقَالَتهمْ أَصْلًا ; وَهَذَا جَهْل عَظِيم وَقَدْ أَعْلَمَ اللَّه تَعَالَى أَنَّ الصِّنَاعَات لَيْسَتْ بِضَائِرَةٍ فِي الدِّين .';
$TAFSEER['4']['26']['112'] = '&quot; كَانَ &quot; زَائِدَة ; وَالْمَعْنَى : وَمَا عِلْمِي بِمَا يَعْمَلُونَ ; أَيْ لَمْ أُكَلَّف الْعِلْم بِأَعْمَالِهِمْ إِنَّمَا كُلِّفْت أَنْ أَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِيمَان , وَالِاعْتِبَار بِالْإِيمَانِ لَا بِالْحِرَفِ وَالصَّنَائِع ; وَكَأَنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّمَا اِتَّبَعَك هَؤُلَاءِ الضُّعَفَاء طَمَعًا فِي الْعِزَّة وَالْمَال . فَقَالَ : إِنِّي لَمْ أَقِف عَلَى بَاطِن أَمْرهمْ وَإِنَّمَا إِلَيَّ ظَاهِرهمْ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى إِنِّي لَمْ أَعْلَم أَنَّ اللَّه يَهْدِيهِمْ وَيُضِلّكُمْ وَيُرْشِدهُمْ وَيُغْوِيكُمْ وَيُوَفِّقهُمْ وَيَخْذُلكُمْ .';
$TAFSEER['4']['26']['113'] = 'أَيْ فِي أَعْمَالهمْ وَإِيمَانهمْ


وَجَوَاب &quot; لَوْ &quot; مَحْذُوف ; أَيْ لَوْ شَعَرْتُمْ أَنَّ حِسَابهمْ عَلَى رَبّهمْ لَمَا عِبْتُمُوهُمْ بِصَنَائِعِهِمْ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة : &quot; تَشْعُرُونَ &quot; بِالتَّاءِ عَلَى الْمُخَاطَبَة لِلْكُفَّارِ وَهُوَ الظَّاهِر وَقَرَأَ اِبْن أَبِي عَبْلَة وَمُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع : &quot; لَوْ يَشْعُرُونَ &quot; بِالْيَاءِ كَأَنَّهُ خَبَر عَنْ الْكُفَّار وَتَرَكَ الْخِطَاب لَهُمْ ; نَحْو قَوْله : &quot; حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْك وَجَرَيْنَ بِهِمْ &quot; [ يُونُس : 22 ] . وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سُفْيَان عَنْ اِمْرَأَة زَنَتْ وَقَتَلَتْ وَلَدهَا وَهِيَ مُسْلِمَة هَلْ يُقْطَع لَهَا بِالنَّارِ ؟ فَقَالَ : &quot; إِنْ حِسَابهمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ &quot; .';
$TAFSEER['4']['26']['114'] = 'أَيْ لِخُسَاسَةِ أَحْوَالهمْ وَأَشْغَالهمْ . وَكَأَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْهُ طَرْد الضُّعَفَاء كَمَا طَلَبَتْهُ قُرَيْش .';
$TAFSEER['4']['26']['115'] = 'يَعْنِي : إِنَّ اللَّه مَا أَرْسَلَنِي أَخُصّ ذَوِي الْغِنَى دُون الْفُقَرَاء , إِنَّمَا أَنَا رَسُول أُبَلِّغكُمْ مَا أُرْسِلْت بِهِ , فَمَنْ أَطَاعَنِي فَذَلِكَ السَّعِيد عِنْد اللَّه وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا .';
$TAFSEER['4']['26']['116'] = 'أَيْ عَنْ سَبّ آلِهَتنَا وَعَيْب دِيننَا


أَيْ بِالْحِجَارَةِ ; قَالَهُ قَتَادَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُقَاتِل : مِنْ الْمَقْتُولِينَ . قَالَ الثُّمَالِيّ : كُلّ مَرْجُومِينَ فِي الْقُرْآن فَهُوَ الْقَتْل إِلَّا فِي مَرْيَم : &quot; لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ &quot; [ مَرْيَم : 46 ] أَيْ لَأَسُبَّنَّكَ . وَقِيلَ : &quot; مِنْ الْمَرْجُومِينَ &quot; مِنْ الْمَشْتُومِينَ ; قَالَهُ السُّدِّيّ . وَمِنْهُ قَوْل , أَبِي دَاوُد .';
$TAFSEER['4']['26']['117'] = 'قَالَ ذَلِكَ لَمَّا يَئِسَ مِنْ إِيمَانهمْ .';
$TAFSEER['4']['26']['118'] = 'وَالْفَتْح الْحُكْم وَقَدْ تَقَدَّمَ .';
$TAFSEER['4']['26']['119'] = 'يُرِيد السَّفِينَة وَقَدْ مَضَى ذِكْرهَا . وَالْمَشْحُون الْمَمْلُوء , وَالشَّحْن مَلْء السَّفِينَة بِالنَّاسِ وَالدَّوَابّ وَغَيْرهمْ . وَلَمْ يُؤَنَّث الْفُلْك هَاهُنَا ; لِأَنَّ الْفُلْك هَاهُنَا وَاحِد لَا جَمْع';
$TAFSEER['4']['26']['120'] = 'أَيْ بَعْد إِنْجَائِنَا نُوحًا وَمَنْ آمَنَ .';
$TAFSEER['4']['26']['121'] = 'أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْإِنْبَات فِي الْأَرْض لِدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّ اللَّه قَادِر , لَا يُعْجِزهُ شَيْء .


أَيْ مُصَدِّقِينَ لِمَا سَبَقَ مِنْ عِلْمِي فِيهِمْ . وَ &quot; كَانَ &quot; هُنَا صِلَة فِي قَوْل سِيبَوَيْهِ ; تَقْدِيره : وَمَا أَكْثَرهمْ مُؤْمِنِينَ .';
$TAFSEER['4']['26']['122'] = 'يُرِيد الْمَنِيع الْمُنْتَقِم مِنْ أَعْدَائِهِ , الرَّحِيم بِأَوْلِيَائِهِ .';
$TAFSEER['4']['26']['123'] = 'التَّأْنِيث بِمَعْنَى الْقَبِيلَة وَالْجَمَاعَة . وَتَكْذِيبهمْ الْمُرْسَلِينَ كَمَا تَقَدَّمَ .';
$TAFSEER['4']['26']['124'] = 'أَيْ اِبْن أَبِيهِمْ وَهِيَ أُخُوَّة نَسَب لَا أُخُوَّة دِين . وَقِيلَ : هِيَ أُخُوَّة الْمُجَانَسَة . قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُول إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمه &quot; [ إِبْرَاهِيم : 4 ] وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي &quot; الْأَعْرَاف &quot; . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل الْعَرَب يَا أَخَا بَنِي تَمِيم . يُرِيدُونَ يَا وَاحِدًا مِنْهُمْ . الزَّمَخْشَرِيّ : وَمِنْهُ بَيْت الْحَمَاسَة : لَا يَسْأَلُونَ أَخَاهُمْ حِين يَنْدُبهُمْ فِي النَّائِبَات عَلَى مَا قَالَ بُرْهَانًا 



أَيْ أَلَا تَتَّقُونَ اللَّه فِي عِبَادَة الْأَصْنَام .';
$TAFSEER['4']['26']['125'] = 'أَيْ صَادِق فِيمَا أُبَلِّغكُمْ عَنْ اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : &quot; أَمِين &quot; فِيمَا بَيْنكُمْ ; فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَرَفُوا أَمَانَته وَصِدْقه مِنْ قَبْل كَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُرَيْش .';
$TAFSEER['4']['26']['126'] = 'أَيْ فَاسْتَتِرُوا بِطَاعَةِ اللَّه تَعَالَى مِنْ عِقَابه .



فِيمَا آمُركُمْ بِهِ مِنْ الْإِيمَان .';
$TAFSEER['4']['26']['127'] = 'أَيْ لَا طَمَع لِي فِي مَالكُمْ .


أَيْ مَا جَزَائِي &quot; إِلَّا عَلَى رَبّ الْعَالَمِينَ &quot; .';
$TAFSEER['4']['26']['128'] = 'الرِّيع مَا اِرْتَفَعَ مِنْ الْأَرْض فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس وَغَيْره , جَمْع رِيعَة . وَكَمْ رِيع أَرْضك أَيْ كَمْ اِرْتِفَاعهَا . وَقَالَ قَتَادَة : الرِّيع الطَّرِيق . وَهُوَ قَوْل الضَّحَّاك وَالْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل وَالسَّدَّيَّ . وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا . وَمِنْهُ قَوْل الْمُسَيَّب بْن عَلَس : فِي الْآلَ يَخْفِضهَا وَيَرْفَعهَا رِيع يَلُوح كَأَنَّهُ سَحْل شَبَّهَ الطَّرِيق بِثَوْبٍ أَبْيَض . النَّحَّاس : وَمَعْرُوف فِي اللُّغَة أَنْ يُقَال لِمَا اِرْتَفَعَ مِنْ الْأَرْض رِيع وَلِلطَّرِيقِ رِيع . قَالَ الشَّاعِر : طِرَاق الْخَوَافِي مَشْرِق فَوْق رِيعَة نَدَى لَيْله فِي رِيشه يَتَرَقْرَق وَقَالَ عُمَارَة : الرِّيع الْجَبَل الْوَاحِد رِيعَة وَالْجَمْع رِيَاع . وَقَالَ مُجَاهِد : هُوَ الْفَجّ بَيْن الْجَبَلَيْنِ . وَعَنْهُ : الثَّنِيَّة الصَّغِيرَة . وَعَنْهُ : الْمَنْظَرَة . وَقَالَ عِكْرِمَة وَمُقَاتِل : كَانُوا يَهْتَدُونَ بِالنُّجُومِ إِذَا سَافَرُوا , فَبَنَوْا عَلَى الطَّرِيق أَمْثَالًا طِوَالًا لِيَهْتَدُوا بِهَا : يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : &quot; آيَة &quot; أَيْ عَلَامَة . وَعَنْ مُجَاهِد : الرِّيع بُنْيَان الْحَمَام دَلِيله &quot; تَعْبَثُونَ &quot; أَيْ تَلْعَبُونَ ; أَيْ تَبْنُونَ بِكُلِّ مَكَان مُرْتَفِع آيَة . عَلَمًا تَلْعَبُونَ بِهَا عَلَى مَعْنَى أَبْنِيَة الْحَمَام وَبُرُوجهَا . وَقِيلَ : تَعْبَثُونَ بِمَنْ يَمُرّ فِي الطَّرِيق . أَيْ تَبْنُونَ بِكُلِّ مَوْضِع مُرْتَفِع لِتُشْرِفُوا عَلَى السَّابِلَة فَتَسْخَرُوا مِنْهُمْ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : إِنَّهُ عَبَث الْعَشَّارِينَ بِأَمْوَالِ مَنْ يَمُرّ بِهِمْ ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : الرِّيع الصَّوْمَعَة , وَالرِّيع الْبُرْج مِنْ الْحَمَام يَكُون فِي الصَّحْرَاء . وَالرِّيع التَّلّ الْعَالِي . وَفِي الرِّيع لُغَتَانِ : كَسْر الرَّاء وَفَتْحهَا وَجَمْعهَا أَرْيَاع , ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ .';
$TAFSEER['4']['26']['129'] = 'أَيْ مَنَازِل ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ . وَقِيلَ : حُصُونًا مُشَيَّدَة ; قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : تَرَكْنَا دِيَارهمْ مِنْهُمْ قِفَارًا وَهَدَّمْنَا الْمَصَانِع وَالْبُرُوجَا وَقِيلَ : قُصُورًا مُشَيَّدَة ; وَقَالَهُ مُجَاهِد أَيْضًا . وَعَنْهُ : بُرُوج الْحَمَام ; وَقَالَهُ السُّدِّيّ . قُلْت : وَفِيهِ بُعْد عَنْ مُجَاهِد ; لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي الرِّيع أَنَّهُ بُنْيَان الْحَمَام فَيَكُون تَكْرَارًا فِي الْكَلَام . وَقَالَ قَتَادَة : مَآجِل لِلْمَاءِ تَحْت الْأَرْض . وَكَذَا قَالَ الزَّجَّاج : إِنَّهَا مَصَانِع الْمَاء , وَاحِدَتهَا مُصْنَعَة وَمَصْنَع . وَمِنْهُ قَوْل لَبِيد : بَلِينَا وَمَا تَبْلَى النُّجُوم الطَّوَالِع وَتَبْقَى الْجِبَال بَعْدنَا وَالْمَصَانِع الْجَوْهَرِيّ : الْمُصْنَعَة كَالْحَوْضِ يَجْتَمِع فِيهَا مَاء الْمَطَر , وَكَذَلِكَ الْمُصْنُعَة بِضَمِّ النُّون . وَالْمَصَانِع الْحُصُون . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : يُقَال لِكُلِّ بِنَاء مُصْنُعَة . حَكَاهُ الْمَهْدَوِيّ . وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق : الْمَصَانِع عِنْدنَا بِلُغَةِ الْيَمَن الْقُصُور الْعَادِيَّة .


أَيْ كَيْ تَخْلُدُوا . وَقِيلَ : لَعَلَّ اِسْتِفْهَام بِمَعْنَى التَّوْبِيخ أَيْ فَهَلْ &quot; تَخْلُدُونَ &quot; كَقَوْلِك : لَعَلَّك تَشْتُمنِي أَيْ هَلْ تَشْتُمنِي . رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ اِبْن زَيْد . وَقَالَ الْفَرَّاء : كَيْمَا تَخْلُدُونَ لَا تَتَفَكَّرُونَ فِي الْمَوْت . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة : كَأَنَّكُمْ خَالِدُونَ بَاقُونَ فِيهَا . وَفِي بَعْض الْقِرَاءَات &quot; كَأَنَّكُمْ تَخْلُدُونَ &quot; ذَكَرَهُ النَّحَّاس . وَحَكَى قَتَادَة : أَنَّهَا كَانَتْ فِي بَعْض الْقِرَاءَات &quot; كَأَنَّكُمْ خَالِدُونَ &quot; .';
$TAFSEER['4']['26']['130'] = 'الْبَطْش السَّطْوَة وَالْأَخْذ بِالْعُنْفِ وَقَدْ بَطَشَ بِهِ يَبْطُشُ وَيَبْطِش بَطْشًا . وَبَاطَشَهُ مُبَاطَشَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد . : الْبَطْش الْعَسْف قَتْلًا بِالسَّيْفِ وَضَرْبًا بِالسَّوْطِ . وَمَعْنَى ذَلِكَ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ ظُلْمًا . وَقَالَ مُجَاهِد أَيْضًا : هُوَ ضَرْب بِالسِّيَاطِ ; وَرَوَاهُ مَالِك بْن أَنَس عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر فِيمَا ذَكَرَ اِبْن الْعَرَبِيّ . وَقِيلَ : هُوَ الْقَتْل بِالسَّيْفِ فِي غَيْر حَقّ . حَكَاهُ يَحْيَى بْن سَلَّام . وَقَالَ الْكَلْبِيّ وَالْحَسَن : هُوَ الْقَتْل عَلَى الْغَضَب مِنْ غَيْر تَثَبُّت . وَكُلّه يَرْجِع إِلَى قَوْل اِبْن عَبَّاس . وَقِيلَ : إِنَّهُ الْمُؤَاخَذَة عَلَى الْعَمْد وَالْخَطَأ مِنْ غَيْر عَفْو وَلَا إِبْقَاء . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَيُؤَيِّد مَا قَالَ مَالِك قَوْل اللَّه تَعَالَى عَنْ مُوسَى : &quot; فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِش بِاَلَّذِي هُوَ عَدُوّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلنِي كَمَا قَتَلْت نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيد إِلَّا أَنْ تَكُون جَبَّارًا فِي الْأَرْض &quot; [ الْقَصَص : 19 ] وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَمْ يَسُلّ عَلَيْهِ سَيْفًا وَلَا طَعَنَهُ بِرُمْحٍ , وَإِنَّمَا وَكَزَهُ وَكَانَتْ مَنِيَّته فِي وَكْزَته . وَالْبَطْش يَكُون بِالْيَدِ وَأَقَلّه الْوَكْز وَالدَّفْع , وَيَلِيه السَّوْط وَالْعَصَا , وَيَلِيه الْحَدِيد , وَالْكُلّ مَذْمُوم إِلَّا بِحَقٍّ . وَالْآيَة نَزَلَتْ خَبَرًا عَمَّنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْأُمَم , وَوَعْظًا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَنَا فِي مُجَانَبَة ذَلِكَ الْفِعْل الَّذِي ذَمَّهُمْ بِهِ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ . قُلْت : وَهَذِهِ الْأَوْصَاف الْمَذْمُومَة قَدْ صَارَتْ فِي كَثِير مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة , لَا سِيَّمَا بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّة مُنْذُ وَلِيَتْهَا الْبَحْرِيَّة ; فَيَبْطِشُونَ بِالنَّاسِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا فِي غَيْر حَقّ . وَقَدْ أَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ذَلِكَ يَكُون . كَمَا فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صِنْفَانِ مِنْ أَهْل النَّار لَمْ أَرَهُمَا قَوْم مَعَهُمْ سِيَاط كَأَذْنَابِ الْبَقَر يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاس وَنِسَاء كَاسِيَات عَارِيَات مُمِيلَات مَائِلَات رُءُوسهنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْت الْمَائِلَة لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّة وَلَا يَجِدْنَ رِيحهَا وَإِنَّ رِيحهَا لَيُوجَد مِنْ مَسِيرَة كَذَا وَكَذَا ) . وَخَرَّجَ أَبُو دُوَاد مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَاب الْبَقَر وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَاد سَلَّطَ اللَّه عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينكُمْ ) . &quot; جَبَّارِينَ &quot; قَتَّالِينَ . وَالْجَبَّار الْقَتَّال فِي غَيْر حَقّ . وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : &quot; إِنْ تُرِيد إِلَّا أَنْ تَكُون جَبَّارًا فِي الْأَرْض &quot; [ الْقَصَص : 19 ] قَالَهُ الْهَرَوِيّ . وَقِيلَ : الْجَبَّار الْمُتَسَلِّط الْعَاتِي ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : &quot; وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ &quot; [ ق : 45 ] أَيْ بِمُسَلَّطٍ . وَقَالَ الشَّاعِر : سَلَبْنَا مِنْ الْجَبَّار بِالسَّيْفِ مُلْكه عَشِيًّا وَأَطْرَاف الرِّمَاح شَوَارِع';
$TAFSEER['4']['26']['131'] = 'أَيْ فَاسْتَتِرُوا بِطَاعَةِ اللَّه تَعَالَى مِنْ عِقَابه



فِيمَا آمُركُمْ بِهِ مِنْ الْإِيمَان .';
$TAFSEER['4']['26']['132'] = 'أَيْ مِنْ الْخَيْرَات ; ثُمَّ فَسَّرَهَا بِقَوْلِهِ : &quot; أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ . وَجَنَّات وَعُيُون &quot;';
$TAFSEER['4']['26']['133'] = 'أَيْ سَخَّرَ ذَلِكَ لَكُمْ وَتَفَضَّلَ بِهَا عَلَيْكُمْ , فَهُوَ الَّذِي يَجِب أَنْ يُعْبَد وَيُشْكَر وَلَا يُكْفَر .';
$TAFSEER['4']['26']['134'] = 'أَيْ سَخَّرَ ذَلِكَ لَكُمْ وَتَفَضَّلَ بِهَا عَلَيْكُمْ , فَهُوَ الَّذِي يَجِب أَنْ يُعْبَد وَيُشْكَر وَلَا يُكْفَر .';
$TAFSEER['4']['26']['135'] = 'إِنْ كَفَرْتُمْ بِهِ وَأَصْرَرْتُمْ عَلَى ذَلِكَ .';
$TAFSEER['4']['26']['136'] = 'كُلّ ذَلِكَ عِنْدنَا سَوَاء لَا نَسْمَع مِنْك وَلَا نَلْوِي عَلَى مَا تَقُولهُ . وَرَوَى الْعَبَّاس عَنْ أَبِي عَمْرو وَبَشَر عَنْ الْكِسَائِيّ : &quot; أَوَعَظتَّ &quot; مُدْغَمَة الظَّاء فِي التَّاء وَهُوَ بَعِيد ; لِأَنَّ الظَّاء حَرْف إِطْبَاق إِنَّمَا يُدْغَم فِيمَا قَرُبَ مِنْهُ جِدًّا وَكَانَ مِثْله وَمَخْرَجه .';
$TAFSEER['4']['26']['137'] = 'أَيْ دِينهمْ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . وَقَالَ الْفَرَّاء : عَادَة الْأَوَّلِينَ . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو وَالْكِسَائِيّ : &quot; خَلْق الْأَوَّلِينَ &quot; . الْبَاقُونَ &quot; خُلُق &quot; . قَالَ الْهَرَوِيّ : وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ : &quot; إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُق الْأَوَّلِينَ &quot; أَيْ اِخْتِلَاقهمْ وَكَذِبهمْ , وَمَنْ قَرَأَ : &quot; خُلُق الْأَوَّلِينَ &quot; فَمَعْنَاهُ عَادَتهمْ , وَالْعَرَب تَقُول : حَدَّثَنَا فُلَان بِأَحَادِيثِ الْخُلُق أَيْ بِالْخُرَافَاتِ وَالْأَحَادِيث الْمُفْتَعَلَة . وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : الْخُلُق الدِّين وَالْخُلُق الطَّبْع وَالْخُلُق الْمُرُوءَة . قَالَ النَّحَّاس : &quot; خُلُق الْأَوَّلِينَ &quot; عِنْد الْفَرَّاء يَعْنِي عَادَة الْأَوَّلِينَ . وَحَكَى لَنَا مُحَمَّد بْن الْوَلِيد عَنْ مُحَمَّد بْن يَزِيد قَالَ : &quot; خَلْق الْأَوَّلِينَ &quot; مَذْهَبهمْ وَمَا جَرَى عَلَيْهِ أَمْرهمْ ; قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْقَوْلَانِ مُتَقَارِبَانِ , وَمِنْهُ الْحَدِيث عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَكْمَل الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنهمْ خُلُقًا ) أَيْ أَحْسَنهمْ مَذْهَبًا وَعَادَة وَمَا يَجْرِي عَلَيْهِ الْأَمْر فِي طَاعَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون مَنْ كَانَ حَسَن الْخُلُق فَاجِرًا فَاضِلًا , وَلَا أَنْ يَكُون أَكْمَل إِيمَانًا مِنْ السَّيِّئ الْخُلُق الَّذِي لَيْسَ بِفَاجِرٍ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : حُكِيَ لَنَا عَنْ مُحَمَّد بْن يَزِيد أَنَّ مَعْنَى &quot; خُلُق الْأَوَّلِينَ &quot; تَكْذِيبهمْ وَتَخَرُّصهمْ غَيْر أَنَّهُ كَانَ يَمِيل إِلَى الْقِرَاءَة الْأُولَى ; لِأَنَّ فِيهَا مَدْح آبَائِهِمْ , وَأَكْثَر مَا جَاءَ الْقُرْآن فِي صِفَتهمْ مَدْحهمْ لِآبَائِهِمْ , وَقَوْلهمْ : &quot; إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة &quot; [ الزُّخْرُف : 23 ] . وَعَنْ أَبِي قِلَابَة : أَنَّهُ قَرَأَ : خُلْق &quot; بِضَمِّ الْخَاء وَإِسْكَان اللَّام تَخْفِيف &quot; خُلُق &quot; . وَرَوَاهَا اِبْن جُبَيْر عَنْ أَصْحَاب نَافِع عَنْ نَافِع . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى &quot; خُلُق الْأَوَّلِينَ &quot; دِين الْأَوَّلِينَ . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : &quot; فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه &quot; [ النِّسَاء : 119 ] أَيْ دِين اللَّه . وَ &quot; خُلُق الْأَوَّلِينَ &quot; عَادَة الْأَوَّلِينَ : حَيَاة ثُمَّ مَوْت وَلَا بَعْث . وَقِيلَ : مَا هَذَا الَّذِي أَنْكَرْت عَلَيْنَا مِنْ الْبُنْيَان وَالْبَطْش إِلَّا عَادَة مَنْ قَبْلنَا فَنَحْنُ نَقْتَدِي بِهِمْ';
$TAFSEER['4']['26']['138'] = 'عَلَى مَا نَفْعَل . وَقِيلَ : الْمَعْنَى خَلْق أَجْسَام الْأَوَّلِينَ ; أَيْ مَا خَلْقنَا إِلَّا كَخَلْقِ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ خُلِقُوا قَبْلنَا وَمَاتُوا , وَلَمْ يَنْزِل بِهِمْ شَيْء مِمَّا تُحَذِّرنَا بِهِ مِنْ الْعَذَاب .';
$TAFSEER['4']['26']['139'] = 'أَيْ بِرِيحٍ صَرْصَر عَاتِيَة عَلَى مَا يَأْتِي فِي &quot; الْحَاقَّة &quot; .



قَالَ بَعْضهمْ : أَسْلَمَ مَعَهُ ثَلَاثمِائَةِ أَلْف وَمِئُونَ وَهَلَكَ بَاقِيهمْ .';
$TAFSEER['4']['26']['140'] = 'قَالَ بَعْضهمْ : أَسْلَمَ مَعَهُ ثَلَاثمِائَةِ أَلْف وَمِئُونَ وَهَلَكَ بَاقِيهمْ .';
$TAFSEER['4']['26']['141'] = 'ذَكَرَ قِصَّة صَالِح وَقَوْمه وَهُمْ ثَمُود ; وَكَانُوا يَسْكُنُونَ الْحِجْر كَمَا تَقَدَّمَ فِي &quot; الْحِجْر &quot; وَهِيَ ذَوَات نَخْل وَزُرُوع وَمِيَاه .';
$TAFSEER['4']['26']['142'] = 'أَيْ اِبْن أَبِيهِمْ وَهِيَ أُخُوَّة نَسَب لَا أُخُوَّة دِين . وَقِيلَ : هِيَ أُخُوَّة الْمُجَانَسَة . قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَوْمه &quot; [ إِبْرَاهِيم : 4 ] وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي &quot; الْأَعْرَاف &quot; . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل الْعَرَب يَا أَخَا بَنِي تَمِيم . يُرِيدُونَ يَا وَاحِدًا مِنْهُمْ . الزَّمَخْشَرِيّ : وَمِنْهُ بَيْت الْحَمَاسَة : لَا يَسْأَلُونَ أَخَاهُمْ حِين يَنْدُبهُمْ فِي النَّائِبَات عَلَى مَا قَالَ بُرْهَانًا 


أَيْ أَلَا تَتَّقُونَ اللَّه فِي عِبَادَة الْأَصْنَام .';
$TAFSEER['4']['26']['143'] = 'أَيْ صَادِق فِيمَا أُبَلِّغكُمْ عَنْ اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : &quot; أَمِين &quot; فِيمَا بَيْنكُمْ ; فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَرَفُوا أَمَانَته وَصِدْقه مِنْ قَبْل كَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُرَيْش .';
$TAFSEER['4']['26']['144'] = 'أَيْ فَاسْتَتِرُوا بِطَاعَةِ اللَّه تَعَالَى مِنْ عِقَابه .


فِيمَا آمُركُمْ بِهِ مِنْ الْإِيمَان .';
$TAFSEER['4']['26']['145'] = 'أَيْ لَا طَمَع لِي فِي مَالكُمْ .


أَيْ مَا جَزَائِي &quot; إِلَّا عَلَى رَبّ الْعَالَمِينَ &quot; .';
$TAFSEER['4']['26']['146'] = 'يَعْنِي فِي الدُّنْيَا آمِنِينَ مِنْ الْمَوْت وَالْعَذَاب . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانُوا مُعَمِّرِينَ لَا يَبْقَى الْبُنْيَان مَعَ أَعْمَارهمْ . وَدَلَّ عَلَى هَذَا قَوْله : &quot; وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا &quot; [ هُود : 61 ] فَقَرَّعَهُمْ صَالِح وَوَبَّخَهُمْ وَقَالَ : أَتَظُنُّونَ أَنَّكُمْ بَاقُونَ فِي الدُّنْيَا بِلَا مَوْت';
$TAFSEER['4']['26']['147'] = 'الزَّمَخْشَرِيّ : فَإِنْ قُلْت لِمَ قَالَ : &quot; وَنَخْل &quot; بَعْد قَوْله : وَ &quot; جَنَّات &quot; وَالْجَنَّات تَتَنَاوَل النَّخْل أَوَّل شَيْء كَمَا يَتَنَاوَل النَّعَم الْإِبِل كَذَلِكَ مِنْ بَيْن الْأَزْوَاج حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَذْكُرُونَ الْجَنَّة وَلَا يَقْصِدُونَ إِلَّا النَّخْل كَمَا يَذْكُرُونَ النَّعَم وَلَا يُرِيدُونَ إِلَّا الْإِبِل قَالَ زُهَيْر : كَأَنَّ عَيْنَيَّ فِي غَرْبَيْ مُقَتَّلَة مِنْ النَّوَاضِح تَسْقِي جَنَّة سُحُقًا يَعْنِي النَّخْل ; وَالنَّخْلَة السَّحُوق الْبَعِيدَة الطُّول . قُلْت : فِيهِ وَجْهَانِ ; أَحَدهمَا : أَنْ يُخَصّ النَّخْل بِإِفْرَادِهِ بَعْد دُخُوله فِي جُمْلَة سَائِر الشَّجَر تَنْبِيهًا عَلَى اِنْفِرَاده عَنْهَا بِفَضْلِهِ عَنْهَا . وَالثَّانِي : أَنْ يُرِيد بِالْجَنَّاتِ غَيْرهَا مِنْ الشَّجَر ; لِأَنَّ اللَّفْظ يَصْلُح لِذَلِكَ ثُمَّ يُعْطَف عَلَيْهَا النَّخْل . وَالطَّلْعَة هِيَ الَّتِي تَطْلُع مِنْ النَّخْلَة كَنَصْلِ السَّيْف ; فِي جَوْفه شَمَارِيخ الْقِنْو , وَالْقِنْو اِسْم لِلْخَارِجِ مِنْ الْجِذْع كَمَا هُوَ بِعُرْجُونِهِ وَشَمَارِيخه . وَ &quot; هَضِيم &quot; قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَطِيف مَا دَامَ فِي كُفُرَّاهُ . وَالْهَضِيم اللَّطِيف الدَّقِيق ; وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس : عَلَيَّ هَضِيم الْكَشْح رَيَّا الْمُخَلْخَل الْجَوْهَرِيّ : وَيُقَال لِلطَّلْعِ هَضِيم مَا لَمْ يَخْرُج مِنْ كُفُرَّاهُ ; لِدُخُولِ بَعْضه فِي بَعْض . وَالْهَضِيم مِنْ النِّسَاء اللَّطِيفَة الْكَشْحَيْنِ . وَنَحْوه حَكَى الْهَرَوِيّ ; قَالَ : هُوَ الْمُنْضَمّ فِي وِعَائِهِ قَبْل أَنْ يَظْهَر ; وَمِنْهُ رَجُل هَضِيم الْجَنْبَيْنِ أَيْ مُنْضَمّهمَا ; هَذَا قَوْل أَهْل اللُّغَة . وَحَكَى الْمَاوَرْدِيّ وَغَيْره فِي ذَلِكَ اِثْنَيْ عَشَر قَوْلًا : 

أَحَدهَا : أَنَّهُ الرَّطْب اللَّيِّن ; قَالَهُ عِكْرِمَة . 

الثَّانِي : هُوَ الْمُذَنَّب مِنْ الرُّطَب ; قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر . قَالَ النَّحَّاس : وَرَوَى أَبُو إِسْحَاق عَنْ يَزِيد - هُوَ اِبْن أَبِي زِيَاد كُوفِيّ وَيَزِيد بْن أَبِي مَرْيَم شَامِيّ - &quot; وَنَخْل طَلْعهَا هَضِيم &quot; قَالَ : مِنْهُ مَا قَدْ أَرْطَبَ وَمِنْهُ مُذَنَّب . 

الثَّالِث : أَنَّهُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ نَوًى ; قَالَهُ الْحَسَن . 

الرَّابِع : أَنَّهُ الْمُتَهَشِّم الْمُتَفَتِّت إِذَا مُسَّ تَفَتَّتَ ; قَالَهُ مُجَاهِد . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة : يَتَهَشَّم فِي الْفَم . 

الْخَامِس : هُوَ الَّذِي قَدْ ضَمُرَ بِرُكُوبِ بَعْضه بَعْضًا ; قَالَهُ الضَّحَّاك وَمُقَاتِل . 

السَّادِس : أَنَّهُ الْمُتَلَاصِق بَعْضه بِبَعْضٍ ; قَالَهُ أَبُو صَخْر . 

السَّابِع : أَنَّهُ الطَّلْع حِين يَتَفَرَّق وَيَخْضَرّ ; قَالَهُ الضَّحَّاك أَيْضًا . 

الثَّامِن : أَنَّهُ الْيَانِع النَّضِيج ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . 

التَّاسِع : أَنَّهُ الْمُكْتَنِز قَبْل أَنْ يَنْشَقّ عَنْهُ الْقِشْر ; حَكَاهُ اِبْن شَجَرَة ; قَالَ : كَأَنَّ حَمُولَة تُجْلَى عَلَيْهِ هَضِيم مَا يُحَسّ لَهُ شُقُوق 

الْعَاشِر : أَنَّهُ الرِّخْو ; قَالَهُ الْحَسَن . 

الْحَادِي عَشَر : أَنَّهُ الرُّخْص اللَّطِيف أَوَّل مَا يَخْرُج وَهُوَ الطَّلْع النَّضِيد ; قَالَهُ الْهَرَوِيّ . 

الثَّانِي عَشَر : أَنَّهُ الْبَرْنِيّ ; قَالَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ ; فَعِيلَ بِمَعْنَى فَاعِل أَيْ هَنِيء مَرِيء مِنْ اِنْهِضَام الطَّعَام . وَالطَّلْع اِسْم مُشْتَقّ مِنْ الطُّلُوع وَهُوَ الظُّهُور ; وَمِنْهُ طُلُوع الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنَّبَات .';
$TAFSEER['4']['26']['148'] = 'الزَّمَخْشَرِيّ : فَإِنْ قُلْت لِمَ قَالَ : &quot; وَنَخْل &quot; بَعْد قَوْله : وَ &quot; جَنَّات &quot; وَالْجَنَّات تَتَنَاوَل النَّخْل أَوَّل شَيْء كَمَا يَتَنَاوَل النَّعَم الْإِبِل كَذَلِكَ مِنْ بَيْن الْأَزْوَاج حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَذْكُرُونَ الْجَنَّة وَلَا يَقْصِدُونَ إِلَّا النَّخْل كَمَا يَذْكُرُونَ النَّعَم وَلَا يُرِيدُونَ إِلَّا الْإِبِل قَالَ زُهَيْر : كَأَنَّ عَيْنَيَّ فِي غَرْبَيْ مُقَتَّلَة مِنْ النَّوَاضِح تَسْقِي جَنَّة سُحْقًا يَعْنِي النَّخْل ; وَالنَّخْلَة السَّحُوق الْبَعِيدَة الطُّول . قُلْت : فِيهِ وَجْهَانِ ; أَحَدهمَا : أَنْ يُخَصّ النَّخْل بِإِفْرَادِهِ بَعْد دُخُوله فِي جُمْلَة سَائِر الشَّجَر تَنْبِيهًا عَلَى اِنْفِرَاده عَنْهَا بِفَضْلِهِ عَنْهَا . وَالثَّانِي : أَنْ يُرِيد بِالْجَنَّاتِ غَيْرهَا مِنْ الشَّجَر ; لِأَنَّ اللَّفْظ يَصْلُح لِذَلِكَ ثُمَّ يُعْطَف عَلَيْهَا النَّخْل . وَالطَّلْعَة هِيَ الَّتِي تَطْلُع مِنْ النَّخْلَة كَنَصْلِ السَّيْف ; فِي جَوْفه شَمَارِيخ الْقِنْو , وَالْقِنْو اِسْم لِلْخَارِجِ مِنْ الْجِذْع كَمَا هُوَ بِعُرْجُونِهِ وَشَمَارِيخه . وَ &quot; هَضِيم &quot; قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَطِيف مَا دَامَ فِي كُفُرَّاهُ . وَالْهَضِيم اللَّطِيف الدَّقِيق ; وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس : عَلَيَّ هَضِيم الْكَشْح رَيَّا الْمُخَلْخَل الْجَوْهَرِيّ : وَيُقَال لِلطَّلْعِ هَضِيم مَا لَمْ يَخْرُج مِنْ كُفُرَّاهُ ; لِدُخُولِ بَعْضه فِي بَعْض . وَالْهَضِيم مِنْ النِّسَاء اللَّطِيفَة الْكَشْحَيْنِ . وَنَحْوه حَكَى الْهَرَوِيّ ; قَالَ : هُوَ الْمُنْضَمّ فِي وِعَائِهِ قَبْل أَنْ يَظْهَر ; وَمِنْهُ رَجُل هَضِيم الْجَنْبَيْنِ أَيْ مُنْضَمّهمَا ; هَذَا قَوْل أَهْل اللُّغَة . وَحَكَى الْمَاوَرْدِيّ وَغَيْره فِي ذَلِكَ اِثْنَيْ عَشَر قَوْلًا : 

أَحَدهَا : أَنَّهُ الرَّطْب اللَّيِّن ; قَالَهُ عِكْرِمَة . 

الثَّانِي : هُوَ الْمُذَنَّب مِنْ الرَّطْب ; قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر . قَالَ النَّحَّاس : وَرَوَى أَبُو إِسْحَاق عَنْ يَزِيد - هُوَ اِبْن أَبِي زِيَاد كُوفِيّ وَيَزِيد بْن أَبِي مَرْيَم شَامِيّ - &quot; وَنَخْل طَلْعهَا هَضِيم &quot; قَالَ : مِنْهُ مَا قَدْ أَرْطَبَ وَمِنْهُ مُذَنَّب . 

الثَّالِث : أَنَّهُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ نَوًى ; قَالَهُ الْحَسَن . 

الرَّابِع : أَنَّهُ الْمُتَهَشِّم الْمُتَفَتِّت إِذَا مُسَّ تَفَتَّتَ ; قَالَهُ مُجَاهِد . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة : يَتَهَشَّم فِي الْفَم . 

الْخَامِس : هُوَ الَّذِي قَدْ ضَمَرَ بِرُكُوبِ بَعْضه بَعْضًا ; قَالَهُ الضَّحَّاك وَمُقَاتِل . 

السَّادِس : أَنَّهُ الْمُتَلَاصِق بَعْضه بِبَعْضٍ ; قَالَهُ أَبُو صَخْر . 

السَّابِع : أَنَّهُ الطَّلْع حِين يَتَفَرَّق وَيَخْضَرّ ; قَالَهُ الضَّحَّاك أَيْضًا . 

الثَّامِن : أَنَّهُ الْيَانِع النَّضِيج ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . 

التَّاسِع : أَنَّهُ الْمُكْتَنِز قَبْل أَنْ يَنْشَقّ عَنْهُ الْقِشْر ; حَكَاهُ اِبْن شَجَرَة ; قَالَ : كَأَنَّ حَمُولَة تُجْلَى عَلَيْهِ هَضِيم مَا يُحَسّ لَهُ شُقُوق 

الْعَاشِر : أَنَّهُ الرِّخْو ; قَالَهُ الْحَسَن . 

الْحَادِي عَشَر : أَنَّهُ الرُّخْص اللَّطِيف أَوَّل مَا يَخْرُج وَهُوَ الطَّلْع النَّضِيد ; قَالَهُ الْهَرَوِيّ . 

الثَّانِي عَشَر : أَنَّهُ الْبَرْنِيّ ; قَالَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ ; فَعِيلَ بِمَعْنَى فَاعِل أَيْ هَنِيء مَرِيء مِنْ اِنْهِضَام الطَّعَام . وَالطَّلْع اِسْم مُشْتَقّ مِنْ الطُّلُوع وَهُوَ الظُّهُور ; وَمِنْهُ طُلُوع الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنَّبَات .';
$TAFSEER['4']['26']['149'] = 'النَّحْت النَّجْر وَالْبَرْي ; نَحَتَهُ يَنْحِتهُ &quot; بِالْكَسْرِ &quot; نَحْتًا إِذَا بَرَاهُ وَالنِّحَاتَة الْبِرَايَة . وَالْمِنْحَت مَا يُنْحَت بِهِ . وَفِي &quot; وَالصَّافَّات &quot; قَالَ : &quot; أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ &quot; [ الصَّافَّات : 95 ] . وَكَانُوا يَنْحِتُونَهَا مِنْ الْجِبَال لَمَّا طَالَتْ أَعْمَارهمْ وَتَهَدَّمَ بِنَاؤُهُمْ مِنْ الْمَدَر . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو وَنَافِع : &quot; فَرِهِينَ &quot; بِغَيْرِ أَلِف . الْبَاقُونَ : &quot; فَارِهِينَ &quot; بِأَلِفٍ وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِد فِي قَوْل أَبِي عُبَيْدَة وَغَيْره ; مِثْل : &quot; عِظَامًا نَخِرَة &quot; [ النَّازِعَات : 11 ] وَ &quot; نَاخِرَة &quot; . وَحَكَاهُ قُطْرُب . وَحَكَى فَرُهَ يَفْرُه فَهُوَ فَارِه وَفَرِهَ يَفْرَه فَهُوَ فَرِه وَفَارِه إِذَا كَانَ نَشِيطًا . وَهُوَ نُصِبَ عَلَى الْحَال . وَفَرَّقَ بَيْنهمَا قَوْم فَقَالُوا : &quot; فَارِهِينَ &quot; حَاذِقِينَ بِنَحْتِهَا ; قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة ; وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَأَبِي صَالِح وَغَيْرهمَا . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد : &quot; فَارِهِينَ &quot; مُتَجَبِّرِينَ . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا أَنَّ مَعْنَى : &quot; فَرِهِينَ &quot; بِغَيْرِ أَلِف أَشِرِينَ بَطِرِينَ ; وَقَالَهُ مُجَاهِد . وَرَوَى عَنْهُ شَرِهِينَ . الضَّحَّاك : كَيِّسِينَ . قَتَادَة : مُعْجَبِينَ ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ ; وَعَنْهُ : نَاعِمِينَ . وَعَنْهُ أَيْضًا آمِنِينَ ; وَهُوَ قَوْل الْحَسَن . وَقِيلَ : مُتَخَيِّرِينَ ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ وَالسُّدِّيّ . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : إِلَى فَرِه يُمَاجِد كُلّ أَمْر قَصَدْت لَهُ لِأَخْتَبِر الطِّبَاعَا وَقِيلَ : مُتَعَجِّبِينَ ; قَالَهُ خُصَيْف . وَقَالَ اِبْن زَيْد : أَقْوِيَاء . وَقِيلَ : فَرِهِينَ فَرِحِينَ ; قَالَهُ الْأَخْفَش . وَالْعَرَب تُعَاقِب بَيْن الْهَاء وَالْحَاء ; تَقُول : مَدَهْتُهُ وَمَدَحْته ; فَالْفَرِه الْأَشِر الْفَرِح ثُمَّ الْفَرِح بِمَعْنَى الْمَرِح مَذْمُوم ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْض مَرَحًا &quot; [ الْإِسْرَاء : 37 ] وَقَالَ : &quot; إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْفَرِحِينَ &quot; [ الْقَصَص : 76 ] .';
$TAFSEER['4']['26']['150'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['151'] = 'قِيلَ : الْمُرَاد الَّذِينَ عَقَرُوا النَّاقَة . وَقِيلَ : التِّسْعَة الرَّهْط الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَلَا يُصْلِحُونَ . قَالَ السُّدِّيّ وَغَيْره : أَوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَى صَالِح : إِنَّ قَوْمك سَيَعْقِرُونَ نَاقَتك ; فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ , فَقَالُوا : مَا كُنَّا لِنَفْعَل . فَقَالَ لَهُمْ صَالِح : إِنَّهُ سَيُولَدُ فِي شَهْركُمْ هَذَا غُلَام يَعْقِرهَا وَيَكُون هَلَاككُمْ عَلَى يَدَيْهِ ; فَقَالُوا : لَا يُولَد فِي هَذَا الشَّهْر ذَكَر إِلَّا قَتَلْنَاهُ . فَوُلِدَ لِتِسْعَةٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الشَّهْر فَذَبَحُوا أَبْنَاءَهُمْ , ثُمَّ وُلِدَ لِلْعَاشِرِ فَأَبَى أَنْ يَذْبَح اِبْنه وَكَانَ لَمْ يُولَد لَهُ قَبْل ذَلِكَ . وَكَانَ اِبْن الْعَاشِر أَزْرَق أَحْمَر فَنَبَتَ نَبَاتًا سَرِيعًا ; وَكَانَ إِذَا مَرَّ بِالتِّسْعَةِ فَرَأَوْهُ قَالُوا : لَوْ كَانَ أَبْنَاؤُنَا أَحْيَاء لَكَانُوا مِثْل هَذَا . وَغَضِبَ التِّسْعَة عَلَى صَالِح ; لِأَنَّهُ كَانَ سَبَب قَتْلهمْ أَبْنَاءَهُمْ فَتَعَصَّبُوا وَتَقَاسَمُوا بِاَللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْله . قَالُوا : نَخْرُج إِلَى سَفَر فَتَرَى النَّاس سَفَرنَا فَنَكُون فِي غَار , حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْل وَخَرَجَ صَالِح إِلَى مَسْجِده أَتَيْنَاهُ فَقَتَلْنَاهُ , ثُمَّ قُلْنَا مَا شَهِدْنَا مَهْلِك أَهْله وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ; فَيُصَدِّقُونَنَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّا قَدْ خَرَجْنَا إِلَى سَفَر . وَكَانَ صَالِح لَا يَنَام مَعَهُمْ فِي الْقَرْيَة وَكَانَ يَأْوِي إِلَى مَسْجِده , فَإِذَا أَصْبَحَ أَتَاهُمْ فَوَعَظَهُمْ , فَلَمَّا دَخَلُوا الْغَار أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا فَسَقَطَ عَلَيْهِمْ الْغَار فَقَتَلَهُمْ , فَرَأَى ذَلِكَ نَاس مِمَّنْ كَانَ قَدْ اِطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ , فَصَاحُوا فِي الْقَرْيَة : يَا عِبَاد اللَّه ! أَمَا رَضِيَ صَالِح أَنْ أَمَرَ بِقَتْلِ أَوْلَادهمْ حَتَّى قَتَلَهُمْ ; فَأَجْمَعَ أَهْل الْقَرْيَة عَلَى قَتْل النَّاقَة . وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق : إِنَّمَا اِجْتَمَعَ التِّسْعَة عَلَى سَبّ صَالِح بَعْد عَقْرهمْ النَّاقَة وَإِنْذَارهمْ بِالْعَذَابِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة &quot; النَّمْل &quot; إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .';
$TAFSEER['4']['26']['152'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['153'] = 'هُوَ مِنْ السِّحْر فِي قَوْل مُجَاهِد وَقَتَادَة عَلَى مَا قَالَ الْمَهْدَوِيّ . أَيْ أُصِبْت بِالسِّحْرِ فَبَطَلَ عَقْلك ; لِأَنَّك بَشَر مِثْلنَا فَلِمَ تَدَّعِ الرِّسَالَة دُوننَا . وَقِيلَ : مِنْ الْمُعَلَّلِينَ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَاب ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَالْكَلْبِيّ وَقَتَادَة وَمُجَاهِد أَيْضًا فِيمَا ذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ . وَهُوَ عَلَى هَذَا الْقَوْل مِنْ السَّحْر وَهُوَ الرِّئَة أَيْ بَشَر لَك سَحْر أَيْ رِئَة تَأْكُل وَتَشْرَب مِثْلنَا كَمَا قَالَ لَبِيد : فَإِنْ تَسْأَلِينَا فِيمَ نَحْنُ فَإِنَّنَا عَصَافِير مِنْ هَذَا الْأَنَام الْمُسَحَّر وَقَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : وَنُسْحَر بِالطَّعَامِ وَبِالشَّرَابِ';
$TAFSEER['4']['26']['154'] = 'فِي قَوْلك .';
$TAFSEER['4']['26']['155'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَالُوا إِنْ كُنْت صَادِقًا فَادْعُ اللَّه يُخْرِج لَنَا مِنْ هَذَا الْجَبَل نَاقَة حَمْرَاء عُشَرَاء فَتَضَع وَنَحْنُ نَنْظُر , وَتَرِد هَذَا الْمَاء فَتَشْرَب وَتَغْدُو عَلَيْنَا بِمِثْلِهِ لَبَنًا . فَدَعَا اللَّه وَفَعَلَ اللَّه ذَلِكَ فَ &quot; قَالَ هَذِهِ نَاقَة لَهَا شِرْب &quot; أَيْ حَظّ مِنْ الْمَاء ; أَيْ لَكُمْ شِرْب يَوْم وَلَهَا شِرْب يَوْم ; فَكَانَتْ إِذَا كَانَ يَوْم شِرْبهَا شَرِبَتْ مَاءَهُمْ كُلّه أَوَّل النَّهَار وَتَسْقِيهِمْ اللَّبَن آخِر النَّهَار , وَإِذَا كَانَ يَوْم شِرْبهمْ كَانَ لِأَنْفُسِهِمْ وَمَوَاشِيهمْ وَأَرْضهمْ , لَيْسَ لَهُمْ فِي يَوْم وُرُودهَا أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ شِرْبهَا شَيْئًا , وَلَا لَهَا أَنْ تَشْرَب فِي يَوْمهمْ مِنْ مَائِهِمْ شَيْئًا . قَالَ الْفَرَّاء : الشِّرْب الْحَظّ مِنْ الْمَاء . قَالَ النَّحَّاس : فَأَمَّا الْمَصْدَر فَيُقَال فِيهِ شَرِبَ شَرْبًا وَشُرْبًا وَشِرْبًا وَأَكْثَرهَا الْمَضْمُومَة ; لِأَنَّ الْمَكْسُورَة وَالْمَفْتُوحَة يَشْتَرِكَانِ مَعَ شَيْء آخَر فَيَكُون الشِّرْب الْحَظّ مِنْ الْمَاء , وَيَكُون الشِّرْب جَمْع شَارِب كَمَا قَالَ : فَقُلْت لِلشَّرْبِ فِي دُرْنَا وَقَدْ ثَمِلُوا إِلَّا أَنَّ أَبَا عَمْرو بْن الْعَلَاء وَالْكِسَائِيّ يَخْتَارَانِ الشَّرْب بِالْفَتْحِ فِي الْمَصْدَر , وَيَحْتَجَّانِ بِرِوَايَةِ بَعْض الْعُلَمَاء أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّهَا أَيَّام أَكْل وَشَرْب ) .';
$TAFSEER['4']['26']['156'] = 'لَا يَجُوز إِظْهَار التَّضْعِيف هَاهُنَا ; لِأَنَّهُمَا حَرْفَانِ مُتَحَرِّكَانِ مِنْ جِنْس وَاحِد .


جَوَاب النَّهْي , وَلَا يَجُوز حَذْف الْفَاء مِنْهُ , وَالْجَزْم كَمَا جَاءَ فِي الْأَمْر إِلَّا شَيْئًا رُوِيَ عَنْ الْكِسَائِيّ أَنَّهُ يُجِيزهُ .';
$TAFSEER['4']['26']['157'] = 'أَيْ عَلَى عَقْرهَا لَمَّا أَيْقَنُوا بِالْعَذَابِ . وَذَلِكَ أَنَّهُ أَنْظَرَهُمْ ثَلَاثًا فَظَهَرَتْ عَلَيْهِمْ الْعَلَامَة فِي كُلّ يَوْم , وَنَدِمُوا وَلَمْ يَنْفَعهُمْ النَّدَم عِنْد مُعَايَنَة الْعَذَاب . وَقِيلَ : لَمْ يَنْفَعهُمْ النَّدَم لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتُوبُوا , بَلْ طَلَبُوا صَالِحًا عَلَيْهِ السَّلَام لِيَقْتُلُوهُ لَمَّا أَيْقَنُوا بِالْعَذَابِ . وَقِيلَ : كَانَتْ نَدَامَتهمْ عَلَى تَرْك الْوَلَد إِذْ لَمْ يَقْتُلُوهُ مَعَهَا . وَهُوَ بَعِيد .';
$TAFSEER['4']['26']['158'] = 'إِلَى آخِره تَقَدَّمَ . وَيُقَال : إِنَّهُ مَا آمَنَ بِهِ مِنْ تِلْكَ الْأُمَم إِلَّا أَلْفَانِ وَثَمَانمِائَةِ رَجُل وَامْرَأَة . وَقِيلَ : كَانُوا أَرْبَعَة آلَاف . وَقَالَ كَعْب : كَانَ قَوْم صَالِح اِثْنَيْ عَشَر أَلْف قَبِيل كُلّ قَبِيل نَحْو اِثْنَيْ عَشَر أَلْفًا مِنْ سِوَى النِّسَاء وَالذُّرِّيَّة , وَلَقَدْ كَانَ قَوْم عَاد مِثْلهمْ سِتّ مَرَّات .';
$TAFSEER['4']['26']['159'] = 'يُرِيد الْمَنِيع الْمُنْتَقِم مِنْ أَعْدَائِهِ , الرَّحِيم بِأَوْلِيَائِهِ .';
$TAFSEER['4']['26']['160'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['161'] = 'أَيْ اِبْن أَبِيهِمْ وَهِيَ أُخُوَّة نَسَب لَا أُخُوَّة دِين . وَقِيلَ : هِيَ أُخُوَّة الْمُجَانَسَة . قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَوْمه &quot; [ إِبْرَاهِيم : 4 ] وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي &quot; الْأَعْرَاف &quot; . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل الْعَرَب يَا أَخَا بَنِي تَمِيم . يُرِيدُونَ يَا وَاحِدًا مِنْهُمْ . الزَّمَخْشَرِيّ : وَمِنْهُ بَيْت الْحَمَاسَة : لَا يَسْأَلُونَ أَخَاهُمْ حِين يَنْدُبهُمْ فِي النَّائِبَات عَلَى مَا قَالَ بُرْهَانَا 


أَيْ أَلَا تَتَّقُونَ اللَّه فِي عِبَادَة الْأَصْنَام .';
$TAFSEER['4']['26']['162'] = 'أَيْ صَادِق فِيمَا أُبَلِّغكُمْ عَنْ اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : &quot; أَمِين &quot; فِيمَا بَيْنكُمْ ; فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَرَفُوا أَمَانَته وَصِدْقه مِنْ قَبْل كَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُرَيْش .';
$TAFSEER['4']['26']['163'] = 'أَيْ فَاسْتَتِرُوا بِطَاعَةِ اللَّه تَعَالَى مِنْ عِقَابه .


فِيمَا آمُركُمْ بِهِ مِنْ الْإِيمَان .';
$TAFSEER['4']['26']['164'] = 'أَيْ لَا طَمَع لِي فِي مَالكُمْ .



أَيْ مَا جَزَائِي &quot; إِلَّا عَلَى رَبّ الْعَالَمِينَ &quot; .';
$TAFSEER['4']['26']['165'] = 'كَانُوا يَنْكِحُونَهُمْ فِي أَدْبَارهمْ وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِالْغُرَبَاءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ &quot; فِي الْأَعْرَاف &quot; .';
$TAFSEER['4']['26']['166'] = 'يَعْنِي فُرُوج النِّسَاء فَإِنَّ اللَّه خَلَقَهَا لِلنِّكَاحِ . قَالَ إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر : قَالَ لِي مُجَاهِد كَيْف يَقْرَأ عَبْد اللَّه : &quot; وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبّكُمْ مِنْ أَزْوَاجكُمْ &quot; قُلْت : &quot; وَتَذَرُونَ مَا أَصْلَحَ لَكُمْ رَبّكُمْ مِنْ أَزْوَاجكُمْ &quot; قَالَ : الْفَرْج ; كَمَا قَالَ : &quot; فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّه &quot; [ الْبَقَرَة : 222 ] .


أَيْ مُتَجَاوِزُونَ لِحُدُودِ اللَّه .';
$TAFSEER['4']['26']['167'] = 'عَنْ قَوْلك هَذَا .



أَيْ مِنْ بَلَدنَا وَقَرْيَتنَا .';
$TAFSEER['4']['26']['168'] = 'يَعْنِي اللِّوَاط



أَيْ الْمُبْغِضِينَ وَالْقَلْي الْبُغْض ; قَلَيْته أَقْلِيه قِلًى وَقَلَاءً . قَالَ : فَلَسْت بِمُقَلِّي الْخِلَال وَلَا قَالِي وَقَالَ آخَر : عَلَيْك السَّلَام لَا مُلِلْت قَرِيبَة وَمَالك عِنْدِي إِنْ نَأَيْت قَلَاء';
$TAFSEER['4']['26']['169'] = 'أَيْ مِنْ عَذَاب عَمَلهمْ . دَعَا اللَّه لَمَّا أَيِسَ مِنْ إِيمَانهمْ أَلَّا يُصِيبهُ مِنْ عَذَابهمْ .';
$TAFSEER['4']['26']['170'] = 'وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا اِبْنَتَاهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي &quot; هُود &quot; .';
$TAFSEER['4']['26']['171'] = 'رَوَى سَعِيد عَنْ قَتَادَة قَالَ : غَبَرَتْ فِي عَذَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَيْ بَقِيَتْ . وَأَبُو عُبَيْدَة يَذْهَب إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى مِنْ الْبَاقِينَ فِي الْهَرَم أَيْ بَقِيَتْ حَتَّى هَرِمَتْ . قَالَ النَّحَّاس : يُقَال لِلذَّاهِبِ غَابِر وَالْبَاقِي غَابِر كَمَا قَالَ : لَا تَكْسَع الشَّوَل بِأَغْبَارِهَا إِنَّك لَا تَدْرِي مَنْ النَّاتِج وَكَمَا قَالَ : فَمَا وَنَى مُحَمَّد مُذْ أَنْ غَفَرْ لَهُ الْإِلَه مَا مَضَى وَمَا غَبَرَ أَيْ مَا بَقِيَ . وَالْأَغْبَار بَقِيَّات الْأَلْبَان .';
$TAFSEER['4']['26']['172'] = 'أَيْ أَهْلَكْنَاهُمْ بِالْخَسْفِ وَالْحَصْب ; قَالَ مُقَاتِل : خَسَفَ اللَّه بِقَوْمِ لُوط وَأَرْسَلَ الْحِجَارَة عَلَى مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ الْقَرْيَة .';
$TAFSEER['4']['26']['173'] = 'يَعْنِي الْحِجَارَة


وَقِيلَ : إِنَّ جِبْرِيل خَسَفَ بِقَرْيَتِهِمْ وَجَعَلَ عَالِيهَا سَافِلهَا , ثُمَّ أَتْبَعَهَا اللَّه بِالْحِجَارَةِ .';
$TAFSEER['4']['26']['174'] = 'لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُؤْمِن إِلَّا بَيْت لُوط وَابْنَتَاهُ .';
$TAFSEER['4']['26']['175'] = 'يُرِيد الْمَنِيع الْمُنْتَقِم مِنْ أَعْدَائِهِ , الرَّحِيم بِأَوْلِيَائِهِ .';
$TAFSEER['4']['26']['176'] = 'الْأَيْك الشَّجَر الْمُلْتَفّ الْكَثِير الْوَاحِدَة أَيْكَة . وَمَنْ قَرَأَ : &quot; أَصْحَاب الْأَيْكَة &quot; فَهِيَ الْغَيْضَة . وَمَنْ قَرَأَ : &quot; لَيْكَة &quot; فَهُوَ اِسْم الْقَرْيَة . وَيُقَال : هُمَا مِثْل بَكَّة وَمَكَّة ; قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ . وَقَالَ النَّحَّاس : وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَنَافِع : &quot; كَذَّبَ أَصْحَاب لَيْكَة الْمُرْسَلِينَ &quot; وَكَذَا قَرَأَ : فِي &quot; ص &quot; . وَأَجْمَعَ الْقُرَّاء عَلَى الْخَفْض فِي الَّتِي فِي سُورَة &quot; الْحِجْر &quot; وَاَلَّتِي فِي سُورَة &quot; ق &quot; فَيَجِب أَنْ يُرَدّ مَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ إِذْ كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا . وَأَمَّا مَا حَكَاهُ أَبُو عُبَيْد مِنْ أَنَّ &quot; لَيْكَة &quot; هِيَ اِسْم الْقَرْيَة الَّتِي كَانُوا فِيهَا وَأَنَّ &quot; الْأَيْكَة &quot; اِسْم الْبَلَد فَشَيْء لَا يَثْبُت وَلَا يُعْرَف مَنْ قَالَهُ فَيَثْبُت عِلْمه , وَلَوْ عُرِفَ مَنْ قَالَهُ لَكَانَ فِيهِ نَظَر ; لِأَنَّ أَهْل الْعِلْم جَمِيعًا مِنْ أَهْل التَّفْسِير وَالْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب عَلَى خِلَافه . وَرَوَى عَبْد اللَّه بْن وَهْب عَنْ جَرِير بْن حَازِم عَنْ قَتَادَة قَالَ : أُرْسِلَ شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى أُمَّتَيْنِ : إِلَى قَوْمه مِنْ أَهْل مَدْيَن , وَإِلَى أَصْحَاب الْأَيْكَة ; قَالَ : وَالْأَيْكَة غَيْضَة مِنْ شَجَر مُلْتَفّ . وَرَوَى سَعِيد عَنْ قَتَادَة قَالَ : كَانَ أَصْحَاب الْأَيْكَة أَهْل غَيْضَة وَشَجَر وَكَانَتْ عَامَّة شَجَرهمْ الدَّوْم وَهُوَ شَجَر الْمُقْل . وَرَوَى اِبْن جُبَيْر عَنْ الضَّحَّاك قَالَ : خَرَجَ أَصْحَاب الْأَيْكَة - يَعْنِي حِين أَصَابَهُمْ الْحَرّ - فَانْضَمُّوا إِلَى الْغَيْضَة وَالشَّجَر , فَأَرْسَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ سَحَابَة فَاسْتَظَلُّوا تَحْتهَا , فَلَمَّا تَكَامَلُوا تَحْتهَا أُحْرِقُوا . وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : وَ &quot; الْأَيْكَة &quot; الشَّجَر . وَلَا نَعْلَم بَيْن أَهْل اللُّغَة اِخْتِلَافًا أَنَّ الْأَيْكَة الشَّجَر الْمُلْتَفّ , فَأَمَّا اِحْتِجَاج بَعْض مَنْ اِحْتَجَّ بِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ فِي هَذَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ بِالْفَتْحِ أَنَّهُ فِي السَّوَاد &quot; لَيْكَة &quot; فَلَا حُجَّة لَهُ ; وَالْقَوْل فِيهِ : إِنَّ أَصْله الْأَيْكَة ثُمَّ خُفِّفَتْ الْهَمْزَة فَأُلْقِيَتْ حَرَكَتهَا عَلَى اللَّام فَسَقَطَتْ وَاسْتَغْنَتْ عَنْ أَلِف الْوَصْل ; لِأَنَّ اللَّام قَدْ تَحَرَّكَتْ فَلَا يَجُوز عَلَى هَذَا إِلَّا الْخَفْض ; كَمَا تَقُول بِالْأَحْمَرِ تُحَقِّق الْهَمْزَة ثُمَّ تُخَفِّفهَا بِلَحْمَرِ ; فَإِنْ شِئْت كَتَبْته فِي الْخَطّ عَلَى مَا كَتَبْته أَوَّلًا , وَإِنْ شِئْت كَتَبْته بِالْحَذْفِ ; وَلَمْ يَجُزْ إِلَّا الْخَفْض ; قَالَ سِيبَوَيْهِ : وَاعْلَمْ أَنَّ مَا لَا يَنْصَرِف إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْأَلِف وَاللَّام أَوْ أُضِيفَ اِنْصَرَفَ ; وَلَا نَعْلَم أَحَدًا خَالَفَ سِيبَوَيْهِ فِي هَذَا . وَقَالَ الْخَلِيل : &quot; الْأَيْكَة &quot; غَيْضَة تُنْبِت السِّدْر وَالْأَرَاك وَنَحْوهمَا مِنْ نَاعِم الشَّجَر .';
$TAFSEER['4']['26']['177'] = 'وَلَمْ يَقُلْ أَخُوهُمْ شُعَيْب ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَخًا لِأَصْحَابِ الْأَيْكَة فِي النَّسَب , فَلَمَّا ذَكَرَ مَدْيَن قَالَ : &quot; أَخَاهُمْ شُعَيْبًا &quot; [ الْأَعْرَاف : 85 ] ; لِأَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ . وَقَدْ مَضَى فِي &quot; الْأَعْرَاف &quot; الْقَوْل فِي نَسَبه . قَالَ اِبْن زَيْد : أَرْسَلَ اللَّه شُعَيْبًا رَسُولًا إِلَى قَوْمه أَهْل مَدْيَن , وَإِلَى أَهْل الْبَادِيَة وَهُمْ أَصْحَاب الْأَيْكَة ; وَقَالَ قَتَادَة . وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ .



تَخَافُونَ اللَّه';
$TAFSEER['4']['26']['178'] = 'أَيْ صَادِق فِيمَا أُبَلِّغكُمْ عَنْ اللَّه تَعَالَى .';
$TAFSEER['4']['26']['179'] = 'وَإِنَّمَا كَانَ جَوَاب هَؤُلَاءِ الرُّسُل وَاحِدًا عَلَى صِيغَة وَاحِدَة ; لِأَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى الْأَمْر بِالتَّقْوَى , وَالطَّاعَة وَالْإِخْلَاص فِي الْعِبَادَة , وَالِامْتِنَاع مِنْ أَخْذ الْأَجْر عَلَى تَبْلِيغ الرِّسَالَة .';
$TAFSEER['4']['26']['180'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['181'] = 'النَّاقِصِينَ لِلْكَيْلِ وَالْوَزْن .';
$TAFSEER['4']['26']['182'] = 'أَيْ أَعْطُوا الْحَقّ . وَقَدْ مَضَى فِي &quot; سُبْحَان &quot; وَغَيْرهَا';
$TAFSEER['4']['26']['183'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['184'] = 'قَالَ مُجَاهِد : الْجِبِلَّة هِيَ الْخَلِيقَة . وَجُبِلَ فُلَان عَلَى كَذَا أَيْ خُلِقَ ; فَالْخُلُق جِبِلَّة وَجُبُلَّة وَجِبْلَة وَجُبْلَة وَجَبْلَة ذَكَرَهُ النَّحَّاس فِي &quot; مَعَانِي الْقُرْآن &quot; . &quot; وَالْجِبِلَّة &quot; عُطِفَ عَلَى الْكَاف وَالْمِيم . قَالَ الْهَرَوِيّ : الْجِبِلَّة وَالْجُبُلَّة وَالْجِبِلّ وَالْجُبُلّ وَالْجَبْل لُغَات ; وَهُوَ الْجَمْع ذُو الْعَدَد الْكَثِير مِنْ النَّاس ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : &quot; جِبِلًّا كَثِيرًا &quot; [ يس : 62 ] . قَالَ النَّحَّاس فِي كِتَاب &quot; إِعْرَاب الْقُرْآن &quot; لَهُ : وَيُقَال جِبِلَّة وَالْجَمْع فِيهِمَا جَبَّال , وَتُحْذَف الضَّمَّة وَالْكَسْرَة مِنْ الْبَاء , وَكَذَلِكَ التَّشْدِيد مِنْ اللَّام ; فَيُقَال : جُبْلَة وَجُبَل , وَيُقَال : جبلة وَجِبَال ; وَتُحْذَف الْهَاء مِنْ هَذَا كُلّه . وَقَرَأَ الْحَسَن بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ : &quot; وَالْجُبُلَّة الْأَوَّلِينَ &quot; بِضَمِّ الْجِيم وَالْبَاء ; وَرُوِيَ عَنْ شَيْبَة وَالْأَعْرَج . الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ . قَالَ : وَالْمَوْت أَعْظَم حَادِث فِيمَا يَمُرّ عَلَى الْجِبِلَّهْ';
$TAFSEER['4']['26']['185'] = 'الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الطَّعَام وَالشَّرَاب عَلَى مَا تَقَدَّمَ .';
$TAFSEER['4']['26']['186'] = 'أَيْ مَا نَظُنّك إِلَّا مِنْ الْكَاذِبِينَ فِي أَنَّك رَسُول اللَّه تَعَالَى .';
$TAFSEER['4']['26']['187'] = 'أَيْ جَانِبًا مِنْ السَّمَاء وَقِطْعَة مِنْهُ , فَنَنْظُر إِلَيْهِ ; كَمَا قَالَ : &quot; وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنْ السَّمَاء سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَاب مَرْكُوم &quot; [ الطُّور : 44 ] . وَقِيلَ : أَرَادُوا أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْعَذَاب . وَهُوَ مُبَالَغَة فِي التَّكْذِيب . قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْكِسْف جَمْع كِسْفَة مِثْل سَدَر وَسِدْرَة . وَقَرَأَ السُّلَمِيّ وَحَفْص : &quot; كِسَفًا &quot; جَمْع كِسْفَة أَيْضًا وَهِيَ الْقِطْعَة وَالْجَانِب تَقْدِيره كِسْرَة وَكِسَر . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْكِسْفَة الْقِطْعَة مِنْ الشَّيْء , يُقَال أَعْطِنِي كِسْفَة مِنْ ثَوْبك وَالْجَمْع كِسَف وَكِسْف . وَيُقَال : الْكِسْف وَالْكِسْفَة وَاحِد . وَقَالَ الْأَخْفَش : مَنْ قَرَأَ : &quot; كِسْفًا &quot; جَعَلَهُ وَاحِدًا وَمَنْ قَرَأَ : &quot; كِسَفًا &quot; جَعَلَهُ جَمْعًا . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي سُورَة &quot; سُبْحَان &quot; وَقَالَ الْهَرَوِيّ : وَمَنْ قَرَأَ : &quot; كِسْفًا &quot; عَلَى التَّوْحِيد فَجَمْعه أَكْسَاف وَكُسُوف , كَأَنَّهُ قَالَ أَوْ تُسْقِطهُ عَلَيْنَا طَبَقًا وَاحِدًا , وَهُوَ مِنْ كَسَفْت الشَّيْء كَسْفًا إِذَا غَطَّيْته .';
$TAFSEER['4']['26']['188'] = 'تَهْدِيد ; أَيْ إِنَّمَا عَلَيَّ التَّبْلِيغ وَلَيْسَ الْعَذَاب الَّذِي سَأَلْتُمْ وَهُوَ يُجَازِيكُمْ .';
$TAFSEER['4']['26']['189'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَصَابَهُمْ حَرّ شَدِيد , فَأَرْسَلَ اللَّه سُبْحَانه سُبْحَانه فَهَرَبُوا إِلَيْهَا لِيَسْتَظِلُّوا بِهَا , فَلَمَّا صَارُوا تَحْتهَا صِيحَ بِهِمْ فَهَلَكُوا . وَقِيلَ : أَقَامَهَا اللَّه فَوْق رُءُوسهمْ , وَأَلْهَبَهَا حَرًّا حَتَّى مَاتُوا مِنْ الرَّمْد . وَكَانَ مِنْ أَعْظَم يَوْم فِي الدُّنْيَا عَذَابًا . وَقِيلَ : بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ سَمُومًا فَخَرَجُوا إِلَى الْأَيْكَة يَسْتَظِلُّونَ بِهَا فَأَضْرَمَهَا اللَّه عَلَيْهِمْ نَارًا فَاحْتَرَقُوا . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَغَيْره : إِنَّ اللَّه تَعَالَى فَتَحَ عَلَيْهِمْ بَابًا مِنْ أَبْوَاب جَهَنَّم , وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ هَدَّة وَحَرًّا شَدِيدًا فَأَخَذَ بِأَنْفُسِهِمْ , فَدَخَلُوا بُيُوتهمْ فَلَمْ يَنْفَعهُمْ ظِلّ وَلَا مَاء فَأَنْضَجَهُمْ الْحَرّ , فَخَرَجُوا هَرَبًا إِلَى الْبَرِّيَّة , فَبَعَثَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ سَحَابَة فَأَظَلَّتْهُمْ فَوَجَدُوا لَهَا بَرْدًا وَرَوْحًا وَرِيحًا طَيِّبَة , فَنَادَى بَعْضهمْ بَعْضًا , فَلَمَّا اِجْتَمَعُوا تَحْت السَّحَابَة أَلْهَبَهَا اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ نَارًا , وَرَجَفَتْ بِهِمْ الْأَرْض , فَاحْتَرَقُوا كَمَا يَحْتَرِق الْجَرَاد فِي الْمَقْلَى , فَصَارُوا رَمَادًا ; فَذَلِكَ قَوْله : &quot; فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارهمْ جَاثِمِينَ . كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا &quot; [ هُود : 68 - 69 ] وَقَوْله : &quot; فَأَخَذَهُمْ عَذَاب يَوْم الظُّلَّة إِنَّهُ كَانَ عَذَاب يَوْم عَظِيم &quot; . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى حَبَسَ عَنْهُمْ الرِّيح سَبْعَة أَيَّام , وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ الْحَرّ حَتَّى أَخَذَ بِأَنْفَاسِهِمْ , وَلَمْ يَنْفَعهُمْ ظِلّ وَلَا مَاء فَكَانُوا يَدْخُلُونَ الْأَسْرَاب , لِيَتَبَرَّدُوا فِيهَا فَيَجِدُوهَا أَشَدّ حَرًّا مِنْ الظَّاهِر . فَهَرَبُوا إِلَى الْبَرِّيَّة , فَأَظَلَّتْهُمْ سَحَابَة وَهِيَ الظُّلَّة , فَوَجَدُوا لَهَا بَرْدًا وَنَسِيمًا , فَأَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ نَارًا فَاحْتَرَقُوا . وَقَالَ يَزِيد الْجُرَيْرِيّ : سَلَّطَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْحَرّ سَبْعَة أَيَّام وَلَيَالِيهنَّ ثُمَّ رُفِعَ لَهُمْ جَبَل مِنْ بَعِيد &quot; فَأَتَاهُ رَجُل فَإِذَا تَحْته أَنْهَار وَعُيُون وَشَجَر وَمَاء بَارِد , فَاجْتَمَعُوا كُلّهمْ تَحْته , فَوَقَعَ عَلَيْهِمْ الْجَبَل وَهُوَ الظُّلَّة . وَقَالَ قَتَادَة : بَعَثَ اللَّه شُعَيْبًا إِلَى أُمَّتَيْنِ : أَصْحَاب مَدْيَن وَأَصْحَاب الْأَيْكَة فَأَهْلَكَ اللَّه أَصْحَاب الْأَيْكَة بِالظُّلَّةِ , وَأَمَّا أَصْحَاب مَدْيَن فَصَاحَ بِهِمْ جِبْرِيل صَيْحَة فَهَلَكُوا أَجْمَعِينَ .';
$TAFSEER['4']['26']['190'] = 'قِيلَ : آمَنَ بِشُعَيْبٍ مِنْ الْفِئَتَيْنِ تِسْعمِائَةِ نَفَر .';
$TAFSEER['4']['26']['191'] = 'يُرِيد الْمَنِيع الْمُنْتَقِم مِنْ أَعْدَائِهِ , الرَّحِيم بِأَوْلِيَائِهِ .';
$TAFSEER['4']['26']['192'] = 'عَادَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي أَوَّل السُّورَة مِنْ إِعْرَاض الْمُشْرِكِينَ عَنْ الْقُرْآن .';
$TAFSEER['4']['26']['193'] = '&quot; نَزَلَ &quot; مُخَفَّفًا قَرَأَ نَافِع وَابْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو . الْبَاقُونَ : &quot; نَزَّلَ &quot; مُشَدِّدًا &quot; بِهِ الرُّوح الْأَمِين &quot; نَصْبًا وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي حَاتِم وَأَبِي عُبَيْد لِقَوْلِهِ : &quot; وَإِنَّهُ لَتَنْزِيل &quot; وَهُوَ مَصْدَر نَزَّلَ , وَالْحُجَّة لِمَنْ قَرَأَ بِالتَّخْفِيفِ أَنْ يَقُول لَيْسَ هَذَا بِمُقَدَّرٍ , لِأَنَّ الْمَعْنَى وَإِنَّ الْقُرْآن لَتَنْزِيل رَبّ الْعَالَمِينَ نَزَّلَ بِهِ جِبْرِيل إِلَيْك ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : &quot; قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبك &quot; [ الْبَقَرَة : 97 ] أَيْ يَتْلُوهُ عَلَيْك فَيَعِيه قَلْبك . وَقِيلَ : لِيُثَبِّت قَلْبك .';
$TAFSEER['4']['26']['194'] = 'أَيْ يَتْلُوهُ عَلَيْك فَيَعِيه قَلْبك . وَقِيلَ : لِيُثَبِّت قَلْبك .';
$TAFSEER['4']['26']['195'] = 'أَيْ لِئَلَّا يَقُولُوا لَسْنَا نَفْهَم مَا تَقُول .';
$TAFSEER['4']['26']['196'] = 'أَيْ وَإِنَّ ذِكْر نُزُوله لَفِي كُتُب الْأَوَّلِينَ يَعْنِي الْأَنْبِيَاء . وَقِيلَ : أَيْ إِنَّ ذِكْر مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام فِي كُتُب الْأَوَّلِينَ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : &quot; يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل &quot; [ الْأَعْرَاف : 157 ] وَالزُّبُر الْكُتُب الْوَاحِد زَبُور كَرَسُولٍ وَرُسُل ; وَقَدْ تَقَدَّمَ .';
$TAFSEER['4']['26']['197'] = 'قَالَ مُجَاهِد : يَعْنِي عَبْد اللَّه بْن سَلَام وَسَلْمَان وَغَيْرهمَا مِمَّنْ أَسْلَمَ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : بَعَثَ أَهْل مَكَّة إِلَى الْيَهُود وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ يَسْأَلُونَهُمْ عَنْ مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام , فَقَالُوا : إِنَّ هَذَا لَزَمَانه , وَإِنَّا لَنَجِد فِي التَّوْرَاة نَعْته وَصِفَته . فَيَرْجِع لَفْظ الْعُلَمَاء إِلَى كُلّ مَنْ كَانَ لَهُ عِلْم بِكُتُبِهِمْ أَسْلَمَ أَوْ لَمْ يُسْلِم عَلَى هَذَا الْقَوْل . وَإِنَّمَا صَارَتْ شَهَادَة أَهْل الْكِتَاب حُجَّة عَلَى الْمُشْرِكِينَ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْجِعُونَ فِي أَشْيَاء مِنْ أُمُور الدِّين إِلَى أَهْل الْكِتَاب ; لِأَنَّهُمْ مَظْنُون بِهِمْ عِلْم . وَقَرَأَ اِبْن عَامِر : &quot; أَوَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ آيَة &quot; . الْبَاقُونَ &quot; أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَة &quot; بِالنَّصْبِ عَلَى الْخَبَر وَاسْم يَكُنْ &quot; أَنْ يَعْلَمهُ &quot; وَالتَّقْدِير أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عِلْم عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل الَّذِينَ أَسْلَمُوا آيَة وَاضِحَة . وَعَلَى الْقِرَاءَة الْأُولَى اِسْم كَانَ &quot; آيَة &quot; وَالْخَبَر &quot; أَنْ يَعْلَمهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل &quot; . وَقَرَأَ عَاصِم الْجَحْدَرِيّ : &quot; أَنْ تَعْلَمهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل &quot; .';
$TAFSEER['4']['26']['198'] = 'أَيْ عَلَى رَجُل لَيْسَ بِعَرَبِيِّ اللِّسَان';
$TAFSEER['4']['26']['199'] = 'بِغَيْرِ لُغَة الْعَرَب لَمَا آمَنُوا وَلَقَالُوا لَا نَفْقَه . نَظِيره : &quot; وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا &quot; [ فُصِّلَتْ : 44 ] الْآيَة . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى رَجُل لَيْسَ مِنْ الْعَرَب لَمَا آمَنُوا بِهِ أَنَفَة وَكِبْرًا . يُقَال : رَجُل أَعْجَم وَأَعْجَمِيّ إِذَا كَانَ غَيْر فَصِيح وَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا , وَرَجُل عَجَمِيّ وَإِنْ كَانَ فَصِيحًا يُنْسَب إِلَى أَصْله ; إِلَّا أَنَّ الْفَرَّاء أَجَازَ أَنْ يُقَال رَجُل عَجَمِيّ بِمَعْنَى أَعْجَمِيّ . وَقَرَأَ الْحَسَن &quot; عَلَى بَعْض الْأَعْجَمِيِّنَ &quot; مُشَدَّدَة بِيَاءَيْنِ جَعَلَهُ نِسْبَة . وَمَنْ قَرَأَ : &quot; الْأَعْجَمِينَ &quot; فَقِيلَ : إِنَّهُ جَمْع أَعْجَم . وَفِيهِ بُعْد ; لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ الصِّفَات الَّذِي مُؤَنَّثه فَعَلَاء لَا يُجْمَع بِالْوَاوِ وَالنُّون , وَلَا بِالْأَلِفِ وَالتَّاء ; لَا يُقَال أَحْمَرُونَ وَلَا حَمْرَاوَات . وَقِيلَ : إِنَّ أَصْله الْأَعْجَمِينَ كَقِرَاءَةِ الْجَحْدَرِيّ ثُمَّ حُذِفَتْ يَاء النَّسَب , وَجُعِلَ جَمْعه بِالْيَاءِ وَالنُّون دَلِيلًا عَلَيْهَا . قَالَهُ أَبُو الْفَتْح عُثْمَان بْن جِنِّي . وَهُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهِ .';
$TAFSEER['4']['26']['200'] = 'يَعْنِي الْقُرْآن أَيْ الْكُفْر بِهِ



وَقِيلَ : سَلَكْنَا التَّكْذِيب فِي قُلُوبهمْ ; فَذَلِكَ الَّذِي مَنَعَهُمْ مِنْ الْإِيمَان , قَالَهُ يَحْيَى بْن سَلَام وَقَالَ عِكْرِمَة : الْقَسْوَة . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب وَقَدْ مَضَى فِي &quot; الْحِجْر &quot; وَأَجَازَ الْفَرَّاء الْجَزْم فِي &quot; لَا يُؤْمِنُونَ &quot; ; لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْط وَالْمُجَازَاة . وَزَعَمَ أَنَّ مِنْ شَأْن الْعَرَب إِذَا وَضَعَتْ لَا مَوْضِع كَيْ لَا فِي مِثْل هَذَا رُبَّمَا جَزَمَتْ مَا بَعْدهَا وَرُبَّمَا رَفَعَتْ ; فَتَقُول : رَبَطْت الْفَرَس لَا يَنْفَلِت بِالرَّفْعِ وَالْجَزْم , لِأَنَّ مَعْنَاهُ إِنْ لَمْ أَرْبِطهُ يَنْفَلِت , وَالرَّفْع بِمَعْنَى كَيْلًا يَنْفَلِت . وَأَنْشَدَ لِبَعْضِ بَنِي عُقَيْل : وَحَتَّى رَأَيْنَا أَحْسَن الْفِعْل بَيْننَا مُسَاكَنَة لَا يَقْرَف الشَّرّ قَارِف بِالرَّفْعِ لَمَّا حَذَفَ كَيْ . وَمِنْ الْجَزْم قَوْل الْآخَر : لَطَالَمَا حَلَّأْتُمَاهَا لَا تَرِد فَخَلِّيَاهَا وَالسِّجَال تَبْتَرِد قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا كُلّه فِي &quot; يُؤْمِنُونَ &quot; خَطَأ عِنْد الْبَصْرِيِّينَ , وَلَا يَجُوز الْجَزْم بِلَا جَازِم , وَلَا يَكُون شَيْء يَعْمَل عَمَلًا فَإِذَا حُذِفَ عَمِلَ عَمَلًا أَقْوَى , مِنْ عَمَله وَهُوَ مَوْجُود , فَهَذَا اِحْتِجَاج بَيِّنٌ';
$TAFSEER['4']['26']['201'] = 'وَقِيلَ : سَلَكْنَا التَّكْذِيب فِي قُلُوبهمْ ; فَذَلِكَ الَّذِي مَنَعَهُمْ مِنْ الْإِيمَان , قَالَهُ يَحْيَى بْن سَلَّام وَقَالَ عِكْرِمَة : الْقَسْوَة . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب وَقَدْ مَضَى فِي &quot; الْحِجْر &quot; وَأَجَازَ الْفَرَّاء الْجَزْم فِي &quot; لَا يُؤْمِنُونَ &quot; ; لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْط وَالْمُجَازَاة . وَزَعَمَ أَنَّ مِنْ شَأْن الْعَرَب إِذَا وُضِعَتْ لَا مَوْضِع كَيْ لَا فِي مِثْل هَذَا رُبَّمَا جَزَمَتْ مَا بَعْدهَا وَرُبَّمَا رَفَعَتْ ; فَتَقُول : رَبَطْت الْفَرَس لَا يَنْفَلِت بِالرَّفْعِ وَالْجَزْم , لِأَنَّ مَعْنَاهُ إِنْ لَمْ أَرْبِطهُ يَنْفَلِت , وَالرَّفْع بِمَعْنَى كَيْلَا يَنْفَلِت . وَأَنْشَدَ لِبَعْضِ بَنِي عُقَيْل : وَحَتَّى رَأَيْنَا أَحْسَن الْفِعْل بَيْننَا مُسَاكَنَة لَا يَقْرِف الشَّرّ قَارِف بِالرَّفْعِ لَمَّا حَذَفَ كَيْ . وَمِنْ الْجَزْم قَوْل الْآخَر : لَطَالَمَا حَلَّأْتُمَاهَا لَا تَرِد فَخَلَّيَاهَا وَالسِّجَال تَبْتَرِد قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا كُلّه فِي &quot; يُؤْمِنُونَ &quot; خَطَأ عِنْد الْبَصْرِيِّينَ , وَلَا يَجُوز الْجَزْم بِلَا جَازِم , وَلَا يَكُون شَيْء يَعْمَل عَمَلًا فَإِذَا حُذِفَ عَمِلَ عَمَلًا أَقْوَى , مِنْ عَمَله وَهُوَ مَوْجُود , فَهَذَا اِحْتِجَاج بَيِّنٌ .



أَيْ الْعَذَاب . وَقَرَأَ الْحَسَن : &quot; فَتَأْتِيهِمْ &quot; بِالتَّاءِ , وَالْمَعْنَى : فَتَأْتِيهِمْ السَّاعَة بَغْتَة فَأُضْمِرَتْ لِدَلَالَةِ الْعَذَاب الْوَاقِع فِيهَا , وَلِكَثْرَةِ مَا فِي الْقُرْآن مِنْ ذِكْرهَا . وَقَالَ رَجُل لِلْحَسَنِ وَقَدْ قَرَأَ : &quot; فَتَأْتِيهِمْ &quot; : يَا أَبَا سَعِيد إِنَّمَا يَأْتِيهِمْ الْعَذَاب بَغْتَة . فَانْتَهَرَهُ وَقَالَ : إِنَّمَا هِيَ السَّاعَة تَأْتِيهِمْ بَغْتَة أَيْ فَجْأَة .';
$TAFSEER['4']['26']['202'] = 'أَيْ الْعَذَاب . وَقَرَأَ الْحَسَن : &quot; فَتَأْتِيهِمْ &quot; بِالتَّاءِ , وَالْمَعْنَى : فَتَأْتِيهِمْ السَّاعَة بَغْتَة فَأُضْمِرَتْ لِدَلَالَةِ الْعَذَاب الْوَاقِع فِيهَا , وَلِكَثْرَةِ مَا فِي الْقُرْآن مِنْ ذِكْرهَا . وَقَالَ رَجُل لِلْحَسَنِ وَقَدْ قَرَأَ : &quot; فَتَأْتِيهِمْ &quot; : يَا أَبَا سَعِيد إِنَّمَا يَأْتِيهِمْ الْعَذَاب بَغْتَة . فَانْتَهَزَهُ وَقَالَ : إِنَّمَا هِيَ السَّاعَة تَأْتِيهِمْ بَغْتَة أَيْ فَجْأَة .




بِإِتْيَانِهَا .';
$TAFSEER['4']['26']['203'] = 'أَيْ مُؤَخَّرُونَ وَمُمْهَلُونَ . يَطْلُبُونَ الرَّجْعَة هُنَالِكَ فَلَا يُجَابُونَ إِلَيْهَا . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَقَوْله : &quot; فَيَأْتِيهِمْ &quot; لَيْسَ عَطْفًا عَلَى قَوْله : &quot; حَتَّى يَرَوْا &quot; بَلْ هُوَ جَوَاب قَوْله : &quot; لَا يُؤْمِنُونَ &quot; فَلَمَّا كَانَ جَوَابًا لِلنَّفْيِ اِنْتَصَبَ , وَكَذَلِكَ قَوْله : &quot; فَيَقُولُوا &quot; .';
$TAFSEER['4']['26']['204'] = 'قَالَ مُقَاتِل : قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مُحَمَّد إِلَى مَتَى تَعِدنَا بِالْعَذَابِ وَلَا تَأْتِي بِهِ ! فَنَزَلَتْ : &quot; أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ &quot; .';
$TAFSEER['4']['26']['205'] = 'يَعْنِي فِي الدُّنْيَا وَالْمُرَاد أَهْل مَكَّة فِي قَوْل الضَّحَّاك وَغَيْره .';
$TAFSEER['4']['26']['206'] = 'مِنْ الْعَذَاب وَالْهَلَاك';
$TAFSEER['4']['26']['207'] = '&quot; مَا &quot; الْأُولَى اِسْتِفْهَام مَعْنَاهُ التَّقْرِير , وَهُوَ فِي مَوْضِع نَصْب &quot; بِأَغْنَى &quot; وَ &quot; مَا &quot; الثَّانِيَة فِي مَوْضِع رَفْع , وَيَجُوز أَنْ تَكُون الثَّانِيَة نَفْيًا لَا مَوْضِع لَهَا . وَقِيلَ : &quot; مَا &quot; الْأُولَى حَرْف نَفْي , وَ &quot; مَا &quot; الثَّانِيَة فِي مَوْضِع رَفْع &quot; بِأَغْنَى &quot; وَالْهَاء الْعَائِدَة مَحْذُوفَة . وَالتَّقْدِير : مَا أَغْنَى عَنْهُمْ الزَّمَان الَّذِي كَانُوا يُمَتَّعُونَهُ . وَعَنْ الزُّهْرِيّ : إِنَّ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز كَانَ إِذَا أَصْبَحَ أَمْسَكَ بِلِحْيَتِهِ ثُمَّ قَرَأَ : &quot; أَفَرَأَيْت إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ . ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ &quot; ثُمَّ يَبْكِي وَيَقُول : نَهَارك يَا مَغْرُور سَهْو وَغَفْلَة وَلَيْلك نَوْم وَالرَّدَى لَك لَازِم فَلَا أَنْتَ فِي الْأَيْقَاظ يَقْظَان حَازِم وَلَا أَنْتَ فِي النُّوَّام نَاجٍ فَسَالِم تُسَرّ بِمَا يَفْنَى وَتَفْرَح بِالْمُنَى كَمَا سُرَّ بِاللَّذَّاتِ فِي النَّوْم حَالِم وَتَسْعَى إِلَى مَا سَوْفَ تَكْرَه غِبّه كَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا تَعِيش الْبَهَائِم';
$TAFSEER['4']['26']['208'] = '&quot; مِنْ &quot; صِلَة ; الْمَعْنَى : وَمَا أَهْلَكْنَا قَرْيَة .


أَيْ رُسُل .';
$TAFSEER['4']['26']['209'] = 'قَالَ الْكِسَائِيّ : &quot; ذِكْرَى &quot; فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال . النَّحَّاس : وَهَذَا لَا يَحْصُل , وَالْقَوْل فِيهِ قَوْل الْفَرَّاء وَأَبِي إِسْحَاق أَنَّهَا فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْمَصْدَر ; قَالَ الْفَرَّاء : أَيْ يَذْكُرُونَ ذِكْرَى ; وَهَذَا قَوْل صَحِيح ; لِأَنَّ مَعْنَى &quot; إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ &quot; إِلَّا لَهَا مُذَكِّرُونَ . وَ &quot; ذِكْرَى &quot; لَا يَتَبَيَّن فِيهِ الْإِعْرَاب ; لِأَنَّ فِيهَا أَلِفًا مَقْصُورَة . وَيَجُوز &quot; ذِكْرًى &quot; بِالتَّنْوِينِ , وَيَجُوز أَنْ يَكُون &quot; ذِكْرَى &quot; فِي مَوْضِع رُفِعَ عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَأ . قَالَ أَبُو إِسْحَاق : أَيْ إِنْذَارنَا ذِكْرَى . وَقَالَ الْفَرَّاء : أَيْ ذَلِكَ ذِكْرَى , وَتِلْكَ ذِكْرَى . وَقَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ قَالَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ : لَيْسَ فِي &quot; الشُّعَرَاء &quot; وَقْف تَامّ إِلَّا قَوْله &quot; إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ &quot; وَهَذَا عِنْدنَا وَقْف حَسَن ; ثُمَّ يَبْتَدِئ &quot; ذِكْرَى &quot; عَلَى مَعْنَى هِيَ ذِكْرَى أَيْ يُذَكِّرهُمْ ذِكْرَى , وَالْوَقْف عَلَى &quot; ذِكْرَى &quot; أَجْوَد .


فِي تَعْذِيبهمْ حَيْثُ قَدَّمْنَا الْحُجَّة عَلَيْهِمْ وَأَعْذَرْنَا إِلَيْهِمْ :';
$TAFSEER['4']['26']['210'] = 'يَعْنِي الْقُرْآن بَلْ يَنْزِل بِهِ الرُّوح الْأَمِين .';
$TAFSEER['4']['26']['211'] = 'أَيْ بِرَمْيِ الشُّهُب كَمَا مَضَى فِي سُورَة &quot; الْحِجْر &quot; بَيَانه . وَقَرَأَ الْحَسَن وَمُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع : &quot; وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطُونَ &quot; قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَهُوَ غَيْر جَائِز فِي الْعَرَبِيَّة وَمُخَالِف لِلْخَطِّ . وَقَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا غَلَط عِنْد جَمِيع النَّحْوِيِّينَ ; وَسَمِعْت عَلِيّ بْن سُلَيْمَان يَقُول سَمِعْت مُحَمَّد بْن يَزِيد يَقُول : هَذَا غَلَط عِنْد الْعُلَمَاء , إِنَّمَا يَكُون بِدُخُولِ شُبْهَة ; لِمَا رَأَى الْحَسَن فِي آخِرِهِ يَاء وَنُونًا وَهُوَ فِي مَوْضِع رَفْع اِشْتَبَهَ عَلَيْهِ بِالْجَمْعِ الْمُسَلَّم فَغَلَط , وَفِي الْحَدِيث : &quot; اِحْذَرُوا زَلَّة الْعَالِم &quot; وَقَدْ قَرَأَ هُوَ مَعَ النَّاس : &quot; وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينهمْ &quot; [ الْبَقَرَة : 14 ] وَلَوْ كَانَ هَذَا بِالْوَاوِ فِي مَوْضِع رَفْع لَوَجَبَ حَذْف النُّون لِلْإِضَافَةِ . وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ : قَالَ الْفَرَّاء : غَلِطَ الشَّيْخ - يَعْنِي الْحَسَن - فَقِيلَ ذَلِكَ لِلنُّضْرِ بْن شُمَيْل فَقَالَ : إِنْ جَازَ أَنْ يُحْتَجّ بِقَوْلِ رُؤْبَة وَالْعَجَّاج وَذَوِيهِمَا , جَازَ أَنْ يُحْتَجّ بِقَوْلِ الْحَسَن وَصَاحِبه . مَعَ أَنَّا نَعْلَم أَنَّهُمَا لَمْ يَقْرَآ بِذَلِكَ إِلَّا وَقَدْ سَمِعَا فِي ذَلِكَ شَيْئًا ; وَقَالَ الْمُؤَرِّخ : إِنْ كَانَ الشَّيْطَان مِنْ شَاطَ يَشِيط كَانَ لِقِرَاءَتِهِمَا وَجْه . وَقَالَ يُونُس بْن حَبِيب : سَمِعْت أَعْرَابِيًّا يَقُول دَخَلْنَا بَسَاتِين مِنْ وَرَائِهَا بَسَاتُونَ ; فَقُلْت : مَا أَشْبَهَ هَذَا بِقِرَاءَةِ الْحَسَن .';
$TAFSEER['4']['26']['212'] = 'أَيْ بِرَمْيِ الشُّهُب كَمَا مَضَى فِي سُورَة &quot; الْحِجْر &quot; بَيَانه . وَقَرَأَ الْحَسَن وَمُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع : &quot; وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطُونَ &quot; قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَهُوَ غَيْر جَائِز فِي الْعَرَبِيَّة وَمُخَالِف لِلْخَطِّ . وَقَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا غَلَط عِنْد جَمِيع النَّحْوِيِّينَ ; وَسَمِعْت عَلِيّ بْن سُلَيْمَان يَقُول سَمِعْت مُحَمَّد بْن يَزِيد يَقُول : هَذَا غَلَط عِنْد الْعُلَمَاء , إِنَّمَا يَكُون بِدُخُولِ شُبْهَة ; لِمَا رَأَى الْحَسَن فِي آخِرِهِ يَاء وَنُونًا وَهُوَ فِي مَوْضِع رَفْع اِشْتَبَهَ عَلَيْهِ بِالْجَمْعِ الْمُسَلَّم فَغَلِطَ , وَفِي الْحَدِيث : &quot; اِحْذَرُوا زَلَّة الْعَالِم &quot; وَقَدْ قَرَأَ هُوَ مَعَ النَّاس : &quot; وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينهمْ &quot; [ الْبَقَرَة : 14 ] وَلَوْ كَانَ هَذَا بِالْوَاوِ فِي مَوْضِع رَفْع لَوَجَبَ حَذْف النُّون لِلْإِضَافَةِ . وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ : قَالَ الْفَرَّاء : غَلِطَ الشَّيْخ - يَعْنِي الْحَسَن - فَقِيلَ ذَلِكَ لِلنَّضْرِ بْن شُمَيْل فَقَالَ : إِنْ جَازَ أَنْ يُحْتَجّ بِقَوْلِ رُؤْبَة وَالْعَجَّاج وَذَوِيهِمَا , جَازَ أَنْ يُحْتَجّ بِقَوْلِ الْحَسَن وَصَاحِبه . مَعَ أَنَّا نَعْلَم أَنَّهُمَا لَمْ يَقْرَآ بِذَلِكَ إِلَّا وَقَدْ سَمِعَا فِي ذَلِكَ شَيْئًا ; وَقَالَ الْمُؤَرِّخ : إِنْ كَانَ الشَّيْطَان مِنْ شَاطَ يَشِيط كَانَ لِقِرَاءَتِهِمَا وَجْه . وَقَالَ يُونُس بْن حَبِيب : سَمِعْت أَعْرَابِيًّا يَقُول دَخَلْنَا بَسَاتِين مِنْ وَرَائِهَا بَسَاتُونَ ; فَقُلْت : مَا أَشْبَهَ هَذَا بِقِرَاءَةِ الْحَسَن .';
$TAFSEER['4']['26']['213'] = 'قِيلَ : الْمَعْنَى قُلْ لِمَنْ كَفَرَ هَذَا . وَقِيلَ : هُوَ مُخَاطَبَة لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام وَإِنْ كَانَ لَا يَفْعَل هَذَا ; لِأَنَّهُ مَعْصُوم مُخْتَار وَلَكِنَّهُ خُوطِبَ بِهَذَا وَالْمَقْصُود غَيْره . وَدَلَّ عَلَى هَذَا قَوْله : &quot; وَأَنْذِرْ عَشِيرَتك الْأَقْرَبِينَ &quot; أَيْ لَا يَتَّكِلُونَ عَلَى نَسَبهمْ وَقَرَابَتهمْ فَيَدْعُونَ مَا يَجِب عَلَيْهِمْ .';
$TAFSEER['4']['26']['214'] = 'فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : 

الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : &quot; وَأَنْذِرْ عَشِيرَتك الْأَقْرَبِينَ &quot; خَصَّ عَشِيرَته الْأَقْرَبِينَ بِالْإِنْذَارِ ; لِتَنْحَسِم أَطْمَاع سَائِر عَشِيرَته وَأَطْمَاع الْأَجَانِب فِي مُفَارَقَته إِيَّاهُمْ عَلَى الشِّرْك . وَعَشِيرَته الْأَقْرَبُونَ قُرَيْش . وَقِيلَ : بَنُو عَبْد مَنَافٍ . وَوَقَعَ فِي صَحِيح مُسْلِم : &quot; وَأَنْذِرْ عَشِيرَتك الْأَقْرَبِينَ وَرَهْطك مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ &quot; . وَظَاهِر هَذَا أَنَّهُ كَانَ قُرْآنًا يُتْلَى وَأَنَّهُ نُسِخَ ; إِذْ لَمْ يَثْبُت نَقْله فِي الْمُصْحَف وَلَا تَوَاتَرَ . وَيَلْزَم عَلَى ثُبُوته إِشْكَال ; وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ يَلْزَم عَلَيْهِ أَلَّا يُنْذِر إِلَّا مَنْ آمَنَ مِنْ عَشِيرَته ; فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ هُمْ الَّذِينَ يُوصَفُونَ بِالْإِخْلَاصِ فِي دِين الْإِسْلَام وَفِي حُبّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا الْمُشْرِكُونَ ; لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْء مِنْ ذَلِكَ , وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَشِيرَته كُلّهمْ مُؤْمِنهمْ وَكَافِرهمْ , وَأَنْذَرَ جَمِيعهمْ وَمَنْ مَعَهُمْ وَمَنْ يَأْتِي بَعْدهمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَلَمْ يَثْبُت ذَلِكَ نَقْلًا وَلَا مَعْنًى . وَرَوَى مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة &quot; وَأَنْذِرْ عَشِيرَتك الْأَقْرَبِينَ &quot; دَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ فَقَالَ : ( يَا بَنِي كَعْب بْن لُؤَيّ أَنْقِذُوا أَنْفُسكُمْ مِنْ النَّار يَا بَنِي مُرَّة بْن كَعْب أَنْقِذُوا أَنْفُسكُمْ مِنْ النَّار يَا بَنِي عَبْد شَمْس أَنْقِذُوا أَنْفُسكُمْ مِنْ النَّار يَا بَنِي عَبْد مَنَافٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسكُمْ مِنْ النَّار , يَا بَنِي هَاشِم أَنْقِذُوا أَنْفُسكُمْ مِنْ النَّار يَا بَنِي عَبْد الْمُطَّلِب أَنْقِذُوا أَنْفُسكُمْ مِنْ النَّار يَا فَاطِمَة أَنْقِذِي نَفْسك مِنْ النَّار فَإِنِّي لَا أَمْلِك لَكُمْ مِنْ اللَّه شَيْئًا غَيْر أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبِلَالِهَا &quot; . 

الثَّانِيَة : فِي هَذَا الْحَدِيث وَالْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ الْقُرْب فِي الْأَنْسَاب لَا يَنْفَع مَعَ الْبُعْد فِي الْأَسْبَاب , وَدَلِيل عَلَى جَوَاز صِلَة الْمُؤْمِن الْكَافِر وَإِرْشَاده وَنَصِيحَته ; لِقَوْلِهِ : &quot; إِنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبِلَالِهَا &quot; وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ : &quot; لَا يَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّين &quot; [ الْمُمْتَحَنَة : 8 ] الْآيَة , عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّه .';
$TAFSEER['4']['26']['215'] = 'تَقَدَّمَ فِي سُورَة &quot; الْحِجْر &quot; وَ &quot; سُبْحَان &quot; يُقَال : خَفَضَ جَنَاحه إِذَا لَانَ .';
$TAFSEER['4']['26']['216'] = 'أَيْ خَالَفُوا أَمْرك .



أَيْ بَرِيء مِنْ مَعْصِيَتكُمْ إِيَّايَ ; لِأَنَّ عِصْيَانهمْ إِيَّاهُ عِصْيَان لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لَا يَأْمُر إِلَّا بِمَا يَرْضَاهُ , وَمَنْ تَبَرَّأَ مِنْهُ فَقَدْ تَبَرَّأَ اللَّه مِنْهُ .';
$TAFSEER['4']['26']['217'] = 'أَيْ فَوِّضْ أَمْرك إِلَيْهِ فَإِنَّهُ الْعَزِيز الَّذِي لَا يُغَالَب , الرَّحِيم الَّذِي لَا يَخْذُل أَوْلِيَاءَهُ . وَقَرَأَ الْعَامَّة : &quot; وَتَوَكَّلْ &quot; بِالْوَاوِ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَصَاحِفهمْ . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامِر : &quot; فَتَوَكَّلْ &quot; بِالْفَاءِ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَصَاحِف الْمَدِينَة وَالشَّام .';
$TAFSEER['4']['26']['218'] = 'أَيْ حِين تَقُوم إِلَى الصَّلَاة فِي قَوْل أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ : اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . وَقَالَ مُجَاهِد : يَعْنِي حِين تَقُوم حَيْثُمَا كُنْت .';
$TAFSEER['4']['26']['219'] = 'قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة : فِي الْمُصَلِّينَ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ فِي أَصْلَاب الْآبَاء , آدَم وَنُوح وَإِبْرَاهِيم حَتَّى أَخْرَجَهُ نَبِيًّا . وَقَالَ عِكْرِمَة : يَرَاك قَائِمًا وَرَاكِعًا وَسَاجِدًا ; وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا . وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; إِنَّك تَرَى بِقَلْبِك فِي صَلَاتك مِنْ خَلْفك كَمَا تَرَى بِعَيْنِك مَنْ قُدَّامك . وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد , ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ وَالثَّعْلَبِيّ . وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يَرَى مَنْ خَلْفه كَمَا يَرَى مِنْ بَيْن يَدَيْهِ , وَذَلِكَ ثَابِت فِي الصَّحِيح وَفِي تَأْوِيل الْآيَة بَعِيد';
$TAFSEER['4']['26']['220'] = '';
$TAFSEER['4']['26']['221'] = 'إِنَّمَا قَالَ : &quot; تَنَزَّل &quot; لِأَنَّهَا أَكْثَر مَا تَكُون فِي الْهَوَاء , وَأَنَّهَا تَمُرّ فِي الرِّيح .';
$TAFSEER['4']['26']['222'] = 'إِنَّمَا قَالَ : &quot; تَنَزَّل &quot; لِأَنَّهَا أَكْثَر مَا تَكُون فِي الْهَوَاء , وَأَنَّهَا تَمُرّ فِي الرِّيح .';
$TAFSEER['4']['26']['223'] = 'تَقَدَّمَ فِي &quot; الْحِجْر &quot; . &quot; فَيُلْقُونَ السَّمْع &quot; صِفَة الشَّيَاطِين &quot; وَأَكْثَرهمْ &quot; يَرْجِع إِلَى الْكَهَنَة . وَقِيلَ : إِلَى الشَّيَاطِين .';
$TAFSEER['4']['26']['224'] = 'قَوْله تَعَالَى : &quot; وَالشُّعَرَاء &quot; جَمْع شَاعِر مِثْل جَاهِل وَجُهَلَاء ; قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُمْ الْكُفَّار &quot; يَتَّبِعهُمْ &quot; ضُلَّال الْجِنّ وَالْإِنْس . وَقِيلَ &quot; الْغَاوُونَ &quot; الزَّائِلُونَ عَنْ الْحَقّ , وَدَلَّ بِهَذَا أَنَّ الشُّعَرَاء أَيْضًا غَاوُونَ ; لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَكُونُوا غَاوِينَ مَا كَانَ أَتْبَاعهمْ كَذَلِكَ . وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَة &quot; النُّور &quot; أَنَّ مِنْ الشِّعْر مَا يَجُوز إِنْشَاده , وَيُكْرَه , وَيَحْرُم . رَوَى مُسْلِم مِنْ حَدِيث عَمْرو بْن الشَّرِيد عَنْ أَبِيهِ قَالَ : رَدِفْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ : &quot; هَلْ مَعَك مِنْ شِعْر أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت شَيْء ) قُلْت : نَعَمْ . قَالَ ( هِيهِ ) فَأَنْشَدْته بَيْتًا . فَقَالَ ( هِيهِ ) ثُمَّ أَنْشَدْته بَيْتًا . فَقَالَ ( هِيهِ ) حَتَّى أَنْشَدْته مِائَة بَيْت . هَكَذَا صَوَاب هَذَا السَّنَد وَصَحِيح رِوَايَته . وَقَدْ وَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاة كِتَاب مُسْلِم : عَنْ عَمْرو بْن الشَّرِيد عَنْ الشَّرِيد أَبِيهِ ; وَهُوَ وَهْم ; لِأَنَّ الشَّرِيد هُوَ الَّذِي أَرْدَفَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَاسْم أَبِي الشَّرِيد سُوَيْد . وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى حِفْظ الْأَشْعَار وَالِاعْتِنَاء بِهَا إِذَا تَضَمَّنَتْ الْحُكْم وَالْمَعَانِي الْمُسْتَحْسَنَة شَرْعًا وَطَبْعًا , وَإِنَّمَا اِسْتَكْثَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شِعْر أُمَيَّة ; لِأَنَّهُ كَانَ حَكِيمًا ; أَلَا تَرَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( وَكَادَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت أَنْ يُسْلِم ) فَأَمَّا مَا تَضَمَّنَ ذِكْر اللَّه وَحَمْده وَالثَّنَاء عَلَيْهِ فَذَلِكَ مَنْدُوب إِلَيْهِ , كَقَوْلِ الْقَائِل : الْحَمْد لِلَّهِ الْعَلِيّ الْمَنَّان صَارَ الثَّرِيد فِي رُءُوس الْعِيدَان أَوْ ذِكْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مَدْحه كَقَوْلِ الْعَبَّاس : مِنْ قَبْلهَا طِبْت فِي الظِّلَال وَفِي مُسْتَوْدَع حَيْثُ يَخْصِف الْوَرَق ثُمَّ هَبَطْت الْبِلَاد لَا بَشَر أَنْتَ وَلَا مُضْغَة وَلَا عَلَق بَلْ نُطْفَة تَرْكَب السَّفِين وَقَدْ أَلْ جَمَ نَسْرًا وَأَهْله الْغَرَق تُنْقَل مِنْ صَالِب إِلَى رَحِم إِذَا مَضَى عَالَم بَدَا طَبَق فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَفْضُضْ اللَّه فَاك ) . أَوْ الذَّبّ عَنْهُ كَقَوْلِ حَسَّان : هَجَوْت مُحَمَّدًا فَأَجَبْت عَنْهُ وَعِنْد اللَّه فِي ذَاكَ الْجَزَاء وَهِيَ أَبْيَات ذَكَرَهَا مُسْلِم فِي صَحِيحه وَهِيَ فِي السِّيَر أَتَمّ . أَوْ الصَّلَاة عَلَيْهِ ; كَمَا رَوَى زَيْد بْن أَسْلَم ; خَرَجَ عُمَر لَيْلَة يَحْرُس فَرَأَى مِصْبَاحًا فِي بَيْت , وَإِذَا عَجُوز تَنْفُش صُوفًا وَتَقُول : عَلَى مُحَمَّد صَلَاة الْأَبْرَار صَلَّى عَلَيْهِ الطَّيِّبُونَ الْأَخْيَار قَدْ كُنْت قَوَّامًا بُكًا بِالْأَسْحَارِ يَا لَيْتَ شِعْرِي وَالْمَنَايَا أَطْوَار هَلْ يُجَمِّعنِي وَحَبِيبِي الدَّار يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَجَلَسَ عُمَر يَبْكِي . وَكَذَلِكَ ذَكَرَ أَصْحَابه وَمَدَحَهُمْ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ ; وَلَقَدْ أَحْسَنَ مُحَمَّد بْن سَابِق حَيْثُ قَالَ : إِنِّي رَضِيت عَلِيًّا لِلْهُدَى عَلَمًا كَمَا رَضِيت عَتِيقًا صَاحِب الْغَار وَقَدْ رَضِيت أَبَا حَفْص وَشِيعَته وَمَا رَضِيت بِقَتْلِ الشَّيْخ فِي الدَّار كُلّ الصَّحَابَة عِنْدِي قُدْوَة عَلَم فَهَلْ عَلَيَّ بِهَذَا الْقَوْل مِنْ عَار إِنْ كُنْت تَعْلَم أَنِّي لَا أُحِبّهُمْ إِلَّا مِنْ أَجْلك فَاعْتِقْنِي مِنْ النَّار وَقَالَ آخَر فَأَحْسَنَ : حُبّ النَّبِيّ رَسُول اللَّه مُفْتَرَض وَحُبّ أَصْحَابه نُور بِبُرْهَانِ مَنْ كَانَ يَعْلَم أَنَّ اللَّه خَالِقه لَا يَرْمِيَنَّ أَبَا بَكْر بِبُهْتَانِ وَلَا أَبَا حَفْص الْفَارُوق صَاحِبه وَلَا الْخَلِيفَة عُثْمَان بْن عَفَّان أَمَّا عَلِيّ فَمَشْهُور فَضَائِله وَالْبَيْت لَا يَسْتَوِي إِلَّا بِأَرْكَانِ قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : أَمَّا الِاسْتِعَارَات فِي التَّشْبِيهَات فَمَأْذُون فِيهَا وَإِنْ اِسْتَغْرَقَتْ الْحَدّ وَتَجَاوَزَتْ الْمُعْتَاد ; فَبِذَلِكَ يَضْرِب الْمَلَك الْمُوَكَّل بِالرُّؤْيَا الْمَثَل , وَقَدْ أَنْشَدَ كَعْب بْن زُهَيْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَانَتْ سُعَاد فَقَلْبِي الْيَوْم مَتْبُول مُتَيَّم إِثْرهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُول وَمَا سُعَاد غَدَاة الْبَيْن إِذْ رَحَلُوا إِلَّا أَغَنّ غَضِيض الطَّرْف مَكْحُول تَجْلُو عَوَارِض ذِي ظَلْم إِذَا اِبْتَسَمَتْ كَأَنَّهُ مَنْهَل بِالرَّاحِ مَعْلُول فَجَاءَ فِي هَذِهِ الْقَصِيدَة مِنْ الِاسْتِعَارَات وَالتَّشْبِيهَات بِكُلِّ بَدِيع , وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَع وَلَا يُنْكِر فِي تَشْبِيهه رِيقهَا بِالرَّاحِ . وَأَنْشَدَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : فَقَدْنَا الْوَحَى إِذْ وَلَّيْت عَنَّا وَوَدَّعَنَا مِنْ اللَّه الْكَلَام سِوَى مَا قَدْ تَرَكْت لَنَا رَهِينًا تَوَارَثَهُ الْقَرَاطِيس الْكِرَام فَقَدْ أَوْرَثْتنَا مِيرَاث صِدْق عَلَيْك بِهِ التَّحِيَّة وَالسَّلَام فَإِذَا كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعهُ وَأَبُو بَكْر يُنْشِدهُ , فَهَلْ لِلتَّقْلِيدِ وَالِاقْتِدَاء مَوْضِع أَرْفَع مِنْ هَذَا . قَالَ أَبُو عُمَر : وَلَا يُنْكِر الْحَسَن مِنْ الشِّعْر أَحَد مِنْ أَهْل الْعِلْم وَلَا مِنْ أُولِي النُّهَى , وَلَيْسَ أَحَد مِنْ كِبَار الصَّحَابَة وَأَهْل الْعِلْم وَمَوْضِع الْقُدْوَة إِلَّا وَقَدْ قَالَ الشِّعْر , أَوْ تَمَثَّلَ بِهِ أَوْ سَمِعَهُ فَرَضِيَهُ مَا كَانَ حِكْمَة أَوْ مُبَاحًا , وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ فُحْش وَلَا خَنَا وَلَا لِمُسْلِمٍ أَذًى , فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ وَالْمَنْثُور مِنْ الْقَوْل سَوَاء لَا يَحِلّ سَمَاعه وَلَا قَوْله ; وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَة قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَر يَقُول : ( أَصْدَق كَلِمَة - أَوْ أَشْعَر كَلِمَة - قَالَتْهَا الْعَرَب قَوْل لَبِيد : أَلَا كُلّ شَيْء مَا خَلَا اللَّه بَاطِل أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَزَادَ ( وَكَادَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت أَنْ يُسْلِم ) وَرُوِيَ عَنْ اِبْن سِيرِينَ أَنَّهُ أَنْشَدَ شِعْرًا فَقَالَ لَهُ بَعْض جُلَسَائِهِ : مِثْلك يُنْشِد الشِّعْر يَا أَبَا بَكْر . فَقَالَ : وَيْلَك يَا لُكَع ! وَهَلْ الشِّعْر إِلَّا كَلَام لَا يُخَالِف سَائِر الْكَلَام إِلَّا فِي الْقَوَافِي , فَحَسَنه حَسَن وَقَبِيحه قَبِيح ! قَالَ : وَقَدْ كَانُوا يَتَذَاكَرُونَ الشِّعْر . قَالَ : وَسَمِعْت اِبْن عُمَر يُنْشِد : يُحِبّ الْخَمْر مِنْ مَال النَّدَامَى وَيَكْرَه أَنْ يُفَارِقهُ الْغَلُوس وَكَانَ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة بْن مَسْعُود أَحَد فُقَهَاء الْمَدِينَة الْعَشَرَة ثُمَّ الْمَشْيَخَة السَّبْعَة شَاعِرًا مُجِيدًا مُقَدَّمًا فِيهِ . وَلِلزُّبَيْرِ بْن بَكَّار الْقَاضِي فِي أَشْعَاره كِتَاب , وَكَانَتْ لَهُ زَوْجَة حَسَنَة تُسَمَّى عَثْمَة فَعَتَبَ عَلَيْهَا فِي بَعْض الْأَمْر فَطَلَّقَهَا , وَلَهُ فِيهَا أَشْعَار كَثِيرَة ; مِنْهَا قَوْله : تَغَلْغَلَ حُبّ عَثْمَة فِي فُؤَادِي فَبَادِيه مَعَ الْخَافِي يَسِير تَغَلْغَلَ حَيْثُ لَمْ يَبْلُغ شَرَاب وَلَا حُزْن وَلَمْ يَبْلُغ سُرُور أَكَاد إِذَا ذَكَرْت الْعَهْد مِنْهَا أَطِير لَوْ أَنَّ إِنْسَانًا يَطِير وَقَالَ اِبْن شِهَاب : قُلْت لَهُ تَقُول الشِّعْر فِي نُسُكك وَفَضْلك ! فَقَالَ : إِنَّ الْمَصْدُور إِذَا نَفَثَ بَرَأَ . 

وَأَمَّا الشِّعْر الْمَذْمُوم الَّذِي لَا يَحِلّ سَمَاعه وَصَاحِبه مَلُوم , فَهُوَ الْمُتَكَلِّم بِالْبَاطِلِ حَتَّى يُفَضِّلُوا أَجْبَن النَّاس عَلَى عَنْتَرَة , وَأَشَحَّهم عَلَى حَاتِم , وَإِنْ يَبْهَتُوا الْبَرِيء وَيُفَسِّقُوا التَّقِيّ , وَأَنْ يُفْرِطُوا فِي الْقَوْل بِمَا لَمْ يَفْعَلهُ الْمَرْء ; رَغْبَة فِي تَسْلِيَة النَّفْس وَتَحْسِين الْقَوْل ; كَمَا رُوِيَ عَنْ الْفَرَزْدَق أَنَّ سُلَيْمَان بْن عَبْد الْمَلِك سَمِعَ قَوْله : فَبِتْنَ بِجَانِبِي مُصَرَّعَات وَبِتّ أَفُضّ أَغْلَاق الْخِتَام فَقَالَ : قَدْ وَجَبَ عَلَيْك الْحَدّ . فَقَالَ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ قَدْ دَرَأَ اللَّه عَنِّي الْحَدّ بِقَوْلِهِ : &quot; وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ &quot; . وَرُوِيَ أَنَّ النُّعْمَان بْن عَدِيّ بْن نَضْلَة كَانَ عَامِلًا لِعُمَرَ بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ : مَنْ مُبْلِغ الْحَسْنَاء أَنَّ حَلِيلهَا بِمَيْسَانَ يُسْقَى فِي زُجَاج وَحَنْتَم إِذَا شِئْت غَنَّتْنِي دَهَاقِين قَرْيَة وَرَقَّاصَة تَجْذُو عَلَى كُلّ مَنْسِم فَإِنْ كُنْت نَدْمَانِي فَبِالْأَكْبَرِ اِسْقِنِي وَلَا تَسْقِنِي بِالْأَصْغَرِ الْمُتَثَلِّم لَعَلَّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ يَسُوءهُ تَنَادَمْنَا بِالْجَوْسَقِ الْمُتَهَدِّم فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَر فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِالْقُدُومِ عَلَيْهِ . وَقَالَ : إِي وَاَللَّه إِنِّي لَيَسُوءنِي ذَلِكَ . فَقَالَ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَا فَعَلْت شَيْئًا مِمَّا قُلْت ; وَإِنَّمَا كَانَتْ فَضْلَة مِنْ الْقَوْل , وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعهُمْ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ . وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ &quot; فَقَالَ لَهُ عُمَر : أَمَّا عُذْرك فَقَدْ دَرَأَ عَنْك الْحَدّ ; وَلَكِنْ لَا تَعْمَل لِي عَمَلًا أَبَدًا وَقَدْ قُلْت مَا قُلْت . وَذَكَرَ الزُّبَيْر بْن بَكَّار قَالَ : حَدَّثَنِي مُصْعَب بْن عُثْمَان أَنَّ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز لَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَة لَمْ يَكُنْ لَهُ هَمّ إِلَّا عُمَر بْن أَبِي رَبِيعَة وَالْأَحْوَص فَكَتَبَ إِلَى عَامِله عَلَى الْمَدِينَة : إِنِّي قَدْ عَرَفْت عُمَر وَالْأَحْوَص بِالشَّرِّ وَالْخُبْث فَإِذَا أَتَاك كِتَابِي هَذَا فَاشْدُدْ عَلَيْهِمَا وَاحْمِلْهُمَا إِلَيَّ . فَلَمَّا أَتَاهُ الْكِتَاب حَمَلَهُمَا إِلَيْهِ , فَأَقْبَلَ عَلَى عُمَر , فَقَالَ : هِيهِ ! فَلَمْ أَرَ كَالتَّجْمِيرِ مَنْظَر نَاظِر وَلَا كَلَيَالِي الْحَجّ أَفْلَتْنَ ذَا هَوَى وَكَمْ مَالِئ عَيْنَيْهِ مِنْ شَيْء غَيْره إِذَا رَاحَ نَحْو الْجَمْرَة الْبِيض كَالدُّمَى أَمَا وَاَللَّه لَوْ اِهْتَمَمْت بِحَجِّك لَمْ تَنْظُر إِلَى شَيْء غَيْرك ; فَإِذَا لَمْ يُفْلِت النَّاس مِنْك فِي هَذِهِ الْأَيَّام فَمَتَى يُفْلِتُونَ ! ثُمَّ أَمَرَ بِنَفْيِهِ . فَقَالَ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ! أَوَخَيْر مِنْ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : مَا هُوَ ؟ قَالَ : أُعَاهِد اللَّه أَنِّي لَا أَعُود إِلَى مِثْل هَذَا الشِّعْر , وَلَا أَذْكُر النِّسَاء فِي شَعْر أَبَدًا , وَأُجَدِّد تَوْبَة , فَقَالَ : أَوَتَفْعَل ؟ قَالَ : نَعَمْ , فَعَاهَدَ اللَّه عَلَى تَوْبَته وَخَلَّاهُ ; ثُمَّ دَعَا بِالْأَحْوَصِ , فَقَالَ هِيهِ ! اللَّه بَيْنِي وَبَيْن قَيِّمهَا يَفِرّ مِنِّي بِهَا وَأَتَّبِع بَلْ اللَّه بَيْن قَيِّمهَا وَبَيْنك ! ثُمَّ أَمَرَ بِنَفْيِهِ ; فَكَلَّمَهُ فِيهِ رِجَال مِنْ الْأَنْصَار فَأَبَى , وَقَالَ : وَاَللَّه لَا أَرُدّهُ مَا كَانَ لِي سُلْطَان , فَإِنَّهُ فَاسِق مُجَاهِر . فَهَذَا حُكْم الشِّعْر الْمَذْمُوم وَحُكْم صَاحِبه , فَلَا يَحِلّ سَمَاعه وَلَا إِنْشَاده فِي مَسْجِد وَلَا غَيْره , كَمَنْثُورِ الْكَلَام الْقَبِيح وَنَحْوه . وَرَوَى إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَوْن عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( حَسَن الشَّعْر كَحَسَنِ الْكَلَام وَقَبِيحه كَقَبِيحِ الْكَلَام ) رَوَاهُ إِسْمَاعِيل عَنْ عَبْد اللَّه الشَّامِيّ وَحَدِيثه عَنْ أَهْل الشَّام صَحِيح فِيمَا قَالَ يَحْيَى بْن مَعِين وَغَيْره . وَرَوَى عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الشِّعْر بِمَنْزِلَةِ الْكَلَام حَسَنه كَحَسَنِ الْكَلَام وَقَبِيحه كَقَبِيحِ الْكَلَام ) . 

رَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَأَنْ يَمْتَلِئ جَوْف أَحَدكُمْ قَيْحًا حَتَّى يُرِيه خَيْر مِنْ أَنْ يَمْتَلِئ شِعْرًا ) وَفِي الصَّحِيح أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ نَسِير مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَرَضَ شَاعِر يُنْشِد فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خُذُوا الشَّيْطَان - أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَان - لَأَنْ يَمْتَلِئ جَوْف رَجُل قَيْحًا خَيْر لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئ شِعْرًا ) قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَإِنَّمَا فَعَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا مَعَ هَذَا الشَّاعِر لَمَّا عَلِمَ مِنْ حَاله , فَلَعَلَّ هَذَا الشَّاعِر كَانَ مِمَّنْ قَدْ عُرِفَ مِنْ حَاله أَنَّهُ قَدْ اِتَّخَذَ الشِّعْر طَرِيقًا لِلتَّكَسُّبِ , فَيُفْرِط فِي الْمَدْح إِذَا أُعْطِيَ , وَفِي الْهَجْو وَالذَّمّ إِذَا مُنِعَ , فَيُؤْذِي النَّاس فِي أَمْوَالهمْ وَأَعْرَاضهمْ . وَلَا خِلَاف فِي أَنَّ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْل هَذِهِ الْحَالَة فَكُلّ مَا يَكْتَسِبهُ بِالشِّعْرِ حَرَام . وَكُلّ مَا يَقُولهُ مِنْ ذَلِكَ حَرَام عَلَيْهِ , وَلَا يَحِلّ الْإِصْغَاء إِلَيْهِ , بَلْ يَجِب الْإِنْكَار عَلَيْهِ ; فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مِنْ لِسَانه قَطْعًا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَنْ يُدَارِيه بِمَا اِسْتَطَاعَ , وَيُدَافِعهُ بِمَا أَمْكَنَ , وَلَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يُعْطِي شَيْئًا اِبْتِدَاء , لِأَنَّ ذَلِكَ عَوْن عَلَى الْمَعْصِيَة ; فَإِنْ لَمْ يَجِد مِنْ ذَلِكَ بَدَا أَعْطَاهُ بِنِيَّةِ وِقَايَة الْعِرْض ; فَمَا وَقَى بِهِ الْمَرْء عِرْضه كُتِبَ لَهُ بِهِ صَدَقَة . قُلْت : قَوْله : ( لَأَنْ يَمْتَلِئ جَوْف أَحَدكُمْ قَيْحًا حَتَّى يَرِيه ) الْقَيْح الْمِدَّة يُخَالِطهَا دَم . يُقَال مِنْهُ : قَاحَ الْجُرْح يَقِيح وَتَقَيَّحَ وَقَيَّحَ . وَ &quot; يَرِيه &quot; قَالَ الْأَصْمَعِيّ : هُوَ مِنْ الْوَرْي عَلَى مِثَال الرَّمْي وَهُوَ أَنْ يَدْوَى جَوْفه , يُقَال مِنْهُ : رَجُل مَوْرِيّ مُشَدَّد غَيْر مَهْمُوز . وَفِي الصِّحَاح : وَرَوِيَ الْقَيْح جَوْفه يَرِيه وَرْيًا إِذَا أَكَلَهُ . وَأَنْشَدَ الْيَزِيدِيّ : قَالَتْ لَهُ وَرْيًا إِذَا تَنَحْنَحَا وَهَذَا الْحَدِيث أَحْسَن مَا قِيلَ فِي تَأْوِيله : إِنَّهُ الَّذِي قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الشِّعْر , وَامْتَلَأَ صَدْره مِنْهُ دُون عِلْم سِوَاهُ وَلَا شَيْء مِنْ الذِّكْر مِمَّنْ يَخُوض بِهِ فِي الْبَاطِل , وَيَسْلُك بِهِ مَسَالِك لَا تُحْمَد لَهُ , كَالْمُكْثِرِ مِنْ اللَّغَط وَالْهَذَر وَالْغِيبَة وَقَبِيح الْقَوْل . وَمَنْ كَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الشِّعْر لَزِمَتْهُ هَذِهِ الْأَوْصَاف الْمَذْمُومَة الدَّنِيَّة , لِحُكْمِ الْعَادَة الْأَدَبِيَّة . وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه لَمَّا بَوَّبَ عَلَى هَذَا الْحَدِيث &quot; بَاب مَا يُكْرَه أَنْ يَكُون الْغَالِب عَلَى الْإِنْسَان الشِّعْر &quot; . وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيله : إِنَّ الْمُرَاد بِذَلِكَ الشَّعْر الَّذِي هُجِيَ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ غَيْره . وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّ الْقَلِيل مِنْ هَجْو النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَثِيره سَوَاء فِي أَنَّهُ كُفْر وَمَذْمُوم , وَكَذَلِكَ هَجْو غَيْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُحَرَّم قَلِيله وَكَثِيره , وَحِينَئِذٍ لَا يَكُون لِتَخْصِيصِ الذَّمّ بِالْكَثِيرِ مَعْنًى . 

قَالَ الشَّافِعِيّ : الشِّعْر نَوْع مِنْ الْكَلَام حَسَنه كَحَسَنِ الْكَلَام وَقَبِيحه كَقَبِيحِ الْكَلَام , يَعْنِي أَنَّ الشِّعْر لَيْسَ يُكْرَه لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا يُكْرَه لِمُضَمَّنَاتِهِ , وَقَدْ كَانَ عِنْد الْعَرَب عَظِيم الْمَوْقِع . قَالَ الْأَوَّل مِنْهُمْ : وَجُرْح اللِّسَان كَجُرْحِ الْيَد وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْر الَّذِي يَرُدّ بِهِ حَسَّان عَلَى الْمُشْرِكِينَ : ( إِنَّهُ لَأَسْرَعَ فِيهِمْ مِنْ رَشْق النَّبْل ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّة فِي عُمْرَة الْقَضَاء وَعَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة يَمْشِي بَيْن يَدَيْهِ وَيَقُول : خَلُّوا بَنِي الْكُفَّار عَنْ سَبِيله الْيَوْم نَضْرِبكُمْ عَلَى تَنْزِيله ضَرْبًا يُزِيل الْهَام عَنْ مَقِيله وَيُذْهِل الْخَلِيل عَنْ خَلِيله فَقَالَ عُمَر : يَا بْن رَوَاحَة ! فِي حَرَم اللَّه وَبَيْن يَدَيْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَلِّ عَنْهُ يَا عُمَر فَلَهُوَ أَسْرَع فِيهِمْ مِنْ نَضْح النَّبْل ) . 

قَوْله تَعَالَى : &quot; وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعهُمْ الْغَاوُونَ &quot; لَمْ يَخْتَلِف الْقُرَّاء فِي رَفْع &quot; وَالشُّعَرَاء &quot; فِيمَا عَلِمْت . وَيَجُوز النَّصْب عَلَى إِضْمَار فِعْل يُفَسِّرهُ &quot; يَتَّبِعهُمْ &quot; وَبِهِ قَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر ; قَالَ أَبُو عُبَيْد : كَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ حُبّ النَّصْب ; قَرَأَ &quot; وَالسَّارِق وَالسَّارِقَة &quot; [ الْمَائِدَة : 38 ] وَ &quot; حَمَّالَة الْحَطَب &quot; [ الْمَسَد : 4 ] وَ &quot; سُورَة أَنْزَلْنَاهَا &quot; [ النُّور : 1 ] . وَقَرَأَ نَافِع وَشَيْبَة وَالْحَسَن وَالسُّلَمِيّ : &quot; يَتْبَعهُمْ &quot; مُخَفَّفًا . الْبَاقُونَ &quot; يَتَّبِعهُمْ &quot; . وَقَالَ الضَّحَّاك : تَهَاجَى رَجُلَانِ أَحَدهمَا أَنْصَارِيّ وَالْآخَر مُهَاجِرِي عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ كُلّ وَاحِد غُوَاة قَوْمه وَهُمْ السُّفَهَاء فَنَزَلَتْ ; وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْهُ هُمْ الرُّوَاة لِلشِّعْرِ . وَرَوَى عَنْهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة أَنَّهُمْ هُمْ الْكُفَّار يَتَّبِعهُمْ ضُلَّال الْجِنّ وَالْإِنْس ; وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ . وَرَوَى غُضَيْف عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَحْدَثَ هِجَاء فِي الْإِسْلَام فَاقْطَعُوا لِسَانه ) وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا اِفْتَتَحَ مَكَّة رَنَّ إِبْلِيس رَنَّة وَجَمَعَ إِلَيْهِ ذُرِّيَّته ; فَقَالَ اِيئَسُوا أَنْ تُرِيدُوا أُمَّة مُحَمَّد عَلَى الشِّرْك بَعْد يَوْمكُمْ هَذَا وَلَكِنْ أَفْشُوا فِيهِمَا - يَعْنِي مَكَّة وَالْمَدِينَة - الشِّعْر .';
$TAFSEER['4']['26']['225'] = 'يَقُول : فِي كُلّ لَغْو يَخُوضُونَ , وَلَا يَتَّبِعُونَ سُنَن الْحَقّ ; لِأَنَّ مَنْ اِتَّبَعَ الْحَقّ وَعَلِمَ أَنَّهُ يُكْتَب عَلَيْهِ مَا يَقُولهُ تَثَبَّتَ , وَلَمْ يَكُنْ هَائِمًا يَذْهَب عَلَى وَجْهه لَا يُبَالِي مَا قَالَ . نَزَلَتْ فِي عَبْد اللَّه بْن الزِّبَعْرَى وَمُسَافِع بْن عَبْد مَنَافٍ وَأُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت .';
$TAFSEER['4']['26']['226'] = 'يَقُول : أَكْثَرهمْ يَكْذِبُونَ ; أَيْ يَدُلُّونَ بِكَلَامِهِمْ عَلَى الْكَرَم وَالْخَيْر وَلَا يَفْعَلُونَهُ . وَقِيلَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي عَزَّة الْجُمَحِيّ حَيْثُ قَالَ : أَلَا أَبْلِغَا عَنِّي النَّبِيّ مُحَمَّدًا بِأَنَّك حَقّ وَالْمَلِيك حَمِيد وَلَكِنْ إِذَا ذُكِّرْت بَدْرًا وَأَهْله تَأَوَّهَ مِنِّي أَعْظُم وَجُلُود';
$TAFSEER['4']['26']['227'] = 'ثُمَّ اِسْتَثْنَى شِعْر الْمُؤْمِنِينَ : حَسَّان بْن ثَابِت وَعَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة وَكَعْب بْن مَالِك وَكَعْب بْن زُهَيْر وَمَنْ كَانَ عَلَى طَرِيقهمْ مِنْ الْقَوْل الْحَقّ ; فَقَالَ &quot; إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات وَذَكَرُوا اللَّه كَثِيرًا &quot; فِي كَلَامهمْ .



وَإِنَّمَا يَكُون الِانْتِصَار بِالْحَقِّ , وَبِمَا حَدَّهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , فَإِنْ تَجَاوَزَ ذَلِكَ فَقَدْ اِنْتَصَرَ بِالْبَاطِلِ . وَقَالَ أَبُو الْحَسَن الْمُبَرِّد . لَمَّا نَزَلَتْ : &quot; وَالشُّعَرَاء &quot; جَاءَ حَسَّان وَكَعْب بْن مَالِك وَابْن رَوَاحَة يَبْكُونَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَقَالُوا : يَا نَبِيّ اللَّه ! أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة , وَهُوَ تَعَالَى يَعْلَم أَنَّا شُعَرَاء ؟ فَقَالَ : ( اِقْرَءُوا مَا بَعْدهَا &quot; إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات &quot; - الْآيَة - أَنْتُمْ &quot; وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْد مَا ظُلِمُوا &quot; أَنْتُمْ ) أَيْ بِالرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ . قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اِنْتَصَرُوا وَلَا تَقُولُوا إِلَّا حَقًّا وَلَا تَذْكُرُوا الْآبَاء وَالْأُمَّهَات ) فَقَالَ حَسَّان لِأَبِي سُفْيَان : هَجَوْت مُحَمَّدًا فَأَجَبْت عَنْهُ وَعِنْد اللَّه فِي ذَاكَ الْجَزَاء وَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَتِي وَعَرْضِي لِعَرْضِ مُحَمَّد مِنْكُمْ وِقَاء أَتَشْتُمُهُ وَلَسْت لَهُ بِكُفْءٍ فَشَرّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاء لِسَانِي صَارِم لَا عَيْب فِيهِ وَبَحْرِي لَا تُكَدِّرهُ الدِّلَاء وَقَالَ كَعْب يَا رَسُول اللَّه ! إِنَّ اللَّه قَدْ أَنْزَلَ فِي الشِّعْر مَا قَدْ عَلِمْت فَكَيْف تَرَى فِيهِ ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْمُؤْمِن يُجَاهِد بِنَفْسِهِ وَسَيْفه وَلِسَانه وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لِكَأَنَّ مَا تَرْمُونَهُمْ بِهِ نَضْح النَّبْل ) . وَقَالَ كَعْب : جَاءَتْ سَخِينَة كَيْ تُغَالِب رَبّهَا وَلَيُغْلَبَنَّ مُغَالِب الْغَلَّاب فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ مَدَحَك اللَّه يَا كَعْب فِي قَوْلك هَذَا ) . وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى : &quot; وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعهُمْ الْغَاوُونَ &quot; مَنْسُوخ بِقَوْلِهِ : &quot; إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات &quot; . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَفِي الصَّحِيح عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ اِسْتِثْنَاء .



فِي هَذَا تَهْدِيد لِمَنْ اِنْتَصَرَ بِظُلْمٍ قَالَ شُرَيْح سَيَعْلَمُ الظَّالِمُونَ كَيْف يُخَلَّصُونَ مِنْ بَيْن يَدَيْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ; فَالظَّالِم يَنْتَظِر الْعِقَاب , وَالْمَظْلُوم يَنْتَظِر النُّصْرَة . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس : &quot; أَيّ مُنْفَلَت يَنْفَلِتُونَ &quot; بِالْفَاءِ وَالتَّاء وَمَعْنَاهُمَا وَاحِد ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَمَعْنَى : &quot; أَيّ مُنْقَلَب يَنْقَلِبُونَ &quot; أَيْ مَصِير يَصِيرُونَ وَأَيّ مَرْجِع يَرْجِعُونَ ; لِأَنَّ مَصِيرهمْ إِلَى النَّار , وَهُوَ أَقْبَح مَصِير , وَمَرْجِعهمْ إِلَى الْعِقَاب وَهُوَ شَرّ مَرْجِع . وَالْفَرْق بَيْن الْمُنْقَلَب وَالْمَرْجِع أَنَّ الْمُنْقَلَب الِانْتِقَال إِلَى ضِدّ مَا هُوَ فِيهِ , وَالْمُرَجِّع الْعُود مِنْ حَال هُوَ فِيهَا إِلَى حَال كَانَ عَلَيْهَا فَصَارَ كُلّ مَرْجِع مُنْقَلَبًا , وَلَيْسَ كُلّ مُنْقَلَب مَرْجِعًا ; وَاَللَّه أَعْلَم ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَ &quot; أَيّ &quot; مَنْصُوب &quot; بِيَنْقَلِبُونَ &quot; وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَصْدَر , وَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون مَنْصُوبًا بِ &quot; سَيَعْلَمُ &quot; لِأَنَّ أَيًّا وَسَائِر أَسْمَاء الِاسْتِفْهَام لَا يَعْمَل فِيهَا مَا قَبْلهَا فِيمَا ذَكَرَ النَّحْوِيُّونَ ; قَالَ النَّحَّاس : وَحَقِيقَة الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِفْهَام مَعْنًى وَمَا قَبْله مَعْنًى آخَر فَلَوْ عَمِلَ فِيهِ مَا قَبْله لَدَخَلَ بَعْض الْمَعَانِي فِي بَعْض.';
$TAFSEER['4']['27']['1'] = 'سُورَة النَّمْل مَكِّيَّة كُلّهَا فِي قَوْل الْجَمِيع , وَهِيَ ثَلَاث وَتِسْعُونَ آيَة . وَقِيلَ : أَرْبَع وَتِسْعُونَ آيَة . 

&quot; طس &quot; مَضَى الْكَلَام فِي الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; وَغَيْرهَا . 

وَ &quot; تِلْكَ &quot; بِمَعْنَى هَذِهِ ; أَيْ هَذِهِ السُّورَة آيَات الْقُرْآن وَآيَات كِتَاب مُبِين . وَذَكَرَ الْقُرْآن بِلَفْظِ الْمَعْرِفَة , وَقَالَ : &quot; وَكِتَاب مُبِين &quot; بِلَفْظِ النَّكِرَة وَهُمَا فِي مَعْنَى الْمَعْرِفَة ; كَمَا تَقُول : فُلَان رَجُل عَاقِل وَفُلَان الرَّجُل الْعَاقِل . وَالْكِتَاب هُوَ الْقُرْآن , فَجَمَعَ لَهُ بَيْن الصِّفَتَيْنِ : بِأَنَّهُ قُرْآن وَأَنَّهُ كِتَاب ; لِأَنَّهُ مَا يَظْهَر بِالْكِتَابَةِ , وَيَظْهَر بِالْقِرَاءَةِ . وَقَدْ مَضَى اِشْتِقَاقهمَا فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; . وَقَالَ فِي سُورَة الْحِجْر : &quot; الر تِلْكَ آيَات الْكِتَاب وَقُرْآن مُبِين &quot; [ يُوسُف : 1 ] فَأَخْرَجَ الْكِتَاب بِلَفْظِ الْمَعْرِفَة وَالْقُرْآن بِلَفْظِ النَّكِرَة ; وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقُرْآن وَالْكِتَاب اِسْمَانِ يَصْلُح لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا أَنْ يُجْعَل مَعْرِفَة , وَأَنْ يُجْعَل صِفَة . وَوَصَفَهُ بِالْمُبِينِ لِأَنَّهُ بَيَّنَ فِيهِ أَمْره وَنَهْيه وَحَلَاله وَحَرَامه وَوَعْده وَوَعِيده ; وَقَدْ تَقَدَّمَ .';
$TAFSEER['4']['27']['2'] = '&quot; هُدًى &quot; فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال مِنْ الْكِتَاب ; أَيْ تِلْكَ آيَات الْكِتَاب هَادِيَة وَمُبَشِّرَة . وَيَجُوز فِيهِ الرَّفْع عَلَى الِابْتِدَاء ; أَيْ هُوَ هُدًى . وَإِنْ شِئْت عَلَى حَذْف حَرْف الصِّفَة ; أَيْ فِيهِ هُدًى . وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْخَبَر &quot; لِلْمُؤْمِنِينَ &quot;';
$TAFSEER['4']['27']['3'] = 'ثُمَّ وَصَفَهُمْ فَقَالَ : &quot; الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ &quot; وَقَدْ مَضَى فِي أَوَّل &quot; الْبَقَرَة &quot; بَيَان هَذَا';
$TAFSEER['4']['27']['4'] = 'أَيْ لَا يُصَدِّقُونَ بِالْبَعْثِ .

قِيلَ : أَعْمَالهمْ السَّيِّئَة حَتَّى رَأَوْهَا حَسَنَة . وَقِيلَ : زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالهمْ الْحَسَنَة فَلَمْ يَعْمَلُوهَا . وَقَالَ الزَّجَّاج : جَعَلْنَا جَزَاءَهُمْ عَلَى كُفْرهمْ أَنْ زَيَّنَّا لَهُمْ مَا هُمْ فِيهِ .
 
أَيْ يَتَرَدَّدُونَ فِي أَعْمَالهمْ الْخَبِيثَة , وَفِي ضَلَالَتهمْ . عَنْ اِبْن عَبَّاس . أَبُو الْعَالِيَة : يَتَمَادَوْنَ . قَتَادَة : يَلْعَبُونَ . الْحَسَن : يَتَحَيَّرُونَ ; قَالَ الرَّاجِز : وَمَهْمَه أَطْرَافه فِي مَهْمَه و أَعْمَى الْهُدَى بِالْحَائِرِينَ الْعُمَّه';
$TAFSEER['4']['27']['5'] = 'وَهُوَ جَهَنَّم .
  
&quot; فِي الْآخِرَة &quot; تَبْيِين وَلَيْسَ بِمُتَعَلَّقٍ بِالْأَخْسَرِينَ فَإِنَّ مِنْ النَّاس مَنْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَرَبِحَ الْآخِرَة , وَهَؤُلَاءِ خَسِرُوا الْآخِرَة بِكُفْرِهِمْ فَهُمْ أَخْسَر كُلّ خَاسِر .';
$TAFSEER['4']['27']['6'] = 'أَيْ يُلْقَى عَلَيْك فَتَلَقَّاهُ وَتَعْلَمهُ وَتَأْخُذهُ .
  
&quot; لَدُنْ &quot; بِمَعْنَى عِنْد إِلَّا أَنَّهَا مَبْنِيَّة غَيْر مُعْرَبَة , لِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّن , وَفِيهَا لُغَات ذُكِرَتْ فِي &quot; الْكَهْف &quot; . وَهَذِهِ الْآيَة بِسَاط وَتَمْهِيد لِمَا يُرِيد أَنْ يَسُوق مِنْ الْأَقَاصِيص , وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ لَطَائِف حِكْمَته , وَدَقَائِق عِلْمه .';
$TAFSEER['4']['27']['7'] = '&quot; إِذْ &quot; مَنْصُوب بِمُضْمَرٍ وَهُوَ اُذْكُرْ ; كَأَنَّهُ قَالَ عَلَى أَثَر قَوْله . &quot; وَإِنَّك لَتُلَقَّى الْقُرْآن مِنْ لَدُنْ حَكِيم عَلِيم &quot; : خُذْ يَا مُحَمَّد مِنْ آثَار حِكْمَته وَعِلْمه قِصَّة مُوسَى إِذْ قَالَ لِأَهْلِهِ . &quot; إِنِّي آنَسْت نَارًا &quot;
 
أَيْ أَبْصَرْتهَا مِنْ بُعْد . قَالَ الْحَرْث بْن حِلِّزَة : آنَسَتْ نَبْأَة وَأَفْزَعَهَا الْقُنَّاص عَصْرًا وَقَدْ دَنَا الْإِمْسَاء 
  
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ : &quot; بِشِهَابٍ قَبَس &quot; بِتَنْوِينِ &quot; شِهَاب &quot; . وَالْبَاقُونَ بِغَيْرِ تَنْوِين عَلَى الْإِضَافَة ; أَيْ بِشُعْلَةِ نَار ; وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم . وَزَعَمَ الْفَرَّاء فِي تَرْك التَّنْوِين أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلهمْ : وَلَدَار الْآخِرَة , وَمَسْجِد الْجَامِع , وَصَلَاة الْأُولَى ; يُضَاف الشَّيْء إِلَى نَفْسه إِذَا اِخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُ . قَالَ النَّحَّاس : إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفْسه مُحَال عِنْد الْبَصْرِيِّينَ , لِأَنَّ مَعْنَى الْإِضَافَة فِي اللُّغَة ضَمّ شَيْء إِلَى شَيْء فَمُحَال أَنْ يُضَمّ الشَّيْء إِلَى نَفْسه , وَإِنَّمَا يُضَاف الشَّيْء إِلَى الشَّيْء لِيَتَبَيَّن بِهِ مَعْنَى الْمِلْك أَوْ النَّوْع , فَمُحَال أَنْ يَتَبَيَّن أَنَّهُ مَالِك نَفْسه أَوْ مِنْ نَوْعهَا . وَ &quot; شِهَاب قَبَس &quot; إِضَافَة النَّوْع وَالْجِنْس , كَمَا تَقُول : هَذَا ثَوْب خَزّ , وَخَاتَم حَدِيد وَشَبَهه . وَالشِّهَاب كُلّ ذِي نُور ; نَحْو الْكَوْكَب وَالْعُود الْمُوقَد . وَالْقَبَس اِسْم لِمَا يُقْتَبَس مِنْ جَمْر وَمَا أَشْبَهَهُ ; فَالْمَعْنَى بِشِهَابٍ مِنْ قَبَس . يُقَال . أَقْبَسْت قَبْسًا ; وَالِاسْم قَبَس . كَمَا تَقُول : قَبَضْت قَبْضًا . وَالِاسْم الْقَبْض . وَمَنْ قَرَأَ : &quot; بِشِهَابٍ قَبَس &quot; جَعَلَهُ بَدَلًا مِنْهُ . الْمَهْدَوِيّ : أَوْ صِفَة لَهُ ; لِأَنَّ الْقَبَس يَجُوز أَنْ يَكُون اِسْمًا غَيْر صِفَة , وَيَجُوز أَنْ يَكُون صِفَة ; فَأَمَّا كَوْنه غَيْر صِفَة فَلِأَنَّهُمْ قَالُوا قَبَسْته أَقَبَسه قَبْسًا وَالْقَبَس الْمَقْبُوس ; وَإِذَا كَانَ صِفَة فَالْأَحْسَن أَنْ يَكُون نَعْتًا . وَالْإِضَافَة فِيهِ إِذَا كَانَ غَيْر صِفَة أَحْسَن . وَهِيَ إِضَافَة النَّوْع إِلَى جِنْسه كَخَاتَمِ فِضَّة وَشَبَهه . وَلَوْ قُرِئَ بِنَصْبِ قَبَس عَلَى الْبَيَان أَوْ الْحَال كَانَ أَحْسَن . وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن بِشِهَابٍ قَبَسًا عَلَى أَنَّهُ مَصْدَر أَوْ بَيَان أَوْ حَال . &quot; لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ &quot; أَصْل الطَّاء تَاء فَأَبْدَلَ مِنْهَا هُنَا طَاء ; لِأَنَّ الطَّاء مُطْبَقَة وَالصَّاد مُطْبَقَة فَكَانَ الْجَمْع بَيْنهمَا حَسَنًا , وَمَعْنَاهُ يَسْتَدْفِئُونَ مِنْ الْبَرْد . يُقَال : اِصْطَلَى يَصْطَلِي إِذَا اِسْتَدْفَأَ . قَالَ الشَّاعِر : النَّار فَاكِهَة الشِّتَاء فَمَنْ يُرِدْ أَكْل الْفَوَاكِه شَاتِيًا فَلْيَصْطَلِ الزَّجَّاج : كُلّ أَبْيَض ذِي نُور فَهُوَ شِهَاب . أَبُو عُبَيْدَة : الشِّهَاب النَّار . قَالَ أَبُو النَّجْم : كَأَنَّمَا كَانَ شِهَابًا وَاقِدًا أَضَاءَ ضَوْءًا ثُمَّ صَارَ خَامِدًا أَحْمَد بْن يَحْيَى : أَصْل الشِّهَاب عُود فِي أَحَد طَرَفَيْهِ جَمْرَة وَالْآخَر لَا نَار فِيهِ ; وَقَوْل النَّحَّاس فِيهِ حَسَن , وَالشِّهَاب الشُّعَاع الْمُضِيء وَمِنْهُ الْكَوْكَب الَّذِي يَمُدّ ضَوْءُهُ فِي السَّمَاء . وَقَالَ الشَّاعِر : فِي كَفّه صَعْدَة مُثَقَّفَة فِيهَا سِنَان كَشُعْلَةِ الْقَبَس';
$TAFSEER['4']['27']['8'] = 'أَيْ فَلَمَّا جَاءَ مُوسَى الَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَار وَهِيَ نُور ; قَالَهُ وَهْب بْن مُنَبِّه . فَلَمَّا رَأَى مُوسَى النَّار وَقَفَ قَرِيبًا مِنْهَا , فَرَآهَا تَخْرُج مِنْ فَرْع شَجَرَة خَضْرَاء شَدِيدَة الْخُضْرَة يُقَال لَهَا الْعُلَّيْق , لَا تَزْدَاد النَّار إِلَّا عِظَمًا وَتَضَرُّمًا , وَلَا تَزْدَاد الشَّجَرَة إِلَّا خُضْرَة وَحُسْنًا ; فَعَجِبَ مِنْهَا وَأَهْوَى إِلَيْهَا بِضِغْثٍ فِي يَده لِيَقْتَبِس مِنْهَا ; فَمَالَتْ إِلَيْهِ ; فَخَافَهَا فَتَأَخَّرَ عَنْهَا ; ثُمَّ لَمْ تَزَلْ تَطْمَعهُ وَيَطْمَع فِيهَا إِلَى أَنْ وَضَحَ أَمْرهَا عَلَى أَنَّهَا مَأْمُورَة لَا يَدْرِي مِنْ أَمْرهَا , إِلَى أَنْ &quot; نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّار وَمَنْ حَوْلهَا &quot; . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي &quot; طه &quot; . &quot; نُودِيَ &quot; أَيْ نَادَاهُ اللَّه ; كَمَا قَالَ : &quot; وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِب الطُّور الْأَيْمَن &quot; [ مَرْيَم : 52 ] . &quot; أَنْ بُورِكَ &quot; قَالَ الزَّجَّاج : &quot; أَنْ &quot; فِي مَوْضِع نَصْب ; أَيْ بِأَنَّهُ . قَالَ : وَيَجُوز أَنْ تَكُون فِي مَوْضِع رَفْع جَعَلَهَا اِسْم مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله . وَحَكَى أَبُو حَاتِم أَنَّ فِي قِرَاءَة أُبَيّ وَابْن عَبَّاس وَمُجَاهِد &quot; أَنْ بُورِكَتْ النَّار وَمَنْ حَوْلهَا &quot; . قَالَ النَّحَّاس : وَمِثْل هَذَا لَا يُوجَد بِإِسْنَادٍ صَحِيح , وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ عَلَى التَّفْسِير , فَتَكُون الْبَرَكَة رَاجِعَة إِلَى النَّار وَمَنْ حَوْلهَا الْمَلَائِكَة وَمُوسَى . وَحَكَى الْكِسَائِيّ عَنْ الْعَرَب : بَارَكَك اللَّه , وَبَارَكَ فِيك . الثَّعْلَبِيّ : الْعَرَب تَقُول بَارَكَك اللَّه , وَبَارَكَ فِيك , وَبَارَكَ عَلَيْك , وَبَارَكَ لَك , أَرْبَع لُغَات . قَالَ الشَّاعِر : فَبُورِكْت مَوْلُودًا وَبُورِكْت نَاشِئًا وَبُورِكْت عِنْد الشَّيْب إِذْ أَنْتَ أَشْيَب الطَّبَرِيّ : قَالَ &quot; بُورِكَ مَنْ فِي النَّار &quot; وَلَمْ يَقُلْ بُورِكَ فِي مَنْ فِي النَّار عَلَى لُغَة مَنْ يَقُول بَارَكَك اللَّه . وَيُقَال بَارَكَهُ اللَّه , وَبَارَكَ لَهُ , وَبَارَكَ عَلَيْهِ , وَبَارَكَ فِيهِ بِمَعْنَى ; أَيْ بُورِكَ عَلَى مَنْ فِي النَّار وَهُوَ مُوسَى , أَوْ عَلَى مَنْ فِي قُرْب النَّار ; لَا أَنَّهُ كَانَ فِي وَسَطهَا . وَقَالَ السُّدِّيّ : كَانَ فِي النَّار مَلَائِكَة فَالتَّبْرِيك عَائِد إِلَى مُوسَى وَالْمَلَائِكَة ; أَيْ بُورِكَ فِيك يَا مُوسَى وَفِي الْمَلَائِكَة الَّذِينَ هُمْ حَوْلهَا . وَهَذَا تَحِيَّة مِنْ اللَّه تَعَالَى لِمُوسَى وَتَكْرِمَة لَهُ , كَمَا حَيَّا إِبْرَاهِيم عَلَى أَلْسِنَة الْمَلَائِكَة حِين دَخَلُوا عَلَيْهِ ; قَالَ : &quot; رَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته عَلَيْكُمْ أَهْل الْبَيْت &quot; [ هُود : 73 ] . وَقَوْل ثَالِث قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَسَعِيد بْن جُبَيْر : قُدِّسَ مَنْ فِي النَّار وَهُوَ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى , عَنَى بِهِ نَفْسه تَقَدَّسَ وَتَعَالَى . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُحَمَّد بْن كَعْب : النَّار نُور اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ; نَادَى اللَّه مُوسَى وَهُوَ فِي النُّور ; وَتَأْوِيل هَذَا أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام رَأَى نُورًا عَظِيمًا فَظَنَّهُ نَارًا ; وَهَذَا لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ظَهَرَ لِمُوسَى بِآيَاتِهِ وَكَلَامه مِنْ النَّار لَا أَنَّهُ يَتَحَيَّز فِي جِهَة &quot; وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الْأَرْض إِلَه &quot; [ الزُّخْرُف : 84 ] لَا أَنَّهُ يَتَحَيَّز فِيهِمَا , وَلَكِنْ يَظْهَر فِي كُلّ فِعْل فَيُعْلَم بِهِ وُجُود الْفَاعِل . وَقِيلَ عَلَى هَذَا : أَيْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّار سُلْطَانه وَقُدْرَته . وَقِيلَ : أَيْ بُورِكَ مَا فِي النَّار مِنْ أَمْر اللَّه تَعَالَى الَّذِي جَعَلَهُ عَلَامَة . 

قُلْت : وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى صِحَّة قَوْل اِبْن عَبَّاس مَا خَرَّجَهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه , وَابْن مَاجَهْ فِي سُنَنه وَاللَّفْظ لَهُ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه لَا يَنَام وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَام يَخْفِض الْقِسْط وَيَرْفَعهُ حِجَابه النُّور لَوْ كَشَفَهَا لَأَحْرَقَتْ سُبُحَات وَجْهه كُلّ شَيْء أَدْرَكَهُ بَصَره ) ثُمَّ قَرَأَ أَبُو عُبَيْدَة : &quot; أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّار وَمَنْ حَوْلهَا وَسُبْحَان اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ &quot; أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضًا . وَلَفْظ مُسْلِم عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَات ; فَقَالَ : ( إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَام وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَام يَخْفِض الْقِسْط وَيَرْفَعهُ يُرْفَع إِلَيْهِ عَمَل اللَّيْل قَبْل عَمَل النَّهَار وَعَمَل النَّهَار قَبْل عَمَل اللَّيْل حِجَابه النُّور - وَفِي رِوَايَة أَبِي بَكْر النَّار - لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَات وَجْهه مَا اِنْتَهَى إِلَيْهِ بَصَره مِنْ خَلْقه ) قَالَ أَبُو عُبَيْد : يُقَال السُّبُحَات إِنَّهَا جَلَال وَجْهه , وَمِنْهَا قِيلَ : سُبْحَان اللَّه إِنَّمَا هُوَ تَعْظِيم لَهُ وَتَنْزِيه . وَقَوْله : &quot; لَوْ كَشَفَهَا &quot; يَعْنِي لَوْ رَفَعَ الْحِجَاب عَنْ أَعْيُنهمْ وَلَمْ يُثَبِّتهُمْ لِرُؤْيَتِهِ لَاحْتَرَقُوا وَمَا اِسْتَطَاعُوا لَهَا . قَالَ اِبْن جُرَيْج : النَّار حِجَاب مِنْ الْحُجُب وَهِيَ سَبْعَة حُجُب ; حِجَاب الْعِزَّة , وَحِجَاب الْمُلْك , وَحِجَاب السُّلْطَان , وَحِجَاب النَّار , وَحِجَاب النُّور , وَحِجَاب الْغَمَام , وَحِجَاب الْمَاء . وَبِالْحَقِيقَةِ فَالْمَخْلُوق الْمَحْجُوب وَاَللَّه لَا يَحْجُبهُ شَيْء ; فَكَانَتْ النَّار نُورًا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ النَّار ; لِأَنَّ مُوسَى حَسِبَهُ نَارًا , وَالْعَرَب تَضَع أَحَدهمَا مَوْضِع الْآخَر . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : كَانَتْ النَّار بِعَيْنِهَا فَأَسْمَعَهُ تَعَالَى كَلَامه مِنْ نَاحِيَتهَا , وَأَظْهَرَ لَهُ رُبُوبِيَّته مِنْ جِهَتهَا . وَهُوَ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة : &quot; جَاءَ اللَّه مِنْ سَيْنَاء وَأَشْرَفَ مِنْ سَاعِير وَاسْتَعْلَى مِنْ جِبَال فَارَان &quot; . فَمَجِيئُهُ مِنْ سَيْنَاء بَعْثه مُوسَى مِنْهَا , وَإِشْرَافه مِنْ سَاعِير بَعْثه الْمَسِيح مِنْهَا , وَاسْتِعْلَاؤُهُ مِنْ فَارَان بَعْثه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفَارَان مَكَّة . وَسَيَأْتِي فِي &quot; الْقَصَص &quot; بِإِسْمَاعِهِ سُبْحَانه كَلَامه مِنْ الشَّجَرَة زِيَادَة بَيَان إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .

تَنْزِيهًا وَتَقْدِيسًا لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي غَيْر مَوْضِع , وَالْمَعْنَى : أَيْ يَقُول مَنْ حَوْلهَا : &quot; وَسُبْحَان اللَّه &quot; فَحُذِفَ . وَقِيلَ : إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَهُ حِين فَرَغَ مِنْ سَمَاع النِّدَاء ; اِسْتِعَانَة بِاَللَّهِ تَعَالَى وَتَنْزِيهًا لَهُ ; قَالَهُ السُّدِّيّ . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى . وَمَعْنَاهُ : وَبُورِكَ فِيمَنْ سَبَّحَ اللَّه تَعَالَى رَبّ الْعَالَمِينَ ; حَكَاهُ اِبْن شَجَرَة .';
$TAFSEER['4']['27']['9'] = 'الْهَاء عِمَاد وَلَيْسَتْ بِكِنَايَةٍ فِي قَوْل الْكُوفِيِّينَ . وَالصَّحِيح أَنَّهَا كِنَايَة عَنْ الْأَمْر وَالشَّأْن .
 
الْغَالِب الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء &quot; الْحَكِيم &quot; فِي أَمْره وَفِعْله . وَقِيلَ : قَالَ مُوسَى يَا رَبّ مَنْ الَّذِي نَادَى ؟ فَقَالَ لَهُ : &quot; إِنَّهُ &quot; أَيْ إِنِّي أَنَا الْمُنَادِي لَك &quot; أَنَا اللَّه &quot; .';
$TAFSEER['4']['27']['10'] = 'قَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : ظَنَّ مُوسَى أَنَّ اللَّه أَمَرَهُ أَنْ يَرْفُضهَا فَرَفَضَهَا وَقِيلَ : إِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ لِيَعْلَم مُوسَى أَنَّ الْمُكَلِّم لَهُ هُوَ اللَّه , وَأَنَّ مُوسَى رَسُوله ; وَكُلّ نَبِيّ لَا بُدّ لَهُ مِنْ آيَة فِي نَفْسه يَعْلَم بِهَا نُبُوَّته . وَفِي الْآيَة حَذْف : أَيْ وَأَلْقِ عَصَاك فَأَلْقَاهَا مِنْ يَده فَصَارَتْ حَيَّة تَهْتَزّ كَأَنَّهَا جَانّ , وَهِيَ الْحَيَّة الْخَفِيفَة الصَّغِيرَة الْجِسْم . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : لَا صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة . وَقِيلَ : إِنَّهَا قُلِبَتْ لَهُ أَوَّلًا حَيَّة صَغِيرَة فَلَمَّا أَنِسَ مِنْهَا قُلِبَتْ حَيَّة كَبِيرَة . وَقِيلَ : اِنْقَلَبَتْ مَرَّة حَيَّة صَغِيرَة , وَمَرَّة حَيَّة تَسْعَى وَهِيَ الْأُنْثَى , وَمَرَّة ثُعْبَانًا وَهُوَ الذَّكَر الْكَبِير مِنْ الْحَيَّات . وَقِيلَ : الْمَعْنَى اِنْقَلَبَتْ ثُعْبَانًا تَهْتَزّ كَأَنَّهَا جَانّ لَهَا عِظَم الثُّعْبَان وَخِفَّة الْجَانّ وَاهْتِزَازه وَهِيَ حَيَّة تَسْعَى . وَجَمْع الْجَانّ جِنَان ; وَمِنْهُ الْحَدِيث ( نَهْي عَنْ قَتْل الْجِنَان الَّتِي فِي الْبُيُوت ) .

خَائِفًا عَلَى عَادَة الْبَشَر
 
أَيْ لَمْ يَرْجِع ; قَالَهُ مُجَاهِد . وَقَالَ قَتَادَة : لَمْ يَلْتَفِت .
  
أَيْ مِنْ الْحَيَّة وَضَرَرهَا .
  
وَتَمَّ الْكَلَام ثُمَّ اِسْتَثْنَى اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِعًا فَقَالَ : &quot; إِلَّا مَنْ ظَلَمَ &quot; وَقِيلَ : إِنَّهُ اِسْتِثْنَاء مِنْ مَحْذُوف ; وَالْمَعْنَى : إِنِّي لَا يَخَاف لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ وَإِنَّمَا يَخَاف غَيْرهمْ مِمَّنْ ظَلَمَ';
$TAFSEER['4']['27']['11'] = 'فَإِنَّهُ لَا يَخَاف ; قَالَهُ الْفَرَّاء . قَالَ النَّحَّاس : اِسْتِثْنَاء مِنْ مَحْذُوف مُحَال ; لِأَنَّهُ اِسْتِثْنَاء مِنْ شَيْء لَمْ يُذْكَر وَلَوْ جَازَ هَذَا لَجَازَ إِنِّي لَأَضْرِب الْقَوْم إِلَّا زَيْدًا بِمَعْنَى إِنِّي لَا أَضْرِب الْقَوْم وَإِنَّمَا أَضْرِب غَيْرهمْ إِلَّا زَيْدًا ; وَهَذَا ضِدّ الْبَيَان , وَالْمَجِيء بِمَا لَا يُعْرَف مَعْنَاهُ . وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَيْضًا أَنَّ بَعْض النَّحْوِيِّينَ يَجْعَل إِلَّا بِمَعْنَى الْوَاو أَيْ وَلَا مَنْ ظَلَمَ ; قَالَ : وَكُلّ أَخٍ مُفَارِقه أَخُوهُ لَعَمْر أَبِيك إِلَّا الْفَرْقَدَانِ قَالَ النَّحَّاس : وَكَوْن &quot; إِلَّا &quot; بِمَعْنَى الْوَاو لَا وَجْه لَهُ وَلَا يَجُوز فِي شَيْء مِنْ الْكَلَام , وَمَعْنَى &quot; إِلَّا &quot; خِلَاف الْوَاو ; لِأَنَّك إِذَا قُلْت : جَاءَنِي إِخْوَتك إِلَّا زَيْدًا أَخْرَجْت زَيْدًا مِمَّا دَخَلَ فِيهِ الْإِخْوَة فَلَا نِسْبَة بَيْنهمَا وَلَا تَقَارُب . وَفِي الْآيَة قَوْل آخَر : وَهُوَ أَنْ يَكُون الِاسْتِثْنَاء مُتَّصِلًا ; وَالْمَعْنَى إِلَّا مَنْ ظَلَمَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ بِإِتْيَانِ الصَّغَائِر الَّتِي لَا يَسْلَم مِنْهَا أَحَد , سِوَى مَا رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَام , وَمَا ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى فِي نَبِيّنَا عَلَيْهِ السَّلَام فِي قَوْله : &quot; لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ &quot; [ الْفَتْح : 2 ] ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ وَاخْتَارَهُ النَّحَّاس ; وَقَالَ : عَلِمَ اللَّه مَنْ عَصَى مِنْهُمْ يُسْر الْخِيفَة فَاسْتَثْنَاهُ فَقَالَ : &quot; إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْد سُوء &quot; فَإِنَّهُ يَخَاف وَإِنْ كُنْت قَدْ غُفِرَتْ لَهُ . الضَّحَّاك : يَعْنِي آدَم وَدَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام الزَّمَخْشَرِيّ . كَاَلَّذِي فَرَطَ مِنْ آدَم وَيُونُس وَدَاوُد وَسُلَيْمَان وَإِخْوَة يُوسُف , وَمِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِوَكْزِهِ الْقِبْطِيّ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا مَعْنَى الْخَوْف بَعْد التَّوْبَة وَالْمَغْفِرَة ؟ قِيلَ لَهُ : هَذِهِ سَبِيل الْعُلَمَاء بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونُوا خَائِفِينَ مِنْ مَعَاصِيهمْ وَجِلِينَ , وَهُمْ أَيْضًا لَا يَأْمَنُونَ أَنْ يَكُون قَدْ بَقِيَ مِنْ أَشْرَاط التَّوْبَة شَيْء لَمْ يَأْتُوا بِهِ , فَهُمْ يَخَافُونَ مِنْ الْمُطَالَبَة بِهِ . وَقَالَ الْحَسَن وَابْن جُرَيْج : قَالَ اللَّه لِمُوسَى إِنِّي أَخَفْتُك لِقَتْلِك النَّفْس . قَالَ الْحَسَن : وَكَانَتْ الْأَنْبِيَاء تُذْنِب فَتُعَاقَب . قَالَ الثَّعْلَبِيّ وَالْقُشَيْرِيّ وَالْمَاوَرْدِيّ وَغَيْرهمْ : فَالِاسْتِثْنَاء عَلَى هَذَا صَحِيح ; أَيْ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ نَفْسه مِنْ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ فِيمَا فَعَلَ مِنْ صَغِيرَة قَبْل النُّبُوَّة . وَكَانَ مُوسَى خَافَ مِنْ قَتْل الْقِبْطِيّ وَتَابَ مِنْهُ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُمْ بَعْد النُّبُوَّة مَعْصُومُونَ مِنْ الصَّغَائِر وَالْكَبَائِر . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; . 

قُلْت : وَالْأَوَّل أَصَحّ لِتَنَصُّلِهِمْ مِنْ ذَلِكَ فِي الْقِيَامَة كَمَا فِي حَدِيث الشَّفَاعَة , وَإِذَا أَحْدَثَ الْمُقَرَّب حَدَثًا فَهُوَ وَإِنْ غُفِرَ لَهُ ذَلِكَ الْحَدَث فَأَثَر ذَلِكَ الْحَدَث بَاقٍ , وَمَا دَامَ الْأَثَر وَالتُّهْمَة قَائِمَة فَالْخَوْف كَائِن لَا خَوْف الْعُقُوبَة وَلَكِنْ خَوْف الْعَظَمَة , وَالْمُتَّهَم عِنْد السُّلْطَان يَجِد لِلتُّهْمَةِ حَزَازَة تُؤَدِّيه إِلَى أَنْ يُكَدِّر عَلَيْهِ صَفَاء الثِّقَة . وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَدْ كَانَ مِنْهُ الْحَدَث فِي ذَلِكَ الْفِرْعَوْنِيّ , ثُمَّ اِسْتَغْفَرَ وَأَقَرَّ بِالظُّلْمِ عَلَى نَفْسه , ثُمَّ غُفِرَ لَهُ , ثُمَّ قَالَ بَعْد الْمَغْفِرَة : &quot; رَبّ بِمَا أَنْعَمْت عَلَيَّ فَلَنْ أَكُون ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ &quot; [ الْقَصَص : 17 ] ثُمَّ اُبْتُلِيَ مِنْ الْغَد بِالْفِرْعَوْنِيِّ الْآخَر وَأَرَادَ أَنْ يَبْطِش بِهِ , فَصَارَ حَدَثًا آخَر بِهَذِهِ الْإِرَادَة . وَإِنَّمَا اُبْتُلِيَ مِنْ الْغَد لِقَوْلِهِ : &quot; فَلَنْ أَكُون ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ &quot; وَتِلْكَ كَلِمَة اِقْتِدَار مِنْ قَوْله لَنْ أَفْعَل , فَعُوقِبَ بِالْإِرَادَةِ حِين أَرَادَ أَنْ يَبْطِش وَلَمْ يَفْعَل , فَسُلِّطَ عَلَيْهِ الْإِسْرَائِيلِيّ حَتَّى أَفْشَى سِرّه ; لِأَنَّ الْإِسْرَائِيلِيّ لَمَّا رَآهُ تَشَمَّرَ لِلْبَطْشِ ظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدهُ , فَأَفْشَى عَلَيْهِ فَ &quot; قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلنِي كَمَا قَتَلْت نَفْسًا بِالْأَمْسِ &quot; [ الْقَصَص : 19 ] فَهَرَبَ الْفِرْعَوْنِيّ وَأَخْبَرَ فِرْعَوْن بِمَا أَفْشَى الْإِسْرَائِيلِيّ عَلَى مُوسَى , وَكَانَ الْقَتِيل بِالْأَمْسِ مَكْتُومًا أَمْره لَا يَدْرِي مَنْ قَتْله , فَلَمَّا عَلِمَ فِرْعَوْن بِذَلِكَ , وَجَّهَ فِي طَلَب مُوسَى لِيَقْتُلهُ , وَاشْتَدَّ الطَّلَب وَأَخَذُوا مَجَامِع الطُّرُق ; جَاءَ رَجُل يَسْعَى فَ &quot; قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأ يَأْتَمِرُونَ بِك لِيَقْتُلُوك &quot; [ الْقَصَص : 20 ] الْآيَة . فَخَرَجَ كَمَا أَخْبَرَ اللَّه . فَخَوْف مُوسَى إِنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْل هَذَا الْحَدَث ; فَهُوَ وَإِنْ قَرَّبَهُ وَبِهِ وَأَكْرَمَهُ وَاصْطَفَاهُ بِالْكَلَامِ فَالتُّهْمَة الْبَاقِيَة وَلَّتْ بِهِ وَلَمْ يُعَقِّب .';
$TAFSEER['4']['27']['12'] = 'قَالَ النَّحَّاس أَحْسَن مَا قِيلَ فِيهِ أَنَّ الْمَعْنَى : هَذِهِ الْآيَة دَاخِلَة فِي تِسْع آيَات . الْمَهْدَوِيّ : الْمَعْنَى : &quot; أَلْقِ عَصَاك &quot; &quot; وَأَدْخِلْ يَدك فِي جَيْبك &quot; فَهُمَا آيَتَانِ مِنْ تِسْع آيَات . وَقَالَ الْقُشَيْرِيّ مَعْنَاهُ : كَمَا تَقُول خَرَجْت فِي عَشَرَة نَفَر وَأَنْتَ أَحَدهمْ . أَيْ خَرَجْت عَاشِر عَشَرَة . فَ &quot; فِي &quot; بِمَعْنَى &quot; مِنْ &quot; لِقُرْبِهَا مِنْهَا كَمَا تَقُول خُذْ لِي عَشْرًا مِنْ الْإِبِل فِيهَا فَحْلَانِ أَيْ مِنْهَا . وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ فِي قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس : وَهَلْ يَنْعَمَن مَنْ كَانَ آخِر عَهْده ثَلَاثِينَ شَهْرًا فِي ثَلَاثَة أَحْوَال فِي بِمَعْنَى مِنْ . وَقِيلَ : فِي بِمَعْنَى مَعَ ; فَالْآيَات عَشَرَة مِنْهَا الْيَد , وَالتِّسْع : الْفَلْق وَالْعَصَا وَالْجَرَاد وَالْقُمَّل وَالطُّوفَان وَالدَّم وَالضَّفَادِع وَالسِّنِينَ وَالطَّمْس . وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان جَمِيعه .
 
قَالَ الْفَرَّاء : فِي الْكَلَام إِضْمَار لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ , أَيْ إِنَّك مَبْعُوث أَوْ مُرْسَل إِلَى فِرْعَوْن وَقَوْمه .
 
أَيْ خَارِجِينَ عَنْ طَاعَة اللَّه ; وَقَدْ تَقَدَّمَ :';
$TAFSEER['4']['27']['13'] = 'أَيْ وَاضِحَة بَيِّنَة . قَالَ الْأَخْفَش : وَيَجُوز مَبْصَرَة وَهُوَ مَصْدَر كَمَا يُقَال : الْوَلَد مَجْبَنَة .
  
جَرَوْا عَلَى عَادَتهمْ فِي التَّكْذِيب فَلِهَذَا قَالَ :';
$TAFSEER['4']['27']['14'] = 'أَيْ تَيَقَّنُوا أَنَّهَا مِنْ عِنْد اللَّه وَأَنَّهَا لَيْسَتْ سِحْرًا , وَلَكِنَّهُمْ كَفَرُوا بِهَا وَتَكَبَّرُوا أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُوسَى . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُعَانِدِينَ . وَ &quot; ظُلْمًا &quot; وَ &quot; عُلُوًّا &quot; مَنْصُوبَانِ عَلَى نَعْت مَصْدَر مَحْذُوف , أَيْ وَجَحَدُوا بِهَا جُحُودًا ظُلْمًا وَعُلُوًّا . وَالْبَاء زَائِدَة أَيْ وَجَحَدُوهَا ; قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة .
 
يَا مُحَمَّد
  
أَيْ آخِر أَمْر الْكَافِرِينَ الطَّاغِينَ , اُنْظُرْ ذَلِكَ بِعَيْنِ قَلْبك وَتَدَبَّرْ فِيهِ . الْخِطَاب لَهُ وَالْمُرَاد غَيْره .';
$TAFSEER['4']['27']['15'] = 'أَيْ فَهْمًا ; قَالَهُ قَتَادَة . وَقِيلَ : عِلْمًا بِالدِّينِ وَالْحُكْم وَغَيْرهمَا كَمَا قَالَ : &quot; وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَة لَبُوس لَكُمْ &quot; [ الْأَنْبِيَاء : 80 ] . وَقِيلَ : صَنْعَة الْكِيمْيَاء . وَهُوَ شَاذّ . وَإِنَّمَا الَّذِي آتَاهُمَا اللَّه النُّبُوَّة وَالْخِلَافَة فِي الْأَرْض وَالزَّبُور .
 
وَفِي الْآيَة دَلِيل عَلَى شَرَف الْعِلْم وَإِنَافَة مَحَلّه وَتَقَدُّم حَمَلَته وَأَهْله , وَأَنَّ نِعْمَة الْعِلْم مِنْ أَجَلّ النِّعَم وَأَجْزَل الْقِسَم , وَأَنَّ مَنْ أُوتِيَهُ فَقَدْ أُوتِيَ فَضْلًا عَلَى كَثِير مِنْ عِبَاد اللَّه الْمُؤْمِنِينَ . &quot; يَرْفَع اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَاَلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم دَرَجَات &quot; [ الْمُجَادَلَة : 11 ] . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي غَيْر مَوْضِع .';
$TAFSEER['4']['27']['16'] = 'قَالَ الْكَلْبِيّ : كَانَ لِدَاوُدَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَة عَشَرَ وَلَدًا فَوَرِثَ سُلَيْمَان مِنْ بَيْنهمْ نُبُوَّته وَمُلْكه , وَلَوْ كَانَ وِرَاثَة مَال لَكَانَ جَمِيع أَوْلَاده فِيهِ سَوَاء ; وَقَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ ; قَالَ : فَلَوْ كَانَتْ وِرَاثَة مَال لَانْقَسَمَتْ عَلَى الْعَدَد ; فَخَصَّ اللَّه سُلَيْمَان بِمَا كَانَ لِدَاوُدَ مِنْ الْحِكْمَة وَالنُّبُوَّة , وَزَادَهُ مِنْ فَضْله مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْده . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : دَاوُد مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَكَانَ مَلِكًا وَوَرِثَ سُلَيْمَان مُلْكه وَمَنْزِلَته مِنْ النُّبُوَّة , بِمَعْنَى صَارَ إِلَيْهِ ذَلِكَ بَعْد مَوْت أَبِيهِ فَسُمِّيَ مِيرَاثًا تَجَوُّزًا ; وَهَذَا نَحْو قَوْله : &quot; الْعُلَمَاء وَرَثَة الْأَنْبِيَاء &quot; وَيَحْتَمِل قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : &quot; إِنَّا مَعْشَر الْأَنْبِيَاء لَا نُورِث &quot; أَنْ يُرِيد أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْل الْأَنْبِيَاء وَسِيرَتهمْ , وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ وَرِثَ مَاله كَ &quot; زَكَرِيَّاء &quot; عَلَى أَشْهَر الْأَقْوَال فِيهِ ; وَهَذَا كَمَا تَقُول : إِنَّا مَعْشَر الْمُسْلِمِينَ إِنَّمَا شَغَلَتْنَا الْعِبَادَة , وَالْمُرَاد أَنَّ ذَلِكَ فِعْل الْأَكْثَر . وَمِنْهُ مَا حَكَى سِيبَوَيْهِ : إِنَّا مَعْشَر الْعَرَب أَقْرَى النَّاس لِلضَّيْفِ . 

قُلْت : قَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي &quot; مَرْيَم &quot; وَأَنَّ الصَّحِيح الْقَوْل الْأَوَّل لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : &quot; إِنَّا مَعْشَر الْأَنْبِيَاء لَا نُورَث &quot; فَهُوَ عَامّ وَلَا يَخْرُج مِنْهُ شَيْء إِلَّا بِدَلِيلٍ . قَالَ مُقَاتِل : كَانَ سُلَيْمَان أَعْظَم مُلْكًا مِنْ دَاوُد وَأَقْضَى مِنْهُ , وَكَانَ دَاوُد أَشَدّ تَعَبُّدًا مِنْ سُلَيْمَان . قَالَ غَيْره : وَلَمْ يَبْلُغ أَحَد مِنْ الْأَنْبِيَاء مَا بَلَغَ مُلْكه ; فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى سَخَّرَ لَهُ الْإِنْس وَالْجِنّ وَالطَّيْر وَالْوَحْش , وَآتَاهُ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ , وَوَرِثَ أَبَاهُ فِي الْمُلْك وَالنُّبُوَّة , وَقَامَ بَعْده بِشَرِيعَتِهِ , وَكُلّ نَبِيّ جَاءَ بَعْد مُوسَى مِمَّنْ بُعِثَ أَوْ لَمْ يُبْعَث فَإِنَّمَا كَانَ بِشَرِيعَةِ مُوسَى , إِلَى أَنْ بُعِثَ الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام فَنَسَخَهَا . وَبَيْنه وَبَيْن الْهِجْرَة نَحْو مِنْ أَلْف وَثَمَانمِائَةِ سَنَة . وَالْيَهُود تَقُول أَلْف وَثَلَاثمِائَةِ وَاثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سَنَة . وَقِيلَ : إِنَّ بَيْن مَوْته وَبَيْن مَوْلِد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ سَلَّمَ نَحْوًا مِنْ أَلْف وَسَبْعمِائَةٍ . وَالْيَهُود تُنْقِص مِنْهَا ثَلَاثمِائَةِ سَنَة , وَعَاشَ نَيِّفًا وَخَمْسِينَ سَنَة . قَوْله تَعَالَى : &quot; وَقَالَ يَا أَيّهَا النَّاس &quot; أَيْ قَالَ سُلَيْمَان لِبَنِي إِسْرَائِيل عَلَى جِهَة الشُّكْر لِنِعَمِ اللَّه &quot; عُلِّمْنَا مَنْطِق الطَّيْر &quot; أَيْ تَفَضَّلَ اللَّه عَلَيْنَا عَلَى مَا وَرِثْنَا مِنْ دَاوُد مِنْ الْعِلْم وَالنُّبُوَّة وَالْخِلَافَة فِي الْأَرْض فِي أَنْ فَهَّمَنَا مِنْ أَصْوَات الطَّيْر الْمَعَانِي الَّتِي فِي نُفُوسهَا . قَالَ مُقَاتِل فِي الْآيَة : كَانَ سُلَيْمَان جَالِسًا ذَات يَوْم إِذْ مَرَّ بِهِ طَائِر يَطُوف , فَقَالَ لِجُلَسَائِهِ : أَتَدْرُونَ مَا يَقُول هَذَا الطَّائِر ؟ إِنَّهَا قَالَتْ لِي : السَّلَام عَلَيْك أَيّهَا الْمَلِك الْمُسَلَّط وَالنَّبِيّ لِبَنِي إِسْرَائِيل ! أَعْطَاك اللَّه الْكَرَامَة , وَأَظْهَرَك عَلَى عَدُوّك , إِنِّي مُنْطَلِق إِلَى أَفْرَاخِي ثُمَّ أَمَرَ بِك الثَّانِيَة ; وَإِنَّهُ سَيَرْجِعُ إِلَيْنَا الثَّانِيَة ثُمَّ رَجَعَ ; فَقَالَ إِنَّهُ يَقُول : السَّلَام عَلَيْك أَيّهَا الْمَلِك الْمُسَلَّط , إِنْ شِئْت أَنْ تَأْذَن لِي كَيْمَا أَكْتَسِب عَلَى أَفْرَاخِي حَتَّى يَشِبُّوا ثُمَّ آتِيك فَافْعَلْ بِي مَا شِئْت . فَأَخْبَرَهُمْ سُلَيْمَان بِمَا قَالَ ; وَأَذِنَ لَهُ فَانْطَلَقَ . وَقَالَ فَرْقَد السَّبَخِيّ : مَرَّ سُلَيْمَان عَلَى بُلْبُل فَوْق شَجَرَة يُحَرِّك رَأْسه وَيُمِيل ذَنَبه , فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : أَتَدْرُونَ مَا يَقُول هَذَا الْبُلْبُل ؟ قَالُوا لَا يَا نَبِيّ اللَّه . قَالَ إِنَّهُ يَقُول : أَكَلْت نِصْف ثَمَرَة فَعَلَى الدُّنْيَا الْعَفَاء . وَمَرَّ بِهُدْهُدٍ فَوْق شَجَرَة وَقَدْ نَصَبَ لَهُ صَبِيّ فَخًّا فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان : اِحْذَرْ يَا هُدْهُد ! فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه ! هَذَا صَبِيّ لَا عَقْل لَهُ فَأَنَا أَسْخَر بِهِ . ثُمَّ رَجَعَ سُلَيْمَان فَوَجَدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي حِبَالَة الصَّبِيّ وَهُوَ فِي يَده , فَقَالَ : هُدْهُد مَا هَذَا ؟ قَالَ : مَا رَأَيْتهَا حَتَّى وَقَعْت فِيهَا يَا نَبِيّ اللَّه . قَالَ : وَيْحك ! فَأَنْتَ تَرَى الْمَاء تَحْت الْأَرْض أَمَا تَرَى الْفَخّ ! قَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه إِذَا نَزَلَ الْقَضَاء عَمِيَ الْبَصَر . وَقَالَ كَعْب . صَاحَ وَرَشَان عِنْد سُلَيْمَان بْن دَاوُد فَقَالَ : أَتَدْرُونَ مَا يَقُول ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ : إِنَّهُ يَقُول : لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ . وَصَاحَتْ فَاخِتَة , فَقَالَ : أَتَدْرُونَ مَا تَقُول ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ : إِنَّهَا تَقُول : لَيْتَ هَذَا الْخَلْق لَمْ يُخْلَقُوا وَلَيْتَهُمْ إِذْ خُلِقُوا عَلِمُوا لِمَاذَا خُلِقُوا . وَصَاحَ عِنْده طَاوُس , فَقَالَ : أَتَدْرُونَ مَا يَقُول ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ : إِنَّهُ يَقُول : كَمَا تَدِين تُدَان . وَصَاحَ عِنْده هُدْهُد فَقَالَ : أَتَدْرُونَ مَا يَقُول ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ : فَإِنَّهُ يَقُول : مَنْ لَا يَرْحَم لَا يُرْحَم . وَصَاحَ صُرَد عِنْده , فَقَالَ : أَتَدْرُونَ مَا يَقُول ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ : إِنَّهُ يَقُول : اِسْتَغْفِرُوا اللَّه يَا مُذْنِبِينَ ; فَمِنْ ثَمَّ نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْله . وَقِيلَ : إِنَّ الصُّرَد هُوَ الَّذِي دَلَّ آدَم عَلَى مَكَان الْبَيْت . وَهُوَ أَوَّل مَنْ صَامَ ; وَلِذَلِكَ يُقَال لِلصُّرَدِ الصَّوَّام ; رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة . وَصَاحَتْ عِنْده طِيطَوَى فَقَالَ : أَتَدْرُونَ مَا تَقُول ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ : إِنَّهَا تَقُول : كُلّ حَيّ مَيِّت وَكُلّ جَدِيد بَالٍ . وَصَاحَتْ خُطَّافَة عِنْده , فَقَالَ : أَتَدْرُونَ مَا تَقُول ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ : إِنَّهَا تَقُول : قَدِّمُوا خَيْرًا تَجِدُوهُ ; فَمِنْ ثَمَّ نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلهَا . وَقِيلَ : إِنَّ آدَم خَرَجَ مِنْ الْجَنَّة فَاشْتَكَى إِلَى اللَّه الْوَحْشَة , فَآنَسَهُ اللَّه تَعَالَى بِالْخُطَّافِ وَأَلْزَمَهَا الْبُيُوت , فَهِيَ لَا تُفَارِق بَنِي آدَم أُنْسًا لَهُمْ . قَالَ : وَمَعَهَا أَرْبَع آيَات مِنْ كِتَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : &quot; لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآن عَلَى جَبَل لَرَأَيْته &quot; [ الْحَشْر : 21 ] إِلَى آخِرهَا وَتَمُدّ صَوْتهَا بِقَوْلِهِ &quot; الْعَزِيز الْحَكِيم &quot; [ الْبَقَرَة : 129 ] . وَهَدَرَتْ حَمَامَة عِنْد سُلَيْمَان فَقَالَ : أَتَدْرُونَ مَا تَقُول ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ : إِنَّهَا تَقُول : سُبْحَان رَبِّي الْأَعْلَى عَدَد مَا فِي سَمَوَاته وَأَرْضه . وَصَاحَ قُمْرِيّ عِنْد سُلَيْمَان , فَقَالَ : أَتَدْرُونَ مَا يَقُول ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ إِنَّهُ يَقُول : سُبْحَان رَبِّي الْعَظِيم الْمُهَيْمِن . وَقَالَ كَعْب : وَحَدَّثَهُمْ سُلَيْمَان , فَقَالَ : الْغُرَاب يَقُول : اللَّهُمَّ اِلْعَنْ الْعَشَّار ; وَالْحِدَأَة تَقُول : &quot; كُلّ شَيْء هَالِك إِلَّا وَجْهه &quot; [ الْقَصَص : 88 ] . وَالْقَطَاة تَقُول : مَنْ سَكَتَ سَلِمَ . وَالْبَبَّغَاء تَقُول : وَيْل لِمَنْ الدُّنْيَا هَمّه . وَالضُّفْدَع يَقُول : سُبْحَان رَبِّي الْقُدُّوس . وَالْبَازِي يَقُول : سُبْحَان رَبِّي وَبِحَمْدِهِ . وَالسَّرَطَان يَقُول : سُبْحَان الْمَذْكُور بِكُلِّ لِسَان فِي كُلّ مَكَان . وَقَالَ مَكْحُول : صَاحَ دُرَّاج عِنْد سُلَيْمَان , فَقَالَ : أَتَدْرُونَ مَا يَقُول ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ : إِنَّهُ يَقُول : &quot; الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى &quot; [ طه : 5 ] . وَقَالَ الْحَسَن قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الدِّيك إِذَا صَاحَ قَالَ اُذْكُرُوا اللَّه يَا غَافِلِينَ ) . وَقَالَ الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( النَّسْر إِذَا صَاحَ قَالَ يَا بْن آدَم عِشْ مَا شِئْت فَآخِرك الْمَوْت وَإِذَا صَاحَ الْعُقَاب قَالَ فِي الْبُعْد مِنْ النَّاس الرَّاحَة وَإِذَا صَاحَ الْقُنْبر قَالَ إِلَهِي اِلْعَنْ مُبْغِضِي آلَ مُحَمَّد وَإِذَا صَاحَ الْخُطَّاف قَرَأَ : &quot; الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ &quot; [ الْفَاتِحَة : 2 ] إِلَى آخِرهَا فَيَقُول : &quot; وَلَا الضَّالِّينَ &quot; [ الْفَاتِحَة : 7 ] وَيَمُدّ بِهَا صَوْته كَمَا يَمُدّ الْقَارِئ . قَالَ قَتَادَة وَالشَّعْبِيّ : إِنَّمَا هَذَا الْأَمْر فِي الطَّيْر خَاصَّة , لِقَوْلِهِ : &quot; عُلِّمْنَا مَنْطِق الطَّيْر &quot; وَالنَّمْلَة طَائِر إِذْ قَدْ يُوجَد لَهُ أَجْنِحَة . قَالَ الشَّعْبِيّ : وَكَذَلِكَ كَانَتْ هَذِهِ النَّمْلَة ذَات جَنَاحَيْنِ . وَقَالَتْ فِرْقَة : بَلْ كَانَ فِي جَمِيع الْحَيَوَان , وَإِنَّمَا ذَكَرَ الطَّيْر لِأَنَّهُ كَانَ جُنْدًا مِنْ جُنْد سُلَيْمَان يَحْتَاجهُ فِي التَّظْلِيل عَنْ الشَّمْس وَفِي الْبَعْث فِي الْأُمُور فَخُصَّ بِالذِّكْرِ لِكَثْرَةِ مُدَاخَلَته ; وَلِأَنَّ أَمْر سَائِر الْحَيَوَان نَادِر وَغَيْر مُتَرَدِّد تَرْدَاد أَمْر الطَّيْر . وَقَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : وَالْمَنْطِق قَدْ يَقَع لِمَا يُفْهَم بِغَيْرِ كَلَام , وَاَللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَعْلَم بِمَا أَرَادَ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَا يَعْلَم إِلَّا مَنْطِق الطَّيْر فَنُقْصَان عَظِيم , وَقَدْ اِتَّفَقَ النَّاس عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَفْهَم كَلَام مَنْ لَا يَتَكَلَّم وَيُخْلَق لَهُ فِيهِ الْقَوْل مِنْ النَّبَات , فَكَانَ كُلّ نَبْت يَقُول لَهُ : أَنَا شَجَر كَذَا , أَنْفَع مِنْ كَذَا وَأَضُرّ مِنْ كَذَا ; فَمَا ظَنّك بِالْحَيَوَانِ .';
$TAFSEER['4']['27']['17'] = 'فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : 

الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : &quot; وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ &quot; &quot; حُشِرَ &quot; جُمِعَ وَالْحَشْر الْجَمْع وَمِنْهُ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : &quot; وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِر مِنْهُمْ أَحَدًا &quot; [ الْكَهْف : 47 ] وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي مِقْدَار جُنْد سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ; فَيُقَال : كَانَ مُعَسْكَره مِائَة فَرْسَخ فِي مِائَة : خَمْسَة وَعِشْرُونَ لِلْجِنِّ , وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ لِلْإِنْسِ , وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ لِلطَّيْرِ , وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ لِلْوَحْشِ , وَكَانَ لَهُ أَلْف بَيْت مِنْ قَوَارِير عَلَى الْخَشَب فِيهَا ثَلَاثمِائَةِ مَنْكُوحَة وَسَبْعمِائَةِ سَرِيَّة . اِبْن عَطِيَّة : وَاخْتُلِفَ فِي مُعَسْكَره وَمِقْدَار جُنْده اِخْتِلَافًا شَدِيدًا غَيْر أَنَّ الصَّحِيح أَنَّ مُلْكه كَانَ عَظِيمًا مَلَأَ الْأَرْض , وَانْقَادَتْ لَهُ الْمَعْمُورَة كُلّهَا . &quot; فَهُمْ يُوزَعُونَ &quot; مَعْنَاهُ يُرَدّ أَوَّلهمْ إِلَى آخِرهمْ وَيُكَفُّونَ . قَالَ قَتَادَة : كَانَ لِكُلِّ صِنْف وَزَعَة فِي رُتْبَتهمْ وَمَوَاضِعهمْ مِنْ الْكُرْسِيّ وَمِنْ الْأَرْض إِذَا مَشَوْا فِيهَا . يُقَال : وَزِعْته أَوْزَعَهُ وَزَعًا أَيْ كَفَفْته . وَالْوَازِع فِي الْحَرْب الْمُوَكَّل بِالصُّفُوفِ يَزَع مَنْ تَقَدَّمَ مِنْهُمْ . رَوَى مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ أَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر قَالَتْ : لَمَّا وَقَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي طُوَى - تَعْنِي يَوْم الْفَتْح - قَالَ أَبُو قُحَافَة وَقَدْ كُفَّ بَصَره يَوْمئِذٍ لِابْنَتِهِ : اِظْهَرِي بِي عَلَى أَبِي قُبَيْس . قَالَتْ : فَأَشْرَفَتْ بِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ : مَا تَرَيْنَ ؟ قَالَتْ : أَرَى سَوَادًا مُجْتَمِعًا . قَالَ : تِلْكَ الْخَيْل . قَالَتْ : وَأَرَى رَجُلًا مِنْ السَّوَاد مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا . قَالَ : ذَلِكَ الْوَازِع يَمْنَعهَا أَنْ تَنْتَشِر . وَذَكَرَ تَمَام الْخَبَر . وَمِنْ هَذَا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( مَا رُئِيَ الشَّيْطَان يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَر وَلَا أَدْحَر وَلَا أَحْقَر وَلَا أَغْيَظ مِنْهُ فِي يَوْم عَرَفَة وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّل الرَّحْمَة وَتَجَاوُز اللَّه عَنْهُ الذُّنُوب الْعِظَام إِلَّا مَا رَأَى يَوْم بَدْر ) قِيلَ : وَمَا رَأَى يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : ( أَمَا أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيل يَزَع الْمَلَائِكَة ) خَرَّجَهُ الْمُوَطَّأ . وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْل النَّابِغَة : عَلَى حِين عَاتَبْت الْمَشِيب عَلَى الصِّبَا وَقُلْت أَلَمَّا أَصْحُ وَالشَّيْب وَازِع آخَر : وَلَمَّا تَلَاقَيْنَا جَرَتْ مِنْ جُفُوننَا دُمُوع وَزَعْنَا غَرْبهَا بِالْأَصَابِعِ آخَر : ش وَلَا يَزَع النَّفْس اللَّجُوج عَنْ الْهَوَى /و مِنْ النَّاس إِلَّا وَافِر الْعَقْل كَامِله ش وَقِيلَ : هُوَ مِنْ التَّوْزِيع بِمَعْنَى التَّفْرِيق . وَالْقَوْم أَوْزَاع أَيْ طَوَائِف . وَفِي الْقِصَّة : إِنَّ الشَّيَاطِين نَسَجَتْ لَهُ بِسَاطًا فَرْسَخًا فِي فَرْسَخ ذَهَبًا فِي إِبْرَيْسِم , وَكَانَ يُوضَع لَهُ كُرْسِيّ مِنْ ذَهَب وَحَوْله ثَلَاثَة آلَاف كُرْسِيّ مِنْ ذَهَب وَفِضَّة فَيَقْعُد الْأَنْبِيَاء عَلَى كَرَاسِيّ الذَّهَب , وَالْعُلَمَاء عَلَى كَرَاسِيّ الْفِضَّة . 

الثَّانِيَة : فِي الْآيَة دَلِيل عَلَى اِتِّخَاذ الْإِمَام وَالْحُكَّام وَزَعَة يَكُفُّونَ النَّاس وَيَمْنَعُونَهُمْ مِنْ تَطَاوُل بَعْضهمْ عَلَى بَعْض ; إِذْ لَا يُمْكِن الْحُكَّام ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِمْ . وَقَالَ اِبْن عَوْن : سَمِعْت الْحَسَن يَقُول وَهُوَ فِي مَجْلِس قَضَائِهِ لَمَّا رَأَى مَا يَصْنَع النَّاس قَالَ : وَاَللَّه مَا يَصْلُح هَؤُلَاءِ النَّاس إِلَّا وَزَعَة . وَقَالَ الْحَسَن أَيْضًا : لَا بُدّ لِلنَّاسِ مِنْ وَازِع ; أَيْ مِنْ سُلْطَان يَكُفّهُمْ . وَذَكَرَ اِبْن الْقَاسِم قَالَ حَدَّثَنَا مَالِك أَنَّ عُثْمَان بْن عَفَّان كَانَ يَقُول : مَا يَزَع الْإِمَام أَكْثَر مِمَّا يَزَع الْقُرْآن ; أَيْ مِنْ النَّاس . قَالَ اِبْن الْقَاسِم : قُلْت لِمَالِكٍ مَا يَزَع ؟ قَالَ : يَكُفّ . قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : وَقَدْ جَهِلَ قَوْم الْمُرَاد بِهَذَا الْكَلَام , فَظَنُّوا أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ قُدْرَة السُّلْطَان تَرْدَع النَّاس أَكْثَر مِمَّا تَرْدَعهُمْ حُدُود الْقُرْآن وَهَذَا جَهْل بِاَللَّهِ وَحِكْمَته . قَالَ : فَإِنَّ اللَّه مَا وَضَعَ الْحُدُود إِلَّا مَصْلَحَة عَامَّة كَافَّة قَائِمَة لِقِوَامِ الْخَلْق , لَا زِيَادَة عَلَيْهَا , وَلَا نُقْصَان مَعَهَا , وَلَا يَصْلُح سِوَاهَا , وَلَكِنَّ الظَّلَمَة خَاسُوا بِهَا , وَقَصَّرُوا عَنْهَا , وَأَتَوْا مَا أَتَوْا بِغَيْرِ نِيَّة , وَلَمْ يَقْصِدُوا وَجْه اللَّه فِي الْقَضَاء بِهَا , فَلَمْ يَرْتَدِع الْخَلْق بِهَا , وَلَوْ حَكَمُوا بِالْعَدْلِ , وَأَخْلَصُوا النِّيَّة , لَاسْتَقَامَتْ الْأُمُور , وَصَلَحَ الْجُمْهُور .';
$TAFSEER['4']['27']['18'] = 'قَالَ قَتَادَة : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ وَادٍ بِأَرْضِ الشَّام . وَقَالَ كَعْب : هُوَ بِالطَّائِفِ .
 
قَالَ الشَّعْبِيّ : كَانَ لِلنَّمْلَةِ جَنَاحَانِ فَصَارَتْ مِنْ الطَّيْر , فَلِذَلِكَ عَلِمَ مَنْطِقهَا وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا عَلِمَهُ . وَقَدْ مَضَى هَذَا وَيَأْتِي . وَقَرَأَ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ بِمَكَّةَ : &quot; نَمُلَة &quot; وَ &quot; النَّمُل &quot; بِفَتْحِ النُّون وَضَمّ الْمِيم . وَعَنْهُ أَيْضًا ضَمّهمَا جَمِيعًا . وَسُمِّيَتْ النَّمْلَة نَمْلَة لِتَنَمُّلِهَا وَهُوَ كَثْرَة حَرَكَتهَا وَقِلَّة قَرَارهَا . قَالَ كَعْب : مَرَّ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام بِوَادِي السَّدِير مِنْ أَوْدِيَة الطَّائِف , فَأَتَى عَلَى وَادِي النَّمْل , فَقَامَتْ نَمْلَة تَمْشِي وَهِيَ عَرْجَاء تَتَكَاوَس مِثْل الذِّئْب فِي الْعِظَم ; فَنَادَتْ : &quot; يَا أَيّهَا النَّمْل &quot; الْآيَة . الزَّمَخْشَرِيّ : سَمِعَ سُلَيْمَان كَلَامهَا مِنْ ثَلَاثَة أَمْيَال , وَكَانَتْ تَمْشِي وَهِيَ عَرْجَاء تَتَكَاوَس ; وَقِيلَ : كَانَ اِسْمهَا طَاخِية . وَقَالَ السُّهَيْلِيّ : ذَكَرُوا اِسْم النَّمْلَة الْمُكَلِّمَة لِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَام , وَقَالُوا اِسْمهَا حَرْمِيَا , وَلَا أَدْرِي كَيْف يُتَصَوَّر لِلنَّمْلَةِ اِسْم عَلَم وَالنَّمْل لَا يُسَمِّي بَعْضهمْ بَعْضًا , وَلَا الْآدَمِيُّونَ يُمْكِنهُمْ تَسْمِيَة وَاحِدَة مِنْهُمْ بِاسْمِ عَلَم , لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّز لِلْآدَمِيِّينَ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , وَلَا هُمْ أَيْضًا وَاقِعُونَ تَحْت مَلَكَة بَنِي آدَم كَالْخَيْلِ وَالْكِلَاب وَنَحْوهَا , فَإِنَّ الْعَلَمِيَّة فِيمَا كَانَ كَذَلِكَ مَوْجُودَة عِنْد الْعَرَب . فَإِنْ قُلْت : إِنَّ الْعَلَمِيَّة مَوْجُودَة فِي الْأَجْنَاس كَثُعَالَةَ وَأُسَامَة وَجَعَار وَقَثَام فِي الضَّبْع وَنَحْو هَذَا كَثِير ; فَلَيْسَ اِسْم النَّمْلَة مِنْ هَذَا ; لِأَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُ اِسْم عَلَم لِنَمْلَةٍ وَاحِدَة مُعَيَّنَة مِنْ بَيْن سَائِر النَّمْل , وَثُعَالَة وَنَحْوه لَا يَخْتَصّ بِوَاحِدٍ مِنْ الْجِنْس , بَلْ كُلّ وَاحِد رَأَيْته مِنْ ذَلِكَ الْجِنْس فَهُوَ ثُعَالَة , وَكَذَلِكَ أُسَامَة وَابْن آوَى وَابْن عِرْس وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . فَإِنْ صَحَّ مَا قَالُوهُ فَلَهُ وَجْه , وَهُوَ أَنْ تَكُون هَذِهِ النَّمْلَة النَّاطِقَة قَدْ سُمِّيَتْ بِهَذَا الِاسْم فِي التَّوْرَاة أَوْ فِي الزَّبُور أَوْ فِي بَعْض الصُّحُف سَمَّاهَا اللَّه تَعَالَى بِهَذَا الِاسْم , وَعَرَّفَهَا بِهِ الْأَنْبِيَاء قَبْل سُلَيْمَان أَوْ بَعْضهمْ . وَخُصَّتْ بِالتَّسْمِيَةِ لِنُطْقِهَا وَإِيمَانهَا فَهَذَا وَجْه . وَمَعْنَى قَوْلنَا بِإِيمَانِهَا أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّمْلِ : &quot; لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَان وَجُنُوده وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ &quot;
  
فَقَوْلهَا : &quot; وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ &quot; اِلْتِفَاتَة مُؤْمِن . أَيْ مِنْ عَدْل سُلَيْمَان وَفَضْله وَفَضْل جُنُوده لَا يَحْطِمُونَ نَمْلَة فَمَا فَوْقهَا إِلَّا بِأَلَّا يَشْعُرُوا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ تَبَسُّم سُلَيْمَان سُرُور بِهَذِهِ الْكَلِمَة مِنْهَا ; وَلِذَلِكَ أُكِّدَ التَّبَسُّم بِقَوْلِهِ : &quot; ضَاحِكًا &quot; إِذْ قَدْ يَكُون التَّبَسُّم مِنْ غَيْر ضَحِك وَلَا رِضًا , أَلَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ تَبَسَّمَ تَبَسُّم الْغَضْبَان وَتَبَسَّمَ تَبَسُّم الْمُسْتَهْزِئِينَ . وَتَبَسُّم الضَّحِك إِنَّمَا هُوَ عَنْ سُرُور , وَلَا يُسَرّ نَبِيّ بِأَمْرِ دُنْيَا ; وَإِنَّمَا سُرَّ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْر الْآخِرَة وَالدِّين . وَقَوْلهَا : &quot; وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ &quot; إِشَارَة إِلَى الدِّين وَالْعَدْل وَالرَّأْفَة . وَنَظِير قَوْل النَّمْلَة فِي جُنْد سُلَيْمَان : &quot; وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ &quot; قَوْل اللَّه تَعَالَى فِي جُنْد مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : &quot; فَتُصِيبكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّة بِغَيْرِ عِلْم &quot; [ الْفَتْح : 25 ] . اِلْتِفَاتًا إِلَى أَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ هَدْر مُؤْمِن . إِلَّا أَنَّ الْمُثْنِي عَلَى جُنْد سُلَيْمَان هِيَ النَّمْلَة بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى , وَالْمُثْنِي عَلَى جُنْد مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِنَفْسِهِ ; لِمَا لِجُنُودِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْفَضْل عَلَى جُنْد غَيْره مِنْ الْأَنْبِيَاء ; كَمَا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضْل عَلَى جَمِيع النَّبِيِّينَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ أَجْمَعِينَ . وَقَرَأَ شَهْر بْن حَوْشَب : &quot; مَسْكَنكُمْ &quot; بِسُكُونِ السِّين عَلَى الْإِفْرَاد . وَفِي مُصْحَف أُبَيّ &quot; مَسَاكِنكُنَّ لَا يَحْطِمَنْكُمْ &quot; . وَقَرَأَ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ : &quot; مَسَاكِنكُمْ لَا يَحْطِمَنْكُنَّ &quot; ذَكَرَهُ النَّحَّاس ; أَيْ لَا يَكْسِرُنَّكُمْ بِوَطْئِهِمْ عَلَيْكُمْ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِكَمْ قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَأَفْهَمَ اللَّه تَعَالَى النَّمْلَة هَذَا لِتَكُونَ مُعْجِزَة لِسُلَيْمَانَ . وَقَالَ وَهْب : أَمَرَ اللَّه تَعَالَى الرِّيح أَلَّا يَتَكَلَّم أَحَد بِشَيْءٍ إِلَّا طَرَحَتْهُ فِي سَمْع سُلَيْمَان ; بِسَبَبِ أَنَّ الشَّيَاطِين أَرَادَتْ كَيْده . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذَا الْوَادِي كَانَ بِبِلَادِ الْيَمَن وَأَنَّهَا كَانَتْ نَمْلَة صَغِيرَة مِثْل النَّمْل الْمُعْتَاد قَالَهُ الْكَلْبِيّ . وَقَالَ نَوْف الشَّامِيّ وَشَقِيق بْن سَلَمَة : كَانَ نَمْل ذَلِكَ الْوَادِي كَهَيْئَةِ الذِّئَاب فِي الْعِظَم . وَقَالَ بُرَيْدَة الْأَسْلَمِيّ : كَهَيْئَةِ النِّعَاج . قَالَ مُحَمَّد بْن عَلِيّ التِّرْمِذِيّ : فَإِنْ كَانَ عَلَى هَذِهِ الْخِلْقَة فَلَهَا صَوْت , وَإِنَّمَا اُفْتُقِدَ صَوْت النَّمْل لِصِغَرِ خَلْقهَا , وَإِلَّا فَالْأَصْوَات فِي الطُّيُور وَالْبَهَائِم كَائِنَة , وَذَلِكَ مَنْطِقهمْ , وَفِي تِلْكَ الْمَنَاطِق مَعَانِي التَّسْبِيح وَغَيْر ذَلِكَ , وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : &quot; وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلَّا يُسَبِّح بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحهمْ &quot; [ الْإِسْرَاء : 44 ] . 

قُلْت : وَقَوْله : &quot; لَا يَحْطِمَنَّكُمْ &quot; يَدُلّ عَلَى صِحَّة قَوْل الْكَلْبِيّ ; إِذْ لَوْ كَانَتْ كَهَيْئَةِ الذِّئَاب وَالنِّعَاج لَمَا حُطِمَتْ بِالْوَطْءِ ; وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ : &quot; اُدْخُلُوا مَسَاكِنكُمْ &quot; فَجَاءَ عَلَى خِطَاب الْآدَمِيِّينَ لِأَنَّ النَّمْل هَاهُنَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْآدَمِيِّينَ حِين نَطَقَ كَمَا يَنْطِق الْآدَمِيُّونَ . قَالَ أَبُو إِسْحَاق الثَّعْلَبِيّ : وَرَأَيْت فِي بَعْض الْكُتُب أَنَّ سُلَيْمَان قَالَ لَهَا لِمَ حَذَّرْت النَّمْل ؟ أَخِفْت ظُلْمِي ؟ أَمَا عَلِمْت أَنِّي نَبِيّ عَدْل ؟ فَلِمَ قُلْت : &quot; يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَان وَجُنُوده &quot; فَقَالَتْ النَّمْلَة : أَمَا سَمِعْت قَوْلِي : &quot; وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ &quot; مَعَ أَنِّي لَمْ أُرِدْ حَطْم النُّفُوس , وَإِنَّمَا أَرَدْت حَطْم الْقُلُوب خَشْيَة أَنْ يَتَمَنَّيْنَ مِثْل مَا أُعْطِيت , أَوْ يُفْتَتَنَّ بِالدُّنْيَا , وَيُشْغَلْنَ بِالنَّظَرِ إِلَى مُلْكك عَنْ التَّسْبِيح وَالذِّكْر . فَقَالَ لَهَا سُلَيْمَان : عِظِينِي . فَقَالَتْ النَّمْلَة : أَمَا عَلِمْت لِمَ سُمِّيَ أَبُوك دَاوُد ؟ قَالَ : لَا . قَالَتْ : لِأَنَّهُ دَاوَى جِرَاحَة فُؤَاده ; هَلْ عَلِمْت لِمَ سُمِّيت سُلَيْمَان ؟ قَالَ : لَا . قَالَتْ : لِأَنَّك سَلِيم النَّاحِيَة عَلَى مَا أُوتِيته بِسَلَامَةِ صَدْرك , وَإِنَّ لَك أَنْ تَلْحَق بِأَبِيك . ثُمَّ قَالَتْ : أَتَدْرِي لِمَ سَخَّرَ اللَّه لَك الرِّيح ؟ قَالَ : لَا . قَالَتْ : أُخْبِرك أَنَّ الدُّنْيَا كُلّهَا رِيح .';
$TAFSEER['4']['27']['19'] = 'مُتَعَجِّبًا ثُمَّ مَضَتْ مُسْرِعَة إِلَى قَوْمهَا , فَقَالَتْ : هَلْ عِنْدكُمْ مِنْ شَيْء نُهْدِيه إِلَى نَبِيّ اللَّه ؟ قَالُوا : وَمَا قَدْر مَا نُهْدِي لَهُ ! وَاَللَّه مَا عِنْدنَا إِلَّا نَبْقَة وَاحِدَة . قَالَتْ : حَسَنَة ; ايتُونِي بِهَا . فَأَتَوْهَا بِهَا فَحَمَلَتْهَا بِفِيهَا فَانْطَلَقَتْ تَجُرّهَا , فَأَمَرَ اللَّه الرِّيح فَحَمَلَتْهَا , وَأَقْبَلَتْ تَشُقّ الْإِنْس وَالْجِنّ وَالْعُلَمَاء وَالْأَنْبِيَاء عَلَى الْبِسَاط , حَتَّى وَقَعَتْ بَيْن يَدَيْهِ , ثُمَّ وَضَعَتْ تِلْكَ النَّبْقَة مِنْ فِيهَا فِي كَفّه , وَأَنْشَأَتْ تَقُول : أَلَمْ تَرَنَا نُهْدِي إِلَى اللَّه مَاله وَإِنْ كَانَ عَنْهُ ذَا غِنًى فَهُوَ قَابِله وَلَوْ كَانَ يُهْدَى لِلْجَلِيلِ بِقَدْرِهِ لَقَصَّرَ عَنْهُ الْبَحْر يَوْمًا وَسَاحِله وَلَكِنَّنَا نُهْدِي إِلَى مَنْ نُحِبّهُ فَيَرْضَى بِهِ عَنَّا وَيَشْكُر فَاعِله وَمَا ذَاكَ إِلَّا مِنْ كَرِيم فِعَاله وَإِلَّا فَمَا فِي مُلْكنَا مَا يُشَاكِلهُ فَقَالَ لَهَا : بَارَكَ اللَّه فِيكُمْ ; فَهُمْ بِتِلْكَ الدَّعْوَة أَشْكَر خَلْق اللَّه وَأَكْثَر خَلْق اللَّه . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : نَهَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْل أَرْبَع مِنْ الدَّوَابّ : الْهُدْهُد وَالصُّرَد وَالنَّمْلَة وَالنَّحْلَة ; خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْحَقّ وَرُوِيَ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة . وَقَدْ مَضَى فِي &quot; الْأَعْرَاف &quot; . فَالنَّمْلَة أَثْنَتْ عَلَى سُلَيْمَان وَأَخْبَرَتْ بِأَحْسَنِ مَا تَقْدِر عَلَيْهِ بِأَنَّهُمْ لَا يَشْعُرُونَ إِنْ حَطَمُوكُمْ , وَلَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ عَنْ عَمْد مِنْهُمْ , فَنَفَتْ عَنْهُمْ الْجَوْر ; وَلِذَلِكَ نَهَى عَنْ قَتْلهَا , وَعَنْ قَتْل الْهُدْهُد ; لِأَنَّهُ كَانَ دَلِيل سُلَيْمَان عَلَى الْمَاء وَرَسُوله إِلَى بِلْقِيس . وَقَالَ عِكْرِمَة : إِنَّمَا صَرَفَ اللَّه شَرّ سُلَيْمَان عَنْ الْهُدْهُد لِأَنَّهُ كَانَ بَارًّا بِوَالِدَيْهِ . وَالصُّرَد يُقَال لَهُ الصَّوَّام . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : أَوَّل مَنْ صَامَ الصُّرَد وَلَمَّا خَرَجَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ الشَّام إِلَى الْحَرَم فِي بِنَاء الْبَيْت كَانَتْ السَّكِينَة مَعَهُ وَالصُّرَد , فَكَانَ الصُّرَد دَلِيله عَلَى الْمَوْضِع وَالسَّكِينَة مِقْدَاره , فَلَمَّا صَارَ إِلَى الْبُقْعَة وَقَعَتْ السَّكِينَة عَلَى مَوْضِع الْبَيْت وَنَادَتْ وَقَالَتْ : اِبْن يَا إِبْرَاهِيم عَلَى مِقْدَار ظِلِّي . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي &quot; الْأَعْرَاف &quot; سَبَب النَّهْي عَنْ قَتْل الضُّفْدَع وَفِي &quot; النَّحْل &quot; النَّهْي عَنْ قَتْل النَّحْل . وَالْحَمْد لِلَّهِ . 

قَرَأَ الْحَسَن : &quot; لَا يَحَطِّمَنَّكُمْ &quot; وَعَنْهُ أَيْضًا &quot; لَا يِحَطِّمَنَّكُمْ &quot; وَعَنْهُ أَيْضًا وَعَنْ أَبِي رَجَاء : &quot; لَا يُحَطِّمَنكُمْ &quot; وَالْحَطْم الْكَسْر . حَطَمْته حَطْمًا أَيْ كَسَرْته وَتَحَطَّمَ ; وَالتَّحْطِيم التَّكْسِير , &quot; وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ &quot; يَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا مِنْ سُلَيْمَان , وَجُنُوده , وَالْعَامِل فِي الْحَال &quot; يَحْطِمَنَّكُمْ &quot; . أَوْ حَالًا مِنْ النَّمْلَة وَالْعَامِل &quot; قَالَتْ &quot; : أَيْ قَالَتْ ذَلِكَ فِي حَال غَفْلَة الْجُنُود ; كَقَوْلِك : قُمْت وَالنَّاس غَافِلُونَ . أَوْ حَالًا مِنْ النَّمْل أَيْضًا وَالْعَامِل &quot; قَالَتْ &quot; عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى : وَالنَّمْل لَا يَشْعُرُونَ أَنَّ سُلَيْمَان يَفْهَم مَقَالَتهَا . وَفِيهِ بُعْد وَسَيَأْتِي . 

رَوَى مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَّ نَمْلَة قَرَصَتْ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاء فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْل فَأُحْرِقَتْ فَأَوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ أَفِي أَنْ قَرَصَتْك نَمْلَة أَهْلَكْت أُمَّة مِنْ الْأُمَم تُسَبِّح ) وَفِي طَرِيق آخَر : &quot; فَهَلَّا نَمْلَة وَاحِدَة &quot; . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : يُقَال إِنَّ هَذَا النَّبِيّ هُوَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , وَإِنَّهُ قَالَ : يَا رَبّ تُعَذِّب أَهْل قَرْيَة بِمَعَاصِيهِمْ وَفِيهِمْ الطَّائِع . فَكَأَنَّهُ أَحَبّ أَنْ يُرِيه ذَلِكَ مِنْ عِنْده , فَسَلَّطَ عَلَيْهِ الْحَرّ حَتَّى اِلْتَجَأَ إِلَى شَجَرَة مُسْتَرْوِحًا إِلَى ظِلّهَا , وَعِنْدهَا قَرْيَة النَّمْل , فَغَلَبَهُ النَّوْم , فَلَمَّا وَجَدَ لَذَّة النَّوْم لَدَغَتْهُ النَّمْلَة فَأَضْجَرَتْهُ , فَدَلَكَهُنَّ بِقَدَمِهِ فَأَهْلَكَهُنَّ , وَأَحْرَقَ تِلْكَ الشَّجَرَة الَّتِي عِنْدهَا مَسَاكِنهمْ , فَأَرَاهُ اللَّه الْعِبْرَة فِي ذَلِكَ آيَة : لَمَّا لَدَغَتْك نَمْلَة فَكَيْف أَصَبْت الْبَاقِينَ بِعُقُوبَتِهَا ! يُرِيد أَنْ يُنَبِّههُ أَنَّ الْعُقُوبَة مِنْ اللَّه تَعَالَى تَعُمّ فَتَصِير رَحْمَة عَلَى الْمُطِيع وَطَهَارَة وَبَرَكَة , وَشَرًّا وَنِقْمَة عَلَى الْعَاصِي . وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ فِي الْحَدِيث مَا يَدُلّ عَلَى كَرَاهَة وَلَا حَظْر فِي قَتْل النَّمْل ; فَإِنَّ مَنْ آذَاك حَلَّ لَك دَفْعه عَنْ نَفْسك , وَلَا أَحَد مِنْ خَلْقه أَعْظَم حُرْمَة مِنْ الْمُؤْمِن , وَقَدْ أُبِيحَ لَك دَفْعه عَنْك بِقَتْلِ وَضَرْب عَلَى الْمِقْدَار , فَكَيْف بِالْهَوَامِّ وَالدَّوَابّ الَّتِي قَدْ سُخِّرَتْ لَك وَسُلِّطْت عَلَيْهَا , فَإِذَا آذَاك أُبِيحَ لَك قَتْله . وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيم : مَا آذَاك مِنْ النَّمْل فَاقْتُلْهُ . وَقَوْله : ( إِلَّا نَمْلَة وَاحِدَة ) دَلِيل عَلَى أَنَّ الَّذِي يُؤْذِي يُؤْذَى وَيُقْتَل , وَكُلَّمَا كَانَ الْقَتْل لِنَفْعٍ أَوْ دَفْع ضَرَر فَلَا بَأْس بِهِ عِنْد الْعُلَمَاء . وَأَطْلَقَ لَهُ نَمْلَة وَلَمْ يَخُصّ تِلْكَ النَّمْلَة الَّتِي لَدَغَتْ مِنْ غَيْرهَا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَاد الْقِصَاص ; لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَهُ لَقَالَ أَلَا نَمْلَتك الَّتِي لَدَغَتْك , وَلَكِنْ قَالَ : أَلَا نَمْلَة مَكَان نَمْلَة ; فَعَمَّ الْبَرِيء وَالْجَانِي بِذَلِكَ , لِيَعْلَم أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُنَبِّههُ لِمَسْأَلَتِهِ رَبّه فِي عَذَاب أَهْل قَرْيَة وَفِيهِمْ الْمُطِيع وَالْعَاصِي . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذَا النَّبِيّ كَانَتْ الْعُقُوبَة لِلْحَيَوَانِ بِالتَّحْرِيقِ جَائِزَة فِي شَرْعه ; فَلِذَلِكَ إِنَّمَا عَاتَبَهُ اللَّه تَعَالَى فِي إِحْرَاق الْكَثِير مِنْ النَّمْل لَا فِي أَصْل الْإِحْرَاق . أَلَا تَرَى قَوْله : ( فَهَلَّا نَمْلَة وَاحِدَة ) أَيْ هَلَّا حَرَّقْت نَمْلَة وَاحِدَة . وَهَذَا بِخِلَافِ شَرْعنَا , فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنْ التَّعْذِيب بِالنَّارِ . وَقَالَ : ( لَا يُعَذِّب بِالنَّارِ إِلَّا اللَّه ) . وَكَذَلِكَ أَيْضًا كَانَ قَتْل النَّمْل مُبَاحًا فِي شَرِيعَة ذَلِكَ النَّبِيّ ; فَإِنَّ اللَّه لَمْ يَعْتِبهُ عَلَى أَصْل قَتْل النَّمْل . وَأَمَّا شَرْعنَا فَقَدْ جَاءَ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس وَأَبِي هُرَيْرَة النَّهْي عَنْ ذَلِكَ . وَقَدْ كَرِهَ مَالِك قَتْل النَّمْل إِلَّا أَنْ يَضُرّ وَلَا يُقْدَر عَلَى دَفْعه إِلَّا بِالْقَتْلِ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذَا النَّبِيّ إِنَّمَا عَاتَبَهُ اللَّه حَيْثُ اِنْتَقَمَ لِنَفْسِهِ بِإِهْلَاكِ جَمْع آذَاهُ وَاحِد , وَكَانَ الْأَوْلَى الصَّبْر وَالصَّفْح ; لَكِنْ وَقَعَ لِلنَّبِيِّ أَنَّ هَذَا النَّوْع مُؤْذٍ لِبَنِي آدَم , وَحُرْمَة بَنِي آدَم أَعْظَم مِنْ حُرْمَة غَيْره مِنْ الْحَيَوَان غَيْر النَّاطِق , فَلَوْ اِنْفَرَدَ لَهُ هَذَا النَّظَر وَلَمْ يَنْضَمّ إِلَيْهِ التَّشَفِّي الطَّبْعِيّ لَمْ يُعَاتَب . وَاَللَّه أَعْلَم . لَكِنْ لَمَّا اِنْضَافَ إِلَيْهِ التَّشَفِّي الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاق الْحَدِيث عُوتِبَ عَلَيْهِ . 

قَوْله : ( أَفِي أَنْ قَرَصَتْك نَمْلَة أَهْلَكْت أُمَّة مِنْ الْأُمَم تُسَبِّح ) مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ تَسْبِيح بِمَقَالٍ وَنُطْق , كَمَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْ النَّمْل أَنَّ لَهَا مَنْطِقًا وَفَهِمَهُ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام - وَهَذَا مُعْجِزَة لَهُ - وَتَبَسَّمَ مِنْ قَوْلهَا . وَهَذَا يَدُلّ دَلَالَة وَاضِحَة أَنَّ لِلنَّمْلِ نُطْقًا وَقَوْلًا , لَكِنْ لَا يَسْمَعهُ كُلّ أَحَد , بَلْ مَنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى مِمَّنْ خَرَقَ لَهُ الْعَادَة مِنْ نَبِيّ أَوْ وَلِيّ . وَلَا نُنْكِر هَذَا مِنْ حَيْثُ أَنَّا لَا نَسْمَع ذَلِكَ ; فَإِنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ عَدَم الْإِدْرَاك عَدَم الْمُدْرَك فِي نَفْسه . ثُمَّ إِنَّ الْإِنْسَان يَجِد فِي نَفْسه قَوْلًا وَكَلَامًا وَلَا يُسْمَع مِنْهُ إِلَّا إِذَا نَطَقَ بِلِسَانِهِ . وَقَدْ خَرَقَ اللَّه الْعَادَة لِنَبِيِّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْمَعَهُ كَلَام النَّفْس مِنْ قَوْم تَحَدَّثُوا مَعَ أَنْفُسهمْ وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا فِي نُفُوسهمْ , كَمَا قَدْ نَقَلَ مِنْهُ الْكَثِير مِنْ أَئِمَّتنَا فِي كُتُب مُعْجِزَات النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَكَذَلِكَ وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِمَّنْ أَكْرَمَهُ اللَّه تَعَالَى مِنْ الْأَوْلِيَاء مِثْل ذَلِكَ فِي غَيْر مَا قَضِيَّة . وَإِيَّاهُ عَنَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : ( إِنَّ فِي أُمَّتِي مُحَدِّثِينَ وَإِنَّ عُمَر مِنْهُمْ ) . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي تَسْبِيح الْجَمَاد فِي &quot; الْإِسْرَاء &quot; وَإِنَّهُ تَسْبِيح لِسَان وَمَقَال لَا تَسْبِيح دَلَالَة حَال . وَالْحَمْد لِلَّهِ . 

قَوْله تَعَالَى : &quot; فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلهَا &quot; وَقَرَأَ اِبْن السَّمَيْقَع : &quot; ضَحِكًا &quot; بِغَيْرِ أَلِف , وَهُوَ مَنْصُوب عَلَى الْمَصْدَر بِفِعْلٍ مَحْذُوف يَدُلّ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ , كَأَنَّهُ قَالَ ضَحِكَ ضَحِكًا , هَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهِ . وَهُوَ عِنْد غَيْر سِيبَوَيْهِ مَنْصُوب بِنَفْسِ &quot; تَبَسَّمَ &quot; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى ضَحِكَ ; وَمَنْ قَرَأَ : &quot; ضَاحِكًا &quot; فَهُوَ مَنْصُوب عَلَى الْحَال مِنْ الضَّمِير فِي &quot; تَبَسَّمَ &quot; . وَالْمَعْنَى تَبَسَّمَ مِقْدَار الضَّحِك ; لِأَنَّ الضَّحِك يَسْتَغْرِق التَّبَسُّم , وَالتَّبَسُّم دُون الضَّحِك وَهُوَ أَوَّله . يُقَال : بَسَمَ ( بِالْفَتْحِ ) يَبْسِم بَسْمًا فَهُوَ بَاسِم وَابْتَسَمَ وَتَبَسَّمَ , وَالْمَبْسِم الثَّغْر مِثْل الْمَجْلِس مِنْ جَلَسَ يَجْلِس وَرَجُل مِبْسَام وَبَسَّام كَثِير التَّبَسُّم , فَالتَّبَسُّم اِبْتِدَاء الضَّحِك . وَالضَّحِك عِبَارَة عَنْ الِابْتِدَاء وَالِانْتِهَاء , إِلَّا أَنَّ الضَّحِك يَقْتَضِي مَزِيدًا عَلَى التَّبَسُّم , فَإِذَا زَادَ وَلَمْ يَضْبِط الْإِنْسَان نَفْسه قِيلَ قَهْقَهَ . وَالتَّبَسُّم ضَحِك الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام فِي غَالِب أَمْرهمْ . وَفِي الصَّحِيح عَنْ جَابِر بْن سَمُرَة وَقِيلَ لَهُ : أَكُنْت تُجَالِس النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; قَالَ : نَعَمْ كَثِيرًا ; كَانَ لَا يَقُوم مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْح - أَوْ الْغَدَاة - حَتَّى تَطْلُع الشَّمْس فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ , وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ وَيَأْخُذُونَ فِي أَمْر الْجَاهِلِيَّة فَيَضْحَكُونَ وَيَبْتَسِم . وَفِيهِ عَنْ سَعْد قَالَ : كَانَ رَجُل مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَحْرَقَ الْمُسْلِمِينَ , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اِرْمِ فِدَاك أَبِي وَأُمِّيّ ) قَالَ فَنَزَعْت لَهُ بِسَهْمٍ لَيْسَ فِيهِ نَصْل فَأَصَبْت جَنْبه فَسَقَطَ فَانْكَشَفَتْ عَوْرَته , فَضَحِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَظَرْت إِلَى نَوَاجِذه . فَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي أَكْثَر أَحْوَاله يَتَبَسَّم . وَكَانَ أَيْضًا يَضْحَك فِي أَحْوَال أُخَر ضَحِكًا أَعْلَى مِنْ التَّبَسُّم وَأَقَلّ مِنْ الِاسْتِغْرَاق الَّذِي تَبْدُو فِيهِ اللَّهَوَات . وَكَانَ فِي النَّادِر عِنْد إِفْرَاط تَعَجُّبه رُبَّمَا ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذه . وَقَدْ كَرِهَ الْعُلَمَاء مِنْهُ الْكَثْرَة ; كَمَا قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ : يَا بَنِي إِيَّاكَ وَكَثْرَة الضَّحِك فَإِنَّهُ يُمِيت الْقَلْب . وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيث أَبِي ذَرّ وَغَيْره . وَضَحِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذه حِين رَمَى سَعْد الرَّجُل فَأَصَابَهُ , إِنَّمَا كَانَ سُرُورًا بِإِصَابَتِهِ لَا بِانْكِشَافِ عَوْرَته ; فَإِنَّهُ الْمُنَزَّه عَنْ ذَلِكَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 

لَا اِخْتِلَاف عِنْد الْعُلَمَاء أَنَّ الْحَيَوَانَات كُلّهَا لَهَا أَفْهَام وَعُقُول . وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيّ : الْحَمَام أَعْقَل الطَّيْر . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَالنَّمْل حَيَوَان فَطِن قَوِيّ شَمَّام جِدًّا يَدَّخِر وَيَتَّخِذ الْقُرَى وَيَشُقّ الْحَبّ بِقِطْعَتَيْنِ لِئَلَّا يَنْبُت , وَيَشُقّ الْكُزْبَرَة بِأَرْبَعِ قِطَع ; لِأَنَّهَا تَنْبُت إِذَا قُسِمَتْ شُقَّتَيْنِ , وَيَأْكُل فِي عَامه نِصْف مَا جَمَعَ وَيَسْتَبْقِي سَائِره عِدَّة . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذِهِ خَوَاصّ الْعُلُوم عِنْدنَا , وَقَدْ أَدْرَكَتْهَا النَّمْل بِخَلْقِ اللَّه ذَلِكَ لَهَا ; قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْمُظَفَّر شَاهْنُور الْإِسْفَرَايِنِيّ : وَلَا يَبْعُد أَنْ تُدْرِك الْبَهَائِم حُدُوث الْعَالَم وَحُدُوث الْمَخْلُوقَات ; وَوَحْدَانِيَّة الْإِلَه , وَلَكِنَّنَا لَا نَفْهَم عَنْهَا وَلَا تَفْهَم عَنَّا , أَمَّا أَنَّا نَطْلُبهَا وَهِيَ تَفِرّ مِنَّا فَبِحُكْمِ الْجِنْسِيَّة .
  
فَ &quot; أَنْ &quot; مَصْدَرِيَّة . وَ &quot; أَوْزِعْنِي &quot; أَيْ أَلْهِمْنِي ذَلِكَ . وَأَصْله مِنْ وَزَعَ فَكَأَنَّهُ قَالَ : كَفِّنِي عَمَّا يُسْخِط . وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : يَزْعُم أَهْل الْكِتَاب أَنَّ أُمّ سُلَيْمَان هِيَ اِمْرَأَة أوريا الَّتِي اِمْتَحَنَ اللَّه بِهَا دَاوُد , أَوْ أَنَّهُ بَعْد مَوْت زَوْجهَا تَزَوَّجَهَا دَاوُد فَوَلَدَتْ لَهُ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام . وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيد بَيَان فِي سُورَة &quot; ص &quot; إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .
 
أَيْ مَعَ عِبَادك , عَنْ اِبْن زَيْد . وَقِيلَ : الْمَعْنَى فِي جُمْلَة عِبَادك الصَّالِحِينَ .';
$TAFSEER['4']['27']['20'] = 'ذَكَرَ شَيْئًا آخَمِمَّا جَرَى لَهُ فِي مَسِيره الَّذِي كَانَ فِيهِ مِنْ النَّمْل مَا تَقَدَّمَ . وَالتَّفَقُّد تَطْلُب مَا غَابَ عَنْك مِنْ شَيْء . وَالطَّيْر اِسْم جَامِع وَالْوَاحِد طَائِر , وَالْمُرَاد بِالطَّيْرِ هُنَا جِنْس الطَّيْر وَجَمَاعَتهَا . وَكَانَتْ تَصْحَبهُ فِي سَفَره وَتُظِلّهُ بِأَجْنِحَتِهَا . وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي مَعْنَى تَفَقُّده لِلطَّيْرِ ; فَقَالَتْ فِرْقَة : ذَلِكَ بِحَسَبِ مَا تَقْتَضِيه الْعِنَايَة بِأُمُورِ الْمُلْك , وَالتَّهَمُّم بِكُلِّ جُزْء مِنْهَا ; وَهَذَا ظَاهِر الْآيَة . وَقَالَتْ فِرْقَة : بَلْ تَفَقَّدَ الطَّيْر لِأَنَّ الشَّمْس دَخَلَتْ مِنْ مَوْضِع الْهُدْهُد حِين غَابَ ; فَكَانَ ذَلِكَ سَبَب تَفَقُّد الطَّيْر ; لِيَتَبَيَّن مِنْ أَيْنَ دَخَلْت الشَّمْس . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن سَلَام : إِنَّمَا طَلَبَ الْهُدْهُد لِأَنَّهُ اِحْتَاجَ إِلَى مَعْرِفَة الْمَاء عَلَى كَمْ هُوَ مِنْ وَجْه الْأَرْض ; لِأَنَّهُ كَانَ نَزَلَ فِي مَفَازَة عَدِمَ فِيهَا الْمَاء , وَأَنَّ الْهُدْهُد كَانَ يَرَى بَاطِن الْأَرْض وَظَاهِرهَا ; فَكَانَ يُخْبِر سُلَيْمَان بِمَوْضِعِ الْمَاء , ثُمَّ كَانَتْ الْجِنّ تُخْرِجهُ فِي سَاعَة يَسِيرَة ; تَسْلَخ عَنْهُ وَجْه الْأَرْض كَمَا تُسْلَخ الشَّاة ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس فِيمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن سَلَام . قَالَ أَبُو مِجْلَز قَالَ اِبْن عَبَّاس لِعَبْدِ اللَّه بْن سَلَام : أُرِيد أَنْ أَسْأَلك عَنْ ثَلَاث مَسَائِل . قَالَ : أَتَسْأَلُنِي وَأَنْتَ تَقْرَأ الْقُرْآن ؟ قَالَ : نَعَمْ ثَلَاث مَرَّات . قَالَ : لِمَ تَفَقَّدَ سُلَيْمَان الْهُدْهُد دُون سَائِر الطَّيْر ؟ قَالَ : اِحْتَاجَ إِلَى الْمَاء وَلَمْ يَعْرِف عُمْقه - أَوْ قَالَ مَسَافَته - وَكَانَ الْهُدْهُد يَعْرِف ذَلِكَ دُون سَائِر الطَّيْر فَتَفَقَّدَهُ . وَقَالَ فِي كِتَاب النَّقَّاش : كَانَ الْهُدْهُد مُهَنْدِسًا . وَرُوِيَ أَنَّ نَافِع بْن الْأَزْرَق سَمِعَ اِبْن عَبَّاس يَذْكُر شَأْن الْهُدْهُد فَقَالَ لَهُ : قِفْ يَا وَقَّاف كَيْف يَرَى الْهُدْهُد بَاطِن الْأَرْض وَهُوَ لَا يَرَى الْفَخّ حِين يَقَع فِيهِ ؟ ! فَقَالَ لَهُ اِبْن عَبَّاس : إِذَا جَاءَ الْقَدَر عَمِيَ الْبَصَر . وَقَالَ مُجَاهِد : قِيلَ لِابْنِ عَبَّاس كَيْف تَفَقَّدَ الْهُدْهُد مِنْ الطَّيْر ؟ فَقَالَ : نَزَلَ مَنْزِلًا وَلَمْ يَدْرِ مَا بُعْد الْمَاء , وَكَانَ الْهُدْهُد مُهْتَدِيًا إِلَيْهِ , فَأَرَادَ أَنْ يَسْأَلهُ . قَالَ مُجَاهِد : فَقُلْت كَيْف يَهْتَدِي وَالصَّبِيّ يَضَع لَهُ الْحِبَالَة فَيَصِيدهُ ؟ قَالَ : إِذَا جَاءَ الْقَدَر عَمِيَ الْبَصَر . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَلَا يَقْدِر عَلَى هَذَا الْجَوَاب إِلَّا عَالِم الْقُرْآن . 

قُلْت : هَذَا الْجَوَاب قَدْ قَالَهُ الْهُدْهُد لِسُلَيْمَانَ كَمَا تَقَدَّمَ . وَأَنْشَدُوا : ش إِذَا أَرَادَ اللَّه أَمْرًا بِامْرِئٍ /و وَكَانَ ذَا عَقْل وَرَأْي وَنَظَر وَحِيلَة يَعْمَلهَا فِي دَفْع مَا /و يَأْتِي بِهِ مَكْرُوه أَسْبَاب الْقَدَر غَطَّى عَلَيْهِ سَمْعه وَعَقْله /و وَسَلَّهُ مِنْ ذِهْنه سَلَّ الشَّعَر حَتَّى إِذَا أَنْفَذَ فِيهِ حُكْمه /و رَدَّ عَلَيْهِ عَقْله لِيَعْتَبِر قَالَ الْكَلْبِيّ : لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي مَسِيره إِلَّا هُدْهُد وَاحِد . وَاَللَّه أَعْلَم . 

فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى تَفَقُّد الْإِمَام أَحْوَال رَعِيَّته ; وَالْمُحَافَظَة عَلَيْهِمْ . فَانْظُرْ إِلَى الْهُدْهُد مَعَ صِغَره كَيْف لَمْ يَخَفْ عَلَى سُلَيْمَان حَاله , فَكَيْف بِعِظَامِ الْمُلْك . وَيَرْحَم اللَّه عُمَر فَإِنَّهُ كَانَ عَلَى سِيرَته ; قَالَ : لَوْ أَنَّ سَخْلَة عَلَى شَاطِئ الْفُرَات أَخَذَهَا الذِّئْب لَيُسْأَل عَنْهَا عُمَر . فَمَا ظَنّك بِوَالٍ تَذْهَب عَلَى يَدَيْهِ الْبُلْدَان , وَتَضِيع الرَّعِيَّة وَيَضِيع الرُّعْيَان . وَفِي الصَّحِيح عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب خَرَجَ إِلَى الشَّام , حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغٍ لَقِيَهُ أُمَرَاء الْأَجْنَاد : أَبُو عُبَيْدَة وَأَصْحَابه فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاء قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ . الْحَدِيث ; قَالَ عُلَمَاؤُنَا : كَانَ هَذَا الْخُرُوج مِنْ عُمَر بَعْد مَا فُتِحَ بَيْت الْمَقْدِس سَنَة سَبْع عَشْرَة عَلَى مَا ذَكَرَهُ خَلِيفَة بْن خَيَّاط . كَانَ يَتَفَقَّد أَحْوَال رَعِيَّته وَأَحْوَال أُمَرَائِهِ بِنَفْسِهِ , فَقَدْ دَلَّ الْقُرْآن وَالسُّنَّة وَبَيَّنَا مَا يَجِب عَلَى الْإِمَام مِنْ تَفَقُّد أَحْوَال رَعِيَّته , وَمُبَاشَرَة ذَلِكَ بِنَفْسِهِ , وَالسَّفَر إِلَى ذَلِكَ وَإِنْ طَالَ . وَرَحِمَ اللَّه اِبْن الْمُبَارَك حَيْثُ يَقُول : وَهَلْ أَفْسَدَ الدِّين إِلَّا الْمُلُوك /و وَأَحْبَار سُوء وَرُهْبَانهَا 
  
أَيْ مَا لِلْهُدْهُدِ لَا أَرَاهُ ; فَهُوَ مِنْ الْقَلْب الَّذِي لَا يَعْرِف مَعْنَاهُ . وَهُوَ كَقَوْلِك : مَا لِي أَرَاك كَئِيبًا . أَيْ مَا لَك . وَالْهُدْهُد طَيْر مَعْرُوف وَهَدْهَدَته صَوْته . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : إِنَّمَا مَقْصِد الْكَلَام الْهُدْهُد غَابَ لَكِنَّهُ أَخَذَ اللَّازِم عَنْ مَغِيبه وَهُوَ أَنْ لَا يَرَاهُ , فَاسْتَفْهَمَ عَلَى جِهَة التَّوْقِيف عَلَى اللَّازِم وَهَذَا ضَرْب مِنْ الْإِيجَاز . وَالِاسْتِفْهَام الَّذِي فِي قَوْله : &quot; مَا لِي &quot; نَابَ مَنَاب الْأَلِف الَّتِي تَحْتَاجهَا أَمْ . وَقِيلَ : إِنَّمَا قَالَ : &quot; مَا لِي لَا أَرَى الْهُدْهُد &quot; ; لِأَنَّهُ اِعْتَبَرَ حَال نَفْسه , إِذْ عَلِمَ أَنَّهُ أُوتِيَ الْمُلْك الْعَظِيم , وَسُخِّرَ لَهُ الْخَلْق , فَقَدْ لَزِمَهُ حَقّ الشُّكْر بِإِقَامَةِ الطَّاعَة وَإِدَامَة الْعَدْل , فَلَمَّا فَقَدَ نِعْمَة الْهُدْهُد تَوَقَّعَ أَنْ يَكُون قَصَّرَ فِي حَقّ الشُّكْر , فَلِأَجْلِهِ سُلِبَهَا فَجَعَلَ يَتَفَقَّد نَفْسه ; فَقَالَ : &quot; مَا لِي &quot; . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا يَفْعَلهُ شُيُوخ الصُّوفِيَّة إِذَا فَقَدُوا مَالهمْ , تَفَقَّدُوا أَعْمَالهمْ ; هَذَا فِي الْآدَاب , فَكَيْف بِنَا الْيَوْم وَنَحْنُ نُقَصِّر فِي الْفَرَائِض ! . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَعَاصِم وَالْكِسَائِيّ وَهِشَام وَأَيُّوب : &quot; مَا لِيَ &quot; بِفَتْحِ الْيَاء وَكَذَلِكَ فِي &quot; يس &quot; &quot; وَمَا لِيَ لَا أَعْبُد الَّذِي فَطَرَنِي &quot; [ يس : 22 ] . وَأَسْكَنَهَا حَمْزَة وَيَعْقُوب . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ الْمَدَنِيُّونَ وَأَبُو عَمْرو : بِفَتْحِ الَّتِي فِي &quot; يس &quot; وَإِسْكَان هَذِهِ . قَالَ أَبُو عَمْرو : لِأَنَّ هَذِهِ الَّتِي فِي &quot; النَّمْل &quot; اِسْتِفْهَام , وَالْأُخْرَى اِنْتِفَاء . وَاخْتَارَ أَبُو حَاتِم وَأَبُو عُبَيْد الْإِسْكَان &quot; فَقَالَ مَا لِي &quot; . وَقَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : زَعَمَ قَوْم أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْن مَا كَانَ مُبْتَدَأ , وَبَيْن مَا كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْله , وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ; وَإِنَّمَا هِيَ يَاء النَّفْس , مِنْ الْعَرَب مَنْ يَفْتَحهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَكِّنهَا , فَقَرَءُوا بِاللُّغَتَيْنِ ; وَاللُّغَة الْفَصِيحَة فِي يَاء النَّفْس أَنْ تَكُون مَفْتُوحَة ; لِأَنَّهَا اِسْم وَهِيَ عَلَى حَرْف وَاحِد , وَكَانَ الِاخْتِيَار أَلَّا تُسَكَّن فَيُجْحَف الِاسْم .
  
بِمَعْنَى بَلْ .';
$TAFSEER['4']['27']['21'] = 'دَلِيل عَلَى أَنَّ الْحَدّ عَلَى قَدْر الذَّنْب لَا عَلَى قَدْر الْجَسَد , أَمَّا أَنَّهُ يُرْفِق بِالْمَحْدُودِ فِي الزَّمَان وَالصِّفَة . رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَابْن جُرَيْج أَنَّ تَعْذِيبه لِلطَّيْرِ كَانَ بِأَنْ يَنْتِف رِيشه . قَالَ اِبْن جُرَيْج : رِيشه أَجْمَع . وَقَالَ يَزِيد بْن رُومَان : جَنَاحَاهُ . فَعَلَ سُلَيْمَان هَذَا بِالْهُدْهُدِ إِغْلَاظًا عَلَى الْعَاصِينَ , وَعِقَابًا عَلَى إِخْلَاله بِنَوْبَتِهِ وَرُتْبَته ; وَكَأَنَّ اللَّه أَبَاحَ لَهُ ذَلِكَ , كَمَا أَبَاحَ ذَبْح الْبَهَائِم وَالطَّيْر لِلْأَكْلِ وَغَيْره مِنْ الْمَنَافِع . وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِي &quot; نَوَادِر الْأُصُول &quot; قَالَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن حُمَيْد أَبُو الرَّبِيع الْإِيَادِيّ , قَالَ حَدَّثَنَا عَوْن بْن عُمَارَة , عَنْ الْحُسَيْن الْجَعْفِيّ , عَنْ الزُّبَيْر بْن الْخِرِّيت , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : إِنَّمَا صَرَفَ اللَّه شَرّ سُلَيْمَان عَنْ الْهُدْهُد لِأَنَّهُ كَانَ بَارًّا بِوَالِدَيْهِ . وَسَيَأْتِي . وَقِيلَ : تَعْذِيبه أَنْ يُجْعَل مَعَ أَضْدَاده . وَعَنْ بَعْضهمْ : أَضْيَق السُّجُون مُعَاشَرَة الْأَضْدَاد وَقِيلَ : لَأُلْزِمَنَّهُ خِدْمَة أَقْرَانه . وَقِيلَ : إِيدَاعه الْقَفَص . وَقِيلَ : بِأَنْ يَجْعَلهُ لِلشَّمْسِ بَعْد نَتْفه . وَقِيلَ : بِتَبْعِيدِهِ عَنْ خِدْمَتِي , وَالْمُلُوك يُؤَدِّبُونَ بِالْهِجْرَانِ الْجَسَد بِتَفْرِيقِ إِلْفه . وَهُوَ مُؤَكَّد بِالنُّونِ الثَّقِيلَة , وَهِيَ لَازِمَة هِيَ أَوْ الْخَفِيفَة . قَالَ أَبُو حَاتِم : وَلَوْ قُرِئَتْ &quot; لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ &quot; جَازَ .
 
أَيْ بِحُجَّةٍ بَيِّنَة . وَلَيْسَتْ اللَّام فِي &quot; لَيَأْتِيَنِّي &quot; لَام الْقَسَم لِأَنَّهُ لَا يُقْسِم سُلَيْمَان عَلَى فِعْل الْهُدْهُد ; وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَ فِي أَثَر قَوْله : &quot; لَأُعَذِّبَنَّهُ &quot; وَهُوَ مِمَّا جَازَ بِهِ الْقَسَم أَجْرَاهُ مَجْرَاهُ . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَحْده : &quot; لَيَأْتِيَنَّنِي &quot; بِنُونَيْنِ .';
$TAFSEER['4']['27']['22'] = 'أَيْ الْهُدْهُد . وَالْجُمْهُور مِنْ الْقُرَّاء عَلَى ضَمّ الْكَاف , وَقَرَأَ عَاصِم وَحْده بِفَتْحِهَا . وَمَعْنَاهُ فِي الْقِرَاءَتَيْنِ أَقَامَ . قَالَ سِيبَوَيْهِ : مَكَثَ يَمْكُث مُكُوثًا كَمَا قَالُوا قَعَدَ يَقْعُد قُعُودًا . قَالَ : وَمَكَثَ مِثْل ظَرُفَ . قَالَ غَيْره : وَالْفَتْح أَحْسَن لِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; مَاكِثِينَ &quot; [ الْكَهْف : 3 ] إِذْ هُوَ مِنْ مَكَثَ ; يُقَال : مَكَثَ يَمْكُث فَهُوَ مَاكِث ; وَمَكُثَ يَمْكُث مِثْل عَظُمَ يَعْظُم فَهُوَ مَكِيث ; مِثْل عَظِيم . وَمَكُثَ يَمْكُث فَهُوَ مَاكِث ; مِثْل حَمُضَ يَحْمُض فَهُوَ حَامِض . وَالضَّمِير فِي &quot; مَكَثَ &quot; يَحْتَمِل أَنْ يَكُون لِسُلَيْمَانَ ; وَالْمَعْنَى : بَقِيَ سُلَيْمَان بَعْد التَّفَقُّد وَالْوَعِيد غَيْر طَوِيل أَيْ غَيْر وَقْت طَوِيل . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون لِلْهُدْهُدِ وَهُوَ الْأَكْثَر . فَجَاءَ : &quot; فَقَالَ أَحَطْت بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ &quot;

وَهِيَ : أَيْ عَلِمْت مَا لَمْ تَعْلَمهُ مِنْ الْأَمْر فَكَانَ فِي هَذَا رَدّ عَلَى مَنْ قَالَ : إِنَّ الْأَنْبِيَاء تَعْلَم الْغَيْب . وَحَكَى الْفَرَّاء &quot; أَحَطّ &quot; يُدْغِم التَّاء فِي الطَّاء . وَحَكَى &quot; أَحَتّ &quot; بِقَلْبِ الطَّاء تَاء وَتُدْغَم .

أَعْلَمَ سُلَيْمَان مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمهُ , وَدَفَعَ عَنْ نَفْسه مَا تَوَعَّدَهُ مِنْ الْعَذَاب وَالذَّبْح . وَقَرَأَ الْجُمْهُور : &quot; سَبَإٍ &quot; بِالصَّرْفِ . وَابْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو : &quot; سَبَأ &quot; بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَتَرَكَ الصَّرْف ; فَالْأَوَّل عَلَى أَنَّهُ اِسْم رَجُل نُسِبَ إِلَيْهِ قَوْم , وَعَلَيْهِ قَوْل الشَّاعِر : ش الْوَارِدُونَ وَتَيْم فِي ذُرَى سَبَإٍ /و قَدْ عَضَّ أَعْنَاقهمْ جِلْد الْجَوَامِيس وَأَنْكَرَ الزَّجَّاج أَنْ يَكُون اِسْم رَجُل , وَقَالَ &quot; سَبَأ &quot; اِسْم مَدِينَة تُعْرَف بِمَأْرِبَ بِالْيَمَنِ بَيْنهَا وَبَيْن صَنْعَاء مَسِيرَة ثَلَاثَة أَيَّام . 

قُلْت : وَقَعَ فِي عُيُون الْمَعَانِي لَلْغَزْنَوِيّ ثَلَاثَة أَمْيَال . قَتَادَة وَالسُّدِّيّ بُعِثَ إِلَيْهِ اِثْنَا عَشَر نَبِيًّا . وَأَنْشَدَ لِلنَّابِغَةِ الْجَعْدِيّ : مِنْ سَبَأ الْحَاضِرِينَ مَأْرِب إِذْ /و يَبْنُونَ مِنْ دُون سَيْله الْعَرِمَا ش قَالَ : فَمَنْ لَمْ يَصْرِف قَالَ إِنَّهُ اِسْم مَدِينَة , وَمَنْ صَرَفَ وَهُوَ الْأَكْثَر فَلِأَنَّهُ اِسْم الْبَلَد فَيَكُون مُذَكَّرًا سُمِّيَ بِهِ مُذَكَّر . وَقِيلَ : اِسْم اِمْرَأَة سُمِّيَتْ بِهَا الْمَدِينَة . وَالصَّحِيح أَنَّهُ اِسْم رَجُل , كَذَلِكَ فِي كِتَاب التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث فَرْوَة بْن مُسَيْك الْمُرَادِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَخَفِيَ هَذَا الْحَدِيث عَلَى الزَّجَّاج فَخَبَطَ عَشْوَاء . وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّ الرُّؤَاسِيّ سَأَلَ أَبَا عَمْرو بْن الْعَلَاء عَنْ سَبَإٍ فَقَالَ : مَا أَدْرِي مَا هُوَ . قَالَ النَّحَّاس : وَتَأَوَّلَ الْفَرَّاء عَلَى أَبِي عَمْرو أَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ الصَّرْف لِأَنَّهُ مَجْهُول , وَأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُعْرَف الشَّيْء لَمْ يَنْصَرِف . وَقَالَ النَّحَّاس : وَأَبُو عَمْرو أَجَلّ مِنْ أَنْ يَقُول مِثْل هَذَا , وَلَيْسَ فِي حِكَايَة الرُّؤَاسِيّ عَنْهُ دَلِيل أَنَّهُ إِنَّمَا مَنَعَهُ مِنْ الصَّرْف لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفهُ , وَإِنَّمَا قَالَ لَا أَعْرِفهُ , وَلَوْ سُئِلَ نَحْوِيّ عَنْ اِسْم فَقَالَ لَا أَعْرِفهُ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُ يَمْنَعهُ مِنْ الصَّرْف , بَلْ الْحَقّ عَلَى غَيْر هَذَا ; وَالْوَاجِب إِذَا لَمْ يَعْرِفهُ أَنْ يَصْرِفهُ ; لِأَنَّ أَصْل الْأَسْمَاء الصَّرْف ; وَإِنَّمَا يُمْنَع الشَّيْء مِنْ الصَّرْف لِعِلَّةٍ دَاخِلَة عَلَيْهِ ; فَالْأَصْل ثَابِت بِيَقِينٍ فَلَا يَزُول بِمَا لَا يُعْرَف . وَذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا عَنْ النُّحَاة وَقَالَ فِي آخِره : وَالْقَوْل فِي &quot; سَبَإٍ &quot; مَا جَاءَ التَّوْقِيف فِيهِ أَنَّهُ فِي الْأَصْل اِسْم رَجُل , فَإِنْ صَرَفْته فَلِأَنَّهُ قَدْ صَارَ اِسْمًا لِلْحَيِّ , وَإِنْ لَمْ تَصْرِفهُ جَعَلْته اِسْمًا لِلْقَبِيلَةِ مِثْل ثَمُود إِلَّا أَنَّ الِاخْتِيَار عِنْد سِيبَوَيْهِ الصَّرْف وَحُجَّته فِي ذَلِكَ قَاطِعَة ; لِأَنَّ هَذَا الِاسْم لَمَّا كَانَ يَقَع لَهُ التَّذْكِير وَالتَّأْنِيث كَانَ التَّذْكِير أَوْلَى ; لِأَنَّهُ الْأَصْل وَالْأَخَفّ . 

وَفِي الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ الصَّغِير يَقُول لِلْكَبِيرِ وَالْمُتَعَلِّم لِلْعَالِمِ عِنْدِي مَا لَيْسَ عِنْدك إِذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ وَتَيَقَّنَهُ . هَذَا عُمَر بْن الْخَطَّاب مَعَ جَلَالَته رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَعِلْمه لَمْ يَكُنْ عِنْده عِلْم بِالِاسْتِئْذَانِ . وَكَانَ عِلْم التَّيَمُّم عِنْد عَمَّار وَغَيْره , وَغَابَ عَنْ عُمَر وَابْن مَسْعُود حَتَّى قَالَا : لَا يَتَيَمَّم الْجُنُب . وَكَانَ حُكْم الْإِذْن فِي أَنْ تَنْفِر الْحَائِض عِنْد اِبْن عَبَّاس وَلَمْ يَعْلَمهُ عُمَر وَلَا زَيْد بْن ثَابِت . وَكَانَ غَسْل رَأْس الْمُحْرِم مَعْلُومًا عِنْد اِبْن عَبَّاس وَخَفِيَ عَنْ الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَة . وَمِثْله كَثِير فَلَا يَطُول بِهِ .';
$TAFSEER['4']['27']['23'] = 'لَمَّا قَالَ الْهُدْهُد : &quot; جِئْتُك مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِين &quot; قَالَ سُلَيْمَان : وَمَا ذَلِكَ الْخَبَر ؟ قَالَ : &quot; إِنِّي وَجَدْت اِمْرَأَة تَمْلِكهُمْ &quot; يَعْنِي بِلْقِيس بِنْت شَرَاحِيل تَمْلِك أَهْل سَبَإٍ . وَيُقَال : كَيْف وَخَفِيَ عَلَى سُلَيْمَان مَكَانهَا وَكَانَتْ الْمَسَافَة بَيْن مَحَطّه وَبَيْن بَلَدهَا قَرِيبَة , وَهِيَ مِنْ مَسِيرَة ثَلَاث بَيْن صَنْعَاء وَمَأْرِب ؟ وَالْجَوَاب أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْفَى ذَلِكَ عَنْهُ لِمَصْلَحَةٍ , كَمَا أَخْفَى عَلَى يَعْقُوب مَكَان يُوسُف . وَيُرْوَى أَنَّ أَحَد أَبَوَيْهَا كَانَ مِنْ الْجِنّ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا أَمْر تُنْكِرهُ الْمُلْحِدَة , وَيَقُولُونَ : الْجِنّ لَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَلِدُونَ ; كَذَبُوا لَعَنَهُمْ اللَّه أَجْمَعِينَ ; ذَلِكَ صَحِيح وَنِكَاحهمْ جَائِز عَقْلًا فَإِنْ صَحَّ نَقْلًا فَبِهَا وَنِعْمَتْ . 

قُلْت : خَرَّجَ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُ قَالَ : قَدِمَ وَفْد مِنْ الْجِنّ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد اِنْهَ أُمَّتك أَنْ يَسْتَنْجُوا بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثَة أَوْ جُمْجُمَة فَإِنَّ اللَّه جَاعِل لَنَا فِيهَا رِزْقًا . وَفِي صَحِيح مُسْلِم : فَقَالَ : ( لَكُمْ كُلّ عَظْم ذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ يَقَع فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَر مَا يَكُون لَحْمًا وَكُلّ بَعْرَة عَلَف لِدَوَابِّكُمْ ) فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَام إِخْوَانكُمْ الْجِنّ ) وَفِي الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة قَالَ فَقُلْت : مَا بَال الْعَظْم وَالرَّوْثَة ؟ فَقَالَ : &quot; هُمَا مِنْ طَعَام الْجِنّ وَإِنَّهُ أَتَانِي وَفْد جِنّ نَصِيبِين وَنِعْمَ الْجِنّ فَسَأَلُونِي الزَّاد فَدَعَوْت اللَّه تَعَالَى أَلَّا يَمُرُّوا بِعَظْمٍ وَلَا رَوْثَة إِلَّا وَجَدُوا عَلَيْهَا طَعَامًا ) وَهَذَا كُلّه نَصّ فِي أَنَّهُمْ يَطْعَمُونَ . وَأَمَّا نِكَاحهمْ فَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَة إِلَيْهِ فِي &quot; الْإِسْرَاء &quot; عِنْد قَوْله : &quot; وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد &quot; [ الْإِسْرَاء : 64 ] . وَرَوَى وُهَيْب بْن جَرِير بْن حَازِم عَنْ الْخَلِيل بْن أَحْمَد عَنْ عُثْمَان بْن حَاضِر قَالَ : كَانَتْ أُمّ بِلْقِيس مِنْ الْجِنّ يُقَال لَهَا بَلْعَمَة بِنْت شيصان . وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيد بَيَان إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . 

رَوَى الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ أَهْل فَارِس قَدْ مَلَّكُوا بِنْت كِسْرَى قَالَ : ( لَنْ يُفْلِح قَوْم وَلَّوْا أَمْرهمْ اِمْرَأَة ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : هَذَا نَصّ فِي أَنَّ الْمَرْأَة لَا تَكُون خَلِيفَة وَلَا خِلَاف فِيهِ ; وَنُقِلَ عَنْ مُحَمَّد بْن جَرِير الطَّبَرِيّ أَنَّهُ يَجُوز أَنْ تَكُون الْمَرْأَة قَاضِيَة , وَلَمْ يَصِحّ ذَلِكَ عَنْهُ , وَلَعَلَّهُ نُقِلَ عَنْهُ كَمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَة أَنَّهَا إِنَّمَا تَقْضِي فِيمَا تَشْهَد فِيهِ وَلَيْسَ بِأَنْ تَكُون قَاضِيَة عَلَى الْإِطْلَاق ; وَلَا بِأَنْ يُكْتَب لَهَا مَسْطُور بِأَنَّ فُلَانَة مُقَدَّمَة عَلَى الْحُكْم , وَإِنَّمَا سَبِيل ذَلِكَ التَّحْكِيم وَالِاسْتِنَابَة فِي الْقَضِيَّة الْوَاحِدَة , وَهَذَا هُوَ الظَّنّ بِأَبِي حَنِيفَة وَابْن جَرِير . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَر أَنَّهُ قَدَّمَ اِمْرَأَة عَلَى حِسْبَة السُّوق . وَلَمْ يَصِحّ فَلَا تَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ , فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ دَسَائِس الْمُبْتَدِعَة فِي الْأَحَادِيث . وَقَدْ تَنَاظَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الطَّيِّب الْمَالِكِيّ الْأَشْعَرِيّ مَعَ أَبِي الْفَرَج بْن طَرَار شَيْخ الشَّافِعِيَّة , فَقَالَ أَبُو الْفَرَج : الدَّلِيل عَلَى أَنَّ الْمَرْأَة يَجُوز أَنْ تَحْكُم أَنَّ الْغَرَض مِنْ الْأَحْكَام تَنْفِيذ الْقَاضِي لَهَا , وَسَمَاع الْبَيِّنَة عَلَيْهَا , وَالْفَصْل بَيْن الْخُصُوم فِيهَا , وَذَلِكَ مُمْكِن مِنْ الْمَرْأَة كَإِمْكَانِهِ مِنْ الرَّجُل . فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْر وَنَقَضَ كَلَامه بِالْإِمَامَةِ الْكُبْرَى ; فَإِنَّ الْغَرَض مِنْهُ حِفْظ الثُّغُور , وَتَدْبِير الْأُمُور وَحِمَايَة الْبَيْضَة , وَقَبْض الْخَرَاج وَرَدَّهُ عَلَى مُسْتَحِقّه , وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى مِنْ الْمَرْأَة كَتَأَتِّيه مِنْ الرَّجُل . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَلَيْسَ كَلَام الشَّيْخَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة بِشَيْءٍ ; فَإِنَّ الْمَرْأَة لَا يَتَأَتَّى مِنْهَا أَنْ تَبْرُز إِلَى الْمَجْلِس , وَلَا تُخَالِط الرِّجَال , وَلَا تُفَاوِضهُمْ مُفَاوَضَة النَّظِير لِلنَّظِيرِ ; لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ فَتَاة حَرُمَ النَّظَر إِلَيْهَا وَكَلَامهَا , وَإِنْ كَانَتْ بَرْزَة لَمْ يَجْمَعهَا وَالرِّجَال مَجْلِس وَاحِد تَزْدَحِم فِيهِ مَعَهُمْ , وَتَكُون مُنَاظِرَة لَهُمْ ; وَلَنْ يُفْلِح قَطُّ مَنْ تَصَوَّرَ هَذَا وَلَا مَنْ اِعْتَقَدَهُ .
 
مُبَالَغَة ; أَيْ مِمَّا تَحْتَاجهُ الْمَمْلَكَة . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أُوتِيَتْ مِنْ كُلّ شَيْء فِي زَمَانهَا شَيْئًا فَحُذِفَ الْمَفْعُول ; لِأَنَّ الْكَلَام دَلَّ عَلَيْهِ .

أَيْ سَرِير ; وَوَصَفَهُ بِالْعِظَمِ فِي الْهَيْئَة وَرُتْبَة السُّلْطَان . قِيلَ : كَانَ مِنْ ذَهَب تَجْلِس عَلَيْهِ . وَقِيلَ : الْعَرْش هُنَا الْمُلْك ; وَالْأَوَّل أَصَحّ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; أَيّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا &quot; [ النَّمْل : 38 ] . الزَّمَخْشَرِيّ : فَإِنْ قُلْت كَيْف سَوَّى الْهُدْهُد بَيْن عَرْش بِلْقِيس وَعَرْش اللَّه فِي الْوَصْف بِالْعَظِيمِ ؟ 

قُلْت : بَيْن الْوَصْفَيْنِ بَوْن عَظِيم ; لِأَنَّ وَصْف عَرْشهَا بِالْعَظِيمِ تَعْظِيم لَهُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى عُرُوش أَبْنَاء جِنْسهَا مِنْ الْمُلُوك , وَوَصْف عَرْش اللَّه بِالْعَظِيمِ تَعْظِيم لَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا خَلَقَ مِنْ السَّمَوَات وَالْأَرْض . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ طُول عَرْشهَا ثَمَانِينَ ذِرَاعًا , وَعَرْضه أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا , وَارْتِفَاعه فِي السَّمَاء ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا , مُكَلَّل بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوت الْأَحْمَر , وَالزَّبَرْجَد الْأَخْضَر . قَتَادَة : وَقَوَائِمه لُؤْلُؤ وَجَوْهَر , وَكَانَ مُسَتَّرًا بِالدِّيبَاجِ وَالْحَرِير , عَلَيْهِ سَبْعَة مَغَالِيق . مُقَاتِل : كَانَ ثَمَانِينَ ذِرَاعًا فِي ثَمَانِينَ ذِرَاعًا , وَارْتِفَاعه مِنْ الْأَرْض ثَمَانُونَ ذِرَاعًا , وَهُوَ مُكَلَّل بِالْجَوَاهِرِ . اِبْن إِسْحَاق : وَكَانَ يَخْدُمهَا النِّسَاء , وَكَانَ مَعَهَا لِخِدْمَتِهَا سِتّمِائَةِ اِمْرَأَة . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَاللَّازِم مِنْ الْآيَة أَنَّهَا اِمْرَأَة مُلِّكَتْ عَلَى مَدَائِن الْيَمَن , ذَات مُلْك عَظِيم , وَسَرِير عَظِيم , وَكَانَتْ كَافِرَة مِنْ قَوْم كُفَّار .';
$TAFSEER['4']['27']['24'] = 'قِيلَ : كَانَتْ هَذِهِ الْأُمَّة مِمَّنْ يَعْبُد الشَّمْس ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا زَنَادِقَة فِيمَا يُرْوَى . وَقِيلَ : كَانُوا مَجُوسًا يَعْبُدُونَ الْأَنْوَار . وَرُوِيَ عَنْ نَافِع أَنَّ الْوَقْف عَلَى &quot; عَرْش &quot; . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : فَعَظِيم عَلَى هَذَا مُتَعَلِّق بِمَا بَعْده , وَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَكُون عَظِيم إِنْ وَجَدْتهَا ; أَيْ وَجُودِي إِيَّاهَا كَافِرَة . وَقَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : &quot; وَلَهَا عَرْش عَظِيم &quot; وَقْف حَسَن , وَلَا يَجُوز أَنْ يَقِف عَلَى &quot; عَرْش &quot; وَيَبْتَدِئ &quot; عَظِيم وَجَدْتهَا &quot; إِلَّا عَلَى مَنْ فَتَحَ ; لِأَنَّ عَظِيمًا نَعْت لِعَرْشٍ فَلَوْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِ &quot; وَجَدْتهَا &quot; لَقُلْت عَظِيمَة وَجَدْتهَا ; وَهَذَا مُحَال مِنْ كُلّ وَجْه . وَقَدْ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن شَهْرَيَار , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الْحُسَيْن بْن الْأَسْوَد الْعِجْلِيّ , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم أَنَّهُ قَالَ : الْوَقْف عَلَى &quot; عَرْش &quot; وَالِابْتِدَاء &quot; عَظِيم &quot; عَلَى مَعْنَى عَظِيم عِبَادَتهمْ الشَّمْس وَالْقَمَر . قَالَ : وَقَدْ سَمِعْت مَنْ يُؤَيِّد هَذَا الْمَذْهَب , وَيَحْتَجّ بِأَنَّ عَرْشهَا أَحْقَر وَأَدَقّ شَأْنًا مِنْ أَنْ يَصِفهُ اللَّه بِالْعَظِيمِ . قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَالِاخْتِيَار عِنْدِي مَا ذَكَرْته أَوَّلًا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى إِضْمَار عِبَادَة الشَّمْس وَالْقَمَر دَلِيل . وَغَيْر مُنْكَر أَنْ يَصِف الْهُدْهُد عَرْشهَا بِالْعَظِيمِ إِذَا رَآهُ مُتَنَاهِي الطُّول وَالْعَرْض ; وَجَرْيه عَلَى إِعْرَاب &quot; عَرْش &quot; دَلِيل عَلَى أَنَّهُ نَعْته .
  
أَيْ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ الْكُفْر .
  
أَيْ عَنْ طَرِيق التَّوْحِيد . وَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ مَا لَيْسَ بِسَبِيلِ التَّوْحِيد فَلَيْسَ بِسَبِيلٍ يُنْتَفَع بِهِ عَلَى التَّحْقِيق .
  
إِلَى اللَّه وَتَوْحِيده .';
$TAFSEER['4']['27']['25'] = 'قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَنَافِع وَعَاصِم وَحَمْزَة : &quot; أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ &quot; بِتَشْدِيدِ &quot; أَلَّا &quot; قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : &quot; فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ &quot; غَيْر تَامّ لِمَنْ شَدَّدَ &quot; أَلَّا &quot; لِأَنَّ الْمَعْنَى : وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَلَّا يَسْجُدُوا . قَالَ النَّحَّاس : هِيَ &quot; أَنْ &quot; دَخَلَتْ عَلَيْهَا &quot; لَا &quot; وَ &quot; أَنْ &quot; فِي مَوْضِع نَصْب ; قَالَ الْأَخْفَش : بِ &quot; زَيَّنَ &quot; أَيْ وَزَيَّنَ لَهُمْ لِئَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ . وَقَالَ الْكِسَائِيّ : بِ &quot; فَصَدَّهُمْ &quot; أَيْ فَصَدَّهُمْ أَلَّا يَسْجُدُوا . وَهُوَ فِي الْوَجْهَيْنِ مَفْعُول لَهُ . وَقَالَ الْيَزِيدِيّ وَعَلِيّ بْن سُلَيْمَان : &quot; أَنْ &quot; بَدَّلَ مِنْ &quot; أَعْمَالهمْ &quot; فِي مَوْضِع نَصْب . وَقَالَ أَبُو عَمْرو : وَ &quot; أَنْ &quot; فِي مَوْضِع خَفْض عَلَى الْبَدَل مِنْ السَّبِيل وَقِيلَ : الْعَامِل فِيهَا &quot; لَا يَهْتَدُونَ &quot; أَيْ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ أَنْ يَسْجُدُوا لِلَّهِ ; أَيْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِب عَلَيْهِمْ . وَعَلَى هَذَا الْقَوْل &quot; لَا &quot; زَائِدَة ; كَقَوْلِهِ : &quot; مَا مَنَعَك أَلَّا تَسْجُد &quot; [ الْأَعْرَاف : 12 ] أَيْ مَا مَنَعَك أَنْ تَسْجُد . وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة فَلَيْسَ بِمَوْضِعِ سَجْدَة ; لِأَنَّ ذَلِكَ خَبَر عَنْهُمْ بِتَرْكِ السُّجُود , إِمَّا بِالتَّزْيِينِ , أَوْ بِالصَّدِّ , أَوْ بِمَنْعِ الِاهْتِدَاء . وَقَرَأَ الزُّهْرِيّ وَالْكِسَائِيّ وَغَيْرهمَا : &quot; أَلَا يَسْجُدُوا لِلَّهِ &quot; بِمَعْنَى أَلَا يَا هَؤُلَاءِ اُسْجُدُوا ; لِأَنَّ &quot; يَا &quot; يُنَادَى بِهَا الْأَسْمَاء دُون الْأَفْعَال . وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ : يَا لَعْنَة اللَّه وَالْأَقْوَام كُلّهمْ وَالصَّالِحِينَ عَلَى سَمْعَان مِنْ جَار قَالَ سِيبَوَيْهِ : &quot; يَا &quot; لِغَيْرِ اللَّعْنَة , لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلَّعْنَةِ لَنَصَبَهَا , لِأَنَّهُ كَانَ يَصِير مُنَادَى مُضَافًا , وَلَكِنَّ تَقْدِيره يَا هَؤُلَاءِ لَعْنَة اللَّه وَالْأَقْوَام عَلَى سَمْعَان . وَحَكَى بَعْضهمْ سَمَاعًا عَنْ الْعَرَب : أَلَا يَا اِرْحَمُوا أَلَا يَا اُصْدُقُوا . يُرِيدُونَ أَلَا يَا قَوْم اِرْحَمُوا اُصْدُقُوا , فَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة &quot; اُسْجُدُوا &quot; فِي مَوْضِع جَزْم بِالْأَمْرِ وَالْوَقْف عَلَى &quot; أَلَا يَا &quot; ثُمَّ تَبْتَدِئ فَتَقُول : &quot; اُسْجُدُوا &quot; . قَالَ الْكِسَائِيّ : مَا كُنْت أَسْمَع الْأَشْيَاخ يَقْرَءُونَهَا إِلَّا بِالتَّخْفِيفِ عَلَى نِيَّة الْأَمْر . وَفِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : &quot; أَلَا هَلْ تَسْجُدُونَ لِلَّهِ &quot; بِالتَّاءِ وَالنُّون . وَفِي قِرَاءَة أُبَيّ &quot; أَلَا تَسْجُدُونَ لِلَّهِ &quot; فَهَاتَانِ الْقِرَاءَتَانِ حُجَّة لِمَنْ خَفَّفَ . الزَّجَّاج : وَقِرَاءَة التَّخْفِيف تَقْتَضِي وُجُوب السُّجُود دُون التَّشْدِيد . وَاخْتَارَ أَبُو حَاتِم وَأَبُو عُبَيْدَة قِرَاءَة التَّشْدِيد . وَقَالَ : التَّخْفِيف وَجْه حَسَن إِلَّا أَنَّ فِيهِ اِنْقِطَاع الْخَبَر مِنْ أَمْر سَبَأ , ثُمَّ رَجَعَ بَعْد إِلَى ذِكْرهمْ , وَالْقِرَاءَة بِالتَّشْدِيدِ خَبَر يَتَّبِع بَعْضه بَعْضًا لَا اِنْقِطَاع فِي وَسَطه . وَنَحْوه قَالَ النَّحَّاس . قَالَ : قِرَاءَة التَّخْفِيف بَعِيدَة ; لِأَنَّ الْكَلَام يَكُون مُعْتَرَضًا , وَقِرَاءَة التَّشْدِيد يَكُون الْكَلَام بِهَا مُتَّسِقًا , وَأَيْضًا فَإِنَّ السَّوَاد عَلَى غَيْر هَذِهِ الْقِرَاءَة , لِأَنَّهُ قَدْ حُذِفَ مِنْهُ أَلِفَانِ , وَإِنَّمَا يُخْتَصَر مِثْل هَذَا بِحَذْفِ أَلِف وَاحِدَة نَحْو يَا عِيسَى بْن مَرْيَم . اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَسَقَطَتْ أَلِف &quot; اُسْجُدُوا &quot; كَمَا تَسْقُط مَعَ هَؤُلَاءِ إِذَا ظَهَرَ , وَلَمَّا سَقَطَتْ أَلِف &quot; يَا &quot; وَاتَّصَلَتْ بِهَا أَلِف &quot; اُسْجُدُوا &quot; سَقَطَتْ , فَعُدَّ سُقُوطهَا دَلَالَة عَلَى الِاخْتِصَار وَإِيثَارًا لِمَا يَخِفّ وَتَقِلّ أَلْفَاظه . وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ فِي آخِر كِتَابه : قَالَ بَعْضهمْ : إِنَّ &quot; يَا &quot; فِي هَذَا الْمَوْضِع إِنَّمَا هُوَ لِلتَّنْبِيهِ كَأَنَّهُ قَالَ : أَلَا اُسْجُدُوا لِلَّهِ , فَلَمَّا أُدْخِلَ عَلَيْهِ &quot; يَا &quot; لِلتَّنْبِيهِ سَقَطَتْ الْأَلِف الَّتِي فِي &quot; اُسْجُدُوا &quot; لِأَنَّهَا أَلِف وَصْل , وَذَهَبَتْ الْأَلِف الَّتِي فِي &quot; يَا &quot; لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ ; لِأَنَّهَا وَالسِّين سَاكِنَتَانِ . قَالَ ذُو الرُّمَّة : ش أَلَا يَا اِسْلِمِي يَا دَار مَيّ عَلَى الْبِلَى و وَلَا زَالَ مُنْهَلًا بِجَرْعَائِك الْقَطْر ش وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : هُوَ كَلَام مُعْتَرِض مِنْ الْهُدْهُد أَوْ سُلَيْمَان أَوْ مِنْ اللَّه . أَيْ أَلَا لِيَسْجُدُوا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّام اللَّه &quot; [ الْجَاثِيَة : 14 ] قِيلَ : إِنَّهُ أَمْر أَيْ لِيَغْفِرُوا . وَتَنْتَظِم عَلَى هَذَا كِتَابَة الْمُصْحَف ; أَيْ لَيْسَ هَاهُنَا نِدَاء . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : قِيلَ هُوَ مِنْ كَلَام الْهُدْهُد إِلَى قَوْله &quot; الْعَظِيم &quot; وَهُوَ قَوْل اِبْن زَيْد وَابْن إِسْحَاق ; وَيُعْتَرَض بِأَنَّهُ غَيْر مُخَاطَب فَكَيْف يَتَكَلَّم فِي مَعْنَى شَرْع . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مِنْ قَوْل سُلَيْمَان لَمَّا أَخْبَرَهُ الْهُدْهُد عَنْ الْقَوْم . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مِنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى فَهُوَ اِعْتِرَاض بَيْن الْكَلَامَيْنِ وَهُوَ الثَّابِت مَعَ التَّأَمُّل , وَقِرَاءَة التَّشْدِيد فِي &quot; أَلَّا &quot; تُعْطِي أَنَّ الْكَلَام لِلْهُدْهُدِ , وَقِرَاءَة التَّخْفِيف تَمْنَعهُ , وَالتَّخْفِيف يَقْتَضِي الْأَمْر بِالسُّجُودِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِلْأَمْرِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ . وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ : فَإِنْ قُلْت أَسَجْدَة التِّلَاوَة وَاجِبَة فِي الْقِرَاءَتَيْنِ جَمِيعًا أَمْ فِي إِحْدَاهُمَا ؟ قُلْت هِيَ وَاجِبَة فِيهِمَا جَمِيعًا ; لِأَنَّ مَوَاضِع السَّجْدَة إِمَّا أَمْر بِهَا , أَوْ مَدْح لِمَنْ أَتَى بِهَا , أَوْ ذَمّ لِمَنْ تَرَكَهَا , وَإِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ أَمْر بِالسُّجُودِ وَالْأُخْرَى ذَمّ لِلتَّارِكِ . 

قُلْت : وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه عَنْ الْكُفَّار بِأَنَّهُمْ لَا يَسْجُدُونَ كَمَا فِي &quot; الِانْشِقَاق &quot; وَسَجَدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا , كَمَا ثَبَتَ فِي الْبُخَارِيّ وَغَيْره فَكَذَلِكَ &quot; النَّمْل &quot; . وَاَللَّه أَعْلَم . الزَّمَخْشَرِيّ : وَمَا ذَكَرَهُ الزَّجَّاج مِنْ وُجُوب السَّجْدَة مَعَ التَّخْفِيف دُون التَّشْدِيد فَغَيْر مَرْجُوع إِلَيْهِ .
 
الَّذِي يُخْرِج الْخَبْء فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض &quot; خَبْء السَّمَاء قَطْرهَا , وَخَبْء الْأَرْض كُنُوزهَا وَنَبَاتهَا . وَقَالَ قَتَادَة : الْخَبْء السِّرّ . النَّحَّاس : وَهَذَا أَوْلَى . أَيْ مَا غَابَ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَيَدُلّ عَلَيْهِ &quot; مَا يُخْفُونَ وَمَا يُعْلِنُونَ &quot; . وَقَرَأَ عِكْرِمَة وَمَالِك بْن دِينَار : &quot; الْخَب &quot; بِفَتْحِ الْبَاء مِنْ غَيْر هَمْز . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَهُوَ التَّخْفِيف الْقِيَاسِيّ ; وَذَكَرَ مَنْ يَتْرُك الْهَمْز فِي الْوَقْف . وَقَالَ النَّحَّاس : وَحَكَى أَبُو حَاتِم أَنَّ عِكْرِمَة قَرَأَ : &quot; الَّذِي يُخْرِج الْخَبَا &quot; بِأَلِفٍ غَيْر مَهْمُوزَة , وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا لَا يَجُوز فِي الْعَرَبِيَّة , وَاعْتَلَّ بِأَنَّهُ إِنْ خَفَّفَ الْهَمْزَة أَلْقَى حَرَكَتهَا عَلَى الْبَاء فَقَالَ : الْخَبَ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض &quot; وَأَنَّهُ إِنْ حَوَّلَ الْهَمْزَة قَالَ : الْخَبْي بِإِسْكَانِ الْبَاء وَبَعْدهَا يَاء . قَالَ النَّحَّاس : وَسَمِعْت عَلِيّ بْن سُلَيْمَان يَقُول سَمِعْت مُحَمَّد بْن يَزِيد يَقُول : كَانَ أَبُو حَاتِم دُون أَصْحَابه فِي النَّحْو وَلَمْ يَلْحَق بِهِمْ إِلَّا أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَلَده لَمْ يَلْقَ أَعْلَم مِنْهُ . وَحَكَى سِيبَوَيْهِ عَنْ الْعَرَب أَنَّهَا تُبْدَل مِنْ الْهَمْزَة أَلِفًا إِذَا كَانَ قَبْلهَا سَاكِن وَكَانَتْ مَفْتُوحَة , وَتُبْدَل مِنْهَا وَاوًا إِذَا كَانَ قَبْلهَا سَاكِن وَكَانَتْ مَضْمُومَة , وَتُبْدَل مِنْهَا يَاء إِذَا كَانَ قَبْلهَا سَاكِن وَكَانَتْ مَكْسُورَة ; فَتَقُول : هَذَا الْوَثْو وَعَجِبْت مِنْ الْوَثْي وَرَأَيْت الْوَثَا ; وَهَذَا مِنْ وُثِئَتْ يَده ; وَكَذَلِكَ هَذَا الْخَبْو وَعَجِبْت مِنْ الْخَبْي , وَرَأَيْت الْخَبَا ; وَإِنَّمَا فُعِلَ هَذَا لِأَنَّ الْهَمْزَة خَفِيفَة فَأُبْدِلَ مِنْهَا هَذِهِ الْحُرُوف . وَحَكَى سِيبَوَيْهِ عَنْ قَوْم مِنْ بَنِي تَمِيم وَبَنِي أَسَد أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : هَذَا الْخَبْؤ ; يَضُمُّونَ السَّاكِن إِذَا كَانَتْ الْهَمْزَة مَضْمُومَة , وَيُثْبِتُونَ الْهَمْزَة وَيَكْسِرُونَ السَّاكِن إِذَا كَانَتْ الْهَمْزَة مَكْسُورَة , وَيَفْتَحُونَ السَّاكِن إِذَا كَانَتْ الْهَمْزَة مَفْتُوحَة . وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُمْ يَكْسِرُونَ وَإِنْ كَانَتْ الْهَمْزَة مَضْمُومَة , إِلَّا أَنَّ هَذَا عَنْ بَنِي تَمِيم ; فَيَقُولُونَ : الرَّدِيء ; وَزَعَمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَضُمُّوا الدَّال لِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ضَمَّة قَبْلهَا كَسْرَة ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَام فِعُل . وَهَذِهِ كُلّهَا لُغَات دَاخِلَة عَلَى اللُّغَة الَّتِي قَرَأَ بِهَا الْجَمَاعَة ; وَفِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه &quot; الَّذِي يُخْرِج الْخَبَا مِنْ السَّمَوَات &quot; وَ &quot; مِنْ &quot; وَ &quot; فِي &quot; يَتَعَاقَبَانِ ; تَقُول الْعَرَب : لَأَسْتَخْرِجَنَّ الْعِلْم فِيكُمْ يُرِيد مِنْكُمْ ; قَالَهُ الْفَرَّاء .
  
وَيَعْلَم مَا يُخْفُونَ وَمَا يُعْلِنُونَ &quot; قِرَاءَة الْعَامَّة فِيهِمَا بِيَاءِ الْغَائِب , وَهَذِهِ الْقِرَاءَة تُعْطِي أَنَّ الْآيَة مِنْ كَلَام الْهُدْهُد , وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى خَصَّهُ مِنْ الْمَعْرِفَة بِتَوْحِيدِهِ وَوُجُوب السُّجُود لَهُ , وَإِنْكَار سُجُودهمْ لِلشَّمْسِ , وَإِضَافَته لِلشَّيْطَانِ , وَتَزْيِينه لَهُمْ , مَا خَصَّ بِهِ غَيْره مِنْ الطُّيُور وَسَائِر الْحَيَوَان ; مِنْ الْمَعَارِف اللَّطِيفَة الَّتِي لَا تَكَاد الْعُقُول الرَّاجِحَة تَهْتَدِي لَهَا . وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ وَعِيسَى بْن عُمَر وَحَفْص وَالْكِسَائِيّ : &quot; تُخْفُونَ &quot; وَ &quot; تُعْلِنُونَ &quot; بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب ; وَهَذِهِ الْقِرَاءَة تُعْطِي أَنَّ الْآيَة مِنْ خِطَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِأُمَّةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ';
$TAFSEER['4']['27']['26'] = 'إِلَه إِلَّا هُوَ رَبّ الْعَرْش الْعَظِيم &quot; قَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن &quot; الْعَظِيم &quot; : رَفْعًا نَعْتًا لِلَّهِ . الْبَاقُونَ بِالْخَفْضِ نَعْتًا لِلْعَرْشِ . وَخُصَّ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَعْظَم الْمَخْلُوقَات وَمَا عَدَاهُ فِي ضِمْنه وَقَبْضَته .';
$TAFSEER['4']['27']['27'] = 'مِنْ النَّظَر الَّذِي هُوَ التَّأَمُّل وَالتَّصَفُّح .

أَصَدَقْت أَمْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ &quot; فِي مَقَالَتك . وَ &quot; كُنْت &quot; بِمَعْنَى أَنْتَ . وَقَالَ : &quot; سَنَنْظُرُ أَصَدَقْت &quot; وَلَمْ يَقُلْ سَنَنْظُرُ فِي أَمْرك ; لِأَنَّ الْهُدْهُد لَمَّا صَرَّحَ بِفَخْرِ الْعِلْم فِي قَوْله : &quot; أَحَطْت بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ &quot; صَرَّحَ لَهُ سُلَيْمَان بِقَوْلِهِ : سَنَنْظُرُ أَصَدَقْت أَمْ كَذَبْت , فَكَانَ ذَلِكَ كِفَاء لِمَا قَالَهُ . 

&quot; أَصَدَقْت أَمْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ &quot; دَلِيل عَلَى أَنَّ الْإِمَام يَجِب عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَل عُذْر رَعِيَّته , وَيَدْرَأ الْعُقُوبَة عَنْهُمْ فِي ظَاهِر أَحْوَالهمْ بِبَاطِنِ أَعْذَارهمْ ; لِأَنَّ سُلَيْمَان لَمْ يُعَاقِب الْهُدْهُد حِين اِعْتَذَرَ إِلَيْهِ . وَإِنَّمَا صَارَ صِدْق الْهُدْهُد عُذْرًا لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا يَقْتَضِي الْجِهَاد , وَكَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام حُبِّبَ إِلَيْهِ الْجِهَاد . وَفِي الصَّحِيح : ( لَيْسَ أَحَد أَحَبّ إِلَيْهِ الْعُذْر مِنْ اللَّه مِنْ أَجْل ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَاب وَأَرْسَلَ الرُّسُل ) . وَقَدْ قَبِلَ عُمَر عُذْر النُّعْمَان بْن عَدِيّ وَلَمْ يُعَاقِبهُ . وَلَكِنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْتَحِن ذَلِكَ إِذَا تَعَلَّقَ بِهِ حُكْم مِنْ أَحْكَام الشَّرِيعَة . كَمَا فَعَلَ سُلَيْمَان ; فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ الْهُدْهُد : &quot; إِنِّي وَجَدْت اِمْرَأَة تَمْلِكهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلّ شَيْء وَلَهَا عَرْش عَظِيم &quot; لَمْ يَسْتَفِزّهُ الطَّمَع , وَلَا اِسْتَجَرَّهُ حُبّ الزِّيَادَة فِي الْمُلْك إِلَى أَنْ يَعْرِض لَهُ حَتَّى قَالَ : &quot; وَجَدْتهَا وَقَوْمهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُون اللَّه &quot; فَغَاظَهُ حِينَئِذٍ مَا سَمِعَ , وَطَلَبَ الِانْتِهَاء إِلَى مَا أَخْبَرَ , وَتَحْصِيل عِلْم مَا غَابَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : &quot; سَنَنْظُرُ أَصَدَقْت أَمْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ &quot; وَنَحْو مِنْهُ مَا رَوَاهُ الصَّحِيح عَنْ الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَة , حِين اِسْتَشَارَ عُمَر النَّاس فِي إِمْلَاص الْمَرْأَة وَهِيَ الَّتِي يُضْرَب بَطْنهَا فَتُلْقِي جَنِينهَا ; فَقَالَ الْمُغِيرَة اِبْن شُعْبَة : شَهِدْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِيهِ بِغُرَّةِ عَبْد أَوْ أَمَة . قَالَ فَقَالَ عُمَر : اِيتِنِي بِمَنْ يَشْهَد مَعَك ; قَالَ : فَشَهِدَ لَهُ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَة وَفِي رِوَايَة فَقَالَ : لَا تَبْرَح حَتَّى تَأْتِي بِالْمَخْرَجِ مِنْ ذَلِكَ ; فَخَرَجْت فَوَجَدْت مُحَمَّد بْن مَسْلَمَة فَجِئْت بِهِ فَشَهِدَ . وَنَحْوه حَدِيث أَبِي مُوسَى فِي الِاسْتِئْذَان وَغَيْره .';
$TAFSEER['4']['27']['28'] = 'فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ &quot; قَالَ الزَّجَّاج : فِيهَا خَمْسَة أَوْجُه &quot; فَأَلْقِهِ &quot; إِلَيْهِمْ &quot; بِإِثْبَاتِ الْيَاء فِي اللَّفْظ . وَبِحَذْفِ الْيَاء وَإِثْبَات الْكَسْرَة دَالَّة عَلَيْهَا &quot; فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ &quot; . وَبِضَمِّ الْهَاء وَإِثْبَات الْوَاو عَلَى الْأَصْل &quot; فَأَلْقِه وَإِلَيْهِمْ &quot; . وَبِحَذْفِ الْوَاو وَإِثْبَات الضَّمَّة &quot; فَأَلْقِه إِلَيْهِمْ &quot; . وَاللُّغَة الْخَامِسَة قَرَأَ بِهَا حَمْزَة بِإِسْكَانِ الْهَاء &quot; فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ &quot; . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا عِنْد النَّحْوِيِّينَ لَا يَجُوز إِلَّا عَلَى حِيلَة بَعِيدَة تَكُون : يُقَدَّر الْوَقْف ; وَسَمِعْت عَلِيّ بْن سُلَيْمَان يَقُول : لَا تَلْتَفِت إِلَى هَذِهِ الْعِلَّة , وَلَوْ جَازَ أَنْ يَصِل وَهُوَ يَنْوِي الْوَقْف لَجَازَ أَنْ يُحْذَف الْإِعْرَاب مِنْ الْأَسْمَاء . وَقَالَ : &quot; إِلَيْهِمْ &quot; عَلَى لَفْظ الْجَمْع وَلَمْ يَقُلْ إِلَيْهَا ; لِأَنَّهُ قَالَ : &quot; وَجَدْتهَا وَقَوْمهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ &quot; فَكَأَنَّهُ قَالَ : فَأَلْقِهِ إِلَى الَّذِينَ هَذَا دِينهمْ ; اِهْتِمَامًا مِنْهُ بِأَمْرِ الدِّين , وَاشْتِغَالًا بِهِ عَنْ غَيْره , وَبَنَى الْخِطَاب فِي الْكِتَاب عَلَى لَفْظ الْجَمْع لِذَلِكَ . وَرُوِيَ فِي قَصَص هَذِهِ الْآيَة أَنَّ الْهُدْهُد وَصَلَ فَأَلْفَى دُون هَذِهِ الْمَلِكَة حُجُب جُدْرَان ; فَعَمَدَ إِلَى كُوَّة كَانَتْ بِلْقِيس صَنَعَتْهَا لِتَدْخُل مِنْهَا الشَّمْس عِنْد طُلُوعهَا لِمَعْنَى عِبَادَتهَا إِيَّاهَا , فَدَخَلَ مِنْهَا وَرَمَى الْكِتَاب عَلَى بِلْقِيس وَهِيَ - فِيمَا يُرْوَى - نَائِمَة ; فَلَمَّا اِنْتَبَهَتْ وَجَدَتْهُ فَرَاعَهَا , وَظَنَّتْ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ عَلَيْهَا أَحَد , ثُمَّ قَامَتْ فَوَجَدَتْ حَالهَا كَمَا عَهِدَتْ , فَنَظَرَتْ إِلَى الْكُوَّة تَهَمُّمًا بِأَمْرِ الشَّمْس , فَرَأَتْ الْهُدْهُد فَعَلِمَتْ . وَقَالَ وَهْب وَابْن زَيْد : كَانَتْ لَهَا كُوَّة مُسْتَقْبِلَة مَطْلَع الشَّمْس , فَإِذَا طَلَعَتْ سَجَدَتْ , فَسَدَّهَا الْهُدْهُد بِجَنَاحِهِ , فَارْتَفَعَتْ الشَّمْس وَلَمْ تَعْلَم , فَلَمَّا اِسْتَبْطَأَتْ الشَّمْس قَامَتْ تَنْظُر فَرَمَى الصَّحِيفَة إِلَيْهَا , فَلَمَّا رَأَتْ الْخَاتَم اِرْتَعَدَتْ وَخَضَعَتْ , لِأَنَّ مُلْك سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ فِي خَاتَمه ; فَقَرَأَتْهُ فَجَمَعَتْ الْمَلَأ مِنْ قَوْمهَا فَخَاطَبَتْهُمْ بِمَا يَأْتِي بَعْد . وَقَالَ مُقَاتِل : حَمَلَ الْهُدْهُد الْكِتَاب بِمِنْقَارِهِ , وَطَارَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَأْس الْمَرْأَة وَحَوْلهَا الْجُنُود وَالْعَسَاكِر , فَرَفْرَف سَاعَة وَالنَّاس يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ , فَرَفَعَتْ الْمَرْأَة رَأْسهَا فَأَلْقَى الْكِتَاب فِي حِجْرهَا . 

فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى إِرْسَال الْكُتُب إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَتَبْلِيغهمْ الدَّعْوَة , وَدُعَائِهِمْ إِلَى الْإِسْلَام . وَقَدْ كَتَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَر وَإِلَى كُلّ جَبَّار ; كَمَا تَقَدَّمَ فِي &quot; آلَ عِمْرَانَ &quot; :
  
تَوَلَّ عَنْهُمْ &quot; أَمَرَهُ بِالتَّوَلِّي حُسْن أَدَب لِيَتَنَحَّى حَسْب مَا يَتَأَدَّب بِهِ مَعَ الْمُلُوك . بِمَعْنَى : وَكُنْ قَرِيبًا حَتَّى تَرَى مُرَاجَعَتهمْ ; قَالَهُ وَهْب بْن مُنَبِّه . وَقَالَ اِبْن زَيْد : أَمَرَهُ بِالتَّوَلِّي بِمَعْنَى الرُّجُوع إِلَيْهِ ; أَيْ أَلْقِهِ وَارْجِعْ .

يَرْجِعُونَ &quot; فِي مَعْنَى التَّقْدِيم عَلَى قَوْله : &quot; ثُمَّ تَوَلَّ &quot; وَاتِّسَاق رُتْبَة الْكَلَام أَظْهَر ; أَيْ أَلْقِهِ ثُمَّ تَوَلَّ , وَفِي خِلَال ذَلِكَ فَانْظُرْ أَيْ اِنْتَظِرْ . وَقِيلَ : فَاعْلَمْ ; كَقَوْلِهِ : &quot; يَوْم يَنْظُر الْمَرْء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ &quot; [ النَّبَأ : 40 ] أَيْ اِعْلَمْ مَاذَا يَرْجِعُونَ أَيْ يُجِيبُونَ وَمَاذَا يَرُدُّونَ مِنْ الْقَوْل . وَقِيلَ : &quot; فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ &quot; يَتَرَاجَعُونَ بَيْنهمْ مِنْ الْكَلَام .';
$TAFSEER['4']['27']['29'] = 'إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَاب كَرِيم &quot; فِي الْكَلَام حَذْف ; وَالْمَعْنَى : فَذَهَبَ فَأَلْقَاهُ إِلَيْهِمْ فَسَمِعَهَا وَهِيَ تَقُول : &quot; يَا أَيّهَا الْمَلَأ &quot; ثُمَّ وَصَفَتْ الْكِتَاب بِالْكَرِيمِ إِمَّا لِأَنَّهُ مِنْ عِنْد عَظِيم فِي نَفْسهَا وَنُفُوسهمْ فَعَظَّمَتْهُ إِجْلَالًا لِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَام ; وَهَذَا قَوْل اِبْن زَيْد . وَإِمَّا أَنَّهَا أَشَارَتْ إِلَى أَنَّهُ مَطْبُوع عَلَيْهِ بِالْخَاتَمِ , فَكَرَامَة الْكِتَاب خَتْمه ; وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ : لِأَنَّهُ بَدَأَ فِيهِ بِ &quot; بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم &quot; وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلّ كَلَام لَا يُبْدَأ فِيهِ بِبَسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم فَهُوَ أَجْذَم ) . وَقِيلَ : لِأَنَّهُ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ , وَلَا يَفْعَل ذَلِكَ إِلَّا الْجِلَّة . وَفِي حَدِيث اِبْن عُمَر أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان يُبَايِعهُ . مِنْ عَبْد اللَّه لِعَبْدِ الْمَلِك بْن مَرْوَان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ; إِنِّي أُقِرّ لَك بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة مَا اِسْتَطَعْت , وَإِنَّ بَنِيَّ قَدْ أَقَرُّوا لَك بِذَلِكَ . وَقِيلَ : تَوَهَّمَتْ أَنَّهُ كِتَاب جَاءَ مِنْ السَّمَاء إِذْ كَانَ الْمُوَصِّل طَيْرًا . وَقِيلَ : &quot; كَرِيم &quot; حَسَن ; كَقَوْلِهِ : &quot; وَمَقَام كَرِيم &quot; [ الشُّعَرَاء : 58 ] أَيْ مَجْلِس حَسَن . وَقِيلَ : وَصَفَتْهُ بِذَلِكَ ; لِمَا تَضَمَّنَ مِنْ لِين الْقَوْل وَالْمَوْعِظَة فِي الدُّعَاء إِلَى عِبَادَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَحُسْن الِاسْتِعْطَاف وَالِاسْتِلْطَاف مِنْ غَيْر أَنْ يَتَضَمَّن سَبًّا وَلَا لَعْنًا , وَلَا مَا يُغَيِّر النَّفْس , وَمِنْ غَيْر كَلَام نَازِل وَلَا مُسْتَغْلَق ; عَلَى عَادَة الرُّسُل فِي الدُّعَاء إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ; أَلَا تَرَى إِلَى قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : &quot; اُدْعُ إِلَى سَبِيل رَبّك بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة &quot; [ النَّحْل : 125 ] وَقَوْله لِمُوسَى وَهَارُون : &quot; فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى &quot; [ طه : 44 ] . وَكُلّهَا وُجُوه حِسَان وَهَذَا أَحْسَنهَا . وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَكْتُب بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم أَحَد قَبْل سُلَيْمَان . وَفِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه &quot; وَإِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَان &quot; بِزِيَادَةِ وَاو . 

الْوَصْف بِالْكَرِيمِ فِي الْكِتَاب غَايَة الْوَصْف ; أَلَا تَرَى قَوْله تَعَالَى : &quot; إِنَّهُ لَقُرْآن كَرِيم &quot; [ الْوَاقِعَة : 77 ] وَأَهْل الزَّمَان يَصِفُونَ الْكِتَاب بِالْخَطِيرِ وَبِالْأَثِيرِ وَبِالْمَبْرُورِ ; فَإِنْ كَانَ لِمَلِكٍ قَالُوا : الْعَزِيز وَأَسْقَطُوا الْكَرِيم غَفْلَة , وَهُوَ أَفْضَلهَا خَصْلَة . فَأَمَّا الْوَصْف بِالْعَزِيزِ فَقَدْ وُصِفَ بِهِ الْقُرْآن فِي قَوْله تَعَالَى : &quot; وَإِنَّهُ لَكِتَاب عَزِيز . لَا يَأْتِيه الْبَاطِل مِنْ بَيْن يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفه &quot; [ فُصِّلَتْ : 41 - 42 ] فَهَذِهِ عِزَّته وَلَيْسَتْ لِأَحَدٍ إِلَّا لَهُ , فَاجْتَنِبُوهَا فِي كُتُبكُمْ , وَاجْعَلُوا بَدَلهَا الْعَالِي ; تَوْفِيَة لِحَقِّ الْوِلَايَة , وَحِيَاطَة لِلدِّيَانَةِ ; قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ . 

كَانَ رَسْم الْمُتَقَدِّمِينَ إِذَا كَتَبُوا أَنْ يَبْدَءُوا بِأَنْفُسِهِمْ مِنْ فُلَان إِلَى فُلَان , وَبِذَلِكَ جَاءَتْ الْآثَار . وَرَوَى الرَّبِيع عَنْ أَنَس قَالَ : مَا كَانَ أَحَد أَعْظَم حُرْمَة مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَكَانَ أَصْحَابه إِذَا كَتَبُوا بَدَءُوا بِأَنْفُسِهِمْ . وَقَالَ اِبْن سِيرِينَ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَهْل فَارِس إِذَا كَتَبُوا بَدَءُوا بِعُظَمَائِهِمْ فَلَا يَبْدَأ الرَّجُل إِلَّا بِنَفْسِهِ ) قَالَ أَبُو اللَّيْث فِي كِتَاب &quot; الْبُسْتَان &quot; لَهُ : وَلَوْ بَدَأَ بِالْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ لَجَازَ ; لِأَنَّ الْأُمَّة قَدْ اِجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ وَفَعَلُوهُ لِمَصْلَحَةٍ رَأَوْا فِي ذَلِكَ , أَوْ نَسْخ مَا كَانَ مِنْ قَبْل ; فَالْأَحْسَن فِي زَمَاننَا هَذَا أَنْ يَبْدَأ بِالْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ , ثُمَّ بِنَفْسِهِ ; لِأَنَّ الْبِدَايَة بِنَفْسِهِ تُعَدّ مِنْهُ اِسْتِخْفَافًا بِالْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ وَتَكَبُّرًا عَلَيْهِ ; إِلَّا أَنْ يَكْتُب إِلَى عَبْد مِنْ عَبِيده , أَوْ غُلَام مِنْ غِلْمَانه . 

وَإِذَا وَرَدَ عَلَى إِنْسَان كِتَاب بِالتَّحِيَّةِ أَوْ نَحْوهَا يَنْبَغِي أَنْ يَرُدّ الْجَوَاب ; لِأَنَّ الْكِتَاب مِنْ الْغَائِب كَالسَّلَامِ مِنْ الْحَاضِر . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَرَى رَدّ الْكِتَاب وَاجِبًا كَمَا يَرَى رَدّ السَّلَام . وَاَللَّه أَعْلَم . 

اِتَّفَقُوا عَلَى كَتْب &quot; بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم &quot; فِي أَوَّل الْكُتُب وَالرَّسَائِل , وَعَلَى خَتْمهَا ; لِأَنَّهُ أَبْعَد مِنْ الرِّيبَة , وَعَلَى هَذَا جَرَى الرَّسْم , وَبِهِ جَاءَ الْأَثَر عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب أَنَّهُ قَالَ : أَيّمَا كِتَاب لَمْ يَكُنْ مَخْتُومًا فَهُوَ أَغْلَف . وَفِي الْحَدِيث : ( كَرَم الْكِتَاب خَتْمه ) . وَقَالَ بَعْض الْأُدَبَاء ; هُوَ اِبْن الْمُقَفَّع : مَنْ كَتَبَ إِلَى أَخِيهِ كِتَابًا وَلَمْ يَخْتِمهُ فَقَدْ اِسْتَخَفَّ بِهِ ; لِأَنَّ الْخَتْم خَتْم . وَقَالَ أَنَس : لَمَّا أَرَادَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُب إِلَى الْعَجَم فَقِيلَ لَهُ : إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ إِلَّا كِتَابًا عَلَيْهِ خَتْم ; فَاصْطَنِعْ خَاتَمًا وَنَقَشَ عَلَى فَصّه ( لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مُحَمَّد رَسُول اللَّه ) وَكَأَنِّي أَنْظُر إِلَى وَبِيصه وَبَيَاضه فِي كَفّه .';
$TAFSEER['4']['27']['30'] = 'وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم &quot; &quot; وَإِنَّهُ &quot; بِالْكَسْرِ فِيهِمَا أَيْ وَإِنَّ الْكَلَام , أَوْ إِنَّ مُبْتَدَأ الْكَلَام &quot; بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم &quot; . وَأَجَازَ الْفَرَّاء &quot; أَنَّهُ مِنْ سُلَيْمَان وَأَنَّهُ &quot; بِفَتْحِهِمَا جَمِيعًا عَلَى أَنْ يَكُونَا فِي مَوْضِع رَفْع بَدَل مِنْ الْكِتَاب ; بِمَعْنَى أُلْقِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ مِنْ سُلَيْمَان . وَأَجَازَ أَنْ يَكُونَا فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى حَذْف الْخَافِض ; أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ سُلَيْمَان وَلِأَنَّهُ ; كَأَنَّهَا عَلَّلَتْ كَرَمه بِكَوْنِهِ مِنْ سُلَيْمَان وَتَصْدِيره بِسْمِ اللَّه . وَقَرَأَ الْأَشْهَب الْعُقَيْلِيّ وَمُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع : &quot; أَلَّا تَغْلُوا &quot; بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَة , وَرُوِيَ عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه ; مِنْ غَلَا يَغْلُو إِذَا تَجَاوَزَ وَتَكَبَّرَ . وَهِيَ رَاجِعَة إِلَى مَعْنَى قِرَاءَة الْجَمَاعَة .';
$TAFSEER['4']['27']['31'] = 'وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ &quot; أَيْ مُنْقَادِينَ طَائِعِينَ مُؤْمِنِينَ .';
$TAFSEER['4']['27']['32'] = 'الْمَلَأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي &quot; الْمَلَأ أَشْرَاف الْقَوْم وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة &quot; الْبَقَرَة &quot; الْقَوْل فِيهِ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ مَعَهَا أَلْف قَيْل . وَقِيلَ : اِثْنَا عَشَر أَلْف قَيْل مَعَ كُلّ قَيْل مِائَة أَلْف . وَالْقَيْل الْمَلِك دُون الْمَلِك الْأَعْظَم . فَأَخَذَتْ فِي حُسْن الْأَدَب مَعَ قَوْمهَا , وَمُشَاوَرَتهمْ فِي أَمْرهَا , وَأَعْلَمَتْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ مُطَّرِد عِنْدهَا فِي كُلّ أَمْر يَعْرِض ,
 
تَشْهَدُونَ &quot; فَكَيْف فِي هَذِهِ النَّازِلَة الْكُبْرَى . فَرَاجَعَهَا الْمَلَأ بِمَا يُقِرّ عَيْنهَا , مِنْ إِعْلَامهمْ إِيَّاهَا بِالْقُوَّةِ وَالْبَأْس , ثُمَّ سَلَّمُوا الْأَمْر إِلَى نَظَرهَا ; وَهَذِهِ مُحَاوَرَة حَسَنَة مِنْ الْجَمِيع . قَالَ قَتَادَة : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ لَهَا ثَلَاثمِائَةِ وَثَلَاثَة عَشَر رَجُلًا هُمْ أَهْل مَشُورَتهَا , كُلّ رَجُل مِنْهُمْ عَلَى عَشَرَة آلَاف . 

فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى صِحَّة الْمُشَاوِرَة . وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : &quot; وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر &quot; [ آلَ عِمْرَان : 159 ] فِي &quot; آلَ عِمْرَانَ &quot; إِمَّا اِسْتِعَانَة بِالْآرَاءِ , وَإِمَّا مُدَارَاة لِلْأَوْلِيَاءِ . وَقَدْ مَدَحَ اللَّه تَعَالَى الْفُضَلَاء بِقَوْلِهِ : &quot; وَأَمْرهمْ شُورَى بَيْنهمْ &quot; [ الشُّورَى : 38 ] . وَالْمُشَاوَرَة مِنْ الْأَمْر الْقَدِيم وَخَاصَّة فِي الْحَرْب ; فَهَذِهِ بِلْقِيس اِمْرَأَة جَاهِلِيَّة كَانَتْ تَعْبُد الشَّمْس : &quot; قَالَتْ يَا أَيّهَا الْمَلَأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْت قَاطِعَة أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونَ &quot; لِتَخْتَبِر عَزْمهمْ عَلَى مُقَاوَمَة عَدُوّهُمْ , وَحَزْمهمْ فِيمَا يُقِيم أَمْرهمْ , وَإِمْضَائِهِمْ عَلَى الطَّاعَة لَهَا , بِعِلْمِهَا بِأَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَبْذُلُوا أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ وَدِمَاءَهُمْ دُونهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا طَاقَة بِمُقَاوَمَةِ عَدُوّهَا , وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِع أَمْرهمْ وَحَزْمهمْ وَجِدّهمْ كَانَ ذَلِكَ عَوْنًا لِعَدُوِّهِمْ عَلَيْهِمْ , وَإِنْ لَمْ تَخْتَبِر مَا عِنْدهمْ , وَتَعْلَم قَدْر عَزْمهمْ لَمْ تَكُنْ عَلَى بَصِيرَة مِنْ أَمْرهمْ , وَرُبَّمَا كَانَ فِي اِسْتِبْدَادهَا بِرَأْيِهَا وَهَن فِي طَاعَتهَا , وَدَخِيلَة فِي تَقْدِير أَمْرهمْ , وَكَانَ فِي مُشَاوَرَتهمْ وَأَخْذ رَأْيهمْ عَوْن عَلَى مَا تُرِيدهُ مِنْ قُوَّة شَوْكَتهمْ , وَشِدَّة مُدَافَعَتهمْ ; أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلهمْ فِي جَوَابهمْ :';
$TAFSEER['4']['27']['33'] = 'وَأُولُو بَأْس شَدِيد &quot; قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ مِنْ قُوَّة أَحَدهمْ أَنَّهُ يَرْكُض فَرَسه حَتَّى إِذَا اِحْتَدَّ ضَمَّ فَخِذَيْهِ فَحَبَسَهُ بِقُوَّتِهِ .

فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ &quot; سَلَّمُوا الْأَمْر إِلَى نَظَرهَا مَعَ مَا أَظْهَرُوا لَهَا مِنْ الْقُوَّة وَالْبَأْس وَالشِّدَّة ; فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ أَخْبَرَتْ عِنْد ذَلِكَ بِفِعْلِ الْمُلُوك بِالْقُرَى الَّتِي يَتَغَلَّبُونَ عَلَيْهَا . وَفِي هَذَا الْكَلَام خَوْف عَلَى قَوْمهَا , وَحِيطَة وَاسْتِعْظَام لِأَمْرِ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام . &quot; وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ &quot; قِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل بِلْقِيس تَأْكِيدًا لِلْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَتْهُ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ مِنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مُعَرِّفًا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّته بِذَلِكَ وَمُخْبِرًا بِهِ . وَقَالَ وَهْب : لَمَّا قَرَأَتْ عَلَيْهِمْ الْكِتَاب لَمْ تَعْرِف اِسْم اللَّه , فَقَالَتْ : مَا هَذَا ؟ ! فَقَالَ بَعْض الْقَوْم : مَا نَظُنّ هَذَا إِلَّا عِفْرِيتًا عَظِيمًا مِنْ الْجِنّ يَقْتَدِر بِهِ هَذَا الْمَلِك عَلَى مَا يُرِيدهُ ; فَسَكَّتُوهُ . وَقَالَ الْآخَر : أَرَاهُمْ ثَلَاثَة مِنْ الْعَفَارِيت ; فَسَكَّتُوهُ ; فَقَالَ شَابّ قَدْ عَلِمَ : يَا سَيِّدَة الْمُلُوك ! إِنَّ سُلَيْمَان مَلِك قَدْ أَعْطَاهُ مَلِك السَّمَاء مُلْكًا عَظِيمًا فَهُوَ لَا يَتَكَلَّم بِكَلِمَةٍ إِلَّا بَدَأَ فِيهَا بِتَسْمِيَةِ إِلَهه , وَاَللَّه اِسْم مَلِيك السَّمَاء , وَالرَّحْمَن الرَّحِيم نُعُوته ; فَعِنْدهَا قَالَتْ : &quot; أَفْتُونِي فِي أَمْرِي &quot; فَقَالُوا : &quot; نَحْنُ أُولُو قُوَّة &quot; فِي الْقِتَال &quot; وَأُولُو بَأْس شَدِيد &quot; قُوَّة فِي الْحَرْب وَاللِّقَاء &quot; وَالْأَمْر إِلَيْك &quot; رَدُّوا أَمْرهمْ إِلَيْهَا لَمَّا جَرَّبُوا عَلَى رَأْيهَا مِنْ الْبَرَكَة &quot; فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ &quot;';
$TAFSEER['4']['27']['34'] = 'دَخَلُوا قَرْيَة أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّة أَهْلهَا أَذِلَّة &quot; أَهَانُوا شُرَفَاءَهَا لِتَسْتَقِيمَ لَهُمْ الْأُمُور , فَصَدَّقَ اللَّه قَوْلهَا . &quot; وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ &quot; قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : &quot; وَجَعَلُوا أَعِزَّة أَهْلهَا أَذِلَّة &quot; هَذَا وَقْف تَامّ ; فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ تَحْقِيقًا لِقَوْلِهَا : &quot; وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ &quot; وَشَبِيه بِهِ فِي سُورَة &quot; الْأَعْرَاف &quot; &quot; قَالَ الْمَلَأ مِنْ قَوْم فِرْعَوْن إِنَّ هَذَا لَسَاحِر عَلِيم . يُرِيد أَنْ يُخْرِجكُمْ مِنْ أَرْضكُمْ &quot; [ الْأَعْرَاف : 109 - 110 ] تَمَّ الْكَلَام , فَقَالَ فِرْعَوْن : &quot; فَمَاذَا تَأْمُرُونَ &quot; [ الْأَعْرَاف : 110 ] . وَقَالَ اِبْن شَجَرَة . هُوَ قَوْل بِلْقِيس , فَالْوَقْف
 
يَفْعَلُونَ &quot; أَيْ وَكَذَلِكَ يَفْعَل سُلَيْمَان إِذَا دَخَلَ بِلَادنَا .';
$TAFSEER['4']['27']['35'] = 'إِلَيْهِمْ بِهَدِيةٍ &quot; هَذَا مِنْ حُسْن نَظَرهَا وَتَدْبِيرهَا ; أَيْ إِنِّي أُجَرِّب هَذَا الرَّجُل بِهَدِيَّةٍ , وَأُعْطِيه فِيهَا نَفَائِس مِنْ الْأَمْوَال , وَأُغْرِب عَلَيْهِ بِأُمُورِ الْمَمْلَكَة : فَإِنْ كَانَ مَلِكًا دُنْيَاوِيًّا أَرْضَاهُ الْمَال وَعَمِلْنَا مَعَهُ بِحَسَبِ ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ يُرْضِهِ الْمَال وَلَازَمْنَا فِي أَمْر الدِّين , فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُؤْمِن بِهِ وَنَتَّبِعهُ عَلَى دِينه , فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ بِهَدِيَّةٍ عَظِيمَة أَكْثَرَ النَّاس فِي تَفْصِيلهَا , فَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِلَبِنَةٍ مِنْ ذَهَب , فَرَأَتْ الرُّسُل الْحِيطَان مِنْ ذَهَب فَصَغُرَ عِنْدهمْ مَا جَاءُوا بِهِ . وَقَالَ مُجَاهِد : أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِمِائَتَيْ غُلَام وَمِائَتِي جَارِيَة . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس : بِاثْنَتَيْ عَشْرَة وَصِيفَة مُذَكَّرِينَ قَدْ أَلْبَسَتْهُمْ زِيّ الْغِلْمَان , وَاثْنَيْ عَشَر غُلَامًا مُؤَنَّثِينَ قَدْ أَلْبَسَتْهُمْ زِيّ النِّسَاء , وَعَلَى يَد الْوَصَائِف أَطْبَاق مِسْك وَعَنْبَر , وَبِاثْنَتَيْ عَشْرَة نَجِيبَة تَحْمِل لَبِن الذَّهَب , وَبِخَرَزَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا غَيْر مَثْقُوبَة , وَالْأُخْرَى مَثْقُوبَة ثَقْبًا مُعْوَجًّا , وَبِقَدَحٍ لَا شَيْء فِيهِ , وَبِعَصًا كَانَ يَتَوَارَثهَا مُلُوك حِمْيَر , وَأَنْفَذَتْ الْهَدِيَّة مَعَ جَمَاعَة مِنْ قَوْمهَا . وَقِيلَ : كَانَ الرَّسُول وَاحِدًا وَلَكِنْ كَانَ فِي صُحْبَته أَتْبَاع وَخَدَم . وَقِيلَ : أَرْسَلَتْ رَجُلًا مِنْ أَشْرَاف قَوْمهَا يُقَال لَهُ الْمُنْذِر بْن عَمْرو , وَضَمَّتْ إِلَيْهِ رِجَالًا ذَوِي رَأْي وَعَقْل , وَالْهَدِيَّة مِائَة وَصِيف وَمِائَة وَصِيفَة , وَقَدْ خُولِفَ بَيْنهمْ فِي اللِّبَاس , وَقَالَتْ لِلْغِلْمَانِ : إِذَا كَلَّمَكُمْ سُلَيْمَان فَكَلِّمُوهُ بِكَلَامٍ فِيهِ تَأْنِيث يُشْبِه كَلَام النِّسَاء , وَقَالَتْ لِلْجَوَارِي : كَلِّمْنَهُ بِكَلَامٍ فِيهِ غِلَظ يُشْبِه كَلَام الرِّجَال ; فَيُقَال : إِنَّ الْهُدْهُد جَاءَ وَأَخْبَرَ سُلَيْمَان بِذَلِكَ كُلّه . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ سُلَيْمَان بِذَلِكَ , فَأَمَرَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يَبْسُط مِنْ مَوْضِعه إِلَى تِسْع فَرَاسِخ بِلَبِنَاتِ الذَّهَب وَالْفِضَّة , ثُمَّ قَالَ : أَيّ الدَّوَابّ رَأَيْتُمْ أَحْسَن فِي الْبَرّ وَالْبَحْر ؟ قَالُوا : يَا نَبِيّ اللَّه رَأَيْنَا فِي بَحْر كَذَا دَوَابّ مُنَقَّطَة مُخْتَلِفَة أَلْوَانهَا , لَهَا أَجْنِحَة وَأَعْرَاف وَنَوَاصِي ; فَأَمَرَ بِهَا فَجَاءَتْ فَشُدَّتْ عَلَى يَمِين الْمَيْدَان وَعَلَى يَسَاره , وَعَلَى لِبَنَاتِ الذَّهَب وَالْفِضَّة , وَأَلْقَوْا لَهَا عَلُوفَاتهَا ; ثُمَّ قَالَ : لِلْجِنِّ عَلَيَّ بِأَوْلَادِكُمْ ; فَأَقَامَهُمْ - أَحْسَن مَا يَكُون مِنْ الشَّبَاب - عَنْ يَمِين الْمَيْدَان وَيَسَاره . ثُمَّ قَعَدَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى كُرْسِيّه فِي مَجْلِسه , وَوَضَعَ لَهُ أَرْبَعَة آلَاف كُرْسِيّ مِنْ ذَهَبَ عَنْ يَمِينه وَمِثْلهَا عَنْ يَسَاره , وَأَجْلَسَ عَلَيْهَا الْأَنْبِيَاء وَالْعُلَمَاء , وَأَمَرَ الشَّيَاطِين وَالْجِنّ وَالْإِنْس أَنْ يَصْطَفُّوا صُفُوفًا فَرَاسِخ , وَأَمَرَ السِّبَاع وَالْوُحُوش وَالْهَوَامّ وَالطَّيْر فَاصْطَفُّوا فَرَاسِخ عَنْ يَمِينه وَشِمَاله , فَلَمَّا دَنَا الْقَوْم مِنْ الْمَيْدَان وَنَظَرُوا إِلَى مُلْك سُلَيْمَان , وَرَأَوْا الدَّوَابّ الَّتِي لَمْ تَرَ أَعْيُنهمْ أَحْسَن مِنْهَا تَرُوث عَلَى لَبِنَات الذَّهَب وَالْفِضَّة , تَقَاصَرَتْ إِلَيْهِمْ أَنْفُسهمْ , وَرَمَوْا مَا مَعَهُمْ مِنْ الْهَدَايَا . وَفِي بَعْض الرِّوَايَات : إِنَّ سُلَيْمَان لَمَّا أَمَرَهُمْ بِفَرْشِ الْمَيْدَان بِلَبِنَاتِ الذَّهَب وَالْفِضَّة أَمَرَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا عَلَى طَرِيقهمْ مَوْضِعًا عَلَى قَدْر مَوْضِع بِسَاط مِنْ الْأَرْض غَيْر مَفْرُوش , فَلَمَّا مَرُّوا بِهِ خَافُوا أَنْ يُتَّهَمُوا بِذَلِكَ فَطَرَحُوا مَا مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ الْمَكَان , فَلَمَّا رَأَوْا الشَّيَاطِين رَأَوْا مَنْظَرًا هَائِلًا فَظِيعًا فَفَزِعُوا وَخَافُوا , فَقَالَتْ لَهُمْ الشَّيَاطِين : جُوزُوا لَا بَأْس عَلَيْكُمْ ; فَكَانُوا يَمُرُّونَ عَلَى كُرْدُوس كُرْدُوس مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس وَالْبَهَائِم وَالطَّيْر وَالسِّبَاع وَالْوُحُوش حَتَّى وَقَفُوا بَيْن يَدَيْ سُلَيْمَان , فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ سُلَيْمَان نَظَرًا حَسَنًا بِوَجْهٍ طَلْق , وَكَانَتْ قَالَتْ لِرَسُولِهَا : إِنْ نَظَرَ إِلَيْك نَظَر مُغْضَب فَاعْلَمْ أَنَّهُ مَلِك فَلَا يَهُولَنك مَنْظَره فَأَنَا أَعَزّ مِنْهُ , وَإِنْ رَأَيْت الرَّجُل بَشًّا لَطِيفًا فَاعْلَمْ أَنَّهُ نَبِيّ مُرْسَل فَتَفَهَّمْ قَوْله وَرُدَّ الْجَوَاب , فَأَخْبَرَ الْهُدْهُد سُلَيْمَان بِذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَكَانَتْ عَمَدَتْ إِلَى حُقَّة مِنْ ذَهَب فَجَعَلَتْ فِيهَا دُرَّة يَتِيمَة غَيْر مَثْقُوبَة , وَخَرَزَة مُعْوَجَّة الثَّقْب , وَكَتَبَتْ كِتَابًا مَعَ رَسُولهَا تَقُول فِيهِ : إِنْ كُنْت نَبِيًّا فَمَيِّزْ بَيْن الْوُصَفَاء وَالْوَصَائِف , وَأَخْبِرْ بِمَا فِي الْحُقَّة , وَعَرِّفْنِي رَأْس الْعَصَا مِنْ أَسْفَلهَا , وَاثْقُبْ الدُّرَّة ثَقْبًا مُسْتَوِيًا , وَأَدْخِلْ خَيْط الْخَرَزَة , وَامْلَأْ الْقَدَح مَاء مِنْ نَدًى لَيْسَ مِنْ الْأَرْض وَلَا مِنْ السَّمَاء ; فَلَمَّا وَصَلَ الرَّسُول وَوَقَفَ بَيْن يَدَيْ سُلَيْمَان أَعْطَاهُ كِتَاب الْمَلِكَة فَنَظَرَ فِيهِ , وَقَالَ : أَيْنَ الْحُقَّة ؟ فَأَتَى بِهَا فَحَرَّكَهَا ; فَأَخْبَرَهُ جِبْرِيل بِمَا فِيهَا , ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ سُلَيْمَان . فَقَالَ لَهُ الرَّسُول : صَدَقْت ; فَاثْقُبْ الدُّرَّة , وَأَدْخِلْ الْخَيْط فِي الْخَرَزَة ; فَسَأَلَ سُلَيْمَان الْجِنّ وَالْإِنْس عَنْ ثَقْبهَا فَعَجَزُوا ; فَقَالَ لِلشَّيَاطِينِ : مَا الرَّأْي فِيهَا ؟ فَقَالُوا : تُرْسِل إِلَى الْأَرَضَة , فَجَاءَتْ الْأَرَضَة فَأَخَذَتْ شَعْرَة فِي فِيهَا حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ الْجَانِب الْآخَر ; فَقَالَ لَهَا سُلَيْمَان : مَا حَاجَتك ؟ قَالَتْ : تُصَيِّر رِزْقِي فِي الشَّجَرَة ; فَقَالَ لَهَا : لَك ذَلِكَ . ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَان : مَنْ لِهَذِهِ الْخَرَزَة يُسْلِكهَا الْخَيْط ؟ فَقَالَتْ دُودَة بَيْضَاء : أَنَا لَهَا يَا نَبِيّ اللَّه ; فَأَخَذَتْ الدُّودَة الْخَيْط فِي فِيهَا وَدَخَلَتْ الثَّقْب حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ الْجَانِب الْآخَر ; فَقَالَ لَهَا سُلَيْمَان : مَا حَاجَتك ؟ قَالَتْ تَجْعَل رِزْقِي فِي الْفَوَاكِه ; قَالَ : ذَلِكَ لَك . ثُمَّ مَيَّزَ بَيْن الْغِلْمَان وَالْجَوَارِي . قَالَ السُّدِّيّ : أَمَرَهُمْ بِالْوُضُوءِ , فَجَعَلَ الرَّجُل يَحْدُر الْمَاء عَلَى الْيَد وَالرِّجْل حَدْرًا , وَجَعَلَ الْجَوَارِي يَصْبُبْنَ مِنْ الْيَد الْيُسْرَى عَلَى الْيَد الْيُمْنَى , وَمِنْ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى , فَمَيَّزَ بَيْنهمْ بِهَذَا . وَقِيلَ : كَانَتْ الْجَارِيَة تَأْخُذ الْمَاء مِنْ الْآنِيَة بِإِحْدَى يَدَيْهَا , ثُمَّ تَحْمِلهُ عَلَى الْأُخْرَى , ثُمَّ تَضْرِب بِهِ عَلَى الْوَجْه ; وَالْغُلَام كَانَ يَأْخُذ الْمَاء مِنْ الْآنِيَّة يَضْرِب بِهِ فِي الْوَجْه , وَالْجَارِيَة تَصُبّ عَلَى بَطْن سَاعِدهَا , وَالْغُلَام عَلَى ظَهْر السَّاعِد , وَالْجَارِيَة تَصُبّ الْمَاء صَبًّا , وَالْغُلَام يَحْدُر عَلَى يَدَيْهِ ; فَمَيَّزَ بَيْنهمْ بِهَذَا . وَرَوَى يَعْلَى بْن مُسْلِم عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : أَرْسَلَتْ بِلْقِيس بِمِائَتَيْ وَصِيفَة وَوَصِيف , وَقَالَتْ : إِنْ كَانَ نَبِيًّا فَسَيَعْلَمُ الذُّكُور مِنْ الْإِنَاث , فَأَمَرَهُمْ فَتَوَضَّئُوا ; فَمَنْ تَوَضَّأَ مِنْهُمْ فَبَدَأَ بِمِرْفَقِهِ قَبْل كَفّه قَالَ هُوَ مِنْ الْإِنَاث , وَمَنْ بَدَأَ بِكَفِّهِ قَبْل مِرْفَقه قَالَ هُوَ مِنْ الذُّكُور ; ثُمَّ أَرْسَلَ الْعَصَا إِلَى الْهَوَاء فَقَالَ : أَيّ الرَّأْسَيْنِ سَبَقَ إِلَى الْأَرْض فَهُوَ أَصْلهَا , وَأَمَرَ بِالْخَيْلِ فَأُجْرِيَتْ حَتَّى عَرِقَتْ وَمَلَأَ الْقَدَح مِنْ عَرَقهَا , ثُمَّ رَدَّ سُلَيْمَان الْهَدِيَّة ; فَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا صَرَفَ الْهَدِيَّة إِلَيْهَا وَأَخْبَرَهَا رَسُولهَا بِمَا شَاهَدَ ; قَالَتْ لِقَوْمِهَا : هَذَا أَمْر مِنْ السَّمَاء . 

كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَل الْهَدِيَّة وَيُثِيب عَلَيْهَا وَلَا يَقْبَل الصَّدَقَة , وَكَذَلِكَ كَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَسَائِر الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . وَإِنَّمَا جَعَلَتْ بِلْقِيس قَبُول الْهَدِيَّة أَوْ رَدّهَا عَلَامَة عَلَى مَا فِي نَفْسهَا ; عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْن سُلَيْمَان مَلِكًا أَوْ نَبِيًّا ; لِأَنَّهُ قَالَ لَهَا فِي كِتَابه : &quot; أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ &quot; [ النَّمْل : 31 ] وَهَذَا لَا تُقْبَل فِيهِ فِدْيَة , وَلَا يُؤْخَذ عَنْهُ هَدِيَّة , وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْبَاب الَّذِي تَقَرَّرَ فِي الشَّرِيعَة عَنْ قَبُول الْهَدِيَّة بِسَبِيلٍ , وَإِنَّمَا هِيَ رِشْوَة وَبَيْع الْحَقّ بِالْبَاطِلِ , وَهِيَ الرِّشْوَة الَّتِي لَا تَحِلّ . وَأَمَّا الْهَدِيَّة الْمُطْلَقَة لِلتَّحَبُّبِ وَالتَّوَاصُل فَإِنَّهَا جَائِزَة مِنْ كُلّ أَحَد وَعَلَى كُلّ حَال , وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مُشْرِك . 

فَإِنْ كَانَتْ مِنْ مُشْرِك فَفِي الْحَدِيث ( نُهِيت عَنْ زَبْد الْمُشْرِكِينَ ) يَعْنِي رِفْدهمْ وَعَطَايَاهُمْ . وَرُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ قَبِلَهَا كَمَا فِي حَدِيث مَالِك عَنْ ثَوْر بْن زَيْد الدِّبْلِيّ وَغَيْره , فَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء بِالنَّسْخِ فِيهِمَا , وَقَالَ آخَرُونَ : لَيْسَ فِيهَا نَاسِخ وَلَا مَنْسُوخ , وَالْمَعْنَى فِيهَا : أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْبَل هَدِيَّة مَنْ يَطْمَع بِالظُّهُورِ عَلَيْهِ وَأَخْذ بَلَده وَدُخُوله فِي الْإِسْلَام , وَبِهَذِهِ الصِّفَة كَانَتْ حَالَة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام , فَعَنْ مِثْل هَذَا نَهَى أَنْ تُقْبَل هَدِيَّته حَمْلًا عَلَى الْكَفّ عَنْهُ ; وَهَذَا أَحْسَن تَأْوِيل لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا ; فَإِنَّهُ جَمْع بَيْن الْأَحَادِيث . وَقِيلَ غَيْر هَذَا . 

الْهَدِيَّة مَنْدُوب إِلَيْهَا , وَهِيَ مِمَّا تُورِث الْمَوَدَّة وَتُذْهِب الْعَدَاوَة ; رَوَى مَالِك عَنْ عَطَاء بْن عَبْد اللَّه الْخُرَاسَانِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَصَافَحُوا يَذْهَب الْغِلّ وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا وَتَذْهَب الشَّحْنَاء ) . وَرَوَى مُعَاوِيَة بْن الْحَكَم قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( تَهَادَوْا فَإِنَّهُ يُضَعِّف الْوُدّ وَيَذْهَب بِغَوَائِلِ الصَّدْر ) . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : تَفَرَّدَ بِهِ اِبْن بُجَيْر عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَالِك , وَلَمْ يَكُنْ بِالرَّضِيِّ , وَلَا يَصِحّ عَنْ مَالِك وَلَا عَنْ الزُّهْرِيّ . وَعَنْ اِبْن شِهَاب قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تَهَادَوْا بَيْنكُمْ فَإِنَّ الْهَدِيَّة تُذْهِب السَّخِيمَة ) قَالَ اِبْن وَهْب : سَأَلْت يُونُس عَنْ السَّخِيمَة مَا هِيَ فَقَالَ : الْغِلّ . وَهَذَا الْحَدِيث وَصَلَهُ الْوَقَّاصِيّ عُثْمَان عَنْ الزُّهْرِيّ وَهُوَ ضَعِيف . وَعَلَى الْجُمْلَة : فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْبَل الْهَدِيَّة , وَفِيهِ الْأُسْوَة الْحَسَنَة . وَمِنْ فَضْل الْهَدِيَّة مَعَ اِتِّبَاع السُّنَّة أَنَّهَا تُزِيل حَزَازَات النُّفُوس , وَتُكْسِب الْمُهْدِي وَالْمُهْدَى إِلَيْهِ رَنَّة فِي اللِّقَاء وَالْجُلُوس . وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ : ش هَدَايَا النَّاس بَعْضهمْ لِبَعْضٍ /و تُوَلِّد فِي قُلُوبهمْ الْوِصَالَا وَتَزْرَع فِي الضَّمِير هَوًى وَوُدًّا /و وَتُكْسِبهُمْ إِذَا حَضَرُوا جَمَالَا آخَر : إِنَّ الْهَدَايَا لَهَا حَظّ إِذَا وَرَدَتْ /و أَحْظَى مِنْ الِابْن عِنْد الْوَالِد الْحَدِب 

رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( جُلَسَاؤُكُمْ شُرَكَاؤُكُمْ فِي الْهَدِيَّة ) وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ ; فَقِيلَ : هُوَ مَحْمُول عَلَى ظَاهِره . وَقِيلَ : يُشَارِكهُمْ عَلَى وَجْه الْكَرَم وَالْمُرُوءَة , فَإِنْ لَمْ يَفْعَل فَلَا يُجْبَر عَلَيْهِ . وَقَالَ أَبُو يُوسُف : ذَلِكَ فِي الْفَوَاكِه وَنَحْوهَا . وَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ شُرَكَاؤُهُ فِي السُّرُور لَا فِي الْهَدِيَّة . وَالْخَبَر مَحْمُول فِي أَمْثَال أَصْحَاب الصُّفَّة وَالْخَوَانِق وَالرِّبَاطَات ; أَمَّا إِذَا كَانَ فَقِيهًا مِنْ الْفُقَهَاء اُخْتُصَّ بِهَا فَلَا شِرْكَة فِيهَا لِأَصْحَابِهِ , فَإِنْ أَشْرَكَهُمْ فَذَلِكَ كَرَم وَجُود مِنْهُ .

فَنَاظِرَة &quot; أَيْ مُنْتَظِرَة
 
الْمُرْسَلُونَ &quot; قَالَ قَتَادَة : يَرْحَمهَا اللَّه أَنْ كَانَتْ لَعَاقِلَة فِي إِسْلَامهَا وَشِرْكهَا ; قَدْ عَلِمَتْ أَنَّ الْهَدِيَّة تَقَع مَوْقِعًا مِنْ النَّاس . وَسَقَطَتْ الْأَلِف فِي &quot; بِمَ &quot; لِلْفَرْقِ بَيْن &quot; مَا &quot; الْخَبَرِيَّة . وَقَدْ يَجُوز إِثْبَاتهَا ; قَالَ : عَلَى مَا قَامَ يَشْتُمنِي لَئِيم كَخِنْزِيرٍ تَمَرَّغَ فِي رَمَاد';
$TAFSEER['4']['27']['36'] = 'سُلَيْمَان قَالَ أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ &quot; أَيْ جَاءَ الرَّسُول سُلَيْمَان بِالْهَدِيَّةِ قَالَ : &quot; أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ &quot; . قَرَأَ حَمْزَة وَيَعْقُوب وَالْأَعْمَش : بِنُونٍ وَاحِدَة مُشَدَّدَة وَيَاء ثَابِتَة بَعْدهَا . الْبَاقُونَ بِنُونَيْنِ وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد ; لِأَنَّهَا فِي كُلّ الْمَصَاحِف بِنُونَيْنِ . وَقَدْ رَوَى إِسْحَاق عَنْ نَافِع أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : &quot; أَتُمِدُّونَنِ &quot; بِنُونٍ وَاحِدَة مُخَفَّفَة بَعْدهَا يَاء فِي اللَّفْظ . قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : فَهَذِهِ الْقِرَاءَة يَجِب فِيهَا إِثْبَات الْيَاء عِنْد الْوَقْف , لِيَصِحّ لَهَا مُوَافَقَة هِجَاء الْمُصْحَف . وَالْأَصْل فِي النُّون التَّشْدِيد , فَخُفِّفَ التَّشْدِيد مِنْ ذَا الْمَوْضِع كَمَا خُفِّفَ مِنْ : أَشْهَد أَنَّك عَالِم ; وَأَصْله : أَنَّك عَالِم . وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى بَنَى الَّذِي قَرَأَ : &quot; تُشَاقُّونَ فِيهِمْ &quot; [ النَّحْل : 27 ] , &quot; أَتُحَاجُّونَنِي فِي اللَّه &quot; [ الْأَنْعَام : 80 ] . وَقَدْ قَالَتْ الْعَرَب : الرِّجَال يَضْرِبُونَ وَيَقْصِدُونَ , وَأَصْله يَضْرِبُونِي وَيَقْصِدُونِي : لِأَنَّهُ إِدْغَام يَضْرِبُونَنِي وَيَقْصِدُونَنِي قَالَ الشَّاعِر : تَرْهَبِينَ وَالْجِيد مِنْك لِلَيْلَى وَالْحَشَا وَالْبُغَام وَالْعَيْنَانِ وَالْأَصْل تَرْهَبِينِي فَخُفِّفَ . وَمَعْنَى &quot; أَتُمِدُّونَنِي &quot; أَتُزِيدُونَنِي مَالًا إِلَى مَا تُشَاهِدُونَهُ مِنْ أَمْوَالِي .
 
آتَانِي اللَّه خَيْر مِمَّا آتَاكُمْ &quot; أَيْ فَمَا أَعْطَانِي مِنْ الْإِسْلَام وَالْمُلْك وَالنُّبُوَّة خَيْر مِمَّا أَعْطَاكُمْ , فَلَا أَفْرَح بِالْمَالِ . وَ &quot; آتَانِ &quot; وَقَعَتْ فِي كُلّ الْمَصَاحِف بِغَيْرِ يَاء . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَنَافِع وَحَفْص : &quot; آتَانِي اللَّه &quot; بِيَاءٍ مَفْتُوحَة ; فَإِذَا وَقَفُوا حَذَفُوا . وَأَمَّا يَعْقُوب فَإِنَّهُ يُثْبِتهَا فِي الْوَقْف وَيَحْذِف فِي الْوَصْل لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ . الْبَاقُونَ بِغَيْرِ يَاء فِي الْحَالَيْنِ .
  
تَفْرَحُونَ &quot; لِأَنَّكُمْ أَهْل مُفَاخَرَة وَمُكَاثَرَة فِي الدُّنْيَا .';
$TAFSEER['4']['27']['37'] = 'إِلَيْهِمْ &quot; أَيْ قَالَ سُلَيْمَان لِلْمُنْذِرِ بْن عَمْرو أَمِير الْوَفْد ; اِرْجِعْ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّتِهِمْ .
  
بِجُنُودٍ لَا قِبَل لَهُمْ بِهَا &quot; لَام قَسَم وَالنُّون لَهَا لَازِمَة . قَالَ النَّحَّاس : وَسَمِعْت أَبَا الْحَسَن بْن كَيْسَان يَقُول : هِيَ لَام تَوْكِيد وَكَذَا كَانَ عِنْده أَنَّ اللَّامَات كُلّهَا ثَلَاث لَا غَيْر ; لَام تَوْكِيد ; وَلَام أَمْر , وَلَام خَفْض ; وَهَذَا قَوْل الْحُذَّاق مِنْ النَّحْوِيِّينَ ; لِأَنَّهُمْ يَرُدُّونَ الشَّيْء إِلَى أَصْله : وَهَذَا لَا يَتَهَيَّأ إِلَّا لِمَنْ دُرِّبَ فِي الْعَرَبِيَّة . وَمَعْنَى &quot; لَا قِبَل لَهُمْ بِهَا &quot; أَيْ لَا طَاقَة لَهُمْ عَلَيْهَا .
  
مِنْهَا &quot; أَيْ مِنْ أَرْضهمْ وَقِيلَ : &quot; مِنْهَا &quot; أَيْ مِنْ قَرْيَة سَبَأ . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْقَرْيَة فِي قَوْله : &quot; إِنَّ الْمُلُوك إِذَا دَخَلُوا قَرْيَة أَفْسَدُوهَا &quot; [ النَّمْل : 34 ] .
  
&quot; أَذِلَّة &quot; قَدْ سُلِبُوا مُلْكهمْ وَعِزّهمْ . &quot; وَهُمْ صَاغِرُونَ &quot; أَيْ مُهَانُونَ أَذِلَّاء مِنْ الصِّغَر وَهُوَ الذُّلّ إِنْ لَمْ يُسْلِمُوا ; فَرَجَعَ إِلَيْهَا رَسُولهَا فَأَخْبَرَهَا ; فَقَالَتْ : قَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَيْسَ بِمَلِكٍ وَلَا طَاقَة لَنَا بِقِتَالِ نَبِيّ مِنْ أَنْبِيَاء اللَّه . ثُمَّ أَمَرَتْ بِعَرْشِهَا فَجُعِلَ فِي سَبْعَة أَبْيَات بَعْضهَا فِي جَوْف بَعْض ; فِي آخِر قَصْر مِنْ سَبْعَة قُصُور ; وَغَلَّقَتْ الْأَبْوَاب , وَجَعَلَتْ الْحَرَس عَلَيْهِ , وَتَوَجَّهَتْ إِلَيْهِ فِي اِثْنَيْ عَشَر أَلْف قِيلَ مِنْ مُلُوك الْيَمَن , تَحْت كُلّ قَيْل مِائَة أَلْف .';
$TAFSEER['4']['27']['38'] = 'أَيّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْل أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ &quot; قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَكَانَ سُلَيْمَان مَهِيبًا لَا يُبْتَدَأ بِشَيْءٍ حَتَّى يَكُون هُوَ الَّذِي يَسْأَل عَنْهُ ; فَنَظَرَ ذَات يَوْم رَهْجًا قَرِيبًا مِنْهُ , فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ فَقَالُوا : بِلْقِيس يَا نَبِيّ اللَّه . فَقَالَ سُلَيْمَان لِجُنُودِهِ - وَقَالَ وَهْب وَغَيْره : لِلْجِنِّ - &quot; أَيّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْل أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ &quot; وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد : كَانَتْ بِلْقِيس عَلَى فَرْسَخ مِنْ سُلَيْمَان لَمَّا قَالَ : &quot; أَيّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا &quot; وَكَانَتْ خَلَّفَتْ عَرْشهَا بِسَبَأٍ , وَوَكَّلَتْ بِهِ حَفَظَة . وَقِيلَ : إِنَّهَا لَمَّا بَعَثَتْ بِالْهَدِيَّةِ بَعَثَتْ رُسُلهَا فِي جُنْدهَا لِتُغَافِص سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام بِالْقَتْلِ قَبْل أَنْ يَتَأَهَّب سُلَيْمَان لَهَا إِنْ كَانَ طَالِب مُلْك , فَلَمَّا عَلِمَ ذَلِكَ قَالَ : &quot; أَيّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا &quot; . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ أَمْره بِالْإِتْيَانِ بِالْعَرْشِ قَبْل أَنْ يَكْتُب الْكِتَاب إِلَيْهَا , وَلَمْ يَكْتُب إِلَيْهَا حَتَّى جَاءَهُ الْعَرْش . وَقَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَظَاهِر الْآيَات أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَة مِنْ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام بَعْد مَجِيء هَدِيَّتهَا وَرَدّه إِيَّاهَا , وَبَعْثه الْهُدْهُد بِالْكِتَابِ ; وَعَلَى هَذَا جُمْهُور الْمُتَأَوِّلِينَ . وَاخْتَلَفُوا فِي فَائِدَة اِسْتِدْعَاء عَرْشهَا ; فَقَالَ قَتَادَة : ذُكِرَ لَهُ بِعِظَمٍ وَجَوْدَة ; فَأَرَادَ أَخْذه قَبْل أَنْ يَعْصِمهَا وَقَوْمهَا الْإِسْلَام وَيَحْمِي أَمْوَالهمْ ; وَالْإِسْلَام عَلَى هَذَا الدِّين ; وَهُوَ قَوْل اِبْن جُرَيْج . وَقَالَ اِبْن زَيْد : اِسْتَدْعَاهُ لِيُرِيَهَا الْقُدْرَة الَّتِي هِيَ مِنْ عِنْد اللَّه , وَيَجْعَلهُ دَلِيلًا عَلَى نُبُوَّته ; لِأَخْذِهِ مِنْ بُيُوتهَا دُون جَيْش وَلَا حَرْب ; وَ &quot; مُسْلِمِينَ &quot; عَلَى هَذَا التَّأْوِيل بِمَعْنَى مُسْتَسْلِمِينَ ; وَهُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ اِبْن زَيْد أَيْضًا : أَرَادَ أَنْ يَخْتَبِر عَقْلهَا وَلِهَذَا قَالَ : &quot; نَكِّرُوا لَهَا عَرْشهَا نَنْظُر أَتَهْتَدِي &quot; . وَقِيلَ : خَافَتْ الْجِنّ أَنْ يَتَزَوَّج بِهَا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَيُولَد لَهُ مِنْهَا وَلَد , فَلَا يَزَالُونَ فِي السُّخْرَة وَالْخِدْمَة لِنَسْلِ سُلَيْمَان فَقَالَتْ لِسُلَيْمَانَ فِي عَقْلهَا خَلَل ; فَأَرَادَ أَنْ يَمْتَحِنهَا بِعَرْشِهَا . وَقِيلَ : أَرَادَ أَنْ يَخْتَبِر صِدْق الْهُدْهُد فِي قَوْله : &quot; وَلَهَا عَرْش عَظِيم &quot; قَالَهُ الطَّبَرِيّ . وَعَنْ قَتَادَة : أَحَبَّ أَنْ يَرَاهُ لَمَّا وَصَفَهُ الْهُدْهُد . وَالْقَوْل الْأَوَّل عَلَيْهِ أَكْثَر الْعُلَمَاء ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; قَبْل أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ &quot; . وَلِأَنَّهَا لَوْ أَسْلَمَتْ لَحُظِرَ عَلَيْهِ مَالهَا فَلَا يُؤْتَى بِهِ إِلَّا بِإِذْنِهَا . رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ فِضَّة وَذَهَب مُرَصَّعًا بِالْيَاقُوتِ الْأَحْمَر وَالْجَوْهَر , وَأَنَّهُ كَانَ فِي جَوْف سَبْعَة أَبْيَات عَلَيْهِ سَبْعَة أَغْلَاق .';
$TAFSEER['4']['27']['39'] = 'كَذَا قَرَأَ الْجُهُور وَقَرَأَ أَبُو رَجَاء وَعِيسَى الثَّقَفِيّ : &quot; عِفْرِيَة &quot; وَرُوِيَتْ عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَفِي الْحَدِيث : ( إِنَّ اللَّه يُبْغِض الْعِفْرِيَة النِّفْرِية ) . النِّفْرِية إِتْبَاع لِعِفْرِيَةٍ . قَالَ قَتَادَة : هِيَ الدَّاهِيَة قَالَ النَّحَّاس : يُقَال لِلشَّدِيدِ إِذَا كَانَ مَعَهُ خُبْث وَدَهَاء عَفَّرَ وَعِفْرِيَة وَعِفْرِيت وَعُفَارِيَة . وَقِيلَ : &quot; عِفْرِيت &quot; أَيْ رَئِيس . وَقَرَأَتْ فِرْقَة : &quot; قَالَ عِفْر &quot; بِكَسْرِ الْعَيْن ; حَكَاهُ اِبْن عَطِيَّة ; قَالَ النَّحَّاس : مَنْ قَالَ عِفْرِيَة جَمَعَهُ عَلَى عِفَار , وَمَنْ قَالَ : عِفْرِيت كَانَ لَهُ فِي الْجَمْع ثَلَاثَة أَوْجُه ; إِنْ شَاءَ قَالَ عَفَارِيت , وَإِنْ شَاءَ قَالَ عَفَار ; لِأَنَّ التَّاء زَائِدَة ; كَمَا يُقَال : طَوَاغٍ فِي جَمْع طَاغُوت , وَإِنْ شَاءَ عَوَّضَ مِنْ التَّاء يَاء فَقَالَ عَفَارِي . وَالْعِفْرِيت مِنْ الشَّيَاطِين الْقَوِيّ الْمَارِد . وَالتَّاء زَائِدَة . وَقَدْ قَالُوا : تَعَفْرَتَ الرَّجُل إِذَا تَخَلَّقَ بِخُلُقِ الْأَذِيَّة . وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : اِسْم هَذَا الْعِفْرِيت كودن ; ذَكَرَهُ النَّحَّاس . وَقِيلَ : ذَكْوَان ; ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيّ . وَقَالَ شُعَيْب الْجُبَّائِيّ : اِسْمه دَعْوَان . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ صَخْر الْجِنِّيّ . وَمِنْ هَذَا الِاسْم قَوْل ذِي الرُّمَّة : كَأَنَّهُ كَوْكَب فِي إِثْر عِفْرِيَة و مُصَوِّب فِي سَوَاد اللَّيْل مُنْقَضِب ش وَأَنْشَدَ الْكِسَائِيّ : إِذْ قَالَ شَيْطَانهمْ الْعِفْرِيت /و لَيْسَ لَكُمْ مُلْك وَلَا تَثْبِيت وَفِي الصَّحِيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ عِفْرِيتًا مِنْ الْجِنّ جَعَلَ يَفْتِك عَلَيَّ الْبَارِحَة لِيَقْطَع عَلَيَّ الصَّلَاة وَإِنَّ اللَّه أَمْكَنَنِي مِنْهُ فَذَعَتُّهُ . .. ) وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَفِي الْبُخَارِيّ ( تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَة ) مَكَان ( جَعَلَ يَفْتِك ) . وَفِي الْمُوَطَّأ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد أَنَّهُ قَالَ : أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرَأَى عِفْرِيتًا مِنْ الْجِنّ يَطْلُبهُ بِشُعْلَةٍ مِنْ نَار , كُلَّمَا اِلْتَفَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ ; فَقَالَ جِبْرِيل : أَفَلَا أُعَلِّمك كَلِمَات تَقُولهُنَّ إِذَا قُلْتهنَّ طُفِئَتْ شُعْلَته وَخَرَّ لِفِيهِ ; فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَلَى ) فَقَالَ : ( أَعُوذ بِاَللَّهِ الْكَرِيم وَبِكَلِمَاتِ اللَّه التَّامَّات الَّتِي لَا يُجَاوِزهُنَّ بَرّ وَلَا فَاجِر مِنْ شَرّ مَا يَنْزِل مِنْ السَّمَاء وَشَرّ مَا يَعْرُج فِيهَا وَشَرّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْض , وَشَرّ مَا يَخْرُج مِنْهَا وَمِنْ فِتَن اللَّيْل وَالنَّهَار وَمِنْ طَوَارِق اللَّيْل وَالنَّهَار إِلَّا طَارِقًا يَطْرُق بِخَيْرٍ يَا رَحْمَن ) .

أَنَا آتِيك بِهِ قَبْل أَنْ تَقُوم مِنْ مَقَامك &quot; يَعْنِي فِي مَجْلِسه الَّذِي يَحْكُم فِيهِ .
 
وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيّ أَمِين &quot; أَيْ قَوِيّ عَلَى حَمْله . &quot; أَمِين &quot; عَلَى مَا فِيهِ . اِبْن عَبَّاس : أَمِين عَلَى فَرْج الْمَرْأَة ; ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ . فَقَالَ سُلَيْمَان أُرِيد أَسْرَع مِنْ ذَلِكَ ;';
$TAFSEER['4']['27']['40'] = 'عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب أَنَا آتِيك بِهِ قَبْل أَنْ يَرْتَدّ إِلَيْك طَرْفك &quot; أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الَّذِي عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب آصَف بْن برخيا وَهُوَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , وَكَانَ صِدِّيقًا يَحْفَظ اِسْم اللَّه الْأَعْظَم الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى , وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ . وَقَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اِسْم اللَّه الْأَعْظَم الَّذِي دَعَا بِهِ آصَف بْن برخيا يَا حَيّ يَا قَيُّوم ) قِيلَ : وَهُوَ بِلِسَانِهِمْ , أهيا شراهيا ; وَقَالَ الزُّهْرِيّ : دُعَاء الَّذِي عِنْده اِسْم اللَّه الْأَعْظَم ; يَا إِلَهنَا وَإِلَه كُلّ شَيْء إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ اِيتِنِي بِعَرْشِهَا ; فَمَثَلَ بَيْن يَدَيْهِ . وَقَالَ مُجَاهِد : دَعَا فَقَالَ : يَا إِلَهنَا وَإِلَه كُلّ شَيْء يَا ذَا الْجَلَال وَالْإِكْرَام . قَالَ السُّهَيْلِيّ : الَّذِي عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب هُوَ آصَف بْن برخيا اِبْن خَالَة سُلَيْمَان , وَكَانَ عِنْده اِسْم اللَّه الْأَعْظَم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : هُوَ سُلَيْمَان نَفْسه ; وَلَا يَصِحّ فِي سِيَاق الْكَلَام مِثْل هَذَا التَّأْوِيل . قَالَ اِبْن عَطِيَّة وَقَالَتْ فِرْقَة هُوَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام , وَالْمُخَاطَبَة فِي هَذَا التَّأْوِيل لِلْعِفْرِيتِ لَمَّا قَالَ : &quot; أَنَا آتِيك بِهِ قَبْل أَنْ تَقُوم مِنْ مَقَامك &quot; كَأَنَّ سُلَيْمَان اِسْتَبْطَأَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عَلَى جِهَة تَحْقِيره : &quot; أَنَا آتِيك بِهِ قَبْل أَنْ يَرْتَدّ إِلَيْك طَرْفك &quot; وَاسْتَدَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة بِقَوْلِ سُلَيْمَان : &quot; هَذَا مِنْ فَضْل رَبِّي &quot; . 

قُلْت : مَا ذَكَرَهُ اِبْن عَطِيَّة قَالَهُ النَّحَّاس فِي مَعَانِي الْقُرْآن لَهُ , وَهُوَ قَوْل حَسَن إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . قَالَ بَحْر : هُوَ مَلَك بِيَدِهِ كِتَاب الْمَقَادِير , أَرْسَلَهُ اللَّه عِنْد قَوْل الْعِفْرِيت . قَالَ السُّهَيْلِيّ : وَذَكَرَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن الْمُقْرِئ أَنَّهُ ضَبَّة بْن أُدّ ; وَهَذَا لَا يَصِحّ الْبَتَّة لِأَنَّ ضَبَّة هُوَ اِبْن أُدّ بْن طَابِخَة , وَاسْمه عَمْرو بْن إِلْيَاس بْن مُضَر بْن نِزَار بْن مَعْدٍ : وَمَعْد كَانَ فِي مُدَّة بُخْتُنَصَّر , وَذَلِكَ بَعْد عَهْد سُلَيْمَان بِدَهْرٍ طَوِيل ; فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْد فِي عَهْد سُلَيْمَان , فَكَيْف ضَبَّة بْن أُدّ وَهُوَ بَعْده بِخَمْسَةِ آبَاء ؟ ! وَهَذَا بَيِّن لِمَنْ تَأَمَّلَهُ . اِبْن لَهِيعَة : هُوَ الْخَضِر عَلَيْهِ السَّلَام . وَقَالَ اِبْن زَيْد : الَّذِي عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب رَجُل صَالِح كَانَ فِي جَزِيرَة مِنْ جَزَائِز الْبَحْر , خَرَجَ ذَلِكَ الْيَوْم يَنْظُر مَنْ سَاكِن الْأَرْض ; وَهَلْ يُعْبَد اللَّه أَمْ لَا ؟ فَوَجَدَ سُلَيْمَان , فَدَعَا بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى فَجِيءَ بِالْعَرْشِ . وَقَوْل سَابِع : أَنَّهُ رَجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل اِسْمه يمليخا كَانَ يَعْلَم اِسْم اللَّه الْأَعْظَم ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ . وَقَالَ اِبْن أَبِي بَزَّة : الرَّجُل الَّذِي كَانَ عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب اِسْمه أسطوم وَكَانَ عَابِدًا فِي بَنِي إِسْرَائِيل ; ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيّ . وَقَالَ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر : إِنَّمَا هُوَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ; أَمَّا إِنَّ النَّاس يَرَوْنَ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ اِسْم وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ; إِنَّمَا كَانَ رَجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَالِم آتَاهُ اللَّه عِلْمًا وَفِقْهًا قَالَ : &quot; أَنَا آتِيك بِهِ قَبْل أَنْ يَرْتَدّ إِلَيْك طَرْفك &quot; قَالَ : هَاتِ . قَالَ : أَنْتَ نَبِيّ اللَّه اِبْن نَبِيّ اللَّه فَإِنْ دَعَوْت اللَّه جَاءَك بِهِ , فَدَعَا اللَّه سُلَيْمَان فَجَاءَهُ اللَّه بِالْعَرْشِ . وَقَوْل ثَامِن : إِنَّهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام ; قَالَهُ النَّخَعِيّ , وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَعِلْم الْكِتَاب عَلَى هَذَا عِلْمه بِكُتُبِ اللَّه الْمُنَزَّلَة , أَوْ بِمَا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ . وَقِيلَ : عِلْم كِتَاب سُلَيْمَان إِلَى بِلْقِيس . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور مِنْ النَّاس أَنَّهُ رَجُل صَالِح مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل اِسْمه آصَف بْن برخيا ; رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ قَالَ لِسُلَيْمَانَ : يَا نَبِيّ اللَّه اُمْدُدْ بَصَرك فَمَدَّ بَصَره نَحْو الْيَمَن فَإِذَا بِالْعَرْشِ , فَمَا رَدَّ سُلَيْمَان بَصَره إِلَّا وَهُوَ عِنْده . قَالَ مُجَاهِد : هُوَ إِدَامَة النَّظَر حَتَّى يَرْتَدّ طَرْفه خَاسِئًا حَسِيرًا . وَقِيلَ : أَرَادَ مِقْدَار مَا يَفْتَح عَيْنه ثُمَّ يَطْرِف , وَهُوَ كَمَا تَقُول : اِفْعَلْ كَذَا فِي لَحْظَة عَيْن ; وَهَذَا أَشْبَه ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْفِعْل مِنْ سُلَيْمَان فَهُوَ مُعْجِزَة , وَإِنْ كَانَ مِنْ آصَف أَوْ مِنْ غَيْره مِنْ أَوْلِيَاء اللَّه فَهِيَ كَرَامَة , وَكَرَامَة الْوَلِيّ مُعْجِزَة النَّبِيّ . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَقَدْ أَنْكَرَ كَرَامَات الْأَوْلِيَاء مَنْ قَالَ إِنَّ الَّذِي عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب هُوَ سُلَيْمَان , قَالَ لِلْعِفْرِيتِ : &quot; أَنَا آتِيك بِهِ قَبْل أَنْ يَرْتَدّ إِلَيْك طَرْفك &quot; . وَعِنْد هَؤُلَاءِ مَا فَعَلَ الْعِفْرِيت فَلَيْسَ مِنْ الْمُعْجِزَات وَلَا مِنْ الْكَرَامَات , فَإِنَّ الْجِنّ يَقْدِرُونَ عَلَى مِثْل هَذَا . وَلَا يَقْطَع جَوْهَر فِي حَال وَاحِدَة مَكَانَيْنِ , بَلْ يُتَصَوَّر ذَلِكَ بِأَنْ يُعْدِم اللَّه الْجَوْهَر فِي أَقْصَى الشَّرْق ثُمَّ يُعِيدهُ فِي الْحَالَة الثَّانِيَة , وَهِيَ الْحَالَة الَّتِي بَعْد الْعَدَم فِي أَقْصَى الْغَرْب . أَوْ يُعْدِم الْأَمَاكِن الْمُتَوَسِّطَة ثُمَّ يُعِيدهَا . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَرَوَاهُ وَهْب عَنْ مَالِك . وَقَدْ قِيلَ : بَلْ جِيءَ بِهِ فِي الْهَوَاء ; قَالَهُ مُجَاهِد . وَكَانَ بَيْن سُلَيْمَان وَالْعَرْش كَمَا بَيْن الْكُوفَة وَالْحِيرَة . وَقَالَ مَالِك : كَانَتْ بِالْيَمَنِ وَسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام بِالشَّامِ . وَفِي التَّفَاسِير اِنْخَرَقَ بِعَرْشِ بِلْقِيس مَكَانه الَّذِي هُوَ فِيهِ ثُمَّ نَبَعَ بَيْن يَدَيْ سُلَيْمَان ; قَالَ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد : وَظَهَرَ الْعَرْش مِنْ نَفَق تَحْت الْأَرْض ; فَاَللَّه أَعْلَم أَيْ ذَلِكَ كَانَ .
  
عِنْده &quot; أَيْ ثَابِتًا عِنْده .
 
مِنْ فَضْل رَبِّي &quot; أَيْ هَذَا النَّصْر وَالتَّمْكِين مِنْ فَضْل رَبِّي .
 
لِيَبْلُوَنِي &quot; قَالَ الْأَخْفَش : الْمَعْنَى لِيَنْظُر

وَقَالَ غَيْره : مَعْنَى &quot; لِيَبْلُوَنِي &quot; لِيَتَعَبَّدنِي ; وَهُوَ مَجَاز . وَالْأَصْل فِي الِابْتِلَاء الِاخْتِبَار أَيْ لِيَخْتَبِرنِي أَأَشْكُرُ نِعْمَته أَمْ أَكْفُرهَا

شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُر لِنَفْسِهِ &quot; أَيْ لَا يَرْجِع نَفْع ذَلِكَ إِلَّا إِلَى نَفْسه , حَيْثُ اِسْتَوْجَبَ بِشُكْرِهِ تَمَام النِّعْمَة وَدَوَامهَا وَالْمَزِيد مِنْهَا . وَالشُّكْر قَيْد النِّعْمَة الْمَوْجُودَة , وَبِهِ تُنَال النِّعْمَة الْمَفْقُودَة .
 
أَيْ عَنْ الشُّكْر
  
فِي التَّفَضُّل .';
$TAFSEER['4']['27']['41'] = 'أَيْ غَيِّرُوهُ . قِيلَ : جَعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَله , وَأَسْفَله أَعْلَاهُ . وَقِيلَ : غُيِّرَ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَان . قَالَ الْفَرَّاء وَغَيْره : إِنَّمَا أَمَرَ بِتَنْكِيرِهِ لِأَنَّ الشَّيَاطِين قَالُوا لَهُ : إِنَّ فِي عَقْلهَا شَيْئًا فَأَرَادَ أَنْ يَمْتَحِنهَا . وَقِيلَ : خَافَتْ الْجِنّ أَنْ يَتَزَوَّج بِهَا سُلَيْمَان فَيُولَد لَهُ مِنْهَا وَلَد فَيَبْقَوْنَ مُسَخَّرِينَ لِآلِ سُلَيْمَان أَبَدًا , فَقَالُوا لِسُلَيْمَانَ : إِنَّهَا ضَعِيفَة الْعَقْل , وَرِجْلهَا كَرِجْلِ الْحِمَار ; فَقَالَ : &quot; نَكِّرُوا لَهَا عَرْشهَا &quot; لِنَعْرِف عَقْلهَا . وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ نَاصِح مِنْ الْجِنّ , فَقَالَ كَيْف لِي أَنْ أَرَى قَدَمَيْهَا مِنْ غَيْر أَنْ أَسْأَلهَا كَشْفهَا ؟ فَقَالَ : أَنَا أَجْعَل فِي هَذَا الْقَصْر مَاء , وَأَجْعَل فَوْق الْمَاء زُجَاجًا , تَظُنّ أَنَّهُ مَاء فَتَرْفَع ثَوْبهَا فَتُرَى قَدَمَيْهَا ; فَهَذَا هُوَ الصَّرْح الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ .';
$TAFSEER['4']['27']['42'] = 'يُرِيد بِلْقِيس ,

كَأَنَّهُ هُوَ &quot; &quot; قِيلَ &quot; أَيْ قِيلَ لَهَا &quot; أَهَكَذَا عَرْشك قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ &quot; شَبَّهَتْهُ بِهِ لِأَنَّهَا خَلَّفَتْهُ تَحْت الْأَغْلَاق , فَلَمْ تُقِرّ بِذَلِكَ وَلَمْ تُنْكِر , فَعَلِمَ سُلَيْمَان كَمَال عَقْلهَا . قَالَ عِكْرِمَة : كَانَتْ حَكِيمَة فَقَالَتْ : &quot; كَأَنَّهُ هُوَ &quot; . وَقَالَ مُقَاتِل : عَرَفَتْهُ وَلَكِنْ شَبَّهَتْ عَلَيْهِمْ كَمَا شَبَّهُوا عَلَيْهَا ; وَلَوْ قِيلَ لَهَا : أَهَذَا عَرْشك لَقَالَتْ نَعَمْ هُوَ ; وَقَالَهُ الْحَسَن بْن الْفَضْل أَيْضًا . وَقِيلَ : أَرَادَ سُلَيْمَان أَنْ يُظْهِر لَهَا أَنَّ الْجِنّ مُسَخَّرُونَ لَهُ , وَكَذَلِكَ الشَّيَاطِين لِتَعْرِفَ أَنَّهَا نُبُوَّة وَتُؤْمِن بِهِ . وَقَدْ قِيلَ هَذَا فِي مُقَابَلَة تَعْمِيَتهَا الْأَمْر فِي بَاب الْغِلْمَان وَالْجَوَارِي .

الْعِلْم مِنْ قَبْلهَا &quot; قِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل بِلْقِيس ; أَيْ أُوتِينَا الْعِلْم بِصِحَّةِ نُبُوَّة سُلَيْمَان مِنْ قَبْل هَذِهِ الْآيَة فِي الْعَرْش وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل سُلَيْمَان أَيْ أُوتِينَا الْعِلْم بِقُدْرَةِ اللَّه عَلَى مَا يَشَاء مِنْ قَبْل هَذِهِ الْمَرَّة . وَقِيلَ : &quot; وَأُوتِينَا الْعِلْم &quot; بِإِسْلَامِهَا وَمَجِيئِهَا طَائِعَة مِنْ قَبْل مَجِيئِهَا . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ كَلَام قَوْم سُلَيْمَان . وَاَللَّه أَعْلَم .

مُسْلِمِينَ &quot; مُنْقَادِينَ لِأَمْرِهِ .';
$TAFSEER['4']['27']['43'] = 'وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُد مِنْ دُون اللَّه &quot; الْوَقْف عَلَى &quot; مِنْ دُون اللَّه &quot; حَسَن ; وَالْمَعْنَى : مَنَعَهَا مِنْ أَنْ تَعْبُد اللَّه مَا كَانَتْ تَعْبُد مِنْ الشَّمْس وَالْقَمَر فَ &quot; مَا &quot; فِي مَوْضِع رَفْع . النَّحَّاس : الْمَعْنَى ; أَيْ صَدَّهَا عِبَادَتهَا مِنْ دُون اللَّه وَعِبَادَتهَا إِيَّاهَا عَنْ أَنْ تَعْلَم مَا عَلِمْنَاهُ عَنْ أَنَّ تُسْلِم . وَيَجُوز أَنْ يَكُون &quot; مَا &quot; فِي مَوْضِع نَصْب , وَيَكُون التَّقْدِير : وَصَدَّهَا سُلَيْمَان عَمَّا كَانَتْ تَعْبُد مِنْ دُون اللَّه ; أَيْ حَال بَيْنهَا وَبَيْنه . وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : وَصَدَّهَا اللَّه ; أَيْ مَنَعَهَا اللَّه عَنْ عِبَادَتهَا غَيْره فَحُذِفَتْ &quot; عَنْ &quot; وَتَعَدَّى الْفِعْل . نَظِيره : &quot; وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمه &quot; [ الْأَعْرَاف : 155 ] أَيْ مِنْ قَوْمه . وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ : وَنُبِّئْت عَبْد اللَّه بِالْجَوِّ أَصْبَحَتْ كِرَامًا مَوَالِيهَا لَئِيمًا صَمِيمهَا وَزَعَمَ أَنَّ الْمَعْنَى عِنْده نُبِّئْت عَنْ عَبْد اللَّه .
  
&quot; إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْم كَافِرِينَ &quot; قَرَأَ سَعِيد بْن جُبَيْر : &quot; أَنَّهَا &quot; بِفَتْحِ الْهَمْزَة , وَهِيَ فِي مَوْضِع نَصْب بِمَعْنَى , لِأَنَّهَا . وَيَجُوز أَنْ يَكُون بَدَلًا مِنْ &quot; مَا &quot; فَيَكُون فِي مَوْضِع رَفْع إِنْ كَانَتْ &quot; مَا &quot; فَاعِلَة الصَّدّ . وَالْكَسْر عَلَى الِاسْتِئْنَاف.';
$TAFSEER['4']['27']['44'] = 'الصَّرْح &quot; التَّقْدِير عِنْد سِيبَوَيْهِ : اُدْخُلِي إِلَى الصَّرْح فَحُذِفَ إِلَى وَعُدِّيَ الْفِعْل . وَأَبُو الْعَبَّاس يُغَلِّطهُ فِي هَذَا ; قَالَ : لِأَنَّ دَخَلَ يَدُلّ عَلَى مَدْخُول . وَكَانَ الصَّرْح صَحْنًا مِنْ زُجَاج تَحْته مَاء وَفِيهِ الْحِيتَان , عَمِلَهُ لِيُرِيَهَا مُلْكًا أَعْظَم مِنْ مُلْكهَا ; قَالَهُ مُجَاهِد . وَقَالَ قَتَادَة : كَانَ مِنْ قَوَارِير خَلْفه مَاء &quot; حَسِبَتْهُ لُجَّة &quot; أَيْ مَاء . وَقِيلَ : الصَّرْح الْقَصْر ; عَنْ أَبِي عُبَيْدَة . كَمَا قَالَ : تَحْسِب أَعْلَامهنَّ الصُّرُوحَا وَقِيلَ : الصَّرْح الصَّحْن ; كَمَا يُقَال : هَذِهِ صَرْحَة الدَّار وَقَاعَتهَا ; بِمَعْنًى . وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَة فِي الْغَرِيب الْمُصَنَّف أَنَّ الصَّرْح كُلّ بِنَاء عَالٍ مُرْتَفِع مِنْ الْأَرْض , وَأَنَّ الْمُمَرَّد الطَّوِيل . النَّحَّاس : أَصْل هَذَا أَنَّهُ يُقَال لِكُلِّ بِنَاء عَمِلَ عَمَلًا وَاحِدًا صَرْح ; مِنْ قَوْلهمْ : لَبَن صَرِيح إِذَا لَمْ يُشْبِه مَاء ; وَمِنْ قَوْلهمْ : صَرْح بِالْأَمْرِ , وَمِنْهُ : عَرَبِيّ صَرِيح . وَقِيلَ : عَمِلَهُ لِيَخْتَبِر قَوْل الْجِنّ فِيهَا إِنَّ أُمّهَا مِنْ الْجِنّ , وَرِجْلهَا رِجْل حِمَار ; قَالَهُ وَهْب بْن مُنَبِّه . فَلَمَّا رَأَتْ اللُّجَّة فَزِعَتْ وَظَنَّتْ أَنَّهُ قَصَدَ بِهَا الْغَرَق : وَتَعَجَّبَتْ مِنْ كَوْن كُرْسِيّه عَلَى الْمَاء , وَرَأَتْ مَا هَالَهَا , وَلَمْ يَكُنْ لَهَا بُدّ مِنْ اِمْتِثَال الْأَمْر .

عَنْ سَاقَيْهَا &quot; فَإِذَا هِيَ أَحْسَن النَّاس سَاقًا ; سَلِيمَة مِمَّا قَالَتْ الْجِنّ , غَيْر أَنَّهَا كَانَتْ كَثِيرَة الشَّعْر , فَلَمَّا بَلَغَتْ هَذَا الْحَدّ , قَالَ لَهَا سُلَيْمَان بَعْد أَنْ صَرَفَ بَصَره عَنْهَا :

صَرْح مُمَرَّد مِنْ قَوَارِير &quot; وَالْمُمَرَّد الْمَحْكُوك الْمُمَلَّس , وَمِنْهُ الْأَمْرَد . وَتَمَرَّدَ الرَّجُل إِذْ أَبْطَأَ خُرُوج لِحْيَته بَعْد إِدْرَاكه ; قَالَهُ الْفَرَّاء . وَمِنْهُ الشَّجَرَة الْمَرْدَاء الَّتِي لَا وَرَق عَلَيْهَا . وَرَمَلَة مَرْدَاء إِذَا كَانَتْ لَا تُنْبِت . وَالْمُمَرَّد أَيْضًا الْمُطَوَّل , وَمِنْهُ قِيلَ لِلْحِصْنِ مَارِد . أَبُو صَالِح : طَوِيل عَلَى هَيْئَة النَّخْلَة . اِبْن شَجَرَة : وَاسِع فِي طُوله وَعَرْضه . قَالَ : غَدَوْت صَبَاحًا بَاكِرًا فَوَجَدْتهمْ قُبَيْل الضُّحَى فِي السَّابِرِيّ الْمُمَرَّد أَيْ الدُّرُوع الْوَاسِعَة . وَعِنْد ذَلِكَ اِسْتَسْلَمَتْ بِلْقِيس وَأَذْعَنَتْ وَأَسْلَمَتْ وَأَقَرَّتْ عَلَى نَفْسهَا بِالظُّلْمِ ; عَلَى مَا يَأْتِي . وَلَمَّا رَأَى سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَدَمَيْهَا قَالَ لِنَاصِحِهِ مِنْ الشَّيَاطِين : كَيْف لِي أَنْ أَقْلَعَ هَذَا الشَّعْر مِنْ غَيْر مَضَرَّة بِالْجَسَدِ ؟ فَدَلَّهُ عَلَى عَمَل النَّوْرَة , فَكَانَتْ النَّوْرَة وَالْحَمَّامَات مِنْ يَوْمئِذٍ . فَيُرْوَى أَنَّ سُلَيْمَان تَزَوَّجَهَا عِنْد ذَلِكَ وَأَسْكَنَهَا الشَّام ; قَالَهُ الضَّحَّاك . وَقَالَ سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز فِي كِتَاب النَّقَّاش : تَزَوَّجَهَا وَرَدَّهَا إِلَى مُلْكهَا : بِالْيَمَنِ , وَكَانَ يَأْتِيهَا عَلَى الرِّيح كُلّ شَهْر مَرَّة ; فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا سَمَّاهُ دَاوُد مَاتَ فِي زَمَانه . وَفِي بَعْض الْأَخْبَار أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كَانَتْ بِلْقِيس مِنْ أَحْسَن نِسَاء الْعَالَمِينَ سَاقَيْنِ وَهِيَ مِنْ أَزْوَاج سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْجَنَّة ) فَقَالَتْ عَائِشَة : هِيَ أَحْسَن سَاقَيْنِ مِنِّي ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( أَنْتِ أَحْسَن سَاقَيْنِ مِنْهَا فِي الْجَنَّة ) ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ . وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَوَّل مَنْ اِتَّخَذَ الْحَمَّامَات سُلَيْمَان بْن دَاوُد فَلَمَّا أَلْصَقَ ظَهْره إِلَى الْجِدَار فَمَسَّهُ حَرّهَا قَالَ أَوَّاه مِنْ عَذَاب اللَّه ) . ثُمَّ أَحَبَّهَا حُبًّا شَدِيدًا وَأَقَرَّهَا عَلَى مُلْكهَا بِالْيَمَنِ , وَأَمَرَ الْجِنّ فَبَنَوْا لَهَا ثَلَاثَة حُصُون لَمْ يَرَ النَّاس مِثْلهَا اِرْتِفَاعًا : سَلْحُون وَبَيْنُون وَعُمْدَان , ثُمَّ كَانَ سُلَيْمَان يَزُورهَا فِي كُلّ شَهْر مَرَّة , وَيُقِيم عِنْدهَا ثَلَاثَة أَيَّام . وَحَكَى الشَّعْبِيّ أَنَّ نَاسًا مِنْ حِمْيَر حَفَرُوا مَقْبَرَة الْمُلُوك , فَوَجَدُوا فِيهَا قَبْرًا مَعْقُودًا فِيهِ اِمْرَأَة عَلَيْهَا حُلَل مَنْسُوجَة بِالذَّهَبِ , وَعِنْد رَأْسهَا لَوْح رُخَام فِيهِ مَكْتُوب : يَا أَيّهَا الْأَقْوَام عُوجُوا مَعًا وَأَرْبِعُوا فِي مُقْبَرِي الْعِيسَا لِتَعْلَمُوا أَنِّي تِلْكَ الَّتِي قَدْ كُنْت أُدَّعَى الدَّهْر بِلْقِيسَا شَيَّدْت قَصْر الْمُلْك فِي حِمْيَر قَوْمِي وَقِدْمًا كَانَ مَأْنُوسَا وَكُنْت فِي مُلْكِي وَتَدْبِيره أُرْغِم فِي اللَّه الْمَعَاطِيسَا بَعْلِي سُلَيْمَان النَّبِيّ الَّذِي قَدْ كَانَ لِلتَّوْرَاةِ دِرِّيسَا وَسُخِّرَ الرِّيح لَهُ مَرْكَبًا تَهُبّ أَحْيَانًا رَوَامِيسَا مَعَ اِبْن دَاوُد النَّبِيّ الَّذِي قَدَّسَهُ الرَّحْمَن تَقْدِيسَا وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق وَوَهْب بْن مُنَبِّه : لَمْ يَتَزَوَّجهَا سُلَيْمَان , وَإِنَّمَا قَالَ لَهَا : اِخْتَارِي زَوْجًا ; فَقَالَتْ : مِثْلِي لَا يُنْكَح وَقَدْ كَانَ لِي مِنْ الْمُلْك مَا كَانَ . فَقَالَ : لَا بُدّ فِي الْإِسْلَام مِنْ ذَلِكَ . فَاخْتَارَتْ ذَا تُبَّع مَلِك هَمْدَان , فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا وَرَدَّهَا إِلَى الْيَمَن , وَأَمَرَ زَوْبَعَة أَمِير جِنّ الْيَمَن أَنْ يُطِيعهُ , فَبَنَى لَهُ الْمَصَانِع , وَلَمْ يَزَلْ أَمِيرًا حَتَّى مَاتَ سُلَيْمَان . وَقَالَ قَوْم : لَمْ يَرِد فِيهِ خَبَر صَحِيح لَا فِي أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَلَا فِي أَنَّهُ زَوَّجَهَا . وَهِيَ بِلْقِيس بِنْت السَّرْح بْن الْهُدَاهِد بْن شَرَاحِيل بْن أُدَد بْن حَدَر بْن السَّرْح بْن الْحَرْس بْن قَيْس بْن صَيْفِيّ بْن سَبَأ بْن يَشْجُب بْن يَعْرُب بْن قَحْطَان بْن عَابِر بْن شالخ بْن أرفخشذ بْن سَام بْن نُوح . وَكَانَ جَدّهَا الْهُدَاهِد مَلِكًا عَظِيم الشَّأْن قَدْ وُلِدَ لَهُ أَرْبَعُونَ وَلَدًا كُلّهمْ مُلُوك , وَكَانَ مَلِك أَرْض الْيَمَن كُلّهَا , وَكَانَ أَبُوهَا السَّرْح يَقُول لِمُلُوكِ الْأَطْرَاف : لَيْسَ أَحَد مِنْكُمْ كُفْؤًا لِي , وَأَبَى أَنْ يَتَزَوَّج مِنْهُمْ , فَزَوَّجُوهُ اِمْرَأَة مِنْ الْجِنّ يُقَال لَهَا رَيْحَانَة بِنْت السَّكَن , فَوَلَدَتْ لَهُ بلقمة وَهِيَ بِلْقِيس , وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَد غَيْرهَا . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَانَ أَحَد أَبَوَيْ بِلْقِيس جِنِّيًّا ) فَمَاتَ أَبُوهَا , وَاخْتَلَفَ عَلَيْهَا قَوْمهَا فِرْقَتَيْنِ , وَمَلَّكُوا أَمْرهمْ رَجُلًا فَسَاءَتْ سِيرَته , حَتَّى فَجَرَ بِنِسَاءِ رَعِيَّته , فَأَدْرَكَتْ بِلْقِيس الْغَيْرَة , فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسهَا فَتَزَوَّجَهَا , فَسَقَتْهُ الْخَمْر حَتَّى حَزَّتْ رَأْسه , وَنَصَبَتْهُ عَلَى بَاب دَارهَا فَمَلَّكُوهَا . وَقَالَ أَبُو بَكْرَة : ذُكِرَتْ بِلْقِيس عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( لَا يُفْلِح قَوْم وَلَّوْا أَمْرهمْ اِمْرَأَة ) . وَيُقَال : إِنَّ سَبَب تَزَوُّج أَبِيهَا مِنْ الْجِنّ أَنَّهُ كَانَ وَزِيرًا لِمَلِكٍ عَاتٍ يَغْتَصِب نِسَاء الرَّعِيَّة , وَكَانَ الْوَزِير غَيُورًا فَلَمْ يَتَزَوَّج , فَصَحِبَ مَرَّة فِي الطَّرِيق رَجُلًا لَا يَعْرِفهُ , فَقَالَ هَلْ لَك مِنْ زَوْجَة ؟ فَقَالَ : لَا أَتَزَوَّج أَبَدًا , فَإِنَّ مَلِك بَلَدنَا يَغْتَصِب النِّسَاء مِنْ أَزْوَاجهنَّ , فَقَالَ لَئِنْ تَزَوَّجْت اِبْنَتِي لَا يَغْتَصِبهَا أَبَدًا . قَالَ : بَلْ يَغْتَصِبهَا . قَالَ : إِنَّا قَوْم مِنْ الْجِنّ لَا يَقْدِر عَلَيْنَا ; فَتَزَوَّجَ اِبْنَته فَوَلَدَتْ لَهُ بِلْقِيس ; ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمّ وَابْتَنَتْ بِلْقِيس قَصْرًا فِي الصَّحْرَاء , فَتَحَدَّثَ أَبُوهَا بِحَدِيثِهَا غَلَطًا , فَنَمَّى لِلْمَلِكِ خَبَرهَا فَقَالَ لَهُ : يَا فُلَان تَكُون عِنْدك هَذِهِ الْبِنْت الْجَمِيلَة وَأَنْتَ لَا تَأْتِينِي بِهَا , وَأَنْتَ تَعْلَم حُبِّي لِلنِّسَاءِ ثُمَّ أَمَرَ بِحَبْسِهِ , فَأَرْسَلَتْ بِلْقِيس إِلَيْهِ إِنِّي بَيْن يَدَيْك ; فَتَجَهَّزَ لِلْمَسِيرِ إِلَى قَصْرهَا , فَلَمَّا هَمَّ بِالدُّخُولِ بِمَنْ مَعَهُ أَخْرَجَتْ إِلَيْهِ الْجَوَارِي مِنْ بَنَات الْجِنّ مِثْل صُورَة الشَّمْس , وَقُلْنَ لَهُ أَلَا تَسْتَحِي ؟ تَقُول لَك سَيِّدَتنَا أَتَدْخُلُ بِهَؤُلَاءِ الرِّجَال مَعَك عَلَى أَهْلك فَأْذَنْ لَهُمْ بِالِانْصِرَافِ وَدَخَلَ وَحْده , وَأَغْلَقَتْ عَلَيْهِ الْبَاب وَقَتَلَتْهُ بِالنِّعَالِ , وَقَطَعَتْ رَأْسه وَرَمَتْ بِهِ إِلَى عَسْكَره , فَأَمَّرُوهَا عَلَيْهِمْ , فَلَمْ تَزَلْ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ بَلَّغَ الْهُدْهُد خَبَرهَا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام . وَذَلِكَ أَنَّ سُلَيْمَان لَمَّا نَزَلَ فِي بَعْض مَنَازِله قَالَ الْهُدْهُد : إِنَّ سُلَيْمَان قَدْ اِشْتَغَلَ بِالنُّزُولِ , فَارْتَفَعَ نَحْو السَّمَاء فَأَبْصَرَ طُول الدُّنْيَا وَعَرْضهَا , فَأَبْصَرَ الدُّنْيَا يَمِينًا وَشِمَالًا , فَرَأَى بُسْتَانًا لِبِلْقِيسَ فِيهِ هُدْهُد , وَكَانَ اِسْم ذَلِكَ الْهُدْهُد عُفَيْر , فَقَالَ عُفَيْر الْيَمَن لِيَعْفُورِ سُلَيْمَان : مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْت ؟ وَأَيْنَ تُرِيد ؟ قَالَ : أَقْبَلْت مِنْ الشَّام مَعَ صَاحِبِي سُلَيْمَان بْن دَاوُد . قَالَ : وَمَنْ سُلَيْمَان ؟ قَالَ : مَلِك الْجِنّ وَالْإِنْس وَالشَّيَاطِين وَالطَّيْر وَالْوَحْش وَالرِّيح وَكُلّ مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض . فَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ ؟ قَالَ : مِنْ هَذِهِ الْبِلَاد ; مَلِكهَا اِمْرَأَة يُقَال لَهَا بِلْقِيس , تَحْت يَدهَا اِثْنَا عَشَر أَلْف قَيْل , تَحْت يَد كُلّ قَيْل مِائَة أَلْف مُقَاتِل مِنْ سِوَى النِّسَاء وَالذَّرَارِيّ ; فَانْطَلَقَ مَعَهُ وَنَظَرَ إِلَى بِلْقِيس وَمُلْكهَا , وَرَجَعَ إِلَى سُلَيْمَان وَقْت الْعَصْر , وَكَانَ سُلَيْمَان قَدْ فَقَدَهُ وَقْت الصَّلَاة فَلَمْ يَجِدهُ , وَكَانُوا عَلَى غَيْر مَاء . قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي رِوَايَة : وَقَعَتْ عَلَيْهِ نَفْحَة مِنْ الشَّمْس . فَقَالَ لِوَزِيرِ الطَّيْر : هَذَا مَوْضِع مَنْ ؟ قَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه هَذَا مَوْضِع الْهُدْهُد قَالَ : وَأَيْنَ ذَهَبَ ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي أَصْلَحَ اللَّه الْمَلِك . فَغَضِبَ سُلَيْمَان وَقَالَ : &quot; لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا &quot; [ النَّمْل : 21 ] الْآيَة . ثُمَّ دَعَا بِالْعُقَابِ سَيِّد الطَّيْر وَأَصْرَمهَا وَأَشَدّهَا بَأْسًا فَقَالَ : مَا تُرِيد يَا نَبِيّ اللَّه ؟ فَقَالَ : عَلَيَّ بِالْهُدْهُدِ السَّاعَة . فَرَفَعَ الْعُقَاب نَفْسه دُون , السَّمَاء حَتَّى لَزِقَ بِالْهَوَاءِ , فَنَظَرَ إِلَى الدُّنْيَا كَالْقَصْعَةِ بَيْن يَدَيْ أَحَدكُمْ , فَإِذَا هُوَ بِالْهُدْهُدِ مُقْبِلًا مِنْ نَحْو الْيَمَن , فَانْقَضَّ نَحْوه وَأَنْشَبَ فِيهِ مِخْلَبه . فَقَالَ لَهُ الْهُدْهُد : أَسْأَلك بِاَللَّهِ الَّذِي أَقْدَرَك وَقَوَّاك عَلَيَّ إِلَّا رَحِمْتنِي . فَقَالَ لَهُ : الْوَيْل لَك ; وَثَكِلَتْك أُمّك ! إِنَّ نَبِيّ اللَّه سُلَيْمَان حَلَفَ أَنْ يُعَذِّبك أَوْ يَذْبَحك . ثُمَّ أَتَى بِهِ فَاسْتَقْبَلَتْهُ النُّسُور وَسَائِر عَسَاكِر الطَّيْر . وَقَالُوا الْوَيْل لَك ; لَقَدْ تَوَعَّدَك نَبِيّ اللَّه . فَقَالَ : وَمَا قَدْرِي وَمَا أَنَا ! أَمَا اِسْتَثْنَى ؟ قَالُوا : بَلَى إِنَّهُ قَالَ : &quot; أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِين &quot; [ النَّمْل : 21 ] ثُمَّ دَخَلَ عَلَى سُلَيْمَان فَرَفَعَ رَأْسه , وَأَرْخَى ذَنَبه وَجَنَاحَيْهِ تَوَاضُعًا لِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَام . فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان : أَيْنَ كُنْت عَنْ خِدْمَتك وَمَكَانك ؟ لَأُعَذِّبَنَّكَ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّكَ . فَقَالَ لَهُ الْهُدْهُد : يَا نَبِيّ اللَّه اُذْكُرْ وُقُوفك بَيْن يَدَيْ اللَّه بِمَنْزِلَةِ وُقُوفِي بَيْن يَدَيْك . فَاقْشَعَرَّ جِلْد سُلَيْمَان وَارْتَعَدَ وَعَفَا عَنْهُ . وَقَالَ عِكْرِمَة : إِنَّمَا صَرَفَ اللَّه سُلَيْمَان عَنْ ذَبْح الْهُدْهُد أَنَّهُ كَانَ بَارًّا بِوَالِدَيْهِ ; يَنْقُل الطَّعَام إِلَيْهِمَا فَيَزُقّهُمَا . ثُمَّ قَالَ لَهُ سُلَيْمَان : مَا الَّذِي أَبْطَأَ بِك ؟ فَقَالَ الْهُدْهُد مَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْ بِلْقِيس وَعَرْشهَا وَقَوْمهَا حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه . قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَالْقَوْل بِأَنَّ أُمّ بِلْقِيس جِنِّيَّة مُسْتَنْكَر مِنْ الْعُقُول لِتَبَايُنِ الْجِنْسَيْنِ , وَاخْتِلَاف الطَّبْعَيْنِ , وَتَفَارُق الْحِسَّيْنِ ; لِأَنَّ الْآدَمِيّ جُسْمَانِيّ وَالْجِنّ رُوحَانِيّ , وَخَلَقَ اللَّه الْآدَمِيّ مِنْ صَلْصَال كَالْفَخَّارِ , وَخَلَقَ الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , وَيُمْنَع الِامْتِزَاج مَعَ هَذَا التَّبَايُن , وَيَسْتَحِيل التَّنَاسُل مَعَ هَذَا الِاخْتِلَاف . 

قُلْت : قَدْ مَضَى الْقَوْل فِي هَذَا , وَالْعَقْل لَا يُحِيلهُ مَعَ مَا جَاءَ مِنْ الْخَبَر فِي ذَلِكَ , وَإِذَا نُظِرَ فِي أَصْل الْخَلْق فَأَصْله الْمَاء عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه , وَلَا بُعْد فِي ذَلِكَ ; وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِي التَّنْزِيل &quot; وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد &quot; [ الْإِسْرَاء : 64 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَقَالَ تَعَالَى : &quot; لَمْ يَطْمِثهُنَّ إِنْس قَبْلهمْ وَلَا جَانّ &quot; [ الرَّحْمَن : 56 ] . عَلَى مَا يَأْتِي فِي [ الرَّحْمَن ] .

نَفْسِي &quot; أَيْ بِالشِّرْكِ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ ; قَالَهُ اِبْن شَجَرَة . وَقَالَ سُفْيَان : أَيْ بِالظَّنِّ الَّذِي تَوَهَّمَتْهُ فِي سُلَيْمَان ; لِأَنَّهَا لَمَّا أُمِرَتْ بِدُخُولِ الصَّرْح حَسِبَتْهُ لُجَّة , وَأَنَّ سُلَيْمَان يُرِيد تَغْرِيقهَا فِيهِ . فَلَمَّا بَانَ لَهَا أَنَّهُ صَرْح مُمَرَّد مِنْ قَوَارِير عَلِمَتْ أَنَّهَا ظَلَمَتْ نَفْسهَا بِذَلِكَ الظَّنّ . وَكُسِرَتْ &quot; إِنَّ &quot; لِأَنَّهَا مُبْتَدَأَة بَعْد الْقَوْل . وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَفْتَحهَا فَيُعْمِل فِيهَا الْقَوْل .
 
إِذَا سُكِّنَتْ &quot; مَعَ &quot; فَهِيَ حَرْف جَاءَ لِمَعْنًى بِلَا اِخْتِلَاف بَيْن النَّحْوِيِّينَ . وَإِذَا فَتَحْتهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ بِمَعْنَى الظَّرْف اِسْم . وَالْآخَر : أَنَّهُ حَرْف خَافِض مَبْنِيّ عَلَى الْفَتْح ; قَالَهُ النَّحَّاس :';
$TAFSEER['4']['27']['45'] = 'إِلَى ثَمُود أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّه &quot; وَهُوَ ثَمُود بْن عَاد بْن إِرَم بْن سَام بْن نُوح . وَهُوَ أَخُو جديس , وَكَانُوا فِي سَعَة مِنْ مَعَايِشهمْ ; فَخَالَفُوا أَمْر اللَّه وَعَبَدُوا غَيْره , وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْض . فَبَعَثَ اللَّه إِلَيْهِمْ صَالِحًا نَبِيًّا , وَهُوَ صَالِح بْن عُبَيْد بْن آسَف بْن كَاشِح بْن عُبَيْد بْن حَاذِر بْن ثَمُود . وَكَانُوا قَوْمًا عَرَبًا . وَكَانَ صَالِح مِنْ أَوْسَطهمْ نَسَبًا وَأَفْضَلهمْ حَسَبًا فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه تَعَالَى حَتَّى شَمِطَ وَلَا يَتَّبِعهُ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيل مُسْتَضْعَفُونَ . وَلَمْ يَنْصَرِف &quot; ثَمُود &quot; لِأَنَّهُ جُعِلَ اِسْمًا لِلْقَبِيلَةِ . وَقَالَ أَبُو حَاتِم : لَمْ يَنْصَرِف , لِأَنَّهُ اِسْم أَعْجَمِيّ . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا غَلَط لِأَنَّهُ مُشْتَقّ مِنْ الثَّمَد وَهُوَ الْمَاء الْقَلِيل . وَقَدْ قَرَأَ الْقُرَّاء &quot; أَلَا إِنَّ ثَمُودًا كَفَرُوا رَبّهمْ &quot; [ هُود : 68 ] عَلَى أَنَّهُ اِسْم لِلْحَيِّ . وَكَانَتْ مَسَاكِن ثَمُود الْحِجْر بَيْن الْحِجَاز وَالشَّام إِلَى وَادِي الْقُرَى . وَهُمْ مِنْ وَلَد سَام بْن نُوح . وَسُمِّيَتْ ثَمُود لِقِلَّةِ مَائِهَا . وَسَبَقَ بَيَانه فِي &quot; الْحِجْر &quot; .
 
يَخْتَصِمُونَ &quot; قَالَ مُجَاهِد : أَيْ مُؤْمِن وَكَافِر ; قَالَ : وَالْخُصُومَة مَا قَصَّهُ اللَّه تَعَالَى فِي قَوْله : &quot; أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَل مِنْ رَبّه &quot; [ الْأَعْرَاف : 75 ] إِلَى قَوْله : &quot; كَافِرُونَ &quot; . وَقِيلَ : تَخَاصُمهمْ أَنَّ كُلّ فِرْقَة قَالَتْ : نَحْنُ عَلَى الْحَقّ دُونكُمْ .';
$TAFSEER['4']['27']['46'] = 'تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْل الْحَسَنَة &quot; قَالَ مُجَاهِد : بِالْعَذَابِ قَبْل الرَّحْمَة ; الْمَعْنَى : لِمَ تُؤَخِّرُونَ الْإِيمَان الَّذِي يَجْلِب إِلَيْكُمْ الثَّوَاب , وَتُقَدِّمُونَ الْكُفْر الَّذِي يُوجِب الْعِقَاب ; فَكَانَ الْكُفَّار يَقُولُونَ لِفَرْطِ الْإِنْكَار : اِيتِنَا بِالْعَذَابِ . وَقِيلَ : أَيْ لِمَ تَفْعَلُونَ مَا تَسْتَحِقُّونَ بِهِ الْعِقَاب ; لَا أَنَّهُمْ اِلْتَمَسُوا تَعْجِيل الْعَذَاب .

أَيْ هَلَّا تَتُوبُونَ إِلَى اللَّه مِنْ الشِّرْك .
  
لِكَيْ تُرْحَمُوا ; وَقَدْ تَقَدَّمَ .';
$TAFSEER['4']['27']['47'] = 'اِطَّيَّرْنَا بِك بِمَنْ مَعَك &quot; أَيْ تَشَاءَمْنَا . وَالشُّؤْم النَّحَس . وَلَا شَيْء أَضَرّ بِالرَّأْيِ وَلَا أَفْسَد لِلتَّدْبِيرِ مِنْ اِعْتِقَاد الطِّيَرَة . وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ خُوَار بَقَرَة أَوْ نَعِيق غُرَاب يَرُدّ قَضَاء , أَوْ يَدْفَع مَقْدُورًا فَقَدْ جَهِلَ . وَقَالَ الشَّاعِر : طِيَرَة الدَّهْر لَا تَرُدّ قَضَاء و فَاعْذُرْ الدَّهْر لَا تَشُبْهُ بِلَوْمِ ش أَيّ يَوْم يَخُصّهُ بِسُعُودٍ /و وَالْمَنَايَا يَنْزِلْنَ فِي كُلّ يَوْم لَيْسَ يَوْم إِلَّا وَفِيهِ سُعُود /و وَنُحُوس تَجْرِي لِقَوْمٍ فَقَوْم وَقَدْ كَانَتْ الْعَرَب أَكْثَر النَّاس طِيَرَة , وَكَانَتْ إِذَا أَرَادَتْ سَفَرًا نَفَّرَتْ طَائِرًا , فَإِذَا طَارَ يَمْنَة سَارَتْ وَتَيَمَّنَتْ , وَإِنْ طَارَ شِمَالًا رَجَعَتْ وَتَشَاءَمَتْ , فَنَهَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ : ( أَقِرُّوا الطَّيْر عَلَى وَكْنَاتهَا ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي [ الْمَائِدَة ] .

&quot; أَيْ مَصَائِبكُمْ .
  
تُفْتَنُونَ &quot; أَيْ تُمْتَحَنُونَ . وَقِيلَ : تُعَذَّبُونَ بِذُنُوبِكُمْ .';
$TAFSEER['4']['27']['48'] = 'الْمَدِينَة &quot; أَيْ فِي مَدِينَة صَالِح وَهِيَ الْحِجْر

أَيْ تِسْعَة رِجَامِنْ أَبْنَاء أَشْرَافهمْ . قَالَ الضَّحَّاك . كَانَ هَؤُلَاءِ التِّسْعَة عُظَمَاء أَهْل الْمَدِينَة , وَكَانُوا يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَيَأْمُرُونَ بِالْفَسَادِ , فَجَلَسُوا عِنْد صَخْرَة عَظِيمَة فَقَلَبَهَا اللَّه عَلَيْهِمْ . وَقَالَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح : بَلَغَنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يُقْرِضُونَ الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم , وَذَلِكَ مِنْ الْفَسَاد فِي الْأَرْض ; وَقَالَهُ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب . وَقِيلَ : فَسَادهمْ أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ عَوْرَات النَّاس وَلَا يَسْتُرُونَ عَلَيْهِمْ . وَقِيلَ : غَيْر هَذَا . وَاللَّازِم مِنْ الْآيَة مَا قَالَهُ الضَّحَّاك وَغَيْره أَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَوْجَه الْقَوْم وَأَقْنَاهُمْ وَأَغْنَاهُمْ , وَكَانُوا أَهْل كُفْر وَمَعَاصٍ جَمَّة ; وَجُمْلَة أَمْرهمْ أَنَّهُمْ يُفْسِدُونَ وَلَا يُصْلِحُونَ . وَالرَّهْط اِسْم لِلْجَمَاعَةِ ; فَكَأَنَّهُمْ كَانُوا رُؤَسَاء يَتَّبِع كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ رَهْط . وَالْجَمْع أَرْهُط وَأَرَاهِط . قَالَ : يَا بُؤْس لِلْحَرْبِ الَّتِي /و وَضَعَتْ أَرَاهِط فَاسْتَرَاحُوا ش وَهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ كَانُوا أَصْحَاب قِدَار عَاقِر النَّاقَة ; ذَكَرَهُ اِبْن عَطِيَّة . 

قُلْت : وَاخْتُلِفَ فِي أَسْمَائِهِمْ ; فَقَالَ الْغَزْنَوِيّ : وَأَسْمَاؤُهُمْ قُدَار بْن سَالِف وَمِصْدَع وَأَسْلَم ودسما وذهيم وذعما وذعيم وقتال وصداق . اِبْن إِسْحَاق : رَأْسهمْ قُدَار بْن سَالِف وَمِصْدَع بْن مُهْرِج , فَاتَّبَعَهُمْ سَبْعَة ; هُمْ بَلَع بْن مَيْلَع ودعير بْن غَنْم وذؤاب بْن مهرج وَأَرْبَعَة لَمْ تُعْرَف أَسْمَاؤُهُمْ . وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيّ أَسْمَاءَهُمْ عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه : الْهُذُيْل بْن عَبْد رَبّ , غَنْم بْن غَنْم , رَيَّاب بْن مهرج , مُصَدِّع بْن مُهَرِّج , عُمَيْر بْن كردبة , عَاصِم بْن مَخْرَمَة , سُبَيْط بْن صَدَقَة , سَمْعَان بْن صَفِيّ , قُدَار بْن سَالِف ; وَهُمْ الَّذِينَ سَعَوْا فِي عَقْر النَّاقَة , وَكَانُوا عُتَاة قَوْم صَالِح , وَكَانُوا مِنْ أَبْنَاء أَشْرَافهمْ . السُّهَيْلِيّ : ذَكَرَ النَّقَّاش التِّسْعَة الَّذِينَ كَانُوا يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَلَا يُصْلِحُونَ , وَسَمَّاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ , وَذَلِكَ لَا يَنْضَبِط بِرِوَايَةٍ ; غَيْر أَنِّي أَذْكُرهُ عَلَى وَجْه الِاجْتِهَاد وَالتَّخْمِين , وَلَكِنْ نَذْكُرهُ عَلَى مَا وَجَدْنَاهُ فِي كِتَاب مُحَمَّد بْن حَبِيب , وَهُمْ : مُصَدَّع بْن دَهْر . وَيُقَال دَهْم , وَقُدَار بْن سَالِف , وهريم وصواب وَرَيَّاب وداب ودعما وَهَرْمًا وَدُعَيْن بْن عُمَيْر . 

قُلْت : وَقَدْ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ أَسْمَاءَهُمْ عَنْ اِبْن عَبَّاس فَقَالَ : هُمْ دَعْمًا وَدُعَيْم وَهَرْمًا وَهُرَيْم وداب وصواب وَرَيَّاب وَمِسْطَح وَقُدَار , وَكَانُوا بِأَرْضِ الْحِجْر وَهِيَ أَرْض الشَّام .';
$TAFSEER['4']['27']['49'] = 'لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْله &quot; يَجُوز أَنْ يَكُون &quot; تَقَاسَمُوا &quot; فِعْلًا مُسْتَقْبَلًا وَهُوَ أَمْر ; أَيْ قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ اِحْلِفُوا . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَاضِيًا فِي مَعْنَى الْحَال كَأَنَّهُ قَالَ : قَالُوا مُتَقَاسِمِينَ بِاَللَّهِ ; وَدَلِيل هَذَا التَّأْوِيل قِرَاءَة عَبْد اللَّه : &quot; يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَلَا يُصْلِحُونَ . تَقَاسَمُوا بِاَللَّهِ &quot; وَلَيْسَ فِيهَا &quot; قَالُوا &quot; . &quot; لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْله ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ &quot; قِرَاءَة الْعَامَّة بِالنُّونِ فِيهِمَا وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ : بِالتَّاءِ فِيهِمَا , وَضُمَّ التَّاء وَاللَّام عَلَى الْخِطَاب أَيْ أَنَّهُمْ تَخَاطَبُوا بِذَلِكَ ; وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد . وَقَرَأَ مُجَاهِد وَحُمَيْد بِالْيَاءِ فِيهِمَا , وَضُمَّ الْيَاء وَاللَّام عَلَى الْخَبَر . وَالْبَيَات مُبَاغَتَة الْعَدُوّ لَيْلًا .
  
&quot; لِوَلِيِّهِ &quot; أَيْ لِرَهْطِ صَالِح الَّذِي لَهُ وِلَايَة الدَّم .

أَهْله &quot; أَيْ مَا حَضَرْنَا , وَلَا نَدْرِي مَنْ قَتَلَهُ وَقَتَلَ أَهْله . وَالْمُهْلَك بِمَعْنَى الْإِهْلَاك ; وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَوْضِع . وَقَرَأَ عَاصِم وَالسُّلَمِيّ : ( بِفَتْحِ الْمِيم وَاللَّام ) أَيْ الْهَلَاك ; يُقَال : ضَرَبَ يَضْرِب مَضْرَبًا أَيْ ضَرْبًا . وَقَرَأَ الْمُفَضَّل وَأَبُو بَكْر : ( بِفَتْحِ الْمِيم وَجَرّ اللَّام ) فَيَكُون اِسْم الْمَكَان كَالْمَجْلِسِ لِمَوْضِعِ الْجُلُوس ; وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَصْدَرًا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; إِلَيْهِ مَرْجِعكُمْ &quot; [ يُونُس : 4 ] أَيْ رُجُوعكُمْ .
  
فِي إِنْكَارنَا لِقَتْلِهِ .';
$TAFSEER['4']['27']['50'] = 'وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ &quot; مَكْرهمْ مَا رُوِيَ أَنَّ هَؤُلَاءِ التِّسْعَة لَمَّا كَانَ فِي صَدْر الثَّلَاثَة الْأَيَّام بَعْد عَقْر النَّاقَة , وَقَدْ أَخْبَرَهُمْ صَالِح بِمَجِيءِ الْعَذَاب , اِتَّفَقُوا وَتَحَالَفُوا عَلَى أَنْ يَأْتُوا دَار صَالِح لَيْلًا وَيَقْتُلُوهُ وَأَهْله الْمُخْتَصِّينَ بِهِ ; قَالُوا : فَإِذَا كَانَ كَاذِبًا فِي وَعِيده أَوْقَعْنَا بِهِ مَا يَسْتَحِقّ , وَإِنْ كَانَ صَادِقًا كُنَّا عَجَّلْنَاهُ قَبْلنَا , وَشَفَيْنَا نُفُوسنَا ; قَالَهُ مُجَاهِد وَغَيْره . قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَرْسَلَ اللَّه تَعَالَى الْمَلَائِكَة تِلْكَ اللَّيْلَة , فَامْتَلَأَتْ بِهِمْ دَار صَالِح , فَأَتَى التِّسْعَة دَار صَالِح شَاهِرِينَ سُيُوفهمْ , فَقَتَلَهُمْ الْمَلَائِكَة رَضْخًا بِالْحِجَارَةِ فَيَرَوْنَ الْحِجَارَة وَلَا يَرَوْنَ مَنْ يَرْمِيهَا . وَقَالَ قَتَادَة : خَرَجُوا مُسْرِعِينَ إِلَى صَالِح , فَسُلِّطَ عَلَيْهِمْ مَلَك بِيَدِهِ صَخْرَة فَقَتَلَهُمْ . وَقَالَ السُّدِّيّ : نَزَلُوا عَلَى جُرُف مِنْ الْأَرْض , فَانْهَارَ بِهِمْ فَأَهْلَكَهُمْ اللَّه تَحْته . وَقِيلَ : اِخْتَفَوْا فِي غَار قَرِيب مِنْ دَار صَالِح , فَانْحَدَرَتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَة شَدَخَتْهُمْ جَمِيعًا , فَهَذَا مَا كَانَ مِنْ مَكْرهمْ . وَمَكْر اللَّه مُجَازَاتهمْ عَلَى ذَلِكَ .';
$TAFSEER['4']['27']['51'] = 'مَكْرهمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمهمْ أَجْمَعِينَ &quot; أَيْ بِالصَّيْحَةِ الَّتِي أَهْلَكَتْهُمْ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَلَاك الْكُلّ كَانَ بِصَيْحَةِ جِبْرِيل . وَالْأَظْهَر أَنَّ التِّسْعَة هَلَكُوا بِعَذَابٍ مُفْرَد ; ثُمَّ هَلَكَ الْبَاقُونَ بِالصَّيْحَةِ وَالدَّمْدَمَة . وَكَانَ الْأَعْمَش وَالْحَسَن وَابْن أَبِي إِسْحَاق وَعَاصِم وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ يَقْرَءُونَ : &quot; أَنَّا &quot; بِالْفَتْحِ ; وَقَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : فَعَلَى هَذَا الْمَذْهَب لَا يَحْسُن الْوَقْف عَلَى &quot; عَاقِبَة مَكْرهمْ &quot; لِأَنَّ &quot; أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ &quot; خَبَر كَانَ . وَيَجُوز أَنْ تَجْعَلهَا فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى الْإِتْبَاع لِلْعَاقِبَةِ . وَيَجُوز أَنْ تَجْعَلهَا فِي مَوْضِع نَصْب مِنْ قَوْل الْفَرَّاء , وَخَفْض مِنْ قَوْل الْكِسَائِيّ عَلَى مَعْنَى : بِأَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَلِأَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ . وَيَجُوز أَنْ تَجْعَلهَا فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْإِتْبَاع لِمَوْضِعِ &quot; كَيْف &quot; فَمِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِب لَا يَحْسُن الْوَقْف عَلَى &quot; مَكْرهمْ &quot; . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَنَافِع وَأَبُو عَمْرو : &quot; إِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ &quot; بِكَسْرِ الْأَلِف عَلَى الِاسْتِئْنَاف ; فَعَلَى هَذَا الْمَذْهَب يَحْسُن الْوَقْف عَلَى &quot; مَكْرهمْ &quot; . قَالَ النَّحَّاس : وَيَجُوز أَنْ تُنْصَب &quot; عَاقِبَة &quot; عَلَى خَبَر &quot; كَانَ &quot; وَيَكُون &quot; إِنَّا &quot; فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى أَنَّهَا اِسْم &quot; كَانَ &quot; . وَيَجُوز أَنْ تَكُون فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَأ تَبْيِينًا لِلْعَاقِبَةِ ; وَالتَّقْدِير : هِيَ إِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ ; قَالَ أَبُو حَاتِم : وَفِي حَرْف أُبَيّ &quot; أَنْ دَمَّرْنَاهُمْ &quot; تَصْدِيقًا لِفَتْحِهَا .';
$TAFSEER['4']['27']['52'] = 'يَعْلَمُونَ &quot; قِرَاءَة الْعَامَّة بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَال عِنْد الْفَرَّاء وَالنَّحَّاس ; أَيْ خَالِيَة عَنْ أَهْلهَا خَرَابًا لَيْسَ بِهَا سَاكِن . وَقَالَ الْكِسَائِيّ وَأَبُو عُبَيْدَة : &quot; خَاوِيَة &quot; نُصِبَ عَلَى الْقَطْع ; مَجَازه : فَتِلْكَ بُيُوتهمْ الْخَاوِيَة , فَلَمَّا قُطِعَ مِنْهَا الْأَلِف وَاللَّام نُصِبَ عَلَى الْحَال ; كَقَوْلِهِ : &quot; وَلَهُ الدِّين وَاصِبًا &quot; [ النَّحْل : 52 ] . وَقَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر وَنَصْر بْن عَاصِم وَالْجَحْدَرِيّ : بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا خَبَر عَنْ &quot; تِلْكَ &quot; وَ &quot; بُيُوتهمْ &quot; بَدَل مِنْ &quot; تِلْكَ &quot; . وَيَجُوز أَنْ تَكُون &quot; بُيُوتهمْ &quot; عَطْف بَيَان وَ &quot; خَاوِيَة &quot; خَبَر عَنْ &quot; تِلْكَ &quot; . وَيَجُوز أَنْ يَكُون رُفِعَ &quot; خَاوِيَة &quot; عَلَى أَنَّهَا خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف ; أَيْ هِيَ خَاوِيَة , أَوْ بَدَل مِنْ &quot; بُيُوتهمْ &quot; لِأَنَّ النَّكِرَة تُبْدَل مِنْ الْمَعْرِفَة .';
$TAFSEER['4']['27']['53'] = 'الَّذِينَ آمَنُوا &quot; أَيْ آمَنُوا بِصَالِحٍ . قِيلَ : آمَنَ بِصَالِحٍ قَدْر أَرْبَعَة آلَاف رَجُل . وَالْبَاقُونَ خَرَجَ بِأَبْدَانِهِمْ - فِي قَوْل مُقَاتِل وَغَيْره - خُرَاج مِثْل الْحِمَّص ; وَكَانَ فِي الْيَوْم الْأَوَّل أَحْمَر , ثُمَّ صَارَ مِنْ الْغَد أَصْفَر , ثُمَّ صَارَ فِي الثَّالِث أَسْوَد . وَكَانَ عَقْر النَّاقَة يَوْم الْأَرْبِعَاء , وَهَلَاكهمْ يَوْم الْأَحَد . قَالَ مُقَاتِل : فُقِعَتْ تِلْكَ الْخُرَاجَات , وَصَاحَ جِبْرِيل بِهِمْ خِلَال ذَلِكَ صَيْحَة فَخَمَدُوا , وَكَانَ ذَلِكَ ضَحْوَة . وَخَرَجَ صَالِح بِمَنْ آمَنَ مَعَهُ إِلَى حَضْرَمَوْت ; فَلَمَّا دَخَلَهَا مَاتَ صَالِح ; فَسُمِّيَتْ حَضْرَمَوْت . قَالَ الضَّحَّاك : ثُمَّ بَنَى الْأَرْبَعَة الْآلَاف مَدِينَة يُقَال لَهَا حَاضُورًا ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي قِصَّة أَصْحَاب الرَّسّ .

اللَّه وَيَخَافُونَ عَذَابه .';
$TAFSEER['4']['27']['54'] = 'أَيْ وَأَرْسَلْنَا لُوطًا , أَوْ اُذْكُرْ لُوطًا
  
لِقَوْمِهِ &quot; وَهُمْ أَهْل سَدُوم .
  
أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَة &quot; الْفِعْلَة الْقَبِيحَة الشَّنِيعَة .

أَنَّهَا فَاحِشَة , وَذَلِكَ أَعْظَم لِذُنُوبِكُمْ . وَقِيلَ : يَأْتِي بَعْضكُمْ بَعْضًا وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيْهِ . وَكَانُوا لَا يَسْتَتِرُونَ عُتُوًّا مِنْهُمْ وَتَمَرُّدًا .';
$TAFSEER['4']['27']['55'] = 'الرِّجَال شَهْوَة مِنْ دُون النِّسَاء &quot; أَعَادَ ذِكْرهَا لِفَرْطِ قُبْحهَا وَشُنْعَتهَا . وَاخْتِيَار الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ تَخْفِيف الْهَمْزَة الثَّانِيَة مِنْ &quot; أَئِنَّكُمْ &quot; فَأَمَّا الْخَطّ فَالسَّبِيل فِيهِ أَنْ يُكْتَب بِأَلِفَيْنِ عَلَى الْوُجُوه كُلّهَا ; لِأَنَّهَا هَمْزَة مُبْتَدَأَة دَخَلَتْ عَلَيْهَا أَلِف الِاسْتِفْهَام .

تَجْهَلُونَ &quot; إِمَّا أَمْر التَّحْرِيم أَوْ الْعُقُوبَة .';
$TAFSEER['4']['27']['56'] = 'إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوط مِنْ قَرْيَتكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاس يَتَطَهَّرُونَ &quot; أَيْ عَنْ أَدْبَار الرِّجَال . يَقُولُونَ ذَلِكَ اِسْتِهْزَاء مِنْهُمْ ; قَالَهُ مُجَاهِد . وَقَالَ قَتَادَة : عَابُوهُمْ وَاَللَّه بِغَيْرِ عَيْب بِأَنَّهُمْ يَتَطَهَّرُونَ مِنْ أَعْمَال السُّوء . &quot; يَتَطَهَّرُونَ &quot; عَنْ الْإِتْيَان فِي هَذَا الْمَأْتَى . يُقَال : تَطَهَّرَ الرَّجُل أَيْ تَنَزَّهَ عَنْ الْإِثْم . قَالَ قَتَادَة : عَابُوهُمْ وَاَللَّه بِغَيْرِ عَيْب .';
$TAFSEER['4']['27']['57'] = 'فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْله إِلَّا اِمْرَأَته قَدَّرْنَاهَا مِنْ الْغَابِرِينَ &quot; &quot; مِنْ الْغَابِرِينَ &quot; أَيْ الْبَاقِينَ فِي عَذَاب اللَّه ; قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة . غَبَرَ الشَّيْء إِذَا مَضَى , وَغَبَرَ إِذَا بَقِيَ . وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَاد . وَقَالَ قَوْم : الْمَاضِي عَابِر بِالْعَيْنِ غَيْر مُعْجَمَة . وَالْبَاقِي غَابِر بِالْغَيْنِ مُعْجَمَة . حَكَاهُ اِبْن فَارِس فِي الْمُجْمَل . وَقَالَ الزَّجَّاج : &quot; مِنْ الْغَابِرِينَ &quot; أَيْ مِنْ الْغَائِبِينَ عَنْ النَّجَاة وَقِيلَ : لِطُولِ عُمْرهَا . قَالَ النَّحَّاس : وَأَبُو عُبَيْدَة يَذْهَب إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى مِنْ الْمُعَمِّرِينَ ; أَيْ أَنَّهَا قَدْ هَرِمَتْ . وَالْأَكْثَر فِي اللُّغَة أَنْ يَكُون الْغَابِر الْبَاقِي ; قَالَ الرَّاجِز : فَمَا وَنَى مُحَمَّد مُذْ أَنْ غَفَرْ لَهُ الْإِلَه مَا مَضَى وَمَا غَبَرَ وَقَرَأَ عَاصِم : &quot; قَدَرْنَا &quot; مُخَفَّفًا وَالْمَعْنَى وَاحِد . يُقَال قَدْ قَدَرْت الشَّيْء قَدْرًا وَقَدَرًا وَقَدَّرْته .';
$TAFSEER['4']['27']['58'] = 'أَيْ مَنْ أُنْذِرَ فَلَمْ يَقْبَل الْإِنْذَار . سَرَى لُوط بِأَهْلِهِ كَمَا وَصَفَ اللَّه &quot; بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْل &quot; [ هُود : 81 ] ثُمَّ أُمِرَ جِبْرِيل , عَلَيْهِ السَّلَام فَأَدْخَلَ جَنَاحه تَحْت مَدَائِنهمْ فَاقْتَلَعَهَا وَرَفَعَهَا حَتَّى سَمِعَ أَهْل السَّمَاء صِيَاح الدِّيَكَة وَنُبَاح الْكِلَاب , ثُمَّ جَعَلَ عَالِيهَا سَافِلهَا , وَأُمْطِرَتْ عَلَيْهِمْ حِجَارَة مِنْ سِجِّيل , قِيلَ : عَلَى مَنْ غَابَ مِنْهُمْ . وَأَدْرَكَ اِمْرَأَة لُوط , وَكَانَتْ مَعَهُ حَجَر فَقَتَلَهَا . وَكَانَتْ فِيمَا ذُكِرَ أَرْبَع قُرَى . وَقِيلَ : خَمْس فِيهَا أَرْبَعمِائَةِ أَلْف . وَسَبَقَ فِي سُورَة [ هُود ] قِصَّة لُوط بِأَبْيَنَ مِنْ هَذَا .';
$TAFSEER['4']['27']['59'] = 'وَسَلَام عَلَى عِبَاده الَّذِينَ اِصْطَفَى &quot; قَالَ الْفَرَّاء : قَالَ أَهْل الْمَعَانِي : قِيلَ لِلُوطٍ &quot; قُلْ الْحَمْد لِلَّهِ &quot; عَلَى هَلَاكهمْ . وَخَالَفَ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء الْفَرَّاء فِي هَذَا وَقَالُوا : هُوَ مُخَاطَبَة لِنَبِيِّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أَيْ قُلْ الْحَمْد لِلَّهِ عَلَى هَلَاك كُفَّار الْأُمَم الْخَالِيَة . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا أَوْلَى , لِأَنَّ الْقُرْآن مُنَزَّل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكُلّ مَا فِيهِ فَهُوَ مُخَاطَب بِهِ عَلَيْهِ السَّلَام إِلَّا مَا لَمْ يَصِحّ مَعْنَاهُ إِلَّا لِغَيْرِهِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; أَيْ &quot; قُلْ &quot; يَا مُحَمَّد &quot; الْحَمْد لِلَّهِ وَسَلَام عَلَى عِبَاده الَّذِينَ اِصْطَفَى &quot; يَعْنِي أُمَّته عَلَيْهِ السَّلَام . قَالَ الْكَلْبِيّ : اِصْطَفَاهُمْ اللَّه بِمَعْرِفَتِهِ وَطَاعَته . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَسُفْيَان : هُمْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : أُمِرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَات النَّاطِقَة بِالْبَرَاهِينِ عَلَى وَحْدَانِيّته وَقُدْرَته عَلَى كُلّ شَيْء وَحِكْمَته , وَأَنْ يَسْتَفْتِح بِتَحْمِيدِهِ وَالسَّلَام عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَالْمُصْطَفَيْنَ مِنْ عِبَاده . وَفِيهِ تَعْلِيم حَسَن , وَتَوْقِيف عَلَى أَدَب جَمِيل , وَبَعْث عَلَى التَّيَمُّن بِالذِّكْرَيْنِ وَالتَّبَرُّك بِهِمَا , وَالِاسْتِظْهَار بِمَكَانِهِمَا عَلَى قَبُول مَا يُلْقَى إِلَى السَّامِعِينَ , وَإِصْغَائِهِمْ إِلَيْهِ , وَإِنْزَاله مِنْ قُلُوبهمْ الْمَنْزِلَة الَّتِي يَبْغِيهَا الْمُسْتَمِع . وَلَقَدْ تَوَارَثَ الْعُلَمَاء وَالْخُطَبَاء وَالْوُعَّاظ كَابِرًا عَنْ كَابِر هَذَا الْأَدَب , فَحَمِدُوا اللَّه وَصَلَّوْا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَام كُلّ عِلْم مُفَاد , وَقَبْل كُلّ عِظَة وَفِي مُفْتَتَح كُلّ خُطْبَة , وَتَبِعَهُمْ الْمُتَرَسِّلُونَ فَأَجْرَوْا عَلَيْهِ أَوَائِل كُتُبهمْ فِي الْفُتُوح وَالتَّهَانِي , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْحَوَادِث الَّتِي لَهَا شَأْن . قَوْله تَعَالَى : &quot; الَّذِينَ اِصْطَفَى &quot; اِخْتَارَ ; أَيْ لِرِسَالَتِهِ وَهُمْ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام ; دَلِيله قَوْله تَعَالَى : &quot; وَسَلَام عَلَى الْمُرْسَلِينَ &quot; [ الصَّافَّات : 181 ] .
  
وَأَجَازَ أَبُو حَِم &quot; أَأَللَّه خَيْر &quot; بِهَمْزَتَيْنِ . النَّحَّاس : وَلَا نَعْلَم أَحَدًا تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّة إِنَّمَا جِيءَ بِهَا فَرْقًا بَيْن الِاسْتِفْهَام وَالْخَبَر , وَهَذِهِ أَلِف التَّوْقِيف , وَ &quot; خَيْر &quot; هَاهُنَا لَيْسَ بِمَعْنَى أَفْضَل مِنْك , وَإِنَّمَا هُوَ مِثْل قَوْل الشَّاعِر : أَتَهْجُوهُ وَلَسْت لَهُ بِكُفْءٍ /و فَشَرّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاء ش فَالْمَعْنَى فَاَلَّذِي فِيهِ الشَّرّ مِنْكُمَا لِلَّذِي فِيهِ الْخَيْر الْفِدَاء . وَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون بِمَعْنَى مِنْ لِأَنَّك إِذَا قُلْت : فُلَان شَرّ مِنْ فُلَان فَفِي كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا شَرّ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; الْخَيْر فِي هَذَا أَمْ فِي هَذَا الَّذِي تُشْرِكُونَهُ فِي الْعِبَادَة ! 

وَحَكَى سِيبَوَيْهِ : السَّعَادَة أَحَبّ إِلَيْك أَمْ الشَّقَاء ; وَهُوَ يَعْلَم أَنَّ السَّعَادَة أَحَبّ إِلَيْهِ . وَقِيلَ : هُوَ عَلَى بَابه مِنْ التَّفْضِيل , وَالْمَعْنَى : آللَّه خَيْر أَمْ مَا تُشْرِكُونَ ; أَيْ أَثَوَابه خَيْر أَمْ عِقَاب مَا تُشْرِكُونَ . وَقِيلَ : قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ فِي عِبَادَة الْأَصْنَام خَيْرًا فَخَاطَبَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى اِعْتِقَادهمْ . وَقِيلَ : اللَّفْظ لَفْظ الِاسْتِفْهَام وَمَعْنَاهُ الْخَبَر . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَعَاصِم وَيَعْقُوب : &quot; يُشْرِكُونَ &quot; بِيَاءٍ عَلَى الْخَبَر . الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب , وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم ; فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة يَقُول : ( بَلْ اللَّه خَيْر وَأَبْقَى وَأَجَلّ وَأَكْرَم ) .';
$TAFSEER['4']['27']['60'] = 'وَالْأَرْض . .... &quot; قَالَ أَبُو حَاتِم : تَقْدِيره ; آلِهَتكُمْ خَيْر أَمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض ; وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَمَعْنَاهُ : قَدَرَ عَلَى خَلْقهنَّ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; أَعِبَادَة مَا تَعْبُدُونَ مِنْ أَوْثَانكُمْ خَيْر أَمْ عِبَادَة مَنْ خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض ؟ فَهُوَ مَرْدُود عَلَى مَا قَبْله مِنْ الْمَعْنَى ; وَفِيهِ مَعْنَى التَّوْبِيخ لَهُمْ , وَالتَّنْبِيه عَلَى قُدْرَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَعَجْز آلِهَتهمْ .

فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِق ذَات بَهْجَة &quot; الْحَدِيقَة الْبُسْتَان الَّذِي عَلَيْهِ حَائِط . وَالْبَهْجَة الْمَنْظَر الْحَسَن . قَالَ الْفَرَّاء : الْحَدِيقَة الْبُسْتَان الْمُحْظَر عَلَيْهِ حَائِط , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَائِط فَهُوَ الْبُسْتَان وَلَيْسَ بِحَدِيقَةٍ . وَقَالَ قَتَادَة وَعِكْرِمَة : الْحَدَائِق النَّخْل ذَات بَهْجَة , وَالْبَهْجَة الزِّينَة وَالْحُسْن ; يُبْهَج بِهِ مَنْ رَآهُ .
 
كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرهَا &quot; &quot; مَا &quot; لِلنَّفْيِ . وَمَعْنَاهُ الْحَظْر وَالْمَنْع مِنْ فِعْل هَذَا ; أَيْ مَا كَانَ لِلْبَشَرِ , وَلَا يَتَهَيَّأ لَهُمْ , وَلَا يَقَع تَحْت قُدْرَتهمْ , أَنْ يُنْبِتُوا شَجَرهَا ; إِذْ هُمْ عَجَزَة عَنْ مِثْلهَا , لِأَنَّ ذَلِكَ إِخْرَاج الشَّيْء مِنْ الْعَدَم إِلَى الْوُجُود . 

قُلْت : وَقَدْ يُسْتَدَلّ مِنْ هَذَا عَلَى مَنْع تَصْوِير شَيْء سَوَاء كَانَ لَهُ رُوح أَمْ لَمْ يَكُنْ ; وَهُوَ قَوْل مُجَاهِد . وَيُعَضِّدهُ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُق خَلْقًا كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّة أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّة أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَة ) رَوَاهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة ; قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ) فَذَكَرَهُ ; فَعَمَّ بِالذَّمِّ وَالتَّهْدِيد وَالتَّقْبِيح كُلّ مَنْ تَعَاطَى تَصْوِير شَيْء مِمَّا خَلَقَهُ اللَّه وَضَاهَاهُ فِي التَّشْبِيه فِي خَلْقه فِيمَا اِنْفَرَدَ بِهِ سُبْحَانه مِنْ الْخَلْق وَالِاخْتِرَاع هَذَا وَاضِح . وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّ تَصْوِير مَا لَيْسَ فِيهِ رُوح يَجُوز هُوَ وَالِاكْتِسَاب بِهِ . وَقَدْ قَالَ اِبْن عَبَّاس لِلَّذِي سَأَلَهُ أَنْ يَصْنَع الصُّوَر : إِنْ كُنْت لَا بُدّ فَاعِلًا فَاصْنَعْ الشَّجَر وَمَا لَا نَفْس لَهُ خَرَّجَهُ مُسْلِم أَيْضًا . وَالْمَنْع أَوْلَى وَاَللَّه أَعْلَم لِمَا ذَكَرْنَا . وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيد بَيَان فِي [ سَبَأ ] إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى
 
مَعَ اللَّه &quot; قَالَ عَلَى جِهَة التَّوْبِيخ : &quot; أَإِلَه مَعَ اللَّه &quot; أَيْ هَلْ مَعْبُود مَعَ اللَّه يُعِينهُ عَلَى ذَلِكَ .
  
قَوْم يَعْدِلُونَ &quot; بِاَللَّهِ غَيْره . وَقِيلَ : &quot; يَعْدِلُونَ &quot; عَنْ الْحَقّ وَالْقَصْد ; أَيْ يَكْفُرُونَ . وَقِيلَ : &quot; إِلَه &quot; مَرْفُوع بِ &quot; مَعَ &quot; تَقْدِيره : أَمَعَ اللَّه وَيْلكُمْ إِلَه . وَالْوَقْف عَلَى &quot; مَعَ اللَّه &quot; حَسَن .';
$TAFSEER['4']['27']['61'] = 'الْأَرْض قَرَارًا &quot; أَيْ مُسْتَقَرًّا .
  
وَجَعَلَ خِلَالهَا أَنْهَارًا &quot; أَيْ وَسَطهَا مِثْل : &quot; وَفَجَّرْنَا خِلَالهمَا نَهَرًا &quot; [ الْكَهْف : 33 ] .
  
يَعْنِي جِبَالًا ثَوَابِت تُمْسِكهَا وَتَمْنَعهَا مِنْ الْحَرَكَة .
 
الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا &quot; مَانِعًا مِنْ قُدْرَته لِئَلَّا يَخْتَلِط الْأُجَاج بِالْعَذْبِ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : سُلْطَانًا مِنْ قُدْرَته فَلَا هَذَا يُغَيِّر ذَاكَ وَلَا ذَاكَ يُغَيِّر هَذَا . وَالْحَجْز الْمَنْع .
 
اللَّه &quot; أَيْ إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَقْدِر عَلَى هَذَا غَيْره فَلِمَ يَعْبُدُونَ مَا لَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَع .
 
يَعْلَمُونَ &quot; يَعْنِي كَأَنَّهُمْ يَجْهَلُونَ اللَّه فَلَا يَعْلَمُونَ مَا يَجِب لَهُ مِنْ الْوَحْدَانِيَّة .';
$TAFSEER['4']['27']['62'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ ذُو الضَّرُورَة الْمَجْهُود . وَقَالَ السُّدِّيّ : الَّذِي لَا حَوْل لَهُ وَلَا قُوَّة . وَقَالَ ذُو النُّون : هُوَ الَّذِي قَطَعَ الْعَلَائِق عَمَّا دُون اللَّه . وَقَالَ أَبُو جَعْفَر وَأَبُو عُثْمَان النَّيْسَابُورِيّ : هُوَ الْمُفْلِس . وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه : هُوَ الَّذِي إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى اللَّه دَاعِيًا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَسِيلَة مِنْ طَاعَة قَدَّمَهَا . وَجَاءَ رَجُل إِلَى مَالِك بْن دِينَار فَقَالَ : أَنَا أَسْأَلك بِاَللَّهِ أَنْ تَدْعُو لِي فَأَنَا مُضْطَرّ ; قَالَ : إِذًا فَاسْأَلْهُ فَإِنَّهُ يُجِيب الْمُضْطَرّ إِذَا دَعَاهُ . قَالَ الشَّاعِر : وَإِنِّي لَأَدْعُو اللَّه وَالْأَمْر ضَيِّق عَلَيَّ فَمَا يَنْفِك أَنْ يَتَفَرَّجَا وَرُبَّ أَخٍ سُدَّتْ عَلَيْهِ وُجُوهه أَصَابَ لَهَا لَمَّا دَعَا اللَّه مَخْرَجَا 

وَفِي مُسْنَد أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَنْ أَبِي بَكْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَاء الْمُضْطَرّ : ( اللَّهُمَّ رَحْمَتك أَرْجُو فَلَا تَكِلنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَة عَيْن وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلّه لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ ) . 

ضَمِنَ اللَّه تَعَالَى إِجَابَة الْمُضْطَرّ إِذَا دَعَاهُ , وَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسه ; وَالسَّبَب فِي ذَلِكَ أَنَّ الضَّرُورَة إِلَيْهِ بِاللِّجَاءِ يَنْشَأ عَنْ الْإِخْلَاص , وَقَطْع الْقَلْب عَمَّا سِوَاهُ ; وَلِلْإِخْلَاصِ عِنْده سُبْحَانه مَوْقِع وَذِمَّة , وُجِدَ مِنْ مُؤْمِن أَوْ كَافِر , طَائِع أَوْ فَاجِر ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : &quot; حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْك وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَة وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيح عَاصِف وَجَاءَهُمْ الْمَوْج مِنْ كُلّ مَكَان وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوْا اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين لَئِنْ أَنْجَيْتنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ &quot; [ يُونُس : 22 ] وَقَوْله : &quot; فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ &quot; [ الْعَنْكَبُوت : 65 ] فَأَجَابَهُمْ عِنْد ضَرُورَتهمْ وَوُقُوع إِخْلَاصهمْ , مَعَ عِلْمه أَنَّهُمْ يَعُودُونَ إِلَى شِرْكهمْ وَكُفْرهمْ . وَقَالَ تَعَالَى : &quot; فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْك دَعَوْا اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين &quot; فَيُجِيب الْمُضْطَرّ لِمَوْضِعِ اِضْطِرَاره وَإِخْلَاصه . وَفِي الْحَدِيث : ( ثَلَاث دَعَوَات مُسْتَجَابَات لَا شَكّ فِيهِنَّ دَعْوَة الْمَظْلُوم وَدَعْوَة الْمُسَافِر وَدَعْوَة الْوَالِد عَلَى وَلَده ) ذَكَرَهُ صَاحِب الشِّهَاب ; وَهُوَ حَدِيث صَحِيح . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاذٍ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى أَرْض الْيَمَن ( وَاتَّقِ دَعْوَة الْمَظْلُوم فَلَيْسَ بَيْنهَا وَبَيْن اللَّه حِجَاب ) وَفِي كِتَاب الشِّهَاب : ( اِتَّقُوا دَعْوَة الْمَظْلُوم فَإِنَّهَا تُحْمَل عَلَى الْغَمَام فَيَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْد حِين ) وَهُوَ صَحِيح أَيْضًا . وَخَرَّجَ الْآجُرِّيّ مِنْ حَدِيث أَبِي ذَرّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَإِنِّي لَا أَرُدّهَا وَلَوْ كَانَتْ مِنْ فَم كَافِر ) فَيُجِيب الْمَظْلُوم لِمَوْضِعِ إِخْلَاصه بِضَرُورَتِهِ بِمُقْتَضَى كَرَمه , وَإِجَابَة لِإِخْلَاصِهِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا , وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ فَاجِرًا فِي دِينه ; فَفُجُور الْفَاجِر وَكُفْر الْكَافِر لَا يَعُود مِنْهُ نَقْص وَلَا وَهَن عَلَى مَمْلَكَة سَيِّده , فَلَا يَمْنَعهُ مَا قَضَى لِلْمُضْطَرِّ مِنْ إِجَابَته . وَفَسَّرَ إِجَابَة دَعْوَة الْمَظْلُوم بِالنُّصْرَةِ عَلَى ظَالِمه بِمَا شَاءَ سُبْحَانه مِنْ قَهْر لَهُ , أَوْ اِقْتِصَاص مِنْهُ , أَوْ تَسْلِيط ظَالِم آخَر عَلَيْهِ يَقْهَرهُ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : &quot; وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْض الظَّالِمِينَ بَعْضًا &quot; [ الْأَنْعَام : 129 ] وَأَكَّدَ سُرْعَة إِجَابَتهَا بِقَوْلِهِ : ( تُحْمَل عَلَى الْغَمَام ) وَمَعْنَاهُ وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يُوَكِّل مَلَائِكَته بِتَلَقِّي دَعْوَة الْمَظْلُوم وَبِحَمْلِهَا عَلَى الْغَمَام , فَيَعْرُجُوا بِهَا إِلَى السَّمَاء , وَالسَّمَاء قِبْلَة الدُّعَاء لِيَرَاهَا الْمَلَائِكَة كُلّهمْ , فَيَظْهَر مِنْهُ مُعَاوَنَة الْمَظْلُوم , وَشَفَاعَة مِنْهُمْ لَهُ فِي إِجَابَة دَعَوْته , رَحْمَة لَهُ . وَفِي هَذَا تَحْذِير مِنْ الظُّلْم جُمْلَة , لِمَا فِيهِ مِنْ سَخَط اللَّه وَمَعْصِيَته وَمُخَالَفَة أَمْره ; حَيْثُ قَالَ عَلَى لِسَان نَبِيّه فِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره : ( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْت الظُّلْم عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْته بَيْنكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا . .. ) الْحَدِيث . فَالْمَظْلُوم مُضْطَرّ , وَيَقْرُب مِنْهُ الْمُسَافِر ; لِأَنَّهُ مُنْقَطِع عَنْ الْأَهْل وَالْوَطَن مُنْفَرِد عَنْ الصَّدِيق وَالْحَمِيم , لَا يَسْكُن قَلْبه إِلَى مُسْعِد وَلَا مُعِين لِغُرْبَتِهِ . فَتَصْدُق ضَرُورَته إِلَى الْمَوْلَى , فَيُخْلِص إِلَيْهِ فِي اللِّجَاء , وَهُوَ الْمُجِيب لِلْمُضْطَرِّ إِذَا دَعَاهُ , وَكَذَلِكَ دَعْوَة الْوَالِد عَلَى وَلَده , لَا تَصْدُر مِنْهُ مَعَ مَا يَعْلَم مِنْ حَنَّته عَلَيْهِ وَشَفَقَته , إِلَّا عِنْد تَكَامُل عَجْزه عَنْهُ , وَصِدْق ضَرُورَته ; وَإِيَاسه عَنْ بِرّ وَلَده , مَعَ وُجُود أَذِيَّته , فَيُسْرِع الْحَقّ إِلَى إِجَابَته .
  
السُّوء &quot; أَيْ الضُّرّ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : الْجَوْر .
 
أَيْ سُكَّانهَا يُهْلِك قَوْمًا وَيُنْشِئ آخَرِينَ . وَفِي كِتَاب النَّقَّاش : أَيْ وَيَجْعَل أَوْلَادكُمْ خَلَفًا مِنْكُمْ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : خَلَفًا مِنْ الْكُفَّار يَنْزِلُونَ أَرْضهمْ , وَطَاعَة اللَّه بَعْد كُفْرهمْ .
  
أَإِلَه مَعَ اللَّه &quot; عَلَى جِهَة التَّوْبِيخ ; كَأَنَّهُ قَالَ أَمَعَ اللَّه وَيْلكُمْ إِلَه ; فَ &quot; إِلَه &quot; مَرْفُوع بِ &quot; مَعَ &quot; . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَرْفُوعًا بِإِضْمَارِ أَإِلَه مَعَ اللَّه يَفْعَل ذَلِكَ فَتَعْبُدُوهُ . وَالْوَقْف عَلَى &quot; مَعَ اللَّه &quot; حَسَن .
  
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَهِشَام وَيَعْقُوب : &quot; يَذَّكَّرُونَ &quot; بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر , كَقَوْلِهِ : &quot; بَلْ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ &quot; [ الْأَنْبِيَاء : 24 ] وَ &quot; تَعَالَى اللَّه عَمَّا يُشْرِكُونَ &quot; فَأَخْبَرَ فِيمَا قَبْلهَا وَبَعْدهَا ; وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم . الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ خِطَابًا لِقَوْلِهِ : &quot; وَيَجْعَلكُمْ خُلَفَاء الْأَرْض &quot; .';
$TAFSEER['4']['27']['63'] = 'يَهْدِيكُمْ &quot; أَيْ يُرْشِدكُمْ الطَّرِيق

ظُلُمَات الْبَرّ وَالْبَحْر &quot; إِذَا سَافَرْتُمْ إِلَى الْبِلَاد الَّتِي تَتَوَجَّهُونَ إِلَيْهَا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار . وَقِيلَ : وَجَعَلَ مَفَاوِز الْبَرّ الَّتِي لَا أَعْلَام لَهَا , وَلُجَج الْبِحَار كَأَنَّهَا ظُلُمَات ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا عَلَم يُهْتَدَى بِهِ .
  
يُرْسِل الرِّيَاح نَشْرًا بَيْن يَدَيْ رَحْمَته &quot; أَيْ قُدَّام الْمَطَر بِاتِّفَاقِ أَهْل التَّأْوِيل .

يَفْعَل ذَلِكَ وَيُعِينهُ عَلَيْهِ .
  
عَمَّا يُشْرِكُونَ &quot; مِنْ دُونه .';
$TAFSEER['4']['27']['64'] = 'يَبْدَأ الْخَلْق ثُمَّ يُعِيدهُ . .... &quot; كَانُوا يُقِرُّونَ أَنَّهُ الْخَالِق الرَّازِق فَأَلْزَمَهُمْ الْإِعَادَة ; أَيْ إِذَا قَدَرَ عَلَى الِابْتِدَاء فَمِنْ ضَرُورَته الْقُدْرَة عَلَى الْإِعَادَة , وَهُوَ أَهْوَن عَلَيْهِ .

أَإِلَه مَعَ اللَّه &quot; يَخْلُق وَيَرْزُق وَيُبْدِئ وَيُعِيد

كُنْتُمْ صَادِقِينَ &quot; أَيْ حُجَّتكُمْ أَنَّ لِي شَرِيكًا , أَوْ حُجَّتكُمْ فِي أَنَّهُ صَنَعَ أَحَد شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاء غَيْر اللَّه';
$TAFSEER['4']['27']['65'] = 'وَالْأَرْض الْغَيْب إِلَّا اللَّه . ... &quot; وَعَنْ بَعْضهمْ : أَخْفَى غَيْبه عَلَى الْخَلْق , وَلَمْ يَطَّلِع عَلَيْهِ أَحَد لِئَلَّا يَأْمَن أَحَد مِنْ عَبِيده مَكْره . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ حِين سَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قِيَام السَّاعَة . وَ &quot; مَنْ &quot; فِي مَوْضِع رَفْع ; وَالْمَعْنَى : قُلْ لَا يَعْلَم أَحَد الْغَيْب إِلَّا اللَّه ; فَإِنَّهُ بَدَل مِنْ &quot; مَنْ &quot; قَالَ الزَّجَّاج . الْفَرَّاء : وَإِنَّمَا رُفِعَ مَا بَعْد &quot; إِلَّا &quot; لِأَنَّ مَا قَبْلهَا جَحْد , كَقَوْلِهِ : مَا ذَهَبَ أَحَد إِلَّا أَبُوك ; وَالْمَعْنَى وَاحِد . قَالَ الزَّجَّاج : وَمَنْ نَصَبَ نَصَبَ عَلَى الِاسْتِثْنَاء ; يَعْنِي فِي الْكَلَام . قَالَ النَّحَّاس : وَسَمِعْته يَحْتَجّ بِهَذِهِ الْآيَة عَلَى مَنْ صَدَّقَ مُنَجِّمًا ; وَقَالَ : أَخَاف أَنْ يَكْفُر بِهَذِهِ الْآيَة . 

قُلْت : وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي &quot; الْأَنْعَام &quot; مُسْتَوْفًى وَقَالَتْ عَائِشَة : مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا يَعْلَم مَا فِي غَد فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّه الْفِرْيَة ; وَاَللَّه تَعَالَى يَقُول : &quot; قُلْ لَا يَعْلَم مَنْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض الْغَيْب إِلَّا اللَّه &quot; [ النَّمْل : 65 ] خَرَّجَهُ مُسْلِم . وَرُوِيَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْحَجَّاج مُنَجِّم فَاعْتَقَلَهُ الْحَجَّاج , ثُمَّ أَخَذَ حَصَيَات فَعَدَّهُنَّ , ثُمَّ قَالَ : كَمْ فِي يَدِي مِنْ حَصَاة ؟ فَحَسَبَ الْمُنَجِّم ثُمَّ قَالَ : كَذَا ; فَأَصَابَ . ثُمَّ اِعْتَقَلَهُ فَأَخَذَ حَصَيَات لَمْ يَعُدّهُنَّ فَقَالَ : كَمْ فِي يَدِي ؟ فَحَسَبَ فَأَخْطَأَ ثُمَّ حَسَبَ فَأَخْطَأَ ; ثُمَّ قَالَ : أَيّهَا الْأَمِير أَظُنّك لَا تَعْرِف عَدَدهَا ; قَالَ : لَا . قَالَ : فَإِنِّي لَا أُصِيب . قَالَ : فَمَا الْفَرْق ؟ قَالَ : إِنَّ ذَلِكَ أَحْصَيْته فَخَرَجَ عَنْ حَدّ الْغَيْب , وَهَذَا لَمْ تُحْصِهِ فَهُوَ غَيْب وَ &quot; لَا يَعْلَم مَنْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض الْغَيْب إِلَّا اللَّه &quot; 

وَرَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عِيهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَفَاتِح الْغَيْب خَمْس لَا يَعْلَم مَا تَغِيض الْأَرْحَام إِلَّا اللَّه وَلَا يَعْلَم مَا فِي غَد إِلَّا اللَّه وَلَا يَعْلَم مَتَى يَأْتِي الْمَطَر إِلَّا اللَّه وَلَا تَدْرِي نَفْس بِأَيِّ أَرْض تَمُوت إِلَّا اللَّه وَلَا يَعْلَم مَتَى تَقُوم السَّاعَة إِلَّا اللَّه ) . فَاَللَّه تَعَالَى عِنْده عِلْم الْغَيْب , وَبِيَدِهِ الطُّرُق الْمُوَصِّلَة إِلَيْهِ , لَا يَمْلِكهَا إِلَّا هُوَ , فَمَنْ شَاءَ إِطْلَاعه عَلَيْهَا أَطْلَعَهُ , وَمَنْ شَاءَ حَجَبَهُ عَنْهَا حَجَبَهُ . وَلَا يَكُون ذَلِكَ مِنْ إِفَاضَته إِلَّا عَلَى رُسُله ; بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى : &quot; وَمَا كَانَ اللَّه لِيُطْلِعكُمْ عَلَى الْغَيْب وَلَكِنَّ اللَّه يَجْتَبِي مِنْ رُسُله مَنْ يَشَاء &quot; [ آلَ عِمْرَانَ : 179 ] وَقَالَ : &quot; عَالِم الْغَيْب فَلَا يُظْهِر عَلَى غَيْبه أَحَدًا إِلَّا مَنْ اِرْتَضَى مِنْ رَسُول &quot; [ الْجِنّ : 26 - 27 ] . الْآيَة 

قَالَ عُلَمَاؤُنَا : أَضَافَ سُبْحَانه عِلْم الْغَيْب إِلَى نَفْسه فِي غَيْر مَا آيَة مِنْ كِتَابه إِلَّا مَنْ اِصْطَفَى مِنْ عِبَاده . فَمَنْ قَالَ : إِنَّهُ يَنْزِل الْغَيْث غَدًا وَجَزَمَ فَهُوَ كَافِر , أَخْبَرَ عَنْهُ بِأَمَارَةٍ اِدَّعَاهَا أَمْ لَا . وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ : إِنَّهُ يَعْلَم مَا فِي الرَّحِم فَهُوَ كَافِر ; فَإِنْ لَمْ يَجْزِم وَقَالَ : إِنَّ النَّوْء يُنْزِل اللَّه بِهِ الْمَاء عَادَة , وَأَنَّهُ سَبَب الْمَاء عَادَة , وَأَنَّهُ سَبَب الْمَاء عَلَى مَا قَدَّرَهُ وَسَبَقَ فِي عِلْمه لَمْ يَكْفُر ; إِلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لَهُ أَلَّا يَتَكَلَّم بِهِ , فَإِنَّ فِيهِ تَشْبِيهًا بِكَلِمَةِ أَهْل الْكُفْر , وَجَهْلًا بِلَطِيفِ حِكْمَته ; لِأَنَّهُ يُنْزِل مَتَى شَاءَ , مَرَّة بِنَوْءِ كَذَا , وَمَرَّة دُون النَّوْء ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : ( أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِن بِي وَكَافِر بِالْكَوْكَبِ ) عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي &quot; الْوَاقِعَة &quot; إِنْ شَاءَ اللَّه . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَكَذَلِكَ قَوْل الطَّبِيب : إِذَا كَانَ الثَّدْي الْأَيْمَن مُسْوَدّ الْحَلَمَة فَهُوَ ذَكَر , وَإِنْ كَانَ فِي الثَّدْي الْأَيْسَر فَهُوَ أُنْثَى , وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَة تَجِد الْجَنْب الْأَيْمَن أَثْقَل فَالْوَلَد أُنْثَى ; وَادَّعَى ذَلِكَ عَادَة لَا وَاجِبًا فِي الْخِلْقَة لَمْ يَكْفُر وَلَمْ يَفْسُق . وَأَمَّا مَنْ اِدَّعَى الْكَسْب فِي مُسْتَقْبَل الْعُمْر فَهُوَ كَافِر . أَوَأَخْبَرَ عَنْ الْكَوَائِن الْمُجْمَلَة أَوْ الْمُفَصَّلَة فِي أَنْ تَكُون قَبْل أَنْ تَكُون فَلَا رِيبَة فِي كُفْره أَيْضًا . فَأَمَّا مَنْ أَخْبَرَ عَنْ كُسُوف الشَّمْس وَالْقَمَر فَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا : يُؤَدَّب وَلَا يُسْجَن . أَمَّا عَدَم تَكْفِيره فَلِأَنَّ جَمَاعَة قَالُوا : إِنَّهُ أَمْر يُدْرَك بِالْحِسَابِ وَتَقْدِير الْمَنَازِل حَسَب مَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُ مِنْ قَوْله : &quot; وَالْقَمَر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِل &quot; [ يس : 39 ] . وَأَمَّا أَدَبهمْ فَلِأَنَّهُمْ يُدْخِلُونَ الشَّكّ عَلَى الْعَامَّة , إِذْ لَا يُدْرِكُونَ الْفَرْق بَيْن هَذَا وَغَيْره ; فَيُشَوِّشُونَ عَقَائِدهمْ وَيَتْرُكُونَ قَوَاعِدهمْ فِي الْيَقِين فَأُدِّبُوا حَتَّى يُسِرُّوا ذَلِكَ إِذَا عَرَفُوهُ وَلَا يُعْلِنُوا بِهِ . 

قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْبَاب أَيْضًا مَا جَاءَ فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ بَعْض أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَ عَنْ شَيْء لَمْ تُقْبَل لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ لَيْلَة ) . وَالْعَرَّاف هُوَ الْحَازِر وَالْمُنَجِّم الَّذِي يَدَّعِي عِلْم الْغَيْب . وَهِيَ مِنْ الْعِرَافَة وَصَاحِبهَا عَرَّاف , وَهُوَ الَّذِي يَسْتَدِلّ عَلَى الْأُمُور بِأَسْبَابٍ وَمُقَدِّمَات يَدَّعِي مَعْرِفَتهَا . وَقَدْ يَعْتَضِد بَعْض أَهْل هَذَا الْفَنّ فِي ذَلِكَ بِالزَّجْرِ وَالطَّرْق وَالنُّجُوم , وَأَسْبَاب مُعْتَادَة فِي ذَلِكَ . وَهَذَا الْفَنّ هُوَ الْعِيَافَة ( بِالْيَاءِ ) . وَكَذَا يَنْطَلِق عَلَيْهَا اِسْم الْكِهَانَة ; قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاض . وَالْكِهَانَة : ادِّعَاء عِلْم الْغَيْب . قَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ فِي كِتَاب ( الْكَافِي ) : مِنْ الْمَكَاسِب الْمُجْتَمَع عَلَى تَحْرِيمهَا الرِّبَا وَمُهُور الْبَغَايَا وَالسُّحْت وَالرِّشَا وَأَخْذ الْأُجْرَة عَلَى النِّيَاحَة وَالْغِنَاء , وَعَلَى الْكِهَانَة وَادِّعَاء الْغَيْب وَأَخْبَار السَّمَاء , وَعَلَى الزَّمْر وَاللَّعِب وَالْبَاطِل كُلّه . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَقَدْ اِنْقَلَبَتْ الْأَحْوَال فِي هَذِهِ الْأَزْمَان بِإِتْيَانِ الْمُنَجِّمِينَ , وَالْكُهَّان لَا سِيَّمَا بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّة ; فَقَدْ شَاعَ فِي رُؤَسَائِهِمْ وَأَتْبَاعهمْ وَأُمَرَائِهِمْ اِتِّخَاذ الْمُنَجِّمِينَ , بَلْ وَلَقَدْ اِنْخَدَعَ كَثِير مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ لِلْفِقْهِ وَالدِّين فَجَاءُوا إِلَى هَؤُلَاءِ الْكَهَنَة وَالْعَرَّافِينَ فَبَهْرَجُوا عَلَيْهِمْ بِالْمُحَالِ , وَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُمْ الْأَمْوَال فَحَصَلُوا مِنْ أَقْوَالهمْ عَلَى السَّرَاب وَالْآلَ , وَمِنْ أَدْيَانهمْ عَلَى الْفَسَاد وَالضَّلَال . وَكُلّ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِر ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( لَمْ تُقْبَل لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ لَيْلَة ) . فَكَيْف بِمَنْ اِتَّخَذَهُمْ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِمْ مُعْتَمِدًا عَلَى أَقْوَالهمْ . رَوَى مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَاس عَنْ الْكُهَّان فَقَالَ : ( إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ ) فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أَحْيَانًا بِشَيْءٍ فَيَكُون حَقًّا ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تِلْكَ الْكَلِمَة مِنْ الْحَقّ يَخْطِفهَا الْجِنِّيّ فَيُقِرّهَا فِي أُذُن وَلِيّه قَرّ الدَّجَاجَة فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مِائَة كِذْبَة ) . قَالَ الْحُمَيْدِيّ : لَيْسَ لِيَحْيَى بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة فِي الصَّحِيح غَيْر هَذَا وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ أَيْضًا مِنْ حَدِيث أَبِي الْأَسْوَد مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( إِنَّ الْمَلَائِكَة تَنْزِل فِي الْعَنَان وَهُوَ السَّحَاب فَتَذْكُر الْأَمْر قُضِيَ فِي السَّمَاء فَتَسْتَرِق الشَّيَاطِين السَّمْع فَتَسْمَعهُ فَتُوحِيه إِلَى الْكُهَّان فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَة كِذْبَة مِنْ عِنْد أَنْفُسهمْ ) . وَسَيَأْتِي هَذَا الْمَعْنَى فِي &quot; سَبَأ &quot; إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .';
$TAFSEER['4']['27']['66'] = 'عِلْمهمْ فِي الْآخِرَة &quot; هَذِهِ قِرَاءَة أَكْثَر النَّاس مِنْهُمْ عَاصِم وَشَيْبَة وَنَافِع وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ . وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَابْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو وَحُمَيْد : &quot; بَلْ أَدْرَكَ &quot; مِنْ الْإِدْرَاك . وَقَرَأَ عَطَاء بْن يَسَار وَأَخُوهُ سُلَيْمَان بْن يَسَار وَالْأَعْمَش : &quot; بَلْ اِدَّرَكَ &quot; غَيْر مَهْمُوز مُشَدَّدًا . وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن : &quot; بَلْ أَدَّارَكَ &quot; عَلَى الِاسْتِفْهَام . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس : &quot; بَلَى &quot; بِإِثْبَاتِ الْيَاء &quot; أَدَّارَكَ &quot; بِهَمْزَةِ قَطْع وَالدَّال مُشَدَّدَة وَأَلِف بَعْدهَا ; قَالَ النَّحَّاس : وَإِسْنَاده إِسْنَاد صَحِيح , هُوَ مِنْ حَدِيث شُعْبَة يَرْفَعهُ إِلَى اِبْن عَبَّاس . وَزَعَمَ هَارُون الْقَارِئ أَنَّ قِرَاءَة أُبَيّ &quot; بَلْ تَدَارَكَ عِلْمهمْ &quot; وَحَكَى الثَّعْلَبِيّ أَنَّهَا فِي حَرْف أُبَيّ أَمْ تَدَارَكَ . وَالْعَرَب تَضَع بَلْ مَوْضِع ( أَمْ ) وَ ( أَمْ ) مَوْضِع بَلْ إِذَا كَانَ فِي أَوَّل الْكَلَام اِسْتِفْهَام ; كَقَوْلِ الشَّاعِر : فَوَاَللَّهِ لَا أَدْرِي أَسَلْمَى تَقَوَّلَتْ أَمْ الْقَوْل أَمْ كُلّ إِلَيَّ حَبِيب أَيْ بَلْ كُلّ . قَالَ النَّحَّاس : الْقِرَاءَة الْأُولَى وَالْأَخِيرَة مَعْنَاهُمَا وَاحِد , لِأَنَّ أَصْل &quot; اِدَّارَكَ &quot; تَدَارَكَ ; أُدْغِمَتْ الدَّال فِي التَّاء وَجِيءَ بِأَلِفِ الْوَصْل ; وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا أَنَّ الْمَعْنَى بَلْ تَكَامَلَ عِلْمهمْ فِي الْآخِرَة ; لِأَنَّهُمْ رَأَوْا كُلّ مَا وُعِدُوا بِهِ مُعَايَنَة فَتَكَامَلَ عِلْمهمْ بِهِ . وَالْقَوْل الْآخَر أَنَّ الْمَعْنَى : بَلْ تَتَابَعَ عِلْمهمْ الْيَوْم فِي الْآخِرَة ; فَقَالُوا تَكُون وَقَالُوا لَا تَكُون . الْقِرَاءَة الثَّانِيَة فِيهَا أَيْضًا قَوْلَانِ : أَحَدهمَا أَنَّ مَعْنَاهُ كَمُلَ فِي الْآخِرَة ; وَهُوَ مِثْل الْأَوَّل ; قَالَ مُجَاهِد : مَعْنَاهُ يُدْرَك عِلْمهمْ فِي الْآخِرَة وَيَعْلَمُونَهَا إِذَا عَايَنُوهَا حِين لَا يَنْفَعهُمْ عِلْمهمْ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا مُكَذِّبِينَ . وَالْقَوْل الْآخَر أَنَّهُ عَلَى مَعْنَى الْإِنْكَار ; وَهُوَ مَذْهَب أَبِي إِسْحَاق ; وَاسْتَدَلَّ عَلَى صِحَّة هَذَا الْقَوْل بِأَنَّ بَعْده &quot; بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ &quot; أَيْ لَمْ يُدْرِك عِلْمهمْ عِلْم الْآخِرَة . وَقِيلَ : بَلْ ضَلَّ وَغَابَ عِلْمهمْ فِي الْآخِرَة فَلَيْسَ لَهُمْ فِيهَا عِلْم . وَالْقِرَاءَة الثَّالِثَة : &quot; بَلْ اِدَّرَكَ &quot; فَهِيَ بِمَعْنَى &quot; بَلْ اِدَّارَكَ &quot; وَقَدْ يَجِيء اِفْتَعَلَ وَتَفَاعَلَ بِمَعْنًى ; وَلِذَلِكَ صُحِّحَ اِزْدَوَجُوا حِين كَانَ بِمَعْنَى تَزَاوَجُوا . الْقِرَاءَة الرَّابِعَة : لَيْسَ فِيهَا إِلَّا قَوْل وَاحِد يَكُون فِيهِ مَعْنَى الْإِنْكَار ; كَمَا تَقُول : أَأَنَا قَاتَلْتُك ؟ ! فَيَكُون الْمَعْنَى لَمْ يُدْرِك ; وَعَلَيْهِ تَرْجِع قِرَاءَة اِبْن عَبَّاس ; قَالَ اِبْن عَبَّاس : &quot; بَلَى أَدَّارَكَ عِلْمهمْ فِي الْآخِرَة &quot; أَيْ لَمْ يُدْرِك . قَالَ الْفَرَّاء : وَهُوَ قَوْل حَسَن كَأَنَّهُ وَجَّهَهُ إِلَى الِاسْتِهْزَاء بِالْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ , كَقَوْلِك لِرَجُلٍ تُكَذِّبهُ : بَلَى لَعَمْرِي قَدْ أَدْرَكَتْ السَّلَف فَأَنْتَ تَرْوِي مَا لَا أَرْوِي وَأَنْتَ تُكَذِّبهُ . وَقِرَاءَة سَابِعَة : &quot; بَلَ اِدَّرَكَ &quot; بِفَتْحِ اللَّام ; عَدَلَ إِلَى الْفَتْحَة لِخِفَّتِهَا . وَقَدْ حُكِيَ نَحْو ذَلِكَ عَنْ قُطْرُب فِي &quot; قُمِ اللَّيْل &quot; فَإِنَّهُ عَدَلَ إِلَى الْفَتْح . وَكَذَلِكَ وَ { بِعِ الثَّوْب } وَنَحْوه . وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْكِتَاب : وَقُرِئَ &quot; بَلْ أَأَدَّرَكَ &quot; بِهَمْزَتَيْنِ &quot; بَلْ أَدَّرَكَ &quot; بِأَلِفٍ بَيْنهمَا &quot; بَلَى أَأَدَّرَكَ &quot; &quot; أَمْ تَدَارَكَ &quot; &quot; أَمْ أَدْرَكَ &quot; فَهَذِهِ ثَنَتَا عَشْرَة قِرَاءَة , ثُمَّ أَخَذَ يُعَلِّل وُجُوه الْقِرَاءَات وَقَالَ : فَإِنْ قُلْت فَمَا وَجْه قِرَاءَة &quot; بَلْ أَدَّرَكَ &quot; عَلَى الِاسْتِفْهَام ؟ قُلْت : هُوَ اِسْتِفْهَام عَلَى وَجْه الْإِنْكَار لِإِدْرَاكِ عِلْمهمْ , وَكَذَلِكَ مَنْ قَرَأَ : أَمْ أَدَّرَكَ &quot; وَ &quot; أَمْ تَدَارَكَ &quot; لِأَنَّهَا أَمْ الَّتِي بِمَعْنَى بَلْ وَالْهَمْزَة , وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ : &quot; بَلَى أَأَدَّرَكَ &quot; عَلَى الِاسْتِفْهَام فَمَعْنَاهُ بَلَى يَشْعُرُونَ مَتَى يُبْعَثُونَ , ثُمَّ أَنْكَرَ عِلْمهمْ بِكَوْنِهَا , وَإِذَا أَنْكَرَ عِلْمهمْ بِكَوْنِهَا لَمْ يَتَحَصَّل لَهُمْ شُعُور وَقْت كَوْنهَا ; لِأَنَّ الْعِلْم بِوَقْتِ الْكَائِن تَابِع لِلْعِلْمِ بِكَوْنِ الْكَائِن . &quot; فِي الْآخِرَة &quot; فِي شَأْن الْآخِرَة وَمَعْنَاهَا .

أَيْ فِي الدُّنْيَا .

&quot; أَيْ بِقُلُوبِهِمْ وَاحِدهمْ عَمْو . وَقِيلَ : عَم , وَأَصْله عَمْيُون حُذِفَتْ الْيَاء لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَلَمْ يَجُزْ تَحْرِيكهَا لِثِقَلِ الْحَرَكَة فِيهَا .';
$TAFSEER['4']['27']['67'] = 'وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا &quot; يَعْنِي مُشْرِكِي مَكَّة .
 
أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ &quot; هَكَذَا يَقْرَأ نَافِع هُنَا وَفِي سُورَة : [ الْعَنْكَبُوت ] . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو بِاسْتِفْهَامَيْنِ إِلَّا أَنَّهُ خَفَّفَ الْهَمْزَة . وَقَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة أَيْضًا بِاسْتِفْهَامَيْنِ إِلَّا أَنَّهُمَا حَقَّقَا الْهَمْزَتَيْنِ , وَكُلّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي السُّورَتَيْنِ جَمِيعًا وَاحِد . وَقَرَأَ الْكِسَائِيّ وَابْن عَامِر وَرُوَيْس وَيَعْقُوب : &quot; أَئِذَا &quot; بِمَهْزَتَيْنِ &quot; إِنَّنَا &quot; بِنُونَيْنِ عَلَى الْخَبَر فِي هَذِهِ السُّورَة ; وَفِي سُورَة : [ الْعَنْكَبُوت ] بِاسْتِفْهَامَيْنِ ; قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : الْقِرَاءَة &quot; إِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ &quot; مُوَافَقَة لِلْخَطِّ حَسَنَة , وَقَدْ عَارَضَ فِيهَا أَبُو حَاتِم فَقَالَ وَهَذَا مَعْنَى كَلَامه : &quot; إِذَا &quot; لَيْسَ بِاسْتِفْهَامٍ وَ &quot; أَئِنَّا &quot; اِسْتِفْهَام وَفِيهِ &quot; إِنَّ &quot; فَكَيْف يَجُوز أَنْ يَعْمَل مَا فِي حَيِّز الِاسْتِفْهَام فِيمَا قَبْله ؟ ! وَكَيْف يَجُوز أَنْ يَعْمَل مَا بَعْد &quot; إِنَّ &quot; فِيمَا قَبْلهَا ؟ ! وَكَيْف يَجُوز غَدًا إِنَّ زَيْدًا خَارِج ؟ ! فَإِذَا كَانَ فِيهِ اِسْتِفْهَام كَانَ أَبْعَد , وَهَذَا إِذَا سُئِلَ عَنْهُ كَانَ مُشْكِلًا لِمَا ذَكَرَهُ . وَقَالَ أَبُو جَعْفَر : وَسَمِعْت مُحَمَّد بْن الْوَلِيد يَقُول : سَأَلْنَا أَبَا الْعَبَّاس عَنْ آيَة مِنْ الْقُرْآن صَعْبَة مُشْكِلَة , وَهِيَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : &quot; وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلّكُمْ عَلَى رَجُل يُنَبِّئكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلّ مُمَزَّق إِنَّكُمْ لَفِي خَلْق جَدِيد &quot; [ سَبَأ : 7 ] فَقَالَ : إِنَّ عَمِلَ فِي &quot; إِذَا &quot; &quot; يُنَبِّئكُمْ &quot; كَانَ مُحَالًا ; لِأَنَّهُ لَا يُنَبِّئهُمْ ذَلِكَ الْوَقْت , وَإِنْ عَمِلَ فِيهِ مَا بَعْد &quot; إِنَّ &quot; كَانَ الْمَعْنَى صَحِيحًا وَكَانَ خَطَأ فِي الْعَرَبِيَّة أَنْ يَعْمَل مَا قَبْل &quot; إِنَّ &quot; فِيمَا بَعْدهَا ; وَهَذَا سُؤَال بَيِّن رَأَيْت أَنْ يُذْكَر فِي السُّورَة الَّتِي هُوَ فِيهَا ; فَأَمَّا أَبُو عُبَيْد فَمَالَ إِلَى قِرَاءَة نَافِع وَرَدَّ عَلَى مَنْ جَمَعَ بَيْن اِسْتِفْهَامَيْنِ , وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ &quot; [ آلَ عِمْرَانَ : 144 ] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ &quot; [ الْأَنْبِيَاء : 34 ] وَهَذَا الرَّدّ عَلَى أَبِي عَمْرو وَعَاصِم وَحَمْزَة وَطَلْحَة وَالْأَعْرَج لَا يَلْزَم مِنْهُ شَيْء , وَلَا يُشْبِه مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْآيَة شَيْئًا ; وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الشَّرْط وَجَوَابه بِمَنْزِلَةِ شَيْء وَاحِد ; وَمَعْنَى : &quot; أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ &quot; [ الْأَنْبِيَاء : 34 ] أَفَإِنْ مِتَّ خُلِّدُوا . وَنَظِير هَذَا : أَزَيْد مُنْطَلِق , وَلَا يُقَال : أَزَيْد أَمُنْطَلِق ; لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ شَيْء وَاحِد وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْآيَة ; لِأَنَّ الثَّانِي جُمْلَة قَائِمَة بِنَفْسِهَا فَيَصْلُح فِيهَا الِاسْتِفْهَام , وَالْأَوَّل كَلَام يَصْلُح فِيهِ الِاسْتِفْهَام ; فَأَمَّا مَنْ حَذَفَ الِاسْتِفْهَام مِنْ الثَّانِي وَأَثْبَتَهُ فِي الْأَوَّل فَقَرَأَ : &quot; أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا إِنَّنَا &quot; فَحَذَفَهُ مِنْ الثَّانِي ; لِأَنَّ فِي الْكَلَام دَلِيلًا عَلَيْهِ بِمَعْنَى الْإِنْكَار .';
$TAFSEER['4']['27']['68'] = 'وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْل &quot; أَيْ مِنْ قَبْل مَجِيء مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمْ نَرَ لَهُ حَقِيقَة .
 
أَيْ مَا هَذَا
  
أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ &quot; أَيْ أَبَاطِيلهمْ وَتُرَّهَاتهمْ ; وَكَانَتْ الْأَنْبِيَاء يَقْرَبُونَ أَمْر الْبَعْث مُبَالَغَة فِي التَّحْذِير ; وَكُلّ مَا هُوَ آتٍ فَقَرِيب';
$TAFSEER['4']['27']['69'] = 'قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْض &quot; أَيْ &quot; قُلْ &quot; لِهَؤُلَاءِ الْكُفَّار &quot; سِيرُوا &quot; فِي بِلَاد الشَّام وَالْحِجَاز وَالْيَمَن .
  
&quot; أَيْ بِقُلُوبِكُمْ وَبَصَائِركُمْ
  
كَانَ عَاقِبَة الْمُجْرِمِينَ &quot; الْمُكَذِّبِينَ لِرُسُلِهِمْ .';
$TAFSEER['4']['27']['70'] = 'أَيْ عَلَى كُفَّار مَكَّة إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا
  
&quot; وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْق &quot; فِي حَرَج , وَقُرِئَ : &quot; فِي ضِيق &quot; بِالْكَسْرِ وَقَدْ مَضَى فِي آخِر [ النَّحْل ] .
 
نَزَلَتْ فِي الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ اِقْتَسَمُوا عقاب مَكَّة وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرهمْ .';
$TAFSEER['4']['27']['71'] = 'وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْد . .. &quot; أَيْ وَقْت يَجِيئنَا الْعَذَاب بِتَكْذِيبِنَا &quot; إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ &quot; .';
$TAFSEER['4']['27']['72'] = 'يَكُون رَدِفَ لَكُمْ &quot; أَيْ اِقْتَرَبَ لَكُمْ وَدَنَا مِنْكُمْ &quot; بَعْض الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ &quot; أَيْ مِنْ الْعَذَاب ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَهُوَ مِنْ رَدِفَهُ إِذَا تَبِعَهُ وَجَاءَ فِي أَثَره ; وَتَكُون اللَّام أُدْخِلَتْ لِأَنَّ الْمَعْنَى اِقْتَرَبَ لَكُمْ وَدَنَا لَكُمْ . أَوْ تَكُون مُتَعَلِّقَة بِالْمَصْدَرِ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ مَعَكُمْ . وَقَالَ اِبْن شَجَرَة : تَبِعَكُمْ ; وَمِنْهُ رِدْف الْمَرْأَة ; لِأَنَّهُ تَبَع لَهَا مِنْ خَلْفهَا ; وَمِنْهُ قَوْل أَبِي ذُؤَيْب : عَادَ السَّوَاد بَيَاضًا فِي مَفَارِقه لَا مَرْحَبًا بِبَيَاضِ الشَّيْب إِذْ رَدِفَا قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَأَرْدَفَهُ أَمْر لُغَة فِي رَدِفَهُ , مِثْل تَبِعَهُ وَأَتْبَعَهُ بِمَعْنًى ; قَالَ خُزَيْمَة بْن مَالِك بْن نَهْد : إِذَا الْجَوْزَاء أَرْدَفَتْ الثُّرَيَّا ظَنَنْت بِآلِ فَاطِمَة الظُّنُونَا يَعْنِي فَاطِمَة بِنْت يَذْكُر بْن عَنَزَة أَحَد الْقَارِظِينَ . وَقَالَ الْفَرَّاء : &quot; رَدِفَ لَكُمْ &quot; دَنَا لَكُمْ وَلِهَذَا قَالَ : &quot; لَكُمْ &quot; . وَقِيلَ : رَدِفَهُ وَرَدِفَ لَهُ بِمَعْنًى فَتُزَاد اللَّام لِلتَّوْكِيدِ ; عَنْ الْفَرَّاء أَيْضًا . كَمَا تَقُول : نَقَدْته وَنَقَدْت لَهُ , وَكِلْته وَوَزَنْته , وَكِلْت لَهُ وَوَزَنْت لَهُ ; وَنَحْو ذَلِكَ .


تَسْتَعْجِلُونَ &quot; مِنْ الْعَذَاب فَكَانَ ذَلِكَ يَوْم بَدْر . وَقِيلَ : عَذَاب الْقَبْر .';
$TAFSEER['4']['27']['73'] = 'وَإِنَّ رَبّك لَذُو فَضْل عَلَى النَّاس &quot; فِي تَأْخِير الْعُقُوبَة وَإِدْرَار الرِّزْق


وَلَكِنَّ أَكْثَرهمْ لَا يَشْكُرُونَ &quot; فَضْله وَنِعَمه .';
$TAFSEER['4']['27']['74'] = 'صُدُورهمْ &quot; أَيْ تُخْفِي صُدُورهمْ وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن وَحُمَيْد : &quot; مَا تُكِنّ &quot; مِنْ كَنَنْت الشَّيْء إِذَا سَتَرْته هُنَا . وَفِي [ الْقَصَص ] تَقْدِيره : مَا تُكِنّ صُدُورهمْ عَلَيْهِ ; وَكَأَنَّ الضَّمِير الَّذِي فِي الصُّدُور كَالْجِسْمِ السَّائِر . وَمَنْ قَرَأَ : &quot; تُكِنّ &quot; فَهُوَ الْمَعْرُوف ; يُقَال : أَكْنَنْت الشَّيْء إِذَا أَخْفَيْته فِي نَفْسك .


يُعْلِنُونَ &quot; يُظْهِرُونَ مِنْ الْأُمُور .';
$TAFSEER['4']['27']['75'] = 'قَالَ الْحَسَن : الْغَائِبَة هُنَا الْقِيَامَة . وَقِيلَ : مَا غَابَ عَنْهُمْ مِنْ عَذَاب السَّمَاء وَالْأَرْض ; حَكَاهُ النَّقَّاش . وَقَالَ اِبْن شَجَرَة : الْغَائِبَة هُنَا جَمِيع مَا أَخْفَى اللَّه تَعَالَى عَنْ خَلْقه وَغَيْبه عَنْهُمْ , وَهَذَا عَامّ . وَإِنَّمَا دَخَلَتْ الْهَاء فِي &quot; غَائِبَة &quot; إِشَارَة إِلَى الْجَمْع ; أَيْ . مَا مِنْ خَصْلَة غَائِبَة عَنْ الْخَلْق إِلَّا وَاَللَّه عَالِم بِهَا قَدْ أَثْبَتَهَا فِي أُمّ الْكِتَاب عِنْده , فَكَيْف يَخْفَى عَلَيْهِ مَا يُسِرّ هَؤُلَاءِ وَمَا يُعْلِنُونَهُ . وَقِيلَ : أَيْ كُلّ شَيْء هُوَ مُثْبَت فِي أُمّ الْكِتَاب يُخْرِجهُ لِلْأَجَلِ الْمُؤَجَّل لَهُ ; فَاَلَّذِي يَسْتَعْجِلُونَهُ مِنْ الْعَذَاب لَهُ أَجَل مَضْرُوب لَا يَتَأَخَّر عَنْهُ وَلَا يَتَقَدَّم عَلَيْهِ . وَالْكِتَاب اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَثْبَتَ اللَّه فِيهِ مَا أَرَادَ لِيَعْلَم بِذَلِكَ مَنْ يَشَاء مِنْ مَلَائِكَته .';
$TAFSEER['4']['27']['76'] = 'عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَكْثَر الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ &quot; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِي كَثِير مِنْ الْأَشْيَاء حَتَّى لَعَنَ بَعْضهمْ بَعْضًا فَنَزَلَتْ . وَالْمَعْنَى : إِنَّ هَذَا الْقُرْآن يُبَيِّن لَهُمْ مَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ لَوْ أَخَذُوا بِهِ , وَذَلِكَ مَا حَرَّفُوهُ مِنْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , وَمَا سَقَطَ مِنْ كُتُبهمْ مِنْ الْأَحْكَام .';
$TAFSEER['4']['27']['77'] = 'وَإِنَّهُ &quot; يَعْنِي الْقُرْآن


وَرَحْمَة لِلْمُؤْمِنِينَ &quot; خَصَّ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِهِ . .';
$TAFSEER['4']['27']['78'] = 'رَبّك يَقْضِي بَيْنهمْ بِحُكْمِهِ &quot; أَيْ يَقْضِي بَيْن بَنِي إِسْرَائِيل فِيمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ فِي الْآخِرَة , فَيُجَازِي الْمُحِقّ وَالْمُبْطِل . وَقِيلَ : يَقْضِي بَيْنهمْ فِي الدُّنْيَا فَيُظْهِر مَا حَرَّفُوهُ .


الْمَنِيع الْغَالِب الَّذِي لَا يُرَدّ أَمْره


&quot; الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء .';
$TAFSEER['4']['27']['79'] = 'فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه &quot; أَيْ فَوِّضْ إِلَيْهِ أَمْرك وَاعْتَمِدْ عَلَيْهِ ; فَإِنَّهُ نَاصِرك .


أَيْ الظَّاهِر . وَقِيلَ : الْمُظْهِر لِمَنْ تَدَبَّرَ وَجْه الصَّوَاب .';
$TAFSEER['4']['27']['80'] = 'الْمَوْتَى &quot; يَعْنِي الْكُفَّار لِتَرْكِهِمْ التَّدَبُّر ; فَهُمْ كَالْمَوْتَى لَا حِسّ لَهُمْ وَلَا عَقْل . وَقِيلَ : هَذَا فِيمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُؤْمِن . 

مَسْأَلَة : وَقَدْ اِحْتَجَّتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا فِي إِنْكَارهَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَعَ مَوْتَى بَدْر بِهَذِهِ الْآيَة ; فَنَظَرَتْ فِي الْأَمْر بِقِيَاسٍ عَقْلِيّ وَوَقَفَتْ مَعَ هَذِهِ الْآيَة . وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ ) قَالَ اِبْن عَطِيَّة : فَيُشْبِه أَنَّ قِصَّة بَدْر خَرْق عَادَة لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ رَدَّ اللَّه إِلَيْهِمْ إِدْرَاكًا سَمِعُوا بِهِ مَقَاله وَلَوْلَا إِخْبَار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَمَاعِهِمْ لَحَمَلْنَا نِدَاءَهُ إِيَّاهُمْ عَلَى مَعْنَى التَّوْبِيخ لِمَنْ بَقِيَ مِنْ الْكَفَرَة , وَعَلَى مَعْنَى شِفَاء صُدُور الْمُؤْمِنِينَ . 

قُلْت : رَوَى الْبُخَارِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ; حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد سَمِعَ رَوْح بْن عُبَادَة قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة عَنْ قَتَادَة قَالَ : ذَكَرَ لَنَا أَنَس بْن مَالِك عَنْ أَبِي طَلْحَة أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ يَوْم بَدْر بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيد قُرَيْش فَقُذِفُوا فِي طَوِيّ مِنْ أَطْوَاء بَدْر خَبِيث مُخْبَث , وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْم أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلَاث لَيَالٍ , فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْم الثَّالِث أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشَدَّ عَلَيْهَا رَحْلهَا ثُمَّ مَشَى وَتَبِعَهُ أَصْحَابه , قَالُوا : مَا نَرَى يَنْطَلِق إِلَّا لِبَعْضِ حَاجَته , حَتَّى قَامَ عَلَى شَفِير الرَّكِيّ , فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاء آبَائِهِمْ يَا فُلَان بْن فُلَان وَيَا فُلَان بْن فُلَان أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمْ اللَّه وَرَسُوله ; فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقًّا ; قَالَ فَقَالَ عُمَر : يَا رَسُول اللَّه مَا تُكَلِّم مِنْ أَجْسَاد لَا أَرْوَاح لَهَا ; فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُول مِنْهُمْ ) قَالَ قَتَادَة : أَحْيَاهُمْ اللَّه حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْله تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنِقْمَة وَحَسْرَة وَنَدَمًا . خَرَّجَهُ مُسْلِم أَيْضًا . قَالَ الْبُخَارِيّ : حَدَّثَنَا عُثْمَان قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدَة عَنْ هِشَام عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : وَقَفَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَلِيب بَدْر فَقَالَ : ( هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقًّا ) ثُمَّ قَالَ : ( إِنَّهُمْ الْآن لَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي كُنْت أَقُول لَهُمْ هُوَ الْحَقّ ) ثُمَّ قَرَأَتْ &quot; إِنَّك لَا تُسْمِع الْمَوْتَى &quot; حَتَّى قَرَأَتْ الْآيَة . وَقَدْ عُورِضَتْ هَذِهِ الْآيَة بِقِصَّةِ بَدْر وَبِالسَّلَامِ عَلَى الْقُبُور , وَبِمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الْأَرْوَاح تَكُون عَلَى شَفِير الْقُبُور فِي أَوْقَات , وَبِأَنَّ الْمَيِّت يَسْمَع قَرْع النِّعَال إِذَا اِنْصَرَفُوا عَنْهُ , إِلَى غَيْر ذَلِكَ ; فَلَوْ لَمْ يَسْمَع الْمَيِّت لَمْ يُسَلَّم عَلَيْهِ . وَهَذَا وَاضِح وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَاب التَّذْكِرَة


الدُّعَاء . ... &quot; يَعْنِي الْكُفَّار الَّذِينَ هُمْ بِمَنْزِلَةِ الصُّمّ عَنْ قَبُول الْمَوَاعِظ ; فَإِذَا دُعُوا إِلَى الْخَيْر أَعْرَضُوا وَوَلَّوْا كَأَنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ; نَظِيره : &quot; صُمّ بُكْم عُمْي &quot; [ الْبَقَرَة : 18 ] كَمَا تَقَدَّمَ . وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن وَحُمَيْد وَابْن كَثِير وَابْن أَبِي إِسْحَاق وَعَبَّاس عَنْ أَبِي عَمْرو : &quot; وَلَا يَسْمَع &quot; بِفَتْحِ الْيَاء وَالْمِيم &quot; الصُّمّ &quot; رَفْعًا عَلَى الْفَاعِل . الْبَاقُونَ &quot; تُسْمِع &quot; مُضَارِع أَسْمَعْت &quot; الصُّمّ &quot; نَصْبًا .';
$TAFSEER['4']['27']['81'] = 'بِهَادِي الْعُمْي عَنْ ضَلَالَتهمْ &quot; أَيْ كُفْرهمْ ; أَيْ لَيْسَ فِي وُسْعك خَلْق الْإِيمَان فِي قُلُوبهمْ . وَقَرَأَ حَمْزَة : &quot; وَمَا أَنْتَ تَهْدِي الْعُمْي عَنْ ضَلَالَتهمْ &quot; كَقَوْلِهِ : &quot; أَفَأَنْت تَهْدِي الْعُمْي &quot; . الْبَاقُونَ : ( بِهَادِي الْعُمْي ) وَهِيَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم وَفِي [ الرُّوم ] مِثْله . وَكُلّهمْ وَقَفَ عَلَى ( بِهَادِي ) بِالْيَاءِ فِي هَذِهِ السُّورَة وَبِغَيْرِ يَاء فِي [ الرُّوم ] اِتِّبَاعًا لِلْمُصْحَفِ , إِلَّا يَعْقُوب فَإِنَّهُ وَقَفَ فِيهِمَا جَمِيعًا بِالْيَاءِ . وَأَجَازَ الْفَرَّاء وَأَبُو حَاتِم : ( وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْي ) وَهِيَ الْأَصْل . وَفِي حَرْف عَبْد اللَّه ( وَمَا أَنْ تَهْدِي الْعُمْي ) .


أَيْ مَا تُسْمِع .


إِلَّا مَنْ يُؤْمِن بِآيَاتِنَا . . &quot; قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ إِلَّا مَنْ خَلَقْته لِلسَّعَادَةِ فَهُمْ مُخْلِصُونَ فِي التَّوْحِيد .';
$TAFSEER['4']['27']['82'] = 'وَقَعَ الْقَوْل عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّة مِنْ الْأَرْض تُكَلِّمهُمْ &quot; اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى وَقَعَ الْقَوْل وَفِي الدَّابَّة ; فَقِيلَ : مَعْنَى &quot; وَقَعَ الْقَوْل عَلَيْهِمْ &quot; وَجَبَ الْغَضَب عَلَيْهِمْ ; قَالَهُ قَتَادَة . وَقَالَ مُجَاهِد : أَيْ حَقَّ الْقَوْل عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ . وَقَالَ اِبْن عُمَر وَأَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : إِذَا لَمْ يَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْا عَنْ الْمُنْكَر وَجَبَ السَّخَط عَلَيْهِمْ . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : وَقَعَ الْقَوْل يَكُون بِمَوْتِ الْعُلَمَاء , وَذَهَاب الْعِلْم , وَرَفْع الْقُرْآن . قَالَ عَبْد اللَّه : أَكْثِرُوا تِلَاوَة الْقُرْآن قَبْل أَنْ يُرْفَع , قَالُوا هَذِهِ الْمَصَاحِف تُرْفَع فَكَيْف بِمَا فِي صُدُور الرِّجَال ؟ قَالَ : يُسْرَى عَلَيْهِ لَيْلًا فَيُصْبِحُونَ مِنْهُ قَفْرًا , وَيَنْسَوْنَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَيَقَعُونَ فِي قَوْل الْجَاهِلِيَّة وَأَشْعَارهمْ , وَذَلِكَ حِين يَقَع الْقَوْل عَلَيْهِمْ . 

قُلْت : أَسْنَدَهُ أَبُو بَكْر الْبَزَّار قَالَ حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن يُوسُف الثَّقَفِيّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْد الْمَجِيد بْن عَبْد الْعَزِيز عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة عَنْ صَفْوَان بْن سُلَيْم عَنْ اِبْنٍ لِعَبْدِ اللَّه بْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ : أَكْثِرُوا مِنْ زِيَارَة هَذَا الْبَيْت مِنْ قَبْل أَنْ يُرْفَع وَيَنْسَى النَّاس مَكَانه ; وَأَكْثِرُوا تِلَاوَة الْقُرْآن مِنْ قَبْل أَنْ يُرْفَع ; قَالُوا : يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن هَذِهِ الْمَصَاحِف تُرْفَع فَكَيْف بِمَا فِي صُدُور الرِّجَال ؟ قَالَ : فَيُصْبِحُونَ فَيَقُولُونَ كُنَّا نَتَكَلَّم بِكَلَامٍ وَنَقُول قَوْلًا فَيَرْجِعُونَ إِلَى شِعْر الْجَاهِلِيَّة وَأَحَادِيث الْجَاهِلِيَّة , وَذَلِكَ حِين يَقَع الْقَوْل عَلَيْهِمْ . وَقِيلَ : الْقَوْل هُوَ قَوْله تَعَالَى : &quot; وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْل مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّم &quot; [ السَّجْدَة : 13 ] فَوُقُوع الْقَوْل وُجُوب الْعِقَاب عَلَى هَؤُلَاءِ , فَإِذَا صَارُوا إِلَى حَدّ لَا تُقْبَل تَوْبَتهمْ وَلَا يُولَد لَهُمْ وَلَد مُؤْمِن فَحِينَئِذٍ تَقُوم الْقِيَامَة ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ . وَقَوْل سَادِس : قَالَتْ حَفْصه بِنْت سِيرِينَ سَأَلْت أَبَا الْعَالِيَة عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : &quot; وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْل عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّة مِنْ الْأَرْض تُكَلِّمهُمْ &quot; فَقَالَ : أَوْحَى اللَّه إِلَى نُوح &quot; أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِن مِنْ قَوْمك إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ &quot; [ هُود : 36 ] وَكَأَنَّمَا كَانَ عَلَى وَجْهِي غِطَاء فَكُشِفَ . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا مِنْ حَسَن الْجَوَاب ; لِأَنَّ النَّاس مُمْتَحَنُونَ وَمُؤَخَّرُونَ لِأَنَّ فِيهِمْ مُؤْمِنِينَ وَصَالِحِينَ , وَمَنْ قَدْ عَلِمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ سَيُؤْمِنُ وَيَتُوب ; فَلِهَذَا أُمْهِلُوا وَأُمِرْنَا بِأَخْذِ الْجِزْيَة , فَإِذَا زَالَ هَذَا وَجَبَ الْقَوْل عَلَيْهِمْ , فَصَارُوا كَقَوْمِ نُوح حِين قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; إِنَّهُ لَنْ يُؤْمِن مِنْ قَوْمك إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ &quot; [ هُود : 36 ] . 

قُلْت : وَجَمِيع الْأَقْوَال عِنْد التَّأَمُّل تَرْجِع إِلَى مَعْنًى وَاحِد . وَالدَّلِيل عَلَيْهِ آخِر الْآيَة &quot; إِنَّ النَّاس كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ &quot; وَقُرِئَ : &quot; أَنَّ &quot; : بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَسَيَأْتِي . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاث إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَع نَفْسًا إِيمَانهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْل أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانهَا خَيْرًا طُلُوع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا وَالدَّجَّال وَدَابَّة الْأَرْض ) وَقَدْ مَضَى . وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِين هَذِهِ الدَّابَّة وَصِفَتهَا وَمِنْ أَيْنَ تَخْرُج اِخْتِلَافًا كَثِيرًا ; قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب ( التَّذْكِرَة ) وَنَذْكُرهُ هُنَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى مُسْتَوْفًى . فَأَوَّل الْأَقْوَال أَنَّهُ فَصِيل نَاقَة صَالِح وَهُوَ أَصَحّهَا - وَاَللَّه أَعْلَم - لِمَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنَده عَنْ حُذَيْفَة قَالَ : ذَكَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّابَّة فَقَالَ : ( لَهَا ثَلَاث خَرْجَات مِنْ الدَّهْر فَتَخْرُج فِي أَقْصَى الْبَادِيَة وَلَا يَدْخُل ذِكْرهَا الْقَرْيَة - يَعْنِي مَكَّة - ثُمَّ تَكْمُن زَمَانًا طَوِيلًا ثُمَّ تَخْرُج خَرْجَة أُخْرَى دُون ذَلِكَ فَيَفْشُو ذِكْرهَا فِي الْبَادِيَة وَيَدْخُل ذِكْرهَا الْقَرْيَة ) يَعْنِي مَكَّة قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : &quot; ثُمَّ بَيْنَمَا النَّاس فِي أَعْظَم الْمَسَاجِد عَلَى اللَّه حُرْمَة خَيْرهَا وَأَكْرَمهَا عَلَى اللَّه الْمَسْجِد الْحَرَام لَمْ يَرُعْهُمْ إِلَّا وَهِيَ تَرْغُو بَيْن الرُّكْن وَالْمَقَام تَنْفُض عَنْ رَأْسهَا التُّرَاب فَارْفَضَّ النَّاس مِنْهَا شَتَّى وَمَعًا وَتَثْبُت عِصَابَة مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَعَرَفُوا أَنَّهُمْ لَمْ يُعْجِزُوا اللَّه فَبَدَأَتْ بِهِمْ فَجَلَتْ وُجُوههمْ حَتَّى جَعَلَتْهَا كَأَنَّهَا الْكَوْكَب الدُّرِّيّ وَوَلَّتْ فِي الْأَرْض لَا يُدْرِكهَا طَالِب وَلَا يَنْجُو مِنْهَا هَارِب حَتَّى إِنَّ الرَّجُل لَيَتَعَوَّذ مِنْهَا بِالصَّلَاةِ فَتَأْتِيه مِنْ خَلْفه فَتَقُول يَا فُلَان الْآن تُصَلِّي فَتُقْبِل عَلَيْهِ فَتَسِمهُ فِي وَجْهه ثُمَّ تَنْطَلِق وَيَشْتَرِك النَّاس فِي الْأَمْوَال وَيَصْطَلِحُونَ فِي الْأَمْصَار يُعْرَف الْمُؤْمِن مِنْ الْكَافِر حَتَّى إِنَّ الْمُؤْمِن يَقُول يَا كَافِر اِقْضِ حَقِّي ) . وَمَوْضِع الدَّلِيل مِنْ هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ الْفَصِيل قَوْله : ( وَهِيَ تَرْغُو ) وَالرُّغَاء إِنَّمَا هُوَ لِلْإِبِلِ ; وَذَلِكَ أَنَّ الْفَصِيل لَمَّا قُتِلَتْ النَّاقَة هَرَبَ فَانْفَتَحَ لَهُ حَجَر فَدَخَلَ فِي جَوْفه ثُمَّ اِنْطَبَقَ عَلَيْهِ , فَهُوَ فِيهِ حَتَّى يَخْرُج بِإِذْنِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَرُوِيَ أَنَّهَا دَابَّة مُزَغَّبَة شَعْرَاء , ذَات قَوَائِم طُولهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا , وَيُقَال إِنَّهَا الْجَسَّاسَة ; وَهُوَ قَوْل عَبْد اللَّه بْن عُمَر وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهَا عَلَى خِلْقَة الْآدَمِيِّينَ ; وَهِيَ فِي السَّحَاب وَقَوَائِمهَا فِي الْأَرْض . وَرُوِيَ أَنَّهَا جَمَعَتْ مِنْ خَلْق كُلّ حَيَوَان . وَذَكَر الْمَاوَرْدِيّ وَالثَّعْلَبِيّ رَأْسهَا رَأْس ثَوْر , وَعَيْنهَا عَيْن خِنْزِير , وَأُذُنهَا أُذُن فِيل , وَقَرْنهَا قَرْن أُيَّل , وَعُنُقهَا عُنُق نَعَامَة , وَصَدْرهَا صَدْر أَسَد , وَلَوْنهَا لَوْن نَمِر , وَخَاصِرَتهَا خَاصِرَة هِرّ , وَذَنَبهَا ذَنَب كَبْش , وَقَوَائِمهَا قَوَائِم بَعِير بَيْن كُلّ مِفْصَل وَمِفْصَل اِثْنَا عَشَر ذِرَاعًا - الزَّمَخْشَرِيّ : بِذِرَاعِ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام - وَيَخْرُج مَعَهَا عَصَا مُوسَى وَخَاتَم سُلَيْمَان , فَتَنْكُت فِي وَجْه الْمُسْلِم بِعَصَا مُوسَى نُكْتَة بَيْضَاء فَيَبْيَضّ وَجْهه , وَتَنْكُت فِي وَجْه الْكَافِر بِخَاتَمِ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَيَسْوَدّ وَجْهه ; قَالَهُ اِبْن الزُّبَيْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . وَفِي كِتَاب النَّقَّاش عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : إِنَّ الدَّابَّة الثُّعْبَان الْمُشْرِف عَلَى جِدَار الْكَعْبَة الَّتِي اِقْتَلَعَتْهَا الْعُقَاب حِين أَرَادَتْ قُرَيْش بِنَاء الْكَعْبَة . وَحَكَى الْمَاوَرْدِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الدَّابَّة فَقَالَ : أَمَا وَاَللَّه مَا لَهَا ذَنَب وَإِنَّ لَهَا لَلِحْيَة . قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَفِي هَذَا الْقَوْل مِنْهُ إِشَارَة إِلَى أَنَّهَا مِنْ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يُصَرِّح بِهِ . 

قُلْت : وَلِهَذَا - وَاَللَّه أَعْلَم - قَالَ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّ الْأَقْرَب أَنْ تَكُون هَذِهِ الدَّابَّة إِنْسَانًا مُتَكَلِّمًا يُنَاظِر أَهْل الْبِدَع وَالْكُفْر وَيُجَادِلهُمْ لِيَنْقَطِعُوا , فَيَهْلِك مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة : وَيَحْيَا مَنْ حَيِيَ عَنْ بَيِّنَة . قَالَ شَيْخنَا الْإِمَام أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن عُمَر الْقُرْطُبِيّ فِي كِتَاب الْمُفْهِم لَهُ : وَإِنَّمَا كَانَ عِنْد هَذَا الْقَائِل الْأَقْرَب لِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; تُكَلِّمهُمْ &quot; وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكُون فِي هَذِهِ الدَّابَّة آيَة خَاصَّة خَارِقَة لِلْعَادَةِ , وَلَا يَكُون مِنْ الْعَشْر الْآيَات الْمَذْكُورَة فِي الْحَدِيث ; لِأَنَّ وُجُود الْمُنَاظِرِينَ وَالْمُحْتَجِّينَ عَلَى أَهْل الْبِدَع كَثِير , فَلَا آيَة خَاصَّة بِهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُذْكَر مَعَ الْعَشْر , وَتَرْتَقِع خُصُوصِيَّة وُجُودهَا إِذَا وَقَعَ الْقَوْل , ثُمَّ فِيهِ الْعُدُول عَنْ تَسْمِيَة هَذَا الْإِنْسَان الْمَنَاظِر الْفَاضِل الْعَالِم الَّذِي عَلَى أَهْل الْأَرْض أَنْ يُسَمُّوهُ بِاسْمِ الْإِنْسَان أَوْ بِالْعَالِمِ أَوْ بِالْإِمَامِ إِلَى أَنْ يُسَمَّى بِدَابَّةٍ ; وَهَذَا خُرُوج عَنْ عَادَة الْفُصَحَاء , وَعَنْ تَعْظِيم الْعُلَمَاء , وَلَيْسَ ذَلِكَ دَأْب الْعُقَلَاء ; فَالْأَوْلَى مَا قَالَهُ أَهْل التَّفْسِير , وَاَللَّه أَعْلَم بِحَقَائِقِ الْأُمُور . 

قُلْت : قَدْ رَفَعَ الْإِشْكَال فِي هَذِهِ الدَّابَّة مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيث حُذَيْفَة فَلْيُعْتَمَدْ عَلَيْهِ , وَاخْتُلِفَ مِنْ أَيّ مَوْضِع تَخْرُج , فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر : تَخْرُج مِنْ جَبَل الصَّفَا بِمَكَّةَ ; يَتَصَدَّع فَتَخْرُج مِنْهُ . قَالَ عَبْد اللَّه اِبْن عَمْرو نَحْوه وَقَالَ : لَوْ شِئْت أَنْ أَضَع قَدَمِي عَلَى مَوْضِع خُرُوجهَا لَفَعَلْت وَرُوِيَ فِي خَبَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْأَرْض تَنْشَقّ عَنْ الدَّابَّة وَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَطُوف بِالْبَيْتِ وَمَعَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ نَاحِيَة الْمَسْعَى وَإِنَّهَا تَخْرُج مِنْ الصَّفَا فَتَسِم بَيْن عَيْنَيْ الْمُؤْمِن هُوَ مُؤْمِن سِمَة كَأَنَّهَا كَوْكَب دُرِّيّ وَتَسِم بَيْن عَيْنَيْ الْكَافِر نُكْتَة سَوْدَاء كَافِر ) وَذُكِرَ فِي الْخَبَر أَنَّهَا ذَات وَبَر وَرِيش ; ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهَا تَخْرُج مِنْ شِعْب فَتَمَسّ رَأْسهَا السَّحَاب وَرِجْلَاهَا فِي الْأَرْض لَمْ تَخْرُجَا , وَتَخْرُج وَمَعَهَا عَصَا مُوسَى وَخَاتَم سُلَيْمَان عَلَيْهِمَا السَّلَام . وَعَنْ حُذَيْفَة : تَخْرُج ثَلَاث خَرْجَات ; خَرْجَة فِي بَعْض الْبَوَادِي ثُمَّ تَكْمُن , وَخَرْجَة فِي الْقُرَى يَتَقَاتَل فِيهَا الْأُمَرَاء حَتَّى تَكْثُر الدِّمَاء , وَخَرْجَة مِنْ أَعْظَم الْمَسَاجِد وَأَكْرَمهَا وَأَشْرَفهَا وَأَفْضَلهَا الزَّمَخْشَرِيّ : تَخْرُج مِنْ بَيْن الرُّكْن حِذَاء دَار بَنِي مَخْزُوم عَنْ يَمِين الْخَارِج مِنْ الْمَسْجِد ; فَقَوْم يَهْرُبُونَ , وَقَوْم يَقِفُونَ نَظَّارَة . وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَة أَنَّهَا تَخْرُج فِي تِهَامَة . وَرُوِيَ أَنَّهَا تَخْرُج مِنْ مَسْجِد الْكُوفَة مِنْ حَيْثُ فَارَ تَنُّور نُوح عَلَيْهِ السَّلَام . وَقِيلَ : مِنْ أَرْض الطَّائِف ; قَالَ أَبُو قَبِيل : ضَرَبَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَرْض الطَّائِف بِرِجْلِهِ وَقَالَ : مِنْ هُنَا تَخْرُج الدَّابَّة الَّتِي تُكَلِّم النَّاس وَقِيلَ : مِنْ بَعْض أَوْدِيَة تِهَامَة ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقِيلَ : مِنْ صَخْرَة مِنْ شِعْب أَجْيَاد ; قَالَهُ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو . وَقِيلَ : مِنْ بَحْر سَدُوم ; قَالَهُ وَهْب بْن مُنَبِّه . ذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة الْمَاوَرْدِيّ فِي كِتَابه . وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ أَبُو الْقَاسِم عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الْعَزِيز قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْجَعْد عَنْ فَضِيل بْن مَرْزُوق الرَّقَاشِيّ الْأَغَرّ - وَسُئِلَ عَنْهُ يَحْيَى بْن مَعِين فَقَالَ ثِقَة - عَنْ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ تَخْرُج الدَّابَّة مِنْ صَدْع فِي الْكَعْبَة كَجَرْيِ الْفَرَس ثَلَاثَة أَيَّام لَا يَخْرُج ثُلُثهَا . 

قُلْت : فَهَذِهِ أَقْوَال الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فِي خُرُوج الدَّابَّة وَصِفَتهَا , وَهِيَ تَرُدّ قَوْل مَنْ قَالَ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّ الدَّابَّة إِنَّمَا هِيَ إِنْسَان مُتَكَلِّم يُنَاظِر أَهْل الْبِدَع وَالْكُفْر وَقَدْ رَوَى أَبُو أُمَامَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تَخْرُج الدَّابَّة فَتَسِم النَّاس عَلَى خَرَاطِيمهمْ ) ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . &quot; تُكَلِّمهُمْ &quot; بِضَمِّ التَّاء وَشَدّ اللَّام الْمَكْسُورَة - مِنْ الْكَلَام - قِرَاءَة الْعَامَّة ; يَدُلّ عَلَيْهِ قِرَاءَة أُبَيّ &quot; تُنَبِّئهُمْ &quot; . وَقَالَ السُّدِّيّ : تُكَلِّمهُمْ بِبُطْلَانِ الْأَدْيَان سِوَى دِين الْإِسْلَام . وَقِيلَ : تُكَلِّمهُمْ بِمَا يَسُوءهُمْ . وَقِيلَ : تُكَلِّمهُمْ بِلِسَانٍ ذَلِق فَتَقُول بِصَوْتٍ يَسْمَعهُ مَنْ قَرُبَ وَبَعُدَ &quot; إِنَّ النَّاس كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ &quot; وَتَقُول : أَلَا لَعْنَة اللَّه عَلَى الظَّالِمِينَ . وَقَرَأَ أَبُو زُرْعَة وَابْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَأَبُو رَجَاء : &quot; تَكْلِمهُمْ &quot; بِفَتْحِ التَّاء مِنْ الْكَلْم وَهُوَ الْجَرْح قَالَ عِكْرِمَة : أَيْ تَسِمُهُمْ . وَقَالَ أَبُو الْجَوْزَاء : سَأَلْت اِبْن عَبَّاس عَنْ هَذِهِ الْآيَة &quot; تُكَلِّمهُمْ &quot; أَوْ &quot; تَكْلِمهُمْ &quot; ؟ فَقَالَ : هِيَ وَاَللَّه تُكَلِّمهُمْ وَتَكْلِمهُمْ ; تُكَلِّم الْمُؤْمِن وَتَكْلِم الْكَافِر وَالْفَاجِر أَيْ تَجْرَحهُ . وَقَالَ أَبُو حَاتِم : &quot; تُكَلِّمهُمْ &quot; كَمَا تَقُول تَجْرَحهُمْ ; يَذْهَب إِلَى أَنَّهُ تَكْثِير مِنْ &quot; تَكْلِمهُمْ &quot; .



يُوقِنُونَ &quot; أَيْ بِخُرُوجِي ; لِأَنَّ خُرُوجهَا مِنْ الْآيَات . وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ وَابْن أَبِي إِسْحَاق وَيَحْيَى : &quot; أَنَّ &quot; بِالْفَتْحِ . وَقَرَأَ أَهْل الْحَرَمَيْنِ وَأَهْل الشَّام وَأَهْل الْبَصْرَة : &quot; إِنَّ &quot; بِكَسْرِ الْهَمْزَة . قَالَ النَّحَّاس : فِي الْمَفْتُوحَة قَوْلَانِ وَكَذَا الْمَكْسُورَة ; قَالَ الْأَخْفَش : الْمَعْنَى بِأَنَّ وَكَذَا قَرَأَ اِبْن مَسْعُود &quot; بِأَنَّ &quot; وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : مَوْضِعهَا نَصْب بِوُقُوعِ الْفِعْل عَلَيْهَا ; أَيْ تُخْبِرهُمْ أَنَّ النَّاس . وَقَرَأَ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء : &quot; إِنَّ النَّاس &quot; بِالْكَسْرِ عَلَى الِاسْتِئْنَاف وَقَالَ الْأَخْفَش : هِيَ بِمَعْنَى تَقُول إِنَّ النَّاس ; يَعْنِي الْكُفَّار &quot; بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ &quot; يَعْنِي بِالْقُرْآنِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلِّي اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَلِكَ حِين لَا يَقْبَل اللَّه مِنْ كَافِر إِيمَانًا وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مُؤْمِنُونَ وَكَافِرُونَ فِي عِلْم اللَّه قَبْل خُرُوجهَا ; وَاَللَّه أَعْلَم .';
$TAFSEER['4']['27']['83'] = 'أُمَّة فَوْجًا &quot; أَيْ زُمْرَة وَجَمَاعَة .


مِمَّنْ يُكَذِّب بِآيَاتِنَا &quot; يَعْنِي بِالْقُرْآنِ وَبِأَعْلَامِنَا الدَّالَّة عَلَى الْحَقّ .


أَيْ يُدْفَعُونَ وُسَاقُونَ إِلَى مَوْضِع الْحِسَاب . قَالَ الشَّمَّاخ : ش وَكَمْ وَزَعْنَا مِنْ خَمِيس جَحْفَل /و وَكَمْ حَبْونَا مِنْ رَئِيس مِسْحَل وَقَالَ قَتَادَة : &quot; يُوزَعُونَ &quot; أَيْ يَرُدّ أَوَّلهمْ عَلَى آخِرهمْ .';
$TAFSEER['4']['27']['84'] = 'أَيْ قَالَ لَهُمْ اللَّه


الَّتِي أَنْزَلْتهَا عَلَى رُسُلِي , وَبِالْآيَاتِ الَّتِي أَقَمْتهَا دَلَالَة عَلَى تَوْحِيدِي .


أَيْ بِبُطْلَانِهَا حَتَّى تُعْرِضُوا عَنْهَا , بَلْ كَذَّبْتهمْ جَاهِلِينَ غَيْر مُسْتَدِلِّينَ .


تَقْرِيع وَتَوْبِيخ أَيْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ حِين لَمْ تَبْحَثُوا عَنْهَا وَلَمْ تَتَفَكَّرُوا مَا فِيهَا .';
$TAFSEER['4']['27']['85'] = 'ظَلَمُوا &quot; أَيْ وَجَبَ الْعَذَاب عَلَيْهِمْ بِظُلْمِهِمْ أَيْ بِشِرْكِهِمْ .


يَنْطِقُونَ &quot; أَيْ لَيْسَ لَهُمْ عُذْر وَلَا حُجَّة . وَقِيلَ : يُخْتَم عَلَى أَفْوَاههمْ فَلَا يَنْطِقُونَ ; قَالَهُ أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ .';
$TAFSEER['4']['27']['86'] = 'جَعَلْنَا اللَّيْل لِيَسْكُنُوا فِيهِ &quot; أَيْ يَسْتَقِرُّونَ فَيَنَامُونَ .


مُبْصِرًا &quot; أَيْ يُبْصَر فِيهِ لِسَعْيِ الرِّزْق .


&quot; بِاَللَّهِ . ذَكَرَ الدَّلَالَة عَلَى إِلَهِيَّته وَقُدْرَته أَيْ أَلَمْ يَعْلَمُوا كَمَال قُدْرَتنَا فَيُؤْمِنُوا .';
$TAFSEER['4']['27']['87'] = 'يُنْفَخ فِي الصُّور فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض &quot; أَيْ وَاذْكُرْ يَوْم أَوْ ذَكِّرْهُمْ يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور وَمَذْهَب الْفَرَّاء أَنَّ الْمَعْنَى : وَذَلِكُمْ يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور ; وَأَجَازَ فِيهِ الْحَذْف وَالصَّحِيح فِي الصُّور أَنَّهُ قَرْن مِنْ نُور يَنْفُخ فِيهِ إِسْرَافِيل قَالَ مُجَاهِد : كَهَيْئَةِ الْبُوق وَقِيلَ : هُوَ الْبُوق بِلُغَةِ أَهْل الْيَمَن وَقَدْ مَضَى فِي [ الْأَنْعَام ] بَيَانه وَمَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ . &quot; فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه &quot; قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه لَمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْق السَّمَوَات خَلَقَ الصُّور فَأَعْطَاهُ إِسْرَافِيل فَهُوَ وَاضِعه عَلَى فِيهِ شَاخِص بِبَصَرِهِ إِلَى الْعَرْش يَنْتَظِر مَتَى يُؤْمَر بِالنَّفْخَةِ ) قُلْت : يَا رَسُول اللَّه مَا الصُّور ؟ قَالَ : ( قَرْن وَاَللَّه عَظِيم وَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ إِنَّ عُظْم دَارَة فِيهِ كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْض فَيَنْفُخ فِيهِ ثَلَاث نَفَخَات النَّفْخَة الْأُولَى نَفْخَة الْفَزَع وَالثَّانِيَة نَفْحَة الصَّعْق وَالثَّالِثَة نَفْخَة الْبَعْث وَالْقِيَام لِرَبِّ الْعَالَمِينَ . .. ) وَذَكَرَ الْحَدِيث ذَكَرَهُ عَلِيّ بْن مَعْبَد وَالطَّبَرِيّ وَالثَّعْلَبِيّ وَغَيْرهمْ , وَصَحَّحَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ . وَقَدْ ذَكَرْته فِي كِتَاب ( التَّذْكِرَة ) وَتَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ هُنَالِكَ , وَأَنَّ الصَّحِيح فِي النَّفْخ فِي الصُّور أَنَّهُمَا نَفْخَتَانِ لَا ثَلَاث , وَأَنَّ نَفْخَة الْفَزَع إِنَّمَا تَكُون رَاجِعَة إِلَى نَفْخَة الصَّعْق لِأَنَّ الْأَمْرَيْنِ لَا زَمَان لَهُمَا ; أَيْ فَزِعُوا فَزَعًا مَاتُوا مِنْهُ ; أَوْ إِلَى نَفْخَة الْبَعْث وَهُوَ اِخْتِيَار الْقُشَيْرِيّ وَغَيْره ; فَإِنَّهُ قَالَ فِي كَلَامه عَلَى هَذِهِ الْآيَة : وَالْمُرَاد النَّفْخَة الثَّانِيَة أَيْ يَحْيَوْنَ فَزِعِينَ يَقُولُونَ : &quot; مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا &quot; [ يس : 52 ] ; وَيُعَايِنُونَ مِنْ الْأُمُور مَا يَهُولهُمْ وَيُفْزِعهُمْ ; وَهَذَا النَّفْخ كَصَوْتِ الْبُوق لِتَجْتَمِع الْخَلْق فِي أَرْض الْجَزَاء . قَالَهُ قَتَادَة وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ : &quot; وَيَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور &quot; . هُوَ يَوْم النُّشُور مِنْ الْقُبُور , قَالَ وَفِي هَذَا الْفَزَع قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ الْإِسْرَاع وَالْإِجَابَة إِلَى النِّدَاء مِنْ قَوْلهمْ : فَزِعْت إِلَيْك فِي كَذَا إِذَا أَسْرَعْت إِلَى نِدَائِك فِي مَعُونَتك وَالْقَوْل الثَّانِي : إِنَّ الْفَزَع هُنَا هُوَ الْفَزَع الْمَعْهُود مِنْ الْخَوْف وَالْحُزْن ; لِأَنَّهُمْ أُزْعِجُوا مِنْ قُبُورهمْ فَفَزِعُوا وَخَافُوا . وَهَذَا أَشْبَه الْقَوْلَيْنِ . 

قُلْت : وَالسُّنَّة الثَّابِتَة مِنْ حَدِيث أَبَى هُرَيْرَة وَحَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمَا نَفْخَتَانِ لَا ثَلَاث ; خَرَّجَهُمَا مُسْلِم وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا فِي كِتَاب ( التَّذْكِرَة ) وَهُوَ الصَّحِيح إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُمَا نَفْخَتَانِ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَنُفِخَ فِي الصُّوَر فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه &quot; [ الزُّمَر : 68 ] فَاسْتَثْنَى هُنَا كَمَا اِسْتَثْنَى فِي نَفْخَة الْفَزَع فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا وَاحِدَة . وَقَدْ رَوَى اِبْن الْمُبَارَك عَنْ الْحَسَن قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَيْن النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ سَنَة الْأُولَى يُمِيت اللَّه بِهَا كُلّ حَيّ وَالْأُخْرَى يُحْيِي اللَّه بِهَا كُلّ مَيِّت ) فَإِنْ قِيلَ : فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى : &quot; يَوْم تَرْجُف الرَّاجِفَة تَتْبَعهَا الرَّادِفَة &quot; [ النَّازِعَات : 7 ] إِلَى أَنْ قَالَ : &quot; فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَة وَاحِدَة &quot; [ النَّازِعَات : 13 ] وَهَذَا يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ أَنَّهَا ثَلَاث قِيلَ لَهُ : لَيْسَ كَذَلِكَ , وَإِنَّمَا الْمُرَاد بِالزَّجْرَةِ النَّفْخَة الثَّانِيَة الَّتِي يَكُون عَنْهَا خُرُوج الْخَلْق مِنْ قُبُورهمْ ; كَذَلِكَ قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَعَطَاء وَابْن زَيْد وَغَيْرهمْ . قَالَ مُجَاهِد : هُمَا صَيْحَتَانِ أَمَّا الْأُولَى فَتُمِيت كُلّ شَيْء بِإِذْنِ اللَّه , وَأَمَّا الْأُخْرَى فَتُحْيِي كُلّ شَيْء بِإِذْنِ اللَّه . وَقَالَ عَطَاء : &quot; الرَّاجِفَة &quot; الْقِيَامَة وَ &quot; الرَّادِفَة &quot; الْبَعْث . وَقَالَ اِبْن زَيْد : &quot; الرَّاجِفَة &quot; الْمَوْت وَ &quot; الرَّادِفَة &quot; السَّاعَة . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَوْله &quot; فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَات &quot; مَاضٍ وَ &quot; يُنْفَخ &quot; مُسْتَقْبَل فَيُقَال : كَيْف عُطِفَ مَاضٍ عَلَى مُسْتَقْبَل ؟ فَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّ هَذَا مَحْمُول عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْمَعْنَى : إِذَا نُفِخَ فِي الصُّوَر فَفَزِعَ .



اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الْمُسْتَثْنَى مَنْ هُمْ . فَفِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُمْ الشُّهَدَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ إِنَّمَا يَصِل الْفَزَع إِلَى الْأَحْيَاء ; وَهُوَ قَوْل سَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّهُمْ الشُّهَدَاء مُتَقَلِّدُو السُّيُوف حَوْل الْعَرْش وَقَالَ الْقُشَيْرِيّ : الْأَنْبِيَاء دَاخِلُونَ فِي جُمْلَتهمْ ; لِأَنَّ لَهُمْ الشَّهَادَة مَعَ النُّبُوَّة وَقِيلَ : الْمَلَائِكَة . قَالَ الْحَسَن : اِسْتَثْنَى طَوَائِف مِنْ الْمَلَائِكَة يَمُوتُونَ بَيْن النَّفْخَتَيْنِ قَالَ مُقَاتِل : يَعْنِي جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَإِسْرَافِيل وَمَلَك الْمَوْت . وَقِيلَ : الْحُور الْعِين . وَقِيلَ : هُمْ الْمُؤْمِنُونَ , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ عَقِب هَذَا : &quot; مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْر مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَع يَوْمئِذٍ آمِنُونَ &quot; وَقَالَ بَعْض عُلَمَائِنَا : وَالصَّحِيح أَنَّهُ لَمْ يَرِد فِي تَعْيِينهمْ خَبَر صَحِيح وَالْكُلّ مُحْتَمَل . 

قُلْت : خَفِيَ عَلَيْهِ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَقَدْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ فَلْيُعَوَّلْ عَلَيْهِ , لِأَنَّهُ نَصّ فِي التَّعْيِين وَغَيْره اِجْتِهَاد . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقِيلَ غَيْر هَذَا مَا يَأْتِي فِي [ الزُّمَر ] &quot; إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه &quot; نُصِبَ عَلَى الِاسْتِثْنَاء 



وَكُلّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ &quot; قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَعَاصِم وَالْكِسَائِيّ وَنَافِع وَابْن عَامِر وَابْن كَثِير : &quot; آتُوهُ &quot; جَعَلُوهُ فِعْلًا مُسْتَقْبَلًا . وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَيَحْيَى وَحَمْزَة وَحَفْص عَنْ عَاصِم : &quot; وَكُلّ أَتَوْهُ &quot; مَقْصُورًا عَلَى الْفِعْل الْمَاضِي , وَكَذَلِكَ قَرَأَهُ اِبْن مَسْعُود وَعَنْ قَتَادَة &quot; وَكُلّ أَتَاهُ دَاخِرِينَ &quot; قَالَ النَّحَّاس : وَفِي كِتَابِي عَنْ أَبِي إِسْحَاق فِي الْقِرَاءَات مَنْ قَرَأَ : &quot; وَكُلّ أَتَوْهُ &quot; وَحْده عَلَى لَفْظ &quot; كُلّ &quot; وَمَنْ قَرَأَ : &quot; أَتُوهُ &quot; جَمْع عَلَى مَعْنَاهَا , وَهَذَا الْقَوْل غَلَط قَبِيح ; لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ : &quot; وَكُلّ أَتَوْهُ &quot; فَلَمْ يُوَحِّد وَإِنَّمَا جَمَعَ , وَلَوْ وَحَّدَ لَقَالَ : &quot; أَتَاهُ &quot; وَلَكِنْ مَنْ قَالَ : &quot; أَتَوْهُ &quot; جَمَعَ عَلَى الْمَعْنَى وَجَاءَ بِهِ مَاضِيًا لِأَنَّهُ رَدَّهُ إِلَى &quot; فَفَزِعَ &quot; وَمَنْ قَرَأَ &quot; وَكُلّ آتَوْهُ &quot; حَمَلَهُ عَلَى الْمَعْنَى أَيْضًا وَقَالَ : &quot; آتُوهُ &quot; لِأَنَّهَا جُمْلَة مُنْقَطِعَة مِنْ الْأَوَّل قَالَ اِبْن نَصْر : قَدْ حُكِيَ عَنْ أَبِي إِسْحَاق رَحِمَهُ اللَّه مَا لَمْ يَقُلْهُ , وَنَصّ أَبِي إِسْحَاق : &quot; وَكُلّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ &quot; وَيُقْرَأ : &quot; آتُوهُ &quot; فَمَنْ وَحَّدَ فَلِلَفْظِ &quot; كُلّ &quot; وَمَنْ جَمَعَ فَلِمَعْنَاهَا . يُرِيد مَا أُتِيَ فِي الْقُرْآن أَوْ غَيْره مِنْ تَوْحِيد خَبَر &quot; كُلّ &quot; فَعَلَى اللَّفْظ أَوْ جَمْع فَعَلَى الْمَعْنَى ; فَلَمْ يَأْخُذ أَبُو جَعْفَر هَذَا الْمَعْنَى قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَمَنْ قَرَأَ &quot; وَكُلّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ &quot; فَهُوَ فِعْل مِنْ الْإِتْيَان وَحُمِلَ عَلَى مَعْنَى &quot; كُلّ &quot; دُون لَفْظهَا , وَمَنْ قَرَأَ &quot; وَكُلّ آتُوهُ دَاخِرِينَ &quot; فَهُوَ اِسْم الْفَاعِل مِنْ أَتَى يَدُلّك عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : &quot; وَكُلّهمْ آتِيه يَوْم الْقِيَامَة فَرْدًا &quot; [ مَرْيَم : 95 ] وَمَنْ قَرَأَ &quot; وَكُلّ أَتَاهُ &quot; حَمَلَهُ عَلَى لَفْظ &quot; كُلّ &quot; دُون مَعْنَاهَا وَحَمَلَ &quot; دَاخِرِينَ &quot; عَلَى الْمَعْنَى , وَمَعْنَاهُ صَاغِرِينَ , عَنْ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة . وَقَدْ مَضَى فِي [ النَّحْل ] .';
$TAFSEER['4']['27']['88'] = 'وَتَرَى الْجِبَال تَحْسَبهَا جَامِدَة وَهِيَ تَمُرّ مَرّ السَّحَاب &quot; قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ قَائِمَة وَهِيَ تَسِير سَيْرًا حَثِيثًا . قَالَ الْقُتَبِيّ : وَذَلِكَ أَنَّ الْجِبَال تُجْمَع وَتُسَيَّر , فَهِيَ فِي رُؤْيَة الْعَيْن كَالْقَائِمَةِ وَهِيَ تَسِير ; وَكَذَلِكَ كُلّ شَيّ عَظِيم وَجَمْع كَثِير يَقْصُر عَنْهُ النَّظَر , لِكَثْرَتِهِ وَبُعْد مَا بَيْن أَطْرَافه , وَهُوَ فِي حُسْبَان النَّاظِر كَالْوَاقِفِ وَهُوَ يَسِير قَالَ النَّابِغَة فِي وَصْف جَيْش : بِأَرْعَنَ مِثْل الطَّوْد تَحْسَب أَنَّهُمْ وُقُوف لَحَاج وَالرِّكَاب تُهَمْلِج قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَهَذَا يَوْم الْقِيَامَة ; أَيْ هِيَ لِكَثْرَتِهَا كَأَنَّهَا جَامِدَة أَيْ وَاقِفَة فِي مَرْأَى الْعَيْن وَإِنْ كَانَتْ فِي أَنْفُسهَا تَسِير سَيْر السَّحَاب , وَالسَّحَاب الْمُتَرَاكِم يَظُنّ أَنَّهَا وَاقِفَة وَهِيَ تَسِير أَيْ تَمُرّ مَرّ السَّحَاب حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا شَيْء , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَسُيِّرَتْ الْجِبَال فَكَانَتْ سَرَابًا &quot; [ النَّبَأ : 20 ] وَيُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى وَصَفَ الْجِبَال بِصِفَاتٍ مُخْتَلِفَة تَرْجِع كُلّهَا إِلَى تَفْرِيغ الْأَرْض مِنْهَا , وَإِبْرَاز مَا كَانَتْ تُوَارِيه , فَأَوَّل الصِّفَات الِانْدِكَاك وَذَلِكَ قَبْل الزَّلْزَلَة ; ثُمَّ تَصِير كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوش ; وَذَلِكَ إِذَا صَارَتْ السَّمَاء كَالْمُهْلِ , وَقَدْ جَمَعَ اللَّه بَيْنهمَا فَقَالَ : &quot; يَوْم تَكُون السَّمَاء كَالْمُهْلِ وَتَكُون الْجِبَال كَالْعِهْنِ &quot; [ الْمَعَارِج : 8 - 9 ] . وَالْحَالَة الثَّالِثَة أَنْ تَصِير كَالْهَبَاءِ وَذَلِكَ أَنْ تَتَقَطَّع بَعْد أَنْ كَانَتْ كَالْعِهْنِ . وَالْحَالَة الرَّابِعَة أَنْ تُنْسَف لِأَنَّهَا مَعَ الْأَحْوَال الْمُتَقَدِّمَة قَارَّة فِي مَوَاضِعهَا وَالْأَرْض تَحْتهَا غَيْر بَارِزَة فَتُنْسَف عَنْهَا لِتَبْرُز , فَإِذَا نُسِفَتْ فَبِإِرْسَالِ الرِّيَاح عَلَيْهَا . وَالْحَالَة الْخَامِسَة أَنَّ الرِّيَاح تَرْفَعهَا عَلَى وَجْه الْأَرْض فَتُظْهِرهَا شُعَاعًا فِي الْهَوَاء كَأَنَّهَا غُبَار , فَمَنْ نَظَرَ إِلَيْهَا مِنْ بُعْد حَسِبَهَا لِتَكَاثُفِهَا أَجْسَادًا جَامِدَة , وَهِيَ بِالْحَقِيقَةِ مَارَّة إِلَّا أَنَّ مُرُورهَا مِنْ وَرَاء الرِّيَاح كَأَنَّهَا مُنْدَكَّة مُتَفَتِّتَة . وَالْحَالَة السَّادِسَة أَنْ تَكُون سَرَابًا فَمَنْ نَظَرَ إِلَى مَوَاضِعهَا لَمْ يَجِد فِيهَا شَيْئًا مِنْهَا كَالسَّرَابِ قَالَ مُقَاتِل : تَقَع عَلَى الْأَرْض فَتُسَوَّى بِهَا . ثُمَّ قِيلَ هَذَا مَثَل , قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَفِيهِمَا ضَرْب لَهُ ثَلَاثَة أَقْوَال : أَحَدهَا أَنَّهُ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه تَعَالَى لِلدُّنْيَا يَظُنّ النَّاظِر إِلَيْهَا أَنَّهَا وَاقِفَة كَالْجِبَالِ , وَهِيَ آخِذَة بِحَظِّهَا مِنْ الزَّوَال كَالسَّحَابِ ; قَالَهُ سَهْل بْن عَبْد اللَّه . الثَّانِي : أَنَّهُ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلْإِيمَانِ تَحْسَبهُ ثَابِتًا فِي الْقَلْب وَعَمَله صَاعِد إِلَى السَّمَاء . الثَّالِث : أَنَّهُ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلنَّفْسِ عِنْد خُرُوج الرُّوح وَالرُّوح تَسِير إِلَى الْعَرْش . وَ &quot; تَرَى &quot; مِنْ رُؤْيَة الْعَيْن وَلَوْ كَانَتْ مِنْ رُؤْيَة الْقَلْب لَتَعَدَّتْ إِلَى مَفْعُولَيْنِ . وَالْأَصْل تُرْأَى فَأُلْقِيَتْ حَرَكَة الْهَمْزَة عَلَى الرَّاء فَتَحَرَّكَتْ الرَّاء وَحُذِفَتْ الْهَمْزَة , وَهَذَا سَبِيل تَخْفِيف الْهَمْزَة إِذَا كَانَ قَبْلهَا سَاكِن , إِلَّا أَنَّ التَّخْفِيف لَازِم لِتَرَى . وَأَهْل الْكُوفَة يَقْرَءُونَ : &quot; تَحْسَبهَا &quot; بِفَتْحِ السِّين وَهُوَ الْقِيَاس ; لِأَنَّهُ مِنْ حَسِبَ يَحْسَب إِلَّا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافهَا أَنَّهُ قَرَأَ بِالْكَسْرِ فِي الْمُسْتَقْبَل , فَتَكُون عَلَى فَعِلَ يَفْعَل مِثْل نَعِمَ يَنْعَم وَبَئِسَ يَبْئَس وَحَكَى يَئِسَ يَيْئِس مِنْ السَّالِم , لَا يُعْرَف فِي كَلَام الْعَرَب غَيْر هَذِهِ الْأَحْرُف &quot; وَهِيَ تَمُرّ مَرّ السَّحَاب &quot; تَقْدِيره مَرًّا مِثْل مَرّ السَّحَاب , فَأُقِيمَتْ الصِّفَة مَقَام الْمَوْصُوف وَالْمُضَاف مَقَام الْمُضَاف إِلَيْهِ ; فَالْجِبَال تُزَال مِنْ أَمَاكِنهَا مِنْ عَلَى وَجْه الْأَرْض وَتُجْمَع وَتَسِير كَمَا تَسِير السَّحَاب , ثُمَّ تُكْسَر فَتَعُود إِلَى الْأَرْض كَمَا قَالَ : &quot; وَبُسَّتْ الْجِبَال بَسًّا &quot; [ الْوَاقِعَة : 5 ]


أَتْقَنَ كُلّ شَيْء &quot; أَيْ هَذَا مِنْ فِعْل اللَّه , وَمَا هُوَ فِعْل مِنْهُ فَهُوَ مُتْقَن . &quot; صُنْع اللَّه &quot; عِنْد الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ مَنْصُوب عَلَى أَنَّهُ مَصْدَر ; لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : &quot; وَهِيَ تَمُرّ مَرّ السَّحَاب &quot; دَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ صَنَعَ ذَلِكَ صُنْعًا . وَيَجُوز النَّصْب عَلَى الْإِغْرَاء ; أَيْ اُنْظُرُوا صُنْع اللَّه . فَيُوقَف عَلَى هَذَا عَلَى &quot; السَّحَاب &quot; وَلَا يُوقَف عَلَيْهِ عَلَى التَّقْدِير الْأَوَّل . وَيَجُوز رَفْعه عَلَى تَقْدِير ذَلِكَ صُنْع اللَّه . &quot; الَّذِي أَتْقَنَ كُلّ شَيْء &quot; أَيْ أَحْكَمَهُ وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رَحِمَ اللَّه مَنْ عَمِلَ عَمَلًا فَأَتْقَنَهُ ) . وَقَالَ قَتَادَة : مَعْنَاهُ أَحْسِنْ كُلّ شَيْء وَالْإِتْقَان الْإِحْكَام ; يُقَال : رَجُل تِقْن أَيْ حَاذِق بِالْأَشْيَاءِ وَقَالَ الزُّهْرِيّ : أَصْله مِنْ اِبْن تِقْن , وَهُوَ رَجُل مِنْ عَاد لَمْ يَكُنْ يَسْقُط لَهُ سَهْم فَضُرِبَ بِهِ الْمَثَل ; يُقَال : أَرْمَى مِنْ اِبْن تِقْن ثُمَّ يُقَال لِكُلِّ حَاذِق بِالْأَشْيَاءِ تِقْن .


خَبِير بِمَا تَفْعَلُونَ &quot; وَالْبَاقُونَ تَفْعَلُونَ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب قِرَاءَة الْجُمْهُور وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو وَهِشَام بِالْيَاءِ . أَيْ عَالِم بِمَا تَفْعَلُونَ';
$TAFSEER['4']['27']['89'] = 'قَالَ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : الْحَسَنَة لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . وَقَالَ أَبُو مَعْشَر : كَانَ إِبْرَاهِيم يَحْلِف بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَلَا يَسْتَثْنِي أَنَّ الْحَسَنَة لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مُحَمَّد رَسُول اللَّه . وَقَالَ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ : غَزَا رَجُل فَكَانَ إِذَا خَلَا بِمَكَانٍ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ فَبَيْنَمَا هُوَ فِي أَرْض الرُّوم فِي أَرْض جلفاء وبردى رَفَعَ صَوْته فَقَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ فَخَرَجَ عَلَيْهِ رَجُل عَلَى فَرَس عَلَيْهِ ثِيَاب بِيض فَقَالَ لَهُ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا الْكَلِمَة الَّتِي قَالَ اللَّه تَعَالَيْ : &quot; مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْر مِنْهَا &quot; وَرَوَى أَبُو ذَرّ قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه أَوْصِنِي , قَالَ : ( اِتَّقِ اللَّه وَإِذَا عَمِلْت سَيِّئَة فَأَتْبِعْهَا حَسَنَة تَمْحُهَا ) قَالَ : قُلْت : يَا رَسُول اللَّه أَمِنَ الْحَسَنَات لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ؟ قَالَ : ( مِنْ أَفْضَل الْحَسَنَات ) وَفِي رِوَايَة قَالَ : ( نَعَمْ هِيَ أَحْسَن الْحَسَنَات ) ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيّ , وَقَالَ قَتَادَة : &quot; مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ &quot; بِالْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيد . وَقِيلَ : أَدَاء الْفَرَائِض كُلّهَا . 

قُلْت : إِذَا أَتَى بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه عَلَى حَقِيقَتهَا وَمَا يَجِب لَهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة [ إِبْرَاهِيم ] فَقَدْ أَتَى بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاص وَالْفَرَائِض .



مِنْهَا &quot; قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ وَصَلَ إِلَيْهِ الْخَيْر مِنْهَا ; وَقَالَهُ مُجَاهِد وَقِيلَ : فَلَهُ الْجَزَاء الْجَمِيل وَهُوَ الْجَنَّة وَلَيْسَ &quot; خَيْر &quot; لِلتَّفْضِيلِ قَالَ عِكْرِمَة وَابْن جُرَيْج : أَمَّا أَنْ يَكُون لَهُ خَيْر مِنْهَا يَعْنِي مِنْ الْإِيمَان فَلَا فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْء خَيْرًا مِمَّنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَلَكِنْ لَهُ مِنْهَا خَيْر وَقِيلَ : &quot; فَلَهُ خَيْر مِنْهَا &quot; لِلتَّفْضِيلِ أَيْ ثَوَاب اللَّه خَيْر مِنْ عَمَل الْعَبْد وَقَوْله وَذِكْره , وَكَذَلِكَ رِضْوَان اللَّه خَيْر لِلْعَبْدِ مِنْ فِعْل الْعَبْد , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقِيلَ : يَرْجِع هَذَا إِلَى الْإِضْعَاف فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يُعْطِيه بِالْوَاحِدَةِ عَشْرًا ; وَبِالْإِيمَانِ فِي مُدَّة يَسِيرَة الثَّوَاب الْأَبَدِيّ قَالَهُ مُحَمَّد بْن كَعْب وَعَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد



&quot; وَهُمْ مِنْ فَزَع يَوْمئِذٍ آمِنُونَ &quot; قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ &quot; فَزَع يَوْمئِذٍ &quot; بِالْإِضَافَةِ . قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَهَذَا أَعْجَب إِلَيَّ لِأَنَّهُ أَعَمّ التَّأْوِيلَيْنِ أَنْ يَكُون الْأَمْن مِنْ جَمِيع فَزَع ذَلِكَ الْيَوْم , وَإِذَا قَالَ : &quot; مِنْ فَزَع يَوْمئِذٍ &quot; صَارَ كَأَنَّهُ فَزَع دُون فَزَع . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَقُرِئَ : &quot; مِنْ فَزَع &quot; بِالتَّنْوِينِ ثُمَّ قِيلَ يَعْنِي بِهِ فَزَعًا وَاحِدًا كَمَا قَالَ : &quot; لَا يَحْزُنهُمْ الْفَزَع الْأَكْبَر &quot; [ الْأَنْبِيَاء : 103 ] وَقِيلَ : عَنَى الْكَثْرَة لِأَنَّهُ مَصْدَر وَالْمَصْدَر صَالِح لِلْكَثْرَةِ . 

قُلْت : فَعَلَى هَذَا تَكُون الْقِرَاءَتَانِ بِمَعْنًى . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَمَنْ قَرَأَ : &quot; مِنْ فَزَع يَوْمئِذٍ &quot; بِالتَّنْوِينِ اِنْتَصَبَ &quot; يَوْمئِذٍ &quot; بِالْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ &quot; فَزَع &quot; وَيَجُوز أَنْ يَكُون صِفَة لِفَزَعٍ وَيَكُون مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ ; لِأَنَّ الْمَصَادِر يُخْبَر عَنْهَا بِأَسْمَاءِ الزَّمَان وَتُوصَف بِهَا , وَيَجُوز أَنْ يَتَعَلَّق بِاسْمِ الْفَاعِل الَّذِي هُوَ &quot; آمِنُونَ &quot; . وَالْإِضَافَة عَلَى الِاتِّسَاع فِي الظُّرُوف , وَمَنْ حَذَفَ التَّنْوِين وَفَتَحَ الْمِيم بَنَاهُ لِأَنَّهُ ظَرْف زَمَان , وَلَيْسَ الْإِعْرَاب فِي ظَرْف الزَّمَان مُتَمَكِّنًا , فَلَمَّا أُضِيفَ إِلَى غَيْر مُتَمَكِّن وَلَا مُعْرَب بُنِيَ . وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ : عَلَى حِين أَلْهَى النَّاس جُلّ أُمُورهمْ فَنَدْلًا رُزَيْق الْمَال نَدْل الثَّعَالِب';
$TAFSEER['4']['27']['90'] = 'جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ &quot; أَيْ بِالشِّرْكِ , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَالنَّخَعِيّ وَأَبُو هُرَيْرَة وَمُجَاهِد وَقَيْس بْن سَعْد وَالْحَسَن , وَهُوَ إِجْمَاع مِنْ أَهْل التَّأْوِيل فِي أَنَّ الْحَسَنَة لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَأَنَّ السَّيِّئَة الشِّرْك فِي هَذِهِ الْآيَة .


فَكُبَّتْ وُجُوههمْ فِي النَّار &quot; قَالَ اِبْن عَبَّاس : أُلْقِيَتْ وَقَالَ الضَّحَّاك : طُرِحَتْ , وَيُقَال كَبَبْت الْإِنَاء أَيْ قَلَبْته عَلَى وَجْهه , وَاللَّازِم مِنْ أَكَبَّ , وَقَلَّمَا يَأْتِي هَذَا فِي كَلَام الْعَرَب


&quot; هَلْ تُجْزَوْنَ &quot; أَيْ يُقَال لَهُمْ هَلْ تُجْزَوْنَ ثُمَّ يَجُوز أَنْ يَكُون مِنْ قَوْل اللَّه , وَيَجُوز أَنْ يَكُون مِنْ قَوْل الْمَلَائِكَة


&quot; أَيْ إِلَّا جَزَاء أَعْمَالكُمْ .';
$TAFSEER['4']['27']['91'] = 'أُمِرْت أَنْ أَعْبُد رَبّ هَذِهِ الْبَلْدَة الَّذِي حَرَّمَهَا &quot; يَعْنِي مَكَّة الَّتِي عَظَّمَ اللَّه حُرْمَتهَا ; أَيْ جَعَلَهَا حَرَمًا آمِنًا ; لَا يُسْفَك فِيهَا دَم , وَلَا يُظْلَم فِيهَا أَحَد , وَلَا يُصَاد فِيهَا صَيْد , وَلَا يُعْضَد فِيهَا شَجَر ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي غَيْر مَوْضِع وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس : &quot; الَّتِي حَرَّمَهَا &quot; نَعْتًا لِلْبَلْدَةِ وَقِرَاءَة الْجَمَاعَة &quot; الَّذِي &quot; وَهُوَ فِي مَوْضِع نَصْب نَعْت لِ &quot; رَبّ &quot; وَلَوْ كَانَ بِالْأَلِفِ وَاللَّام لَقُلْت الْمُحَرِّمُهَا ; فَإِنْ كَانَتْ نَعْتًا لِلْبَلْدَةِ قُلْت الْمُحَرِّمُهَا هُوَ ; لَا بُدّ مِنْ إِظْهَار الْمُضْمَر مَعَ الْأَلِف وَاللَّام ; لِأَنَّ الْفِعْل جَرَى عَلَى غَيْر مَنْ هُوَ لَهُ ; فَإِنْ قُلْت الَّذِي حَرَّمَهَا لَمْ تَحْتَجْ أَنْ تَقُول هُوَ .


شَيْء &quot; خَلْقًا وَمِلْكًا


أَكُون مِنْ الْمُسْلِمِينَ &quot; أَيْ مِنْ الْمُنْقَادِينَ لِأَمْرِهِ , الْمُوَحِّدِينَ لَهُ';
$TAFSEER['4']['27']['92'] = 'أَيْ وَأُمِرْت أَنْ أَتْلُو الْقُرْآن , أَيْ أَقْرَأهُ قَالَ النَّحَّاس : &quot; وَأَنْ أَتْلُو &quot; نُصِبَ بِأَنَّ قَالَ الْفَرَّاء : وَفِي إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ &quot; وَأَنْ أَتْلُ &quot; وَزَعَمَ أَنَّهُ فِي مَوْضِع جَزْم بِالْأَمْرِ فَلِذَلِكَ حَذَفَ مِنْهُ الْوَاو , قَالَ النَّحَّاس : وَلَا نَعْرِف أَحَدًا قَرَأَ هَذِهِ الْقِرَاءَة , وَهِيَ مُخَالِفَة لِجَمِيعِ الْمَصَاحِف .


فَلَهُ هِدَايَته


مِنْ الْمُنْذِرِينَ &quot; فَلَيْسَ عَلَيَّ إِلَّا الْبَلَاغ نَسَخَتْهَا آيَة الْقِتَال .';
$TAFSEER['4']['27']['93'] = 'أَيْ عَلَى نِعَمه وَعَلَى مَا هَدَانَا


أَيْ فِي أَنْفُسكُمْ وَفِي غَيْركُمْ كَمَا قَالَ : &quot; سَنُرِيهِمْ آيَاتنَا فِي الْآفَاق وَفِي أَنْفُسهمْ &quot; [ فُصِّلَتْ : 53 ] &quot; فَتَعْرِفُونَهَا &quot; أَيْ دَلَائِل قُدْرَته وَوَحْدَانِيّته فِي أَنْفُسكُمْ وَفِي السَّمَوَات وَفِي الْأَرْض ; نَظِيره قَوْله تَعَالَى : &quot; وَفِي الْأَرْض آيَات لِلْمُوقِنِينَ . وَفِي أَنْفُسكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ &quot; [ الذَّارِيَات : 20 - 21 ] . &quot; وَمَا رَبّك بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ &quot; قَرَأَ أَهْل الْمَدِينَة وَأَهْل الشَّام وَحَفْص عَنْ عَاصِم بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب ; لِقَوْلِهِ : &quot; سَيُرِيكُمْ آيَاته فَتَعْرِفُونَهَا &quot; فَيَكُون الْكَلَام عَلَى نَسَق وَاحِد . الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ عَلَى أَنْ يُرَدّ إِلَى مَا قَبْله &quot; فَمَنْ اِهْتَدَى &quot; فَأَخْبَرَ عَنْ تِلْكَ الْآيَة . كَمُلَتْ السُّورَة الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّه عَلَى سَيِّدنَا مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبه وَسَلَّمَ.';
$TAFSEER['4']['28']['1'] = 'سُورَة الْقَصَص مَكِّيَّة إِلَّا مِنْ آيَة 52 إِلَى آيَة 55 فَمَدَنِيَّة وَآيَة 85 فَبِالْجُحْفَةِ أَثْنَاء الْهِجْرَة وَآيَاتهَا 88 نَزَلَتْ بَعْد النَّمْل مَكِّيَّة كُلّهَا فِي قَوْل الْحَسَن وَعِكْرِمَة وَعَطَاء وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة إِلَّا آيَة نَزَلَتْ بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة وَقَالَ اِبْن سَلَام : بِالْجُحْفَةِ فِي وَقْت , هِجْرَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة وَهِيَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : &quot; إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْك الْقُرْآن لَرَادّك إِلَى مَعَاد &quot; [ الْقَصَص : 85 ] وَقَالَ مُقَاتِل : فِيهَا مِنْ الْمَدَنِيّ &quot; الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب &quot; [ الْبَقَرَة : 121 ] إِلَى قَوْله : &quot; لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ &quot; [ الْقَصَص : 55 ] وَهِيَ ثَمَانٍ وَثَمَانُونَ آيَة قَرَأَ الْأَعْمَش وَيَحْيَى وَأَبُو بَكْر وَالْمُفَضَّل وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَخَلَف : بِإِمَالَةِ الطَّاء مُشْبَعًا فِي هَذِهِ السُّورَة وَفِي أُخْتَيْهَا . وَقَرَأَ نَافِع وَأَبُو جَعْفَر وَشَيْبَة وَالزُّهْرِيّ : بَيْن اللَّفْظَيْنِ ; وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ مُشْبَعًا . قَالَ الثَّعْلَبِيّ : وَهِيَ كُلّهَا لُغَات فَصِيحَة . وَقَدْ مَضَى فِي [ طه ] قَوْل النَّحَّاس فِي هَذَا . قَالَ النَّحَّاس : وَقَرَأَ الْمَدَنِيُّونَ وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم وَالْكِسَائِيّ : &quot; طسم &quot; بِإِدْغَامِ النُّون فِي الْمِيم , وَالْفَرَّاء يَقُول بِإِخْفَاءِ النُّون . وَقَرَأَ الْأَعْمَش : وَحَمْزَة : &quot; طسين مِيم &quot; بِإِظْهَارِ النُّون . قَالَ النَّحَّاس : لِلنُّونِ السَّاكِنَة وَالتَّنْوِين أَرْبَعَة أَقْسَام عِنْد سِيبَوَيْهِ : يُبَيَّنَانِ عِنْد حُرُوف الْحَلْق , وَيُدْغَمَانِ عِنْد الرَّاء وَاللَّام وَالْمِيم وَالْوَاو وَالْيَاء , وَيُقْلَبَانِ مِيمًا عِنْد الْبَاء وَيَكُونَانِ مِنْ الْخَيَاشِيم ; أَيْ لَا يُبَيَّنَانِ ; فَعَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعَة الْأَقْسَام الَّتِي نَصَّهَا سِيبَوَيْهِ لَا تَجُوز هَذِهِ الْقِرَاءَة ; لِأَنَّهُ لَيْسَ هَا هُنَا حَرْف مِنْ حُرُوف الْحَلْق فَتُبَيَّن النُّون عِنْده , وَلَكِنْ فِي ذَلِكَ وُجَيْه : وَهُوَ أَنَّ حُرُوف الْمُعْجَم حُكْمهَا أَنْ يُوقَف عَلَيْهَا , فَإِذَا وُقِفَ عَلَيْهَا تَبَيَّنَتْ النُّون . قَالَ الثَّعْلَبِيّ : الْإِدْغَام اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم قِيَاسًا عَلَى كُلّ الْقُرْآن , وَإِنَّمَا أَظْهَرَهَا أُولَئِكَ لِلتَّبْيِينِ وَالتَّمْكِين , وَأَدْغَمَهَا هَؤُلَاءِ لِمُجَاوَرَتِهَا حُرُوف الْفَم . قَالَ النَّحَّاس : وَحَكَى أَبُو إِسْحَاق فِي كِتَابه [ فِيمَا يُجْرَى وَفِيمَا لَا يُجْرَى ] أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يُقَال : &quot; طسين مِيم &quot; بِفَتْحِ النُّون وَضَمّ الْمِيم , كَمَا يُقَال هَذَا مَعْدِي كَرِبُ . وَقَالَ قَالَ أَبُو حَاتِم : قَرَأَ خَالِد : &quot; طسين مِيم &quot; . اِبْن عَبَّاس : &quot; طسم &quot; قَسَم وَهُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى , . وَقَالَ قَتَادَة : اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن أَقْسَمَ اللَّه بِهِ . مُجَاهِد : هُوَ اِسْم السُّورَة ; وَيَحْسُن اِفْتِتَاح السُّورَة . الرَّبِيع : حِسَاب مُدَّة قَوْم . وَقِيلَ : قَارِعَة تَحُلّ بِقَوْمٍ . &quot; طسم &quot; وَ &quot; طس &quot; وَاحِد . قَالَ : وَفَاؤُكُمَا كَالرَّبِيعِ أَشْجَاهُ طَاسِمُهْ بِأَنْ تَسْعَدَا وَالدَّمْع أَشْفَاهُ سَاجِمهْ وَقَالَ الْقَرَظِيّ : أَقْسَمَ اللَّه بِطَوْلِهِ وَسَنَائِهِ وَمُلْكه . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل : الطَّاء طُور سَيْنَاء وَالسِّين إِسْكَنْدَرِيَّة وَالْمِيم مَكَّة . وَقَالَ جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ : الطَّاء شَجَرَة طُوبَى , وَالسِّين سِدْرَة الْمُنْتَهَى , وَالْمِيم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : الطَّاء مِنْ الطَّاهِر وَالسِّين مِنْ الْقُدُّوس - وَقِيلَ : مِنْ السَّمِيع وَقِيلَ : مِنْ السَّلَام - وَالْمِيم مِنْ الْمَجِيد . وَقِيلَ : مِنْ الرَّحِيم . وَقِيلَ : مِنْ الْمَلِك . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي أَوَّل سُورَة [ الْبَقَرَة ] . وَالطَّوَاسِيم وَالطَّوَاسِين سُوَر فِي الْقُرْآن جُمِعَتْ عَلَى غَيْر قِيَاس . وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَة : وَبِالطَّوَاسِيمِ الَّتِي قَدْ ثُلِّثَتْ وَبِالْحَوَامِيمِ الَّتِي قَدْ سُبِّعَتْ قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَالصَّوَاب أَنْ تُجْمَع بِذَوَاتِ وَتُضَاف إِلَى وَاحِد , فَيُقَال : ذَوَات طسم وَذَوَات حم .';
$TAFSEER['4']['28']['2'] = 'آيَات الْكِتَاب الْمُبِين &quot; &quot; تِلْكَ &quot; فِي مَوْضِع رَفْع بِمَعْنَى هَذِهِ تِلْكَ وَ &quot; آيَات &quot; بَدَل مِنْهَا . وَيَجُوز أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع نَصْب بِ &quot; نَتْلُو &quot; وَ &quot; آيَات &quot; بَدَل مِنْهَا أَيْضًا ; وَتَنْصِبهَا كَمَا تَقُول : زَيْدًا ضَرَبْت وَ &quot; الْمُبِين &quot; أَيْ الْمُبِين بَرَكَته وَخَيْره , وَالْمُبِين الْحَقّ مِنْ الْبَاطِل , وَالْحَلَال مِنْ الْحَرَام , وَقَصَص الْأَنْبِيَاء , وَنُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; يُقَال : بَانَ الشَّيْء وَأَبَانَ اِتَّضَحَ';
$TAFSEER['4']['28']['3'] = 'أَيْ يَقْرَأ عَلَيْك جِبْرِيل بِأَمْرِنَا



نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْن &quot; أَيْ مِنْ خَبَرهمَا وَ &quot; مِنْ &quot; لِلتَّبْعِيضِ وَ &quot; مِنْ نَبَإِ &quot; مَفْعُول &quot; نَتْلُو &quot; أَيْ نَتْلُو عَلَيْك بَعْض خَبَرهمَا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; تَنْبُت بِالدُّهْنِ &quot; [ الْمُؤْمِنُونَ : 20 ] وَمَعْنَى : &quot; بِالْحَقِّ &quot; أَيْ بِالصِّدْقِ الَّذِي لَا رَيْب فِيهِ وَلَا كَذِب 

ذَكَرَ قِصَّة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَفِرْعَوْن وَقَارُون , وَاحْتَجَّ عَلَى مُشْرِكِي قُرَيْش , وَبَيَّنَ أَنَّ قَرَابَة قَارُون مِنْ مُوسَى لَمْ تَنْفَعهُ مَعَ كُفْره , وَكَذَلِكَ قَرَابَة قُرَيْش لِمُحَمَّدٍ , وَبَيَّنَ أَنَّ فِرْعَوْن عَلَا فِي الْأَرْض وَتَجَبَّرَ , فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ كُفْره , فَلْيُجْتَنَبْ الْعُلُوّ فِي الْأَرْض , وَكَذَلِكَ التَّعَزُّز بِكَثْرَةِ الْمَال , وَهُمَا مِنْ سِيرَة فِرْعَوْن وَقَارُون


لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ &quot; أَيْ يُصَدِّقُونَ بِالْقُرْآنِ وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه ; فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُؤْمِن فَلَا يَعْتَقِد أَنَّهُ حَقّ';
$TAFSEER['4']['28']['4'] = 'فِي الْأَرْض &quot; أَيْ اِسْتَكْبَرَ وَتَجَبَّرَ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ وَقَالَ قَتَادَة : عَلَا فِي نَفْسه عَنْ عِبَادَة رَبّه بِكُفْرِهِ وَادَّعَى الرُّبُوبِيَّة وَقِيلَ : بِمُلْكِهِ وَسُلْطَانه فَصَارَ عَالِيًا عَلَى مَنْ تَحْت يَده &quot; فِي الْأَرْض &quot; أَيْ أَرْض مِصْر


أَيْ فِرَقًا وَأَصَافًا فِي الْخِدْمَة قَالَ الْأَعْشَى : ش وَبَلْدَة يَرْهَب الْجَوَّاب دَجْلَتهَا /و حَتَّى تَرَاهُ عَلَيْهَا يَبْتَغِي الشِّيَعَا 


يَسْتَضْعِف طَائِفَة مِنْهُمْ &quot; أَيْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل


وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ &quot; تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي هَذَا فِي [ الْبَقَرَة ] عِنْد قَوْله : &quot; يَسُومُونَكُمْ سُوء الْعَذَاب يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ &quot; [ الْبَقَرَة : 49 ] الْآيَة ; وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَهَنَة قَالُوا لَهُ : إِنَّ مَوْلُودًا يُولَد فِي بَنِي إِسْرَائِيل يَذْهَب مُلْكك عَلَى يَدَيْهِ , أَوْ قَالَ الْمُنَجِّمُونَ لَهُ ذَلِكَ , أَوْ رَأَى رُؤْيَا فَعُبِرَتْ كَذَلِكَ قَالَ الزَّجَّاج : الْعَجَب مِنْ حُمْقه لَمْ يَدْرِ أَنَّ الْكَاهِن إِنْ صَدَقَ فَالْقَتْل لَا يَنْفَع , وَإِنْ كَذَبَ فَلَا مَعْنَى لِلْقَتْلِ وَقِيلَ : جَعَلَهُمْ شِيَعًا فَاسْتَسْخَرَ كُلّ قَوْم مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل فِي شَغْل مُفْرَد


مِنْ الْمُفْسِدِينَ &quot; أَيْ فِي الْأَرْض بِالْعَمَلِ وَالْمَعَاصِي وَالتَّجَبُّر';
$TAFSEER['4']['28']['5'] = 'وَنُرِيد أَنْ نَمُنّ عَلَى الَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْض &quot; أَيْ نَتَفَضَّل عَلَيْهِمْ وَنُنْعِم وَهَذِهِ حِكَايَة مَضَتْ



وَنَجْعَلهُمْ أَئِمَّة &quot; قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَادَة فِي الْخَيْر مُجَاهِد : دُعَاة إِلَى الْخَيْر . قَتَادَة : وُلَاة وَمُلُوكًا ; دَلِيله قَوْله تَعَالَى : &quot; وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا &quot; [ الْمَائِدَة : 20 ] 

قُلْت : وَهَذَا أَعَمّ فَإِنَّ الْمَلِك إِمَام يُؤْتَمّ بِهِ وَمُقْتَدًى بِهِ .


لِمُلْكِ فِرْعَوْن ; يَرِثُونَ مُلْكه , وَيَسْكُنُونَ مَسَاكِن الْقِبْط وَهَذَا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى : &quot; وَتَمَّتْ كَلِمَة رَبّك الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل بِمَا صَبَرُوا &quot; [ الْأَعْرَاف : 137 ]';
$TAFSEER['4']['28']['6'] = 'أَيْ نَجْعَلهُمْ مُقْتَدِرِينَ عَلَى الْأَرْض وَأَهْلهَا حَتَّى يُسْتَوْلَى عَلَيْهَا ; يَعْنِي أَرْض الشَّام وَمِصْر



وَهَامَان وَجُنُودهمَا &quot; أَيْ وَنُرِيد أَنْ نُرِي فِرْعَوْن وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَيَحْيَى وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَخَلَف : &quot; وَيَرَى &quot; بِالْيَاءِ عَلَى أَنَّهُ فِعْل ثَلَاثِي مِنْ رَأَى &quot; فِرْعَوْن وَهَامَان وَجُنُودهمَا &quot; رَفْعًا لِأَنَّهُ الْفَاعِل الْبَاقُونَ &quot; نُرِي &quot; بِضَمِّ النُّون وَكَسْر الرَّاء عَلَى أَنَّهُ فِعْل رُبَاعِيّ مِنْ أَرَى يُرِي , وَهِيَ عَلَى نَسَق الْكَلَام ; لِأَنَّ قَبْله &quot; وَنُرِيد &quot; وَبَعْده &quot; وَنُمَكِّن &quot; &quot; فِرْعَوْن وَهَامَان وَجُنُودهمَا &quot; نَصْبًا بِوُقُوعِ الْفِعْل وَأَجَازَ الْفَرَّاء &quot; وَيُرِي فِرْعَوْن &quot; بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الرَّاء وَفَتْح الْيَاء وَيُرِي اللَّه فِرْعَوْن



وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أُخْبِرُوا أَنَّ هَلَاكهمْ عَلَى يَدَيْ رَجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل فَكَانُوا عَلَى وَجَل &quot; مِنْهُمْ &quot; فَأَرَاهُمْ اللَّه &quot; مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ &quot; قَالَ قَتَاد : كَانَ حَازِيًا لِفِرْعَوْنَ وَالْحَازِي الْمُنَجِّم قَالَ إِنَّهُ سَيُولَدُ فِي هَذِهِ السَّنَة مَوْلُود يَذْهَب بِمُلْكِك ; فَأَمَرَ فِرْعَوْن بِقَتْلِ الْوِلْدَان فِي تِلْكَ السَّنَة وَقَدْ تَقَدَّمَ';
$TAFSEER['4']['28']['7'] = 'قَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْوَحْي وَمَحَامِله وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الْوَحْي إِلَى أُمّ مُوسَى ; فَقَالَتْ فِرْقَة : كَانَ قَوْلًا فِي مَنَامهَا وَقَالَ قَتَادَة : كَانَ إِلْهَامًا وَقَالَتْ فِرْقَة : كَانَ بِمَلَكٍ يُمَثَّل لَهَا , قَالَ مُقَاتِل أَتَاهَا جِبْرِيل بِذَلِكَ فَعَلَى هَذَا هُوَ وَحْي إِعْلَام لَا إِلْهَام وَأَجْمَعَ الْكُلّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ نَبِيَّة , وَإِنَّمَا إِرْسَال الْمَلَك إِلَيْهَا عَلَى نَحْو تَكْلِيم الْمَلَك لِلْأَقْرَعِ وَالْأَبْرَص وَالْأَعْمَى فِي الْحَدِيث الْمَشْهُور ; خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم , وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَة [ بَرَاءَة ] وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا رُوِيَ مِنْ تَكْلِيم الْمَلَائِكَة لِلنَّاسِ مِنْ غَيْر نُبُوَّة , وَقَدْ سَلَّمَتْ عَلَى عِمْرَان بْن حُصَيْن فَلَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ نَبِيًّا وَاسْمهَا أيارخا وَقِيلَ أيارخت فِيمَا ذَكَرَ السُّهَيْلِيّ وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ : وَاسْم أُمّ مُوسِي لوحا بِنْت هَانِد بْن لَاوَى بْن يَعْقُوب حَكَى الْأَصْمَعِيّ قَالَ : سَمِعْت جَارِيَة أَعْرَابِيَّة تُنْشِد وَتَقُول : أَسْتَغْفِر اللَّه لِذَنْبِي كُلّه قَبَّلْت إِنْسَانًا بِغَيْرِ حِلّه مِثْل الْغَزَال نَاعِمًا فِي دَلِّهِ فَانْتَصَفَ اللَّيْل وَلَمْ أُصَلِّهِ فَقُلْت : قَاتَلَك اللَّه مَا أَفْصَحك ! فَقَالَتْ : أَوَيُعَدّ هَذَا فَصَاحَة مَعَ قَوْل تَعَالَى : &quot; وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ &quot; الْآيَة فَجَمَعَ فِي آيَة وَاحِدَة بَيْن أَمْرَيْنِ وَنَهْيَيْنِ وَخَبَرَيْنِ وَبِشَارَتَيْنِ


&quot; وَقَرَأَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز : &quot; أَنْ اِرْضَعِيهِ &quot; بِكَسْرِ النُّون وَأَلِف وَصْل ; حَذَفَ هَمْزَة أَرْضَعَ تَخْفِيفًا ثُمَّ كَسَرَ النُّون لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ قَالَ مُجَاهِد : وَكَانَ الْوَحْي بِالرَّضَاعِ قَبْل الْوِلَادَة . وَقَالَ غَيْره بَعْدهَا . قَالَ السُّدِّيّ : لَمَّا وَلَدَتْ أُمّ مُوسَى أُمِرَتْ أَنْ تُرْضِعهُ عَقِيب الْوِلَادَة وَتَصْنَع بِهِ بِمَا فِي الْآيَة ; لِأَنَّ الْخَوْف كَانَ عَقِيب الْوِلَادَة وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : أُمِرَتْ بِإِرْضَاعِهِ أَرْبَعَة أَشْهُر فِي بُسْتَان , فَإِذَا خَافَتْ أَنْ يَصِيح لِأَنَّ لَبَنهَا لَا يَكْفِيه صَنَعَتْ بِهِ هَذَا وَالْأَوَّل أَظْهَر إِلَّا أَنَّ الْآخَر يُعَضِّدهُ قَوْله : &quot; فَإِذَا خِفْت عَلَيْهِ &quot;


عَلَيْهِ . . &quot; وَ &quot; إِذَا &quot; لِمَا يُسْتَقْبَل مِنْ الزَّمَان ; فَيُرْوَى أَنَّهَا اِتَّخَذَتْ لَهُ تَابُوتًا مِنْ بَرْدِي وَقَيَّرَتْهُ بِالْقَارِ مِنْ دَاخِله , وَوَضَعَتْ فِيهِ مُوسَى وَأَلْقَتْهُ فِي نِيل مِصْر وَقَدْ مَضَى خَبَره فِي [ طه ] قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيل لَمَّا كَثُرُوا بِمِصْرَ اِسْتَطَالُوا عَلَى النَّاس , وَعَمِلُوا بِالْمَعَاصِي , فَسَلَّطَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْقِبْط , وَسَامُوهُمْ سُوء الْعَذَاب , إِلَى أَنْ نَجَّاهُمْ اللَّه عَلَى يَد مُوسَى قَالَ وَهْب : بَلَغَنِي أَنَّ فِرْعَوْن ذَبَحَ فِي طَلَب مُوسَى سَبْعِينَ أَلْف وَلِيد وَيُقَال : تِسْعُونَ أَلْفًا وَيُرْوَى أَنَّهَا حِين اِقْتَرَبَتْ وَضَرَبَهَا الطَّلْق , وَكَانَتْ بَعْض الْقَوَابِل الْمُوَكَّلَات بِحَبَالَى بَنِي إِسْرَائِيل مُصَافِيَة لَهَا , فَقَالَتْ : لِيَنْفَعنِي حُبّك الْيَوْم , فَعَالَجَتْهَا فَلَمَّا وَقَعَ إِلَى الْأَرْض هَالَهَا نُور بَيْن عَيْنَيْهِ , وَارْتَعَشَ كُلّ مِفْصَل مِنْهَا , وَدَخَلَ حُبّه قَلْبهَا , ثُمَّ قَالَتْ : مَا جِئْتُك إِلَّا لِأَقْتُل مَوْلُودك وَأُخْبِر فِرْعَوْن , وَلَكِنِّي وَجَدْت لِابْنِك حُبًّا مَا وَجَدْت مِثْله قَطُّ , فَاحْفَظِيهِ ; فَلَمَّا خَرَجَتْ جَاءَ عُيُون فِرْعَوْن فَلَفَّتْهُ فِي خِرْقَة وَوَضَعَتْهُ فِي تَنُّور مَسْجُور نَارًا لَمْ تَعْلَم مَا تَصْنَع لَمَّا طَاشَ عَقْلهَا , فَطَلَبُوا فَلَمْ يُلْفُوا شَيْئًا , فَخَرَجُوا وَهِيَ لَا تَدْرِي مَكَانه , فَسَمِعَتْ بُكَاءَهُ مِنْ التَّنُّور , وَقَدْ جَعَلَ اللَّه عَلَيْهِ النَّار بَرْدًا وَسَلَامًا


فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : لَا تَخَافِي عَلَيْهِ الْغَرَق ; قَالَهُ اِبْن زَيْد الثَّانِي : لَا تَخَافِي عَلَيْهِ الضَّيْعَة ; قَالَهُ يَحْيَى بْن سَلَّام


وَلَا تَحْزَنِي &quot; فِيهِ أَيْضًا وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : لَا تَحْزَنِي لِفِرَاقِهِ ; قَالَهُ اِبْن زَيْد الثَّانِي : لَا تَحْزَنِي أَنْ يُقْتَل ; قَالَهُ يَحْيَى بْن سَلَّام فَقِيلَ : إِنَّهَا جَعَلَتْهُ فِي تَابُوت طُوله خَمْسَة أَشْبَار وَعَرْضه خَمْسَة أَشْبَار , وَجَعَلَتْ الْمِفْتَاح مَعَ التَّابُوت وَطَرَحَتْهُ فِي الْيَمّ بَعْد أَنْ أَرْضَعَتْهُ أَرْبَعَة أَشْهُر وَقَالَ آخَرُونَ : ثَلَاثَة أَشْهُر وَقَالَ آخَرُونَ ثَمَانِيَة أَشْهُر ; فِي حِكَايَة الْكَلْبِيّ وَحُكِيَ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ النَّجَّار مِنْ صَنْعَة التَّابُوت نَمَّ إِلَى فِرْعَوْن بِخَبَرِهِ , فَبَعَثَ مَعَهُ مَنْ يَأْخُذهُ , فَطَمَسَ اللَّه عَيْنَيْهِ وَقَلْبه فَلَمْ يَعْرِف الطَّرِيق , فَأَيْقَنَ أَنَّهُ الْمَوْلُود الَّذِي يَخَاف مِنْهُ فِرْعَوْن , فَآمَنَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْت ; وَهُوَ مُؤْمِن آلَ فِرْعَوْن ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ



رَادُّوهُ إِلَيْك وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ &quot; قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَلَمَّا تَوَارَى عَنْهَا نَدَّمَهَا الشَّيْطَان وَقَالَتْ فِي نَفْسهَا : لَوْ ذُبِحَ عِنْدِي فَكَفَّنْته وَوَارَيْته لَكَانَ أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ إِلْقَائِهِ فِي الْبَحْر فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْك وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ &quot; أَيْ إِلَى أَهْل مِصْر';
$TAFSEER['4']['28']['8'] = 'فَالْتَقَطَهُ آلَ فِرْعَوْن لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا &quot; لَمَّا كَانَ اِلْتِقَاطهمْ إِيَّاهُ يُؤَدِّي إِلَى كَوْنه لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ; فَاللَّام فِي &quot; لِيَكُونَ &quot; لَام الْعَاقِبَة وَلَام الصَّيْرُورَة ; لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا أَخَذُوهُ لِيَكُونَ لَهُمْ قُرَّة عَيْن , فَكَانَ عَاقِبَة ذَلِكَ أَنْ كَانَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا , فَذَكَرَ الْحَال بِالْمَآلِ ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَلِلْمَنَايَا تُرَبِّي كُلّ مُرْضِعَة وَدُورنَا لِخَرَابِ الدَّهْر نَبْنِيهَا وَقَالَ آخَر : فَلِلْمَوْتِ تَغْذُو الْوَالِدَات سِخَالهَا كَمَا لِخَرَابِ الدَّهْر تُبْنَى الْمَسَاكِن أَيْ فَعَاقِبَة الْبِنَاء الْخَرَاب وَإِنْ كَانَ فِي الْحَال مَفْرُوحًا بِهِ وَالِالْتِقَاط وُجُود الشَّيْء مِنْ غَيْر طَلَب وَلَا إِرَادَة , وَالْعَرَب تَقُول لَمَّا وَجَدَتْهُ مِنْ غَيْر طَلَب وَلَا إِرَادَة : اِلْتَقَطَهُ اِلْتِقَاطًا وَلَقِيت فُلَانًا اِلْتِقَاطًا قَالَ الرَّاجِز : وَمَنْهَل وَرَدْته اِلْتِقَاطًا وَمِنْ اللُّقَطَة وَقَدْ مَضَى بَيَان ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَام فِي سُورَة [ يُوسُف ] بِمَا فِيهِ كِفَايَة وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَيَحْيَى وَالْمُفَضَّل وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَخَلَف : &quot; وَحُزْنًا &quot; بِضَمِّ الْحَاء وَسُكُون الزَّاي وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهِمَا وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم قَالَ التَّفْخِيم فِيهِ وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْل الْعَدَم وَالْعُدْم , وَالسَّقَم والسُّقْم , وَالرَّشَد وَالرُّشْد


إِنَّ فِرْعَوْن وَهَامَان وَجُنُودهمَا كَانُوا خَاطِئِينَ &quot; &quot; هَامَان &quot; وَكَانَ وَزِيره مِنْ الْقِبْط &quot; خَاطِئِينَ &quot; أَيْ عَاصِينَ مُشْرِكِينَ آثِمِينَ';
$TAFSEER['4']['28']['9'] = 'عَيْن لِي وَلَك لَا تَقْتُلُوهُ &quot; يُرْوَى أَنَّ آسِيَة اِمْرَأَة فِرْعَوْن رَأَتْ التَّابُوت يَعُوم فِي الْبَحْر , فَأَمَرَتْ بِسَوْقِهِ إِلَيْهَا وَفَتْحه فَرَأَتْ فِيهِ صَبِيًّا صَغِيرًا فَرَحِمَتْهُ وَأَحَبَّتْهُ ; فَقَالَتْ لِفِرْعَوْنَ : &quot; قُرَّة عَيْن لِي وَلَك &quot; أَيْ هُوَ قُرَّة عَيْن لِي وَلَك فَ &quot; قُرَّة &quot; خَبَر اِبْتِدَاء مُضْمَر ; قَالَهُ الْكِسَائِيّ وَقَالَ النَّحَّاس : وَفِيهِ وَجْه آخَر بَعِيد ذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاق ; قَالَ : يَكُون رَفْعًا بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر &quot; لَا تَقْتُلُوهُ &quot; وَإِنَّمَا بَعُدَ لِأَنَّهُ يَصِير الْمَعْنَى أَنَّهُ مَعْرُوف بِأَنَّهُ قُرَّة عَيْن وَجَوَازه أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : إِذَا كَانَ قُرَّة عَيْن لِي وَلَك فَلَا تَقْتُلُوهُ . وَقِيلَ : تَمَّ الْكَلَام عِنْد قَوْله : &quot; وَلَك &quot; النَّحَّاس : وَالدَّلِيل عَلَى هَذَا أَنَّ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : &quot; وَقَالَتْ اِمْرَأَة فِرْعَوْن لَا تَقْتُلُوهُ قُرَّة عَيْن لِي وَلَك &quot; وَيَجُوز النَّصْب بِمَعْنَى لَا تَقْتُلُوا قُرَّة عَيْن لِي وَلَك وَقَالَتْ : &quot; لَا تَقْتُلُوهُ &quot; وَلَمْ تَقُلْ لَا تَقْتُلهُ فَهِيَ تُخَاطِب فِرْعَوْن كَمَا يُخَاطَب الْجَبَّارُونَ ; وَكَمَا يُخْبِرُونَ عَنْ أَنْفُسهمْ وَقِيلَ : قَالَتْ : &quot; لَا تَقْتُلُوهُ &quot; فَإِنَّ اللَّه أَتَى بِهِ مِنْ أَرْض أُخْرَى وَلَيْسَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل



نَتَّخِذهُ وَلَدًا &quot; &quot; عَسَى أَنْ يَنْفَعنَا &quot; فَنُصِيب مِنْهُ خَيْرًا &quot; أَوْ نَتَّخِذهُ وَلَدًا &quot; وَكَانَتْ لَا تَلِد , فَاسْتَوْهَبَتْ مُوسَى مِنْ فِرْعَوْن فَوَهَبَهُ لَهَا , وَكَانَ فِرْعَوْن لَمَّا رَأَى الرُّؤْيَا وَقَصَّهَا عَلَى كَهَنَته وَعُلَمَائِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ - قَالُوا لَهُ إِنَّ غُلَامًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل يُفْسِد مُلْكك ; فَأَخَذَ بَنِي إِسْرَائِيل بِذَبْحِ الْأَطْفَال , فَرَأَى أَنَّهُ يَقْطَع نَسْلهمْ فَعَادَ يَذْبَح عَامًا وَيَسْتَحْيِي عَامًا , فَوُلِدَ هَارُون فِي عَام الِاسْتِحْيَاء , وَوُلِدَ مُوسَى فِي عَام الذَّبْح




هَذَا اِبْتِدَاء كَلَام مِنْ اللَّه تَعَالَى ; أَيْ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أَنَّ هَلَاكهمْ بِسَبَبِهِ وَقِيلَ : هُوَ مِنْ كَلَام الْمَرْأَة ; أَيْ وَبَنُو إِسْرَائِيل لَا يَدْرُونَ أَنَّا اِلْتَقَطْنَاهُ , وَلَا يَشْعُرُونَ إِلَّا أَنَّهُ وَلَدنَا وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَوِّلُونَ فِي الْوَقْت الَّذِي قَالَتْ فِيهِ اِمْرَأَة فِرْعَوْن &quot; قُرَّة عَيْن لِي وَلَك &quot; فَقَالَتْ فِرْقَة : كَانَ ذَلِكَ عِنْد اِلْتِقَاطه التَّابُوت لَمَّا أَشْعَرَتْ فِرْعَوْن بِهِ وَلَمَّا أَعْلَمَتْهُ سَبَقَ إِلَى فَهْمه أَنَّهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , وَأَنَّ ذَلِكَ قُصِدَ بِهِ لِيَتَخَلَّص مِنْ الذَّبْح فَقَالَ : عَلَيَّ بِالذَّبَّاحِينَ ; فَقَالَتْ اِمْرَأَته مَا ذُكِرَ فَقَالَ فِرْعَوْن : أَمَّا لِي فَلَا . قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْ قَالَ فِرْعَوْن نَعَمْ لَآمَنَ بِمُوسَى وَلَكَانَ قُرَّة عَيْن لَهُ ) وَقَالَ السُّدِّيّ : بَلْ رَبَّته حَتِّي دَرَجَ فَرَأَى فِرْعَوْن فِيهِ شَهَامَة وَظَنَّهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَأَخَذَهُ فِي يَده , فَمَدَّ مُوسَى يَده وَنَتَفَ لِحْيَة فِرْعَوْن فَهَمَّ حِينَئِذٍ بِذَبْحِهِ , وَحِينَئِذٍ خَاطَبَتْهُ بِهَذَا , وَجَرَّبَتْهُ لَهُ فِي الْيَاقُوتَة وَالْجَمْرَة , فَاحْتَرَقَ لِسَانه وَعَلِقَ الْعُقْدَة عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي [ طه ] قَالَ الْفَرَّاء : سَمِعْت مُحَمَّد بْن مَرْوَان الَّذِي يُقَال لَهُ السُّدِّيّ يَذْكُر عَنْ الْكَلْبِيّ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : إِنَّمَا قَالَتْ &quot; قُرَّة عَيْن لِي وَلَك لَا &quot; ثُمَّ قَالَتْ : &quot; تَقْتُلُوهُ &quot; قَالَ الْفَرَّاء : وَهُوَ لَحْن ; قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَإِنَّمَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِاللَّحْنِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ تَقْتُلُونَهُ بِالنُّونِ ; لِأَنَّ الْفِعْل الْمُسْتَقْبَل مَرْفُوع حَتَّى يَدْخُل عَلَيْهِ النَّاصِب أَوْ الْجَازِم , فَالنُّون فِيهِ عَلَامَة الرَّفْع قَالَ الْفَرَّاء : وَيُقَوِّيك عَلَى رَدّه قِرَاءَة عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود &quot; وَقَالَتْ اِمْرَأَة فِرْعَوْن لَا تَقْتُلُوهُ قُرَّة عَيْن لِي وَلَك &quot; بِتَقْدِيمِ &quot; لَا تَقْتُلُوهُ &quot;';
$TAFSEER['4']['28']['10'] = 'وَأَصْبَحَ فُؤَاد أُمّ مُوسَى فَارِغًا &quot; قَالَ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَمُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَأَبُو عِمْرَان الْجَوْنِيّ وَأَبُو عُبَيْدَة : &quot; فَارِغًا &quot; أَيْ خَالِيًا مِنْ ذِكْر كُلّ شَيْء فِي الدُّنْيَا إِلَّا مِنْ ذِكْر مُوسَى وَقَالَ الْحَسَن أَيْضًا وَابْن إِسْحَاق وَابْن زَيْد : &quot; فَارِغًا &quot; مِنْ الْوَحْي إِذْ أَوْحَى إِلَيْهَا حِين أُمِرَتْ أَنْ تُلْقِيه فِي الْبَحْر &quot; لَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي &quot; وَالْعَهْد الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْهَا أَنْ يَرُدّهُ وَيَجْعَلهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ ; فَقَالَ لَهَا الشَّيْطَان : يَا أُمّ مُوسَى كَرِهْت أَنْ يَقْتُل فِرْعَوْن مُوسَى فَغَرَّقْتِيهِ أَنْتِ ! ثُمَّ بَلَّغَهَا أَنَّ وَلَدهَا وَقَعَ فِي يَد فِرْعَوْن فَأَنْسَاهَا عِظَم الْبَلَاء مَا كَانَ مِنْ عَهْد اللَّه إِلَيْهَا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : &quot; فَارِغًا &quot; مِنْ الْغَمّ وَالْحُزْن لِعِلْمِهَا أَنَّهُ لَمْ يَغْرَق ; وَقَالَهُ الْأَخْفَش أَيْضًا وَقَالَ الْعَلَاء بْن زِيَاد : &quot; فَارِغًا &quot; نَافِرًا الْكِسَائِيّ : نَاسِيًا ذَاهِلًا وَقِيلَ : وَالِهًا ; رَوَاهُ سَعِيد بْن جُبَيْر اِبْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك : هُوَ ذَهَاب الْعَقْل ; وَالْمَعْنَى أَنَّهَا حِين سَمِعَتْ بِوُقُوعِهِ فِي يَد فِرْعَوْن طَارَ عَقْلهَا مِنْ فَرْط الْجَزَع وَالدَّهَش , وَنَحْوه قَوْله تَعَالَى : &quot; وَأَفْئِدَتهمْ هَوَاء &quot; [ إِبْرَاهِيم : 43 ] أَيْ جَوْف لَا عُقُول لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَة [ إِبْرَاهِيم ] وَذَلِكَ أَنَّ الْقُلُوب مَرَاكِز الْعُقُول ; أَلَا تَرَى إِلَى قَوْله تَعَالَى : &quot; فَتَكُون لَهُمْ قُلُوب يَعْقِلُونَ بِهَا &quot; [ الْحَجّ : 46 ] وَيَدُلّ عَلَيْهِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : &quot; فَزِعًا &quot; النَّحَّاس : أَصَحّ هَذِهِ الْأَقْوَال الْأَوَّل , وَاَلَّذِينَ قَالُوهُ أَعْلَم بِكِتَابِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ; فَإِذَا كَانَ فَارِغًا مِنْ كُلّ شَيْء إِلَّا مِنْ ذِكْر مُوسَى فَهُوَ فَارِغ مِنْ الْوَحْي وَقَوْل أَبِي عُبَيْدَة فَارِغًا مِنْ الْغَمّ غَلَط قَبِيح ; لِأَنَّ بَعْده &quot; إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبهَا &quot; [ الْقَصَص : 10 ] وَرَوَى سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَادَتْ تَقُول وَا اِبْنَاهُ ! وَقَرَأَ فَضَالَة بْن عُبَيْد الْأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَمُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع وَأَبُو الْعَالِيَة وَابْن مُحَيْصِن : &quot; فَزِعًا &quot; بِالْفَاءِ وَالْعَيْن الْمُهْمَلَة مِنْ الْفَزَع , أَيْ خَائِفَة عَلَيْهِ أَنْ يُقْتَل اِبْن عَبَّاس : &quot; قَرَعًا &quot; بِالْقَافِ وَالرَّاء وَالْعَيْن الْمُهْمَلَتَيْنِ , وَهِيَ رَاجِعَة إِلَى قِرَاءَة الْجَمَاعَة &quot; فَارِغًا &quot; وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلرَّأْسِ الَّذِي لَا شَعْر عَلَيْهِ : أَقْرَع ; لِفَرَاغِهِ مِنْ الشَّعْر وَحَكَى قُطْرُب أَنَّ بَعْض أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ : &quot; فِرْغًا &quot; : بِالْفَاءِ وَالرَّاء وَالْغَيْن الْمُعْجَمَة مِنْ غَيْر أَلِف , وَهُوَ كَقَوْلِك : هَدَرًا وَبَاطِلًا ; يُقَال : دِمَاؤُهُمْ بَيْنهمْ فِرْغ أَيْ هَدَر ; وَالْمَعْنَى بَطَلَ قَلْبهَا وَذَهَبَ وَبَقِيَتْ لَا قَلْب لَهَا مِنْ شِدَّة مَا وَرَدَ عَلَيْهَا وَفِي قَوْل تَعَالَى : &quot; وَأَصْبَحَ &quot; وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهَا أَلْقَتْهُ لَيْلًا فَأَصْبَحَ فُؤَادهَا فِي النَّهَار فَارِغًا الثَّانِي : أَلْقَتْهُ نَهَارًا وَمَعْنَى : &quot; وَأَصْبَحَ &quot; أَيْ صَارَ ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : مَضَى الْخُلَفَاء بِالْأَمْرِ الرَّشِيد وَأَصْبَحَتْ الْمَدِينَة لِلْوَلِيدِ 



أَيْ إِنَّهَا كَادَتْ ; فَلَمَّا حُذِفَتْ الْكِنَايَة سُكِّنَتْ النُّون فَهِيَ &quot; إِنْ &quot; الْمُخَفَّفَة وَلِذَلِكَ دَخَلَتْ اللَّام فِي &quot; لَتُبْدِي بِهِ &quot; أَيْ لَتُظْهِر أَمْره ; مِنْ بَدَا يَبْدُو إِذَا ظَهَرَ قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ تَصِيح عِنْد إِلْقَائِهِ : وَا ابْنَاهُ السُّدِّيّ : كَادَتْ تَقُول لَمَّا حُمِلَتْ لِإِرْضَاعِهِ وَحَضَانَته هُوَ اِبْنِي وَقِيلَ : إِنَّهُ لَمَّا شَبَّ سَمِعْت النَّاس يَقُولُونَ مُوسَى بْن فِرْعَوْن ; فَشَقَّ عَلَيْهَا وَضَاقَ صَدْرهَا , وَكَادَتْ تَقُول هُوَ اِبْنِي وَقِيلَ : الْهَاء فِي &quot; بِهِ &quot; عَائِدَة إِلَى الْوَحْي تَقْدِيره : إِنْ كَانَتْ لَتُبْدِي بِالْوَحْيِ الَّذِي أَوْحَيْنَاهُ إِلَيْهَا أَنْ نَرُدّهُ عَلَيْهَا وَالْأَوَّل أَظْهَر قَالَ اِبْن مَسْعُود : كَادَتْ تَقُول أَنَا أُمّه وَقَالَ الْفَرَّاء : إِنْ كَانَتْ لَتُبْدِي بِاسْمِهِ لِضِيقِ صَدْرهَا وَقَالَ : &quot; لَتُبْدِي بِهِ &quot; وَلَمْ يَقُلْ : لَتُبْدِيهِ ; لِأَنَّ حُرُوف الصِّفَات قَدْ تُزَاد فِي الْكَلَام ; تَقُول : أَخَذْت الْحَبْل وَبِالْحَبْلِ وَقِيلَ : أَيْ لَتُبْدِي الْقَوْل بِهِ


قَالَ قَتَادَة : بِالْإِيمَانِ السُّدِّيّ : بِالْعِصْمَةِ وَقِيلَ : بِالصَّبْرِ وَالرَّبْط عَلَى الْقَلْب : إِلْهَام الصَّبْر



مِنْ الْمُؤْمِنِينَ &quot; أَيْ مِنْ الْمُصَدِّقِينَ بِوَعْدِ اللَّه حِين قَالَ لَهَا : &quot; إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْك &quot; [ الْقَصَص : 7 ] وَقَالَ &quot; لَتُبْدِي بِهِ &quot; وَلَمْ يَقُلْ لَتُبْدِيهِ ; لِأَنَّ حُرُوف الصِّفَات قَدْ تُزَاد فِي الْكَلَام ; تَقُول : أَخَذْت الْحَبْل وَبِالْحَبْلِ . وَقِيلَ : أَيْ لَتُبْدِي الْقَوْل بِهِ .';
$TAFSEER['4']['28']['11'] = 'أَيْ قَالَتْ أُمّ مُوسَى لِأُخْتِ مُوسَى : اِتَّبِعِي أَثَره حَتَّى تَعْلَمِي خَبَره وَاسْمهَا مَرْيَم بِنْت عِمْرَان ; وَافَقَ اِسْمهَا اِسْم مَرْيَم أُمّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام ; ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيّ وَالثَّعْلَبِيّ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ عَنْ الضَّحَّاك : أَنَّ اِسْمهَا كَلْثَمَة وَقَالَ السُّهَيْلِيّ : كُلْثُوم ; جَاءَ ذَلِكَ فِي حَدِيث رَوَاهُ الزُّبَيْر بْن بَكَّار أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِخَدِيجَةَ : ( أَشَعَرْت أَنَّ اللَّه زَوَّجَنِي مَعَك فِي الْجَنَّة مَرْيَم بِنْت عِمْرَان وَكُلْثُوم أُخْت مُوسَى وَآسِيَة اِمْرَأَة فِرْعَوْن ) فَقَالَتْ : اللَّه أَخْبَرَك بِهَذَا ؟ فَقَالَ : ( نَعَمْ ) فَقَالَتْ : بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ



فَبَصُرَتْ بِهِ عَ جُنُب &quot; أَيْ بُعْد ; قَالَ مُجَاهِد وَمِنْهُ الْأَجْنَبِيّ قَالَ الشَّاعِر : فَلَا تَحْرِمَنِّي نَائِلًا عَنْ جَنَابَة /و فَإِنِّي اِمْرُؤٌ وَسْط الْقِبَاب غَرِيب ش وَأَصْله عَنْ مَكَان جُنُب وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : &quot; عَنْ جُنُب &quot; أَيْ عَنْ جَانِب وَقَرَأَ النُّعْمَان بْن سَالِم : &quot; عَنْ جَانِب &quot; أَيْ عَنْ نَاحِيَة وَقِيلَ : عَنْ شَوْق ; وَحَكَى أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء أَنَّهَا لُغَة لِجُذَامٍ ; يَقُولُونَ : جَنَبْت إِلَيْك أَيْ اِشْتَقْت وَقِيلَ : &quot; عَنْ جُنُب &quot; أَيْ عَنْ مُجَانَبَة لَهَا مِنْهُ فَلَمْ يَعْرِفُوا أَنَّهَا أُمّه بِسَبِيلٍ وَقَالَ قَتَادَة : جَعَلَتْ تَنْظُر إِلَيْهِ بِنَاحِيَةٍ كَأَنَّهَا لَا تُرِيدهُ , وَكَانَ يَقْرَأ : &quot; عَنْ جَنْب &quot; بِفَتْحِ الْجِيم وَإِسْكَان النُّون



لَا يَشْعُرُونَ &quot; أَنَّهَا أُخْته لِأَنَّهَا كَانَتْ تَمْشِي عَلَى سَاحِل الْبَحْر حَتَّى رَأَتْهُمْ قَدْ أَخَذُوهُ';
$TAFSEER['4']['28']['12'] = 'عَلَيْهِ الْمَرَاضِع مِنْ قَبْل &quot; أَيْ مَنَعْنَاهُ مِنْ الِارْتِضَاع مِنْ قَبْل ; أَيْ مِنْ قَبْل مَجِيء أُمّه وَأُخْته وَ &quot; الْمَرَاضِع &quot; جَمْع مُرْضِع وَمَنْ قَالَ مَرَاضِيع فَهُوَ جَمْع مِرْضَاع , وَمِفْعَال يَكُون لِلتَّكْثِيرِ , وَلَا تَدْخُل الْهَاء فِيهِ فَرْقًا بَيْن الْمُؤَنَّث وَالْمُذَكَّر لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَارٍ عَلَى الْفِعْل , وَلَكِنْ مَنْ قَالَ مِرْضَاعَة جَاءَ بِالْهَاءِ لِلْمُبَالَغَةِ ; كَمَا يُقَال مِطْرَابَة قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَا يُؤْتَى بِمُرْضِعٍ فَيَقْبَلهَا وَهَذَا تَحْرِيم مَنْع لَا تَحْرِيم شَرْع ; قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : جَالَتْ لِتَصْرَعنِي فَقُلْت لَهَا اُقْصُرِي إِنِّي اِمْرُؤٌ صَرْعِي عَلَيْك حَرَام أَيْ مُمْتَنِع



عَلَى أَهْل بَيْت يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ &quot; فَلَمَّا رَأَتْ أُخْته ذَلِكَ قَالَتْ : &quot; هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى أَهْل بَيْت يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ &quot; الْآيَة فَقَالُوا لَهَا عِنْد قَوْلهَا : &quot; وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ &quot; وَمَا يُدْرِيك ؟ لَعَلَّك تَعْرِفِينَ أَهْله ؟ فَقَالَتْ : لَا , وَلَكِنَّهُمْ يَحْرِصُونَ عَلَى مَسَرَّة الْمَلِك , وَيَرْغَبُونَ فِي ظِئْره وَقَالَ السُّدِّيّ وَابْن جُرَيْج : قِيلَ لَهَا لَمَّا قَالَتْ : &quot; وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ &quot; قَدْ عَرَفْت أَهْل هَذَا الصَّبِيّ فَدُلِّينَا عَلَيْهِمْ , فَقَالَتْ : أَرَدْت وَهُمْ لِلْمَلِكِ نَاصِحُونَ فَدَلَّتْهُمْ عَلَى أُمّ مُوسَى , فَانْطَلَقَتْ إِلَيْهَا بِأَمْرِهِمْ فَجَاءَتْ بِهَا , وَالصَّبِيّ عَلَى يَد فِرْعَوْن يُعَلِّلهُ شَفَقَة عَلَيْهِ , وَهُوَ يَبْكِي يَطْلُب الرَّضَاع , فَدَفَعَهُ إِلَيْهَا ; فَلَمَّا وَجَدَ الصَّبِيّ رِيح أُمَّة قَبِلَ ثَدْيهَا وَقَالَ اِبْن زَيْد اسْتَرَابُوهَا حِين قَالَتْ ذَلِكَ فَقَالَتْ : وَهُمْ لِلْمَلِكِ نَاصِحُونَ وَقِيلَ : إِنَّهَا لَمَّا قَالَتْ : &quot; هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى أَهْل بَيْت يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ &quot; وَكَانُوا يُبَالِغُونَ فِي طَلَب مُرْضِعَة يَقْبَل ثَدْيهَا فَقَالُوا : مَنْ هِيَ ؟ فَقَالَتْ : أُمِّي , فَقِيلَ : لَهَا لُبُن ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ! لَبَن هَارُون وَكَانَ وُلِدَ فِي سَنَة لَا يُقْتَل فِيهَا الصِّبْيَان فَقَالُوا صَدَقَتْ وَاَللَّه



نَاصِحُونَ &quot; أَيْ فِيهِمْ شَفَقَة وَنُصْح , فَرُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لِأُمِّ مُوسَى حِين اِرْتَضَعَ مِنْهَا : كَيْف اِرْتَضَعَ مِنْك وَلَمْ يَرْتَضِع مِنْ غَيْرك ؟ فَقَالَتْ : إِنِّي اِمْرَأَة طَيِّبَة الرِّيح طَيِّبَة اللَّبَن , لَا أَكَاد أُوتَى بِصَبِيٍّ إِلَّا اِرْتَضَعَ مِنِّي قَالَ أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيّ : وَكَانَ فِرْعَوْن يُعْطِي أُمّ مُوسَى كُلّ يَوْم دِينَارًا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ : فَإِنْ قُلْت كَيْف حَلَّ لَهَا أَنْ تَأْخُذ الْأَجْر عَلَى إِرْضَاع وَلَدهَا ؟ قُلْت : مَا كَانَتْ تَأْخُذهُ عَلَى أَنَّهُ أَجْر عَلَى الرَّضَاع , وَلَكِنَّهُ مَال حَرْبِيّ تَأْخُذهُ عَلَى وَجْه الِاسْتِبَاحَة .';
$TAFSEER['4']['28']['13'] = 'أَيْ رَدَدْنَاهُ وَقَدْ عَطَفَ اللَّه قَلْب الْعَدُوّ عَلَيْهِ , وَوَفَّيْنَا لَهَا بِالْوَعْدِ


أَيْ بِوَلَدِهَا



أَيْ بِفِرَاقِ وَلَدهَا


&quot; أَيْ لِتَعْلَم وُقُوعه فَإِنَّهَا كَانَتْ عَالِمَة بِأَنَّ رَدّه إِلَيْهَا سَيَكُونُ .



وَلَكِنَّ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ &quot; يَعْنِي أَكْثَر آلَ فِرْعَوْن لَا يَعْلَمُونَ ; أَيْ كَانُوا فِي غَفْلَة عَنْ التَّقْرِير وَسِرّ الْقَضَاء وَقِيلَ : أَيْ أَكْثَر النَّاس لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ وَعْد اللَّه فِي كُلّ مَا وَعَدَ حَقّ';
$TAFSEER['4']['28']['14'] = 'وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا &quot; قَدْ مَضَى الْكَلَام فِي الْأَشُدّ فِي [ الْأَنْعَام ] وَقَوْل رَبِيعَة وَمَالِك أَنَّهُ الْحُلُم أَوْلَى مَا قِيلَ فِيهِ , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاح &quot; [ النِّسَاء : 6 ] فَإِنَّ ذَلِكَ أَوَّل الْأَشُدّ , وَأَقْصَاهُ أَرْبَع وَثَلَاثُونَ سَنَة , وَهُوَ قَوْل سُفْيَان الثَّوْرِيّ , &quot; وَاسْتَوَى &quot; قَالَ اِبْن عَبَّاس : بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَة وَالْحُكْم : الْحِكْمَة قَبْل النُّبُوَّة وَقِيلَ : الْفِقَة فِي الدِّين وَقَدْ مَضَى بَيَانهَا فِي [ الْبَقَرَة ] وَغَيْرهَا وَالْعِلْم الْفَهْم فِي قَوْل السُّدِّيّ وَقِيلَ : النُّبُوَّة وَقَالَ مُجَاهِد : الْفِقْه مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : أَيْ الْعِلْم بِمَا فِي دِينه وَدِين آبَائِهِ , وَكَانَ لَهُ تِسْعَة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل يَسْمَعُونَ مِنْهُ , وَيَقْتَدُونَ بِهِ , وَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ , وَكَانَ هَذَا قَبْل النُّبُوَّة


&quot; أَيْ كَمَا جَزَيْنَا أُمّ مُوسَى لَمَّا اِسْتَسْلَمَتْ لِأَمْرِ اللَّه , وَأَلْقَتْ وَلَدهَا فِي الْبَحْر , وَصَدَّقَتْ بِوَعْدِ اللَّه , فَرَدَدْنَا وَلَدهَا إِلَيْهَا بِالتُّحَفِ وَالطُّرَف وَهِيَ آمِنَة , ثُمَّ وَهَبْنَا لَهُ الْعَقْل وَالْحِكْمَة وَالنُّبُوَّة , وَكَذَلِكَ نَجْزِي كُلّ مُحْسِن ,';
$TAFSEER['4']['28']['15'] = 'أَهْلهَا . ... &quot; قِيلَ : لَمَّا عَرَفَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقّ فِي دِينه , عَابَ مَا عَلَيْهِ قَوْم فِرْعَوْن ; وَفَشَا ذَلِكَ , مِنْهُ فَأَخَافُوهُ فَخَافَهُمْ , فَكَانَ لَا يَدْخُل مَدِينَة فِرْعَوْن إِلَّا خَائِفًا مُسْتَخْفِيًا وَقَالَ السُّدِّيّ : كَانَ مُوسَى فِي وَقْت هَذِهِ الْقِصَّة عَلَى رَسْم التَّعَلُّق بِفِرْعَوْنَ , وَكَانَ يَرْكَب مَرَاكِبه , حَتَّى كَانَ يُدْعَى مُوسَى بْن فِرْعَوْن ; فَرَكِبَ فِرْعَوْن يَوْمًا وَسَارَ إِلَى مَدِينَة مِنْ مَدَائِن مِصْر يُقَال لَهَا مَنْف قَالَ مُقَاتِل عَلَى رَأْس فَرْسَخَيْنِ مِنْ مِصْر ثُمَّ عَلِمَ مُوسَى بِرُكُوبِ فِرْعَوْن , فَرَكِبَ بَعْده وَلَحِقَ بِتِلْكَ الْقَرْيَة فِي وَقْت الْقَائِلَة , وَهُوَ وَقْت الْغَفْلَة ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَالَ أَيْضًا : هُوَ بَيْن الْعِشَاء وَالْعَتَمَة وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق : بَلْ الْمَدِينَة مِصْر نَفْسهَا , وَكَانَ مُوسَى فِي هَذَا الْوَقْت قَدْ أَظْهَرَ خِلَاف فِرْعَوْن , وَعَابَ عَلَيْهِمْ عِبَادَة فِرْعَوْن وَالْأَصْنَام , فَدَخَلَ مَدِينَة فِرْعَوْن يَوْمًا عَلَى حِين غَفْلَة مِنْ أَهْلهَا قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَقَتَادَة : وَقْت الظَّهِيرَة وَالنَّاس نِيَام وَقَالَ اِبْن زَيْد : كَانَ فِرْعَوْن قَدْ نَابَذَ مُوسَى وَأَخْرَجَهُ مِنْ الْمَدِينَة , وَغَابَ عَنْهَا سِنِينَ وَجَاءَ وَالنَّاس عَلَى غَفْلَة بِنِسْيَانِهِمْ لِأَمْرِهِ , وَبُعْد عَهْدهمْ بِهِ , وَكَانَ ذَلِكَ يَوْم عِيد وَقَالَ الضَّحَّاك : طَلَبَ أَنْ يَدْخُل الْمَدِينَة وَقْت غَفْلَة أَهْلهَا , فَدَخَلَهَا حِين عَلِمَ ذَلِكَ مِنْهُمْ , فَكَانَ مِنْهُ مِنْ قَتْل الرَّجُل مِنْ قَبْل أَنْ يُؤْمَر بِقَتْلِهِ , فَاسْتَغْفَرَ رَبّه فَغَفَرَ لَهُ وَيُقَال فِي الْكَلَام : دَخَلْت الْمَدِينَة حِين غَفَلَ أَهْلهَا , وَلَا يُقَال : عَلَى حِين غَفَلَ أَهْلهَا ; فَدَخَلْت &quot; عَلَى &quot; فِي هَذِهِ الْآيَة لِأَنَّ الْغَفْلَة هِيَ الْمَقْصُودَة ; فَصَارَ هَذَا كَمَا تَقُول : جِئْت عَلَى غَفْلَة , وَإِنْ شِئْت قُلْت : جِئْت عَلَى حِين غَفْلَة , وَكَذَا الْآيَة



وَالْمَعْنَى : إِذَا نَظَرَ إِلَيْهِمَا النَّاظِر قَالَ هَذَا مِنْ شِيعَته ; أَيْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل


وَهَذَا مِنْ عَدُوّهُ &quot; أَيْ مِنْ قَوْم فِرْعَوْن



أَيْ طَلَبَ نَصْره وَغَوْثه , وَكَذَا قَالَ فِي الْآيَة بَعْدهَا : &quot; فَإِذَا الَّذِي اِسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخهُ &quot; أَيْ يَسْتَغِيث بِهِ عَلَى قِبْطِيّ آخَر وَإِنَّمَا أَغَاثَهُ لِأَنَّ نَصْر الْمَظْلُوم دِين فِي الْمِلَل كُلّهَا عَلَى الْأُمَم , وَفَرْض فِي جَمِيع الشَّرَائِع قَالَ قَتَادَة : أَرَادَ الْقِبْطِيّ أَنْ يُسَخِّر الْإِسْرَائِيلِيّ لِيَحْمِل حَطَبًا لِمَطْبَخِ فِرْعَوْن فَأَبَى عَلَيْهِ , فَاسْتَغَاثَ بِمُوسَى قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : وَكَانَ خَبَّازًا لِفِرْعَوْنَ



فَوَكْزَة مُوسَى . . &quot; قَالَ قَتَادَة : بِعَصَاهُ وَقَالَ مُجَاهِد : بِكَفِّهِ ; أَيْ دَفَعَهُ وَالْوَكْز وَاللَّكْز وَاللَّهْز وَاللَّهْد بِمَعْنًى وَاحِد , وَهُوَ الضَّرْب بِجُمْعِ الْكَفّ مَجْمُوعًا كَعَقْدِ ثَلَاثَة وَسَبْعِينَ وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود : &quot; فَلَكْزَة &quot; وَقِيلَ : اللَّكْز فِي اللَّحْي وَالْوَكْز عَلَى الْقَلْب وَحَكَى الثَّعْلَبِيّ أَنَّ فِي مُصْحَف عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود &quot; فَنَكَزَهُ &quot; بِالنُّونِ وَالْمَعْنَى وَاحِد وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَة : اللَّكْز الضَّرْب بِالْجُمْعِ عَلَى الصَّدْر وَقَالَ أَبُو زَيْد : فِي جَمِيع الْجَسَد , وَاللَّهْز : الضَّرْب بِجُمْعِ الْيَد فِي الصَّدْر مِثْل اللَّكْز ; عَنْ أَبِي عُبَيْدَة أَيْضًا وَقَالَ أَبُو زَيْد : هُوَ بِالْجُمْعِ فِي اللَّهَازِم وَالرَّقَبَة ; وَالرِّجْل مِلْهَز بِكَسْرِ الْمِيم وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ : نَكَزَهُ ; أَيْ ضَرَبَهُ وَدَفَعَهُ الْكِسَائِيّ : نَهَزَهُ مِثْل نَكَزَهُ وَوَكَزَهُ , أَيْ ضَرَبَهُ وَدَفَعَهُ وَلَهَدَهُ لَهْدًا أَيْ دَفَعَهُ لِذُلِّهِ فَهُوَ مَلْهُود ; وَكَذَلِكَ لَهَدَهُ ; قَالَ طَرَفَة يَذُمّ رَجُلًا : بَطِيء عَنْ الدَّاعِي سَرِيع إِلَى الْخَنَا ذَلُول بِأَجْمَاعِ الرِّجَال مُلَهَّد أَيْ مُدَفَّع وَإِنَّمَا شُدِّدَ لِلْكَثْرَةِ وَقَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : فَلَهَدَنِي تَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهْدَة أَوْجَعَنِي ; خَرَّجَهُ مُسْلِم فَفَعَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ذَلِكَ وَهُوَ لَا يُرِيد قَتْله , إِنَّمَا قَصَدَ دَفْعه فَكَانَتْ فِيهِ نَفْسه , وَهُوَ مَعْنَى : &quot; فَقَضَى عَلَيْهِ &quot; وَكُلّ شَيْء أَتَيْت عَلَيْهِ وَفَرَغْت مِنْهُ فَقَدْ قَضَيْت عَلَيْهِ قَالَ : قَدْ عَضَّهُ فَقَضَى عَلَيْهِ الْأَشْجَع 


الشَّيْطَان . .. &quot; أَيْ مِنْ إِغْوَائِهِ قَالَ الْحَسَن : لَمْ يَكُنْ يَحِلّ قَتْل الْكَافِر يَوْمئِذٍ فِي تِلْكَ الْحَال ; لِأَنَّهَا كَانَتْ حَال كَفّ عَنْ الْقِتَال . &quot; إِنَّهُ عَدُوّ مُضِلّ مُبِين &quot; خَبَر بَعْد خَبَر';
$TAFSEER['4']['28']['16'] = 'إِنِّي ظَلَمْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ . ... &quot; نَدِمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى ذَلِكَ الْوَكْز الَّذِي كَانَ فِيهِ ذَهَاب النَّفْس , فَحَمَلَهُ نَدَمه عَلَى الْخُضُوع لِرَبِّهِ وَالِاسْتِغْفَار مِنْ ذَنْبه قَالَ قَتَادَة : عَرَفَ وَاَللَّه الْمَخْرَج فَاسْتَغْفَرَ ; ثُمَّ لَمْ يَزَلْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَدِّد ذَلِكَ عَلَى نَفْسه , مَعَ عِلْمه بِأَنَّهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ , حَتَّى أَنَّهُ فِي الْقِيَامَة يَقُول : إِنِّي قَتَلْت نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا وَإِنَّمَا عَدَّدَهُ عَلَى نَفْسه ذَنْبًا وَقَالَ : &quot; ظَلَمْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي &quot; مِنْ أَجْل أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَقْتُل حَتِّي يُؤْمَر , وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَنْبِيَاء يُشْفِقُونَ مِمَّا لَا يُشْفِق مِنْهُ غَيْرهمْ قَالَ النَّقَّاش : لَمْ يَقْتُلهُ عَنْ عَمْد مُرِيدًا لِلْقَتْلِ , وَإِنَّمَا وَكَزَهُ وَكْزَة يُرِيد بِهَا دَفْع ظُلْمه قَالَ وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذَا كَانَ قَبْل النُّبُوَّة وَقَالَ كَعْب : كَانَ إِذْ ذَاكَ اِبْن اِثْنَتَيْ عَشْرَة سَنَة , وَكَانَ قَتْله مَعَ ذَلِكَ خَطَأ ; فَإِنَّ الْوَكْزَة وَاللَّكْزَة فِي الْغَالِب لَا تَقْتُل وَرَوَى مُسْلِم عَنْ سَالِم بْن عَبْد اللَّه أَنَّهُ قَالَ : يَا أَهْل الْعِرَاق مَا أَسْأَلكُمْ عَنْ الصَّغِيرَة وَأَرْكَبكُمْ لِلْكَبِيرَةِ سَمِعْت أَبِي عَبْد اللَّه بْن عُمَر يَقُول سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( إِنَّ الْفِتْنَة تَجِيء مِنْ هَاهُنَا وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْو الْمَشْرِق - مِنْ حَيْثُ يَطْلُع قَرْنَا الشَّيْطَان وَأَنْتُمْ بَعْضكُمْ يَضْرِب رِقَاب بَعْض وَإِنَّمَا قَتَلَ مُوسَى الَّذِي قَتَلَ مِنْ آلَ فِرْعَوْن خَطَأ فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : &quot; وَقَتَلْت نَفْسًا فَنَجَّيْنَاك مِنْ الْغَمّ وَفَتَنَّاك فُتُونًا &quot; [ طه : 40 ] ) 

قُلْت : قَوْله : &quot; فَغَفَرَ لَهُ &quot; يَدُلّ عَلَى الْمَغْفِرَة ; وَاَللَّه أَعْلَم';
$TAFSEER['4']['28']['17'] = 'بِمَا أَنْعَمْت عَلَيَّ فَلَنْ أَكُون ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ &quot; فِيهِ مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى &quot; قَالَ رَبّ بِمَا أَنْعَمْت عَلَيَّ &quot; أَيْ مِنْ الْمَعْرِفَة وَالْحُكْم وَالتَّوْحِيد &quot; فَلَنْ أَكُون ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ &quot; أَيْ عَوْنًا لِلْكَافِرِينَ قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَلَمْ يَقُلْ بِمَا أَنْعَمْت عَلَيَّ مِنْ الْمَغْفِرَة ; لِأَنَّ هَذَا قَبْل الْوَحْي , وَمَا كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ اللَّه غَفَرَ لَهُ ذَلِكَ الْقَتْل وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ : &quot; بِمَا أَنْعَمْت عَلَيَّ &quot; فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : مِنْ الْمَغْفِرَة ; وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْمَهْدَوِيّ وَالثَّعْلَبِيّ قَالَ الْمَهْدَوِيّ : &quot; بِمَا أَنْعَمْت عَلَيَّ &quot; مِنْ الْمَغْفِرَة فَلَمْ تُعَاقِبنِي الْوَجْه الثَّانِي : مِنْ الْهِدَايَة 

وَقِيلَ بِمَا أَنْعَمْت عَلَيَّ مِنْ الْهِدَايَة 

قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ قَوْله تَعَالَى : &quot; بِمَا أَنْعَمْت عَلَيَّ &quot; يَجُوز أَنْ يَكُون قَسَمًا جَوَابه مَحْذُوف تَقْدِيره ; أُقْسِم بِإِنْعَامِك عَلَيَّ بِالْمَغْفِرَةِ لَأَتُوبَنَّ &quot; فَلَنْ أَكُون ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ &quot; وَأَنْ يَكُون اِسْتِعْطَافًا كَأَنَّهُ قَالَ : رَبّ اِعْصِمْنِي بِحَقِّ مَا أَنْعَمْت عَلَيَّ مِنْ الْمَغْفِرَة فَلَنْ أَكُون إِنْ عَصَمْتنِي ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ وَأَرَادَ بِمُظَاهَرَةِ الْمُجْرِمِينَ إِمَّا صُحْبَة فِرْعَوْن وَانْتِظَامه فِي جُمْلَته , وَتَكْثِير سَوَاده , حَيْثُ كَانَ يَرْكَب بِرُكُوبِهِ كَالْوَلَدِ مَعَ الْوَالِد , وَكَانَ يُسَمَّى اِبْن فِرْعَوْن ; وَإِمَّا بِمُظَاهَرَةِ مَنْ أَدَّتْ مُظَاهَرَته إِلَى الْجُرْم وَالْإِثْم , كَمُظَاهَرَةِ الْإِسْرَائِيلِيّ الْمُؤَدِّيَة إِلَى الْقَتْل الَّذِي لَمْ يَحِلّ لَهُ قَتْله وَقِيلَ : أَرَادَ إِنِّي وَإِنْ أَسَأْت فِي هَذَا الْقَتْل الَّذِي لَمْ أُومَرْ بِهِ فَلَا أَتْرُك نُصْرَة الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُجْرِمِينَ , فَعَلَى هَذَا كَانَ الْإِسْرَائِيلِيّ مُؤْمِنًا وَنُصْرَة الْمُؤْمِن وَاجِبه فِي جَمِيع الشَّرَائِع وَقِيلَ فِي بَعْض الرِّوَايَات : إِنَّ ذَلِكَ الْإِسْرَائِيلِيّ كَانَ كَافِرًا وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ إِنَّهُ مِنْ شِيعَته لِأَنَّهُ كَانَ إِسْرَائِيلِيًّا وَلَمْ يُرِدْ الْمُوَافَقَة فِي الدِّين , فَعَلَى هَذَا نَدِمَ لِأَنَّهُ أَعَانَ كَافِر عَلَى كَافِر , فَقَالَ : لَا أَكُون بَعْدهَا ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ وَقِيلَ : لَيْسَ هَذَا خَبَرًا بَلْ هُوَ دُعَاء ; أَيْ فَلَا أَكُون بَعْد هَذَا ظَهِيرًا أَيْ فَلَا تَجْعَلنِي يَا رَبّ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ وَقَالَ الْفَرَّاء : الْمَعْنَى ; اللَّهُمَّ فَلَنْ أَكُون بَعْد ظَهِير لِلْمُجْرِمِينَ , وَزَعَمَ أَنَّ قَوْله هَذَا هُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس قَالَ النَّحَّاس : وَأَنْ يَكُون بِمَعْنَى الْخَبَر أَوْلَى وَأَشْبَه بِنَسَقِ الْكَلَام كَمَا يُقَال : لَا أَعْصِيك لِأَنَّك أَنْعَمْت عَلَيَّ ; وَهَذَا قَوْل اِبْن عَبَّاس عَلَى الْحَقِيقَة لَا مَا حَكَاهُ الْفَرَّاء , لِأَنَّ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَمْ يَسْتَثْنِ فَابْتُلِيَ مِنْ ثَانِي يَوْم ; وَالِاسْتِثْنَاء لَا يَكُون فِي الدُّعَاء لَا يُقَال : اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي إِنْ شِئْت ; وَأَعْجَب الْأَشْيَاء أَنَّ الْفَرَّاء رَوَى عَنْ اِبْن عَبَّاس هَذَا ثُمَّ حَكَى عَنْهُ قَوْله 

قُلْت : قَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى مُلَخَّصًا مُبَيَّنًا فِي سُورَة [ النَّمْل ] وَأَنَّهُ خَبَر لَا دُعَاء وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : لَمْ يَسْتَثْنِ فَابْتُلِيَ بِهِ مَرَّة أُخْرَى ; يَعْنِي لَمْ يَقُلْ فَلَنْ أَكُون إِنْ شَاءَ اللَّه وَهَذَا نَحْو قَوْله : &quot; وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا &quot; [ هُود : 113 ] 

الثَّانِيَة قَالَ سَلَمَة بْن نُبَيْط : بَعَثَ عَبْد الرَّحْمَن بْن مُسْلِم إِلَى الضَّحَّاك بِعَطَاءِ أَهْل بُخَارَى وَقَالَ : أَعْطِهِمْ ; فَقَالَ : اُعْفُنِي ; فَلَمْ يَزَلْ يَسْتَعْفِيه حَتَّى أَعْفَاهُ فَقِيلَ لَهُ مَا عَلَيْك أَنْ تُعْطِيهِمْ وَأَنْتَ لَا تَرْزَؤُهُمْ شَيْئًا ؟ وَقَالَ : لَا أُحِبّ أَنْ أُعِين الظُّلْمَة عَلَى شَيْء مِنْ أَمْرهمْ وَقَالَ عُبَيْد اللَّه بْن الْوَلِيد الْوَصَّافِيّ قُلْت لِعَطَاءِ بْن أَبِي رَبَاح : إِنَّ لِي أَخًا يَأْخُذ بِقَلَمِهِ , وَإِنَّمَا يَحْسِب مَا يَدْخُل وَيَخْرُج , وَلَهُ عِيَال وَلَوْ تَرَكَ ذَلِكَ لَاحْتَاجَ وَادَّانَ ؟ فَقَالَ : مَنْ الرَّأْس ؟ قُلْت : خَالِد بْن عَبْد اللَّه الْقَسْرِيّ , قَالَ : أَمَا تَقْرَأ مَا قَالَ الْعَبْد الصَّالِح : &quot; رَبّ بِمَا أَنْعَمْت عَلَيَّ فَلَنْ أَكُون ظَهِير لِلْمُجْرِمِينَ &quot; قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَلَمْ يَسْتَثْنِ فَابْتُلِيَ بِهِ ثَانِيَة فَأَعَانَهُ اللَّه , فَلَا يُعِينهُمْ أَخُوك فَإِنَّ اللَّه يُعِينهُ قَالَ عَطَاء : فَلَا يَحِلّ لِأَحَدٍ أَنْ يُعِين ظَالِمًا وَلَا يَكْتُب لَهُ وَلَا يَصْحَبهُ , وَأَنَّهُ إِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ صَارَ مُعِينًا لِلظَّالِمِينَ وَفِي الْحَدِيث : ( يُنَادِي مُنَادٍ يَوْم الْقِيَامَة أَيْنَ الظَّلَمَة وَأَشْبَاه الظَّلَمَة وَأَعْوَان الظَّلَمَة حَتَّى مَنْ لَاقَ لَهُمْ دَوَاة أَوْ بَرَى لَهُمْ قَلَمًا فَيُجْمَعُونَ فِي تَابُوت مِنْ حَدِيد فَيُرْمَى بِهِ فِي جَهَنَّم ) وَيَرْوِي عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( مَنْ مَشَى مَعَ مَظْلُوم لِيُعِينَهُ عَلَى مَظْلِمَته ثَبَّتَ اللَّه قَدَمَيْهِ عَلَى الصِّرَاط يَوْم الْقِيَام يَوْم تَزِلّ فِيهِ الْأَقْدَام وَمَنْ مَشَى مَعَ ظَالِم لِيُعِينَهُ عَلَى ظُلْمه أَزَلَّ اللَّه قَدَمَيْهِ عَلَى الصِّرَاط يَوْم تُدْحَض فِيهِ الْأَقْدَام ) وَفِي الْحَدِيث : ( مَنْ مَشَى مَعَ ظَالِم فَقَدْ أَجْرَمَ ) فَالْمَشْي مَعَ الظَّالِم لَا يَكُون جُرْمًا إِلَّا إِذَا مَشَى مَعَهُ لِيُعِينَهُ , وَلِأَنَّهُ اِرْتَكَبَ نَهْي اللَّه تَعَالَى فِي قَوْل سُبْحَانه وَتَعَالَى : &quot; وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْم وَالْعُدْوَان &quot; [ الْمَائِدَة : 2 ]';
$TAFSEER['4']['28']['18'] = 'قَدْ تَقَدَّمَ فِي [ طه ] وَغَيْرهَا أَنَّ الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ يَخَافُونَ ; رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ غَيْر ذَلِكَ , وَأَنَّ الْخَوْف لَا يُنَافِي الْمَعْرِفَة بِاَللَّهِ وَلَا التَّوَكُّل عَلَيْهِ فَقِيلَ : أَصْبَحَ خَائِفًا مِنْ قَتْل النَّفْس أَنْ يُؤْخَذ بِهَا وَقِيلَ خَائِفًا مِنْ قَوْمه أَنْ يُسَلِّمُوهُ وَقِيلَ : خَائِفًا مِنْ اللَّه تَعَالَى 

وَ &quot; أَصْبَحَ &quot; يَحْتَمِل أَنْ يَكُون بِمَعْنَى صَارَ أَيْ لَمَّا قَتَلَ صَارَ خَائِفًا وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون دَخَلَ فِي الصَّبَاح , أَيْ فِي صَبَاح الْيَوْم الَّذِي يَلِي يَوْمه &quot; وَخَائِفًا &quot; مَنْصُوب عَلَى أَنَّهُ خَبَر &quot; أَصْبَحَ &quot; , وَإِنْ شِئْت عَلَى الْحَال , وَيَكُون الظَّرْف فِي مَوْضِع الْخَبَر



يَتَرَقَّب &quot; قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : يَتَلَفَّت مِنْ الْخَوْف وَقِيلَ : يَنْتَظِر الطَّلَب , وَيَنْتَظِر مَا يَتَحَدَّث بِهِ النَّاس وَقَالَ قَتَادَة : &quot; يَتَرَقَّب &quot; أَيْ يَتَرَقَّب الطَّلَب وَقِيلَ : خَرَجَ يَسْتَخْبِر الْخَبَر وَلَمْ يَكُنْ أَحَد عَلِمَ بِقَتْلِ الْقِبْطِيّ غَيْر الْإِسْرَائِيلِيّ



الَّذِي اِسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخهُ &quot; أَيْ فَإِذَا صَاحِبه الْإِسْرَائِيلِيّ الَّذِي خَلَّصَهُ بِالْأَمْسِ يُقَاتِل قِبْطِيًّا آخَر أَرَادَ أَنْ يُسَخِّرهُ وَالِاسْتِصْرَاخ الِاسْتِغَاثَة وَهُوَ مِنْ الصُّرَاخ , وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْتَغِيث يَصْرُخ وَيُصَوِّت فِي طَلَب الْغَوْث قَالَ : كُنَّا إِذَا مَا أَتَانَا صَارِخ فَزِع كَانَ الصُّرَاخ لَهُ قَرْع الظَّنَابِيب قِيلَ : كَانَ هَذَا الْإِسْرَائِيلِيّ الْمُسْتَنْصِر السَّامِرِيّ اسْتَسْخَرَهُ طَبَّاخ فِرْعَوْن فِي حَمْل الْحَطَب إِلَى الْمَطْبَخ ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ وَ &quot; الَّذِي &quot; رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ &quot; وَيَسْتَصْرِخهُ &quot; فِي مَوْضِع الْخَبَر وَيَجُوز أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال وَأَمْس لِلْيَوْمِ الَّذِي قَبْل يَوْمك , وَهُوَ مَبْنِيّ عَلَى الْكَسْر لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ فَإِذَا دَخَلَهُ الْأَلِف وَاللَّام أَوْ الْإِضَافَة تَمَكَّنَ فَأُعْرِبَ بِالرَّفْعِ وَالْفَتْح عِنْد أَكْثَر النَّحْوِيِّينَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْنِيه وَفِيهِ الْأَلِف وَاللَّام وَحَكَى سِيبَوَيْهِ وَغَيْره أَنَّ مِنْ الْعَرَب مَنْ يُجْرِي أَمْس مَجْرَى مَا لَا يَنْصَرِف فِي مَوْضِع الرَّفْع خَاصَّة , وَرُبَّمَا اُضْطُرَّ الشَّاعِر فَفَعَلَ هَذَا فِي الْخَفْض وَالنَّصْب وَقَالَ الشَّاعِر : لَقَدْ رَأَيْت عَجَبًا مُذْ أَمْس فَخَفَضَ بِمُذْ مَا مَضَى وَاللُّغَة الْجَيِّدَة الرَّفْع , فَأُجْرِيَ أَمْس فِي الْخَفْض مَجْرَاهُ فِي الرَّفْع عَلَى اللُّغَة الثَّانِيَة .



لَهُ مُوسَى إِنَّك لَغَوِيّ مُبِين &quot; وَالْغَوِيّ الْخَائِب , أَيْ لِأَنَّك تُشَادّ مَنْ لَا تُطِيقهُ وَقِيلَ : مُضِلّ بَيِّن الضَّلَالَة ; قَتَلْت بِسَبَبِك أَمْس رَجُلًا , وَتَدْعُونِي الْيَوْم لِآخَرَ وَالْغَوِيّ فَعِيل مِنْ أَغْوَى يُغْوِي , وَهُوَ بِمَعْنَى مُغْوٍ ; وَهُوَ كَالْوَجِيعِ وَالْأَلِيم بِمَعْنَى الْمُوجِع وَالْمُؤْلِم وَقِيلَ : الْغَوِيّ بِمَعْنَى الْغَاوِي أَيْ إِنَّك لَغَوِيّ فِي قِتَال مَنْ لَا تُطِيق دَفْع شَرّه عَنْك , وَقَالَ الْحَسَن : إِنَّمَا قَالَ لِلْقِبْطِيِّ : &quot; إِنَّك لَغَوِيّ مُبِين &quot; فِي اِسْتِسْخَار هَذَا الْإِسْرَائِيلِيّ';
$TAFSEER['4']['28']['19'] = 'هَمَّ أَنْ يَبْطِش بِهِ , وَيُقَال : بَطَشَ يَبْطِش وَيَبْطُش وَالضَّمّ أَقْيَس لِأَنَّهُ فِعْل لَا يَتَعَدَّى قَالَ اِبْن جُبَيْر أَرَادَ مُوسَى أَنْ يَبْطِش بِالْقِبْطِيِّ فَتَوَهَّمَ الْإِسْرَائِيلِيّ أَنَّهُ يُرِيدهُ , لِأَنَّهُ أَغْلَظَ لَهُ فِي الْقَوْل فَقَالَ : &quot; أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلنِي كَمَا قَتَلْت نَفْسًا بِالْأَمْسِ &quot; فَسَمِعَ الْقِبْطِيّ الْكَلَام فَأَفْشَاهُ وَقِيلَ : أَرَادَ أَنْ يَبْطِش الْإِسْرَائِيلِيّ بِالْقِبْطِيِّ فَنَهَاهُ مُوسَى فَخَافَ مِنْهُ ; فَقَالَ : &quot; أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلنِي كَمَا قَتَلْت نَفْسًا بِالْأَمْسِ &quot;




إِلَّا أَنْ تَكُون جَبَّارًا فِي الْأَرْض &quot; أَيْ قَتَّالًا وَقَالَ عِكْرِمَة وَالشَّعْبِيّ : لَا يَكُون الْإِنْسَان جَبَّارًا حَتَّى يَقْتُل نَفْسَيْنِ بِغَيْرِ حَقّ


تَكُون مِنْ الْمُصْلِحِينَ &quot; أَيْ مِنْ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ بَيْن النَّاس';
$TAFSEER['4']['28']['20'] = '&quot; قَالَ أَكْثَر أَهْل التَّفْسِير : هَذَا الرَّجُل هُوَ حزقيل بْن صَبُورَا مُؤْمِن آل فِرْعَوْن , وَكَانَ اِبْن عَمّ فِرْعَوْن ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ وَقِيلَ : طَالُوت ; ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيّ وَقَالَ الْمَهْدَوِيّ عَنْ قَتَادَة : شَمْعُون مُؤْمِن آلَ فِرْعَوْن وَقِيلَ : شمعان ; قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : لَا يُعْرَف شمعان بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة إِلَّا مُؤْمِن آل فِرْعَوْن وَرُوِيَ أَنَّ فِرْعَوْن أَمَرَ بِقَتْلِ مُوسَى فَسَبَقَ ذَلِكَ الرَّجُل بِالْخَبَرِ ; فَ &quot; قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأ يَأْتَمِرُونَ بِك &quot;


إِنَّ الْمَلَأ يَأَمِرُونَ بِك . ... &quot; أَيْ يَتَشَاوَرُونَ فِي قَتْلك بِالْقِبْطِيِّ الَّذِي قَتَلْته بِالْأَمْسِ وَقِيلَ : يَأْمُر بَعْضهمْ بَعْضًا قَالَ الْأَزْهَرِيّ : اِئْتَمَرَ الْقَوْم وَتَآمَرُوا أَيْ أُمّ بَعْضهمْ بَعْضًا ; نَظِيره قَوْله : &quot; وَأْتَمِرُوا بَيْنكُمْ بِمَعْرُوفٍ &quot; [ الطَّلَاق : 6 ] وَقَالَ النَّمِر بْن تَوْلَب : ش أَرَى النَّاس قَدْ أَحْدَثُوا شِيمَة /و وَفِي كُلّ حَادِثَة يُؤْتَمَر';
$TAFSEER['4']['28']['21'] = 'خَائِفًا يَتَرَقَّب &quot; أَيْ يَنْتَظِر الطَّلَب


قَالَ رَبّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْم الظَّالِمِينَ &quot; قِيلَ : الْجَبَّار الَّذِي يَفْعَل مَا يُرِيدهُ مِنْ الضَّرْب وَالْقَتْل بِظُلْمٍ , لَا يَنْظُر فِي الْعَوَاقِب , وَلَا يَدْفَع بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن وَقِيلَ : الْمُتَعَظِّم الَّذِي لَا يَتَوَاضَع لِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى';
$TAFSEER['4']['28']['22'] = 'تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَن قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِينِي سَوَاء السَّبِيل &quot; لَمَّا خَرَجَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَارًّا بِنَفْسِهِ مُنْفَرِدًا خَائِفًا , لَا شَيْء مَعَهُ مِنْ زَادَ وَلَا رَاحِلَة وَلَا حِذَاء نَحْو مَدْيَن , لِلنَّسَبِ الَّذِي بَيْنه وَبَيْنهمْ ; لِأَنَّ مَدْيَن مِنْ وَلَد إِبْرَاهِيم , وَمُوسَى مِنْ وَلَد يَعْقُوب بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم ; وَرَأَى حَاله وَعَدَم مَعْرِفَته بِالطَّرِيقِ , وَخَلَّوْهُ مِنْ زَادَ وَغَيْره , أَسْنَدَ أَمْره إِلَى اللَّه تَعَالَى بِقَوْلِهِ : &quot; عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِينِي سَوَاء السَّبِيل &quot; وَهَذِهِ حَالَة الْمُضْطَرّ 

قُلْت : رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَتَقَوَّت وَرَق الشَّجَر , وَمَا وَصَلَ حَتَّى سَقَطَ خُفّ قَدَمَيْهِ قَالَ أَبُو مَالِك : وَكَانَ فِرْعَوْن وَجَّهَ فِي طَلَبه وَقَالَ لَهُمْ : اُطْلُبُوهُ فِي ثَنِيَّات الطَّرِيق , فَإِنَّ مُوسَى لَا يَعْرِف الطَّرِيق فَجَاءَهُ مَلَك رَاكِبًا فَرَسًا وَمَعَهُ عَنَزَة , فَقَالَ لِمُوسَى اِتَّبِعْنِي فَاتَّبَعَهُ فَهَدَاهُ إِلَى الطَّرِيق , فَيُقَال : إِنَّهُ أَعْطَاهُ الْعَنَزَة فَكَانَتْ عَصَاهُ وَيُرْوَى أَنَّ عَصَاهُ إِنَّمَا أَخَذَهَا لِرَعْيِ الْغَنَم مِنْ مَدْيَن وَهُوَ أَكْثَر وَأَصَحّ قَالَ مُقَاتِل وَالسُّدِّيّ : إِنَّ اللَّه بَعَثَ إِلَيْهِ جِبْرِيل ; فَاَللَّه أَعْلَم وَبَيْن مَدْيَن وَمِصْر ثَمَانِيَة أَيَّام ; قَالَ اِبْن جُبَيْر وَالنَّاس وَكَانَ مُلْك مَدْيَن لِغَيْرِ فِرْعَوْن';
$TAFSEER['4']['28']['23'] = 'عَلَيْهِ أُمَّة مِنْ النَّاس يَسْقُونَ &quot; مَشَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى وَرَدَ مَاء مَدْيَن أَيْ بَلَغَهَا وَوُرُوده الْمَاء مَعْنَاهُ بَلَغَهُ لَا أَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ وَلَفْظَة الْوُرُود قَدْ تَكُون بِمَعْنَى الدُّخُول فِي الْمَوْرُود , وَقَدْ تَكُون بِمَعْنَى الِاطِّلَاع عَلَيْهِ وَالْبُلُوغ إِلَيْهِ إِنْ لَمْ يَدْخُل فَوُرُود مُوسَى هَذَا الْمَاء كَانَ بِالْوُصُولِ إِلَيْهِ ; وَمِنْهُ قَوْل زُهَيْر : فَلَمَّا وَرَدْنَ الْمَاء زُرْقًا جِمَامه وَضَعْنَ عِصِيّ الْحَاضِر الْمُتَخَيِّم وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَعَانِي فِي قَوْله : &quot; وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا &quot; [ مَرْيَم : 71 ] وَمَدْيَن لَا تَنْصَرِف إِذْ هِيَ بَلْدَة مَعْرُوفَة قَالَ الشَّاعِر : رُهْبَان مَدْيَن لَوْ رَأَوْك تَنَزَّلُوا وَالْعُصْم مِنْ شَعَف الْجِبَال الْفَادِر وَقِيلَ : قَبِيلَة مِنْ وَلَد مَدْيَن بْن إِبْرَاهِيم ; وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِيهِ فِي [ الْأَعْرَاف ] وَالْأُمَّة : الْجَمْع الْكَثِير وَ &quot; يَسْقُونَ &quot; مَعْنَاهُ مَاشِيَتهمْ


تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِر الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخ كَبِير &quot; &quot; مِنْ دُونهمْ &quot; مَعْنَاهُ نَاحِيَة إِلَى الْجِهَة الَّتِي جَاءَ مِنْهَا , فَوَصَلَ إِلَى الْمَرْأَتَيْنِ قَبْل وُصُوله إِلَى الْأُمَّة , وَوَجَدَهُمَا تَذُودَانِ وَمَعْنَاهُ تَمْنَعَانِ وَتَحْبِسَانِ , وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( فَلَيُذَادَنَّ رِجَال عَنْ حَوْضِي ) وَفِي بَعْض الْمَصَاحِف : &quot; اِمْرَأَتَيْنِ حَابِسَتَيْنِ تَذُودَانِ &quot; يُقَال : ذَادَ يَذُود إِذَا حَبَسَ وَذُدْت الشَّيْء حَبَسْته ; قَالَ الشَّاعِر : أَبِيت عَلَى بَاب الْقَوَافِي كَأَنَّمَا أَذُود بِهَا سِرْبًا مِنْ الْوَحْش نُزِّعَا أَيْ أَحْبِس وَأَمْنَع وَقِيلَ : &quot; تَذُودَانِ &quot; تَطْرُدَانِ ; قَالَ : لَقَدْ سَلَبَتْ عَصَاك بَنُو تَمِيم فَمَا تَدْرِي بِأَيِّ عَصًا تَذُود أَيْ تَطْرُد وَتَكُفّ وَتَمْنَع اِبْن سَلَام : تَمْنَعَانِ غَنَمهمَا لِئَلَّا تَخْتَلِط بِغَنَمِ النَّاس ; فَحُذِفَ الْمَفْعُول : إِمَّا إِيهَامًا عَلَى الْمُخَاطَب , وَإِمَّا اِسْتِغْنَاء بِعِلْمِهِ قَالَ اِبْن عَبَّاس : تَذُودَانِ غَنَمهمَا عَنْ الْمَاء خَوْفًا مِنْ السُّقَاة الْأَقْوِيَاء قَتَادَة : تَذُودَانِ النَّاس عَنْ غَنَمهمَا ; قَالَ النَّحَّاس : وَالْأَوَّل أَوْلَى ; لِأَنَّ بَعْده &quot; قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِر الرِّعَاء &quot; وَلَوْ كَانَتَا تَذُودَانِ عَنْ غَنَمهمَا النَّاس لَمْ تُخْبِرَا عَنْ سَبَب تَأْخِير سَقْيهمَا حَتَّى يُصْدِر الرِّعَاء فَلَمَّا رَأَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ذَلِكَ مِنْهُمَا &quot; قَالَ مَا خَطْبكُمَا &quot; [ الْقَصَص : 23 ] أَيْ شَأْنكُمَا ; قَالَ رُؤْبَة يَا عَجَبًا مَا خَطْبه وَخَطْبِي اِبْن عَطِيَّة : وَكَانَ اِسْتِعْمَال السُّؤَال بِالْخَطْبِ إِنَّمَا هُوَ فِي مُصَاب , أَوْ مُضْطَهَد , أَوْ مَنْ يُشْفَق عَلَيْهِ , أَوْ يَأْتِي بِمُنْكَرٍ مِنْ الْأَمْر , فَكَأَنَّهُ بِالْجُمْلَةِ فِي شَرّ ; فَأَخْبَرَتَاهُ بِخَبَرِهِمَا , وَأَنَّ أَبَاهُمَا شَيْخ كَبِير ; فَالْمَعْنَى : لَا يَسْتَطِيع لِضَعْفِهِ أَنْ يُبَاشِر أَمْر غَنَمه , وَأَنَّهُمَا لِضَعْفِهِمَا وَقِلَّة طَاقَتهمَا لَا تَقْدِرَانِ عَلَى مُزَاحَمَة الْأَقْوِيَاء , وَأَنَّ عَادَتهمَا التَّأَنِّي حَتَّى يُصْدِر النَّاس عَنْ الْمَاء وَيُخَلَّى ; وَحِينَئِذٍ تَرِدَانِ وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَأَبُو عَمْرو : &quot; يَصْدُر &quot; مِنْ صَدَرَ , وَهُوَ ضِدّ وَرَدَ أَيْ يَرْجِع الرِّعَاء وَالْبَاقُونَ &quot; يُصْدِر &quot; بِضَمِّ الْيَاء مِنْ أَصْدَرَ ; أَيْ حَتَّى يُصْدِرُوا مَوَاشِيهمْ مِنْ وِرْدهمْ وَالرِّعَاء جَمْع رَاعٍ ; مِثْل تَاجِر وَتِجَار , وَصَاحِب وَصِحَاب قَالَتْ فِرْقَة : كَانَتْ الْآبَار مَكْشُوفَة , وَكَانَ زَحْم النَّاس يَمْنَعهُمَا , فَلَمَّا أَرَادَ مُوسَى أَنْ يَسْقِي لَهُمَا زَحَمَ النَّاس وَغَلَبَهُمْ عَلَى الْمَاء حَتَّى سَقَى , فَعَنْ هَذَا الْغَلَب الَّذِي كَانَ مِنْهُ وَصَفَتْهُ إِحْدَاهُمَا بِالْقُوَّةِ وَقَالَتْ فِرْقَة : إِنَّهُمَا كَانَتَا تَتَّبِعَانِ فُضَالَتهمْ فِي الصَّهَارِيج , فَإِنْ وَجَدَتَا فِي الْحَوْض بَقِيَّة كَانَ ذَلِكَ سَقْيهمَا , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ بَقِيَّة عَطِشَتْ غَنَمهمَا , فَرَقَّ لَهُمَا مُوسَى , فَعَمَدَ إِلَى بِئْر كَانَتْ مُغَطَّاة وَالنَّاس يَسْقُونَ مِنْ غَيْرهَا , وَكَانَ حَجَرهَا لَا يَرْفَعهُ إِلَّا سَبْعَة , قَالَ اِبْن زَيْد اِبْن جُرَيْج : عَشَرَة اِبْن عَبَّاس : ثَلَاثُونَ الزَّجَّاج : أَرْبَعُونَ ; فَرَفَعَهُ وَسَقَى لِلْمَرْأَتَيْنِ ; فَعَنْ رَفْع الصَّخْرَة وَصِفَته بِالْقُوَّةِ وَقِيلَ : إِنَّ بِئْرهمْ كَانَتْ وَاحِدَة , وَإِنَّهُ رَفَعَ عَنْهَا الْحَجَر بَعْد اِنْفِصَال السُّقَاة , إِذْ كَانَتْ عَادَة الْمَرْأَتَيْنِ شُرْب الْفَضَلَات 

إِنْ قِيلَ كَيْف سَاغَ لِنَبِيِّ اللَّه الَّذِي هُوَ شُعَيْب صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْضَى لِابْنَتَيْهِ بِسَقْيِ الْمَاشِيَة ؟ قِيلَ لَهُ : لَيْسَ ذَلِكَ بِمَحْظُورٍ وَالدِّين لَا يَأْبَاهُ ; وَأَمَّا الْمُرُوءَة فَالنَّاس مُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ , وَالْعَادَة مُتَبَايِنَة فِيهِ , وَأَحْوَال الْعَرَب فِيهِ خِلَاف أَحْوَال الْعَجَم , وَمَذْهَب أَهْل الْبَدْو غَيْر مَذْهَب الْحَضَر , خُصُوصًا إِذَا كَانَتْ الْحَالَة حَالَة ضَرُورَة';
$TAFSEER['4']['28']['24'] = 'لَهُمَا &quot; رَوَى عَمْرو بْن مَيْمُون عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب أَنَّهُ قَالَ : لَمَّا اِسْتَقَى الرُّعَاة غَطَّوْا عَلَى الْبِئْر صَخْرَة لَا يَقْلَعهَا إِلَّا عَشَرَة رِجَال , فَجَاءَ مُوسَى فَاقْتَلَعَهَا وَاسْتَقَى ذَنُوبًا وَاحِدًا لَمْ تَحْتَجْ إِلَى غَيْره فَسَقَى لَهُمَا



تَوَلَّى إِلَى الظِّلّ فَقَالَ رَبّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْت إِلَيَّ مِنْ خَيْر فَقِير &quot; تَوَلَّى إِلَى ظِلّ سَمُرَة ; قَالَهُ اِبْن مَسْعُود وَتَعَرَّضَ لِسُؤَالِ مَا يُطْعِمهُ بِقَوْلِهِ : &quot; إِنِّي لِمَا أَنْزَلْت إِلَيَّ مِنْ خَيْر فَقِير &quot; وَكَانَ لَمْ يَذُقْ طَعَامًا سَبْعَة أَيَّام , وَقَدْ لَصِقَ بَطْنه بِظَهْرِهِ ; فَعَرَّضَ بِالدُّعَاءِ وَلَمْ يُصَرِّح بِسُؤَالٍ ; هَكَذَا رَوَى جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ طَلَبَ فِي هَذَا الْكَلَام مَا يَأْكُلهُ ; فَالْخَيْر يَكُون بِمَعْنَى الطَّعَام كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَة , وَيَكُون بِمَعْنَى الْمَال كَمَا قَالَ : &quot; إِنْ تَرَكَ خَيْرًا &quot; [ الْبَقَرَة : 180 ] وَقَوْل : &quot; وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْر لَشَدِيد &quot; [ الْعَادِيَات : 8 ] وَيَكُون بِمَعْنَى الْقُوَّة كَمَا قَالَ : &quot; أَهُمْ خَيْر أَمْ قَوْم تُبَّع &quot; [ الدُّخَان : 37 ] وَيَكُون بِمَعْنَى الْعِبَادَة كَقَوْلِ : &quot; وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْل الْخَيْرَات &quot; [ الْأَنْبِيَاء : 73 ] قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَكَانَ قَدْ بَلَغَ بِهِ الْجُوع , وَاخْضَرَّ لَوْنه مِنْ أَكْل الْبَقْل فِي بَطْنه , وَإِنَّهُ لَأَكْرَم الْخَلْق عَلَى اللَّه وَيُرْوَى أَنَّهُ لَمْ يَصِل إِلَى مَدْيَن حَتَّى سَقَطَ بَاطِن قَدَمَيْهِ وَفِي هَذَا مُعْتَبَر وَإِشْعَار بِهَوَانِ الدُّنْيَا عَلَى اللَّه وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن طَاهِر فِي قَوْله : &quot; إِنِّي لِمَا أَنْزَلْت إِلَى مِنْ خَيْر فَقِير &quot; أَيْ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْت مِنْ فَضْلك وَغِنَاك فَقِير إِلَى أَنْ تُغْنِينِي بِك عَمَّنْ سِوَاك 

قُلْت : مَا ذَكَرَهُ أَهْل التَّفْسِير أَوْلَى ; فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا أَغْنَاهُ بِوَاسِطَةِ شُعَيْب';
$TAFSEER['4']['28']['25'] = 'عَلَى اِسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوك لِيَجْزِيَك أَجْر مَا سَقَيْت لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَص قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْت مِنْ الْقَوْم الظَّلِمِينَ &quot; فِي هَذَا الْكَلَام اِخْتِصَار يَدُلّ عَلَيْهِ هَذَا الظَّاهِر ; قَدَّرَهُ اِبْن إِسْحَاق : فَذَهَبَتَا إِلَى أَبِيهِمَا سَرِيعَتَيْنِ , وَكَانَتْ عَادَتْهُمَا الْإِبْطَاء فِي السَّقْي , فَحَدَّثَتَاهُ بِمَا كَانَ مِنْ الرَّجُل الَّذِي سَقَى لَهُمَا , فَأَمَرَ الْكُبْرَى مِنْ بِنْتَيْهِ - وَقِيلَ الصُّغْرَى أَنْ تَدْعُوهُ لَهُ , &quot; فَجَاءَتْ &quot; عَلَى مَا فِي هَذِهِ الْآيَة قَالَ عَمْرو بْن مَيْمُون : وَلَمْ تَكُنْ سَلْفَعًا مِنْ النِّسَاء , خَرَّاجَة وَلَّاجَة وَقِيلَ : جَاءَتْهُ سَاتِرَة وَجْههَا بِكُمِّ دِرْعهَا ; قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَرُوِيَ أَنَّ اِسْم إِحْدَاهُمَا ليا وَالْأُخْرَى صفوريا اِبْنَتَا يثرون , ويثرون وَهُوَ شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام وَقِيلَ : اِبْن أَبِي شُعَيْب , وَأَنَّ شُعَيْبًا كَانَ قَدْ مَاتَ وَأَكْثَر النَّاس عَلَى أَنَّهُمَا اِبْنَتَا شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ ظَاهِر الْقُرْآن , قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَإِلَى مَدْيَن أَخَاهُمْ شُعَيْبًا &quot; [ الْأَعْرَاف : 85 ] كَذَا فِي سُورَة [ الْأَعْرَاف ] وَفِي سُورَة الشُّعَرَاء : &quot; كَذَّبَ أَصْحَاب الْأَيْكَة الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْب &quot; [ الشُّعَرَاء : 176 - 177 ] قَالَ قَتَادَة : بَعَثَ اللَّه تَعَالَى شُعَيْبًا إِلَى أَصْحَاب الْأَيْكَة وَأَصْحَاب مَدْيَن وَقَدْ مَضَى فِي [ الْأَعْرَاف ] الْخِلَاف فِي اِسْم أَبِيهِ فَرُوِيَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا جَاءَتْهُ بِالرِّسَالَةِ قَامَ يَتْبَعهَا , وَكَانَ بَيْن مُوسَى وَبَيْن أَبِيهَا ثَلَاثَة أَمْيَال , فَهَبَّتْ رِيح فَضَمَّتْ قَمِيصهَا فَوَصَفَتْ عَجِيزَتهَا , فَتَحَرَّجَ مُوسَى مِنْ النَّظَر إِلَيْهَا فَقَالَ : اِرْجِعِي خَلْفِي وَأَرْشِدِينِي إِلَى الطَّرِيق بِصَوْتِك وَقِيلَ : إِنَّ مُوسَى قَالَ اِبْتِدَاء : كُونِي وَرَائِي فَإِنِّي رَجُل عِبْرَانِيّ لَا أَنْظُر فِي أَدْبَار النِّسَاء , وَدُلِّينِي عَلَى الطَّرِيق يَمِينًا أَوْ يَسَارًا ; فَذَلِكَ سَبَب وَصْفهَا لَهُ بِالْأَمَانَةِ ; قَالَ اِبْن عَبَّاس فَوَصَلَ مُوسَى إِلَى دَاعِيه فَقَصَّ عَلَيْهِ أَمْره مِنْ أَوَّله إِلَى آخِره فَآنَسَهُ بِقَوْلِهِ : &quot; لَا تَخَفْ نَجَوْت مِنْ الْقَوْم الظَّالِمِينَ &quot; وَكَانَتْ مَدْيَن خَارِجَة عَنْ مَمْلَكَة فِرْعَوْن وَقَرَّبَ إِلَيْهِ طَعَامًا فَقَالَ مُوسَى : لَا آكُل ; إِنَّا أَهْل بَيْت لَا نَبِيع دِيننَا بِمِلْءِ الْأَرْض ذَهَبًا ; فَقَالَ شُعَيْب : لَيْسَ هَذَا عِوَض السَّقْي , وَلَكِنْ عَادَتِي وَعَادَة آبَائِي قِرَى الضَّيْف , وَإِطْعَام الطَّعَام ; فَحِينَئِذٍ أَكَلَ مُوسَى';
$TAFSEER['4']['28']['26'] = 'اِسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْر مَنْ اِسْتَأْجَرْت الْقَوِيّ الْأَمِين &quot; دَلِيل عَلَى أَنَّ الْإِجَارَة كَانَتْ عِنْدهمْ مَشْرُوعَة مَعْلُومَة , وَكَذَلِكَ كَانَتْ فِي كُلّ مِلَّة وَهِيَ مِنْ ضَرُورَة الْخَلِيقَة , وَمَصْلَحَة الْخُلْطَة بَيْن النَّاس ; خِلَاف لِلْأَصَمِّ حَيْثُ كَانَ عَنْ سَمَاعهَا أَصَمّ لَمَّا أَرَادَ مُوسَى أَنْ يَسْقِي لَهُمَا زَحَمَ النَّاس وَغَلَبَهُمْ عَلَى الْمَاء حَتَّى سَقَى , فَعَنْ هَذَا الْغَلَب الَّذِي كَانَ مِنْهُ وَصَفَتْهُ إِحْدَاهُمَا بِالْقُوَّةِ';
$TAFSEER['4']['28']['27'] = 'أُنْكِحك &quot; فِيهِ عَرْض الْوَلِيّ بِنْته عَلَى الرَّجُل ; وَهَذِهِ سُنَّة قَائِمَة ; عَرَضَ صَالِح مَدْيَن اِبْنَته عَلَى صَالِح بَنِي إِسْرَائِيل , وَعَرَضَ عُمَر بْن الْخَطَّاب اِبْنَته حَفْصَة عَلَى أَبِي بَكْر وَعُثْمَان , وَعَرَضَتْ الْمَوْهُوبَة نَفْسهَا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَمِنْ الْحَسَن عَرْض الرَّجُل وَلِيَّته , وَالْمَرْأَة نَفْسهَا عَلَى الرَّجُل الصَّالِح , اِقْتِدَاء بِالسَّلَفِ الصَّالِح قَالَ اِبْن عُمَر : لَمَّا تَأَيَّمَتْ حَفْصَة قَالَ عُمَر لِعُثْمَانَ : إِنْ شِئْت أُنْكِحك حَفْصَة بِنْت عُمَر ; الْحَدِيث اِنْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيّ 

وَفِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ النِّكَاح إِلَى الْوَلِيّ لَا حَظّ لِلْمَرْأَةِ فِيهِ , لِأَنَّ صَالِح مَدْيَن تَوَلَّاهُ , وَبِهِ قَالَ فُقَهَاء الْأَمْصَار وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَة وَقَدْ مَضَى 

هَذِهِ الْآيَة تَدُلّ عَلَى أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّج اِبْنَته الْبِكْر الْبَالِغ مِنْ غَيْر اِسْتِئْمَار , وَبِهِ قَالَ مَالِك وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَة , وَهُوَ ظَاهِر قَوِيّ فِي الْبَاب , وَاحْتِجَاجه بِهَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُعَوِّل عَلَى الْإِسْرَائِيلِيَّات ; كَمَا تَقَدَّمَ وَبِقَوْلِ مَالِك فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة قَالَ الشَّافِعِيّ وَكَثِير مِنْ الْعُلَمَاء وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِذَا بَلَغَتْ الصَّغِيرَة فَلَا يُزَوِّجهَا أَحَد إِلَّا بِرِضَاهَا ; لِأَنَّهَا بَلَغَتْ حَدّ التَّكْلِيف , فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ صَغِيرَة فَإِنَّهُ يُزَوِّجهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا لِأَنَّهُ لَا إِذْن لَهَا وَلَا رِضًا , بِغَيْرِ خِلَاف 

اِسْتَدَلَّ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ بِقَوْلِهِ : &quot; إِنِّي أُرِيد أَنْ أُنْكِحك &quot; عَلَى أَنَّ النِّكَاح مَوْقُوف عَلَى لَفْظ التَّزْوِيج وَالْإِنْكَاح وَبِهِ قَالَ رَبِيعَة وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عُبَيْد وَدَاوُد وَمَالِك عَلَى اِخْتِلَاف عَنْهُ وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي الْمَشْهُور : يَنْعَقِد النِّكَاح بِكُلِّ لَفْظ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يَنْعَقِد بِكُلِّ لَفْظ يَقْتَضِي التَّمْلِيك عَلَى التَّأْبِيد ; أَمَّا الشَّافِعِيَّة فَلَا حُجَّة لَهُمْ فِي الْآيَة لِأَنَّهُ شَرْع مَنْ قَبْلنَا وَهُمْ لَا يَرَوْنَهُ حُجَّة فِي شَيْء فِي الْمَشْهُور عِنْدهمْ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْرِيّ وَالْحَسَن بْن حَيّ فَقَالُوا : يَنْعَقِد النِّكَاح بِلَفْظِ الْهِبَة وَغَيْره إِذَا كَانَ قَدْ أُشْهِدَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الطَّلَاق يَقَع بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَة , قَالُوا : فَكَذَلِكَ النِّكَاح قَالُوا : وَاَلَّذِي خُصَّ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَرِّي الْبُضْع مِنْ الْعِوَض لَا النِّكَاح بِلَفْظِ الْهِبَة , وَتَابَعَهُمْ اِبْن الْقَاسِم فَقَالَ : إِنْ وَهَبَ اِبْنَته وَهُوَ يُرِيد إِنْكَاحهَا فَلَا أَحْفَظ عَنْ مَالِك فِيهِ شَيْئًا , وَهُوَ عِنْدِي جَائِز كَالْبَيْعِ قَالَ أَبُو عُمَر : الصَّحِيح أَنَّهُ لَا يَنْعَقِد نِكَاح بِلَفْظِ الْهِبَة , كَمَا لَا يَنْعَقِد بِلَفْظِ النِّكَاح هِبَة شَيْء مِنْ الْأَمْوَال وَأَيْضًا فَإِنَّ النِّكَاح مُفْتَقِر إِلَى التَّصْرِيح لِتَقَع الشَّهَادَة عَلَيْهِ , وَهُوَ ضِدّ الطَّلَاق فَكَيْف يُقَاسَ عَلَيْهِ , وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ النِّكَاح لَا يَنْعَقِد بِقَوْلِ : أَبَحْت لَك وَأَحْلَلْت لَك فَكَذَلِكَ الْهِبَة وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اِسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجهنَّ بِكَلِمَةِ اللَّه ) يَعْنِي الْقُرْآن , وَلَيْسَ فِي الْقُرْآن عَقْد النِّكَاح بِلَفْظِ الْهِبَة , وَإِنَّمَا فِيهِ التَّزْوِيج وَالنِّكَاح , وَفِي إِجَازَة النِّكَاح بِلَفْظِ الْهِبَة إِبْطَال بَعْض خُصُوصِيَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ



يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ عَرْض لَا عَقْد , لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَقْدًا لَعَيَّنَ الْمَعْقُود عَلَيْهَا لَهُ ; لِأَنَّ الْعُلَمَاء إِنْ كَانُوا قَدْ اِخْتَلَفُوا فِي جَوَاز الْبَيْع إِذَا قَالَ : بِعْتُك أَحَد عَبْدَيَّ هَذَيْنَ بِثَمَنِ كَذَا ; فَإِنَّهُمْ اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوز فِي النِّكَاح ; لِأَنَّهُ خِيَار وَشَيْء مِنْ الْخِيَار لَا يُلْصَق بِالنِّكَاحِ 

قَالَ مَكِّيّ : فِي هَذِهِ الْآيَة خَصَائِص فِي النِّكَاح مِنْهَا أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّن الزَّوْجَة وَلَا حَدّ أَوَّل الْأَمَد , وَجَعَلَ الْمَهْر إِجَارَة , وَدَخَلَ وَلَمْ يَنْقُد شَيْئًا قُلْت : فَهَذِهِ أَرْبَع مَسَائِل تَضَمَّنَتْهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَة [ الْأُولَى ] التَّعْيِين , قَالَ عُلَمَاؤُنَا : أَمَّا التَّعْيِين فَيُشْبِه أَنَّهُ كَانَ فِي ثَانِي حَال الْمُرَاوَضَة , وَإِنَّمَا عَرَضَ الْأَمْر مُجْمَلًا , وَعَيَّنَ بَعْد ذَلِكَ وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ زَوَّجَهُ صفوريا وَهِيَ الصُّغْرَى يُرْوَى عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ : قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنْ سُئِلْت أَيّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى فَقُلْ خَيْرهمَا وَأَوْفَاهُمَا وَإِنْ سُئِلْت أَيّ الْمَرْأَتَيْنِ تَزَوَّجَ فَقُلْ الصُّغْرَى وَهِيَ الَّتِي جَاءَتْ خَلْفه وَهِيَ الَّتِي قَالَتْ : &quot; يَا أَبَتِ اِسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْر مَنْ اِسْتَأْجَرْت الْقَوِيّ الْأَمِين &quot; ) . قِيلَ : إِنَّ الْحِكْمَة فِي تَزْوِيجه الصُّغْرَى مِنْهُ قَبْل الْكُبْرَى وَإِنْ كَانَتْ الْكُبْرَى أَحْوَج إِلَى الرِّجَال أَنَّهُ تَوَقَّعَ أَنْ يَمِيل إِلَيْهَا ; لِأَنَّهُ رَآهَا فِي رِسَالَته , وَمَاشَاهَا فِي إِقْبَاله إِلَى أَبِيهَا مَعَهَا , فَلَوْ عَرَضَ عَلَيْهِ الْكُبْرَى رُبَّمَا أَظْهَرَ لَهُ الِاخْتِيَار وَهُوَ يُضْمِر غَيْره وَقِيلَ غَيْر هَذَا ; وَاَللَّه أَعْلَم وَفِي بَعْض الْأَخْبَار أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِالْكُبْرَى ; حَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ [ الثَّانِيَة ] وَأَمَّا ذِكْر أَوَّل الْمُدَّة فَلَيْسَ فِي الْآيَة مَا يَقْتَضِي إِسْقَاطه بَلْ هُوَ مَسْكُوت عَنْهُ ; فَإِمَّا رَسَمَاهُ , وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ أَوَّل وَقْت الْعَقْد [ الثَّالِثَة ] وَأَمَّا النِّكَاح بِالْإِجَارَةِ فَظَاهِر مِنْ الْآيَة , وَهُوَ أَمْر قَدْ قَرَّرَهُ شَرْعنَا , وَجَرَى فِي حَدِيث الَّذِي لَمْ يَكُنْ عِنْده إِلَّا شَيْء مِنْ الْقُرْآن ; رَوَاهُ الْأَئِمَّة ; وَفِي بَعْض طُرُقه : فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا تَحْفَظ مِنْ الْقُرْآن ) فَقَالَ : سُورَة الْبَقَرَة وَاَلَّتِي تَلِيهَا ; قَالَ : ( فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَة وَهِيَ اِمْرَأَتك ) وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال : فَكَرِهَهُ مَالِك , وَمَنَعَهُ اِبْن الْقَاسِم , وَأَجَازَهُ اِبْن حَبِيب ; وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه ; قَالُوا : يَجُوز أَنْ تَكُون مَنْفَعَة الْحُرّ صَدَاقًا كَالْخِيَاطَةِ وَالْبِنَاء وَتَعْلِيم الْقُرْآن وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا يَصِحّ , وَجَوَّزَ أَنْ يَتَزَوَّجهَا بِأَنْ يُخْدِمهَا عَبْده سَنَة , أَوْ يُسْكِنهَا دَاره سَنَة ; لِأَنَّ الْعَبْد وَالدَّار مَال , وَلَيْسَ خِدْمَتهَا بِنَفْسِهِ مَالًا وَقَالَ أَبُو الْحَسَن الْكَرْخِيّ : إِنَّ عَقْد النِّكَاح بِلَفْظِ الْإِجَارَة جَائِز ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ &quot; [ النِّسَاء : 24 ] وَقَالَ أَبُو بَكْر الرَّازِيّ : لَا يَصِحّ لِأَنَّ الْإِجَارَة عَقْد مُؤَقَّت , وَعَقْد النِّكَاح مُؤَبَّد , فَهُمَا مُتَنَافِيَانِ وَقَالَ اِبْن الْقَاسِم : يَنْفَسِخ قَبْل الْبِنَاء وَيَثْبُت بَعْده . وَقَالَ أَصْبَغ : إِنْ نَقَدَ مَعَهُ شَيْئًا فَفِيهِ اِخْتِلَاف , وَإِنْ لَمْ يَنْقُد فَهُوَ أَشَدّ , فَإِنْ تَرَكَ مَضَى عَلَى كُلّ حَال بِدَلِيلِ قِصَّة شُعَيْب ; قَالَ مَالِك وَابْن الْمَوَّاز وَأَشْهَب وَعَوَّلَ عَلَى هَذِهِ الْآيَة جَمَاعَة مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالْمُتَقَدِّمِينَ فِي هَذِهِ النَّازِلَة ; قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَة النِّكَاح عَلَى الْإِجَارَة وَالْعَقْد صَحِيح , وَيُكْرَه أَنْ تُجْعَل الْإِجَارَة مَهْرًا , وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُون الْمَهْر مَالًا كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : &quot; أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ &quot; [ النِّسَاء : 24 ] هَذَا قَوْل أَصْحَابنَا جَمِيعًا [ الرَّابِعَة ] وَأَمَّا قَوْله : وَدَخَلَ وَلَمْ يَنْقُد فَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي هَذَا ; هَلْ دَخَلَ حِين عَقَدَ أَمْ حِين سَافَرَ , فَإِنْ كَانَ حِين عَقَدَ فَمَاذَا نَقَدَ ؟ وَقَدْ مَنَعَ عُلَمَاؤُنَا مِنْ الدُّخُول حَتَّى يَنْقُد وَلَوْ رُبْع دِينَار ; قَالَهُ اِبْن الْقَاسِم فَإِنْ دَخَلَ قَبْل أَنْ يَنْقُد مَضَى , لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابنَا قَالُوا : تَعْجِيل الصَّدَاق أَوْ شَيْء مِنْهُ مُسْتَحَبّ عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الصَّدَاق رِعْيَة الْغَنَم فَقَدْ نَقَدَ الشُّرُوع فِي الْخِدْمَة ; وَإِنْ كَانَ دَخَلَ حِين سَافَرَ فَطُول الِانْتِظَار فِي النِّكَاح جَائِز إِنْ كَانَ مَدَى الْعُمْر بِغَيْرِ شَرْط وَأَمَّا إِنْ كَانَ بِشَرْطِ فَلَا يَجُوز إِلَّا أَنْ يَكُون الْغَرَض صَحِيحًا مِثْل التَّأَهُّب لِلْبِنَاءِ أَوْ اِنْتِظَار صَلَاحِيَّة الزَّوْجَة لِلدُّخُولِ إِنْ كَانَتْ صَغِيرَة ; نَصَّ عَلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا 

فِي هَذِهِ الْآيَة اِجْتِمَاع إِجَارَة وَنِكَاح , وَقَدْ اِخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال : [ الْأَوَّل ] قَالَ فِي ثُمَانِيَّة أَبِي زَيْد : يُكْرَه اِبْتِدَاء فَإِنْ وَقَعَ مَضَى [ الثَّانِي ] قَالَ مَالِك وَابْن الْقَاسِم فِي الْمَشْهُور : لَا يَجُوز وَيُفْسَخ قَبْل الدُّخُول وَبَعْده ; لِاخْتِلَافِ مَقَاصِدهمَا كَسَائِرِ الْعُقُود الْمُتَبَايِنَة [ الثَّالِث ] أَجَازَهُ أَشْهَب وَأَصْبَغ قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح وَعَلَيْهِ تَدُلّ الْآيَة ; وَقَدْ قَالَ مَالِك النِّكَاح أَشْبَه شَيْء بِالْبُيُوعِ , فَأَيّ فَرْق بَيْن إِجَارَة وَبَيْع أَوْ بَيْن بَيْع وَنِكَاح فَرْع : وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيم شِعْر مُبَاح صَحَّ ; قَالَ الْمُزَنِيّ : وَذَلِكَ مِثْل قَوْل الشَّاعِر : يَقُول الْعَبْد فَائِدَتِي وَمَالِي وَتَقْوَى اللَّه أَفْضَل مَا اِسْتَفَادَا وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيم شِعْر فِيهِ هَجْو أَوْ فُحْش كَانَ كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا



أَنْ تَأْجُرنِي ثَمَانِي حِجَج فَإِنْ أَتْمَمْت عَشْرًا فَمِنْ عِنْدك وَمَا أُرِيد أَنْ أَشُقّ عَلَيْك سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّه مِنْ الصَّالِحِينَ &quot; جَرَى ذِكْر الْخِدْمَة مُطْلَقًا وَقَالَ مَالِك : إِنَّهُ جَائِز وَيُحْمَل عَلَى الْعُرْف , فَلَا يَحْتَاج فِي التَّسْمِيَة إِلَى الْخِدْمَة وَهُوَ ظَاهِر قِصَّة مُوسَى , فَإِنَّهُ ذَكَرَ إِجَارَة مُطْلَقَة وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ : لَا يَجُوز حَتَّى يُسَمَّى لِأَنَّهُ مَجْهُول وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيّ : [ بَاب مَنْ اِسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَبَيَّنَ لَهُ الْأَجَل وَلَمْ يُبَيِّن لَهُ الْعَمَل ] لِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; عَلَى أَنْ تَأْجُرنِي ثَمَانِي حِجَج &quot; . قَالَ الْمُهَلَّب : لَيْسَ كَمَا تَرْجَمَ ; لِأَنَّ الْعَمَل عِنْدهمْ كَانَ مَعْلُومًا مِنْ سَقْي وَحَرْث وَرَعْي وَمَا شَاكَلَ أَعْمَال الْبَادِيَة فِي مَهْنَة أَهْلهَا , فَهَذَا مُتَعَارَف وَإِنْ لَمْ يُبَيِّن لَهُ أَشْخَاص الْأَعْمَال وَلَا مَقَادِيرهَا ; مِثْل أَنْ يَقُول لَهُ : إِنَّك تَحْرُث كَذَا مِنْ السَّنَة , وَتَرْعَى كَذَا مِنْ السَّنَة , فَهَذَا إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَعْهُود مِنْ خِدْمَة الْبَادِيَة , وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَجُوز عِنْد الْجَمِيع أَنْ تَكُون الْمُدَّة مَجْهُولَة , وَالْعَمَل مَجْهُول غَيْر مَعْهُود لَا يَجُوز حَتَّى يُعْلَم قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَقَدْ ذَكَرَ أَهْل التَّفْسِير أَنَّهُ عَيَّنَ لَهُ رِعْيَة الْغَنَم , وَلَمْ يُرْوَ مِنْ طَرِيق صَحِيحَة , وَلَكِنْ قَالُوا : إِنَّ صَالِح مَدْيَن لَمْ يَكُنْ لَهُ عَمَل إِلَّا رِعْيَة الْغَنَم , فَكَانَ مَا عُلِمَ مِنْ حَاله قَائِمًا مَقَام التَّعْيِين لِلْخِدْمَةِ فِيهِ 

أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ جَائِز أَنْ يَسْتَأْجِر الرَّاعِي شُهُورًا مَعْلُومَة , بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَة , لِرِعَايَةِ غَنَم مَعْدُودَة ; فَإِنْ كَانَتْ مَعْدُودَة مُعَيَّنَة , فَفِيهَا تَفْصِيل لِعُلَمَائِنَا ; قَالَ اِبْن الْقَاسِم : لَا يَجُوز حَتَّى يَشْتَرِط الْخَلْف إِنْ مَاتَتْ , وَهِيَ رِوَايَة ضَعِيفَة جِدًّا ; وَقَدْ اِسْتَأْجَرَ صَالِح مَدْيَن مُوسَى عَلَى غَنَمه , وَقَدْ رَآهَا وَلَمْ يَشْتَرِط خَلْفًا ; وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَة غَيْر مُسَمَّاة وَلَا مُعَيَّنَة جَازَتْ عِنْد عُلَمَائِنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ : لَا تَجُوز لِجَهَالَتِهَا ; وَعَوَّلَ عُلَمَاؤُنَا عَلَى الْعُرْف حَسْبَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا ; وَأَنَّهُ يُعْطَى بِقَدْرِ مَا تَحْتَمِل قُوَّته وَزَادَ بَعْض عُلَمَائِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوز حَتَّى يَعْلَم الْمُسْتَأْجِر قَدْر قُوَّته , وَهُوَ صَحِيح فَإِنَّ صَالِح مَدْيَن عَلِمَ قَدْر قُوَّة مُوسَى بِرَفْعِ الْحَجَر . 

قَالَ مَالِك : وَلَيْسَ عَلَى الرَّاعِي ضَمَان وَهُوَ مُصَدَّق فِيمَا هَلَكَ أَوْ سُرِقَ , لِأَنَّهُ أَمِين كَالْوَكِيلِ وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيّ : [ بَاب إِذَا أَبْصَرَ الرَّاعِي أَوْ الْوَكِيل شَاة تَمُوت أَوْ شَيْئًا يَفْسُد فَأَصْلَحَ مَا يَخَاف الْفَسَاد ] وَسَاقَ حَدِيث كَعْب بْن مَالِك عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُمْ غَنَم تَرْعَى بِسَلْعٍ , فَأَبْصَرَتْ جَارِيَة لَنَا بِشَاةٍ مِنْ غَنَمنَا مَوْتًا فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا بِهِ , فَقَالَ لَهُمْ : لَا تَأْكُلُوا حَتَّى أَسْأَل النَّبِيّ أَوْ أُرْسِلَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَسْأَلهُ وَأَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا ; قَالَ عَبْد اللَّه : فَيُعْجِبنِي أَنَّهَا أَمَة وَأَنَّهَا ذَبَحَتْ قَالَ الْمُهَلَّب : فِيهِ مِنْ الْفِقْه تَصْدِيق الرَّاعِي وَالْوَكِيل فِيمَا ائْتُمِنَا عَلَيْهِ حَتَّى يَظْهَر عَلَيْهِمَا دَلِيل الْخِيَانَة وَالْكَذِب ; وَهَذَا قَوْل مَالِك وَجَمَاعَة وَقَالَ اِبْن الْقَاسِم : إِذَا خَافَ الْمَوْت عَلَى شَاة فَذَبَحَهَا لَمْ يَضْمَن وَيُصَدَّق إِذَا جَاءَ بِهَا مَذْبُوحَة وَقَالَ غَيْره : يَضْمَن حَتَّى يُبَيِّن مَا قَالَ 

وَاخْتَلَفَ اِبْن الْقَاسِم وَأَشْهَب إِذَا أَنْزَى الرَّاعِي عَلَى إِنَاث الْمَاشِيَة بِغَيْرِ إِذْن أَرْبَابهَا فَهَلَكَتْ ; فَقَالَ اِبْن الْقَاسِم : لَا ضَمَان عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْإِنْزَاء مِنْ إِصْلَاح الْمَال وَنَمَائِهِ وَقَالَ أَشْهَب : عَلَيْهِ الضَّمَان ; وَقَوْل اِبْن الْقَاسِم أَشْبَه بِدَلِيلِ حَدِيث كَعْب , وَأَنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ عَلَيْهِ بِاجْتِهَادِهِ , إِنْ كَانَ مِنْ أَهْل الصَّلَاح , وَمِمَّنْ يُعْلَم إِشْفَاقه عَلَى الْمَال ; وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْفُسُوق وَالْفَسَاد وَأَرَادَ صَاحِب الْمَال أَنْ يُضَمِّنهُ فَعَلَ ; لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّق أَنَّهُ رَأَى بِالشَّاةِ مَوْتًا لِمَا عُرِفَ مِنْ فِسْقه . 

لَمْ يُنْقَل مَا كَانَتْ أُجْرَة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ; وَلَكِنْ رَوَى يَحْيَى بْن سَلَّام أَنَّ صَالِح مَدْيَن جَعَلَ لِمُوسَى كُلّ سَخْلَة تُوضَع خِلَاف لَوْن أُمّهَا , فَأَوْحَى اللَّه إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاك بَيْنهنَّ يَلِدْنَ خِلَاف شَبَههنَّ كُلّهنَّ وَقَالَ غَيْر يَحْيَى : بَلْ جَعَلَ لَهُ كُلّ بَلْقَاء تُولَد لَهُ , فَوَلَدْنَ لَهُ كُلّهنَّ بُلْقًا وَذَكَرَ الْقُشَيْرِيّ أَنَّ شُعَيْبًا لَمَّا اِسْتَأْجَرَ مُوسَى قَالَ لَهُ : اُدْخُلْ بَيْت كَذَا وَخُذْ عَصَا مِنْ الْعِصِيّ الَّتِي فِي الْبَيْت , فَأَخْرَجَ مُوسَى عَصًا , وَكَانَ أَخْرَجَهَا آدَم مِنْ الْجَنَّة , وَتَوَارَثَهَا الْأَنْبِيَاء حَتَّى صَارَتْ إِلَى شُعَيْب , فَأَمَرَهُ شُعَيْب أَنْ يُلْقِيهَا فِي الْبَيْت وَيَأْخُذ عَصًا أُخْرَى , فَدَخَلَ وَأَخْرَجَ تِلْكَ الْعَصَا ; وَكَذَلِكَ سَبْع مَرَّات كُلّ ذَلِكَ لَا تَقَع بِيَدِهِ غَيْر تِلْكَ , فَعَلِمَ شُعَيْب أَنَّ لَهُ شَأْنًا ; فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لَهُ : سُقْ الْأَغْنَام إِلَى مَفْرِق الطَّرِيق , فَخُذْ عَنْ يَمِينك وَلَيْسَ بِهَا عُشْب كَثِير , وَلَا تَأْخُذ عَنْ يَسَارك فَإِنَّ بِهَا عُشْبًا كَثِيرًا وَتِنِّينًا كَبِيرًا لَا يَقْبَل الْمَوَاشِي , فَسَاقَ الْمَوَاشِي إِلَى مَفْرِق الطَّرِيق , فَأَخَذَتْ نَحْو الْيَسَار وَلَمْ يَقْدِر عَلَى ضَبْطهَا , فَنَامَ مُوسَى وَخَرَجَ التِّنِّين , فَقَامَتْ الْعَصَا وَصَارَتْ شُعْبَتَاهَا حَدِيدًا وَحَارَبَتْ التِّنِّين حَتَّى قَتَلَتْهُ , وَعَادَتْ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , فَلَمَّا اِنْتَبَهَ مُوسَى رَأَى الْعَصَا مَخْضُوبَة بِالدَّمِ , وَالتِّنِّين مَقْتُولًا ; فَعَادَ إِلَى شُعَيْب عِشَاء , وَكَانَ شُعَيْب ضَرِيرًا فَمَسَّ الْأَغْنَام , فَإِذَا أَثَر الْخِصْب بَادٍ عَلَيْهَا , فَسَأَلَهُ عَنْ الْقِصَّة فَأَخْبَرَهُ بِهَا , فَفَرِحَ شُعَيْب وَقَالَ : كُلّ مَا تَلِد هَذِهِ الْمَوَاشِي هَذِهِ السَّنَة قَالِب لَوْن أَيْ ذَات لَوْنَيْنِ فَهُوَ لَك ; فَجَاءَتْ جَمِيع السِّخَال تِلْكَ السَّنَة ذَات لَوْنَيْنِ , فَعَلِمَ شُعَيْب أَنَّ لِمُوسَى عِنْد اللَّه مَكَانَة . وَرَوَى عُيَيْنَة بْن حِصْن أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَجَّرَ مُوسَى نَفْسه بِشِبَعِ بَطْنه وَعِفَّة فَرْجه ) فَقَالَ لَهُ شُعَيْب لَك مِنْهَا يَعْنِي مِنْ نِتَاج غَنَمه مَا جَاءَتْ بِهِ قَالِب لَوْن لَيْسَ فِيهَا عَزُوز وَلَا فَشُوش وَلَا كَمُوش وَلَا ضَبُوب وَلَا ثَعُول قَالَ الْهَرَوِيّ : الْعَزُوز الْبَكِيئَة ; مَأْخُوذ مِنْ الْعِزَاز وَهِيَ الْأَرْض الصُّلْبَة , وَقَدْ تَعَزَّزَتْ الشَّاة وَالْفَشُوش الَّتِي يَنْفَش لَبَنهَا مِنْ غَيْر حَلْب وَذَلِكَ لِسِعَةِ الْإِحْلِيل , وَمِثْله الْفَتُوح وَالثَّرُور وَمِنْ أَمْثَالهمْ : لَأَفُشَّنَّكَ فَشّ الْوَطْبِ أَيْ لَأُخْرِجَنَّ غَضَبك وَكِبْرك مِنْ رَأْسك وَيُقَال : فَشَّ السِّقَاء إِذَا أَخْرَجَ مِنْهُ الرِّيح وَمِنْهُ الْحَدِيث : ( إِنَّ الشَّيْطَان يَفُشّ بَيْن أَلْيَتَيْ أَحَدكُمْ حَتَّى يُخَيَّل إِلَيْهِ أَنَّهُ أَحْدَثَ ) أَيْ يَنْفُخ نَفْخًا ضَعِيفًا وَالْكَمُوش : الصَّغِيرَة الضَّرْع , وَهِيَ الْكَمِيشَة أَيْضًا ; سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِانْكِمَاشِ ضَرْعهَا وَهُوَ تُقَلِّصهُ ; وَمِنْهُ يُقَال : رَجُل كَمِيش الْإِزَار وَالْكَشُود مِثْل الْكَمُوش وَالضَّبُوب الضَّيِّقَة ثُقْب الْإِحْلِيل وَالضَّبّ الْحَلْب بِشِدَّةِ الْعَصْر وَالثَّعُول الشَّاة الَّتِي لَهَا زِيَادَة حَلَمَة وَهِيَ الثَّعْل وَالثَّعْل زِيَادَة السِّنّ , وَتِلْكَ الزِّيَادَة هِيَ الرَّاءُول وَرَجُل أَثْعَل وَالثَّعْل ضِيق مَخْرَج اللَّبَن قَالَ الْهَرَوِيّ : وَتَفْسِير قَالِب لَوْن فِي الْحَدِيث أَنَّهَا جَاءَتْ عَلَى غَيْر أَلْوَان أُمَّهَاتهَا 

الْإِجَارَة بِالْعِوَضِ الْمَجْهُول لَا تَجُوز ; فَإِنَّ وِلَادَة الْغَنَم غَيْر مَعْلُومَة , وَإِنَّ مِنْ الْبِلَاد الْخِصْبَة مَا يُعْلَم وِلَاد الْغَنَم فِيهَا قَطْعًا وَعِدَّتهَا وَسَلَامَة سِخَالهَا كَدِيَارِ مِصْر وَغَيْرهَا , بَيْد أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوز فِي شَرَعْنَا ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْغَرَر , وَنَهَى عَنْ الْمَضَامِين وَالْمَلَاقِيح وَالْمَضَامِين مَا فِي بُطُون الْإِنَاث , وَالْمَلَاقِيح مَا فِي أَصْلَاب الْفُحُول وَعَلَى خِلَاف ذَلِكَ قَالَ الشَّاعِر : مَلْقُوحَة فِي بَطْن نَاب حَامِل وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة [ الْحِجْر ] بَيَانه عَلَى أَنَّ رَاشِد بْن مَعْمَر أَجَازَ الْإِجَارَة عَلَى الْغَنَم بِالثُّلُثِ وَالرُّبْع وَقَالَ اِبْن سِيرِينَ وَعَطَاء : يَنْسِج الثَّوْب بِنَصِيبٍ مِنْهُ ; وَبِهِ قَالَ أَحْمَد 

الْكَفَاءَة فِي النِّكَاح مُعْتَبَرَة ; وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء هَلْ فِي الدِّين وَالْمَال وَالْحَسَب , أَوْ فِي بَعْض ذَلِكَ وَالصَّحِيح جَوَاز نِكَاح الْمَوَالِي لِلْعَرَبِيَّاتِ وَالْفَرْشِيَّات ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; إِنَّ أَكْرَمكُمْ عِنْد اللَّه أَتْقَاكُمْ &quot; [ الْحُجُرَات : 13 ] وَقَدْ جَاءَ مُوسَى إِلَى صَالِح مَدْيَن غَرِيبًا طَرِيدًا خَائِفًا وَحِيدَا جَائِعًا عُرْيَانًا فَأَنْكَحَهُ اِبْنَته لَمَّا تَحَقَّقَ مِنْ دِينه وَرَأَى مِنْ حَاله , وَأَعْرَضَ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَة مُسْتَوْعَبَة وَالْحَمْد لِلَّهِ 

قَالَ بَعْضهمْ : هَذَا الَّذِي جَرَى مِنْ شُعَيْب لَمْ يَكُنْ ذِكْرًا لِصَدَاقِ الْمَرْأَة , وَإِنَّمَا كَانَ اِشْتِرَاطًا لِنَفْسِهِ عَلَى مَا يَفْعَلهُ الْأَعْرَاب ; فَإِنَّهَا تَشْتَرِط صَدَاق بَنَاتهَا , وَتَقُول لِي كَذَا فِي خَاصَّة نَفْسِي , وَتَرَكَ الْمَهْر مُفَوِّضًا ; وَنِكَاح التَّفْوِيض جَائِز قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : هَذَا الَّذِي تَفْعَلهُ الْأَعْرَاب هُوَ حُلْوَان وَزِيَادَة عَلَى الْمَهْر , وَهُوَ حَرَام لَا يَلِيق بِالْأَنْبِيَاءِ ; فَأَمَّا إِذَا اِشْتَرَطَ الْوَلِيّ شَيْئًا لِنَفْسِهِ , فَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَا يُخْرِجهُ الزَّوْج مِنْ يَده وَلَا يَدْخُل فِي يَد الْمَرْأَة عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ جَائِز وَالْآخَر : لَا يَجُوز وَاَلَّذِي يَصِحّ عِنْدِي التَّقْسِيم ; فَإِنَّ الْمَرْأَة لَا تَخْلُو أَنْ تَكُون بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا ; فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا جَازَ ; لِأَنَّ نِكَاحهَا بِيَدِهَا , وَإِنَّمَا يَكُون لِلْوَلِيِّ مُبَاشَرَة الْعَقْد , وَلَا يَمْتَنِع أَخْذ الْعِوَض عَلَيْهِ كَمَا يَأْخُذهُ الْوَكِيل عَلَى عَقْد الْبَيْع , وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا كَانَ الْعَقْد بِيَدِهِ , وَكَأَنَّهُ عِوَض فِي النِّكَاح لِغَيْرِ الزَّوْج وَذَلِكَ بَاطِل ; فَإِنْ وَقَعَ فُسِخَ قَبْل الْبِنَاء , وَثَبَتَ بَعْده عَلَى مَشْهُور الرِّوَايَة وَالْحَمْد اللَّه 

لَمَّا ذَكَرَ الشَّرْط وَأَعْقَبَهُ بِالطَّوْعِ فِي الْعَشْر خَرَجَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا عَلَى حُكْمه , وَلَمْ يَلْحَق الْآخَر بِالْأَوَّلِ , وَلَا اِشْتَرَكَ الْفَرْض وَالطَّوْع ; وَلِذَلِكَ يُكْتَب فِي الْعُقُود الشُّرُوط الْمُتَّفَق عَلَيْهَا , ثُمَّ يُقَال وَتَطَوَّعَ بِكَذَا , فَيَجْرِي الشَّرْط عَلَى سَبِيله , وَالطَّوْع عَلَى حُكْمه , وَانْفَصَلَ الْوَاجِب مِنْ التَّطَوُّع وَقِيلَ : وَمِنْ لَفْظ شُعَيْب حَسَن فِي لَفْظ الْعُقُود فِي النِّكَاح أَنْكَحَهُ إِيَّاهَا أَوْلَى مِنْ أَنْكَحَهَا إِيَّاهُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي [ الْأَحْزَاب ] وَجَعَلَ شُعَيْب الثَّمَانِيَة الْأَعْوَام شَرْطًا , وَوَكَّلَ الْعَاشِرَة إِلَى الْمُرُوءَة';
$TAFSEER['4']['28']['28'] = 'ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنك وَأَيّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْت فَلَا عُدْوَان عَلَيَّ &quot; لَمَّا فَرَغَ كَلَام شُعَيْب قَرَّرَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَكَرَّرَ مَعْنَاهُ عَلَى جِهَة التَّوَثُّق فِي أَنَّ الشَّرْط إِنَّمَا وَقَعَ فِي ثَمَانِ حِجَج وَ &quot; أَيّمَا &quot; اِسْتِفْهَام مَنْصُوب بِ &quot; قَضَيْت وَ &quot; الْأَجَلَيْنِ &quot; مَخْفُوض بِإِضَافَةِ &quot; أَيْ &quot; إِلَيْهِمَا وَ &quot; مَا &quot; صِلَة لِلتَّأْكِيدِ وَفِيهِ مَعْنَى الشَّرْط وَجَوَابه &quot; فَلَا عُدْوَان &quot; وَأَنَّ &quot; عُدْوَان &quot; مَنْصُوب بِ &quot; لَا &quot; وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : &quot; مَا &quot; فِي مَوْضِع خَفْض بِإِضَافَةِ &quot; أَيْ &quot; إِلَيْهَا وَهِيَ نَكِرَة وَ &quot; الْأَجَلَيْنِ &quot; بَدَل مِنْهَا وَكَذَلِكَ فِي قَوْل : &quot; فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللَّه &quot; [ آل عِمْرَانَ : 159 ] أَيْ رَحْمَة بَدَل مِنْ مَا ; قَالَ مَكِّيّ : وَكَانَ يَتَلَطَّف فِي أَلَّا يَجْعَل شَيْئًا زَائِدًا فِي الْقُرْآن وَيُخَرِّج لَهُ وَجْهًا يُخْرِجهُ مِنْ الزِّيَادَة وَقَرَأَ الْحَسَن : &quot; أَيْمَا &quot; بِسُكُونِ الْيَاء وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود : &quot; أَيّ الْأَجَلَيْنِ مَا قَضَيْت &quot; وَقَرَأَ الْجُمْهُور : &quot; عُدْوَان &quot; بِضَمِّ الْعَيْن وَأَبُو حَيْوَة بِكَسْرِهَا ; وَالْمَعْنَى : لَا تَبِعَة عَلَيَّ وَلَا طَلَب فِي الزِّيَادَة عَلَيْهِ وَالْعُدْوَان التَّجَاوُز فِي غَيْر الْوَاجِب , وَالْحِجَج السُّنُونَ قَالَ الشَّاعِر : لِمَنْ الدِّيَار بِقِنَّةِ الْحَجَر أَقْوَيْنَ مِنْ حِجَج وَمِنْ دَهْر الْوَاحِدَة حِجَّة بِكَسْرِ الْحَاء



قِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل مُوسَى وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل وَالِد الْمَرْأَة فَاكْتَفَى الصَّالِحَانِ صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمَا فِي الْإِشْهَاد عَلَيْهِمَا بِاَللَّهِ وَلَمْ يُشْهِدَا أَحَدًا مِنْ الْخَلْق , وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي وُجُوب الْإِشْهَاد فِي النِّكَاح ; عَلَى قَوْلَيْنِ : [ أَحَدهمَا ] أَنَّهُ لَا يَنْعَقِد إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ [ وَقَالَ مَالِك ] : إِنَّهُ يَنْعَقِد دُون شُهُود ; لِأَنَّهُ عَقْد مُعَاوَضَة فَلَا يُشْتَرَط فِيهِ الْإِشْهَاد , وَإِنَّمَا يُشْتَرَط فِيهِ الْإِعْلَان وَالتَّصْرِيح , وَفَرْق مَا بَيْن النِّكَاح وَالسِّفَاح الدُّفّ وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي [ الْبَقَرَة ] مُسْتَوْفَاة وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة : أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل سَأَلَ بَعْض بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يُسْلِفهُ أَلْف دِينَار فَقَالَ اِيتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدهُمْ , فَقَالَ كَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا ; فَقَالَ اِيتِنِي بِكَفِيلٍ ; فَقَالَ كَفَى بِاَللَّهِ كَفِيلًا قَالَ صَدَقْت فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ ; وَذَكَرَ الْحَدِيث';
$TAFSEER['4']['28']['29'] = 'مُوسَى الْأَجَل &quot; قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : سَأَلَنِي رَجُل مِنْ النَّصَارَى أَيّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى فَقُلْت : لَا أَدْرِي حَتَّى أَقْدَم عَلَى حَبْر الْعَرَب فَأَسْأَلهُ - يَعْنِي اِبْن عَبَّاس - فَقَدِمْت عَلَيْهِ فَسَأَلْته ; فَقَالَ : قَضَى أَكْمَلهمَا وَأَوْفَاهُمَا فَأَعْلَمْت النَّصْرَانِيّ فَقَالَ : صَدَقَ وَاَللَّه هَذَا الْعَالِم وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ فِي ذَلِكَ جِبْرِيل فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَضَى عَشْر سِنِينَ وَحَكَى الطَّبَرِيّ عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَضَى عَشْرًا وَعَشْرًا بَعْدهَا ; رَوَاهُ الْحَكَم بْن أَبَان عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا ضَعِيف


&quot; قِيلَ : فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الرَّجُل يَذْهَب بِأَهْلِهِ حَيْثُ شَاءَ , لِمَا لَهُ عَلَيْهَا مِنْ فَضْل الْقِوَامِيَّة وَزِيَادَة الدَّرَجَة إِلَّا أَنْ يَلْتَزِم لَهَا أَمْرًا فَالْمُؤْمِنُونَ عِنْد شُرُوطهمْ , وَأَحَقّ الشُّرُوط أَنْ يُوَفَّى بِهِ مَا اِسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوج


نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ اُمْكُثُوا إِنِّي آنَسْت نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَة مِنْ النَّار لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ &quot; قَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : هَذَا حِين قَضَى مُوسَى الْأَجَل وَسَارَ بِأَهْلِهِ وَهُوَ مُقْبِل مِنْ مَدْيَن يُرِيد مِصْر , وَكَانَ قَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيق , وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام رَجُلًا غَيُورًا , يَصْحَب النَّاس بِاللَّيْلِ وَيُفَارِقهُمْ بِالنَّهَارِ غَيْرَة مِنْهُ , لِئَلَّا يَرَوْا اِمْرَأَته فَأَخْطَأَ الرُّفْقَة - لِمَا سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه تَعَالَى - وَكَانَتْ لَيْلَة مُظْلِمَة . وَقَالَ مُقَاتِل : وَكَانَ لَيْلَة الْجُمْعَة فِي الشِّتَاء . وَهْب بْن مُنَبِّه : اِسْتَأْذَنَ مُوسَى شُعَيْبًا فِي الرُّجُوع إِلَى وَالِدَته فَأَذِنَ لَهُ فَخَرَجَ بِأَهْلِهِ بِغَنَمِهِ , وَوُلِدَ لَهُ فِي الطَّرِيق فِي لَيْلَة شَاتِيَة بَارِدَة مُثْلِجَة , وَقَدْ حَادَ عَنْ الطَّرِيق وَتَفَرَّقَتْ مَاشِيَته , فَقَدَحَ مُوسَى النَّار فَلَمْ تُورِ الْمِقْدَحَة شَيْئًا , إِذْ بَصُرَ بِنَارٍ مِنْ بَعِيد عَلَى يَسَار الطَّرِيق &quot; فَقَالَ لِأَهْلِهِ اُمْكُثُوا &quot; أَيْ أَقِيمُوا بِمَكَانِكُمْ &quot; إِنِّي آنَسْت نَارًا &quot; أَيْ أَبْصَرْت . قَالَ اِبْن عَبَّاس فَلَمَّا تَوَجَّهَ نَحْو النَّار فَإِذَا النَّار فِي شَجَرَة عُنَّاب , فَوَقَفَ مُتَعَجِّبًا مِنْ حُسْن ذَلِكَ الضَّوْء ; وَشِدَّة خُضْرَة تِلْكَ الشَّجَرَة , فَلَا شِدَّة حَرّ النَّار تُغَيِّر حُسْن خُضْرَة الشَّجَرَة , وَلَا كَثْرَة مَاء الشَّجَرَة وَلَا نِعْمَة الْخُضْرَة تُغَيِّرَانِ حُسْن ضَوْء النَّار . وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيّ : فَرَأَى النَّار - فِيمَا رُوِيَ - وَهِيَ فِي شَجَرَة مِنْ الْعُلَّيْق , فَقَصَدَهَا فَتَأَخَّرَتْ عَنْهُ , فَرَجَعَ وَأَوْجَسَ فِي نَفْسه خِيفَة , ثُمَّ دَنَتْ مِنْهُ وَكَلَّمَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الشَّجَرَة . الْمَاوَرْدِيّ : كَانَتْ عِنْد مُوسَى نَارًا , وَكَانَتْ عِنْد اللَّه تَعَالَى نُورًا . وَقَرَأَ حَمْزَة &quot; لِأَهُلْهُ اُمْكُثُوا &quot; بِضَمِّ الْهَاء قَالَ النَّحَّاس هَذَا عَلَى لُغَة مَنْ قَالَ : مَرَرْت بِهِ يَا رَجُل ; فَجَاءَ بِهِ عَلَى الْأَصْل , وَهُوَ جَائِز إِلَّا أَنَّ حَمْزَة خَالَفَ أَصْله فِي هَذَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ خَاصَّة . وَقَالَ : &quot; اُمْكُثُوا &quot; وَلَمْ يَقُلْ أَقِيمُوا , لِأَنَّ الْإِقَامَة تَقْتَضِي الدَّوَام , وَالْمُكْث لَيْسَ كَذَلِكَ &quot; وَآنَسْت &quot; أَبْصَرْت , قَالَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ . وَمِنْهُ قَوْله &quot; فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا &quot; [ النِّسَاء : 6 ] أَيْ عَلِمْتُمْ . وَأَنِسْت الصَّوْت سَمِعْته , وَالْقَبَس شُعْلَة مِنْ نَار , وَكَذَلِكَ الْمِقْبَاس . يُقَال قَبَسْت مِنْهُ نَارًا أَقْبِس قَبْسًا فَأَقْبَسَنِي أَيْ أَعْطَانِي مِنْهُ قَبَسًا , وَكَذَلِكَ اِقْتَبَسْت مِنْهُ نَارًا وَاقْتَبَسْت مِنْهُ عِلْمًا أَيْضًا أَيْ اِسْتَفَدْته , قَالَ الْيَزِيدِيّ : أَقْبَسْت الرَّجُل عِلْمًا وَقَبَسْته نَارًا ; فَإِنْ كُنْت طَلَبْتهَا لَهُ قُلْت أَقْبَسْتُهُ . وَقَالَ الْكِسَائِيّ : أَقْبَسْتُهُ نَارًا أَوْ عِلْمًا سَوَاء . وَقَالَ : وَقَبَسْته أَيْضًا فِيهِمَا . وَالْجِذْوَة بِكَسْرِ الْجِيم قِرَاءَة الْعَامَّة , وَضَمَّهَا حَمْزَة وَيَحْيَى , وَفَتَحَهَا عَاصِم وَالسُّلَمِيّ وَزِرّ بْن حُبَيْش قَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْجِذْوَة وَالْجَذْوَة وَالْجُذْوَة الْجَمْرَة الْمُلْتَهِبَة وَالْجَمْع جِذًا وَجُذًا وَجَذًا قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْل تَعَالَى : &quot; أَوْ جَذْوَة مِنْ النَّار &quot; أَيْ قِطْعَة مِنْ الْجَمْر ; قَالَ : وَهِيَ بِلُغَةِ جَمِيع الْعَرَب وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : وَالْجَذْوَة مِثْل الْجِذْمَة وَهِيَ الْقِطْعَة الْغَلِيظَة مِنْ الْخَشَب كَانَ فِي طَرَفهَا نَار أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ اِبْن مُقْبِل : بَاتَتْ حَوَاطِب لَيْلَى يَلْتَمِسْنَ لَهَا جَزْل الْجِذَا غَيْر خَوَّار وَلَا دَعِر وَقَالَ : وَأَلْقَى عَلَى قَيْس مِنْ النَّار جِذْوَة شَدِيدًا عَلَيْهَا حَمْيهَا وَلَهِيبهَا';
$TAFSEER['4']['28']['30'] = 'يَعْنِي الشَّجَرَة قُدِّمَ ضَمِيرهَا عَلَيْهَا


&quot; مِنْ &quot; الْأُولَى وَالثَّانِيَة لِابْتِدَاءِ الْغَايَة , أَيْ أَتَاهُ النِّدَاء مِنْ شَاطِئ الْوَادِي مِنْ قِبَل الشَّجَرَة وَ &quot; مِنْ الشَّجَرَة &quot; بَدَل مِنْ قَوْله : &quot; مِنْ شَاطِئ الْوَادِ &quot; بَدَل الِاشْتِمَال , لِأَنَّ الشَّجَرَة كَانَتْ نَابِتَة عَلَى الشَّاطِئ , وَشَاطِئ الْوَادِي وَشَطّه جَانِبه , وَالْجَمْع شُطَّان وَشَوَاطِئ , وَذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ , وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَيُقَال شَاطِئ الْأَوْدِيَة وَلَا يُجْمَع وَشَاطَأْت الرَّجُل إِذَا مَشَيْت عَلَى شَاطِئ وَمَشَى هُوَ عَلَى شَاطِئ آخَر


أَيْ عَنْ يَمِين مُوسَى وَقِيلَ : عَنْ يَمِين الْجَبَل



وَقَرَأَ الْأَشْهَب الْعُقَيْلِيّ : &quot; فِي الْبَقْعَة &quot; بِفَتْحِ الْبَاء وَقَوْلهمْ بِقَاع يَدُلّ عَلَى بَقْعَة , كَمَا يُقَال جَفْنَة وَجِفَان وَمَنْ قَالَ بُقْعَة قَالَ بُقَع مِثْل غُرْفَة وَغُرَف &quot; وَمِنْ الشَّجَرَة &quot; أَيْ مِنْ نَاحِيَة الشَّجَرَة قِيلَ : كَانَتْ شَجَرَة الْعُلَّيْق وَقِيلَ : سَمُرَة وَقِيلَ : عَوْسَج وَمِنْهَا كَانَتْ عَصَاهُ , ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ وَقِيلَ : عُنَّاب , وَالْعَوْسَج إِذَا عَظُمَ يُقَال لَهُ الْغَرْقَد وَفِي الْحَدِيث : ( إِنَّهُ مِنْ شَجَر الْيَهُود فَإِذَا نَزَلَ عِيسَى وَقَتَلَ الْيَهُود الَّذِينَ مَعَ الدَّجَّال فَلَا يَخْتَفِي أَحَد مِنْهُمْ خَلْف شَجَرَة إِلَّا نَطَقَتْ وَقَالَتْ يَا مُسْلِم هَذَا يَهُودِيّ وَرَائِي تَعَالَ فَاقْتُلْهُ إِلَّا الْغَرْقَد فَإِنَّهُ مِنْ شَجَر الْيَهُود فَلَا يَنْطِق ) خَرَّجَهُ مُسْلِم قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَكَلَّمَ اللَّه تَعَالَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ فَوْق عَرْشه وَأَسْمَعَهُ كَلَامه مِنْ الشَّجَرَة عَلَى مَا شَاءَ وَلَا يَجُوز أَنْ يُوصَف الْحَقّ تَعَالَى بِالِانْتِقَالِ وَالزَّوَال وَشِبْه ذَلِكَ مِنْ صِفَات الْمَخْلُوقِينَ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : وَأَهْل الْمَعَانِي وَأَهْل الْحَقّ يَقُولُونَ مَنْ كَلَّمَهُ اللَّه تَعَالَى وَخَصَّهُ بِالرُّتْبَةِ الْعُلْيَا وَالْغَايَة الْقُصْوَى , فَيُدْرِك كَلَامه الْقَدِيم الْمُتَقَدِّس عَنْ مُشَابَهَة الْحُرُوف وَالْأَصْوَات وَالْعِبَارَات وَالنَّغَمَات وَضُرُوب اللُّغَات , كَمَا أَنَّ مَنْ خَصَّهُ اللَّه بِمَنَازِل الْكَرَامَات وَأَكْمَلَ عَلَيْهِ نِعْمَته , وَرَزَقَهُ رُؤْيَته يَرَى اللَّه سُبْحَانه مُنَزَّهًا عَنْ مُمَاثَلَة الْأَجْسَام وَأَحْكَام الْحَوَادِث , وَلَا مِثْل لَهُ سُبْحَانه فِي ذَاته وَصِفَاته , وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى أَنَّ الرَّبّ تَعَالَى خَصَّصَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَغَيْره مِنْ الْمُصْطَفَيْنَ مِنْ الْمَلَائِكَة بِكَلَامِهِ قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق : اِتَّفَقَ أَهْل الْحَقّ عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ فِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي أَدْرَكَ بِهِ كَلَامه كَانَ اِخْتِصَاصه فِي سَمَاعه , وَأَنَّهُ قَادِر عَلَى مِثْله فِي جَمِيع خَلْقه وَاخْتَلَفُوا فِي نَبِيّنَا عَلَيْهِ السَّلَام هَلْ سَمِعَ لَيْلَة الْإِسْرَاء كَلَام اللَّه , وَهَلْ سَمِعَ جِبْرِيل كَلَامه عَلَى قَوْلَيْنِ ; وَطَرِيق أَحَدهمَا النَّقْل الْمَقْطُوع بِهِ وَذَلِكَ مَفْقُود , وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ سَمَاع الْخَلْق لَهُ عِنْد قِرَاءَة الْقُرْآن عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ سَمِعُوا الْعِبَارَة الَّتِي عَرَفُوا بِهَا مَعْنَاهُ دُون سَمَاعه لَهُ فِي عَيْنه وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن سَعْد بْن كِلَاب : إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَهِمَ كَلَام اللَّه الْقَدِيم مِنْ أَصْوَات مَخْلُوقَة أَثْبَتَهَا اللَّه تَعَالَى فِي بَعْض الْأَجْسَام قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : وَهَذَا مَرْدُود ; بَلْ يَجِب اِخْتِصَاص مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِإِدْرَاكِ كَلَام اللَّه تَعَالَى خَرْقًا لِلْعَادَةِ , وَلَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام اِخْتِصَاص بِتَكْلِيمِ اللَّه إِيَّاهُ وَالرَّبّ تَعَالَى أَسْمَعَهُ كَلَامه الْعَزِيز , وَخَلَقَ لَهُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا , حَتَّى عَلِمَ أَنَّ مَا سَمِعَهُ كَلَام اللَّه , وَأَنَّ الَّذِي كَلَّمَهُ وَنَادَاهُ هُوَ اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ , وَقَدْ وَرَدَ فِي الْأَقَاصِيص أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ : سَمِعْت كَلَام رَبِّي بِجَمِيعِ جَوَارِحِي , وَلَمْ أَسْمَعهُ مِنْ جِهَة وَاحِدَة مِنْ جِهَاتِي وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي [ الْبَقَرَة ] مُسْتَوْفًى




&quot; أَنْ &quot; فِي مَوْضِع نَصْب بِحَذْفِ حَرْف الْجَرّ أَيْ بِ &quot; أَنْ يَا مُوسَى &quot; &quot; إِنِّي أَنَا اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ &quot; نَفْي لِرُبُوبِيَّةِ غَيْره سُبْحَانه وَصَارَ بِهَذَا الْكَلَام مِنْ أَصْفِيَاء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَا مِنْ رُسُله ; لِأَنَّهُ لَا يَصِير رَسُولًا إِلَّا بَعْد أَمْره بِالرِّسَالَةِ , وَالْأَمْر بِهَا إِنَّمَا كَانَ بَعْد هَذَا الْكَلَام';
$TAFSEER['4']['28']['31'] = '&quot; وَأَنْ أَلْقِ عَصَاك &quot; عُطِفَ عَلَى &quot; أَنْ يَا مُوسَى &quot; قَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : ظَنَّ مُوسَى أَنَّ اللَّه أَمَرَهُ أَنْ يَرْفُضهَا فَرَفَضَهَا وَقِيلَ : إِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ لِيَعْلَم مُوسَى أَنَّ الْمُكَلِّم لَهُ هُوَ اللَّه , وَأَنَّ مُوسَى رَسُوله ; وَكُلّ نَبِيّ لَا بُدّ لَهُ مِنْ آيَة فِي نَفْسه يَعْلَم بِهَا نُبُوَّته . وَفِي الْآيَة حَذْف : أَيْ وَأَلْقِ عَصَاك فَأَلْقَاهَا مِنْ يَده فَصَارَتْ حَيَّة تَهْتَزّ كَأَنَّهَا جَانّ , وَهِيَ الْحَيَّة الْخَفِيفَة الصَّغِيرَة الْجِسْم . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : لَا صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة . وَقِيلَ : إِنَّهَا قُلِبَتْ لَهُ أَوَّلًا حَيَّة صَغِيرَة فَلَمَّا أَنِسَ مِنْهَا قُلِبَتْ حَيَّة كَبِيرَة . وَقِيلَ : اِنْقَلَبَتْ مَرَّة حَيَّة صَغِيرَة , وَمَرَّة حَيَّة تَسْعَى وَهِيَ الْأُنْثَى , وَمَرَّة ثُعْبَانًا وَهُوَ الذَّكَر الْكَبِير مِنْ الْحَيَّات . وَقِيلَ : الْمَعْنَى اِنْقَلَبَتْ ثُعْبَانًا تَهْتَزّ كَأَنَّهَا جَانّ لَهَا عَظْم الثُّعْبَان وَخِفَّة الْجَانّ وَاهْتِزَازه وَهِيَ حَيَّة تَسْعَى . وَجَمْع الْجَانّ جِنَان ; وَمِنْهُ الْحَدِيث ( نَهَى عَنْ قَتْل الْجِنَان الَّتِي فِي الْبُيُوت ) .


خَائِفًا عَلَى عَادَة الْبَشَر وَ &quot; مُدْبِرًا &quot; نُصِبَ عَلَى الْحَال



أَيْ لَمْ يَرْجِع ; قَالَهُ مُجَاهِد . وَقَالَ قَتَادَة : لَمْ يَلْتَفِت . &quot; وَلَمْ يُعَقِّب &quot; نُصِبَ عَلَى الْحَال .


أَيْ مِنْ الْحَيَّة وَضَرَرهَا . قَالَ وَهْب : قِيلَ لَهُ اِرْجِعْ إِلَى حَيْثُ كُنْت فَرَجَعَ فَلَفَّ دُرَّاعَته عَلَى يَده , فَقَالَ لَهُ الْمَلَك : أَرَأَيْت إِنْ أَرَادَ اللَّه أَنْ يُصِيبك بِمَا تُحَاذِر أَيَنْفَعُك لَفّك يَدك ؟ قَالَ : لَا وَلَكِنِّي ضَعِيف خُلِقْت مِنْ ضَعْف وَكَشَفَ يَده فَأَدْخَلَهَا فِي فَم الْحَيَّة فَعَادَتْ عَصًا


أَيْ مِمَّا تُحَاذِر';
$TAFSEER['4']['28']['32'] = 'مِنْ غَيْر بَرَص نُورًا سَاطِعًا , يُضِيء بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار كَضَوْءِ الشَّمْس وَالْقَمَر وَأَشَدّ ضَوْءًا . عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : فَخَرَجَتْ نُورًا مُخَالِفَة لِلَوْنِهِ . وَ &quot; بَيْضَاء &quot; نُصِبَ عَلَى الْحَال , وَلَا يَنْصَرِف لِأَنَّ فِيهَا أَلِفَيْ التَّأْنِيث لَا يُزَايِلَانِهَا فَكَأَنَّ لُزُومهمَا عِلَّة ثَانِيَة , فَلَمْ يَنْصَرِف فِي النَّكِرَة , وَخَالَفَتَا الْهَاء لِأَنَّ الْهَاء تُفَارِق الِاسْم . وَ &quot; مِنْ غَيْر سُوء &quot; &quot; مِنْ &quot; صِلَة &quot; بَيْضَاء &quot; كَمَا تَقُول : اِبْيَضَّتْ مِنْ غَيْر سُوء .



&quot; مِنْ &quot; مُتَعَلِّقَة بِ &quot; وَلَّى &quot; أَيْ وَلَّى مُدْبِرًا مِنْ الرَّهْب وَقَرَأَ حَفْص وَالسُّلَمِيّ وَعِيسَى بْن عَمْرو وَابْن أَبِي إِسْحَاق : &quot; مِنْ الرَّهْب &quot; بِفَتْحِ الرَّاء وَإِسْكَان الْهَاء وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَالْكُوفِيُّونَ إِلَّا حَفْصًا بِضَمِّ الرَّاء وَجَزْم الْهَاء الْبَاقُونَ بِفَتْحِ الرَّاء وَالْهَاء وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا &quot; [ الْأَنْبِيَاء : 90 ] وَكُلّهَا لُغَات وَهُوَ بِمَعْنَى الْخَوْف وَالْمَعْنَى إِذَا هَالَك أَمْر يَدك وَشُعَاعهَا فَأَدْخِلْهَا فِي جَيْبك وَارْدُدْهَا إِلَيْهِ تَعُدْ كَمَا كَانَتْ وَقِيلَ : أَمَرَهُ اللَّه أَنْ يَضُمّ يَده إِلَى صَدْره فَيَذْهَب عَنْهُ خَوْف الْحَيَّة عَنْ مُجَاهِد وَغَيْره وَرَوَاهُ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس ; قَالَ فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : لَيْسَ مِنْ أَحَد يَدْخُلهُ رُعْب بَعْد مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , ثُمَّ يُدْخِل يَده فَيَضَعهَا عَلَى صَدْره إِلَّا ذَهَبَ عَنْهُ الرُّعْب وَيُحْكَى عَنْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز رَحِمَهُ اللَّه : أَنَّ كَاتِبًا كَانَ يَكْتُب بَيْن يَدَيْهِ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ فَلْتَة رِيح فَخَجِلَ وَانْكَسَرَ , فَقَامَ وَضَرَبَ بِقَلَمِهِ الْأَرْض فَقَالَ لَهُ عُمَر : خُذْ قَلَمك وَاضْمُمْ إِلَيْك جَنَاحك , وَلْيُفْرِخْ رَوْعك فَإِنِّي مَا سَمِعْتهَا مِنْ أَحَد أَكْثَر مِمَّا سَمِعْتهَا مِنْ نَفْسِي , وَقِيلَ : الْمَعْنَى اُضْمُمْ يَدك إِلَى صَدْرك لِيُذْهِب اللَّه مَا فِي صَدْرك مِنْ الْخَوْف وَكَانَ مُوسَى يَرْتَعِد خَوْفًا إِمَّا مِنْ آل فِرْعَوْن وَإِمَّا مِنْ الثُّعْبَان وَضَمّ الْجَنَاح هُوَ السُّكُون ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاح الذُّلّ مِنْ الرَّحْمَة &quot; [ الْإِسْرَاء : 24 ] يُرِيد الرِّفْق وَكَذَلِكَ قَوْله : &quot; وَاخْفِضْ جَنَاحك لِمَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ &quot; [ الشُّعَرَاء : 215 ] أَيْ اُرْفُقْ بِهِمْ وَقَالَ الْفَرَّاء : أَرَادَ بِالْجَنَاحِ عَصَاهُ وَقَالَ بَعْض أَهْل الْمَعَانِي : الرَّهْب الْكُمّ بِلُغَةِ حِمْيَر وَبَنِي حَنِيفَة قَالَ مُقَاتِل : سَأَلَتْنِي أَعْرَابِيَّة شَيْئًا وَأَنَا آكُل فَمَلَأْت الْكَفّ وَأَوْمَأْت إِلَيْهَا فَقَالَتْ : هَاهُنَا فِي رَهْبِي تُرِيد فِي كُمِّي وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ : سَمِعْت أَعْرَابِيًّا يَقُول لِآخَرَ أَعْطِنِي رَهْبك فَسَأَلْته عَنْ الرَّهْب فَقَالَ : الْكُمّ ; فَعَلَى هَذَا يَكُون مَعْنَاهُ اُضْمُمْ إِلَيْك يَدك وَأَخْرِجْهَا مِنْ الْكُمّ ; لِأَنَّهُ تَنَاوَلَ الْعَصَا وَيَده فِي كُمّه وَقَوْله : &quot; اسْلُكْ يَدك فِي جَيْبك &quot; يَدُلّ عَلَى أَنَّهَا الْيَد الْيُمْنَى , لِأَنَّ الْجَيْب عَلَى الْيَسَار ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ 

قُلْت : وَمَا فَسَّرُوهُ مِنْ ضَمّ الْيَد إِلَى الصَّدْر يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْجَيْب مَوْضِعه الصَّدْر وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة [ النُّور ] بَيَانه الزَّمَخْشَرِيّ : وَمِنْ بِدَع التَّفَاسِير أَنَّ الرَّهْب الْكُمّ بِلُغَةِ حِمْيَر وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ أَعْطِنِي مِمَّا فِي رَهْبك , وَلَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ صِحَّته فِي اللُّغَة ! وَهَلْ سُمِعَ مِنْ الْأَثْبَات الثِّقَات الَّذِينَ تُرْتَضَى عَرَبِيَّتهمْ , ثُمَّ لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ مَوْقِعه فِي الْآيَة , وَكَيْفَ تَطْبِيقه الْمُفَصَّل كَسَائِرِ كَلِمَات التَّنْزِيل , عَلَى أَنَّ مُوسَى صَلَوَات عَلَيْهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ لَيْلَة الْمُنَاجَاة إِلَّا زُرْمَانِقَة مِنْ صُوف لَا كُمَّيْنِ لَهَا قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَقَوْله : &quot; وَاضْمُمْ إِلَيْك جَنَاحك &quot; يُرِيد الْيَدَيْنِ إِنْ قُلْنَا أَرَادَ الْأَمْن مِنْ فَزَع الثُّعْبَان وَقِيلَ : &quot; وَاضْمُمْ إِلَيْك جَنَاحك &quot; أَيْ شَمِّرْ وَاسْتَعِدَّ لِتَحَمُّلِ أَعْبَاء الرِّسَالَة 

قُلْت : فَعَلَى هَذَا قِيلَ : &quot; إِنَّك مِنْ الْآمِنِينَ &quot; أَيْ مِنْ الْمُرْسَلِينَ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى &quot; إِنِّي لَا يَخَاف لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ &quot; [ النَّمْل : 10 ] قَالَ اِبْن بَحْر : فَصَارَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل رَسُولًا بِهَذَا الْقَوْل وَقِيلَ : إِنَّمَا صَارَ رَسُولًا بِقَوْلِهِ : &quot; فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبّك إِلَى فِرْعَوْن وَمَلَئِهِ &quot;




وَالْبُرْهَانَانِ الْيَد وَالْعَصَا وَقَرَأَ اِبْن كَثِير : بِتَشْدِيدِ النُّون وَخَفَّفَهَا الْبَاقُونَ وَرَوَى أَبُو عُمَارَة عَنْ أَبِي الْفَضْل عَنْ أَبِي بَكْر عَنْ اِبْن كَثِير , &quot; فَذَانِّيك &quot; بِالتَّشْدِيدِ وَالْيَاء وَعَنْ أَبِي عَمْرو أَيْضًا قَالَ لُغَة هُذَيْل : &quot; فَذَانِيك &quot; بِالتَّخْفِيفِ وَالْيَاء وَلُغَة قُرَيْش &quot; فَذَانِكَ &quot; كَمَا قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن كَثِير وَفِي تَعْلِيله خَمْسَة أَقْوَال : قِيلَ شَدَّدَ النُّون عِوَضًا مِنْ الْأَلِف السَّاقِطَة فِي ذَانِكَ الَّذِي هُوَ تَثْنِيَة ذَا الْمَرْفُوع , وَهُوَ رَفْع بِالِابْتِدَاءِ , وَأَلِف ذَا مَحْذُوفَة لِدُخُولِ أَلِف التَّثْنِيَة عَلَيْهَا , وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى اِلْتِقَاء السَّاكِنَيْنِ ; لِأَنَّ أَصْله فَذَانِكَ فَحَذَفَ الْأَلِف الْأُولَى عِوَضًا مِنْ النُّون الشَّدِيدَة وَقِيلَ : التَّشْدِيد لِلتَّأْكِيدِ كَمَا أَدْخَلُوا اللَّام فِي ذَلِكَ . مَكِّيّ : وَقِيلَ إِنَّ مَنْ شَدَّدَ إِنَّمَا بَنَاهُ عَلَى لُغَة مَنْ قَالَ فِي الْوَاحِد ذَلِكَ ; فَلَمَّا بَنَى أَثْبَتَ اللَّام بَعْد نُون التَّثْنِيَة , ثُمَّ أَدْغَمَ اللَّام فِي النُّون عَلَى حُكْم إِدْغَام الثَّانِي فِي الْأَوَّل , وَالْأَصْل أَنْ يُدْغَم الْأَوَّل أَبَدًا فِي الثَّانِي , إِلَّا أَنْ يَمْنَع مِنْ ذَلِكَ عِلَّة فَيُدْغَم الثَّانِي فِي الْأَوَّل , وَالْعِلَّة الَّتِي مَنَعَتْ فِي هَذَا أَنْ يُدْغَم الْأَوَّل فِي الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ فُعِلَ ذَلِكَ لَصَارَ فِي مَوْضِع النُّون الَّتِي تَدُلّ عَلَى التَّثْنِيَة لَام مُشَدَّدَة فَيَتَغَيَّر لَفْظ التَّثْنِيَة فَأُدْغِمَ الثَّانِي فِي الْأَوَّل لِذَلِكَ ; فَصَارَ نُونًا مُشَدَّدَة وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ لَمَّا تَنَافَى ذَلِكَ أُثْبِتَ اللَّام قَبْل النُّون ثُمَّ أُدْغِمَ الْأَوَّل فِي الثَّانِي عَلَى أُصُول الْإِدْغَام فَصَارَ نُونًا مُشَدَّدَة وَقِيلَ : شُدِّدَتْ فَرْقًا بَيْنهَا وَبَيْن الظَّاهِر الَّتِي تُسْقِط الْإِضَافَة نُونه , لِأَنَّ ذَانِ لَا يُضَاف وَقِيلَ : لِلْفَرْقِ بَيْن الِاسْم الْمُتَمَكِّن وَبَيْنهَا وَكَذَلِكَ الْعِلَّة فِي تَشْدِيد النُّون فِي &quot; اللَّذَانِّ &quot; وَ &quot; هَذَانِّ &quot; قَالَ أَبُو عَمْرو : إِنَّمَا اِخْتَصَّ أَبُو عَمْرو هَذَا الْحَرْف بِالتَّشْدِيدِ دُون كُلّ تَثْنِيَة مِنْ جِنْسه لِقِلَّةِ حُرُوفه فَقَرَأَ بِالتَّثْقِيلِ وَمَنْ قَرَأَ : &quot; فَذَانِيك &quot; بِيَاءٍ مَعَ تَخْفِيف النُّون فَالْأَصْل عِنْده &quot; فَذَانِّكَ &quot; بِالتَّشْدِيدِ فَأَبْدَلَ مِنْ النُّون الثَّانِيَة يَاء كَرَاهِيَة التَّضْعِيف , كَمَا قَالُوا : لَا أَمَلَاهُ فِي لَا أَمَلّهُ فَأَبْدَلُوا اللَّام الثَّانِيَة أَلِفًا وَمَنْ قَرَأَ بِيَاءٍ بَعْد النُّون الشَّدِيدَة فَوَجْهه أَنَّهُ أَشْبَعَ كَسْرَة النُّون فَتَوَلَّدَتْ عَنْهَا الْيَاء';
$TAFSEER['4']['28']['33'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَتَلَ قِبْطِيًّا كَافِرًا . قَالَ كَعْب : وَكَانَ إِذْ ذَاكَ اِبْن اِثْنَتَيْ عَشْرَة سَنَة . فِي صَحِيح مُسْلِم : وَكَانَ قَتَلَهُ خَطَأ ; عَلَى مَا يَأْتِي';
$TAFSEER['4']['28']['34'] = 'وَكَانَ هَارُون أَكْثَر لَحْمًا مِنْ مُوسَى , وَأَتَمّ طُولًا , وَأَبْيَض جِسْمًا , وَأَفْصَح لِسَانًا . وَمَاتَ قَبْل مُوسَى بِثَلَاثِ سِنِينَ وَكَانَ فِي جَبْهَة هَارُون شَامَة , وَعَلَى أَرْنَبَة أَنْف مُوسَى شَامَة , وَعَلَى طَرَف لِسَانه شَامَة , وَلَمْ تَكُنْ عَلَى أَحَد قَبْله وَلَا تَكُون عَلَى أَحَد بَعْده , وَقِيلَ إِنَّهَا كَانَتْ سَبَب الْعُقْدَة الَّتِي فِي لِسَانه . وَاَللَّه أَعْلَم .


يَعْنِي مُعِينًا مُشْتَقّ مِنْ أَرْدَأْته أَيْ أَعَنْته وَالرِّدْء الْعَوْن قَالَ الشَّاعِر : أَلَمْ تَرَ أَنَّ أَصْرَم كَانَ رِدْئِي وَخَيْر النَّاس فِي قُلّ وَمَال النَّحَّاس : وَقَدْ أَرْدَأَهُ وَرَدَّاهُ أَيْ أَعَانَهُ ; وَتُرِكَ هَمْزه تَخْفِيفًا وَبِهِ قَرَأَ نَافِع : وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَهْمُوز قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَيَجُوز أَنْ يَكُون تَرْك الْهَمْز مِنْ قَوْلهمْ أَرْدَى عَلَى الْمِائَة أَيْ زَادَ عَلَيْهَا , وَكَأَنَّ الْمَعْنَى أَرْسِلْهُ مَعِيَ زِيَادَة فِي تَصْدِيقِي قَالَهُ مُسْلِم بْن جُنْدُب وَأَنْشَدَ قَوْل الشَّاعِر : وَأَسْمَر خَطِّيًّا كَأَنَّ كُعُوبه نَوَى الْقَسْب قَدْ أَرْدَى ذِرَاعًا عَلَى الْعَشْر كَذَا أَنْشَدَ الْمَاوَرْدِيّ هَذَا الْبَيْت : قَدْ أَرْدَى وَأَنْشَدَهُ الْغَزْنَوِيّ وَالْجَوْهَرِيّ فِي الصِّحَاح قَدْ أَرْمَى ; قَالَ : وَالْقَسْب الصُّلْب , وَالْقَسْب تَمْر يَابِس يَتَفَتَّت فِي الْفَم صُلْب النَّوَاة قَالَ يَصِف رُمْحًا : وَأَسْمَر . الْبَيْت قَالَ الْجَوْهَرِيّ : رَدُؤَ الشَّيْء يَرْدُؤ رَدَاءَة فَهُوَ رَدِيء أَيْ فَاسِد , وَأَرْدَأْته أَفْسَدْته , وَأَرْدَأْته أَيْضًا بِمَعْنَى أَعَنْته ; تَقُول : أَرْدَأْته بِنَفْسِي أَيْ كُنْت لَهُ رِدْءًا وَهُوَ الْعَوْن قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقنِي &quot; . قَالَ النَّحَّاس : وَقَدْ حَكَى رَدَأْتُهُ : رِدْءًا وَجَمْع رِدْء أَرْدَاء وَقَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة : &quot; يُصَدِّقنِي &quot; بِالرَّفْعِ وَجَزَمَ الْبَاقُونَ ; وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي حَاتِم عَلَى جَوَاب الدُّعَاء وَاخْتَارَ الرَّفْع أَبُو عُبَيْد عَلَى الْحَال مِنْ الْهَاء فِي &quot; أَرْسِلْهُ &quot; أَيْ أَرْسِلْهُ رِدْءًا مُصَدِّقًا حَالَة التَّصْدِيق ; كَقَوْلِهِ : &quot; أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء تَكُون &quot; [ الْمَائِدَة : 114 ] أَيْ كَائِنَة ; حَال صُرِفَ إِلَى الِاسْتِقْبَال وَيَجُوز أَنْ يَكُون صِفَة لِقَوْلِهِ : &quot; رِدْءًا &quot;



إِذَا لَمْ يَكُنْ لِي وَزِير وَلَا مُعِين ; لِأَنَّهُمْ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ عَنِّي';
$TAFSEER['4']['28']['35'] = '&quot; قَالَ &quot; اللَّه جَلَّ وَعَزَّ لَهُ &quot; سَنَشُدُّ عَضُدك بِأَخِيك &quot; أَيْ نُقَوِّيك بِهِ ; وَهَذَا تَمْثِيل ; لِأَنَّ قُوَّة الْيَد بِالْعَضُدِ قَالَ طَرَفَة : بَنِي لُبَيْنَى لَسْتُمُ بِيَدٍ إِلَّا يَدًا لَيْسَتْ لَهَا عَضُد وَيُقَال فِي دُعَاء الْخَيْر : شَدَّ اللَّه عَضُدك وَفِي ضِدّه : فَتَّ اللَّه فِي عَضُدك


أَيْ حُجَّة وَبُرْهَانًا


بِالْأَذَى



أَيْ تَمْتَنِعَانِ مِنْهُمْ &quot; بِآيَاتِنَا &quot; فَيَجُوز أَنْ يُوقَف عَلَى &quot; إِلَيْكُمَا &quot; وَيَكُون فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير وَقِيلَ : التَّقْدِير &quot; أَنْتُمَا وَمَنْ اِتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ &quot; بِآيَاتِنَا قَالَ الْأَخْفَش وَالطَّبَرِيّ قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَفِي هَذَا تَقْدِيم الصِّلَة عَلَى الْمَوْصُول , إِلَّا أَنْ يُقَدَّر أَنْتُمَا غَالِبَانِ بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنْ اِتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ وَعَنَى بِالْآيَاتِ سَائِر مُعْجِزَاته';
$TAFSEER['4']['28']['36'] = 'أَيْ ظَاهِرَات وَاضِحَات


مَكْذُوب مُخْتَلَق


أَيْ فِي الْأُمَم الْمَاضِيَة ; قَالَ اِبْن عَبَّاس . وَالْبَاء فِي &quot; بِهَذَا &quot; زَائِدَة ; أَيْ مَا سَمِعْنَا هَذَا كَائِنًا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ , وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَات وَمَا اِحْتَجَّ بِهِ مُوسَى فِي إِثْبَات التَّوْحِيد مِنْ الْحُجَج الْعَقْلِيَّة وَقِيلَ : هِيَ مُعْجِزَاته';
$TAFSEER['4']['28']['37'] = 'قِرَاءَة الْعَامَّة بِالْوَاوِ وَقَرَأَ مُجَاهِد وَابْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن : &quot; قَالَ &quot; بِلَا وَاو ; وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَف أَهْل مَكَّة &quot; رَبِّي أَعْلَم بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى &quot; أَيْ بِالرَّشَادِ . &quot; مِنْ عِنْده &quot;


قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ إِلَّا عَاصِمًا : &quot; يَكُون &quot; بِالْيَاءِ وَالْبَاقُونَ بِالتَّاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا &quot; عَاقِبَة الدَّار &quot; أَيْ دَار الْجَزَاء &quot; إِنَّهُ &quot; الْهَاء ضَمِير الْأَمْر وَالشَّأْن &quot; لَا يُفْلِح الظَّالِمُونَ &quot;';
$TAFSEER['4']['28']['38'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ بَيْنهَا وَبَيْن قَوْله : &quot; أَنَا رَبّكُمْ الْأَعْلَى &quot; [ النَّازِعَات : 24 ] أَرْبَعُونَ سَنَة , وَكَذَبَ عَدُوّ اللَّه بَلْ عَلِمَ أَنَّ لَهُ ثَمَّ رَبًّا هُوَ خَالِقه وَخَالِق قَوْمه &quot; وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّه &quot; [ الزُّخْرُف : 87 ]



أَيْ اُطْبُخْ لِي الْآجُرّ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَقَالَ قَتَادَة : هُوَ أَوَّل مَنْ صَنَعَ الْآجُرّ وَبَنَى بِهِ وَلَمَّا أَمَرَ فِرْعَوْن وَزِيره هَامَان بِبِنَاءِ الصَّرْح جَمَعَ هَامَان الْعُمَّال - قِيلَ خَمْسِينَ أَلْف بَنَّاء سِوَى الْأَتْبَاع وَالْأُجَرَاء - وَأَمَرَ بِطَبْخِ الْآجُرّ وَالْجِصّ , وَنَشْر الْخَشَب وَضَرْب الْمَسَامِير , فَبَنَوْا وَرَفَعُوا الْبِنَاء وَشَيَّدُوهُ بِحَيْثُ لَمْ يَبْلُغهُ بُنْيَان مُنْذُ خَلَقَ اللَّه السَّمَوَات وَالْأَرْض , فَكَانَ الْبَانِي لَا يَقْدِر أَنْ يَقُوم عَلَى رَأْسه , حَتَّى أَرَادَ اللَّه أَنْ يَفْتِنهُمْ فِيهِ فَحَكَى السُّدِّيّ : أَنَّ فِرْعَوْن صَعِدَ السَّطْح وَرَمَى بِنُشَّابَةٍ نَحْو السَّمَاء , فَرَجَعَتْ مُتَلَطِّخَة بِدِمَاءٍ , فَقَالَ قَدْ قَتَلْت إِلَه مُوسَى فَرُوِيَ أَنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بَعَثَهُ اللَّه تَعَالَى عِنْد مَقَالَته , فَضَرَبَ الصَّرْح بِجَنَاحِهِ فَقَطَعَهُ ثَلَاث قِطَع ; قِطْعَة عَلَى عَسْكَر فِرْعَوْن قَتَلَتْ مِنْهُمْ أَلْف أَلْف , وَقِطْعَة فِي الْبَحْر , وَقِطْعَة فِي الْغَرْب , وَهَلَكَ كُلّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ شَيْئًا وَاَللَّه أَعْلَم بِصِحَّةِ ذَلِكَ



الظَّنّ هُنَا شَكّ , فَكَفَرَ عَلَى الشَّكّ ; لِأَنَّهُ قَدْ رَأَى مِنْ الْبَرَاهِين مَا لَا يُخِيل عَلَى ذِي فِطْرَة .';
$TAFSEER['4']['28']['39'] = 'أَيْ تَعَظَّمَ



أَيْ تَعَظَّمُوا عَنْ الْإِيمَان بِمُوسَى


أَيْ بِالْعُدْوَانِ , أَيْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حُجَّة تَدْفَع مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى


أَيْ تَوَهَّمُوا أَنَّهُ لَا مَعَاد وَلَا بَعْث وَقَرَأَ نَافِع وَابْن مُحَيْصِن وَشَيْبَة وَحُمَيْد وَيَعْقُوب وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ : &quot; لَا يَرْجِعُونَ &quot; بِفَتْحِ الْيَاء وَكَسْر الْجِيم عَلَى أَنَّهُ مُسَمَّى الْفَاعِل الْبَاقُونَ : &quot; يُرْجَعُونَ &quot; عَلَى الْفِعْل الْمَجْهُول وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد , وَالْأَوَّل اِخْتِيَار أَبِي حَاتِم';
$TAFSEER['4']['28']['40'] = 'وَكَانُوا أَلْفَيْ أَلْف وَسِتّمِائَةِ أَلْف


أَيْ طَرَحْنَاهُمْ فِي الْبَحْر الْمَالِح قَالَ قَتَادَة : بَحْر مِنْ وَرَاء مِصْر يُقَال لَهُ إِسَاف أَغْرَقَهُمْ اللَّه فِيهِ وَقَالَ وَهْب وَالسُّدِّيّ : الْمَكَان الَّذِي أَغْرَقَهُمْ اللَّه فِيهِ بِنَاحِيَةِ الْقُلْزُم يُقَال لَهُ بَطْن مُرَيْرَة , وَهُوَ إِلَى الْيَوْم غَضْبَان وَقَالَ مُقَاتِل , يَعْنِي نَهْر النِّيل وَهَذَا ضَعْف وَالْمَشْهُور الْأَوَّل


يَا مُحَمَّد


أَيْ آخِر أَمْرهمْ';
$TAFSEER['4']['28']['41'] = 'أَيْ جَعَلْنَاهُمْ زُعَمَاء يُتَّبَعُونَ عَلَى الْكُفْر , فَيَكُون عَلَيْهِمْ وِزْرهمْ وَوِزْر مَنْ اِتَّبَعَهُمْ حَتَّى يَكُون عِقَابهمْ أَكْثَر وَقِيلَ : جَعَلَ اللَّه الْمَلَأ مِنْ قَوْمه رُؤَسَاء السَّفَلَة مِنْهُمْ , فَهُمْ يَدْعُونَ إِلَى جَهَنَّم وَقِيلَ : أَئِمَّة يَأْتَمّ بِهِمْ ذَوُو الْعِبَر وَيَتَّعِظ بِهِمْ أَهْل الْبَصَائِر


أَيْ إِلَى عَمَل أَهْل النَّار &quot; وَيَوْم الْقِيَامَة لَا يُنْصَرُونَ &quot;';
$TAFSEER['4']['28']['42'] = 'أَيْ أَمَرْنَا الْعِبَاد بِلَعْنِهِمْ فَمَنْ ذَكَرَهُمْ لَعَنَهُمْ وَقِيلَ : أَيْ أَلْزَمْنَاهُمْ اللَّعْن أَيْ الْبُعْد عَنْ الْخَيْر


مِنْ الْمُهْلَكِينَ الْمَمْقُوتِينَ قَالَهُ اِبْن كَيْسَان وَأَبُو عُبَيْدَة وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمُشَوَّهِينَ الْخِلْقَة بِسَوَادِ الْوُجُوه وَزُرْقَة الْعُيُون وَقِيلَ : مِنْ الْمُبْعَدِينَ يُقَال : قَبَّحَهُ اللَّه أَيْ نَحَّاهُ مِنْ كُلّ خَيْر , وَقَبَحَهُ وَقَبَّحَهُ إِذَا جَعَلَهُ قَبِيحًا وَقَالَ أَبُو عَمْرو : قَبَحْت وَجْهه بِالتَّخْفِيفِ مَعْنَاهُ قَبَّحْت قَالَ الشَّاعِر : أَلَا قَبَحَ اللَّه الْبَرَاجِم كُلّهَا وَقَبَّحَ يَرْبُوعًا وَقَبَّحَ دَارِمَا وَانْتَصَبَ &quot; يَوْمَ &quot; عَلَى الْحَمْل عَلَى مَوْضِع &quot; فِي هَذِهِ الدُّنْيَا &quot; وَاسْتَغْنَى عَنْ حَرْف الْعَطْف فِي قَوْله : &quot; مِنْ الْمَقْبُوحِينَ &quot; كَمَا اُسْتُغْنِيَ عَنْهُ فِي قَوْله : &quot; سَيَقُولُونَ ثَلَاثَة رَابِعهمْ كَلْبهمْ &quot; [ الْكَهْف : 22 ] وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْعَامِل فِي &quot; يَوْم &quot; مُضْمَرًا يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله : &quot; هُمْ مِنْ الْمَقْبُوحِينَ &quot; فَيَكُون كَقَوْلِهِ : &quot; يَوْم يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة لَا بُشْرَى يَوْمئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ &quot; [ الْفُرْقَان : 22 ] وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْعَامِل فِي &quot; يَوْم &quot; قَوْله &quot; هُمْ مِنْ الْمَقْبُوحِينَ &quot; وَإِنْ كَانَ الظَّرْف مُتَقَدِّمًا وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَفْعُولًا عَلَى السَّعَة , كَأَنَّهُ قَالَ : وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَلَعْنَةً يَوْمَ الْقِيَامَة';
$TAFSEER['4']['28']['43'] = 'يَعْنِي التَّوْرَاة ; قَالَهُ قَتَادَة قَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام : هُوَ أَوَّل كِتَاب - يَعْنِي التَّوْرَاة - نَزَلَتْ فِيهِ الْفَرَائِض وَالْحُدُود وَالْأَحْكَام وَقِيلَ : الْكِتَاب هُنَا سِتّ مِنْ الْمَثَانِي السَّبْع الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّه عَلَى رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس , وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا


قَالَ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أَهْلَكَ اللَّه قَوْمًا وَلَا قَرْنًا وَلَا أُمَّة وَلَا أَهْل قَرْيَة بِعَذَابٍ مِنْ السَّمَاء وَلَا مِنْ الْأَرْض مُنْذُ أَنْزَلَ اللَّه التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى غَيْر الْقَرْيَة الَّتِي مُسِخَتْ قِرَدَة أَلَمْ تَرَ إِلَى قَوْله تَعَالَى : &quot; وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب مِنْ بَعْد مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُون الْأُولَى &quot; أَيْ مِنْ بَعْد قَوْم نُوح وَعَاد وَثَمُود وَقِيلَ : أَيْ مِنْ بَعْد مَا أَغْرَقْنَا فِرْعَوْن وَقَوْمه وَخَسَفْنَا بِقَارُونَ


أَيْ آتَيْنَاهُ الْكِتَاب بَصَائِر أَيْ لِيَتَبَصَّرُوا



أَيْ مِنْ الضَّلَالَة لِمَنْ عَمِلَ بِهَا


لِمَنْ آمَنَ بِهَا


أَيْ لِيَذْكُرُوا هَذِهِ النِّعْمَة فَيُقِيمُوا عَلَى إِيمَانهمْ فِي الدُّنْيَا , وَيَثِقُوا بِثَوَابِهِمْ فِي الْآخِرَة';
$TAFSEER['4']['28']['44'] = 'أَيْ مَا كُنْت يَا مُحَمَّد


أَيْ بِجَانِبِ الْجَبَل الْغَرْبِيّ قَالَ الشَّاعِر : أَعْطَاك مَنْ أَعْطَى الْهُدَى النَّبِيَّا نُورًا يُزَيِّن الْمِنْبَر الْغَرْبِيَّا 


إِذْ كَلَّفْنَاهُ أَمْرنَا وَنَهْينَا , وَأَلْزَمْنَاهُ عَهْدنَا وَقِيلَ : أَيْ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى أَمْرك وَذَكَرْنَاك بِخَيْرِ ذِكْر وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : &quot; إِذْ قَضَيْنَا &quot; أَيْ أَخْبَرْنَا أَنَّ أُمَّة مُحَمَّد خَيْر الْأُمَم


أَيْ مِنْ الْحَاضِرِينَ';
$TAFSEER['4']['28']['45'] = 'أَيْ مِنْ بَعْد مُوسَى


حَتَّى نَسَوْا ذِكْر اللَّه أَيْ عَهْده وَأَمْره نَظِيره : &quot; فَطَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَد فَقَسَتْ قُلُوبهمْ &quot; [ الْحَدِيد : 16 ] وَظَاهِر هَذَا يُوجِب أَنْ يَكُون جَرَى لِنَبِيِّنَا عَلَيْهِ السَّلَام ذِكْر فِي ذَلِكَ الْوَقْت , وَأَنَّ اللَّه سَيَبْعَثُهُ , وَلَكِنْ طَالَتْ الْمُدَّة , وَغَلَبَتْ الْقَسْوَة , فَنَسِيَ الْقَوْم ذَلِكَ وَقِيلَ : آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب وَأَخَذْنَا عَلَى قَوْمه الْعُهُود , ثُمَّ تَطَاوَلَ الْعَهْد فَكَفَرُوا , فَأَرْسَلْنَا مُحَمَّدًا مُجَدِّدًا لِلدِّينِ وَدَاعِيًّا الْخَلْق إِلَيْهِ



أَيْ مُقِيمًا كَمُقَامِ مُوسَى وَشُعَيْب بَيْنهمْ قَالَ الْعَجَّاج : فَبَاتَ حَيْثُ يَدْخُل الثَّوِيّ أَيْ الضَّيْف الْمُقِيم


أَيْ تُذَكِّرهُمْ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيد


أَيْ أَرْسَلْنَاك فِي أَهْل مَكَّة , وَآتَيْنَاك كِتَابًا فِيهِ هَذِهِ الْأَخْبَار : وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا عَلِمْتهَا';
$TAFSEER['4']['28']['46'] = 'أَيْ كَمَا لَمْ تَحْضُر جَانِب الْمَكَان الْغَرْبِيّ إِذْ أَرْسَلَ اللَّه مُوسَى إِلَى فِرْعَوْن , فَكَذَلِكَ لَمْ تَحْضُر جَانِب الطُّور إِذْ نَادَيْنَا مُوسَى لَمَّا أَتَى الْمِيقَات مَعَ السَّبْعِينَ وَرَوَى عَمْرو بْن دِينَار يَرْفَعهُ قَالَ : ( نُودِيَ يَا أُمَّة مُحَمَّد أَجَبْتُكُمْ قَبْل أَنْ تَدْعُونِي وَأَعْطَيْتُكُمْ قَبْل أَنْ تَسْأَلُونِي ) فَذَلِكَ قَوْله : &quot; وَمَا كُنْت بِجَانِبِ الطُّور إِذْ نَادَيْنَا &quot; وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة - وَفِي رِوَايَة عَنْ اِبْن عَبَّاس - إِنَّ اللَّه قَالَ : ( يَا أُمَّة مُحَمَّد قَدْ أَجَبْتُكُمْ قَبْل أَنْ تَدْعُونِي وَأَعْطَيْتُكُمْ قَبْل أَنْ تَسْأَلُونِي وَغَفَرْت لَكُمْ قَبْل أَنْ تَسْتَغْفِرُونِي وَرَحِمْتُكُمْ قَبْل أَنْ تَسْتَرْحِمُونِي ) قَالَ وَهْب : وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى لَمَّا ذَكَرَ اللَّه لَهُ فَضْل مُحَمَّد وَأُمَّته قَالَ : يَا رَبّ أَرِنِيهِمْ فَقَالَ اللَّه : ( إِنَّك لَنْ تُدْرِكهُمْ لَئِنْ شِئْت نَادَيْتهمْ فَأَسْمَعْتُك صَوْتهمْ ) قَالَ : بَلَى يَا رَبّ فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : ( يَا أُمَّة مُحَمَّد ) فَأَجَابُوا مِنْ أَصْلَاب أَبَائِهِمْ فَقَالَ : ( قَدْ أَجَبْتُكُمْ قَبْل أَنْ تَدْعُونِي ) وَمَعْنَى الْآيَة عَلَى هَذَا مَا كُنْت بِجَانِبِ الطُّور إِذْ كَلَّمْنَا مُوسَى فَنَادَيْنَا أُمَّتك وَأَخْبَرْنَاهُ بِمَا كَتَبْنَاهُ لَك وَلِأُمَّتِك مِنْ الرَّحْمَة إِلَى آخِر الدُّنْيَا


فَعَلْنَا ذَلِكَ


مِنَّا بِكُمْ قَالَ الْأَخْفَش : &quot; رَحْمَة &quot; نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَر أَيْ وَلَكِنْ رَحِمْنَاك رَحْمَة وَقَالَ الزَّجَّاج : هُوَ مَفْعُول مِنْ أَجْله أَيْ فَعَلَ ذَلِكَ بِك لِأَجْلِ الرَّحْمَة النَّحَّاس : أَيْ لَمْ تَشْهَد قَصَص الْأَنْبِيَاء , وَلَا تُلِيَتْ عَلَيْك , وَلَكِنَّا بَعَثْنَاك وَأَوْحَيْنَاهَا إِلَيْك لِلرَّحْمَةِ وَقَالَ الْكِسَائِيّ : عَلَى خَبَر كَانَ ; التَّقْدِير : وَلَكِنْ كَانَ رَحْمَة . قَالَ : وَيَجُوز الرَّفْع بِمَعْنَى هِيَ رَحْمَة الزَّجَّاج : الرَّفْع بِمَعْنَى وَلَكِنْ فِعْل ذَلِكَ رَحْمَة


يَعْنِي الْعَرَب أَيْ لَمْ تُشَاهِد تِلْكَ الْأَخْبَار , وَلَكِنْ أَوْحَيْنَاهَا إِلَيْك رَحْمَة بِمَنْ أُرْسِلْت إِلَيْهِمْ لِتُنْذِرهُمْ بِهَا &quot; لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ &quot;';
$TAFSEER['4']['28']['47'] = 'يُرِيد قُرَيْشًا . وَقِيلَ : الْيَهُود


أَيْ عُقُوبَة وَنِقْمَة


مِنْ الْكُفْر وَالْمَعَاصِي وَخَصَّ الْأَيْدِي بِالذِّكْرِ ; لِأَنَّ الْغَالِب مِنْ الْكَسْب إِنَّمَا يَقَع بِهَا وَجَوَاب &quot; لَوْلَا &quot; مَحْذُوف أَيْ لَوْلَا أَنْ يُصِيبهُمْ عَذَاب بِسَبَبِ مَعَاصِيهمْ الْمُتَقَدِّمَة

أَيْ هَلَّا



لَمَّا بَعَثْنَا الرُّسُل وَقِيلَ : لَعَاجَلْنَاهُمْ بِالْعُقُوبَةِ وَبَعْث الرُّسُل إِزَاحَة لِعُذْرِ الْكُفَّار كَمَا تَقَدَّمَ فِي [ الْإِسْرَاء ] وَآخِر [ طه ]


&quot; فَنَتَّبِع آيَاتك &quot; نُصِبَ عَلَى جَوَاب التَّخْصِيص &quot; وَنَكُون &quot; عُطِفَ عَلَيْهِ &quot; مِنْ الْمُؤْمِنِينَ &quot; مِنْ الْمُصَدِّقِينَ وَقَدْ اِحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَة مَنْ قَالَ : إِنَّ الْعَقْل يُوجِب الْإِيمَان وَالشُّكْر ; لِأَنَّهُ قَالَ : &quot; بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهمْ &quot; وَذَلِكَ مُوجِب لِلْعِقَابِ إِذْ تَقَرَّرَ الْوُجُوب قَبْل بَعْثه الرُّسُل , وَإِنَّمَا يَكُون ذَلِكَ بِالْعَقْلِ قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَالصَّحِيح أَنَّ الْمَحْذُوف لَوْلَا كَذَا لَمَا احْتِيجَ إِلَى تَجْدِيد الرُّسُل أَيْ هَؤُلَاءِ الْكُفَّار غَيْر مَعْذُورِينَ إِذْ بَلَغَتْهُمْ الشَّرَائِع السَّابِقَة وَالدُّعَاء إِلَى التَّوْحِيد , وَلَكِنْ تَطَاوَلَ الْعَهْد , فَلَوْ عَذَّبْنَاهُمْ فَقَدْ يَقُول قَائِل مِنْهُمْ طَالَ الْعَهْد بِالرُّسُلِ , وَيَظُنّ أَنَّ ذَلِكَ عُذْر وَلَا عُذْر لَهُمْ بَعْد أَنْ بَلَغَهُمْ خَبَر الرُّسُل , وَلَكِنْ أَكْمَلْنَا إِزَاحَة الْعُذْر , وَأَكْمَلْنَا الْبَيَان فَبَعَثْنَاك يَا مُحَمَّد إِلَيْهِمْ وَقَدْ حَكَمَ اللَّه بِأَنَّهُ لَا يُعَاقِب عَبْدًا إِلَّا بَعْد إِكْمَال الْبَيَان وَالْحُجَّة وَبَعْثَة الرُّسُل';
$TAFSEER['4']['28']['48'] = 'يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


يَعْنِي كُفَّار مَكَّة


أَيْ هَلَّا


مِنْ الْعَصَا وَالْيَد الْبَيْضَاء , وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة كَالتَّوْرَاةِ , وَكَانَ بَلَغَهُمْ ذَلِكَ مِنْ أَمْر مُوسَى قَبْل مُحَمَّد



أَيْ مُوسَى وَمُحَمَّد تَعَاوَنَا عَلَى السِّحْر وَقَالَ الْكَلْبِيّ : بَعَثَتْ قُرَيْش إِلَى الْيَهُود وَسَأَلُوهُمْ عَنْ بَعْث مُحَمَّد وَشَأْنه فَقَالُوا : إِنَّا نَجِدهُ فِي التَّوْرَاة بِنَعْتِهِ وَصِفَته فَلَمَّا رَجَعَ الْجَوَاب إِلَيْهِمْ &quot; قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا &quot; وَقَالَ قَوْم : إِنَّ الْيَهُود عَلِمُوا الْمُشْرِكِينَ , وَقَالُوا قُولُوا لِمُحَمَّدٍ لَوْلَا أُوتِيت مِثْل مَا أُوتِيَ مُوسَى , فَإِنَّهُ أُوتِيَ التَّوْرَاة دَفْعَة وَاحِدَة فَهَذَا الِاحْتِجَاج وَارِد عَلَى الْيَهُود , أَيْ أَوَلَمْ يَكْفُر هَؤُلَاءِ الْيَهُود بِمَا أُوتِيَ مُوسَى حِين قَالُوا فِي مُوسَى وَهَارُون هُمَا سَاحِرَانِ . 

وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ : &quot; سِحْرَانِ &quot; بِغَيْرِ أَلِف , أَيْ الْإِنْجِيل وَالْقُرْآن وَقِيلَ : التَّوْرَاة وَالْفُرْقَان ; قَالَهُ الْفَرَّاء وَقِيلَ : التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , قَالَهُ أَبُو رَزِين . الْبَاقُونَ &quot; سَاحِرَانِ &quot; بِأَلِفٍ وَفِيهِ ثَلَاثَة أَقَاوِيل : أَحَدهَا : مُوسَى وَمُحَمَّد عَلَيْهِمَا السَّلَام , وَهَذَا قَوْل مُشْرِكِي الْعَرَب وَبِهِ قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن . الثَّانِي : مُوسَى وَهَارُون وَهَذَا قَوْل الْيَهُود لَهُمَا فِي اِبْتِدَاء الرِّسَالَة . وَبِهِ قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَمُجَاهِد وَابْن زَيْد فَيَكُون الْكَلَام اِحْتِجَاجًا عَلَيْهِمْ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمَحْذُوف فِي قَوْله : &quot; لَوْلَا أَنْ تُصِيبهُمْ مُصِيبَة &quot; لَمَا جَدَّدْنَا بَعْثَة الرُّسُل , لِأَنَّ الْيَهُود اِعْتَرَفُوا بِالنُّبُوَّاتِ وَلَكِنَّهُمْ حَرَّفُوا وَغَيَّرُوا وَاسْتَحَقُّوا الْعِقَاب , فَقَالَ : قَدْ أَكْمَلْنَا إِزَاحَة عُذْرهمْ بِبَعْثَةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . الثَّالِث : عِيسَى وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ وَهَذَا قَوْل الْيَهُود الْيَوْم وَبِهِ قَالَ قَتَادَة . وَقِيلَ : أَوَلَمْ يَكْفُر جَمِيع الْيَهُود بِمَا أُوتِيَ مُوسَى فِي التَّوْرَاة مِنْ ذِكْر الْمَسِيح , وَذِكْر الْإِنْجِيل وَالْقُرْآن , فَرَأَوْا مُوسَى وَمُحَمَّدًا سَاحِرَيْنِ وَالْكِتَابَيْنِ سِحْرَيْنِ



أَيْ وَإِنَّا كَافِرُونَ بِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا';
$TAFSEER['4']['28']['49'] = 'أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّد إِذَا كَفَرْتُمْ مَعَاشِر الْمُشْرِكِينَ بِهَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ &quot; فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْد اللَّه هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعهُ &quot; لِيَكُونَ ذَلِكَ عُذْرًا لَكُمْ فِي الْكُفْر &quot; أَتَّبِعهُ &quot; قَالَ الْفَرَّاء : بِالرَّفْعِ ; لِأَنَّهُ صِفَة لِلْكِتَابِ وَكِتَاب نَكِرَة قَالَ : وَبِذَا جَزَمْت - وَهُوَ الْوَجْه - فَعَلَى الشَّرْط



فِي أَنَّهُمَا سِحْرَانِ أَوْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ هُوَ أَهْدَى مِنْ كِتَابَيْ مُوسَى وَمُحَمَّد عَلَيْهِمَا السَّلَام وَهَذَا يُقَوِّي قِرَاءَة الْكُوفِيِّينَ &quot; سِحْرَانِ &quot;';
$TAFSEER['4']['28']['50'] = 'يَا مُحَمَّد بِأَنْ يَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْد اللَّه


أَيْ آرَاء قُلُوبهمْ وَمَا يَسْتَحْسِنُونَهُ وَيُحَبِّبهُ لَهُمْ الشَّيْطَان , وَإِنَّهُ لَا حُجَّة لَهُمْ


أَيْ لَا أَحَد أَضَلّ مِنْهُ


كَثِيرًا مِنْ الظَّالِمِينَ تَابُوا عَنْ الظُّلْم . قِيلَ : مَعْنَاهُ لَا يَهْدِيهِمْ اللَّه مَا دَامُوا مُقِيمِينَ عَلَى كُفْرهمْ وَظُلْمهمْ وَلَا يُقْبِلُونَ عَلَى الْإِسْلَام ; فَأَمَّا إِذَا أَسْلَمُوا وَتَابُوا فَقَدْ وَفَّقَهُمْ اللَّه لِذَلِكَ . وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم .';
$TAFSEER['4']['28']['51'] = 'أَيْ أَتْبَعْنَا بَعْضه بَعْضًا , وَبَعَثْنَا رَسُولًا بَعْد رَسُول وَقَرَأَ الْحَسَن &quot; وَصَلْنَا &quot; مُخَفَّفًا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَالْأَخْفَش : مَعْنَى &quot; وَصَّلْنَا &quot; أَتْمَمْنَا كَصِلَتِك الشَّيْء وَقَالَ اِبْن عُيَيْنَة وَالسُّدِّيّ : بَيَّنَّا وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَالَ مُجَاهِد : فَصَّلْنَا وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَؤُهَا . وَقَالَ اِبْن زَيْد : وَصَلْنَا لَهُمْ خَبَر الدُّنْيَا بِخَبَرِ الْآخِرَة حَتَّى كَأَنَّهُمْ فِي الْآخِرَة فِي الدُّنْيَا وَقَالَ أَهْل الْمَعَانِي : وَالَيْنَا وَتَابَعْنَا وَأَنْزَلْنَا الْقُرْآن تَبِعَ بَعْضه بَعْضًا : وَعْدًا وَوَعِيدًا وَقَصَصًا وَعِبَرًا وَنَصَائِح وَمَوَاعِظ إِرَادَة أَنْ يَتَذَكَّرُوا فَيُفْلِحُوا وَأَصْلهَا مِنْ وَصْل الْحِبَال بَعْضهَا بِبَعْضٍ قَالَ الشَّاعِر : فَقُلْ لِبَنِي مَرْوَان مَا بَال ذِمَّة وَحَبْل ضَعِيف مَا يَزَال يُوَصَّل وَقَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : دَرِير كَخُذْرُوفِ الْوَلِيد أَمَرَّهُ تَقَلُّب كَفَّيْهِ بِخَيْطٍ مُوَصَّل وَالضَّمِير فِي &quot; لَهُمْ &quot; لِقُرَيْشٍ ; عَنْ مُجَاهِد وَقِيلَ : هُوَ لِلْيَهُودِ وَقِيلَ : هُوَ لَهُمْ جَمِيعًا . وَالْآيَة رَدّ عَلَى مَنْ قَالَ هَلَّا أُوتِيَ مُحَمَّد الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة


قَالَ اِبْن عَبَّاس : يَتَذَكَّرُونَ مُحَمَّدًا فَيُؤْمِنُوا بِهِ . وَقِيلَ : يَتَذَكَّرُونَ فَيَخَافُوا أَنْ يَنْزِل بِهِمْ مَا نَزَلَ بِمَنْ قَبْلهمْ ; قَالَهُ عَلِيّ بْن عِيسَى وَقِيلَ : لَعَلَّهُمْ يَتَّعِظُونَ بِالْقُرْآنِ عَنْ عِبَادَة الْأَصْنَام حَكَاهُ النَّقَّاش';
$TAFSEER['4']['28']['52'] = 'أَخْبَرَ أَنَّ قَوْمًا مِمَّنْ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ قَبْل الْقُرْآن يُؤْمِنُونَ بِالْقُرْآنِ , كَعَبْدِ اللَّه بْن سَلَّام وَسَلْمَان وَيَدْخُل فِيهِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ عُلَمَاء النَّصَارَى , وَهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا , قَدِمُوا مَعَ جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب الْمَدِينَة , اِثْنَانِ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنْ الْحَبَشَة , وَثَمَانِيَة نَفَر أَقْبَلُوا مِنْ الشَّام وَكَانُوا أَئِمَّة النَّصَارَى : مِنْهُمْ بَحِيرَا الرَّاهِب وَأَبْرَهَة وَالْأَشْرَف وَعَامِر وَأَيْمَن وَإِدْرِيس وَنَافِع كَذَا سَمَّاهُمْ الْمَاوَرْدِيّ , وَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة وَاَلَّتِي بَعْدهَا &quot; أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرهمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا &quot; قَالَهُ قَتَادَة وَعَنْهُ أَيْضًا نَزَلَتْ فِي عَبْد اللَّه بْن سَلَام وَتَمِيم الدَّارِيّ وَالْجَارُود الْعَبْدِيّ وَسَلْمَان الْفَارِسِيّ , أَسْلَمُوا فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة وَعَنْ رِفَاعَة الْقُرَظِيّ : نَزَلَتْ فِي عَشَرَة أَنَا أَحَدهمْ وَقَالَ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر : نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيّ وَأَصْحَابه وَوُجَّهَ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَجَلَسُوا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ أَبُو جَهْل وَأَصْحَابه قَرِيبًا مِنْهُمْ , فَآمَنُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَامُوا مِنْ عِنْده تَبِعَهُمْ أَبُو جَهْل وَمَنْ مَعَهُ , فَقَالَ لَهُمْ : خَيَّبَكُمْ اللَّه مِنْ رَكْب , وَقَبَّحَكُمْ مِنْ وَفْد , وَلَمْ تَلْبَثُوا أَنْ صَدَّقْتُمُوهُ , وَمَا رَأَيْنَا رَكْبًا أَحْمَق مِنْكُمْ وَلَا أَجْهَل , فَقَالُوا : &quot; سَلَام عَلَيْكُمْ &quot; لَمْ نَأْلُ أَنْفُسنَا رَشَدًا &quot; لَنَا أَعْمَالنَا وَلَكُمْ أَعْمَالكُمْ &quot; [ الْبَقَرَة : 139 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي [ الْمَائِدَة ] عِنْد قَوْله &quot; وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُول &quot; [ الْمَائِدَة : 83 ] مُسْتَوْفًى وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة : هَؤُلَاءِ قَوْم آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل أَنْ يُبْعَث وَقَدْ أَدْرَكَهُ بَعْضهمْ . &quot; مِنْ قَبْله &quot; أَيْ مِنْ قَبْل الْقُرْآن وَقِيلَ : مِنْ قَبْل مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام &quot; هُمْ بِهِ &quot; أَيْ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَام &quot; يُؤْمِنُونَ &quot;';
$TAFSEER['4']['28']['53'] = 'أَيْ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآن قَالُوا صَدَّقْنَا بِمَا فِيهِ


أَيْ مِنْ قَبْل نُزُوله , أَوْ مِنْ قَبْل بَعْثَة مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام &quot; مُسْلِمِينَ &quot; أَيْ مُوَحِّدِينَ , أَوْ مُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُ سَيُبْعَثُ مُحَمَّد وَيَنْزِل عَلَيْهِ الْقُرْآن';
$TAFSEER['4']['28']['54'] = 'ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( ثَلَاثَة يُؤْتَوْنَ أَجْرهمْ مَرَّتَيْنِ رَجُل مِنْ أَهْل الْكِتَاب آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَأَدْرَكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ فَلَهُ أَجْرَانِ وَعَبْد مَمْلُوك أَدَّى حَقّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَحَقّ سَيِّده فَلَهُ أَجْرَانِ وَرَجُل كَانَتْ لَهُ أَمَة فَغَذَّاهَا فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا ثُمَّ أَدَّبَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ ) قَالَ الشَّعْبِيّ لِلْخُرَاسَانِيِّ : خُذَا هَذَا الْحَدِيث بِغَيْرِ شَيْء فَقَدْ كَانَ الرَّجُل يَرْحَل فِيمَا دُون هَذَا إِلَى الْمَدِينَة وَخَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ أَيْضًا قَالَ عُلَمَاؤُنَا : لَمَّا كَانَ كُلّ وَاحِد مِنْ هَؤُلَاءِ مُخَاطَبًا بِأَمْرَيْنِ مِنْ جِهَتَيْنِ اِسْتَحَقَّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ أَجْرَيْنِ , فَالْكِتَابِيّ كَانَ مُخَاطَبًا مِنْ جِهَة نَبِيّه , ثُمَّ إِنَّهُ خُوطِبَ مِنْ جِهَة نَبِيّنَا فَأَجَابَهُ وَاتَّبَعَهُ فَلَهُ أَجْر الْمِلَّتَيْنِ , وَكَذَلِكَ الْعَبْد هُوَ مَأْمُور مِنْ جِهَة اللَّه تَعَالَى وَمِنْ جِهَة سَيِّده , وَرَبّ الْأَمَة لَمَّا قَامَ بِمَا خُوطِبَ بِهِ مِنْ تَرْبِيَته أَمَته وَأَدَبهَا فَقَدْ أَحْيَاهَا إِحْيَاء التَّرْبِيَة , ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا أَحْيَاهَا إِحْيَاء الْحُرِّيَّة الَّتِي أَلْحَقَهَا فِيهِ بِمَنْصِبِهِ , فَقَدْ قَامَ بِمَا أُمِرَ فِيهَا , فَأَجْر كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ أَجْرَيْنِ ثُمَّ إِنَّ كُلّ وَاحِد مِنْ الْأَجْرَيْنِ مُضَاعَف فِي نَفْسه , الْحَسَنَة بِعَشْرِ أَمْثَالهَا فَتَتَضَاعَف الْأُجُور وَلِذَلِكَ قِيلَ : إِنَّ الْعَبْد الَّذِي يَقُوم بِحَقِّ سَيِّده وَحَقّ اللَّه تَعَالَى أَفْضَل مِنْ الْحُرّ , وَهُوَ الَّذِي اِرْتَضَاهُ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ وَغَيْره وَفِي الصَّحِيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوك الْمُصْلِح أَجْرَانِ ) وَاَلَّذِي نَفْس أَبِي هُرَيْرَة بِيَدِهِ لَوْلَا الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه وَالْحَجّ وَبِرّ أُمِّي لَأَحْبَبْت أَنْ أَمُوت وَأَنَا مَمْلُوك قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة لَمْ يَكُنْ يَحُجّ حَتَّى مَاتَتْ أُمّه لِصُحْبَتِهَا . وَفِي الصَّحِيح أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( نُعْمًا لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يُتَوَفَّى يُحْسِن عِبَادَة اللَّه وَصَحَابَة سَيِّده نُعْمًا لَهُ )


عَامّ فِي صَبْرهمْ عَلَى مِلَّتهمْ , ثُمَّ عَلَى هَذِهِ وَعَلَى الْأَذَى الَّذِي يَلْقَوْنَهُ مِنْ الْكُفَّار وَغَيْر ذَلِكَ



أَيْ يَدْفَعُونَ دَرَأْت إِذَا دَفَعْت , وَالدَّرْء الدَّفْع وَفِي الْحَدِيث : ( اِدْرَءُوا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ ) قِيلَ : يَدْفَعُونَ بِالِاحْتِمَالِ وَالْكَلَام الْحَسَن الْأَذَى وَقِيلَ : يَدْفَعُونَ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَار الذُّنُوب ; وَعَلَى الْأَوَّل فَهُوَ وَصْف لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاق ; أَيْ مَنْ قَالَ لَهُمْ سُوءًا لَايَنُوهُ وَقَابَلُوهُ مِنْ الْقَوْل الْحَسَن بِمَا يَدْفَعهُ فَهَذِهِ آيَة مُهَادَنَة , وَهِيَ مِنْ صَدْر الْإِسْلَام , وَهِيَ مِمَّا نَسَخَتْهَا آيَة السَّيْف وَبَقِيَ حُكْمهَا فِيمَا دُون الْكُفْر يَتَعَاطَاهُ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لِمُعَاذٍ : ( وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقْ النَّاس بِخُلُقٍ حَسَن ) وَمِنْ الْخُلُق الْحَسَن دَفْع الْمَكْرُوه وَالْأَذَى , وَالصَّبْر عَلَى اِلْجَفَا بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَلِين الْحَدِيث


أَثْنَى عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ يُنْفِقُونَ مِنْ أَمْوَالهمْ فِي الطَّاعَات وَفِي رَسْم الشَّرْع , وَفِي ذَلِكَ حَضّ عَلَى الصَّدَقَات وَقَدْ يَكُون الْإِنْفَاق مِنْ الْأَبْدَانِ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاة';
$TAFSEER['4']['28']['55'] = 'مَدَحَهُمْ أَيْضًا عَلَى إِعْرَاضهمْ عَنْ اللَّغْو ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : &quot; وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا &quot; [ الْفُرْقَان : 72 ] أَيْ إِذَا سَمِعُوا مَا قَالَ لَهُمْ الْمُشْرِكُونَ مِنْ الْأَذَى وَالشَّتْم أَعْرَضُوا عَنْهُ ; أَيْ لَمْ يَشْتَغِلُوا بِهِ


أَيْ مُتَارَكَة ; مِثْل قَوْله : &quot; وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا &quot; [ الْفُرْقَان : 63 ] أَيْ لَنَا دِيننَا وَلَكُمْ دِينكُمْ


أَيْ أَمْنًا لَكُمْ مِنَّا فَإِنَّا لَا نُحَارِبكُمْ , وَلَا نُسَابّكُمْ , وَلَيْسَ مِنْ التَّحِيَّة فِي شَيْء قَالَ الزَّجَّاج : وَهَذَا قَبْل الْأَمْر بِالْقِتَالِ


أَيْ لَا نَطْلُبهُمْ لِلْجِدَالِ وَالْمُرَاجَعَة وَالْمُشَاتَمَة';
$TAFSEER['4']['28']['56'] = 'قَالَ الزَّجَّاج : أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِب 

قُلْت : وَالصَّوَاب أَنْ يُقَال أَجْمَعَ جُلّ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْن أَبِي طَالِب عَمّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ نَصّ حَدِيث الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم , وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام فِي ذَلِكَ فِي [ التَّوْبَة ] 

وَقِيلَ : مَعْنَى &quot; مَنْ أَحْبَبْت &quot; أَيْ مَنْ أَحْبَبْت أَنْ يَهْتَدِي وَقَالَ جُبَيْر بْن مُطْعِم : لَمْ يَسْمَع أَحَد الْوَحْي يُلْقَى عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَبَا بَكْر الصِّدِّيق فَإِنَّهُ سَمِعَ جِبْرِيل وَهُوَ يَقُول : يَا مُحَمَّد اِقْرَأْ : إِنَّك لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت وَلَكِنَّ اللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاء &quot; 

رَوَى مُسْلِم عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنْ أَبِيهِ قَالَ : لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِب الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْده أَبَا جَهْل وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة بْن الْمُغِيرَة , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا عَمّ قُلْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه كَلِمَة أَشْهَد لَك بِهَا عِنْد اللَّه ) فَقَالَ أَبُو جَهْل وَعَبْد اللَّه بْن أُمَيَّة : يَا أَبَا طَالِب أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّة عَبْد الْمُطَّلِب . فَلَمْ يَزَلْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضهَا عَلَيْهِ وَيُعِيد لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَة حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِب آخِر مَا كَلَّمَهُمْ : هُوَ عَلَى مِلَّة عَبْد الْمُطَّلِب وَأَبَى أَنْ يَقُول لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَمَا وَاَللَّه لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَك مَا لَمْ أُنْهَ عَنْك ) فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : &quot; مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَحِيم &quot; وَأَنْزَلَ اللَّه فِي أَبِي طَالِب فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : &quot; إِنَّك لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت وَلَكِنَّ اللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاء وَهُوَ أَعْلَم بِالْمُهْتَدِينَ &quot; [ الْقَصَص : 56 ] . فَالْآيَة عَلَى هَذَا نَاسِخَة لِاسْتِغْفَارِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ سَلَّمَ لِعَمِّهِ فَإِنَّهُ اِسْتَغْفَرَ لَهُ بَعْد مَوْته عَلَى مَا رُوِيَ فِي غَيْر الصَّحِيح . وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : وَهَذَا بَعِيد لِأَنَّ السُّورَة مِنْ آخِر مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآن وَمَاتَ أَبُو طَالِب فِي عُنْفُوَان الْإِسْلَام وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ .


قَالَ أَبُو رَوْق إِشَارَة إِلَى الْعَبَّاس . وَقَالَهُ قَتَادَة



قَالَ مُجَاهِد : لِمَنْ قُدِّرَ لَهُ أَنْ يَهْتَدِي';
$TAFSEER['4']['28']['57'] = 'أَيْ يُجْمَع إِلَيْهِ ثَمَرَات كُلّ أَرْض وَبَلَد ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره يُقَال : جَبَى الْمَاء فِي الْحَوْض أَيْ جَمَعَهُ . وَالْجَابِيَة الْحَوْض الْعَظِيم وَقَرَأَ نَافِع : &quot; تُجْبَى &quot; بِالتَّاءِ ; لِأَجْلِ الثَّمَرَات وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ , لِقَوْلِهِ : &quot; كُلّ شَيْء &quot; وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد قَالَ : لِأَنَّهُ حَال بَيْن الِاسْم الْمُؤَنَّث وَبَيْن فِعْلِهِ حَائِل وَأَيْضًا فَإِنَّ الثَّمَرَات جَمْع , وَلَيْسَ بِتَأْنِيثٍ حَقِيقِيّ وَقُرِئَ &quot; يُجْنَى &quot; بِالنُّونِ مِنْ الْجَنَا , وَتَعْدِيَته بِإِلَى كَقَوْلِك يُجْنَى إِلَى فِيهِ وَيُجْنَى إِلَى الْخَافَّة



أَيْ مِنْ عِنْدنَا وَ &quot; رِزْقًا &quot; نُصِبَ عَلَى الْمَفْعُول مِنْ أَجْله . وَيَجُوز نَصْبه عَلَى الْمَصْدَر بِالْمَعْنَى ; لِأَنَّ مَعْنَى &quot; تُجْبَى &quot; تُرْزَق


أَيْ لَا يَعْقِلُونَ ; أَيْ هُمْ غَافِلُونَ عَنْ الِاسْتِدْلَال وَأَنَّ مَنْ رَزَقَهُمْ وَأَمَّنَهُمْ فِيمَا مَضَى حَال كُفْرهمْ يَرْزُقهُمْ لَوْ أَسْلَمُوا , وَيَمْنَع الْكُفَّار عَنْهُمْ فِي إِسْلَامهمْ



هَذَا قَوْل مُشْرِكِي مَكَّة قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَائِل ذَلِكَ مِنْ قُرَيْش الْحَارِث بْن عُثْمَان بْن نَوْفَل بْن عَبْد مَنَاف الْقُرَشِيّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّا لَنَعْلَم أَنَّ قَوْلك حَقّ , وَلَكِنْ يَمْنَعنَا أَنْ نَتَّبِع الْهُدَى مَعَك , وَنُؤْمِن بِك , مَخَافَة أَنْ يَتَخَطَّفنَا الْعَرَب مِنْ أَرْضنَا - يَعْنِي مَكَّة - لِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى خِلَافنَا , وَلَا طَاقَة لَنَا بِهِمْ وَكَانَ هَذَا مِنْ تَعَلُّلَاتِهِمْ وَالتَّخَطُّف الِانْتِزَاع بِسُرْعَةٍ .



أَجَابَ اللَّه تَعَالَى عَمَّا اُعْتُلَّ بِهِ فَقَالَ : &quot; أَوَلَمْ نُمَكِّن لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا &quot; أَيْ ذَا أَمْن وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّة يُغِير بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , وَيَقْتُل بَعْضهمْ بَعْضًا , وَأَهْل مَكَّة آمِنُونَ حَيْثُ كَانُوا بِحُرْمَةِ الْحَرَم , فَأَخْبَرَ أَنَّهُ قَدْ أَمَّنَهُمْ بِحُرْمَةِ الْبَيْت , وَمَنَعَ عَنْهُمْ عَدُوّهُمْ , فَلَا يَخَافُونَ أَنْ تَسْتَحِلّ الْعَرَب حُرْمَة فِي قِتَالهمْ قَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام يَقُول : كُنْتُمْ آمِنِينَ فِي حَرَمِي , تَأْكُلُونَ رِزْقِي , وَتَعْبُدُونَ غَيْرِي , أَفَتَخَافُونَ إِذَا عَبَدْتُمُونِي وَآمَنْتُمْ بِي';
$TAFSEER['4']['28']['58'] = 'بَيَّنَ لِمَنْ تَوَهَّمَ أَنَّهُ لَوْ آمَنَ لَقَاتَلَتْهُ الْعَرَب أَنَّ الْخَوْف فِي تَرْك الْإِيمَان أَكْثَر , فَكَمْ مِنْ قَوْم كَفَرُوا ثُمَّ حَلَّ بِهِمْ الْبَوَار , وَالْبَطَر وَالطُّغْيَان بِالنِّعْمَةِ ; قَالَهُ الزَّجَّاج &quot; مَعِيشَتهَا &quot; أَيْ فِي مَعِيشَتهَا فَلَمَّا حُذِفَ &quot; فِي &quot; تَعَدَّى الْفِعْل ; قَالَهُ الْمَازِنِيّ . الزَّجَّاج كَقَوْلِهِ : &quot; وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا &quot; [ الْأَعْرَاف : 155 ] الْفَرَّاء : هُوَ مَنْصُوب عَلَى التَّفْسِير . قَالَ كَمَا تَقُول : أَبَطَرْت مَالك وَبَطِرْته وَنَظِيره عِنْده : &quot; إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسه &quot; [ الْبَقَرَة : 130 ] وَكَذَا عِنْده . &quot; فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا &quot; [ النِّسَاء : 4 ] وَنَصْب الْمَعَارِف عَلَى التَّفْسِير مُحَال عِنْد الْبَصْرِيِّينَ ; لِأَنَّ مَعْنَى التَّفْسِير وَالتَّمْيِيز أَنْ يَكُون وَاحِدًا نَكِرَة يَدُلّ عَلَى الْجِنْس وَقِيلَ : اِنْتَصَبَ بِ &quot; بَطِرَتْ &quot; وَمَعْنَى : &quot; بَطِرَتْ &quot; جَهِلَتْ ; فَالْمَعْنَى : جَهِلَتْ شُكْر مَعِيشَتهَا .


أَيْ لَمْ تُسْكَن بَعْد إِهْلَاك أَهْلهَا إِلَّا قَلِيلًا مِنْ الْمَسَاكِن وَأَكْثَرهَا خَرَاب وَالِاسْتِثْنَاء يَرْجِع إِلَى الْمَسَاكِن أَيْ بَعْضهَا يُسْكَن ; قَالَهُ الزَّجَّاج وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ ; فَقِيلَ : لَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاء يَرْجِع إِلَى الْمَسَاكِن لَقَالَ إِلَّا قَلِيل ; لِأَنَّك تَقُول : الْقَوْم لَمْ تَضْرِب إِلَّا قَلِيل , تُرْفَع إِذَا كَانَ الْمَضْرُوب قَلِيلًا , وَإِذَا نُصِبَتْ كَانَ الْقَلِيل صِفَة لِلضَّرْبِ ; أَيْ لَمْ تَضْرِب إِلَّا ضَرْبًا قَلِيلًا , فَالْمَعْنَى إِذًا : فَتِلْكَ مَسَاكِنهمْ لَمْ يَسْكُنهَا إِلَّا الْمُسَافِرُونَ وَمَنْ مَرَّ بِالطَّرِيقِ يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم أَيْ لَمْ تُسْكَن مِنْ بَعْدهمْ إِلَّا سُكُونًا قَلِيلًا . وَكَذَا قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمْ يَسْكُنهَا إِلَّا الْمُسَافِر أَوْ مَارّ الطَّرِيق يَوْمًا أَوْ سَاعَة


أَيْ لِمَا خَلَّفُوا بَعْد هَلَاكهمْ';
$TAFSEER['4']['28']['59'] = 'أَيْ الْقُرَى الْكَافِر أَهْلهَا


قُرِئَ بِضَمِّ الْهَمْزَة وَكَسْرهَا لِإِتْبَاعِ الْجَرّ يَعْنِي مَكَّة وَقِيلَ : &quot; فِي أُمّهَا &quot; يَعْنِي فِي أَعْظَمهَا وَقَالَ الْحَسَن : فِي أَوَائِلهَا . قُلْت : وَمَكَّة أَعْظَم الْقُرَى لِحُرْمَتِهَا وَأَوَّلهَا , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ &quot; [ آل عِمْرَان : 96 ] وَخُصَّتْ بِالْأَعْظَمِ لِبَعْثَةِ الرَّسُول فِيهَا ; لِأَنَّ الرُّسُل تُبْعَث إِلَى الْأَشْرَاف وَهُمْ يَسْكُنُونَ الْمَدَائِن وَهِيَ أُمّ مَا حَوْلهَا . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي آخِر سُورَة [ يُوسُف ]


يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُنْذِرهُمْ



يَتْلُو &quot; فِي مَوْضِع الصِّفَة أَيْ تَالِيًا أَيْ يُخْبِرهُمْ أَنَّ الْعَذَاب يَنْزِل بِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا



&quot; وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى &quot; سَقَطَتْ النُّون لِلْإِضَافَةِ مِثْل &quot; ظَالِمِي أَنْفُسهمْ &quot; [ النِّسَاء : 97 ] أَيْ لَمْ أُهْلِكهُمْ إِلَّا وَقَدْ اِسْتَحَقُّوا الْإِهْلَاك لِإِصْرَارِهِمْ عَلَى الْكُفْر بَعْد الْإِعْذَار إِلَيْهِمْ وَفِي هَذَا بَيَان لِعَدْلِهِ وَتَقَدُّسه عَنْ الظُّلْم أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُهْلِكهُمْ إِلَّا إِذَا اِسْتَحَقُّوا الْإِهْلَاك بِظُلْمِهِمْ , وَلَا يُهْلِكهُمْ مَعَ كَوْنهمْ ظَالِمِينَ إِلَّا بَعْد تَأْكِيد الْحُجَّة وَالْإِلْزَام بِبَعْثَةِ الرُّسُل , وَلَا يَجْعَل عِلْمه بِأَحْوَالِهِمْ حُجَّة عَلَيْهِمْ وَنَزَّهَ ذَاته أَنْ يُهْلِكهُمْ وَهُمْ غَيْر ظَالِمِينَ , كَمَا قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِل : &quot; وَمَا كَانَ رَبّك لِيُهْلِك الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلهَا مُصْلِحُونَ &quot; [ هُود : 117 ] فَنَصَّ فِي قَوْله &quot; بِظُلْمٍ &quot; [ هُود : 117 ] عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَهْلَكَهُمْ وَهُمْ مُصْلِحُونَ لَكَانَ ذَلِكَ ظُلْمًا لَهُمْ مِنْهُ , وَإِنَّ حَاله فِي غِنَاهُ وَحِكْمَته مُنَافِيَة لِلظُّلْمِ , دَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِحَرْفِ النَّفْي مَعَ لَامه كَمَا قَالَ تَعَالَى : &quot; وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِيعَ إِيمَانكُمْ &quot; [ الْبَقَرَة : 143 ]';
$TAFSEER['4']['28']['60'] = 'يَا أَهْل مَكَّة


أَيْ تَتَمَتَّعُونَ بِهَا مُدَّة حَيَاتكُمْ , أَوْ مُدَّةً فِي حَيَاتكُمْ , فَإِمَّا أَنْ تَزُولُوا عَنْهَا أَوْ تَزُول عَنْكُمْ


أَيْ أَفْضَل وَأَدْوَم , يُرِيد الدَّار الْآخِرَة وَهِيَ الْجَنَّة


أَنَّ الْبَاقِي أَفْضَل مِنْ الْفَانِي قَرَأَ أَبُو عَمْرو : &quot; يَعْقِلُونَ &quot; بِالْيَاءِ , الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب وَهُوَ الِاخْتِيَار لِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; وَمَا أُوتِيتُمْ &quot;';
$TAFSEER['4']['28']['61'] = 'يَعْنِي الْجَنَّة وَمَا فِيهَا مِنْ الثَّوَاب قَالَ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ فِي حَمْزَة بْن عَبْد الْمُطَّلِب , وَفِي أَبِي جَهْل بْن هِشَام وَقَالَ مُجَاهِد : نَزَلَتْ فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي جَهْل وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : نَزَلَتْ فِي حَمْزَة وَعَلِيّ , وَفِي أَبِي جَهْل وَعُمَارَة بْن الْوَلِيد وَقِيلَ : فِي عَمَّار وَالْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة ; قَالَهُ السُّدِّيّ قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَالصَّحِيح أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُؤْمِن وَالْكَافِر عَلَى التَّعْمِيم الثَّعْلَبِيّ : وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي كُلّ كَافِر مُتِّعَ فِي الدُّنْيَا بِالْعَافِيَةِ وَالْغِنَى وَلَهُ فِي الْآخِرَة النَّار , وَفِي كُلّ مُؤْمِن صَبَرَ عَلَى بَلَاء الدُّنْيَا ثِقَة بِوَعْدِ اللَّه وَلَهُ فِي الْآخِرَة الْجَنَّة


فَأُعْطِيَ مِنْهَا بَعْض مَا أَرَادَ


أَيْ فِي النَّار وَنَظِيره قَوْله : &quot; وَلَوْلَا نِعْمَة رَبِّي لَكُنْت مِنْ الْمُحْضَرِينَ &quot; [ الصَّافَّات : 57 ]';
$TAFSEER['4']['28']['62'] = 'أَيْ يُنَادِي اللَّه يَوْم الْقِيَامَة هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ


بِزَعْمِكُمْ أَنَّهُمْ يَنْصُرُونَكُمْ وَيَشْفَعُونَ لَكُمْ';
$TAFSEER['4']['28']['63'] = 'أَيْ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَة الْعَذَاب وَهُمْ الرُّؤَسَاء ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ وَقَالَ قَتَادَة : هُمْ الشَّيَاطِين .


أَيْ دَعَوْنَاهُمْ إِلَى الْغَيّ فَقِيلَ لَهُمْ : أَغْوَيْتُمُوهُمْ ؟ قَالُوا : &quot; أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا &quot; يَعْنُونَ أَضْلَلْنَاهُمْ كَمَا كُنَّا ضَالِّينَ


أَيْ تَبَرَّأَ بَعْضنَا مِنْ بَعْض , وَالشَّيَاطِين يَتَبَرَّءُونَ مِمَّنْ أَطَاعَهُمْ , وَالرُّؤَسَاء يَتَبَرَّءُونَ مِمَّنْ قَبِلَ مِنْهُمْ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : &quot; الْأَخِلَّاء يَوْمئِذٍ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ &quot; [ الزُّخْرُف : 67 ]';
$TAFSEER['4']['28']['64'] = 'أَيْ لِلْكُفَّارِ


أَيْ اِسْتَغِيثُوا بِآلِهَتِكُمْ الَّتِي عَبَدْتُمُوهَا فِي الدُّنْيَا لِتَنْصُركُمْ وَتَدْفَع عَنْكُمْ



أَيْ اِسْتَغَاثُوا بِهِمْ


أَيْ فَلَمْ يُجِيبُوهُمْ وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِمْ


قَالَ الزَّجَّاج : جَوَاب &quot; لَوْ &quot; مَحْذُوف ; وَالْمَعْنَى : لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ لَأَنْجَاهُمْ الْهُدَى , وَلَمَا صَارُوا إِلَى الْعَذَاب وَقِيلَ : أَيْ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ مَا دَعَوْهُمْ وَقِيلَ الْمَعْنَى : وَدُّوا حِين رَأَوْا الْعَذَاب لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ فِي الدُّنْيَا إِذَا رَأَوْا الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة';
$TAFSEER['4']['28']['65'] = 'أَيْ يَقُول اللَّه لَهُمْ مَا كَانَ جَوَابكُمْ لِمَنْ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ النَّبِيِّينَ لَمَّا بَلَّغُوكُمْ رِسَالَاتِي';
$TAFSEER['4']['28']['66'] = 'أَيْ خَفِيَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَج ; قَالَهُ مُجَاهِد ; لِأَنَّ اللَّه قَدْ أَعْذَرَ إِلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا فَلَا يَكُون لَهُمْ عُذْر وَلَا حُجَّة يَوْم الْقِيَامَة وَ &quot; الْأَنْبَاء &quot; الْأَخْبَار ; سَمَّى حُجَجهمْ أَنْبَاء لِأَنَّهَا أَخْبَار يُخْبِرُونَهَا



أَيْ لَا يَسْأَل بَعْضهمْ بَعْضًا عَنْ الْحُجَج ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَدْحَضَ حُجَجهمْ ; قَالَهُ الضَّحَّاك وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : &quot; لَا يَتَسَاءَلُونَ &quot; أَيْ لَا يَنْطِقُونَ بِحُجَّةٍ وَقِيلَ : &quot; لَا يَتَسَاءَلُونَ &quot; فِي تِلْكَ السَّاعَة , وَلَا يَدْرُونَ مَا يُجِيبُونَ بِهِ مِنْ هَوْل تِلْكَ السَّاعَة , ثُمَّ يُجِيبُونَ بَعْد ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ عَنْ قَوْلهمْ : &quot; وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ &quot; [ الْأَنْعَام : 23 ] . وَقَالَ مُجَاهِد : لَا يَتَسَاءَلُونَ بِالْأَنْسَابِ وَقِيلَ : لَا يَسْأَل بَعْضهمْ بَعْضًا أَنْ يَحْمِل مِنْ ذُنُوبه شَيْئًا ; حَكَاهُ اِبْن عِيسَى';
$TAFSEER['4']['28']['67'] = 'أَيْ مِنْ الشِّرْك


أَيْ صَدَّقَ


أَدَّى الْفَرَائِض وَأَكْثَرَ مِنْ النَّوَافِل


أَيْ مِنْ الْفَائِزِينَ بِالسَّعَادَةِ وَعَسَى مِنْ اللَّه وَاجِبَة';
$TAFSEER['4']['28']['68'] = 'هَذَا مُتَّصِل بِذِكْرِ الشُّرَكَاء الَّذِينَ عَبَدُوهُمْ وَاخْتَارُوهُمْ لِلشَّفَاعَةِ ; أَيْ الِاخْتِيَار إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي الشُّفَعَاء لَا إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقِيلَ : هُوَ جَوَاب الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة حِين قَالَ : &quot; لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآن عَلَى رَجُل مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم &quot; [ الزُّخْرُف : 31 ] يَعْنِي نَفْسه زَعَمَ , وَعُرْوَة بْن مَسْعُود الثَّقَفِيّ مِنْ الطَّائِف وَقِيلَ : هُوَ جَوَاب الْيَهُود إِذْ قَالُوا لَوْ كَانَ الرَّسُول إِلَى مُحَمَّد غَيْر جِبْرِيل لَآمَنَّا بِهِ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَالْمَعْنَى ; وَرَبّك يَخْلُق مَا يَشَاء مِنْ خَلْقه وَيَخْتَار مِنْهُمْ مَنْ يَشَاء لِطَاعَتِهِ وَقَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام : وَالْمَعْنَى ; وَرَبّك يَخْلُق مَا يَشَاء مِنْ خَلْقه وَيَخْتَار مَنْ يَشَاء لِنُبُوَّتِهِ وَحَكَى النَّقَّاش : أَنَّ الْمَعْنَى وَرَبّك يَخْلُق مَا يَشَاء مِنْ خَلْقه يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيَخْتَار الْأَنْصَار لِدِينِهِ 

قُلْت : وَفِي كِتَاب الْبَزَّار مَرْفُوعًا صَحِيحًا عَنْ جَابِر ( إِنَّ اللَّه تَعَالَى اِخْتَارَ أَصْحَابِي عَلَى الْعَالَمِينَ سِوَى النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَاخْتَارَ لِي مِنْ أَصْحَابِي أَرْبَعَة - يَعْنِي أَبَا بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيًّا - فَجَعَلَهُمْ أَصْحَابِي وَفِي أَصْحَابِي كُلّهمْ خَيْر وَاخْتَارَ أُمَّتِي - عَلَى سَائِر الْأُمَم وَاخْتَارَ لِي مِنْ أُمَّتِي أَرْبَعَة قُرُون ) وَذَكَرَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : &quot; وَرَبّك يَخْلُق مَا يَشَاء وَيَخْتَار &quot; قَالَ : مِنْ النَّعَم الضَّأْن , وَمِنْ الطَّيْر الْحَمَام وَالْوَقْف التَّامّ &quot; يَخْتَار &quot; وَقَالَ عَلِيّ بْن سُلَيْمَان : هَذَا وَقْف التَّمَام وَلَا يَجُوز أَنْ تَكُون &quot; مَا &quot; فِي مَوْضِع نَصْب بِ &quot; يَخْتَار &quot; لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي مَوْضِع نَصْب لَمْ يَعُدْ عَلَيْهَا شَيْء قَالَ وَفِي هَذَا رَدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة قَالَ النَّحَّاس : التَّمَام &quot; وَيَخْتَار &quot; أَيْ وَيَخْتَار الرُّسُل



أَيْ لَيْسَ يُرْسِل مَنْ اِخْتَارُوهُ هُمْ قَالَ أَبُو إِسْحَاق : &quot; وَيَخْتَار &quot; هَذَا الْوَقْف التَّامّ الْمُخْتَار وَيَجُوز أَنْ تَكُون &quot; مَا &quot; فِي مَوْضِع نَصْب بِ &quot; يَخْتَار &quot; وَيَكُون الْمَعْنَى وَيَخْتَار الَّذِي كَانَ لَهُمْ فِيهِ الْخِيَرَة قَالَ الْقُشَيْرِيّ : الصَّحِيح الْأَوَّل لِإِطْبَاقِهِمْ عَلَى الْوَقْف عَلَى قَوْله &quot; وَيَخْتَار &quot; قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَهُوَ أَشْبَه بِمَذْهَبِ أَهْل السُّنَّة وَ &quot; مَا &quot; مِنْ قَوْله : &quot; مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَة &quot; نَفْي عَامّ لِجَمِيعِ الْأَشْيَاء أَنْ يَكُون لِلْعَبْدِ فِيهَا شَيْء سِوَى اِكْتِسَابه بِقُدْرَةِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . الزَّمَخْشَرِيّ : &quot; مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَة &quot; بَيَان لِقَوْلِهِ : &quot; وَيَخْتَار &quot; لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَخْتَار مَا يَشَاء , وَلِهَذَا لَمْ يَدْخُل الْعَاطِف , وَالْمَعْنَى , وَإِنَّ الْخِيَرَة لِلَّهِ تَعَالَى فِي أَفْعَاله وَهُوَ أَعْلَم بِوُجُوهِ الْحِكْمَة فِيهَا أَيْ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقه أَنْ يَخْتَار عَلَيْهِ وَأَجَازَ الزَّجَّاج وَغَيْره أَنْ تَكُون &quot; مَا &quot; مَنْصُوبَة بِ &quot; يَخْتَار &quot; وَأَنْكَرَ الطَّبَرِيّ أَنْ تَكُون &quot; مَا &quot; نَافِيه , لِئَلَّا يَكُون الْمَعْنَى إِنَّهُمْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ الْخِيَرَة فِيمَا مَضَى وَهِيَ لَهُمْ فِيمَا يَسْتَقْبِل , وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّم كَلَام بِنَفْيٍ قَالَ الْمَهْدِيّ : وَلَا يَلْزَم ذَلِكَ ; لِأَنَّ &quot; مَا &quot; تَنْفِي الْحَال وَالِاسْتِقْبَال كَلَيْسَ وَلِذَلِكَ عَمِلَتْ عَمَلهَا , وَلِأَنَّ الْآي كَانَتْ تَنْزِل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا يُسْأَل عَنْهُ , وَعَلَى مَا هُمْ مُصِرُّونَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَعْمَال وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي النَّصّ وَتَقْدِير الْآيَة عِنْد الطَّبَرِيّ : وَيَخْتَار لِوِلَايَتِهِ الْخِيَرَة مِنْ خَلْقه , لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَخْتَارُونَ خِيَار أَمْوَالهمْ فَيَجْعَلُونَهَا لِآلِهَتِهِمْ , فَقَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : &quot; وَرَبّك يَخْلُق مَا يَشَاء وَيَخْتَار &quot; لِلْهِدَايَةِ وَمِنْ خَلْقه مَنْ سَبَقَتْ لَهُ السَّعَادَة فِي عِلْمه , كَمَا اِخْتَارَ الْمُشْرِكُونَ خِيَار أَمْوَالهمْ لِآلِهَتِهِمْ فَ &quot; مَا &quot; عَلَى هَذَا لِمَنْ يَعْقِل وَهِيَ بِمَعْنَى الَّذِي &quot; وَالْخِيَرَة &quot; رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ &quot; وَلَهُمْ &quot; الْخَبَر وَالْجُمْلَة خَبَر &quot; كَانَ &quot; وَشَبَّهَهُ بِقَوْلِهِ : كَانَ زَيْد أَبُوهُ مُنْطَلِق وَفِيهِ ضَعْف , إِذْ لَيْسَ فِي الْكَلَام عَائِد يَعُود عَلَى اِسْم كَانَ إِلَّا أَنْ يُقَدَّر فِيهِ حَذْف فَيَجُوز عَلَى بُعْد وَقَدْ رُوِيَ مَعْنَى مَا قَالَهُ الطَّبَرِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ الثَّعْلَبِيّ : وَ &quot; مَا &quot; نَفْي أَيْ لَيْسَ لَهُمْ الِاخْتِيَار عَلَى اللَّه وَهَذَا أَصْوَب كَقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّه وَرَسُوله أَمْرًا أَنْ يَكُون لَهُمْ الْخِيَرَة مِنْ أَمْرهمْ &quot; [ الْأَحْزَاب : 36 ] قَالَ مَحْمُود الْوَرَّاق : تَوَكَّلْ عَلَى الرَّحْمَن فِي كُلّ حَاجَة أَرَدْت فَإِنَّ اللَّه يَقْضِي وَيَقْدِر إِذَا مَا يُرِدْ ذُو الْعَرْش أَمْرًا بِعَبْدِهِ يُصِبْهُ وَمَا لِلْعَبْدِ مَا يَتَخَيَّر وَقَدْ يَهْلِك الْإِنْسَان مِنْ وَجْه حِذْره وَيَنْجُو بِحَمْدِ اللَّه مِنْ حَيْثُ يَحْذَر وَقَالَ آخَر : الْعَبْد ذُو ضَجَر وَالرَّبّ ذُو قَدَر وَالدَّهْر ذُو دُوَل وَالرِّزْق مَقْسُوم وَالْخَيْر أَجْمَع فِيمَا اِخْتَارَ خَالِقنَا وَفِي اِخْتِيَار سِوَاهُ اللَّوْم وَالشُّوم قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقْدِر عَلَى أَمْر مِنْ أُمُور الدُّنْيَا حَتَّى يَسْأَل اللَّه الْخِيَرَة فِي ذَلِكَ بِأَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ صَلَاة الِاسْتِخَارَة يَقْرَأ فِي الرَّكْعَة الْأُولَى بَعْد الْفَاتِحَة : &quot; قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ &quot; [ الْكَافِرُونَ : 1 ] فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة &quot; قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد &quot; [ الْإِخْلَاص : 1 ] وَاخْتَارَ بَعْض الْمَشَايِخ أَنْ يَقْرَأ فِي الرَّكْعَة الْأُولَى &quot; وَرَبّك يَخْلُق مَا يَشَاء وَيَخْتَار مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَة &quot; الْآيَة , وَفِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة : &quot; وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّه وَرَسُوله أَمْرًا أَنْ يَكُون لَهُمْ الْخِيَرَة مِنْ أَمْرهمْ &quot; [ الْأَحْزَاب : 36 ] وَكُلّ حَسَن ثُمَّ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاء بَعْد السَّلَام , وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ مِنْ صَحِيحه عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمنَا الِاسْتِخَارَة فِي الْأُمُور كُلّهَا , كَمَا يُعَلِّمنَا السُّورَة فِي الْقُرْآن ; يَقُول : ( إِذَا هَمَّ أَحَدكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ غَيْر الْفَرِيضَة ثُمَّ لْيَقُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرك بِعِلْمِك وَأَسْتَقْدِرك بِقُدْرَتِك وَأَسْأَلك مِنْ فَضْلك الْعَظِيم فَإِنَّك تَقْدِر وَلَا أَقْدِر وَتَعْلَم وَلَا أَعْلَم وَأَنْتَ عَلَّام الْغُيُوب اللَّهُمَّ إِنْ كُنْت تَعْلَم أَنَّ هَذَا الْأَمْر خَيْر لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَة أَمْرِي - أَوْ قَالَ فِي عَاجِل أَمْرِي وَآجِله - فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْت تَعْلَم أَنَّ هَذَا الْأَمْر شَرّ لِي فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَمَعَاشِي وَعَاقِبَة أَمْرِي - أَوْ قَالَ فِي عَاجِل أَمْرِي وَآجِله - فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْر حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ ) قَالَ : وَيُسَمِّي حَاجَته . وَرَوَتْ عَائِشَة عَنْ أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَمْرًا قَالَ : ( اللَّهُمَّ خِرْ لِي وَاخْتَرْ لِي ) وَرَوَى أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ قَالَ : ( يَا أَنَس إِذَا هَمَمْت بِأَمْرٍ فَاسْتَخِرْ رَبّك فِيهِ سَبْع مَرَّات ثُمَّ اُنْظُرْ إِلَى مَا يَسْبِق قَلْبك فَإِنَّ الْخَيْر فِيهِ ) قَالَ الْعُلَمَاء : وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُفْرِغ قَلْبه مِنْ جَمِيع الْخَوَاطِر حَتَّى لَا يَكُون مَائِلًا إِلَى أَمْر مِنْ الْأُمُور , فَعِنْد ذَلِكَ مَا يَسْبِق إِلَى قَلْبه يَعْمَل عَلَيْهِ , فَإِنَّ الْخَيْر فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّه وَإِنْ عَزَمَ عَلَى سَفَر فَيَتَوَخَّى بِسَفَرِهِ يَوْم الْخَمِيس أَوْ يَوْم الِاثْنَيْنِ اِقْتِدَاء بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ



نَزَّهَ نَفْسه سُبْحَانه فَقَالَ : &quot; سُبْحَان اللَّه &quot; أَيْ تَنْزِيهًا .


أَيْ تَقَدَّسَ وَتَمَجَّدَ &quot; عَمَّا يُشْرِكُونَ &quot;';
$TAFSEER['4']['28']['69'] = 'يُظْهِرُونَ وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن وَحُمَيْد : &quot; تَكُنّ &quot; بِفَتْحِ التَّاء وَضَمّ الْكَاف وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي [ النَّمْل ] تَمَدَّحَ سُبْحَانه بِأَنَّهُ عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء قَوْله تَعَالَى : &quot; وَإِنَّ رَبّك لَيَعْلَم مَا تُكِنّ صُدُورهمْ &quot; أَيْ تُخْفِي صُدُورهمْ &quot; وَمَا يُعْلِنُونَ &quot; يُظْهِرُونَ مِنْ الْأُمُور . وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن وَحُمَيْد : &quot; مَا تَكُنّ &quot; مِنْ كَنَنْت الشَّيْء إِذَا سَتَرْته هُنَا . وَفِي &quot; الْقَصَص &quot; تَقْدِيره : مَا تُكِنّ صُدُورهمْ عَلَيْهِ ; وَكَأَنَّ الضَّمِير الَّذِي فِي الصُّدُور كَالْجِسْمِ السَّائِر . وَمَنْ قَرَأَ : &quot; تُكِنّ &quot; فَهُوَ الْمَعْرُوف ; يُقَال : أَكْنَنْت الشَّيْء إِذَا أَخْفَيْته فِي نَفْسك .';
$TAFSEER['4']['28']['70'] = 'تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ , وَأَنَّهُ الْمُنْفَرِد بِالْوَحْدَانِيَّةِ , لِأَنَّ جَمِيع الْمَحَامِد إِنَّمَا تَجِب لَهُ وَأَنْ لَا حُكْم إِلَّا لَهُ وَإِلَيْهِ الْمَصِير';
$TAFSEER['4']['28']['71'] = 'أَيْ دَائِمًا ; وَمِنْهُ قَوْل طَرَفَة لَعَمْرك مَا أَمْرِي عَلَيَّ بِغُمَّةٍ نَهَارِي وَلَا لَيْلِي عَلَيَّ بِسَرْمَدِ بَيَّنَ سُبْحَانه أَنَّهُ مَهَّدَ أَسْبَاب الْمَعِيشَة لِيَقُومُوا بِشُكْرِ نِعَمه


أَيْ بِنُورٍ تَطْلُبُونَ فِيهِ الْمَعِيشَة وَقِيلَ : بِنَهَارٍ تُبْصِرُونَ فِيهِ مَعَايِشكُمْ وَتَصْلُح فِيهِ الثِّمَار وَالنَّبَات


سَمَاع فَهْم وَقَبُول';
$TAFSEER['4']['28']['72'] = 'أَيْ دَائِمًا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة


أَيْ تَسْتَقِرُّونَ فِيهِ مِنْ النَّصَب


مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ الْخَطَإِ فِي عِبَادَة غَيْره ; فَإِذَا أَقْرَرْتُمْ بِأَنَّهُ لَا يَقْدِر عَلَى إِيتَاء اللَّيْل وَالنَّهَار غَيْره فَلِمَ تُشْرِكُونَ بِهِ';
$TAFSEER['4']['28']['73'] = 'أَيْ فِيهِمَا وَقِيلَ : الضَّمِير لِلزَّمَانِ وَهُوَ اللَّيْل وَالنَّهَار


أَيْ لِتَطْلُبُوا مِنْ رِزْقه فِيهِ أَيْ فِي النَّهَار فَحُذِفَ';
$TAFSEER['4']['28']['74'] = 'أَعَادَ هَذَا الضَّمِير لِاخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ , يُنَادَوْنَ مَرَّة فَيُقَال لَهُمْ : &quot; أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ &quot; فَيَدْعُونَ الْأَصْنَام فَلَا يَسْتَجِيبُونَ , فَتَظْهَر حَيْرَتهمْ , ثُمَّ يُنَادَوْنَ مَرَّة أُخْرَى فَيَسْكُتُونَ وَهُوَ تَوْبِيخ وَزِيَادَة خِزْي وَالْمُنَادَاة هُنَا لَيْسَتْ مِنْ اللَّه ؟ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يُكَلِّم الْكُفَّار لِقَوْلِهِ تَعَالَى &quot; وَلَا يُكَلِّمهُمْ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة &quot; [ الْبَقَرَة : 174 ] لَكِنَّهُ تَعَالَى يَأْمُر مَنْ يُوَبِّخهُمْ وَيُبَكِّتهُمْ , وَيُقِيم الْحُجَّة عَلَيْهِمْ فِي مَقَام الْحِسَاب وَقِيلَ : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مِنْ اللَّه , وَقَوْله : &quot; وَلَا يُكَلِّمهُمْ اللَّه &quot; حِين يُقَال لَهُمْ : &quot; اِخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ &quot; [ الْمُؤْمِنُونَ : 108 ] وَقَالَ : &quot; شُرَكَائِيَ &quot; لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُمْ نَصِيبًا مِنْ أَمْوَالهمْ .';
$TAFSEER['4']['28']['75'] = 'أَيْ نَبِيًّا ; عَنْ مُجَاهِد وَقِيلَ : هُمْ عُدُول الْآخِرَة يَشْهَدُونَ عَلَى الْعِبَاد بِأَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْأَوَّل أَظْهَر ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلّ أُمَّة بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِك عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا &quot; [ النِّسَاء : 41 ] وَشَهِيد كُلّ أُمَّة رَسُولهَا الَّذِي يَشْهَد عَلَيْهَا وَالشَّهِيد الْحَاضِر أَيْ أَحْضَرْنَا رَسُولهمْ الْمَبْعُوث إِلَيْهِمْ


أَيْ حُجَّتكُمْ


أَيْ عَلِمُوا صِدْق مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاء


أَيْ ذَهَبَ عَنْهُمْ وَبَطَلَ


أَيْ يَخْتَلِقُونَهُ مِنْ الْكَذِب عَلَى اللَّه تَعَالَى مِنْ أَنَّ مَعَهُ آلِهَة تُعْبَد';
$TAFSEER['4']['28']['76'] = 'لَمَّا قَالَ تَعَالَى : &quot; وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْء فَمَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا &quot; [ الْقَصَص : 60 ] بَيَّنَ أَنَّ قَارُون أُوتِيَهَا وَاغْتَرَّ بِهَا وَلَمْ تَعْصِمهُ مِنْ عَذَاب اللَّه كَمَا لَمْ تَعْصِم فِرْعَوْن , وَلَسْتُمْ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ بِأَكْثَرَ عَدَدًا وَمَالًا مِنْ قَارُون وَفِرْعَوْن , فَلَمْ يَنْفَع فِرْعَوْن جُنُوده وَأَمْوَاله وَلَمْ يَنْفَع قَارُون قَرَابَته مِنْ مُوسَى وَلَا كُنُوزه قَالَ النَّخَعِيّ وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا : كَانَ اِبْن عَمّ مُوسَى لَحًّا ; وَهُوَ قَارُون بْن يَصْهَر بْن قاهث بْن لَاوَى بْن يَعْقُوب ; وَمُوسَى بْن عِمْرَان بْن قاهث وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق : كَانَ عَمّ مُوسَى لِأَبٍ وَأُمّ وَقِيلَ : كَانَ اِبْن خَالَته وَلَمْ يَنْصَرِف لِلْعُجْمَةِ وَالتَّعْرِيف وَمَا كَانَ عَلَى وَزْن فَاعُول أَعْجَمِيًّا لَا يَحْسُن فِيهِ الْأَلِف وَاللَّام لَمْ يَنْصَرِف فِي الْمَعْرِفَة وَانْصَرَفَ فِي النَّكِرَة , فَإِنْ حُسِّنَتْ فِيهِ الْأَلِف وَاللَّام اِنْصَرَفَ إِنْ كَانَ اِسْمًا لِمُذَكَّرٍ نَحْو طَاوُس وَرَاقُود قَالَ الزَّجَّاج : وَلَوْ كَانَ قَارُون مِنْ قَرَنْت الشَّيْء لَانْصَرَفَ .




بَغْيه أَنَّهُ زَادَ فِي طُول ثَوْبه شِبْرًا ; قَالَهُ شَهْر بْن حَوْشَب وَفِي الْحَدِيث ( لَا يَنْظُر اللَّه إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَاره بَطَرًا ) وَقِيلَ : بَغْيه كُفْره بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ; قَالَهُ الضَّحَّاك وَقِيلَ : بَغْيه اِسْتِخْفَافه بِهِمْ بِكَثْرَةِ مَاله وَوَلَده ; قَالَهُ قَتَادَة وَقِيلَ : بَغْيه نِسْبَته مَا آتَاهُ اللَّه مِنْ الْكُنُوز إِلَى نَفْسه بِعِلْمِهِ وَحِيلَته ; قَالَهُ اِبْن بَحْر وَقِيلَ : بَغْيه قَوْله إِذَا كَانَتْ النُّبُوَّة لِمُوسَى وَالْمَذْبَح وَالْقُرْبَان فِي هَارُون فَمَا لِي ! فَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا جَاوَزَ بِهِمْ مُوسَى الْبَحْر وَصَارَتْ الرِّسَالَة لِمُوسَى وَالْحُبُورَة لِهَارُونَ ; يُقَرِّب الْقُرْبَان وَيَكُون رَأْسًا فِيهِمْ , وَكَانَ الْقُرْبَان لِمُوسَى فَجَعَلَهُ مُوسَى إِلَى أَخِيهِ , وَجَدَ قَارُون فِي نَفْسه وَحَسَدَهُمَا فَقَالَ لِمُوسَى : الْأَمْر لَكُمَا وَلَيْسَ لِي شَيْء إِلَى مَتَى أَصْبِر قَالَ مُوسَى ; هَذَا صُنْع اللَّه قَالَ : وَاَللَّه لَا أُصَدِّقَنَّكَ حَتَّى تَأْتِي بِآيَةٍ ; فَأَمَرَ رُؤَسَاء بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَجِيء كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ بِعَصَاهُ , فَحَزَمَهَا وَأَلْقَاهَا فِي الْقُبَّة الَّتِي كَانَ الْوَحْي يَنْزِل عَلَيْهِ فِيهَا , وَكَانُوا يَحْرُسُونَ عِصِيّهمْ بِاللَّيْلِ فَأَصْبَحُوا وَإِذَا بِعَصَا هَارُون تَهْتَزّ وَلَهَا وَرَق أَخْضَر - وَكَانَتْ مِنْ شَجَر اللَّوْز - فَقَالَ قَارُون : مَا هُوَ بِأَعْجَبَ مِمَّا تَصْنَع مِنْ السِّحْر 

&quot; فَبَغَى عَلَيْهِمْ &quot; مِنْ الْبَغْي وَهُوَ الظُّلْم وَقَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام وَابْن الْمُسَيِّب : كَانَ قَارُون غَنِيًّا عَامِلًا لِفِرْعَوْنَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل فَتَعَدَّى عَلَيْهِمْ وَظَلَمَهُمْ وَكَانَ مِنْهُمْ وَقَوْل سَابِع : رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَمَّا أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِرَجْمِ الزَّانِي عَمَدَ قَارُون إِلَى اِمْرَأَة بَغِيّ وَأَعْطَاهَا مَالًا , وَحَمَلَهَا عَلَى أَنْ اِدَّعَتْ عَلَى مُوسَى أَنَّهُ زَنَى بِهَا وَأَنَّهُ أَحْبَلَهَا ; فَعَظُمَ عَلَى مُوسَى ذَلِكَ وَأَحْلَفَهَا بِاَللَّهِ الَّذِي فَلَقَ الْبَحْر لِبَنِي إِسْرَائِيل , وَأَنْزَلَ التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى إِلَّا صَدَقَتْ فَتَدَارَكَهَا اللَّه فَقَالَتْ : أَشْهَد أَنَّك بَرِيء , وَأَنَّ قَارُون أَعْطَانِي مَالًا , وَحَمَلَنِي عَلَى أَنْ قُلْت مَا قُلْت , وَأَنْتَ الصَّادِق وَقَارُون الْكَاذِب فَجَعَلَ اللَّه أَمْر قَارُون إِلَى مُوسَى وَأَمَرَ الْأَرْض أَنْ تُطِيعهُ فَجَاءَهُ وَهُوَ يَقُول لِلْأَرْضِ : يَا أَرْض خُذِيهِ ; يَا أَرْض خُذِيهِ وَهِيَ تَأْخُذهُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَهُوَ يَسْتَغِيث يَا مُوسَى إِلَى أَنْ سَاخَ فِي الْأَرْض هُوَ وَدَاره وَجُلَسَاؤُهُ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى مَذْهَبه , وَرُوِيَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْحَى إِلَى مُوسَى : اِسْتَغَاثَ بِك عِبَادِي فَلَمْ تَرْحَمهُمْ , أَمَا إِنَّهُمْ لَوْ دَعَوْنِي لَوَجَدُونِي قَرِيبًا مُجِيبًا اِبْن جُرَيْج : بَلَغَنَا أَنَّهُ يُخْسَف بِهِمْ كُلّ يَوْم قَامَة , فَلَا يَبْلُغُونَ إِلَى أَسْفَل الْأَرْض إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَذَكَرَ اِبْن أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَاب الْفَرَج : حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن رَاشِد قَالَ حَدَّثَنِي دَاوُد بْن مِهْرَان عَنْ الْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْ مَرْوَان بْن جَنَاح عَنْ يُونُس بْن مَيْسَرَة بْن حَلْبَس قَالَ : لَقِيَ قَارُون يُونُس فِي ظُلُمَات الْبَحْر , فَنَادَى قَارُون يُونُس , فَقَالَ : يَا يُونُس تُبْ إِلَى اللَّه فَإِنَّك تَجِدهُ عِنْد أَوَّل قَدَم تَرْجِع بِهَا إِلَيْهِ فَقَالَ يُونُس : مَا مَنَعَك مِنْ التَّوْبَة فَقَالَ : إِنَّ تَوْبَتِي جُعِلَتْ إِلَى اِبْن عَمِّي فَأَبَى أَنْ يَقْبَل مِنِّي وَفِي الْخَبَر : إِذَا وَصَلَ قَارُون إِلَى قَرَار الْأَرْض السَّابِعَة نَفَخَ إِسْرَافِيل فِي الصُّور وَاَللَّه أَعْلَم قَالَ السُّدِّيّ : وَكَانَ اِسْم الْبَغِيّ سبرتا , وَبَذَلَ لَهَا قَارُون أَلْفَيْ دِرْهَم . قَتَادَة : وَكَانَ قَطَعَ الْبَحْر مَعَ مُوسَى وَكَانَ يُسَمَّى الْمُنَوِّر مِنْ حُسْن صُورَته فِي التَّوْرَاة , وَلَكِنَّ عَدُوّ اللَّه نَافَقَ كَمَا نَافَقَ السَّامِرِيّ



قَالَ عَطَاء : أَصَابَ كَثِيرًا مِنْ كُنُوز يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ الْوَلِيد بْن مَرْوَان : إِنَّهُ كَانَ يَعْمَل الْكِيمْيَاء


&quot; إِنَّ &quot; وَاسْمهَا وَخَبَرهَا فِي صِلَة &quot; مَا &quot; وَ &quot; مَا &quot; مَفْعُولَة &quot; آتَيْنَا &quot; قَالَ النَّحَّاس : وَسَمِعْت عَلِيّ بْن سُلَيْمَان يَقُول مَا أَقْبَح مَا يَقُول الْكُوفِيُّونَ فِي الصِّلَات ; إِنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ تَكُون صِلَة الَّذِي وَأَخَوَاته &quot; إِنَّ &quot; وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ , وَفِي الْقُرْآن &quot; مَا إِنَّ مَفَاتِحه &quot; وَهُوَ جَمْع مِفْتَح بِالْكَسْرِ وَهُوَ مَا يُفْتَح بِهِ وَمَنْ قَالَ مِفْتَاح قَالَ مَفَاتِيح وَمَنْ قَالَ هِيَ الْخَزَائِن فَوَاحِدهَا مَفْتَح بِالْفَتْحِ



أَحْسَن مَا قِيلَ فِيهِ أَنَّ الْمَعْنَى لَتُنِيء الْعُصْبَة أَيْ تُمِيلهُمْ بِثِقَلِهَا , فَلَمَّا اِنْفَتَحَتْ التَّاء دَخَلَتْ الْبَاء كَمَا قَالُوا هُوَ يَذْهَب بِالْبُؤْسِ وَمُذْهِب الْبُؤْس فَصَارَ &quot; لَتَنُوء بِالْعُصْبَةِ &quot; فَجَعَلَ الْعُصْبَة تَنُوء أَيْ تَنْهَض مُتَثَاقِلَة ; كَقَوْلِك قُمْ بِنَا أَيْ اِجْعَلْنَا نَقُوم يُقَال : نَاءَ يَنُوء نَوْءًا إِذَا نَهَضَ بِثِقَلٍ قَالَ الشَّاعِر : تَنُوء بِأُخْرَاهَا فَلَأْيًا قِيَامهَا وَتَمْشِي الْهُوَيْنَا عَنْ قَرِيب فَتَبْهَر وَقَالَ آخَر : أَخَذْت فَلَمْ أَمْلِك وَنُؤْت فَلَمْ أَقُمْ كَأَنِّيَ مِنْ طُول الزَّمَان مُقَيَّد وَأَنَاءَنِي إِذَا أَثْقَلَنِي ; عَنْ أَبِي زَيْد وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : قَوْل : &quot; لَتَنُوء بِالْعُصْبَةِ &quot; مَقْلُوب , وَالْمَعْنَى لَتَنُوء بِهَا الْعُصْبَة أَيْ تَنْهَض بِهَا أَبُو زَيْد : نُؤْت بِالْحِمْلِ إِذَا نَهَضْت قَالَ الشَّاعِر : إِنَّا وَجَدْنَا خَلَفًا بِئْسَ الْخَلَف عَبْدًا إِذَا مَا نَاءَ بِالْحِمْلِ وَقَفْ وَالْأَوَّل مَعْنَى قَوْل اِبْن عَبَّاس وَأَبِي صَالِح وَالسُّدِّيّ وَهُوَ قَوْل الْفَرَّاء وَاخْتَارَهُ النَّحَّاس كَمَا يُقَال : ذَهَبْت بِهِ وَأَذْهَبْته وَجِئْت بِهِ وَأَجَأْته وَنُؤْت بِهِ وَأَنَأْتُهُ ; فَأَمَّا قَوْلهمْ : لَهُ عِنْدِي مَا سَاءَهُ وَنَاءَهُ فَهُوَ إِتْبَاع كَانَ يَجِب أَنْ يُقَال وَأَنَاءَهُ وَمِثْله هَنَّأَنِي الطَّعَام وَمَرَّأَنِي , وَأَخْذه مَا قَدُمَ وَمَا حَدُثَ وَقِيلَ : هُوَ مَأْخُوذ مِنْ النَّأْي وَهُوَ الْبُعْد وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : يَنْأَوْنَ عَنَّا وَمَا تَنْأَى مَوَدَّتهمْ و فَالْقَلْب فِيهِمْ رَهِين حَيْثُمَا كَانُوا وَقَرَأَ بُدَيْل بْن مَيْسَرَة : &quot; لَيَنُوء &quot; بِالْيَاءِ ; أَيْ لَيَنُوء الْوَاحِد مِنْهَا أَوْ الْمَذْكُور فَحُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : قُلْت لِرُؤْبَةَ بْن الْعَجَّاج فِي قَوْله : فِيهَا خُطُوط مِنْ سَوَاد وَبَلَقْ و كَأَنَّهُ فِي الْجِلْد تَوْلِيع الْبَهَقْ إِنْ كُنْت أَرَدْت الْخُطُوط فَقُلْ كَأَنَّهَا , وَإِنْ كُنْت أَرَدْت السَّوَاد وَالْبَلَق فَقُلْ كَأَنَّهُمَا فَقَالَ : أَرَدْت كُلّ ذَلِكَ وَاخْتُلِفَ فِي الْعُصْبَة وَهِيَ الْجَمَاعَة الَّتِي يَتَعَصَّب بَعْضهمْ لِبَعْضٍ عَلَى أَحَد عَشَرَ قَوْلًا : الْأَوَّل : ثَلَاثَة رِجَال ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَعَنْهُ أَيْضًا مِنْ الثَّلَاثَة إِلَى الْعَشَرَة وَقَالَ مُجَاهِد : الْعُصْبَة هُنَا مَا بَيْن الْعِشْرِينَ إِلَى خَمْسَة عَشَرَ وَعَنْهُ أَيْضًا : مَا بَيْن الْعَشَرَة إِلَى الْخَمْسَة عَشَرَ وَعَنْهُ أَيْضًا : مِنْ عَشَرَة إِلَى خَمْسَة ذَكَرَ الْأَوَّل الثَّعْلَبِيّ , وَالثَّانِي الْقُشَيْرِيّ وَالْمَاوَرْدِيّ , وَالثَّالِث الْمَهْدَوِيّ وَقَالَ أَبُو صَالِح وَالْحَكَم بْن عُتَيْبَة وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك : أَرْبَعُونَ رَجُلًا . السُّدِّيّ مَا بَيْن الْعَشَرَة إِلَى الْأَرْبَعِينَ وَقَالَهُ قَتَادَة أَيْضًا وَقَالَ عِكْرِمَة : مِنْهُمْ مَنْ يَقُول أَرْبَعُونَ , وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول سَبْعُونَ وَهُوَ قَوْل أَبِي صَالِح إِنَّ الْعُصْبَة سَبْعُونَ رَجُلًا ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ وَالْأَوَّل ذَكَرَهُ عَنْهُ الثَّعْلَبِيّ وَقِيلَ : سِتُّونَ رَجُلًا وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : سِتّ أَوْ سَبْع وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد : مَا بَيْن الثَّلَاثَة وَالتِّسْعَة وَهُوَ النَّفَر وَقَالَ الْكَلْبِيّ : عَشَرَة لِقَوْلِ إِخْوَة يُوسُف &quot; وَنَحْنُ عُصْبَة &quot; [ يُوسُف : 8 ] وَقَالَهُ مُقَاتِل وَقَالَ خَيْثَمَة : وَجَدْت فِي الْإِنْجِيل أَنَّ مَفَاتِيح خَزَائِن قَارُون وَقْر سِتِّينَ بَغْلًا غَرَّاء مُحَجَّلَة , وَأَنَّهَا لَتَنُوء بِهَا ثِقَلهَا , وَمَا يَزِيد مِفْتَح مِنْهَا عَلَى إِصْبَع , لِكُلِّ مِفْتَح مِنْهَا كَنْز مَال , لَوْ قُسِمَ ذَلِكَ الْكَنْز عَلَى أَهْل الْبَصْرَة لَكَفَاهُمْ قَالَ مُجَاهِد : كَانَتْ الْمَفَاتِيح مِنْ جُلُود الْإِبِل وَقِيلَ : مِنْ جُلُود الْبَقَر لِتَخِفَّ عَلَيْهِ , وَكَانَتْ تُحْمَل مَعَهُ إِذَا رَكِبَ عَلَى سَبْعِينَ بَغْلًا فِيمَا ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ وَقِيلَ : عَلَى أَرْبَعِينَ بَغْلًا وَهُوَ قَوْل الضَّحَّاك وَعَنْهُ أَيْضًا : إِنَّ مَفَاتِحه أَوْعِيَته وَكَذَا قَالَ أَبُو صَالِح : إِنَّ الْمُرَاد بِالْمَفَاتِحِ الْخَزَائِن ; فَاَللَّه أَعْلَم


أَيْ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , قَالَهُ السُّدِّيّ وَقَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام : الْقَوْم هُنَا مُوسَى وَقَالَ الْفَرَّاء وَهُوَ جَمْع أُرِيدَ بِهِ وَاحِد كَقَوْلِهِ : &quot; الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس &quot; [ آل عِمْرَان : 173 ] وَإِنَّمَا هُوَ نُعَيْم بْن مَسْعُود عَلَى مَا تَقَدَّمَ


أَيْ لَا تَأْشَر وَلَا تَبْطَر قَالَ الشَّاعِر : وَلَسْت بِمِفْرَاحٍ إِذَا الدَّهْر سَرَّنِي وَلَا ضَارِع فِي صَرْفه الْمُتَقَلِّب وَقَالَ الزَّجَّاج : الْمَعْنَى لَا تَفْرَح بِالْمَالِ فَإِنَّ الْفَرَح بِالْمَالِ لَا يُؤَدِّي حَقّه وَقَالَ مُبَشَّر بْن عَبْد اللَّه : لَا تَفْرَح لَا تُفْسِد قَالَ الشَّاعِر : إِذَا أَنْتَ لَمْ تَبْرَح تُؤَدِّي أَمَانَة وَتَحْمِل أُخْرَى أَفْرَحَتْك الْوَدَائِع أَيْ أَفْسَدَتْك وَقَالَ أَبُو عَمْرو : أَفْرَحَهُ الدَّيْن أَثْقَلَهُ وَأَنْشَدَهُ : إِذَا أَنْتَ . .... الْبَيْت وَأَفْرَحَهُ سَرَّهُ فَهُوَ مُشْتَرَك قَالَ الزَّجَّاج : وَالْفَرِحِينَ وَالْفَارِحِينَ سَوَاء وَفَرَّقَ بَيْنهمَا الْفَرَّاء فَقَالَ : مَعْنَى الْفَرِحِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي حَال فَرَح , وَالْفَارِحِينَ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ فِي الْمُسْتَقْبَل وَزَعَمَ أَنَّ مِثْله طَمَع وَطَامِع وَمَيِّت وَمَائِت وَيَدُلّ عَلَى خِلَاف مَا قَالَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : &quot; إِنَّك مَيِّت وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ &quot; [ الزُّمَر : 30 ] وَلَمْ يَقُلْ مَائِت وَقَالَ مُجَاهِد أَيْضًا : مَعْنَى &quot; لَا تَفْرَح &quot; لَا تَبْغِ


أَيْ الْبَطِرِينَ ; قَالَهُ مُجَاهِد وَالسُّدِّيّ &quot; إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْفَرِحِينَ &quot; أَيْ الْبَاغِينَ وَقَالَ اِبْن بَحْر : لَا تَبْخَل إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْبَاخِلِينَ';
$TAFSEER['4']['28']['77'] = 'أَيْ اُطْلُبْ فِيمَا أَعْطَاك اللَّه مِنْ الدُّنْيَا الدَّار الْآخِرَة وَهِيَ الْجَنَّة ; فَإِنَّ مِنْ حَقّ الْمُؤْمِن أَنْ يَصْرِف الدُّنْيَا فِيمَا يَنْفَعهُ فِي الْآخِرَة لَا فِي التَّجَبُّر وَالْبَغْي



اُخْتُلِفَ فِيهِ ; فَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْجُمْهُور : لَا تُضَيِّع عُمْرك فِي أَلَّا تَعْمَل عَمَلًا صَالِحًا فِي دُنْيَاك ; إِذْ الْآخِرَة إِنَّمَا يُعْمَل لَهَا , فَنَصِيب الْإِنْسَان عُمْره وَعَمَله الصَّالِح فِيهَا فَالْكَلَام عَلَى هَذَا التَّأْوِيل شِدَّة فِي الْمَوْعِظَة وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة : مَعْنَاهُ لَا تُضَيِّع حَظّك مِنْ دُنْيَاك فِي تَمَتُّعك بِالْحَلَالِ وَطَلَبك إِيَّاهُ , وَنَظَرك لِعَاقِبَةِ دُنْيَاك فَالْكَلَام عَلَى هَذَا التَّأْوِيل فِيهِ بَعْض الرِّفْق بِهِ وَإِصْلَاح الْأَمْر الَّذِي يَشْتَهِيه وَهَذَا مِمَّا يَجِب اِسْتِعْمَاله مَعَ الْمَوْعُوظ خَشْيَة النَّبْوَة مِنْ الشِّدَّة ; قَالَهُ اِبْن عَطِيَّة 

قُلْت : وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ قَدْ جَمَعَهُمَا اِبْن عُمَر فِي قَوْله : اُحْرُثْ لِدُنْيَاك كَأَنَّك تَعِيش أَبَدًا , وَاعْمَلْ لِآخِرَتِك كَأَنَّك تَمُوت غَدًا وَعَنْ الْحَسَن : قَدِّمْ الْفَضْل , وَأَمْسِكْ مَا يُبَلِّغ وَقَالَ مَالِك : هُوَ الْأَكْل وَالشُّرْب بِلَا سَرَف وَقِيلَ : أَرَادَ بِنَصِيبِهِ الْكَفَن فَهَذَا وَعْظ مُتَّصِل ; كَأَنَّهُمْ قَالُوا : لَا تَنْسَ أَنَّك تَتْرُك جَمِيع مَالك إِلَّا نَصِيبك هَذَا الَّذِي هُوَ الْكَفَن وَنَحْو هَذَا قَوْل الشَّاعِر : نَصِيبك مِمَّا تَجْمَع الدَّهْر كُلّه رِدَاءَانِ تُلْوَى فِيهِمَا وَحَنُوط وَقَالَ آخَر : وَهِيَ الْقَنَاعَة لَا تَبْغِي بِهَا بَدَلًا فِيهَا النَّعِيم وَفِيهَا رَاحَة الْبَدَن اُنْظُرْ لِمَنْ مَلَكَ الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا هَلْ رَاحَ مِنْهَا بِغَيْرِ الْقُطْن وَالْكَفَن قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَأَبْدَع مَا فِيهِ عِنْدِي قَوْل قَتَادَة : وَلَا تَنْسَ نَصِيبك الْحَلَال , فَهُوَ نَصِيبك مِنْ الدُّنْيَا وَيَا مَا أَحْسَن هَذَا


أَيْ أَطِعْ اللَّه وَاعْبُدْهُ كَمَا أَنْعَمَ عَلَيْك وَمِنْهُ الْحَدِيث : مَا الْإِحْسَان ؟ قَالَ : ( أَنْ تَعْبُد اللَّه كَأَنَّك تَرَاهُ . . ) وَقِيلَ : هُوَ أَمْر بِصِلَةِ الْمَسَاكِين قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فِيهِ أَقْوَال كَثِيرَة جِمَاعهَا اِسْتِعْمَال نِعَم اللَّه فِي طَاعَة اللَّه وَقَالَ مَالِك : الْأَكْل وَالشُّرْب مِنْ غَيْر سَرَف قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : أَرَى مَالِكًا أَرَادَ الرَّدّ عَلَى الْغَالِينَ فِي الْعِبَادَة وَالتَّقَشُّف ; فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبّ الْحَلْوَاء , وَيَشْرَب الْعَسَل , وَيَسْتَعْمِل الشِّوَاء , وَيَشْرَب الْمَاء الْبَارِد وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْر مَوْضِع


أَيْ لَا تَعْمَل بِالْمَعَاصِي


أَيْ فِي الْأَرْض بِالْعَمَلِ وَالْمَعَاصِي وَالتَّجَبُّر';
$TAFSEER['4']['28']['78'] = 'يَعْنِي عِلْم التَّوْرَاة وَكَانَ فِيمَا رُوِيَ مَنْ أَقْرَأ النَّاس لَهَا , وَمَنْ أَعْلَمهُمْ بِهَا وَكَانَ أَحَد الْعُلَمَاء السَّبْعِينَ الَّذِي اِخْتَارَهُمْ مُوسَى لِلْمِيقَاتِ وَقَالَ اِبْن زَيْد : أَيْ إِنَّمَا أُوتِيته لِعِلْمِهِ بِفَضْلِي وَرِضَاهُ عَنِّي فَقَوْله : &quot; عِنْدِي &quot; مَعْنَاهُ إِنَّ عِنْدِي أَنَّ اللَّه تَعَالَى آتَانِي هَذِهِ الْكُنُوز عَلَى عِلْم مِنْهُ بِاسْتِحْقَاقِي إِيَّاهَا لِفَضْلٍ فِيَّ وَقِيلَ : أُوتِيته عَلَى عِلْم مِنْ عِنْدِي بِوُجُوهِ التِّجَارَة وَالْمَكَاسِب ; قَالَهُ عَلِيّ بْن عِيسَى وَلَمْ يَعْلَم أَنَّ اللَّه لَوْ لَمْ يُسَهِّل لَهُ اِكْتِسَابهَا لَمَا اِجْتَمَعَتْ عِنْده وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : عَلَى عِلْم عِنْدِي بِصَنْعَةِ الذَّهَب وَأَشَارَ إِلَى عِلْم الْكِيمْيَاء وَحَكَى النَّقَّاش : أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَلَّمَهُ الثُّلُث مِنْ صَنْعَة الْكِيمْيَاء , وَيُوشَع الثُّلُث , وَهَارُون الثُّلُث , فَخَدَعَهُمَا قَارُون - وَكَانَ عَلَى إِيمَانه - حَتَّى عَلِمَ مَا عِنْدهمَا وَعَمِلَ الْكِيمْيَاء , فَكَثُرَتْ أَمْوَاله وَقِيلَ : إِنَّ مُوسَى عَلَّمَ الْكِيمْيَاء ثَلَاثَة ; يُوشَع بْن نُون , وَكَالِب بْن يوفنا , وَقَارُون , وَاخْتَارَ الزَّجَّاج الْقَوْل الْأَوَّل , وَأَنْكَرَ قَوْل مَنْ قَالَ إِنَّهُ يَعْمَل الْكِيمْيَاء قَالَ : لِأَنَّ الْكِيمْيَاء بَاطِل لَا حَقِيقَة لَهُ وَقِيلَ : إِنَّ مُوسَى عَلَّمَ أُخْته عِلْم الْكِيمْيَاء , وَكَانَتْ زَوْجَة قَارُون وَعَلَّمَتْ أُخْت مُوسَى قَارُون ; وَاَللَّه أَعْلَم



أَيْ بِالْعَذَابِ


أَيْ الْأُمَم الْخَالِيَة الْكَافِرَة


أَيْ لِلْمَالِ , وَلَوْ كَانَ الْمَال يَدُلّ عَلَى فَضْل لَمَا أَهْلَكَهُمْ وَقِيلَ : الْقُوَّة الْآلَات , وَالْجَمْع الْأَعْوَان وَالْأَنْصَار , وَالْكَلَام خَرَجَ مَخْرَج التَّقْرِيع مِنْ اللَّه تَعَالَى لِقَارُونَ ; أَيْ &quot; أَوَلَمْ يَعْلَم &quot; قَارُون &quot; أَنَّ اللَّه قَدْ أَهْلَكَ مَنْ قَبْله مِنْ الْقُرُون &quot;


أَيْ لَا يُسْأَلُونَ سُؤَال اِسْتِعْتَاب كَمَا قَالَ : &quot; وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ &quot; [ الرُّوم : 57 ] &quot; فَمَا هُمْ مِنْ الْمُعْتَبِينَ &quot; [ فُصِّلَتْ : 24 ] وَإِنَّمَا يُسْأَلُونَ سُؤَال تَقْرِيع وَتَوْبِيخ لِقَوْلِهِ : &quot; فَوَرَبِّك لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ &quot; [ الْحِجْر : 92 ] قَالَهُ الْحَسَن وَقَالَ مُجَاهِد : لَا تُسْأَل الْمَلَائِكَة غَدًا عَنْ الْمُجْرِمِينَ , فَإِنَّهُمْ يُعْرَفُونَ بِسِيمَاهُمْ , فَإِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ سُود الْوُجُوه زُرْق الْعُيُون وَقَالَ قَتَادَة : لَا يُسْأَل الْمُجْرِمُونَ عَنْ ذُنُوبهمْ لِظُهُورِهَا وَكَثْرَتهَا , بَلْ يَدْخُلُونَ النَّار بِلَا حِسَاب وَقِيلَ : لَا يُسْأَل مُجْرِمُو هَذِهِ الْأُمَّة عَنْ ذُنُوب الْأُمَم الْخَالِيَة الَّذِينَ عُذِّبُوا فِي الدُّنْيَا وَقِيلَ : أَهْلَكَ مَنْ أَهْلَكَ مِنْ الْقُرُون عَنْ عِلْم مِنْهُ بِذُنُوبِهِمْ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى مَسْأَلَتهمْ عَنْ ذُنُوبهمْ';
$TAFSEER['4']['28']['79'] = 'أَيْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل فِيمَا رَآهُ زِينَة مِنْ مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا ; مِنْ الثِّيَاب وَالدَّوَابّ وَالتَّجَمُّل فِي يَوْم عِيد قَالَ الْغَزْنَوِيّ : فِي يَوْم السَّبْت



أَيْ مَعَ زِينَته قَالَ الشَّاعِر : إِذَا مَا قُلُوب الْقَوْم طَارَتْ مَخَافَة مِنْ الْمَوْت أَرْسَوْا بِالنُّفُوسِ الْمَوَاجِد أَيْ مَعَ النُّفُوس كَانَ خَرَجَ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ تَبَعه , عَلَيْهِمْ الْمُعَصْفَرَات , وَكَانَ أَوَّل مَنْ صُبِغَ لَهُ الثِّيَاب الْمُعَصْفَرَة قَالَ السُّدِّيّ : مَعَ أَلْف جَوَارٍ بِيض عَلَى بِغَال بِيض بِسُرُوجٍ مِنْ ذَهَب عَلَى قُطُف الْأُرْجُوَان قَالَ اِبْن عَبَّاس : خَرَجَ عَلَى الْبِغَال الشُّهُب مُجَاهِد : عَلَى بَرَاذِين بِيض عَلَيْهَا سُرُوج الْأُرْجُوَان , وَعَلَيْهِمْ الْمُعَصْفَرَات , وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّل يَوْم رُئِيَ فِيهِ الْمُعَصْفَر قَالَ قَتَادَة : خَرَجَ عَلَى أَرْبَعَة آلَاف دَابَّة عَلَيْهِمْ ثِيَاب حُمْر , مِنْهَا أَلْف بَغْل أَبْيَض عَلَيْهَا قُطُف حُمْر قَالَ اِبْن جُرَيْج : خَرَجَ عَلَى بَغْلَة شَهْبَاء عَلَيْهَا الْأُرْجُوَان , وَمَعَهُ ثَلَاثمِائَةِ جَارِيَة عَلَى الْبِغَال الشُّهُب عَلَيْهِنَّ الثِّيَاب الْحُمْر وَقَالَ اِبْن زَيْد : خَرَجَ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا عَلَيْهِمْ الْمُعَصْفَرَات الْكَلْبِيّ : خَرَجَ فِي ثَوْب أَخْضَر كَانَ اللَّه أَنْزَلَهُ عَلَى مُوسَى مِنْ الْجَنَّة فَسَرَقَهُ مِنْهُ قَارُون وَقَالَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : كَانَتْ زِينَته الْقِرْمِز 

قُلْت : الْقِرْمِز صِبْغ أَحْمَر مِثْل الْأُرْجُوَان , وَالْأُرْجُوَان فِي اللُّغَة صِبْغ أَحْمَر ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ


أَيْ نَصِيب وَافِر مِنْ الدُّنْيَا ثُمَّ قِيلَ : هَذَا مِنْ قَوْل مُؤْمِنِي ذَلِكَ الْوَقْت , تَمَنَّوْا مِثْل مَاله رَغْبَة فِي الدُّنْيَا وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل أَقْوَام لَمْ يُؤْمِنُوا بِالْآخِرَةِ وَلَا رَغِبُوا فِيهَا , وَهُمْ الْكُفَّار';
$TAFSEER['4']['28']['80'] = 'وَهُمْ أَحْبَار بَنِي إِسْرَائِيل قَالُوا لِلَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانه &quot; وَيْلَكُمْ &quot;


يَعْنِي الْجَنَّة .


أَيْ لَا يُؤْتَى الْأَعْمَال الصَّالِحَة أَوْ لَا يُؤْتَى الْجَنَّة فِي الْآخِرَة إِلَّا الصَّابِرُونَ عَلَى طَاعَة اللَّه وَجَازَ ضَمِيرهَا لِأَنَّهَا الْمَعْنِيَّة بِقَوْلِهِ : &quot; ثَوَاب اللَّه &quot;';
$TAFSEER['4']['28']['81'] = 'قَالَ مُقَاتِل : لَمَّا أَمَرَ مُوسَى الْأَرْض فَابْتَلَعَتْهُ قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيل : إِنَّمَا أَهْلَكَهُ لِيَرِث مَاله ; لِأَنَّهُ كَانَ اِبْن عَمّه ; أَخِي أَبِيهِ , فَخَسَفَ اللَّه تَعَالَى بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْض وَبِجَمِيعِ أَمْوَاله بَعْد ثَلَاثَة أَيَّام , فَأَوْحَى اللَّه إِلَى مُوسَى أَنِّي لَا أُعِيد طَاعَة الْأَرْض إِلَى أَحَد بَعْدك أَبَدًا يُقَال : خَسَفَ الْمَكَان يَخْسِف خُسُوفًا ذَهَبَ فِي الْأَرْض وَخَسَفَ اللَّه بِهِ الْأَرْض خَسْفًا أَيْ غَابَ بِهِ فِيهَا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : &quot; فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْض &quot; وَخَسَفَ هُوَ فِي الْأَرْض وَخُسِفَ بِهِ وَخُسُوف الْقَمَر كُسُوفه قَالَ ثَعْلَب : كَسَفَتْ الشَّمْس وَخَسَفَ الْقَمَر ; هَذَا أَجْوَد الْكَلَام وَالْخَسْف النُّقْصَان ; يُقَال : رَضِيَ فُلَان بِالْخَسْفِ أَيْ بِالنَّقِيصَةِ



أَيْ جَمَاعَة وَعِصَابَة


لِنَفْسِهِ أَيْ الْمُمْتَنِعِينَ فِيمَا نَزَلَ بِهِ مِنْ الْخَسْف فَيُرْوَى أَنَّ قَارُون يَسْفُل كُلّ يَوْم بِقَدْرِ قَامَة , حَتَّى إِذَا بَلَغَ قَعْر الْأَرْض السُّفْلَى نَفَخَ إِسْرَافِيل فِي الصُّور ; وَقَدْ تَقَدَّمَ ; وَاَللَّه أَعْلَم';
$TAFSEER['4']['28']['82'] = 'أَيْ صَارُوا يَتَنَدَّمُونَ عَلَى ذَلِكَ التَّمَنِّي وَ &quot; يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّه &quot; وَيْ حَرْف تَنَدُّم قَالَ النَّحَّاس : أَحْسَن مَا قِيلَ فِي هَذَا قَوْل الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ وَيُونُس وَالْكِسَائِيّ إِنَّ الْقَوْم تَنَبَّهُوا أَوْ نُبِّهُوا ; فَقَالُوا وَيْ , وَالْمُتَنَدِّم مِنْ الْعَرَب يَقُول فِي خِلَال تَنَدُّمه وَيْ قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَيْ كَلِمَة تَعَجُّب , وَيُقَال : وَيْكَ وَوَيْ لِعَبْدِ اللَّه وَقَدْ تَدْخُل وَيْ عَلَى كَأَنْ الْمُخَفَّفَة وَالْمُشَدَّدَة تَقُول : وَيْكَأَنَّ اللَّه قَالَ الْخَلِيل : هِيَ مَفْصُولَة ; تَقُول : &quot; وَيْ &quot; ثُمَّ تَبْتَدِئ فَتَقُول : &quot; كَأَنَّ &quot; قَالَ الثَّعْلَبِيّ : وَقَالَ الْفَرَّاء هِيَ كَلِمَة تَقْرِير ; كَقَوْلِك : أَمَا تَرَى إِلَى صُنْع اللَّه وَإِحْسَانه ; وَذُكِرَ أَنَّ أَعْرَابِيَّة قَالَتْ لِزَوْجِهَا : أَيْنَ اِبْنك وَيْكَ ؟ فَقَالَ : وَيْ كَأَنَّهُ وَرَاء الْبَيْت ; أَيْ أَمَا تَرَيْنَهُ وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن : وَيْكَ كَلِمَة اِبْتِدَاء وَتَحْقِيق تَقْدِيره : إِنَّ اللَّه يَبْسُط الرِّزْق وَقِيلَ : هُوَ تَنْبِيه بِمَنْزِلَةِ أَلَا فِي قَوْلك أَلَا تَفْعَل وَأَمَّا فِي قَوْلك أَمَّا بَعْد قَالَ الشَّاعِر : سَالَتَانِي الطَّلَاق إِذْ رَأَتَانِي قَلَّ مَالِي قَدْ جِئْتُمَانِي بِنُكْرِ وَيْ كَأَنْ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَب يُحْب ب وَمَنْ يَفْتَقِر يَعِشْ عَيْش ضُرِّ وَقَالَ قُطْرُب : إِنَّمَا هُوَ وَيْلك وَأُسْقِطَتْ لَامه وَضُمَّتْ الْكَاف الَّتِي هِيَ لِلْخِطَابِ إِلَى وَيْ قَالَ عَنْتَرَة : وَلَقَدْ شَفَى نَفْسِي وَأَبْرَأ سُقْمَهَا قِيل الْفَوَارِس وَيْكَ عَنْتَر أَقْدِمِ وَأَنْكَرَهُ النَّحَّاس وَغَيْره , وَقَالُوا : إِنَّ الْمَعْنَى لَا يَصِحّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْقَوْم لَمْ يُخَاطِبُوا أَحَدًا فَيَقُولُوا لَهُ وَيْكَ , وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ إِنَّهُ بِالْكَسْرِ وَأَيْضًا فَإِنَّ حَذْف اللَّام مِنْ وَيْلك لَا يَجُوز وَقَالَ بَعْضهمْ : التَّقْدِير وَيْلك اِعْلَمْ أَنَّهُ ; فَأُضْمِرَ اِعْلَمْ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : &quot; وَيْكَأَنَّ اللَّه &quot; أَيْ اِعْلَمْ وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه وَقَالَ الْقُتَبِيّ : مَعْنَاهُ رَحْمَة لَك بِلُغَةِ حِمْيَر وَقَالَ الْكِسَائِيّ : وَيْ فِيهِ مَعْنَى التَّعَجُّب وَيُرْوَى عَنْهُ أَيْضًا الْوَقْف عَلَى وَيْ وَقَالَ كَلِمَة تَفَجُّع وَمَنْ قَالَ : وَيْكَ فَوَقَفَ عَلَى الْكَاف فَمَعْنَاهُ أَعْجَب لِأَنَّ اللَّه يَبْسُط الرِّزْق وَأَعْجَب لِأَنَّهُ لَا يُفْلِح الْكَافِرُونَ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُون الْكَاف حَرْف خِطَاب لَا اِسْمًا ; لِأَنَّ وَيْ لَيْسَتْ مِمَّا يُضَاف وَإِنَّمَا كُتِبَتْ مُتَّصِلَة ; لِأَنَّهَا لَمَّا كَثُرَ اِسْتِعْمَالهَا جَعَلَتْ مَعَ مَا بَعْدهَا كَشَيْءٍ وَاحِد


بِالْإِيمَانِ وَالرَّحْمَة وَعَصَمَنَا مِنْ مِثْل مَا كَانَ عَلَيْهِ قَارُون مِنْ الْبَغْي وَالْبَطَر &quot; لَخَسَفَ بِنَا &quot; وَقَرَأَ الْأَعْمَش : &quot; لَوْلَا مَنَّ اللَّه عَلَيْنَا &quot; وَقَرَأَ حَفْص : &quot; لَخَسَفَ بِنَا &quot; مُسَمَّى الْفَاعِل الْبَاقُونَ : عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَفِي حَرْف عَبْد اللَّه &quot; لَانْخَسَفَ بِنَا &quot; كَمَا تَقُول اِنْطَلِقْ بِنَا وَكَذَلِكَ قَرَأَ الْأَعْمَش وَطَلْحَة بْن مُصَرِّف وَاخْتَارَ قِرَاءَهُ الْجَمَاعَة أَبُو حَاتِم لِوَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا قَوْله : &quot; فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْض &quot; وَالثَّانِي قَوْل : &quot; لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّه عَلَيْنَا &quot; فَهُوَ بِأَنْ يُضَاف إِلَى اللَّه تَعَالَى لِقُرْبِ اِسْمه مِنْهُ أَوْلَى


عِنْد اللَّه';
$TAFSEER['4']['28']['83'] = 'يَعْنِي الْجَنَّة وَقَالَ ذَلِكَ عَلَى جِهَة التَّعْظِيم لَهَا وَالتَّفْخِيم لِشَأْنِهَا يَعْنِي تِلْكَ الَّتِي سَمِعْت بِذِكْرِهَا , وَبَلَغَك وَصْفهَا


أَيْ رِفْعَة وَتَكَبُّرًا عَلَى الْإِيمَان وَالْمُؤْمِنِينَ وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَة : الَّذِي لَا يُرِيد عُلُوًّا هُوَ مَنْ لَمْ يَجْزَع مِنْ ذُلّهَا , وَلَمْ يُنَافِس فِي عِزّهَا , وَأَرْفَعهُمْ عِنْد اللَّه أَشَدّهمْ تَوَاضُعًا , وَأَعَزّهمْ غَدًا أَلْزَمهمْ لِذُلِّ الْيَوْم وَرَوَى سُفْيَان بْن عُيَيْنَة عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد قَالَ : مَرَّ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن وَهُوَ رَاكِب عَلَى مَسَاكِين يَأْكُلُونَ كِسَرًا لَهُمْ , فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَدَعَوْهُ إِلَى طَعَامهمْ , فَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : &quot; تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْض وَلَا فَسَادًا &quot; ثُمَّ نَزَلَ وَأَكَلَ مَعَهُمْ ثُمَّ قَالَ : قَدْ أَجَبْتُكُمْ فَأَجِيبُونِي فَحَمَلَهُمْ إِلَى مَنْزِله فَأَطْعَمَهُمْ وَكَسَاهُمْ وَصَرَفَهُمْ خَرَّجَهُ أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ سُلَيْمَان بْن أَحْمَد قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن حَنْبَل قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة فَذَكَرَهُ وَقِيلَ : لَفْظ الدَّار الْآخِرَة يَشْمَل الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَالْمُرَاد إِنَّمَا يَنْتَفِع بِتِلْكَ الدَّار مَنْ اِتَّقَى , وَمَنْ لَمْ يَتَّقِ فَتِلْكَ الدَّار عَلَيْهِ لَا لَهُ , لِأَنَّهَا تَضُرّهُ وَلَا تَنْفَعهُ


عَمَلًا بِالْمَعَاصِي قَالَهُ اِبْن جُرَيْج وَمُقَاتِل وَقَالَ عِكْرِمَة وَمُسْلِم الْبَطِين : الْفَسَاد أَخْذ الْمَال بِغَيْرِ حَقّ وَقَالَ الْكَلْبِيّ الدُّعَاء إِلَى غَيْر عِبَادَة اللَّه وَقَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام : هُوَ قَتْل الْأَنْبِيَاء وَالْمُؤْمِنِينَ


قَالَ الضَّحَّاك : الْجَنَّة';
$TAFSEER['4']['28']['84'] = 'تَقَدَّمَ فِي [ النَّمْل ] وَقَالَ عِكْرِمَة : لَيْسَ شَيْء خَيْرًا مِنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَإِنَّمَا الْمَعْنَى مَنْ جَاءَ بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه فَلَهُ مِنْهَا خَيْر




أَيْ بِالشِّرْكِ


أَيْ يُعَاقِب بِمَا يَلِيق بِعِلْمِهِ';
$TAFSEER['4']['28']['85'] = 'خَتَمَ السُّورَة بِبِشَارَةِ نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَدِّهِ إِلَى مَكَّة قَاهِرًا لِأَعْدَائِهِ وَقِيلَ : هُوَ بِشَارَة لَهُ بِالْجَنَّةِ وَالْأَوَّل أَكْثَر وَهُوَ قَوْل جَابِر بْن عَبْد اللَّه وَابْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْرهمْ قَالَ الْقُتَبِيّ : مَعَاد الرَّجُل بَلَده لِأَنَّهُ يَنْصَرِف ثُمَّ يَعُود وَقَالَ مُقَاتِل : خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْغَار لَيْلًا مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَة فِي غَيْر طَرِيق مَخَافَة الطَّلَب , فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الطَّرِيق وَنَزَلَ الْجُحْفَة عَرَفَ الطَّرِيق إِلَى مَكَّة فَاشْتَاقَ إِلَيْهَا فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل إِنَّ اللَّه يَقُول : &quot; إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْك الْقُرْآن لَرَادّك إِلَى مَعَاد &quot; أَيْ إِلَى مَكَّة ظَاهِرًا عَلَيْهَا قَالَ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة بِالْجُحْفَةِ لَيْسَتْ مَكِّيَّة وَلَا مَدَنِيَّة وَرَوَى سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس &quot; إِلَى مَعَاد &quot; قَالَ : إِلَى الْمَوْت وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا وَعِكْرِمَة وَالزُّهْرِيّ وَالْحَسَن : إِنَّ الْمَعْنَى لَرَادّك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَهُوَ اِخْتِيَار الزَّجَّاج يُقَال : بَيْنِي وَبَيْنك الْمَعَاد ; أَيْ يَوْم الْقِيَامَة ; لِأَنَّ النَّاس يَعُودُونَ فِيهِ أَحْيَاء &quot; وَفَرَضَ &quot; مَعْنَاهُ أَنْزَلَ وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا وَأَبِي مَالِك وَأَبِي صَالِح : &quot; إِلَى مَعَاد &quot; إِلَى الْجَنَّة وَهُوَ قَوْل أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ وَابْن عَبَّاس أَيْضًا ; لِأَنَّهُ دَخَلَهَا لَيْلَة الْإِسْرَاء وَقِيلَ : لِأَنَّ أَبَاهُ آدَم خَرَجَ مِنْهَا



أَيْ قُلْ لِكُفَّارِ مَكَّة إِذَا قَالُوا إِنَّك لَفِي ضَلَال مُبِين &quot; رَبِّي أَعْلَم مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَال مُبِين &quot; أَنَا أَمْ أَنْتُمْ';
$TAFSEER['4']['28']['86'] = 'أَيْ مَا عَلِمْت أَنَّنَا نُرْسِلك إِلَى الْخَلْق وَنُنَزِّل عَلَيْك الْقُرْآن


قَالَ الْكِسَائِيّ : هُوَ اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع بِمَعْنَى لَكِنْ


أَيْ عَوْنًا لَهُمْ وَمُسَاعِدًا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَة';
$TAFSEER['4']['28']['87'] = 'يَعْنِي أَقْوَالهمْ وَكَذِبهمْ وَأَذَاهُمْ , وَلَا تَلْتَفِت نَحْوهمْ وَامْضِ لِأَمْرِك وَشَأْنك وَقَرَأَ يَعْقُوب : &quot; يَصُدُّنَّك &quot; مَجْزُوم النُّون وَقُرِئَ : &quot; يَصُدّك &quot; مِنْ أَصَدَّهُ بِمَعْنَى صَدَّرَهُ وَهَى لُغَة فِي كَلْب قَالَ الشَّاعِر : أُنَاس أَصَدُّوا النَّاس بِالسَّيْفِ عَنْهُمْ صُدُود السَّوَاقِي عَنْ أُنُوف الْحَوَائِم 


أَيْ إِلَى التَّوْحِيد وَهَذَا يَتَضَمَّن الْمُهَادَنَة وَالْمُوَادَعَة وَهَذَا كُلّه مَنْسُوخ بِآيَةِ السَّيْف وَسَبَب هَذِهِ الْآيَة مَا كَانَتْ قُرَيْش تَدْعُو رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَعْظِيم أَوْثَانهمْ , وَعِنْد ذَلِكَ أَلْقَى الشَّيْطَان فِي أُمْنِيَّته أُمّ الْغَرَانِيق عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّه أَعْلَم';
$TAFSEER['4']['28']['88'] = 'أَيْ لَا تَعْبُد مَعَهُ غَيْره فَإِنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ نَفْي لِكُلِّ مَعْبُود وَإِثْبَات لِعِبَادَتِهِ



قَالَ مُجَاهِد : مَعْنَاهُ إِلَّا هُوَ وَقَالَ الصَّادِق : دِينه وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَسُفْيَان : أَيْ إِلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهه ; أَيْ مَا يُقْصَد إِلَيْهِ بِالْقُرْبَةِ قَالَ : أَسْتَغْفِر اللَّه ذَنْبًا لَسْت مُحْصِيه رَبّ الْعِبَاد إِلَيْهِ الْوَجْه وَالْعَمَل وَقَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد : حَدَّثَنِي الثَّوْرِيّ قَالَ سَأَلْت أَبَا عُبَيْدَة عَنْ قَوْل تَعَالَى : &quot; كُلّ شَيْء هَالِك إِلَّا وَجْهه &quot; فَقَالَ : إِلَّا جَاهه , كَمَا تَقُول لِفُلَانٍ وَجْه فِي النَّاس أَيْ جَاه قَالَ الزَّجَّاج : &quot; وَجْهه &quot; مَنْصُوب عَلَى الِاسْتِثْنَاء , وَلَوْ كَانَ فِي غَيْر الْقُرْآن كَانَ إِلَّا وَجْهه بِالرَّفْعِ , بِمَعْنَى كُلّ شَيْء غَيْر وَجْهه هَالِك كَمَا قَالَ : وَكُلّ أَخ مُفَارِقه أَخُوهُ لَعَمْر أَبِيك إِلَّا الْفَرْقَدَانِ وَالْمَعْنَى كُلّ أَخ غَيْر الْفَرْقَدَيْنِ مُفَارِقه أَخُوهُ


فِي الْأُولَى وَالْآخِرَة


بِمَعْنَى تُرْجَعُونَ إِلَيْهِ تَمَّتْ سُورَة الْقَصَص وَالْحَمْد لِلَّهِ.';
$TAFSEER['4']['29']['1'] = 'مَكِّيَّة إِلَّا مِنْ آيَة 1 إِلَى آيَة 11 فَمَدَنِيَّة وَآيَاتهَا 69 نَزَلَتْ بَعْد الرُّوم مَكِّيَّة كُلّهَا فِي قَوْل الْحَسَن وَعِكْرِمَة وَعَطَاء وَجَابِر وَمَدَنِيَّة كُلّهَا فِي أَحَد قَوْلَيْ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَفِي الْقَوْل الْآخَر لَهُمَا وَهُوَ قَوْل يَحْيَى بْن سَلَّام أَنَّهَا مَكِّيَّة إِلَّا عَشْر آيَات مِنْ أَوَّلهَا فَإِنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي شَأْن مَنْ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : نَزَلَتْ بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة وَهِيَ تِسْع وَسِتُّونَ آيَة 

اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْحُرُوف الَّتِي فِي أَوَائِل السُّورَة ; فَقَالَ عَامِر الشَّعْبِيّ وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَجَمَاعَة مِنْ الْمُحَدِّثِينَ : هِيَ سِرّ اللَّه فِي الْقُرْآن , وَلِلَّهِ فِي كُلّ كِتَاب مِنْ كُتُبه سِرّ . فَهِيَ مِنْ الْمُتَشَابِه الَّذِي اِنْفَرَدَ اللَّه تَعَالَى بِعِلْمِهِ , وَلَا يَجِب أَنْ يُتَكَلَّم فِيهَا , وَلَكِنْ نُؤْمِن بِهَا وَنَقْرَأ كَمَا جَاءَتْ . وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْل عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَعَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْث السَّمَرْقَنْدِيّ عَنْ عُمَر وَعُثْمَان وَابْن مَسْعُود أَنَّهُمْ قَالُوا : الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة مِنْ الْمَكْتُوم الَّذِي لَا يُفَسَّر . وَقَالَ أَبُو حَاتِم : لَمْ نَجِد الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن إِلَّا فِي أَوَائِل السُّوَر , وَلَا نَدْرِي مَا أَرَادَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِهَا . 

قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الْحُبَاب حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي طَالِب حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِر الْوَاسِطِيّ عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل عَنْ سَعِيد بْن مَسْرُوق عَنْ الرَّبِيع بْن خُثَيْم قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآن فَاسْتَأْثَرَ مِنْهُ بِعِلْمِ مَا شَاءَ , وَأَطْلَعَكُمْ عَلَى مَا شَاءَ , فَأَمَّا مَا اِسْتَأْثَرَ بِهِ لِنَفْسِهِ فَلَسْتُمْ بِنَائِلِيهِ فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهُ , وَأَمَّا الَّذِي أَطْلَعَكُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ الَّذِي تَسْأَلُونَ عَنْهُ وَتُخْبَرُونَ بِهِ , وَمَا بِكُلِّ الْقُرْآن تَعْلَمُونَ , وَلَا بِكُلِّ مَا تَعْلَمُونَ تَعْمَلُونَ . قَالَ أَبُو بَكْر : فَهَذَا يُوَضِّح أَنَّ حُرُوفًا مِنْ الْقُرْآن سُتِرَتْ مَعَانِيهَا عَنْ جَمِيع الْعَالَم , اِخْتِبَارًا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَامْتِحَانًا ; فَمَنْ آمَنَ بِهَا أُثِيبَ وَسَعِدَ , وَمَنْ كَفَرَ وَشَكَّ أَثِمَ وَبَعُدَ . حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُف بْن يَعْقُوب الْقَاضِي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش عَنْ عُمَارَة عَنْ حُرَيْث بْن ظَهِير عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : مَا آمَنَ مُؤْمِن أَفْضَل مِنْ إِيمَان بِغَيْبٍ , ثُمَّ قَرَأَ : &quot; الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ &quot; [ الْبَقَرَة : 3 ] . 

قُلْت : هَذَا الْقَوْل فِي الْمُتَشَابِه وَحُكْمه , وَهُوَ الصَّحِيح عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانه فِي ( آل عِمْرَان ) . وَقَالَ جَمْع مِنْ الْعُلَمَاء كَبِير : بَلْ يَجِب أَنْ نَتَكَلَّم فِيهَا , وَيَلْتَمِس الْفَوَائِد الَّتِي تَحْتهَا , وَالْمَعَانِي الَّتِي تَتَخَرَّج عَلَيْهَا ; وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَال عَدِيدَة ; فَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَلِيّ أَيْضًا : أَنَّ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن اِسْم اللَّه الْأَعْظَم , إِلَّا أَنَّا لَا نَعْرِف تَأْلِيفه مِنْهَا . وَقَالَ قُطْرُب وَالْفَرَّاء وَغَيْرهمَا : هِيَ إِشَارَة إِلَى حُرُوف الْهِجَاء أَعْلَمَ اللَّه بِهَا الْعَرَب حِين تَحَدَّاهُمْ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ مُؤْتَلِف مِنْ حُرُوف هِيَ الَّتِي مِنْهَا بِنَاء كَلَامهمْ ; لِيَكُونَ عَجْزهمْ عَنْهُ أَبْلَغ فِي الْحُجَّة عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يَخْرُج عَنْ كَلَامهمْ . قَالَ قُطْرُب : كَانُوا يَنْفِرُونَ عِنْد اِسْتِمَاع الْقُرْآن , فَلَمَّا سَمِعُوا : &quot; الم &quot; وَ &quot; المص &quot; اِسْتَنْكَرُوا هَذَا اللَّفْظ , فَلَمَّا أَنْصَتُوا لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِالْقُرْآنِ الْمُؤْتَلِف لِيُثَبِّتهُ فِي أَسْمَاعهمْ وَآذَانهمْ وَيُقِيم الْحُجَّة عَلَيْهِمْ . وَقَالَ قَوْم : رُوِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ سَمَاع الْقُرْآن بِمَكَّةَ وَقَالُوا : &quot; لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآن وَالْغَوْا فِيهِ &quot; [ فُصِّلَتْ : 26 ] نَزَلَتْ لِيَسْتَغْرِبُوهَا فَيَفْتَحُونَ لَهَا أَسْمَاعهمْ فَيَسْمَعُونَ الْقُرْآن بَعْدهَا فَتَجِب عَلَيْهِمْ الْحُجَّة . وَقَالَ جَمَاعَة : هِيَ حُرُوف دَالَّة عَلَى أَسْمَاء أُخِذَتْ مِنْهَا وَحُذِفَتْ بَقِيَّتهَا ; كَقَوْلِ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : الْأَلِف مِنْ اللَّه , وَاللَّام مِنْ جِبْرِيل , وَالْمِيم مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : الْأَلِف مِفْتَاح اِسْمه اللَّه , وَاللَّام مِفْتَاح اِسْمه لَطِيف , وَالْمِيم مِفْتَاح اِسْمه مَجِيد . وَرَوَى أَبُو الضُّحَى عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : &quot; الم &quot; قَالَ : أَنَا اللَّه أَعْلَم , &quot; الر &quot; أَنَا اللَّه أَرَى , &quot; المص &quot; أَنَا اللَّه أَفْضَل . فَالْأَلِف تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَنَا , وَاللَّام تُؤَدِّي عَنْ اِسْم اللَّه , وَالْمِيم تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَعْلَم . وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل الزَّجَّاج وَقَالَ : أَذْهَب إِلَى أَنَّ كُلّ حَرْف مِنْهَا يُؤَدِّي عَنْ مَعْنًى ; وَقَدْ تَكَلَّمَتْ الْعَرَب بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَة نَظْمًا لَهَا وَوَضْعًا بَدَل الْكَلِمَات الَّتِي الْحُرُوف مِنْهَا , كَقَوْلِهِ : فَقُلْت لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَاف أَرَادَ : قَالَتْ وَقَفْت . وَقَالَ زُهَيْر : بِالْخَيْرِ خَيْرَات وَإِنْ شَرًّا فَا وَلَا أُرِيد الشَّرّ إِلَّا أَنْ تَا أَرَادَ : وَإِنْ شَرًّا فَشَرّ . وَأَرَادَ : إِلَّا أَنْ تَشَاء . وَقَالَ آخَر : نَادَوْهُمْ أَلَا الْجَمُوا أَلَا تَا قَالُوا جَمِيعًا كُلّهمْ أَلَا فَا أَرَادَ : أَلَا تَرْكَبُونَ , قَالُوا : أَلَا فَارْكَبُوا . وَفِي الْحَدِيث : ( مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْل مُسْلِم بِشَطْرِ كَلِمَة ) قَالَ شَقِيق : هُوَ أَنْ يَقُول فِي اُقْتُلْ : اُقْ ; كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام ( كَفَى بِالسَّيْفِ شَا ) مَعْنَاهُ : شَافِيًا . وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : هِيَ أَسْمَاء لِلسُّوَرِ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : هِيَ أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه تَعَالَى بِهَا لِشَرَفِهَا وَفَضْلهَا , وَهِيَ مِنْ أَسْمَائِهِ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَرَدَّ بَعْض الْعُلَمَاء هَذَا الْقَوْل فَقَالَ : لَا يَصِحّ أَنْ يَكُون قَسَمًا لِأَنَّ الْقَسَم مَعْقُود عَلَى حُرُوف مِثْل : إِنْ وَقَدْ وَلَقَدْ وَمَا ; وَلَمْ يُوجَد هَاهُنَا حَرْف مِنْ هَذِهِ الْحُرُوف , فَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون يَمِينًا . وَالْجَوَاب أَنْ يُقَال : مَوْضِع الْقَسَم قَوْله تَعَالَى : &quot; لَا رَيْب فِيهِ &quot; فَلَوْ أَنَّ إِنْسَانًا حَلَفَ فَقَالَ : وَاَللَّه هَذَا الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ ; لَكَانَ الْكَلَام سَدِيدًا , وَتَكُون &quot; لَا &quot; جَوَاب الْقَسَم . فَثَبَتَ أَنَّ قَوْل الْكَلْبِيّ وَمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس سَدِيد صَحِيح . فَإِنْ قِيلَ : مَا الْحِكْمَة فِي الْقَسَم مِنْ اللَّه تَعَالَى , وَكَانَ الْقَوْم فِي ذَلِكَ الزَّمَان عَلَى صِنْفَيْنِ : مُصَدِّق , وَمُكَذِّب ; فَالْمُصَدِّق يُصَدِّق بِغَيْرِ قَسَم , وَالْمُكَذِّب لَا يُصَدِّق مَعَ الْقَسَم ؟ . قِيلَ لَهُ : الْقُرْآن نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَب ; وَالْعَرَب إِذَا أَرَادَ بَعْضهمْ أَنْ يُؤَكِّد كَلَامه أَقْسَمَ عَلَى كَلَامه ; وَاَللَّه تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُؤَكِّد عَلَيْهِمْ الْحُجَّة فَأَقْسَمَ أَنَّ الْقُرْآن مِنْ عِنْده . وَقَالَ بَعْضهمْ : &quot; الم &quot; أَيْ أُنْزِلَتْ عَلَيْك هَذَا الْكِتَاب مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ . وَقَالَ قَتَادَة فِي قَوْله : &quot; الم &quot; قَالَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّد بْن عَلِيّ التِّرْمِذِيّ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْدَعَ جَمِيع مَا فِي تِلْكَ السُّورَة مِنْ الْأَحْكَام وَالْقَصَص فِي الْحُرُوف الَّتِي ذَكَرَهَا فِي أَوَّل السُّورَة , وَلَا يَعْرِف ذَلِكَ إِلَّا نَبِيّ أَوْ وَلِيّ , ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي جَمِيع السُّورَة لِيَفْقَه النَّاس . وَقِيلَ غَيْر هَذَا مِنْ الْأَقْوَال ; فَاَللَّه أَعْلَم . وَالْوَقْف عَلَى هَذِهِ الْحُرُوف عَلَى السُّكُون لِنُقْصَانِهَا إِلَّا إِذَا أَخْبَرْت عَنْهَا أَوْ عَطَفْتهَا فَإِنَّك تُعْرِبهَا . وَاخْتُلِفَ : هَلْ لَهَا مَحَلّ مِنْ الْإِعْرَاب ؟ فَقِيلَ : لَا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَسْمَاء مُتَمَكِّنَة , وَلَا أَفْعَالًا مُضَارِعَة ; وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ حُرُوف التَّهَجِّي فَهِيَ مَحْكِيَّة . هَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ . وَمَنْ قَالَ : إِنَّهَا أَسْمَاء السُّوَر فَمَوْضِعهَا عِنْده الرَّفْع عَلَى أَنَّهَا عِنْده خَبَر اِبْتِدَاء مُضْمَر ; أَيْ هَذِهِ &quot; الم &quot; ; كَمَا تَقُول : هَذِهِ سُورَة الْبَقَرَة . أَوْ تَكُون رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر ذَلِكَ ; كَمَا تَقُول : زَيْد ذَلِكَ الرَّجُل . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان النَّحْوِيّ : &quot; الم &quot; فِي مَوْضِع نَصْب ; كَمَا تَقُول : اِقْرَأْ &quot; الم &quot; أَوْ عَلَيْك &quot; الم &quot; . وَقِيلَ : فِي مَوْضِع خَفْض بِالْقَسَمِ ; لِقَوْلِ اِبْن عَبَّاس : إِنَّهَا أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه بِهَا .';
$TAFSEER['4']['29']['2'] = '&quot; أَحَسِبَ &quot; اِسْتِفْهَام أُرِيدَ بِهِ التَّقْرِير وَالتَّوْبِيخ وَمَعْنَاهُ الظَّنّ &quot; أَنْ يُتْرَكُوا &quot; فِي مَوْضِع نَصْب بِ &quot; حَسِبَ &quot; وَهِيَ وَصِلَتهَا مَقَام الْمَفْعُولَيْنِ عَلَى قَوْل سِيبَوَيْهِ وَ &quot; أَنْ &quot; الثَّانِيَة مِنْ &quot; أَنْ يَقُولُوا &quot; فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى إِحْدَى جِهَتَيْنِ بِمَعْنَى لِأَنْ يَقُولُوا أَوْ بِأَنْ يَقُولُوا أَوْ عَلَى أَنْ يَقُولُوا وَالْجِهَة الْأُخْرَى أَنْ يَكُون عَلَى التَّكْرِير ; وَالتَّقْدِير &quot; الم أَحَسِبَ النَّاس أَنْ يُتْرَكُوا &quot; أَحَسِبُوا &quot; أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ &quot; قَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : يُرِيد بِالنَّاسِ قَوْمًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا بِمَكَّةَ وَكَانَ الْكُفَّار مِنْ قُرَيْش يُؤْذُونَهُمْ وَيُعَذِّبُونَهُمْ عَلَى الْإِسْلَام ; كَسَلَمَةَ بْن هِشَام وَعَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة وَالْوَلِيد بْن الْوَلِيد وَعَمَّار بْن يَاسِر وَيَاسِر أَبُوهُ وَسُمَيَّة أُمّه وَعِدَّة مِنْ بَنِي مَخْزُوم وَغَيْرهمْ فَكَانَتْ صُدُورهمْ تَضِيق لِذَلِكَ وَرُبَّمَا اِسْتَنْكَرَ أَنْ يُمَكِّن اللَّه الْكُفَّار مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ; قَالَ مُجَاهِد وَغَيْره : فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة مُسَلِّيَة وَمُعْلِمَة أَنْ هَذِهِ هِيَ سِيرَة اللَّه فِي عِبَاده اِخْتِبَارًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِتْنَة قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذِهِ الْآيَة وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ بِهَذَا السَّبَب أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْأَقْوَال فَهِيَ بَاقِيَة فِي أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْجُود حُكْمهَا بَقِيَّة الدَّهْر وَذَلِكَ أَنَّ الْفِتْنَة مِنْ اللَّه تَعَالَى بَاقِيَة فِي ثُغُور الْمُسْلِمِينَ بِالْأَسْرِ وَنِكَايَة الْعَدُوّ وَغَيْر ذَلِكَ وَإِذَا اُعْتُبِرَ أَيْضًا كُلّ مَوْضِع فَفِيهِ ذَلِكَ بِالْأَمْرَاضِ وَأَنْوَاع الْمِحَن وَلَكِنَّ الَّتِي تُشْبِه نَازِلَة الْمُسْلِمِينَ مَعَ قُرَيْش هِيَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَمْر الْعَدُوّ فِي كُلّ ثَغْر 

قُلْت : مَا أَحْسَن مَا قَالَهُ وَلَقَدْ صَدَقَ فِيمَا قَالَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَقَالَ مُقَاتِل : نَزَلَتْ فِي مِهْجَع مَوْلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب كَانَ أَوَّل قَتِيل مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْم بَدْر ; رَمَاهُ عَامِر بْن الْحَضْرَمِيّ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ : ( سَيِّد الشُّهَدَاء مِهْجَع وَهُوَ أَوَّل مَنْ يُدْعَى إِلَى بَاب الْجَنَّة مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة ) فَجَزِعَ عَلَيْهِ أَبَوَاهُ وَامْرَأَته فَنَزَلَتْ : &quot; الم أَحَسِبَ النَّاس أَنْ يُتْرَكُوا &quot; وَقَالَ الشَّعْبِيّ : نَزَلَ مُفْتَتَح هَذِهِ السُّورَة فِي أُنَاس كَانُوا بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحُدَيْبِيَة أَنَّهُ لَا يُقْبَل مِنْكُمْ إِقْرَار الْإِسْلَام حَتَّى تُهَاجِرُوا فَخَرَجُوا فَأَتْبَعَهُمْ الْمُشْرِكُونَ فَآذَوْهُمْ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة : &quot; الم أَحَسِبَ النَّاس أَنْ يُتْرَكُوا &quot; فَكَتَبُوا إِلَيْهِمْ نَزَلَتْ فِيكُمْ آيَة كَذَا فَقَالُوا : نَخْرُج وَإِنْ اِتَّبَعَنَا أَحَد قَاتَلْنَاهُ ; فَاتَّبَعَهُمْ الْمُشْرِكُونَ فَقَاتَلُوهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ وَمِنْهُمْ مَنْ نَجَا فَنَزَلَ فِيهِمْ : &quot; ثُمَّ إِنَّ رَبّك لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْد مَا فُتِنُوا &quot; [ النَّحْل : 110 ] &quot; وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ &quot; يُمْتَحَنُونَ ; أَيْ أَظَنَّ الَّذِينَ جَزِعُوا مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُقْنَع مِنْهُمْ أَنْ يَقُولُوا إِنَّا مُؤْمِنُونَ وَلَا يُمْتَحَنُونَ فِي إِيمَانهمْ وَأَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ بِمَا يَتَبَيَّن بِهِ حَقِيقَة إِيمَانهمْ';
$TAFSEER['4']['29']['3'] = 'أَيْ اِبْتَلَيْنَا الْمَاضِينَ كَالْخَلِيلِ أُلْقِيَ فِي النَّار وَكَقَوْمٍ نُشِرُوا بِالْمَنَاشِيرِ فِي دِين اللَّه فَلَمْ يَرْجِعُوا عَنْهُ وَرَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ خَبَّاب بْن الْأَرَتّ : قَالُوا شَكَوْنَا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّد بُرْدَة لَهُ فِي ظِلّ الْكَعْبَة فَقُلْنَا لَهُ : أَلَا تَسْتَنْصِر لَنَا ؟ أَلَا تَدْعُو لَنَا فَقَالَ : ( قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يُؤْخَذ الرَّجُل فَيُحْفَر لَهُ فِي الْأَرْض فَيُجْعَل فِيهَا فَيُجَاء بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَع عَلَى رَأْسه فَيُجْعَل نِصْفَيْنِ وَيُمَشَّط بِأَمْشَاطِ الْحَدِيد لَحْمه وَعَظْمه فَمَا يَصْرِفهُ ذَلِكَ عَنْ دِينه وَاَللَّه لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْر حَتَّى يَسِير الرَّاكِب مِنْ صَنْعَاء إِلَى حَضْرَمَوْت لَا يَخَاف إِلَّا اللَّه وَالذِّئْب عَلَى غَنَمه وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ ) وَخَرَّجَ اِبْن مَاجَهْ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : دَخَلْت عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَك فَوَضَعْت يَدِي عَلَيْهِ فَوَجَدْت حَرّه بَيْن يَدَيَّ فَوْق اللِّحَاف فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه مَا أَشَدّهَا عَلَيْك قَالَ : ( إِنَّا كَذَلِكَ يُضَعَّف لَنَا الْبَلَاء وَيُضَعَّف لَنَا الْأَجْر ) قُلْت : يَا رَسُول اللَّه أَيّ النَّاس أَشَدّ بَلَاء ؟ قَالَ ( الْأَنْبِيَاء ) وَقُلْت : ثُمَّ مَنْ قَالَ ( ثُمَّ الصَّالِحُونَ إِنْ كَانَ أَحَدهمْ لَيُبْتَلَى بِالْفَقْرِ حَتَّى مَا يَجِد إِلَّا الْعَبَاءَة يَحُوبها وَأَنْ كَانَ أَحَدهمْ لَيَفْرَح بِالْبَلَاءِ كَمَا يَفْرَح أَحَدكُمْ بِالرَّخَاءِ ) وَرَوَى سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه أَيّ النَّاس أَشَدّ بَلَاء ؟ قَالَ ( الْأَنْبِيَاء ثُمَّ الْأَمْثَل فَالْأَمْثَل يُبْتَلَى الرَّجُل عَلَى حَسَب دِينه فَإِنْ كَانَ فِي دِينه صُلْبًا اِشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينه رِقَّة اُبْتُلِيَ عَلَى حَسَب دِينه فَمَا يَبْرَح الْبَلَاء بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْض وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَة ) وَرَوَى عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ لَهُ وَزِير فَرَكِبَ يَوْمًا فَأَخَذَهُ السَّبُع فَأَكَلَهُ فَقَالَ عِيسَى : يَا رَبّ وَزِيرِي فِي دِينك وَعَوْنِي عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل وَخَلِيفَتِي فِيهِمْ سَلَّطْت عَلَيْهِ كَلْبًا فَأَكَلَهُ قَالَ : ( نَعَمْ كَانَتْ لَهُ عِنْدِي مَنْزِلَة رَفِيعَة لَمْ أَجِد عَمَله يَبْلُغهَا فَابْتَلَيْته بِذَلِكَ لِأُبَلِّغهُ تِلْكَ الْمَنْزِلَة ) وَقَالَ وَهْب : قَرَأْت فِي كِتَاب رَجُل مِنْ الْحَوَارِيِّينَ : إِذَا سُلِكَ بِك سَبِيل الْبَلَاء فَقِرَّ عَيْنًا فَإِنَّهُ سُلِكَ بِك سَبِيل الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ وَإِذَا سُلِكَ بِك سَبِيل الرَّخَاء فَابْكِ عَلَى نَفْسك فَقَدْ خُولِفَ بِك عَنْ سَبِيلهمْ


أَيْ فَلَيَرَيَنَّ اللَّه الَّذِينَ صَدَقُوا فِي إِيمَانهمْ وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي [ الْبَقَرَة ] وَغَيْرهَا قَالَ الزَّجَّاج : لِيَعْلَم صِدْق الصَّادِق بِوُقُوعِ صِدْقه مِنْهُ وَقَدْ عَلِمَ الصَّادِق مِنْ الْكَاذِب قَبْل أَنْ يَخْلُقهُمَا وَلَكِنَّ الْقَصْد قَصْد وُقُوع الْعِلْم بِمَا يُجَازِي عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَعْلَم صِدْق الصَّادِق وَاقِعًا كَائِنًا وُقُوعه وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَقَعُ وَقَالَ النَّحَّاس : فِيهِ قَوْلَانِ - أَحَدهمَا - أَنْ يَكُون &quot; صَدَقُوا &quot; مُشْتَقًّا مِنْ الصِّدْق وَ &quot; الْكَاذِبِينَ &quot; مُشْتَقًّا مِنْ الْكَذِب الَّذِي هُوَ ضِدّ الصِّدْق وَيَكُون الْمَعْنَى ; فَلَيُبَيِّنَنَّ اللَّه الَّذِينَ صَدَقُوا فَقَالُوا نَحْنُ مُؤْمِنُونَ وَاعْتَقَدُوا مِثْل ذَلِكَ وَاَلَّذِينَ كَذَبُوا حِين اِعْتَقَدُوا غَيْر ذَلِكَ وَالْقَوْل الْآخَر أَنْ يَكُون صَدَقُوا مُشْتَقًّا مِنْ الصِّدْق وَهِيَ الصُّلْب وَالْكَاذِبِينَ مُشْتَقًّا مِنْ كَذَبَ إِذَا اِنْهَزَمَ فَيَكُون الْمَعْنَى ; فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّه الَّذِينَ ثَبَتُوا فِي الْحَرْب وَاَلَّذِينَ اِنْهَزَمُوا ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : لَيْث بِعَثَّرَ يَصْطَاد الرِّجَال إِذَا مَا اللَّيْث كَذَبَ عَنْ أَقْرَانه صَدَقَا فَجَعَلَ &quot; لَيَعْلَمَنَّ &quot; فِي مَوْضِع فَلَيُبَيِّنَنَّ مَجَازًا وَقِرَاءَة الْجَمَاعَة : &quot; فَلَيَعْلَمَنَّ &quot; بِفَتْحِ الْيَاء وَاللَّام وَقَرَأَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر اللَّام وَهِيَ تُبَيِّن مَعْنَى مَا قَالَهُ النَّحَّاس وَيَحْتَمِل ثَلَاثَة مَعَانٍ : الْأَوَّل : أَنْ يَعْلَم فِي الْآخِرَة هَؤُلَاءِ الصَّادِقِينَ وَالْكَاذِبِينَ بِمَنَازِلِهِمْ مِنْ ثَوَابه وَعِقَابه وَبِأَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا ; بِمَعْنَى يُوقِفهُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ الثَّانِي : أَنْ يَكُون الْمَفْعُول الْأَوَّل مَحْذُوفًا تَقْدِيره ; فَلَيَعْلَمَنَّ النَّاس وَالْعَالَم هَؤُلَاءِ الصَّادِقِينَ وَالْكَاذِبِينَ أَيْ يَفْضَحهُمْ وَيُشْهِرهُمْ ; هَؤُلَاءِ فِي الْخَيْر وَهَؤُلَاءِ فِي الشَّرّ وَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة : الثَّالِث أَنْ يَكُون ذَلِكَ مِنْ الْعَلَامَة ; أَيْ يَضَع لِكُلِّ طَائِفَة عَلَامَة يَشْتَهِر بِهَا فَالْآيَة عَلَى هَذَا تَنْظُر إِلَى قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَسَرَّ سَرِيرَة أَلْبَسَهُ اللَّه رِدَاءَهَا )';
$TAFSEER['4']['29']['4'] = 'أَيْ الشِّرْك قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة وَأَبَا جَهْل وَالْأَسْوَد وَالْعَاص بْن هِشَام وَشَيْبَة وَعُتْبَة وَالْوَلِيد بْن عُتْبَة وَعُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط وَحَنْظَلَة بْن أَبِي سُفْيَان وَالْعَاص بْن وَائِل


أَيْ يَفُوتُونَا وَيُعْجِزُونَا قَبْل أَنْ نُؤَاخِذهُمْ بِمَا يَفْعَلُونَ



أَيْ بِئْسَ الْحُكْم مَا حَكَمُوا فِي صِفَات رَبّهمْ أَنَّهُ مَسْبُوق وَاَللَّه الْقَادِر عَلَى كُلّ شَيْء وَ &quot; مَا &quot; فِي مَوْضِع نَصْب بِمَعْنَى سَاءَ شَيْئًا أَوْ حُكْمًا يَحْكُمُونَ وَيَجُوز أَنْ تَكُون &quot; مَا &quot; فِي مَوْضِع رَفْع بِمَعْنَى سَاءَ الشَّيْء أَوْ الْحُكْم حُكْمهمْ وَهَذَا قَوْل الزَّجَّاج وَقَدَّرَهَا اِبْن كَيْسَان تَقْدِيرَيْنِ آخَرِينَ خِلَاف ذَيْنك : أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون مَوْضِع &quot; مَا يَحْكُمُونَ &quot; بِمَنْزِلَةِ شَيْء وَاحِد كَمَا تَقُول : أَعْجَبَنِي مَا صَنَعْت ; أَيْ صَنِيعك ; فَ &quot; مَا &quot; وَالْفِعْل مَصْدَر فِي مَوْضِع رَفْع التَّقْدِير ; سَاءَ حُكْمهمْ وَالتَّقْدِير الْآخَر أَنْ تَكُون &quot; مَا &quot; لَا مَوْضِع لَهَا مِنْ الْإِعْرَاب وَقَدْ قَامَتْ مَقَام الِاسْم لِسَاءَ وَكَذَلِكَ نِعْمَ وَبِئْسَ قَالَ أَبُو الْحَسَن بْن كَيْسَان : وَأَنَا أَخْتَار أَنْ أَجْعَل لِ &quot; مَا &quot; مَوْضِعًا فِي كُلّ مَا أَقْدِر عَلَيْهِ ; نَحْو قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : &quot; فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللَّه &quot; [ آل عِمْرَان : 159 ] وَكَذَا &quot; فَبِمَا نَقْضِهِمْ &quot; [ الْمَائِدَة : 13 ] وَكَذَا &quot; أَيّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْت &quot; [ الْقَصَص : 28 ] &quot; مَا &quot; فِي مَوْضِع خَفْض فِي هَذَا كُلّه وَمَا بَعْده تَابِع لَهَا وَكَذَا ; &quot; إِنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَعُوضَة &quot; [ الْبَقَرَة : 26 ] &quot; مَا &quot; فِي مَوْضِع نَصْب وَ &quot; بَعُوضَة &quot; تَابِع لَهَا';
$TAFSEER['4']['29']['5'] = '&quot; يَرْجُو &quot; بِمَعْنَى يَخَاف مِنْ قَوْل الْهُذَلِيّ فِي وَصْف عَسَّال : إِذَا لَسَعَتْهُ النَّحْل لَمْ يَرْجُ لَسْعهَا وَأَجْمَع أَهْل التَّفْسِير عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى : مَنْ كَانَ يَخَاف الْمَوْت فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا فَإِنَّهُ لَا بُدّ أَنْ يَأْتِيه ; ذَكَرَهُ النَّحَّاس قَالَ الزَّجَّاج : مَعْنَى &quot; يَرْجُو لِقَاء اللَّه &quot; ثَوَاب اللَّه وَ &quot; مَنْ &quot; فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَ &quot; كَانَ &quot; فِي مَوْضِع الْخَبَر وَهِيَ فِي مَوْضِع جَزْم بِالشَّرْطِ وَ &quot; يَرْجُو &quot; فِي مَوْضِع خَبَر كَانَ وَالْمُجَازَاة &quot; فَإِنَّ أَجَل اللَّه لَآتٍ &quot;


السَّمِيع لِأَقْوَالِكُمْ الْعَلِيم بِأَفْعَالِكُمْ';
$TAFSEER['4']['29']['6'] = 'أَيْ وَمَنْ جَاهَدَ فِي الدِّين وَصَبَرَ عَلَى قِتَال الْكُفَّار وَأَعْمَال الطَّاعَات فَإِنَّمَا يَسْعَى لِنَفْسِهِ ; أَيْ ثَوَاب ذَلِكَ كُلّه لَهُ ; وَلَا يَرْجِع إِلَى اللَّه نَفْع مِنْ ذَلِكَ


أَيْ عَنْ أَعْمَالهمْ وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; مَنْ جَاهَدَ عَدُوّهُ لِنَفْسِهِ لَا يُرِيد وَجْه اللَّه فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَة بِجِهَادِهِ';
$TAFSEER['4']['29']['7'] = 'أَيْ صَدَّقُوا


أَيْ لَنُغَطِّيَنَّهَا عَنْهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ لَهُمْ


أَيْ بِأَحْسَنِ أَعْمَالهمْ وَهُوَ الطَّاعَات ثُمَّ قِيلَ : يَحْتَمِل أَنْ تُكَفَّر عَنْهُمْ كُلّ مَعْصِيَة عَمِلُوهَا فِي الشِّرْك وَيُثَابُوا عَلَى مَا عَمِلُوا مِنْ حَسَنَة فِي الْإِسْلَام وَيَحْتَمِل أَنْ تُكَفَّر عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ فِي الْكُفْر وَالْإِسْلَام وَيُثَابُوا عَلَى حَسَنَاتهمْ فِي الْكُفْر وَالْإِسْلَام';
$TAFSEER['4']['29']['8'] = 'نَزَلَتْ فِي سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص فِيمَا رَوَى التِّرْمِذِيّ قَالَ : أُنْزِلَتْ فِيَّ أَرْبَع آيَات فَذَكَرَ قِصَّة ; فَقَالَتْ أُمّ سَعْد : أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ اللَّه بِالْبِرِّ وَاَللَّه لَا أَطْعَم طَعَامًا وَلَا أَشْرَب شَرَابًا حَتَّى أَمُوت أَوْ تَكْفُر ; قَالَ : فَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُطْعِمُوهَا شَجَرُوا فَاهَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : &quot; وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا &quot; الْآيَة قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح وَرُوِيَ عَنْ سَعْد أَنَّهُ قَالَ : كُنْت بَارًّا بِأُمِّي فَأَسْلَمْت فَقَالَتْ : لَتَدَعَنَّ دِينك أَوْ لَا آكُل وَلَا أَشْرَب حَتَّى أَمُوت فَتُعَيَّر بِي وَيُقَال يَا قَاتِل أُمّه وَبَقِيَتْ يَوْمًا وَيَوْمًا فَقُلْت : يَا أُمَّاهُ لَوْ كَانَتْ لَك مِائَة نَفْس فَخَرَجَتْ نَفْسًا نَفْسًا مَا تَرَكْت دِينِي هَذَا فَإِنْ شِئْت فَكُلِي وَإِنْ شِئْت فَلَا تَأْكُلِي فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَكَلَتْ وَنَزَلَتْ :



الْآيَة وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ فِي عَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة أَخِي أَبِي جَهْل لِأُمِّهِ وَقَدْ فَعَلَتْ أُمّه مِثْل ذَلِكَ وَعَنْهُ أَيْضًا : نَزَلَتْ فِي جَمِيع الْأُمَّة إِذًا لَا يَصْبِر عَلَى بَلَاء اللَّه إِلَّا صِدِّيق &quot; وَحُسْنًا &quot; نُصِبَ عِنْد الْبَصْرِيِّينَ عَلَى التَّكْرِير أَيْ وَوَصَّيْنَاهُ حُسْنًا وَقِيلَ : هُوَ عَلَى الْقَطْع تَقْدِيره وَوَصَّيْنَاهُ بِالْحُسْنِ كَمَا تَقُول وَصَّيْته خَيْرًا أَيْ بِالْخَيْرِ وَقَالَ أَهْل الْكُوفَة : تَقْدِيره وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان أَنْ يَفْعَل حُسْنًا فَيُقَدَّر لَهُ فِعْل وَقَالَ الشَّاعِر : عَجِبْت مِنْ دَهْمَاء إِذْ تَشْكُونَا وَمَنْ أَبِي دَهْمَاء إِذْ يُوصِينَا خَيْرًا بِهَا كَأَنَّمَا خَافُونَا أَيْ يُوصِينَا أَنْ نَفْعَل بِهَا خَيْرًا ; كَقَوْلِهِ : &quot; فَطَفِقَ مَسْحًا &quot; [ ص : 33 ] أَيْ يَمْسَح مَسْحًا وَقِيلَ : تَقْدِيره وَوَصَّيْنَاهُ أَمْرًا ذَا حُسْن فَأُقِيمَتْ الصِّفَة مَقَام الْمَوْصُوف وَحُذِفَ الْمُضَاف وَأُقِيمَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مَقَامه وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَلْزَمْنَاهُ حُسْنًا وَقِرَاءَة الْعَامَّة : &quot; حُسْنًا &quot; بِضَمِّ الْحَاء وَإِسْكَان السِّين وَقَرَأَ أَبُو رَجَاء وَأَبُو الْعَالِيَة وَالضَّحَّاك : بِفَتْحِ الْحَاء وَالسِّين وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ : &quot; إِحْسَانًا &quot; عَلَى الْمَصْدَر ; وَكَذَلِكَ فِي مُصْحَف أُبَيّ التَّقْدِير : وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان أَنْ يُحْسِن إِحْسَانًا وَلَا يَنْتَصِب بِوَصَّيْنَا ; لِأَنَّهُ قَدْ اِسْتَوْفَى مَفْعُولَيْهِ


وَعِيد فِي طَاعَة الْوَالِدَيْنِ فِي مَعْنَى الْكُفْر';
$TAFSEER['4']['29']['9'] = 'كَرَّرَ تَعَالَى التَّمْثِيل بِحَالَةِ الْمُؤْمِنِينَ الْعَامِلِينَ لِتُحَرَّكَ النُّفُوس إِلَى نَيْل مَرَاتِبهمْ وَقَوْله : &quot; لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ &quot; مُبَالَغَة عَلَى مَعْنَى ; فَاَلَّذِينَ هُمْ فِي نِهَايَة الصَّلَاح وَأَبْعَد غَايَاته وَإِذَا تَحَصَّلَ لِلْمُؤْمِنِ هَذَا الْحُكْم تَحْصُل ثَمَرَته وَجَزَاؤُهُ وَهُوَ الْجَنَّة';
$TAFSEER['4']['29']['10'] = 'الْآيَة نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَقُولُونَ آمَنَّا بِاَللَّهِ وَقَالَ مُجَاهِد : نَزَلَتْ فِي نَاس كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ فَإِذَا أَصَابَهُمْ بَلَاء مِنْ اللَّه أَوْ مُصِيبَة فِي أَنْفُسهمْ اُفْتُتِنُوا وَقَالَ الضَّحَّاك : نَزَلَتْ فِي نَاس مِنْ الْمُنَافِقِينَ بِمَكَّةَ كَانُوا يُؤْمِنُونَ فَإِذَا أُوذُوا رَجَعُوا إِلَى الشِّرْك وَقَالَ عِكْرِمَة : كَانَ قَوْم قَدْ أَسْلَمُوا فَأَكْرَهَهُمْ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْخُرُوج مَعَهُمْ إِلَى بَدْر فَقُتِلَ بَعْضهمْ فَأَنْزَلَ اللَّه : &quot; إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ &quot; [ النِّسَاء : 97 ] فَكَتَبَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمَدِينَة إِلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ فَخَرَجُوا فَلَحِقَهُمْ الْمُشْرِكُونَ فَافْتُتِنَ بَعْضهمْ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِيهِمْ وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي عَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة أَسْلَمَ وَهَاجَرَ ثُمَّ أُوذِيَ وَضُرِبَ فَارْتَدَّ وَإِنَّمَا عَذَّبَهُ أَبُو جَهْل وَالْحَارِث وَكَانَا أَخَوَيْهِ لِأُمِّهِ قَالَ اِبْن عَبَّاس : ثُمَّ عَاشَ بَعْد ذَلِكَ بِدَهْرٍ وَحَسُنَ إِسْلَامه



أَيْ أَذَاهُمْ

فِي الْآخِرَة فَارْتَدَّ عَنْ إِيمَانه وَقِيلَ : جَزِعَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَجْزَع مِنْ عَذَاب اللَّه وَلَا يَصْبِر عَلَى الْأَذِيَّة فِي اللَّه


أَيْ لِلْمُؤْمِنِينَ


هَؤُلَاءِ الْمُرْتَدُّونَ


وَهُمْ كَاذِبُونَ فَقَالَ اللَّه لَهُمْ : &quot; أَوَلَيْسَ اللَّه بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُور الْعَالَمِينَ &quot;


يَعْنِي اللَّه أَعْلَم بِمَا فِي صُدُورهمْ مِنْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ';
$TAFSEER['4']['29']['11'] = 'قَالَ قَتَادَة : نَزَلَتْ فِي الْقَوْم الَّذِينَ رَدَّهُمْ الْمُشْرِكُونَ إِلَى مَكَّة';
$TAFSEER['4']['29']['12'] = '&quot; سَبِيلنَا &quot; أَيْ دِيننَا &quot; وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ &quot; جُزِمَ عَلَى الْأَمْر قَالَ الْفَرَّاء وَالزَّجَّاج : هُوَ أَمْر فِي تَأْوِيل الشَّرْط وَالْجَزَاء ; أَيْ إِنْ تَتَّبِعُوا سَبِيلنَا نَحْمِل خَطَايَاكُمْ كَمَا قَالَ : فَقُلْت اُدْعِي وَأَدْعُ فَإِنَّ أَنْدَى لِصَوْتٍ أَنْ يُنَادِيَ دَاعِيَانِ أَيْ إِنْ دَعَوْت دَعَوْت قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَجَاءَ وُقُوع &quot; إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ &quot; بَعْده عَلَى الْحَمْل عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْمَعْنَى إِنْ اِتَّبَعْتُمْ سَبِيلنَا حَمَلْنَا خَطَايَاكُمْ فَلَمَّا كَانَ الْأَمْر يَرْجِع فِي الْمَعْنَى إِلَى الْخَبَر وَقَعَ عَلَيْهِ التَّكْذِيب كَمَا يُوقَع عَلَيْهِ الْخَبَر قَالَ مُجَاهِد : قَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْش نَحْنُ وَأَنْتُمْ لَا نُبْعَث فَإِنْ كَانَ عَلَيْكُمْ وِزْر فَعَلَيْنَا ; أَيْ نَحْنُ نَحْمِل عَنْكُمْ مَا يَلْزَمكُمْ وَالْحَمْل هَاهُنَا بِمَعْنَى الْحِمَال لَا الْحَمْل عَلَى الظَّهْر وَرُوِيَ أَنَّ قَائِل ذَلِكَ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة';
$TAFSEER['4']['29']['13'] = 'يَعْنِي مَا يُحْمَل عَلَيْهِمْ مِنْ سَيِّئَات مَنْ ظَلَمُوهُ بَعْد فَرَاغ حَسَنَاتهمْ رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي [ آل عِمْرَان ] قَالَ أَبُو أُمَامَة الْبَاهِلِيّ : ( يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ كَثِير الْحَسَنَات فَلَا يَزَال يُقْتَصّ مِنْهُ حَتَّى تَفْنَى حَسَنَاته ثُمَّ يُطَالَب فَيَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ اِقْتَصُّوا مِنْ عَبْدِي فَتَقُول الْمَلَائِكَة مَا بَقِيَتْ لَهُ حَسَنَات فَيَقُول خُذُوا مِنْ سَيِّئَات الْمَظْلُوم فَاجْعَلُوا عَلَيْهِ ) ثُمَّ تَلَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ &quot; وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالهمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالهمْ &quot; وَقَالَ قَتَادَة : مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَة كَانَ عَلَيْهِ وِزْرهَا وَوِزْر مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يُنْقَص مِنْ أَوْزَارهمْ شَيْء وَنَظِيره قَوْل تَعَالَى : &quot; لِيَحْمِلُوا أَوْزَارهمْ كَامِلَة يَوْم الْقِيَامَة وَمِنْ أَوْزَار الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْم &quot; [ النَّحْل : 25 ] وَنَظِير هَذَا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَام سُنَّة سَيِّئَة فَعَلَيْهِ وِزْرهَا وَوِزْر مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْده مِنْ غَيْر أَنْ يَنْقُص مِنْ أَوْزَارهمْ شَيْء ) رُوِيَ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَغَيْره وَقَالَ الْحَسَن قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى فَاتُّبِعَ عَلَيْهِ وَعُمِلَ بِهِ فَلَهُ مِثْل أُجُور مَنْ اِتَّبَعَهُ وَلَا يُنْقِص ذَلِكَ مِنْ أُجُورهمْ شَيْئًا وَأَيّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى ضَلَالَة فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا وَعُمِلَ بِهَا بَعْده فَعَلَيْهِ مِثْل أَوْزَار مَنْ عَمِلَ بِهَا مِمَّنْ اِتَّبَعَهُ لَا يُنْقِص ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارهمْ شَيْئًا ) ثُمَّ قَرَأَ الْحَسَن : &quot; وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالهمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالهمْ &quot; 

قُلْت : هَذَا مُرْسَل وَهُوَ مَعْنَى حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة خَرَّجَهُ مُسْلِم وَنَصّ حَدِيث أَنَس بْن مَالِك عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( أَيّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى ضَلَالَة فَاتُّبِعَ فَإِنَّ لَهُ مِثْل أَوْزَار مَنْ اِتَّبَعَهُ وَلَا يُنْقِص مِنْ أَوِزْرهمْ شَيْئًا وَأَيّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى هُدًى فَاتُّبِعَ فَإِنَّ لَهُ مِثْل أُجُور مَنْ اِتَّبَعَهُ وَلَا يُنْقِص مِنْ أُجُورهمْ شَيْئًا ) خَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي السُّنَن وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي جُحَيْفَة وَجَرِير وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْمُرَاد أَعْوَان الظَّلَمَة وَقِيلَ أَصْحَاب الْبِدَع إِذَا اُتُّبِعُوا عَلَيْهَا وَقِيلَ : مُحْدِثُو السُّنَن الْحَادِثَة إِذَا عُمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدهمْ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب وَالْحَدِيث يَجْمَع ذَلِكَ كُلّه';
$TAFSEER['4']['29']['14'] = 'ذَكَرَ قِصَّة نُوح تَسْلِيَة لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أَيْ اُبْتُلِيَ النَّبِيُّونَ قَبْلك بِالْكُفَّارِ فَصَبَرُوا وَخَصَّ نُوحًا بِالذِّكْرِ ; لِأَنَّهُ أَوَّل رَسُول أُرْسِلَ إِلَى الْأَرْض وَقَدْ اِمْتَلَأَتْ كُفْرًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي [ هُود ] وَأَنَّهُ لَمْ يَلْقَ نَبِيّ مِنْ قَوْمه مَا لَقِيَ نُوح عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي [ هُود ] عَنْ الْحَسَن وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَة عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَوَّل نَبِيّ أُرْسِلَ نُوح ) قَالَ قَتَادَة : وَبُعِثَ مِنْ الْجَزِيرَة وَاخْتُلِفَ فِي مَبْلَغ عُمْره فَقِيلَ : مَبْلَغ عُمْره مَا ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه قَالَ قَتَادَة : لَبِثَ فِيهِمْ قَبْل أَنْ يَدْعُوهُمْ ثَلَاثمِائَةِ سَنَة وَدَعَاهُمْ لِثَلَاثِمِائَةِ سَنَة وَلَبِثَ بَعْد الطُّوفَان ثَلَاثمِائَةِ وَخَمْسِينَ سَنَة وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : بُعِثَ نُوح لِأَرْبَعِينَ سَنَة وَلَبِثَ فِي قَوْمه أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا وَعَاشَ بَعْد الْغَرَق سِتِّينَ سَنَة حَتَّى كَثُرَ النَّاس وَفَشُوا وَعَنْهُ أَيْضًا : أَنَّهُ بُعِثَ وَهُوَ اِبْن مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَة وَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ وَعَاشَ بَعْد الطُّوفَان مِائَتِي سَنَة وَقَالَ وَهْب : عُمْر نُوح أَلْفًا وَأَرْبَعمِائَةِ سَنَة وَقَالَ كَعْب الْأَحْبَار : لَبِثَ نُوح فِي قَوْمه أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا وَعَاشَ بَعْد الطُّوفَان سَبْعِينَ عَامًا فَكَانَ مَبْلَغ عُمْره أَلْف سَنَة وَعِشْرِينَ عَامًا وَقَالَ عَوْن بْن أَبِي شَدَّاد : بُعِثَ نُوح وَهُوَ اِبْن خَمْسِينَ وَثَلَاثمِائَةِ سَنَة وَلَبِثَ فِي قَوْمه أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا وَعَاشَ بَعْد الطُّوفَان ثَلَاثمِائَةِ سَنَة وَخَمْسِينَ سَنَة فَكَانَ مَبْلَغ عُمْره أَلْف سَنَة وَسِتّمِائَةِ سَنَة وَخَمْسِينَ سَنَة وَنَحْوه عَنْ الْحَسَن قَالَ الْحَسَن : لَمَّا أَتَى مَلَك الْمَوْت نُوحًا لِيَقْبِض رُوحه قَالَ : يَا نُوح كَمْ عِشْت فِي الدُّنْيَا ؟ قَالَ : ثَلَاثمِائَةِ قَبْل أَنْ أُبْعَث وَأَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فِي قَوْمِي وَثَلَاثمِائَةِ سَنَة وَخَمْسِينَ سَنَة بَعْد الطُّوفَان قَالَ مَلَك الْمَوْت : فَكَيْفَ وَجَدْت الدُّنْيَا ؟ قَالَ نُوح : مِثْل دَار لَهَا بَابَانِ دَخَلْت مِنْ هَذَا وَخَرَجْت مِنْ هَذَا وَرُوِيَ مِنْ حَدِيث أَنَس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَمَّا بَعَثَ اللَّه نُوحًا إِلَى قَوْمه بَعَثَهُ وَهُوَ اِبْن خَمْسِينَ وَمِائَتِي سَنَة فَلَبِثَ فِي قَوْمه أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا وَبَقِيَ بَعْد الطُّوفَان خَمْسِينَ وَمِائَتَيْ سَنَة فَلَمَّا أَتَاهُ مَلَك الْمَوْت قَالَ يَا نُوح يَا أَكْبَر الْأَنْبِيَاء وَيَا طَوِيل الْعُمْر وَيَا مُجَاب الدَّعْوَة كَيْفَ رَأَيْت الدُّنْيَا قَالَ : مِثْل رَجُل بُنِيَ لَهُ بَيْت لَهُ بَابَانِ فَدَخَلَ مِنْ وَاحِد وَخَرَجَ مِنْ الْآخَر ) وَقَدْ قِيلَ : دَخَلَ مِنْ أَحَدهمَا وَجَلَسَ هُنَيْهَة ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَاب الْآخَر وَقَالَ اِبْن الْوَرْدِيّ : بَنَى نُوح بَيْتًا مِنْ قَصَب فَقِيلَ لَهُ : لَوْ بَنَيْت غَيْر هَذَا فَقَالَ : هَذَا كَثِير لِمَنْ يَمُوت وَقَالَ أَبُو الْمُهَاجِر : لَبِثَ نُوح فِي قَوْمه أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فِي بَيْت مِنْ شَعْر فَقِيلَ لَهُ : يَا نَبِيّ اللَّه اِبْنِ بَيْتًا فَقَالَ : أَمُوت الْيَوْم أَوْ أَمُوت غَدًا وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : مَرَّتْ بِنُوحٍ خَمْسمِائَةِ سَنَة لَمْ يَقْرَب النِّسَاء وَجِلًا مِنْ الْمَوْت وَقَالَ مُقَاتِل وَجُوَيْبِر : إِنَّ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام حِين كَبِرَ وَرَقَّ عَظْمه قَالَ يَا رَبّ إِلَى مَتَى أَكِدّ وَأَسْعَى ؟ قَالَ يَا آدَم حَتَّى يُولَد لَك وَلَد مَخْتُون فَوُلِدَ لَهُ نُوح بَعْد عَشَرَة أَبْطُن وَهُوَ يَوْمئِذٍ اِبْن أَلْف سَنَة إِلَّا سِتِّينَ عَامًا وَقَالَ بَعْضهمْ : إِلَّا أَرْبَعِينَ عَامًا وَاَللَّه أَعْلَم فَكَانَ نُوح بْن لَامَك بْن متوشلخ بْن إِدْرِيس وَهُوَ أَخْنُوخ بْن يرد بْن مهلاييل بْن قَيْنَان بْن أَنُوش بْن شيث بْن آدَم وَكَانَ اِسْم نُوح السَّكَن وَإِنَّمَا سُمِّيَ السَّكَن لِأَنَّ النَّاس بَعْد آدَم سَكَنُوا إِلَيْهِ فَهُوَ أَبُوهُمْ وَوُلِدَ لَهُ سَام وَحَام ويافث فَوَلَدَ سَام الْعَرَب وَفَارِس وَالرُّوم وَفِي كُلّ هَؤُلَاءِ خَيْر وَوَلَدَ حَام الْقِبْط وَالسُّودَان وَالْبَرْبَر وَوَلَدَ يافث التُّرْك وَالصَّقَالِبَة وَيَأْجُوج وَمَأْجُوج وَلَيْسَ فِي شَيْء مِنْ هَؤُلَاءِ خَيْر وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : فِي وَلَد سَام بَيَاض وَأُدْمَة وَفِي وَلَد حَام سَوَاد وَبَيَاض قَلِيل وَفِي وَلَد يافث - وَهُمْ التُّرْك وَالصَّقَالِبَة - الصُّفْرَة وَالْحُمْرَة وَكَانَ لَهُ وَلَد رَابِع وَهُوَ كَنْعَان الَّذِي غَرِقَ وَالْعَرَب تُسَمِّيه يام وَسُمِّيَ نُوح نُوحًا لِأَنَّهُ نَاحَ عَنْ قَوْمه أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّه تَعَالَى فَإِذَا كَفَرُوا بَكَى وَنَاحَ عَلَيْهِمْ وَذَكَرَ الْقُشَيْرِيّ أَبُو الْقَاسِم عَبْد الْكَرِيم فِي كِتَاب التَّخْبِير لَهُ : يُرْوَى أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ اِسْمه يَشْكُر وَلَكِنْ لِكَثْرَةِ بُكَائِهِ عَلَى خَطِيئَته أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ يَا نُوح كَمْ تَنُوح فَسُمِّيَ نُوحًا ; فَقِيلَ : يَا رَسُول اللَّه فَأَيّ شَيْء كَانَتْ خَطِيئَته ؟ فَقَالَ : إِنَّهُ مَرَّ بِكَلْبٍ فَقَالَ فِي نَفْسه مَا أَقْبَحه فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ اُخْلُقْ أَنْتَ أَحْسَن مِنْ هَذَا . وَقَالَ يَزِيد الرَّقَاشِيّ : إِنَّمَا سُمِّيَ نُوحًا لِطُولِ مَا نَاحَ عَلَى نَفْسه فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ قَالَ : &quot; أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا &quot; وَلَمْ يَقُلْ تِسْعمِائَةٍ وَخَمْسِينَ عَامًا فَفِيهِ جَوَابَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّ الْمَقْصُود بِهِ تَكْثِير الْعَدَد فَكَانَ ذِكْره الْأَلْف أَكْثَر فِي اللَّفْظ وَأَكْثَر فِي الْعَدَد . الثَّانِي : مَا رُوِيَ أَنَّهُ أُعْطِيَ مِنْ الْعُمْر أَلْف سَنَة فَوَهَبَ مِنْ عُمْره خَمْسِينَ سَنَة لِبَعْضِ وَلَده فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاة رَجَعَ فِي اِسْتِكْمَال الْأَلْف فَذَكَرَ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ النَّقِيصَة كَانَتْ مِنْ جِهَته . 

&quot; أَلْف سَنَة &quot; مَنْصُوب عَلَى الظَّرْف &quot; إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا &quot; مَنْصُوب عَلَى الِاسْتِثْنَاء مِنْ الْمُوجِب وَهُوَ عِنْد سِيبَوَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَفْعُول ; لِأَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ كَالْمَفْعُولِ فَأَمَّا الْمُبَرِّد أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن يَزِيد فَهُوَ عِنْده مَفْعُول مَحْض كَأَنَّك قُلْت اِسْتَثْنَيْت زَيْدًا 

تَنْبِيه : رَوَى حَسَّان بْن غَالِب بْن نَجِيح أَبُو الْقَاسِم الْمِصْرِيّ حَدَّثَنَا مَالِك بْن أَنَس عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ اِبْن الْمُسَيِّب عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَانَ جِبْرِيل يُذَاكِرنِي فَضْل عُمَر فَقُلْت يَا جِبْرِيل مَا بَلَغَ فَضْل عُمَر قَالَ لِي يَا مُحَمَّد لَوْ لَبِثْت مَعَك مَا لَبِثَ نُوح فِي قَوْمه مَا بَلَّغْت لَك فَضْل عُمَر ) ذَكَرَهُ الْخَطِيب أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن ثَابِت الْبَغْدَادِيّ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ حَسَّان بْن غَالِب عَنْ مَالِك وَلَيْسَ بِثَابِتٍ مِنْ حَدِيثه


قَالَ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَقَتَادَة : الْمَطَر الضَّحَّاك : الْغَرَق وَقِيلَ : الْمَوْت رَوَتْهُ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : أَفْنَاهُمْ طُوفَان مَوْت جَارِف قَالَ النَّحَّاس : يُقَال لِكُلِّ كَثِير مُطِيف بِالْجَمِيعِ مِنْ مَطَر أَوْ قَتْل أَوْ مَوْت طُوفَان &quot; وَهُمْ ظَالِمُونَ &quot; جُمْلَة فِي مَوْضِع الْحَال';
$TAFSEER['4']['29']['15'] = 'مَعْطُوف عَلَى الْهَاء وَالْهَاء وَالْأَلِف فِي &quot; جَعَلْنَاهَا &quot; لِلسَّفِينَةِ أَوْ لِلْعُقُوبَةِ أَوْ لِلنَّجَاةِ ; ثَلَاثَة أَقْوَال';
$TAFSEER['4']['29']['16'] = 'قَالَ الْكِسَائِيّ : &quot; وَإِبْرَاهِيم &quot; مَنْصُوب بِ ( أَنْجَيْنَا ) يَعْنِي أَنَّهُ مَعْطُوف عَلَى الْهَاء وَأَجَازَ الْكِسَائِيّ أَنْ يَكُون مَعْطُوفًا عَلَى نُوح وَالْمَعْنَى وَأَرْسَلْنَا إِبْرَاهِيم وَقَوْل ثَالِث : أَنْ يَكُون مَنْصُوبًا بِمَعْنَى وَاذْكُرْ إِبْرَاهِيم


أَيْ أَفْرِدُوهُ بِالْعِبَادَةِ


أَيْ اِتَّقُوا عِقَابَة وَعَذَابه


أَيْ مِنْ عِبَادَة الْأَوْثَان';
$TAFSEER['4']['29']['17'] = 'أَيْ أَصْنَامًا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الصَّنَم مَا يُتَّخَذ مِنْ ذَهَب أَوْ فِضَّة أَوْ نُحَاس وَالْوَثَن مَا يُتَّخَذ مِنْ جِصّ أَوْ حِجَارَة الْجَوْهَرِيّ : الْوَثَن الصَّنَم وَالْجَمْع وُثْن وَأَوْثَان مِثْل أُسْد وَآسَاد


قَالَ الْحَسَن : مَعْنَى &quot; تَخْلُقُونَ &quot; تَنْحِتُونَ فَالْمَعْنَى إِنَّمَا تَعْبُدُونَ أَوْثَانًا وَأَنْتُمْ تَصْنَعُونَهَا وَقَالَ مُجَاهِد : الْإِفْك الْكَذِب وَالْمَعْنَى تَعْبُدُونَ الْأَوْثَان وَتَخْلُقُونَ الْكَذِب وَقَرَأَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن : &quot; وَتَخْلُقُونَ &quot; وَقُرِئَ : &quot; تُخَلِّقُونَ &quot; بِمَعْنَى التَّكْثِير مِنْ خَلَّقَ وَ &quot; تَخْلُقُونَ &quot; مِنْ تَخَلَّقَ بِمَعْنَى تَكَذَّبَ وَتَخَرَّصَ وَقُرِئَ : &quot; أَفِكًا &quot; وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَنْ يَكُون مَصْدَرًا نَحْو كَذِب وَلَعِب وَالْإِفْك مُخَفَّفًا مِنْهُ كَالْكَذِبِ وَاللَّعِب وَأَنْ يَكُون صِفَة عَلَى فِعْل أَيْ خَلْقًا أَفِكًا أَيْ ذَا إِفْك وَبَاطِل وَ &quot; أَوْثَانًا &quot; نُصِبَ بِ &quot; تَعْبُدُونَ &quot; وَ &quot; مَا &quot; كَافَّة وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن رَفْع أَوْثَان عَلَى أَنْ تُجْعَل &quot; مَا &quot; أَسْمَاء لِأَنَّ &quot; تَعْبُدُونَ &quot; صِلَته وَحُذِفَتْ الْهَاء لِطُولِ الِاسْم وَجَعْل أَوْثَان خَبَر إِنَّ فَأَمَّا &quot; وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا &quot; فَهُوَ مَنْصُوب بِالْفِعْلِ لَا غَيْر


أَيْ اِصْرِفُوا رَغْبَتكُمْ فِي أَرْزَاقكُمْ إِلَى اللَّه فَإِيَّاهُ فَاسْأَلُوهُ وَحْده دُون غَيْره';
$TAFSEER['4']['29']['18'] = 'فَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل إِبْرَاهِيم أَيْ التَّكْذِيب عَادَة الْكُفَّار وَلَيْسَ عَلَى الرُّسُل إِلَّا التَّبْلِيغ وَقَدْ قِيلَ : &quot; وَإِنْ تُكَذِّبُوا &quot; خِطَاب لِقُرَيْشٍ لَيْسَ مِنْ قَوْل إِبْرَاهِيم';
$TAFSEER['4']['29']['19'] = 'قِرَاءَة الْعَامَّة بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر وَالتَّوْبِيخ لَهُمْ وَهِيَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم قَالَ أَبُو عُبَيْد : لِذِكْرِ الْأُمَم كَأَنَّهُ قَالَ أَوَلَمْ يَرَ الْأُمَم كَيْفَ وَقَرَأَ أَبُو بَكْر وَالْأَعْمَش وَابْن وَثَّاب وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ : &quot; تَرَوْا &quot; بِالتَّاءِ خِطَابًا ; لِقَوْلِهِ : &quot; وَإِنْ تُكَذِّبُوا &quot; .


يَعْنِي الْخَلْق وَالْبَعْث وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئ اللَّه الثِّمَار فَتَحْيَا ثُمَّ تَفْنَى ثُمَّ يُعِيدهَا أَبَدًا وَكَذَلِكَ يَبْدَأ خَلْق الْإِنْسَان ثُمَّ يُهْلِكهُ بَعْد أَنْ خَلَقَ مِنْهُ وَلَدًا وَخَلَقَ مِنْ الْوَلَد وَلَدًا وَكَذَلِكَ سَائِر الْحَيَوَان أَيْ فَإِذَا رَأَيْتُمْ قُدْرَته عَلَى الْإِبْدَاء وَالْإِيجَاد فَهُوَ الْقَادِر عَلَى الْإِعَادَة


لِأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَمْرًا قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون';
$TAFSEER['4']['29']['20'] = 'أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد سِيرُوا فِي الْأَرْض


عَلَى كَثْرَتهمْ وَتَفَاوُت هَيْئَاتهمْ وَاخْتِلَاف أَلْسِنَتهمْ وَأَلْوَانهمْ وَطَبَائِعهمْ وَانْظُرُوا إِلَى مَسَاكِن الْقُرُون الْمَاضِيَة وَدِيَارهمْ وَأَثَارَهُمْ كَيْفَ أَهْلَكَهُمْ ; لِتَعْلَمُوا بِذَلِكَ كَمَال قُدْرَة اللَّه


وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن كَثِير : &quot; النَّشَاءَة &quot; بِفَتْحِ الشِّين وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْل الرَّأْفَة وَالرَّآفَة وَشَبَهه الْجَوْهَرِيّ : أَنْشَأَهُ اللَّه خَلَقَهُ وَالِاسْم النَّشْأَة وَالنَّشَاءَة بِالْمَدِّ عَنْ أَبِي عَمْرو بْن الْعَلَاء


عُمُوم , وَمَعْنَاهُ عِنْد الْمُتَكَلِّمِينَ فِيمَا يَجُوز وَصْفه تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ . وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى تَسْمِيَة اللَّه تَعَالَى بِالْقَدِيرِ , فَهُوَ سُبْحَانه قَدِير قَادِر مُقْتَدِر . وَالْقَدِير أَبْلَغ فِي الْوَصْف مِنْ الْقَادِر ; قَالَهُ الزَّجَّاجِيّ . وَقَالَ الْهَرَوِيّ : وَالْقَدِير وَالْقَادِر بِمَعْنًى وَاحِد ; يُقَال : قَدَرْت عَلَى الشَّيْء أَقْدِر قَدْرًا وَقَدَرًا وَمَقْدِرَة وَمَقْدَرَة وَقَدَرَانًا ; أَيْ قُدْرَة . وَالِاقْتِدَار عَلَى الشَّيْء : الْقُدْرَة عَلَيْهِ . فَاَللَّه جَلَّ وَعَزَّ قَادِر مُقْتَدِر قَدِير عَلَى كُلّ مُمْكِن يَقْبَل الْوُجُود وَالْعَدَم . فَيَجِب عَلَى كُلّ مُكَلَّف أَنْ يَعْلَم أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَادِر , لَهُ قُدْرَة بِهَا فَعَلَ وَيَفْعَل مَا يَشَاء عَلَى وَفْق عِلْمه وَاخْتِيَاره . وَيَجِب عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يَعْلَم أَنَّ لِلْعَبْدِ قُدْرَة يَكْتَسِب بِهَا مَا أَقَدَرَهُ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ عَلَى مَجْرَى الْعَادَة , وَأَنَّهُ غَيْر مُسْتَبِدّ بِقُدْرَتِهِ . وَاَللَّه أَعْلَم .';
$TAFSEER['4']['29']['21'] = 'أَيْ بِعَدْلِهِ


أَيْ بِفَضْلِهِ


تُرْجَعُونَ وَتُرَدُّونَ';
$TAFSEER['4']['29']['22'] = 'قَالَ الْفَرَّاء : مَعْنَاهُ وَلَا مَنْ فِي السَّمَاء بِمُعْجِزِينَ اللَّه وَهُوَ غَامِض فِي الْعَرَبِيَّة ; لِلضَّمِيرِ الَّذِي لَمْ يَظْهَر فِي الثَّانِي وَهُوَ كَقَوْلِ حَسَّان : فَمَنْ يَهْجُو رَسُول اللَّه مِنْكُمْ وَيَمْدَحهُ وَيَنْصُرهُ سَوَاء أَرَادَ وَمَنْ يَمْدَحهُ وَيَنْصُرهُ سَوَاء ; فَأَضْمَرَ مَنْ ; وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد وَنَظِيره قَوْله سُبْحَانه : &quot; وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَام مَعْلُوم &quot; [ الصَّافَّات : 164 ] أَيْ مَنْ لَهُ وَالْمَعْنَى إِنَّ اللَّه لَا يُعْجِزهُ أَهْل الْأَرْض فِي الْأَرْض وَلَا أَهْل السَّمَاء إِنْ عَصَوْهُ وَقَالَ قُطْرُب : وَلَا فِي السَّمَاء لَوْ كُنْتُمْ فِيهَا كَمَا تَقُول : لَا يَفُوتنِي فُلَان بِالْبَصْرَةِ وَلَا هَاهُنَا بِمَعْنَى لَا يَفُوتنِي بِالْبَصْرَةِ لَوْ صَارَ إِلَيْهَا وَقِيلَ : لَا يَسْتَطِيعُونَ هَرَبًا فِي الْأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء وَقَالَ الْمُبَرِّد : وَالْمَعْنَى وَلَا مَنْ فِي السَّمَاء عَلَى أَنَّ مَنْ لَيْسَتْ مَوْصُولَة وَلَكِنْ تَكُون نَكِرَة وَ &quot; فِي السَّمَاء &quot; صِفَة لَهَا فَأُقِيمَتْ الصِّفَة مَقَام الْمَوْصُوف وَرَدَّ ذَلِكَ عَلِيّ بْن سُلَيْمَان وَقَالَ : لَا يَجُوز وَقَالَ : إِنَّ مَنْ إِذَا كَانَتْ نَكِرَة فَلَا بُدّ مِنْ وَصْفهَا فَصِفَتهَا كَالصِّلَةِ وَلَا يَجُوز حَذْف الْمَوْصُول وَتَرْك الصِّلَة ; قَالَ : وَالْمَعْنَى إِنَّ النَّاس خُوطِبُوا بِمَا يَعْقِلُونَ ; وَالْمَعْنَى لَوْ كُنْتُمْ فِي السَّمَاء مَا أَعْجَزْتُمْ اللَّه ; كَمَا قَالَ : &quot; وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوج مُشَيَّدَة &quot; [ النِّسَاء : 78 ]


وَيَجُوز &quot; نَصِير &quot; بِالرَّفْعِ عَلَى الْمَوْضِع وَتَكُون &quot; مِنْ &quot; زَائِدَة';
$TAFSEER['4']['29']['23'] = 'أَيْ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِمَا نَصَبَ مِنْ الْأَدِلَّة وَالْأَعْلَام


أَيْ مِنْ الْجَنَّة وَنَسَبَ الْيَأْس إِلَيْهِمْ وَالْمَعْنَى أُويِسُوا وَهَذِهِ الْآيَات اِعْتِرَاض مِنْ اللَّه تَعَالَى تَذْكِيرًا وَتَحْذِيرًا لِأَهْلِ مَكَّة


&quot; أَلِيم &quot; فِي كَلَام الْعَرَب مَعْنَاهُ مُؤْلِم أَيْ مُوجِع , مِثْل السَّمِيع بِمَعْنَى الْمُسْمِع ; قَالَ ذُو الرُّمَّة يَصِف إِبِلًا : وَنَرْفَع مِنْ صُدُور شَمَرْدَلَات يَصُكّ وُجُوههَا وَهَج أَلِيم وَأَلِمَ إِذَا أُوجِعَ . وَالْإِيلَام : الْإِيجَاع . وَالْأَلَم : الْوَجَع , وَقَدْ أَلِمَ يَأْلَم أَلَمًا . وَالتَّأَلُّم : التَّوَجُّع . وَيُجْمَع أَلِيم عَلَى أُلَمَاء مِثْل كَرِيم وَكُرَمَاء , وَأَلْآم مِثْل أَشْرَاف .';
$TAFSEER['4']['29']['24'] = 'ثُمَّ عَادَ الْخِطَاب إِلَى قِصَّة إِبْرَاهِيم فَقَالَ : &quot; فَمَا كَانَ جَوَاب قَوْمه &quot; حِين دَعَاهُمْ إِلَى اللَّه تَعَالَى وَقِرَاءَة الْعَامَّة : &quot; جَوَاب &quot; بِنَصْبِ الْبَاء عَلَى أَنَّهُ خَبَر كَانَ وَ &quot; أَنْ قَالُوا &quot; فِي مَحَلّ الرَّفْع اِسْم كَانَ وَقَرَأَ سَالِم الْأَفْطَس وَعَمْرو بْن دِينَار : &quot; جَوَاب &quot; بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ اِسْم &quot; كَانَ &quot; وَ &quot; أَنْ &quot; فِي مَوْضِع الْخَبَر نَصْبًا .


ثُمَّ اِتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيقه


أَيْ مِنْ إِذَايَتِهَا


أَيْ إِنْجَائِهِ مِنْ النَّار الْعَظِيمَة حَتَّى لَمْ تُحْرِقهُ بَعْد مَا أُلْقِيَ فِيهَا &quot; لِآيَاتٍ &quot;';
$TAFSEER['4']['29']['25'] = '&quot; وَقَالَ &quot; إِبْرَاهِيم &quot; إِنَّمَا اِتَّخَذْتُمْ مِنْ دُون اللَّه أَوْثَانًا مَوَدَّة بَيْنكُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا &quot; وَقَرَأَ حَفْص وَحَمْزَة : &quot; مَوَدَّةَ بَيْنكُمْ &quot; وَابْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو وَالْكِسَائِيّ : &quot; مَوَدَّةٌ بَيْنِكُمْ &quot; وَالْأَعْشَى عَنْ أَبِي بَكْر عَنْ عَاصِم وَابْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش : &quot; مَوَدَّةٌ بَيْنَكُمْ &quot; الْبَاقُونَ &quot; مَوَدَّةُ بَيْنَكُمْ &quot; فَأَمَّا قِرَاءَة اِبْن كَثِير فَفِيهَا ثَلَاثَة أَوْجُه ; ذَكَرَ الزَّجَّاج مِنْهَا وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّ الْمَوَدَّة اِرْتَفَعَتْ عَلَى خَبَر إِنَّ وَتَكُون &quot; مَا &quot; بِمَعْنَى الَّذِي وَالتَّقْدِير إِنَّ الَّذِي اِتَّخَذْتُمُوهُ مِنْ دُون اللَّه أَوْثَانًا مَوَدَّة بَيْنكُمْ وَالْوَجْه الْآخَر أَنْ يَكُون عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَأ أَيْ وَهِيَ مَوَدَّة أَوْ تِلْكَ مَوَدَّة بَيْنكُمْ وَالْمَعْنَى آلِهَتكُمْ أَوْ جَمَاعَتكُمْ مَوَدَّة بَيْنكُمْ قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : &quot; أَوْثَانًا &quot; وَقْف حَسَن لِمَنْ رَفَعَ الْمَوَدَّة بِإِضْمَارِ ذَلِكَ مَوَدَّة بَيْنكُمْ وَمَنْ رَفَعَ الْمَوَدَّة عَلَى أَنَّهَا خَبَر إِنَّ لَمْ يَقِف وَالْوَجْه الثَّالِث الَّذِي لَمْ يَذْكُرهُ أَنْ يَكُون &quot; مَوَدَّة &quot; رَفْعًا بِالِابْتِدَاءِ وَ &quot; فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا &quot; خَبَره ; فَأَمَّا إِضَافَة &quot; مَوَدَّة &quot; إِلَى &quot; بَيْنكُمْ &quot; فَإِنَّهُ جَعَلَ &quot; بَيْنكُمْ &quot; اِسْمًا غَيْر ظَرْف وَالنَّحْوِيُّونَ يَقُولُونَ جَعَلَهُ مَفْعُولًا عَلَى السَّعَة وَحَكَى سِيبَوَيْهِ : يَا سَارِق اللَّيْلَة أَهْل الدَّار وَلَا يَجُوز أَنْ يُضَاف إِلَيْهِ وَهُوَ ظَرْف ; لَعِلَّةٍ لَيْسَ هَذَا مَوْضِع ذِكْرهَا وَمَنْ رَفَعَ &quot; مَوَدَّة &quot; وَنُونهَا فَعَلَى مَعْنَى مَا ذُكِرَ وَ &quot; بَيْنكُمْ &quot; بِالنَّصْبِ ظَرْفًا وَمَنْ نَصَبَ &quot; مَوَدَّة &quot; وَلَمْ يُنَوِّنهَا جَعَلَهَا مَفْعُولَة بِوُقُوعِ الِاتِّخَاذ عَلَيْهَا وَجَعَلَ &quot; إِنَّمَا &quot; حَرْفًا وَاحِدًا وَلَمْ يَجْعَلهَا بِمَعْنَى الَّذِي وَيَجُوز نَصْب الْمَوَدَّة عَلَى أَنَّهُ مَفْعُول مِنْ أَجْله كَمَا تَقُول : جِئْتُك اِبْتِغَاء الْخَيْر وَقَصَدْت فُلَانًا مَوَدَّة لَهُ &quot; بَيْنكُمْ &quot; بِالْخَفْضِ وَمَنْ نَوَّنَ &quot; مَوَدَّة &quot; وَنَصَبَهَا فَعَلَى مَا ذُكِرَ &quot; بَيْنكُمْ &quot; بِالنَّصْبِ مِنْ غَيْر إِضَافَة قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَمَنْ قَرَأَ : &quot; مَوَدَّةً بَيْنَكُمْ &quot; وَ &quot; مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ &quot; لَمْ يَقِف عَلَى الْأَوْثَان وَوَقَفَ عَلَى الْحَيَاة الدُّنْيَا وَمَعْنَى الْآيَة جَعَلْتُمْ الْأَوْثَان تَتَحَابُّونَ عَلَيْهَا وَعَلَى عِبَادَتهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا


تَتَبَرَّأ الْأَوْثَان مِنْ عُبَّادهَا وَالرُّؤَسَاء مِنْ السَّفَلَة كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : &quot; الْأَخِلَّاء يَوْمئِذٍ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ &quot; [ الزُّخْرُف : 67 ]


هُوَ خِطَاب لِعَبَدَةِ الْأَوْثَان الرُّؤَسَاء مِنْهُمْ وَالْأَتْبَاع وَقِيلَ : تَدْخُل فِيهِ الْأَوْثَان كَقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه حَصَب جَهَنَّم &quot; [ الْأَنْبِيَاء : 98 ]';
$TAFSEER['4']['29']['26'] = 'لُوط أَوَّل مَنْ صَدَّقَ إِبْرَاهِيم حِين رَأَى النَّار عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا قَالَ اِبْن إِسْحَاق آمَنَ لُوط بِإِبْرَاهِيمَ وَكَانَ اِبْن أُخْته وَآمَنَتْ بِهِ سَارَة وَكَانَتْ بِنْت عَمّه


قَالَ النَّخَعِيّ وَقَتَادَة : الَّذِي قَالَ : &quot; إِنِّي مُهَاجِر إِلَى رَبِّي &quot; هُوَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ قَتَادَة هَاجَرَ مِنْ كوثا وَهِيَ قَرْيَة مِنْ سَوَاد الْكُوفَة إِلَى حَرَّان ثُمَّ إِلَى الشَّام وَمَعَهُ اِبْن أَخِيهِ لُوط بْن هَارَان بْن تارخ وَامْرَأَته سَارَة قَالَ الْكَلْبِيّ : هَاجَرَ مِنْ أَرْض حَرَّان إِلَى فِلَسْطِين وَهُوَ أَوَّل مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَرْض الْكُفْر قَالَ مُقَاتِل : هَاجَرَ إِبْرَاهِيم وَهُوَ اِبْن خَمْس وَسَبْعِينَ سَنَة وَقِيلَ : الَّذِي قَالَ : &quot; إِنِّي مُهَاجِر إِلَى رَبِّي &quot; لُوط عَلَيْهِ السَّلَام ذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ عَنْ قَتَادَة قَالَ : أَوَّل مَنْ هَاجَرَ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِهِ عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَتَادَة : سَمِعْت النَّضْر بْن أَنَس يَقُول سَمِعْت أَبَا حَمْزَة يَعْنِي أَنَس بْن مَالِك يَقُول : خَرَجَ عُثْمَان بْن عَفَّان وَمَعَهُ رُقَيَّة بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَرْض الْحَبَشَة فَأَبْطَأَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرهمْ فَقَدِمَتْ امْرَأَة مِنْ قُرَيْش فَقَالَتْ : يَا مُحَمَّد رَأَيْت خَتْنك وَمَعَهُ اِمْرَأَته قَالَ : ( عَلَى أَيّ حَال رَأَيْتهمَا ) قَالَتْ : رَأَيْته وَقَدْ حَمَلَ امْرَأَته عَلَى حِمَار مِنْ هَذِهِ الدَّبَّابَة وَهُوَ يَسُوقهَا فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صَحِبَهُمَا اللَّه إِنَّ عُثْمَان لَأَوَّل مَنْ هَاجَرَ بِأَهْلِهِ بَعْد لُوط ) قَالَ الْبَيْهَقِيّ : هَذَا فِي الْهِجْرَة الْأُولَى وَأَمَّا الْهِجْرَة الثَّانِيَة إِلَى الْحَبَشَة فَهِيَ فِيمَا زَعَمَ الْوَاقِدِيّ سَنَة خَمْس مِنْ مَبْعَث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ &quot; إِلَى رَبِّي &quot; أَيْ إِلَى رِضَا رَبِّي وَإِلَى حَيْثُ أَمَرَنِي


&quot; الْحَكِيم &quot; مَعْنَاهُ الْحَاكِم , وَبَيْنهمَا مَزِيد الْمُبَالَغَة . وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْمُحْكِم وَيَجِيء الْحَكِيم عَلَى هَذَا مِنْ صِفَات الْفِعْل , صُرِفَ عَنْ مُفْعِل إِلَى فَعِيل , كَمَا صُرِفَ عَنْ مُسْمِع إِلَى سَمِيع وَمُؤْلِم إِلَى أَلِيم , قَالَهُ اِبْن الْأَنْبَارِيّ . وَقَالَ قَوْم : الْمَانِع مِنْ الْفَسَاد , وَمِنْهُ سُمِّيَتْ حَكَمَة اللِّجَام , لِأَنَّهَا تَمْنَع الْفَرَس مِنْ الْجَرْي وَالذَّهَاب فِي غَيْر قَصْد . قَالَ جَرِير : أَبَنِي حَنِيفَة أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ أَنْ أَغْضَبَا أَيْ اِمْنَعُوهُمْ مِنْ الْفَسَاد . وَقَالَ زُهَيْر : الْقَائِد الْخَيْل مَكْنُوبًا دَوَابِرهَا قَدْ أُحْكِمَتْ حَكَمَات الْقِدّ وَالْأَبَقَا الْقِدّ : الْجِلْد . وَالْأَبَق : الْقِنَّب . وَالْعَرَب تَقُول : أَحْكِمْ الْيَتِيم عَنْ كَذَا وَكَذَا , يُرِيدُونَ مَنْعه . وَالسُّورَة الْمُحْكَمَة : الْمَمْنُوعَة مِنْ التَّغْيِير وَكُلّ التَّبْدِيل , وَأَنْ يَلْحَق بِهَا مَا يَخْرُج عَنْهَا , وَيُزَاد عَلَيْهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا , وَالْحِكْمَة مِنْ هَذَا , لِأَنَّهَا تَمْنَع صَاحِبهَا مِنْ الْجَهْل . وَيُقَال : أَحْكَمَ الشَّيْء إِذَا أَتْقَنَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ الْخُرُوج عَمَّا يُرِيد . فَهُوَ مُحْكِم وَحَكِيم عَلَى التَّكْثِير .';
$TAFSEER['4']['29']['27'] = 'أَيْ مَنَّ اللَّه عَلَيْهِ بِالْأَوْلَادِ فَوَهَبَ لَهُ إِسْحَاق وَلَدًا وَيَعْقُوب وَلَد وَلَد وَإِنَّمَا وُهِبَ لَهُ إِسْحَاق مِنْ بَعْد إِسْمَاعِيل وَيَعْقُوب مِنْ إِسْحَاق


فَلَمْ يَبْعَث اللَّه نَبِيًّا بَعْد إِبْرَاهِيم إِلَّا مِنْ صُلْبه وَوَحَّدَ الْكِتَاب لِأَنَّهُ أَرَادَ الْمَصْدَر كَالنُّبُوَّةِ وَالْمُرَاد التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْفُرْقَان فَهُوَ عِبَارَة عَنْ الْجَمْع فَالتَّوْرَاة أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى مِنْ وَلَد إِبْرَاهِيم وَالْإِنْجِيل عَلَى عِيسَى مِنْ وَلَده ; وَالْفُرْقَان عَلَى مُحَمَّد مِنْ وَلَده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ


يَعْنِي اجْتِمَاع أَهْل الْمِلَل عَلَيْهِ ; قَالَهُ عِكْرِمَة وَرَوَى سُفْيَان عَنْ حُمَيْد بْن قَيْس قَالَ : أَمَرَ سَعِيد بْن جُبَيْر إِنْسَانًا أَنْ يَسْأَل عِكْرِمَة عَنْ قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : &quot; وَآتَيْنَاهُ أَجْره فِي الدُّنْيَا &quot; فَقَالَ عِكْرِمَة : أَهْل الْمِلَل كُلّهَا تَدَّعِيه وَتَقُول هُوَ مِنَّا ; فَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : صَدَقَ وَقَالَ قَتَادَة : هُوَ مِثْل قَوْله : &quot; وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَة &quot; [ النَّحْل : 122 ] أَيْ عَاقِبَة وَعَمَلًا صَالِحًا وَثَنَاء حَسَنًا وَذَلِكَ أَنَّ أَهْل كُلّ دِين يَتَوَلَّوْنَهُ وَقِيلَ : &quot; آتَيْنَاهُ أَجْره فِي الدُّنْيَا &quot; أَنَّ أَكْثَر الْأَنْبِيَاء مِنْ وَلَده


لَيْسَ &quot; فِي الْآخِرَة &quot; دَاخِلًا فِي الصِّلَة وَإِنَّمَا هُوَ تَبْيِين وَقَدْ مَضَى فِي [ الْبَقَرَة ] بَيَانه وَكُلّ هَذَا حَثّ عَلَى الِاقْتِدَاء بِإِبْرَاهِيمَ فِي الصَّبْر عَلَى الدِّين الْحَقّ';
$TAFSEER['4']['29']['28'] = 'قَالَ الْفَرَّاء : لُوط مُشْتَقّ مِنْ قَوْلهمْ : هَذَا أَلْيَط بِقَلْبِي , أَيْ أَلْصَق . وَقَالَ النَّحَّاس : قَالَ الزَّجَّاج زَعَمَ بَعْض النَّحْوِيِّينَ - يَعْنِي الْفَرَّاء - أَنَّ لُوطًا يَجُوز أَنْ يَكُون مُشْتَقًّا مِنْ لُطْت إِذَا مَلَّسْته بِالطِّينِ . قَالَ : وَهَذَا غَلَط ; لِأَنَّ الْأَسْمَاء الْأَعْجَمِيَّة لَا تَشْتَقّ كَإِسْحَاقَ , فَلَا يُقَال : إِنَّهُ مِنْ السُّحْق وَهُوَ الْبُعْد . وَإِنَّمَا صُرِفَ لُوط لِخِفَّتِهِ لِأَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَة أَحْرُف وَهُوَ سَاكِن الْوَسَط . قَالَ النَّقَّاش : لُوط مِنْ الْأَسْمَاء الْأَعْجَمِيَّة وَلَيْسَ مِنْ الْعَرَبِيَّة . فَأَمَّا لُطْت الْحَوْض , وَهَذَا أَلْيَط بِقَلْبِي مِنْ هَذَا , فَصَحِيح . وَلَكِنَّ الِاسْم أَعْجَمِيّ كَإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاق . قَالَ سِيبَوَيْهِ : نُوح وَلُوط أَسْمَاء أَعْجَمِيَّة , إِلَّا أَنَّهَا خَفِيفَة فَلِذَلِكَ صُرِفَتْ . بَعَثَهُ اللَّه تَعَالَى إِلَى أُمَّة تُسَمَّى سَدُوم , وَكَانَ اِبْن أَخِي إِبْرَاهِيم . قَالَ الْكِسَائِيّ : الْمَعْنَى وَأَنْجَيْنَا لُوطًا أَوْ أَرْسَلْنَا لُوطًا قَالَ : وَهَذَا الْوَجْه أَحَبّ إِلَيَّ وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى وَاذْكُرْ لُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ مُوَبِّخًا أَوْ مُحَذِّرًا


يَعْنِي إِتْيَان الذُّكُور . ذَكَرَهَا اللَّه بِاسْمِ الْفَاحِشَة لِيُبَيِّن أَنَّهَا زِنًى ; كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَة &quot; [ الْإِسْرَاء : 32 ] .


&quot; مِنْ &quot; لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْس , أَيْ لَمْ يَكُنْ اللِّوَاط فِي أُمَّة قَبْل قَوْم لُوط . وَالْمُلْحِدُونَ يَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلهمْ . وَالصِّدْق مَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآن . وَحَكَى النَّقَّاش أَنَّ إِبْلِيس كَانَ أَصْل عَمَلهمْ بِأَنْ دَعَاهُمْ إِلَى نَفْسه لَعَنَهُ اللَّه , فَكَانَ يَنْكِح بَعْضهمْ بَعْضًا . قَالَ الْحَسَن : كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِالْغُرَبَاءِ , وَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلهُ بَعْضهمْ بِبَعْضٍ . وَرَوَى اِبْن مَاجَهْ عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَخْوَف مَا أَخَاف عَلَى أُمَّتِي عَمَل قَوْم لُوط ) . وَقَالَ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ : لَيْسَ شَيْء مِنْ الدَّوَابّ يَعْمَل عَمَل قَوْم لُوط إِلَّا الْخِنْزِير وَالْحِمَار .';
$TAFSEER['4']['29']['29'] = 'اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَا يَجِب عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْد إِجْمَاعهمْ عَلَى تَحْرِيمه ; فَقَالَ مَالِك : يُرْجَم ; أُحْصِنَ أَوْ لَمْ يُحْصَن . وَكَذَلِكَ يُرْجَم الْمَفْعُول بِهِ إِنْ كَانَ مُحْتَلِمًا . وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا : يُرْجَم إِنْ كَانَ مُحْصَنًا , وَيُحْبَس وَيُؤَدَّب إِنْ كَانَ غَيْر مُحْصَن . وَهُوَ مَذْهَب عَطَاء وَالنَّخَعِيّ وَابْن الْمُسَيِّب وَغَيْرهمْ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يُعَزَّر الْمُحْصَن وَغَيْره ; وَرُوِيَ عَنْ مَالِك . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : يُحَدّ حَدّ الزِّنَى قِيَاسًا عَلَيْهِ . اِحْتَجَّ مَالِك بِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَة مِنْ سِجِّيل &quot; [ الْحِجْر : 74 ] . فَكَانَ ذَلِكَ عُقُوبَة لَهُمْ وَجَزَاء عَلَى فِعْلهمْ . فَإِنْ قِيلَ : لَا حُجَّة فِيهَا لِوَجْهَيْنِ ; أَحَدهمَا - أَنَّ قَوْم لُوط إِنَّمَا عُوقِبُوا عَلَى الْكُفْر وَالتَّكْذِيب كَسَائِرِ الْأُمَم . الثَّانِي : أَنَّ صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ دَخَلَ فِيهَا ; فَدَلَّ عَلَى خُرُوجهَا مِنْ بَاب الْحُدُود . قِيلَ : أَمَّا الْأَوَّل فَغَلَط ; فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانه أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى مَعَاصِي فَأَخَذَهُمْ بِهَا ; مِنْهَا هَذِهِ . وَأَمَّا الثَّانِي فَكَانَ مِنْهُمْ فَاعِل وَكَانَ مِنْهُمْ رَاضٍ , فَعُوقِبَ الْجَمِيع لِسُكُوتِ الْجَمَاهِير عَلَيْهِ . وَهِيَ حِكْمَة اللَّه وَسُنَّته فِي عِبَاده . وَبَقِيَ أَمْر الْعُقُوبَة عَلَى الْفَاعِلِينَ مُسْتَمِرًّا . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَل عَمَل قَوْم لُوط فَاقْتُلُوا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ ) . لَفْظ أَبِي دَاوُد وَابْن مَاجَهْ . وَعِنْد التِّرْمِذِيّ ( أُحْصِنَا أَوْ لَمْ يُحْصَنَا ) . وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي الْبِكْر يُوجَد عَلَى اللُّوطِيَّة قَالَ : يُرْجَم . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ حَرَّقَ رَجُلًا يُسَمَّى الْفُجَاءَة حِين عَمِلَ عَمَل قَوْم لُوط بِالنَّارِ . وَهُوَ رَأْي عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب ; فَإِنَّهُ لَمَّا كَتَبَ خَالِد بْن الْوَلِيد إِلَى أَبِي بَكْر فِي ذَلِكَ جَمَعَ أَبُو بَكْر أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَشَارَهُمْ فِيهِ ; فَقَالَ عَلِيّ : إِنَّ هَذَا الذَّنْب لَمْ تَعْصِ بِهِ أُمَّة مِنْ الْأُمَم إِلَّا أُمَّة وَاحِدَة صَنَعَ اللَّه بِهَا مَا عَلِمْتُمْ , أَرَى أَنْ يُحَرَّق بِالنَّارِ . فَاجْتَمَعَ رَأْي أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحَرَّق بِالنَّارِ . فَكَتَبَ أَبُو بَكْر إِلَى خَالِد بْن الْوَلِيد أَنْ يُحْرِقهُ بِالنَّارِ فَأَحْرَقَهُ . ثُمَّ أَحْرَقَهُمْ اِبْن الزُّبَيْر فِي زَمَانه . ثُمَّ أَحْرَقَهُمْ هِشَام بْن الْوَلِيد . ثُمَّ أَحْرَقَهُمْ خَالِد الْقَسْرِيّ بِالْعِرَاقِ . وَرُوِيَ أَنَّ سَبْعَة أُخِذُوا فِي زَمَن اِبْن الزُّبَيْر فِي لِوَاط ; فَسَأَلَ عَنْهُمْ فَوَجَدَ أَرْبَعَة قَدْ أُحْصِنُوا فَأَمَرَ بِهِمْ فَخَرَجُوا بِهِمْ مِنْ الْحَرَم فَرُجِمُوا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى مَاتُوا , وَحَدَّ الثَّلَاثَة ; وَعِنْده اِبْن عَبَّاس وَابْن عُمَر فَلَمْ يُنْكِرَا عَلَيْهِ . وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيّ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَاَلَّذِي صَارَ إِلَيْهِ مَالِك أَحَقّ , فَهُوَ أَصَحّ سَنَدًا وَأَقْوَى مُعْتَمَدًا . وَتَعَلَّقَ الْحَنَفِيُّونَ بِأَنْ قَالُوا : عُقُوبَة الزِّنَا مَعْلُومَة ; فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَعْصِيَة غَيْرهَا وَجَبَ أَلَّا يُشَارِكهَا فِي حَدّهَا . وَيَأْثُرُونَ فِي هَذَا حَدِيثًا : ( مَنْ وَضَعَ حَدًّا فِي غَيْر حَدّ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ ) . وَأَيْضًا فَإِنَّهُ وَطْء فِي فَرْج لَا يَتَعَلَّق بِهِ إِحْلَال وَلَا إِحْصَان , وَلَا وُجُوب مَهْر وَلَا ثُبُوت نَسَب ; فَلَمْ يَتَعَلَّق بِهِ حَدّ . 

فَإِنْ أَتَى بَهِيمَة فَقَدْ قِيلَ : لَا يُقْتَل هُوَ وَلَا الْبَهِيمَة . وَقِيلَ : يُقْتَلَانِ ; حَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن . وَفِي الْبَاب حَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَة فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَة مَعَهُ ) . فَقُلْنَا لِابْنِ عَبَّاس : مَا شَأْن الْبَهِيمَة ؟ قَالَ : مَا أَرَاهُ قَالَ ذَلِكَ , إِلَّا أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُؤْكَل لَحْمهَا وَقَدْ عَمِلَ بِهَا ذَلِكَ الْعَمَل . قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : إِنْ يَكُنْ الْحَدِيث ثَابِتًا فَالْقَوْل بِهِ يَجِب , وَإِنْ لَمْ يَثْبُت فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّه مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَثِيرًا , وَإِنْ عَزَّرَهُ الْحَاكِم كَانَ حَسَنًا . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ قَتْل الْبَهِيمَة لِئَلَّا تُلْقِي خَلْقًا مُشَوَّهًا ; فَيَكُون قَتْلهَا مَصْلَحَة لِهَذَا الْمَعْنَى مَعَ مَا جَاءَ مِنْ السُّنَّة . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَيْسَ عَلَى الَّذِي زَنَى بِالْبَهِيمَةِ حَدّ . قَالَ أَبُو دَاوُد : وَكَذَا قَالَ عَطَاء . وَقَالَ الْحَكَم : أَرَى أَنْ يُجْلَد وَلَا يَبْلُغ بِهِ الْحَدّ . وَقَالَ الْحَسَن : هُوَ بِمَنْزِلَةِ الزَّانِي . وَقَالَ الزُّهْرِيّ : يُجْلَد مِائَة أُحْصِنَ أَوْ لَمْ يُحْصَن . وَقَالَ مَالِك وَالثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وَأَصْحَاب الرَّأْي يُعَزَّر . وَرُوِيَ عَنْ عَطَاء وَالنَّخَعِيّ وَالْحَكَم . وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة عَنْ الشَّافِعِيّ , وَهَذَا أَشْبَه عَلَى مَذْهَبه فِي هَذَا الْبَاب . وَقَالَ جَابِر بْن زَيْد : يُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ , إِلَّا أَنْ تَكُون الْبَهِيمَة لَهُ .



قِيلَ : كَانُوا قُطَّاع الطَّرِيق ; قَالَهُ اِبْن زَيْد وَقِيلَ : كَانُوا يَأْخُذُونَ النَّاس مِنْ الطُّرُق لِقَضَاءِ الْفَاحِشَة ; حَكَاهُ اِبْن شَجَرَة وَقِيلَ : إِنَّهُ قَطْع النَّسْل بِالْعُدُولِ عَنْ النِّسَاء إِلَى الرِّجَال قَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه أَيْ اِسْتَغْنَوْا بِالرِّجَالِ عَنْ النِّسَاء 

قُلْت : وَلَعَلَّ الْجَمِيع كَانَ فِيهِمْ فَكَانُوا يَقْطَعُونَ الطَّرِيق لِأَخْذِ الْأَمْوَال وَالْفَاحِشَة وَيَسْتَغْنُونَ عَنْ النِّسَاء بِذَلِكَ



النَّادِي الْمَجْلِس وَاخْتُلِفَ فِي الْمُنْكَر الَّذِي كَانُوا يَأْتُونَهُ فِيهِ ; فَقَالَتْ فِرْقَة : كَانُوا يَخْذِفُونَ النِّسَاء بِالْحَصَى وَيَسْتَخِفُّونَ بِالْغَرِيبِ وَالْخَاطِر عَلَيْهِمْ وَرَوَتْهُ أُمّ هَانِئ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ أُمّ هَانِئ : سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : &quot; وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر &quot; قَالَ : ( كَانُوا يَخْذِفُونَ مَنْ يَمُرّ بِهِمْ وَيَسْخَرُونَ مِنْهُ فَذَلِكَ الْمُنْكَر الَّذِي كَانُوا يَأْتُونَهُ ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنَده وَذَكَرَهُ النَّحَّاس وَالثَّعْلَبِيّ وَالْمَهْدَوِيّ وَالْمَاوَرْدِيّ وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ قَالَ مُعَاوِيَة قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ قَوْم لُوط كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي مَجَالِسهمْ وَعِنْد كُلّ رَجُل قَصْعَة فِيهَا الْحَصَى لِلْخَذْفِ فَإِذَا مَرَّ بِهِمْ عَابِر قَذَفُوهُ فَأَيّهمْ أَصَابَهُ كَانَ أَوْلَى بِهِ ) يَعْنِي يَذْهَب بِهِ لِلْفَاحِشَةِ فَذَلِكَ قَوْله : &quot; وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر &quot; وَقَالَتْ عَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَالْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة وَالْقَاسِم بْن مُحَمَّد : إِنَّهُمْ كَانُوا يَتَضَارَطُونَ فِي مَجَالِسهمْ وَقَالَ مَنْصُور عَنْ مُجَاهِد كَانُوا يَأْتُونَ الرِّجَال فِي مَجَالِسهمْ وَبَعْضهمْ يَرَى بَعْضًا وَعَنْ مُجَاهِد : كَانَ مِنْ أَمْرهمْ لَعِب الْحَمَام وَتَطْرِيف الْأَصَابِع بِالْحِنَّاءِ وَالصَّفِير وَالْخَذْف وَنَبْذ الْحَيَاء فِي جَمِيع أُمُورهمْ قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَقَدْ تُوجَد هَذِهِ الْأُمُور فِي بَعْض عُصَاة أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَالتَّنَاهِي وَاجِب قَالَ مَكْحُول : فِي هَذِهِ الْأُمَّة عَشَرَة مِنْ أَخْلَاق قَوْم لُوط : مَضْغ الْعِلْك وَتَطْرِيف الْأَصَابِع بِالْحِنَّاءِ وَحَلّ الْإِزَار وَتَنْقِيض الْأَصَابِع وَالْعِمَامَة الَّتِي تُلَفّ حَوْل الرَّأْس وَالتَّشَابُك وَرَمْي الْجُلَاهِق وَالصَّفِير وَالْخَذْف وَاللُّوطِيَّة وَعَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : إِنَّ قَوْم لُوط كَانَتْ فِيهِمْ ذُنُوب غَيْر الْفَاحِشَة مِنْهَا أَنَّهُمْ يَتَظَالَمُونَ فِيمَا بَيْنهمْ وَيَشْتُم بَعْضهمْ بَعْضًا وَيَتَضَارَطُونَ فِي مَجَالِسهمْ وَيَخْذِفُونَ وَيَلْعَبُونَ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْج وَيَلْبَسُونَ الْمُصَبَّغَات وَيَتَنَاقَرُونَ بِالدِّيَكَةِ وَيَتَنَاطَحُونَ بِالْكِبَاشِ وَيُطَرِّفُونَ أَصَابِعهمْ بِالْحِنَّاءِ وَتَتَشَبَّه الرِّجَال بِلِبَاسِ النِّسَاء وَالنِّسَاء بِلِبَاسِ الرِّجَال وَيَضْرِبُونَ الْمُكُوس عَلَى كُلّ عَابِر وَمَعَ هَذَا كُلّه كَانُوا يُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ وَهُمْ أَوَّل مَنْ ظَهَرَ عَلَى أَيْدِيهمْ اللُّوطِيَّة وَالسِّحَاق فَلَمَّا وَقَّفَهُمْ لُوط عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى هَذِهِ الْقَبَائِح رَجَعُوا إِلَى التَّكْذِيب وَاللِّجَاج



أَيْ إِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُون وَلَا يَقْدِر عَلَيْهِ وَهُمْ لَمْ يَقُولُوا هَذَا إِلَّا وَهُمْ مُصَمِّمُونَ عَلَى اِعْتِقَاد كَذِبه وَلَيْسَ يَصِحّ فِي الْفِطْرَة أَنْ يَكُون مُعَانِد يَقُول هَذَا ثُمَّ اِسْتَنْصَرَ لُوط عَلَيْهِ السَّلَام رَبّه فَبَعَثَ عَلَيْهِمْ مَلَائِكَة لِعَذَابِهِمْ فَجَاءُوا إِبْرَاهِيم أَوَّلًا مُبَشِّرِينَ بِنُصْرَةِ لُوط عَلَى قَوْمه حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي [ هُود ] وَغَيْرهَا وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَيَعْقُوب وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ :';
$TAFSEER['4']['29']['30'] = 'أَيْ اِنْتَقِمْ مِمَّنْ لَمْ يُطِعْنِي وَلَمْ يَسْمَع رِسَالَتِي مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الْمُفْسِدِينَ';
$TAFSEER['4']['29']['31'] = '&quot; بِالْبُشْرَى &quot; قِيلَ : بِالْوَلَدِ . وَقِيلَ : بِإِهْلَاكِ قَوْم لُوط . وَقِيلَ : بَشَّرُوهُ بِأَنَّهُمْ رُسُل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَأَنَّهُ لَا خَوْف عَلَيْهِ .';
$TAFSEER['4']['29']['32'] = 'بِالتَّخْفِيفِ وَشَدَّدَ الْبَاقُونَ وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَأَبُو بَكْر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ : &quot; إِنَّا مُنْجُوك وَأَهْلك &quot; بِالتَّخْفِيفِ وَشَدَّدَ الْبَاقُونَ وَهُمَا لُغَتَانِ : أَنْجَى وَنَجَّى بِمَعْنًى وَقَدْ تَقَدَّمَ وَقَرَأَ اِبْن عَامِر : &quot; إِنَّا مُنَزِّلُونَ &quot; بِالتَّشْدِيدِ وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن عَبَّاس الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وَقَوْل : &quot; وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَة بَيِّنَة لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ &quot; قَالَ قَتَادَة : هِيَ الْحِجَارَة الَّتِي أُبْقِيَتْ وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَقِيلَ : إِنَّهُ يُرْجَم بِهَا قَوْم مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هِيَ آثَار مَنَازِلهمْ الْخَرِبَة وَقَالَ مُجَاهِد : هُوَ الْمَاء الْأَسْوَد عَلَى وَجْه الْأَرْض وَكُلّ ذَلِكَ بَاقٍ فَلَا تَعَارُض



أَيْ الْبَاقِينَ فِي عَذَاب اللَّه ; قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة . غَبَرَ الشَّيْء إِذَا مَضَى , وَغَبَرَ إِذَا بَقِيَ . وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَاد . وَقَالَ قَوْم : الْمَاضِي عَابِر بِالْعَيْنِ غَيْر مُعْجَمَة . وَالْبَاقِي غَابِر بِالْغَيْنِ مُعْجَمَة . حَكَاهُ اِبْن فَارِس فِي الْمُجْمَل . وَقَالَ الزَّجَّاج : &quot; مِنْ الْغَابِرِينَ &quot; أَيْ مِنْ الْغَائِبِينَ عَنْ النَّجَاة وَقِيلَ : لِطُولِ عُمْرهَا . قَالَ النَّحَّاس : وَأَبُو عُبَيْدَة يَذْهَب إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى مِنْ الْمُعَمِّرِينَ ; أَيْ أَنَّهَا قَدْ هَرِمَتْ . وَالْأَكْثَر فِي اللُّغَة أَنْ يَكُون الْغَابِر الْبَاقِي ; قَالَ الرَّاجِز : فَمَا وَنَى مُحَمَّد مُذْ أَنْ غَفَرْ لَهُ الْإِلَه مَا مَضَى وَمَا غَبَرْ';
$TAFSEER['4']['29']['33'] = 'لَمَّا خَرَجَتْ الْمَلَائِكَة مِنْ عِنْد إِبْرَاهِيم , وَكَانَ بَيْن إِبْرَاهِيم وَقَرْيَة لُوط أَرْبَعَة فَرَاسِخ بَصُرَتْ بِنْتَا لُوط - وَهُمَا تَسْتَقِيَانِ - بِالْمَلَائِكَةِ وَرَأَتَا هَيْئَة حَسَنَة , فَقَالَتَا : مَا شَأْنكُمْ ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتُمْ ؟ قَالُوا : مِنْ مَوْضِع كَذَا نُرِيد هَذِهِ الْقَرْيَة قَالَتَا : فَإِنَّ أَهْلهَا أَصْحَاب الْفَوَاحِش ; فَقَالُوا : أَبِهَا مَنْ يُضَيِّفنَا ؟ قَالَتَا : نَعَمْ ! هَذَا الشَّيْخ وَأَشَارَتَا إِلَى لُوط ; فَلَمَّا رَأَى لُوط هَيْئَتهمْ خَافَ قَوْمه , عَلَيْهِمْ .


أَيْ سَاءَهُ مَجِيئُهُمْ ; يُقَال : سَاءَ يَسُوء فَهُوَ لَازِم , وَسَاءَهُ يَسُوءهُ فَهُوَ مُتَعَدٍّ أَيْضًا , وَإِنْ شِئْت ضَمَمْت السِّين ; لِأَنَّ أَصْلهَا الضَّمّ , وَالْأَصْل سُوِئَ بِهِمْ مِنْ السُّوء ; قُلِبَتْ حَرَكَة الْوَاو عَلَى السِّين فَانْقَلَبَتْ يَاء , وَإِنْ خَفَّفْت الْهَمْزَة أَلْقَيْت حَرَكَتهَا عَلَى الْيَاء فَقُلْت : &quot; سِيءَ بِهِمْ &quot; مُخَفَّفًا , وَلُغَة شَاذَّة بِالتَّشْدِيدِ .


أَيْ ضَاقَ صَدْره بِمَجِيئِهِمْ وَكَرِهَهُ . وَقِيلَ : ضَاقَ وُسْعه وَطَاقَته . وَأَصْله أَنْ يَذْرَع الْبَعِير بِيَدَيْهِ فِي سَيْره ذَرْعًا عَلَى قَدْر سَعَة خَطْوه ; فَإِذَا حَمَلَ عَلَى أَكْثَر مِنْ طَوْقه ضَاقَ عَنْ ذَلِكَ , وَضَعُفَ وَمَدَّ عُنُقه ; فَضِيق الذَّرْع عِبَارَة عَنْ ضِيق الْوُسْع . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْء أَيْ غَلَبَهُ ; أَيْ ضَاقَ عَنْ حَبْسه الْمَكْرُوه فِي نَفْسه , وَإِنَّمَا ضَاقَ ذَرْعه بِهِمْ لِمَا رَأَى مِنْ جَمَالهمْ , وَمَا يَعْلَم مِنْ فِسْق قَوْمه .


لَمَّا رَأَتْ الْمَلَائِكَة حُزْنه وَاضْطِرَابه وَمُدَافَعَته عَرَّفُوهُ بِأَنْفُسِهِمْ , فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُمْ رُسُل مَكَّنَ قَوْمه مِنْ الدُّخُول , فَأَمَرَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يَده عَلَى أَعْيُنهمْ فَعَمُوا , وَعَلَى أَيْدِيهمْ فَجَفَّتْ .


أَيْ الْبَاقِينَ فِي عَذَاب اللَّه ; قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة . غَبَرَ الشَّيْء إِذَا مَضَى , وَغَبَرَ إِذَا بَقِيَ . وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَاد . وَقَالَ قَوْم : الْمَاضِي عَابِر بِالْعَيْنِ غَيْر مُعْجَمَة . وَالْبَاقِي غَابِر بِالْغَيْنِ مُعْجَمَة . حَكَاهُ اِبْن فَارِس فِي الْمُجْمَل . وَقَالَ الزَّجَّاج : &quot; مِنْ الْغَابِرِينَ &quot; أَيْ مِنْ الْغَائِبِينَ عَنْ النَّجَاة وَقِيلَ : لِطُولِ عُمْرهَا . قَالَ النَّحَّاس : وَأَبُو عُبَيْدَة يَذْهَب إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى مِنْ الْمُعَمَّرِينَ ; أَيْ أَنَّهَا قَدْ هَرِمَتْ . وَالْأَكْثَر فِي اللُّغَة أَنْ يَكُون الْغَابِر الْبَاقِي ; قَالَ الرَّاجِز : فَمَا وَنَى مُحَمَّد مُذْ أَنْ غَفَرْ لَهُ الْإِلَه مَا مَضَى وَمَا غَبَرْ';
$TAFSEER['4']['29']['34'] = 'سَرَى لُوط بِأَهْلِهِ كَمَا وَصَفَ اللَّه &quot; بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْل &quot; [ هُود : 81 ] ثُمَّ أُمِرَ جِبْرِيل , عَلَيْهِ السَّلَام فَأَدْخَلَ جَنَاحه تَحْت مَدَائِنهمْ فَاقْتَلَعَهَا وَرَفَعَهَا حَتَّى سَمِعَ أَهْل السَّمَاء صِيَاح الدِّيَكَة وَنُبَاح الْكِلَاب , ثُمَّ جَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلهَا , وَأُمْطِرَتْ عَلَيْهِمْ حِجَارَة مِنْ سِجِّيل , قِيلَ : عَلَى مَنْ غَابَ مِنْهُمْ . وَأَدْرَكَ اِمْرَأَة لُوط , وَكَانَتْ مَعَهُ حَجَر فَقَتَلَهَا . وَكَانَتْ فِيمَا ذُكِرَ أَرْبَع قُرَى . وَقِيلَ : خَمْس فِيهَا أَرْبَعمِائَةِ أَلْف .';
$TAFSEER['4']['29']['35'] = 'قَالَ قَتَادَة هِيَ الْحِجَارَة الَّتِي أُبْقِيَتْ وَقَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة , وَقِيلَ إِنَّهُ يُرْجَم بِهَا قَوْم مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة , وَقَالَ اِبْن عَبَّاس هِيَ آثَار مَنَازِلهمْ الْخَرِبَة , وَقَالَ مُجَاهِد هُوَ الْمَاء الْأَسْوَد عَلَى وَجْه الْأَرْض , وَكُلّ ذَلِكَ بَاقٍ فَلَا تَعَارُض';
$TAFSEER['4']['29']['36'] = 'أَيْ وَأَرْسَلْنَا إِلَى مَدْيَن أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قِيلَ فِي مَدْيَن : اِسْم بَلَد وَقُطْر . وَقِيلَ : اِسْم قَبِيلَة كَمَا يُقَال : بَكْر وَتَمِيم . وَقِيلَ : هُمْ مِنْ وَلَد مَدْيَن بْن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام . فَمَنْ رَأَى أَنَّ مَدْيَن اِسْم رَجُل لَمْ يَصْرِفهُ لِأَنَّهُ مَعْرِفَة أَعْجَمِيّ . وَمَنْ رَآهُ اِسْمًا لِلْقَبِيلَةِ أَوْ الْأَرْض فَهُوَ أَحْرَى بِأَلَّا يَصْرِفهُ . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَيُرْوَى أَنَّهُ كَانَ اِبْن بِنْت لُوط . وَقَالَ مَكِّيّ : كَانَ زَوْج بِنْت لُوط . وَاخْتُلِفَ فِي نَسَبه ; فَقَالَ عَطَاء وَابْن إِسْحَاق وَغَيْرهمَا : وَشُعَيْب هُوَ اِبْن ميكيل بْن يشجر بْن مَدْيَن بْن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام . وَكَانَ اِسْمه بِالسُّرْيَانِيَّةِ بَيْرُوت . وَأُمّه ميكائيل بِنْت لُوط . وَزَعَمَ الشَّرْقِيّ بْن الْقَطَامِيّ أَنَّ شُعَيْبًا بْن عيفاء بْن يوبب بْن مَدْيَن بْن إِبْرَاهِيم . وَزَعَمَ اِبْن سَمْعَان أَنَّ شُعَيْبًا بْن جَزَى بْن يشجر بْن لَاوَى بْن يَعْقُوب بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم . وَشُعَيْب تَصْغِير شَعْب أَوْ شِعْب . وَقَالَ قَتَادَة : هُوَ شُعَيْب بْن يوبب . وَقِيلَ : شُعَيْب بْن صَفْوَان بْن عيفاء بْن ثَابِت بْن مَدْيَن بْن إِبْرَاهِيم . وَاَللَّه أَعْلَم . وَكَانَ أَعْمَى ; وَلِذَلِكَ قَالَ قَوْمه : &quot; وَإِنَّا لَنَرَاك فِينَا ضَعِيفًا &quot; [ هُود : 91 ] . وَكَانَ يُقَال لَهُ : خَطِيب الْأَنْبِيَاء لِحُسْنِ مُرَاجَعَته قَوْمه . وَكَانَ قَوْمه أَهْل كُفْر بِاَللَّهِ وَبَخْس لِلْمِكْيَالِ وَالْمِيزَان .


وَقَالَ يُونُس النَّحْوِيّ : أَيْ اِخْشَوْا الْآخِرَة الَّتِي فِيهَا الْجَزَاء عَلَى الْأَعْمَال وَقِيلَ : &quot; وَارْجُوا الْيَوْم الْآخِر &quot; أَيْ صَدِّقُوا بِهِ فَإِنَّ الْقَوْم كَانُوا يُنْكِرُونَهُ


أَيْ لَا تَكْفُرُوا فَإِنَّهُ أَصْل كُلّ فَسَاد وَالْعُثُوّ وَالْعِثِيّ أَشَدّ الْفَسَاد عَثِيَ يَعْثَى وَعَثَا يَعْثُو بِمَعْنًى وَاحِد وَقَدْ تَقَدَّمَ';
$TAFSEER['4']['29']['37'] = '&quot; فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة &quot; أَيْ الزَّلْزَلَة الشَّدِيدَة . وَقِيلَ : كَانَ صَيْحَة شَدِيدَة خَلَعَتْ قُلُوبهمْ ; يُقَال : رَجَفَ الشَّيْء يَرْجُف رَجْفًا رَجَفَانًا . وَأَرْجَفَتْ الرِّيح الشَّجَر حَرَّكَتْهُ . وَأَصْله حَرَكَة مَعَ صَوْت ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى &quot; يَوْم تَرْجُف الرَّاجِفَة &quot; [ النَّازِعَات : 6 ] قَالَ الشَّاعِر : وَلَمَّا رَأَيْت الْحَجّ قَدْ آنَ وَقْته وَظَلَّتْ مَطَايَا الْقَوْم بِالْقَوْمِ تَرْجُف 


أَيْ بَلَدهمْ . وَقِيلَ : وُحِّدَ عَلَى طَرِيق الْجِنْس , وَالْمَعْنَى : فِي دُورهمْ . وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : &quot; فِي دِيَارهمْ &quot; [ هُود : 67 ] أَيْ فِي مَنَازِلهمْ .


أَيْ لَاصِقِينَ بِالْأَرْضِ عَلَى رُكَبهمْ وَوُجُوههمْ ; كَمَا يَجْثُم الطَّائِر . أَيْ صَارُوا خَامِدِينَ مِنْ شِدَّة الْعَذَاب . وَأَصْل الْجُثُوم لِلْأَرْنَبِ وَشَبَههَا , وَالْمَوْضِع مُجَثَّم . قَالَ زُهَيْر : بِهَا الْعَيْن وَالْآرَام يَمْشِينَ خِلْفَة وَأَطْلَاؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلّ مَجْثَم';
$TAFSEER['4']['29']['38'] = 'قَالَ الْكِسَائِيّ : قَالَ بَعْضهمْ هُوَ رَاجِع إِلَيَّ أَوَّل السُّورَة أَيْ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ وَفَتَنَّا عَادًا وَثَمُود قَالَ : وَأَحَبّ إِلَيَّ أَنْ يَكُون مَعْطُوفًا عَلَى &quot; فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة &quot; وَأَخَذَتْ عَادًا وَثَمُود وَزَعَمَ الزَّجَّاج : أَنَّ التَّقْدِير وَأَهْلَكْنَا عَادًا وَثَمُود وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَاذْكُرْ عَادًا إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ هُودًا فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ وَثَمُود أَيْضًا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ صَالِحًا فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِالصَّيْحَةِ كَمَا أَهْلَكْنَا عَادًا بِالرِّيحِ الْعَقِيم



أَيْ تَبَيَّنَ لَكُمْ يَا مَعْشَر الْكُفَّار


بِالْحِجْرِ وَالْأَحْقَاف آيَات فِي إِهْلَاكهمْ فَحُذِفَ فَاعِل التَّبَيُّن


أَيْ أَعْمَالهمْ الْخَسِيسَة فَحَسِبُوهَا رَفِيعَة


أَيْ عَنْ طَرِيق الْحَقّ


فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ فِي الضَّلَالَة قَالَهُ مُجَاهِد وَالثَّانِي : كَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ قَدْ عَرَفُوا الْحَقّ مِنْ الْبَاطِل بِظُهُورِ الْبَرَاهِين وَهَذَا الْقَوْل أَشْبَه ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَال فُلَان مُسْتَبْصِر إِذَا عَرَفَ الشَّيْء عَلَى الْحَقِيقَة قَالَ الْفَرَّاء : كَانُوا عُقَلَاء ذَوِي بَصَائِر فَلَمْ تَنْفَعهُمْ بَصَائِرهمْ وَقِيلَ : أَتَوْا مَا أَتَوْا وَقَدْ تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ عَاقِبَتهمْ الْعَذَاب';
$TAFSEER['4']['29']['39'] = 'قَالَ الْكِسَائِيّ : إِنْ شِئْت كَانَ مَحْمُولًا عَلَى عَاد وَكَانَ فِيهِ مَا فِيهِ وَإِنْ شِئْت كَانَ عَلَى &quot; فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيل &quot; وَصُدَّ قَارُون وَفِرْعَوْن وَهَامَان وَقِيلَ : أَيْ وَأَهْلَكْنَا هَؤُلَاءِ بَعْد أَنْ جَاءَتْهُمْ الرُّسُل


عَنْ الْحَقّ وَعَنْ عِبَادَة اللَّه


أَيْ فَائِتِينَ وَقِيلَ : سَابِقِينَ فِي الْكُفْر بَلْ قَدْ سَبَقَهُمْ لِلْكُفْرِ قُرُون كَثِيرَة فَأَهْلَكْنَاهُمْ';
$TAFSEER['4']['29']['40'] = 'قَالَ الْكِسَائِيّ : &quot; فَكُلًّا &quot; مَنْصُوب بِ &quot; أَخَذْنَا &quot; أَيْ أَخَذْنَا كُلًّا بِذَنْبِهِ



يَعْنِي قَوْم لُوط وَالْحَاصِب رِيح يَأْتِي بِالْحَصْبَاءِ وَهِيَ الْحَصَى الصِّغَار وَتُسْتَعْمَل فِي كُلّ عَذَاب


يَعْنِي ثَمُودًا وَأَهْل مَدْيَن


يَعْنِي قَارُون


قَوْم نُوح وَقَوْم فِرْعَوْن


لِأَنَّهُ أَنْذَرَهُمْ وَأَمْهَلَهُمْ وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ الرُّسُل وَأَزَاحَ الْعُذْر';
$TAFSEER['4']['29']['41'] = 'قَالَ الْأَخْفَش : &quot; كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوت &quot; وَقْف تَامّ ثُمَّ قِصَّتهَا فَقَالَ : &quot; اِتَّخَذَتْ بَيْتًا &quot; قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَهَذَا غَلَط ; لِأَنَّ &quot; اِتَّخَذَتْ بَيْتًا &quot; صِلَة لِلْعَنْكَبُوتِ كَأَنَّهُ قَالَ &quot; كَمَثَلِ الَّتِي اِتَّخَذَتْ بَيْتًا &quot; فَلَا يَحْسُن الْوَقْف عَلَى الصِّلَة دُون الْمَوْصُول وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْله : &quot; كَمَثَلِ الْحِمَار يَحْمِل أَسْفَارًا &quot; [ الْجُمْعَة : 5 ] فَيَحْمِل صِلَة لِلْحِمَارِ وَلَا يَحْسُن الْوَقْف عَلَى الْحِمَار دُون يَحْمِل قَالَ الْفَرَّاء : هُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه سُبْحَانه لِمَنْ اِتَّخَذَ مِنْ دُونه آلِهَة لَا تَنْفَعهُ وَلَا تَضُرّهُ ; كَمَا أَنَّ بَيْت الْعَنْكَبُوت لَا يَقِيهَا حَرًّا وَلَا بَرْدًا وَلَا يَحْسُن الْوَقْف عَلَى الْعَنْكَبُوت ; لِأَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ بِالتَّشْبِيهِ لِبَيْتِهَا الَّذِي لَا يَقِيهَا مِنْ شَيْء فَشُبِّهَتْ الْآلِهَة الَّتِي لَا تَنْفَع وَلَا تَضُرّ بِهِ


أَيْ أَضْعَف الْبُيُوت



قَالَ الضَّحَّاك : ضَرَبَ مَثَلًا لِضَعْفِ آلِهَتهمْ وَوَهَنهَا فَشَبَّهَهَا بِبَيْتِ الْعَنْكَبُوت وَقَالَ النُّحَاة : إِنَّ تَاء الْعَنْكَبُوت فِي آخِرهَا مَزِيدَة ; لِأَنَّهَا تَسْقُط فِي التَّصْغِير وَالْجَمْع وَهِيَ مُؤَنَّثَة وَحَكَى الْفَرَّاء تَذْكِيرهَا وَأَنْشَدَ : عَلَى هَطَّالِهِمْ مِنْهُمْ بُيُوت كَأَنَّ الْعَنْكَبُوت قَدْ اِبْتَنَاهَا وَيَرْوِي : عَلَى أَهْطَالهمْ مِنْهُمْ بُيُوت قَالَ الْجَوْهَرِيّ وَالْهَطَّال : اِسْم جَبَل وَالْعَنْكَبُوت الدُّوَيْبَّة الْمَعْرُوفَة الَّتِي تَنْسِج نَسْجًا رَقِيقًا مُهَلْهَلًا بَيْن الْهَوَاء وَيُجْمَع عَنَاكِيب وَعِكَاب وَعُكُب وَأَعْكُب وَقَدْ حُكِيَ أَنَّهُ يُقَال عَنْكَب وَعَكْنَبَاة ; قَالَ الشَّاعِر : كَأَنَّمَا يَسْقُط مِنْ لُغَامهَا بَيْت عَكْنَبَاة عَلَى زِمَامهَا وَتُصَغَّر فَيُقَال عُنَيْكِب وَقَدْ حُكِيَ عَنْ يَزِيد بْن مَيْسَرَة أَنَّ الْعَنْكَبُوت شَيْطَان مَسَخَهَا اللَّه تَعَالَى وَقَالَ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ : نَسَجَتْ الْعَنْكَبُوت مَرَّتَيْنِ مَرَّة عَلَى دَاوُد حِين كَانَ جَالُوت يَطْلُبهُ وَمَرَّة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَلِذَلِكَ نَهَى عَنْ قَتْلهَا وَيُرْوَى عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : طَهِّرُوا بُيُوتكُمْ مِنْ نَسْج الْعَنْكَبُوت فَإِنَّ تَرْكه فِي الْبُيُوت يُورِث الْفَقْر وَمَنْع الْخَمِير يُورِث الْفَقْر .


&quot; لَوْ &quot; مُتَعَلِّقَة بِبَيْتِ الْعَنْكَبُوت أَيْ لَوْ عَلِمُوا أَنَّ عِبَادَة الْأَوْثَان كَاِتِّخَاذِ بَيْت الْعَنْكَبُوت الَّتِي لَا تُغْنِي عَنْهُمْ شَيْئًا وَأَنَّ هَذَا مَثَلهمْ لَمَّا عَبَدُوهَا ; لَا أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ بَيْت الْعَنْكَبُوت ضَعِيف';
$TAFSEER['4']['29']['42'] = '&quot; مَا &quot; بِمَعْنَى الَّذِي &quot; وَمِنْ &quot; لِلتَّبْعِيضِ وَلَوْ كَانَتْ زَائِدَة لِلتَّوْكِيدِ لَانْقَلَبَ الْمَعْنَى وَالْمَعْنَى : إِنَّ اللَّه يَعْلَم ضَعْف مَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونه وَقَرَأَ عَاصِم وَأَبُو عَمْرو وَيَعْقُوب : &quot; يَدْعُونَ &quot; بِالْيَاءِ وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد لِذِكْرِ الْأُمَم قَبْلهَا الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب


&quot; الْحَكِيم &quot; مَعْنَاهُ الْحَاكِم , وَبَيْنهمَا مَزِيد الْمُبَالَغَة . وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْمُحْكِم وَيَجِيء الْحَكِيم عَلَى هَذَا مِنْ صِفَات الْفِعْل , صُرِفَ عَنْ مُفْعِل إِلَى فَعِيل , كَمَا صُرِفَ عَنْ مُسْمِع إِلَى سَمِيع وَمُؤْلِم إِلَى أَلِيم , قَالَهُ اِبْن الْأَنْبَارِيّ . وَقَالَ قَوْم : الْمَانِع مِنْ الْفَسَاد , وَمِنْهُ سُمِّيَتْ حَكَمَة اللِّجَام , لِأَنَّهَا تَمْنَع الْفَرَس مِنْ الْجَرْي وَالذَّهَاب فِي غَيْر قَصْد . قَالَ جَرِير : أَبَنِي حَنِيفَة أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ أَنْ أَغْضَبَا أَيْ اِمْنَعُوهُمْ مِنْ الْفَسَاد . وَقَالَ زُهَيْر : الْقَائِد الْخَيْل مَكْنُوبًا دَوَابِرهَا قَدْ أُحْكِمَتْ حَكَمَات الْقِدّ وَالْأَبَقَا الْقِدّ : الْجِلْد . وَالْأَبَق : الْقِنَّب . وَالْعَرَب تَقُول : أَحْكَمَ الْيَتِيم عَنْ كَذَا وَكَذَا , يُرِيدُونَ مَنَعَهُ . وَالسُّورَة الْمُحْكَمَة : الْمَمْنُوعَة مِنْ التَّغْيِير وَكُلّ التَّبْدِيل , وَأَنْ يَلْحَق بِهَا مَا يَخْرُج عَنْهَا , وَيُزَاد عَلَيْهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا , وَالْحِكْمَة مِنْ هَذَا , لِأَنَّهَا تَمْنَع صَاحِبهَا مِنْ الْجَهْل . وَيُقَال : أَحْكَمَ الشَّيْء إِذَا أَتْقَنَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ الْخُرُوج عَمَّا يُرِيد . فَهُوَ مُحْكَم وَحَكِيم عَلَى التَّكْثِير .';
$TAFSEER['4']['29']['43'] = 'أَيْ هَذَا الْمَثَل وَغَيْره مِمَّا ذُكِرَ فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; وَ &quot; الْحَجّ &quot; وَغَيْرهمَا


نُبَيِّنهَا لِلنَّاسِ


أَيْ يَفْهَمهَا


أَيْ الْعَالِمُونَ بِاَللَّهِ كَمَا رَوَى جَابِر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : &quot; الْعَالِم مَنْ عَقَلَ عَنْ اللَّه فَعَمِلَ بِطَاعَتِهِ وَاجْتَنَبَ سَخَطه &quot;';
$TAFSEER['4']['29']['44'] = 'أَيْ بِالْعَدْلِ وَالْقِسْط وَقِيلَ : بِكَلَامِهِ وَقُدْرَته وَذَلِكَ هُوَ الْحَقّ


أَيْ عَلَامَة وَدَلَالَة


الْمُصَدِّقِينَ';
$TAFSEER['4']['29']['45'] = 'أَمْر مِنْ التِّلَاوَة وَالدُّءُوب عَلَيْهَا وَقَدْ مَضَى فِي [ طه ] الْوَعِيد فِيمَنْ أَعْرَضَ عَنْهَا وَفِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب الْأَمْر بِالْحَضِّ عَلَيْهَا وَالْكِتَاب يُرَاد بِهِ الْقُرْآن


الْخِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّته وَإِقَامَة الصَّلَاة أَدَاؤُهَا فِي أَوْقَاتهَا بِقِرَاءَتِهَا وَرُكُوعهَا وَسُجُودهَا وَقُعُودهَا وَتَشَهُّدهَا وَجَمِيع شُرُوطهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان ذَلِكَ فِي [ الْبَقَرَة ] فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ



يُرِيد إِنَّ الصَّلَوَات الْخَمْس هِيَ الَّتِي تُكَفِّر مَا بَيْنهَا مِنْ الذُّنُوب ; كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدكُمْ يَغْتَسِل فِيهِ كُلّ يَوْم خَمْس مَرَّات هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنه شَيْء ) قَالُوا : لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنه شَيْء ; قَالَ : ( فَذَلِكَ مَثَل الصَّلَوَات الْخَمْس يَمْحُو اللَّه بِهِنَّ الْخَطَايَا ) خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَقَالَ فِيهِ حَدِيث حَسَن صَحِيح وَقَالَ اِبْن عُمَر : الصَّلَاة هُنَا الْقُرْآن وَالْمَعْنَى : الَّذِي يُتْلَى فِي الصَّلَاة يَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر وَعَنْ الزِّنَا وَالْمَعَاصِي 

قُلْت : وَمِنْهُ الْحَدِيث الصَّحِيح : ( قَسَمْت الصَّلَاة بَيْنِي وَبَيْن عَبْدِي نِصْفَيْنِ ) يُرِيد قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَقَالَ حَمَّاد بْن أَبِي سُلَيْمَان وَابْن جُرَيْج وَالْكَلْبِيّ : الْعَبْد مَا دَامَ فِي صَلَاته لَا يَأْتِي فَحْشَاء وَلَا مُنْكَرًا ; أَيْ إِنَّ الصَّلَاة تَنْهَى مَا دُمْت فِيهَا قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذِهِ عُجْمَة وَأَيْنَ هَذَا مِمَّا رَوَاهُ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : كَانَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَار يُصَلِّي مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَدَع شَيْئًا مِنْ الْفَوَاحِش وَالسَّرِقَة إِلَّا رَكِبَهُ فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( إِنَّ الصَّلَاة سَتَنْهَاهُ ) فَلَمْ يَلْبَث أَنْ تَابَ وَصَلَحَتْ حَاله فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ ) وَفِي الْآيَة تَأْوِيل ثَالِث وَهُوَ الَّذِي اِرْتَضَاهُ الْمُحَقِّقُونَ وَقَالَ بِهِ الْمَشْيَخَة الصُّوفِيَّة وَذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ ; فَقِيلَ الْمُرَاد ب &quot; أَقِمْ الصَّلَاة &quot; إِدَامَتهَا وَالْقِيَام بِحُدُودِهَا ثُمَّ أَخْبَرَ حُكْمًا مِنْهُ بِأَنَّ الصَّلَاة تَنْهَى صَاحِبهَا وَمُمْتَثِلهَا عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر ; وَذَلِكَ لِمَا فِيهَا مِنْ تِلَاوَة الْقُرْآن الْمُشْتَمِل عَلَى الْمَوْعِظَة وَالصَّلَاة تَشْغَل كُلّ بَدَن الْمُصَلِّي فَإِذَا دَخَلَ الْمُصَلِّي فِي مِحْرَابه وَخَشَعَ وَأَخْبَتَ لِرَبِّهِ وَادَّكَرَ أَنَّهُ وَاقِف بَيْن يَدَيْهِ وَأَنَّهُ مُطَّلِع عَلَيْهِ وَيَرَاهُ صَلَحَتْ لِذَلِكَ نَفْسه وَتَذَلَّلَتْ وَخَامَرَهَا اِرْتِقَاب اللَّه تَعَالَى وَظَهَرَتْ عَلَى جَوَارِحه هَيْبَتهَا وَلَمْ يَكَدْ يَفْتَرِ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى تُظِلّهُ صَلَاة أُخْرَى يَرْجِع بِهَا إِلَى أَفْضَل حَالَة فَهَذَا مَعْنَى هَذِهِ الْأَخْبَار لِأَنَّ صَلَاة الْمُؤْمِن هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُون 

قُلْت : لَا سِيَّمَا وَإِنْ أَشْعَرَ نَفْسه أَنَّ هَذَا رُبَّمَا يَكُون آخِر عَمَله وَهَذَا أَبْلَغ فِي الْمَقْصُود وَأَتَمّ فِي الْمُرَاد فَإِنَّ الْمَوْت لَيْسَ لَهُ سِنّ مَحْدُود وَلَا زَمَن مَخْصُوص وَلَا مَرَض مَعْلُوم وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَاف فِيهِ وَرُوِيَ عَنْ بَعْض السَّلَف أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة اِرْتَعَدَ وَاصْفَرَّ لَوْنه فَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : إِنِّي وَاقِف بَيْن يَدَيْ اللَّه تَعَالَى وَحُقَّ لِي هَذَا مَعَ مُلُوك الدُّنْيَا فَكَيْفَ مَعَ مَلِك الْمُلُوك فَهَذِهِ صَلَاة تَنْهَى وَلَا بُدّ عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر وَمَنْ كَانَتْ صَلَاته دَائِرَة حَوْل الْإِجْزَاء لَا خُشُوع فِيهَا وَلَا تَذَكُّر وَلَا فَضَائِل كَصَلَاتِنَا - وَلَيْتَهَا تَجْزِي - فَتِلْكَ تَتْرُك صَاحِبهَا مِنْ مَنْزِلَته حَيْثُ كَانَ فَإِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقَة مَعَاصٍ تُبْعِدهُ مِنْ اللَّه تَعَالَى تَرَكَتْهُ الصَّلَاة يَتَمَادَى عَلَى بُعْده وَعَلَى هَذَا يُخَرَّج الْحَدِيث الْمَرْوِيّ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَالْأَعْمَش قَوْلهمْ : ( مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاته عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر لَمْ تَزِدْهُ مِنْ اللَّه إِلَّا بُعْدًا ) وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْحَسَن أَرْسَلَهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ غَيْر صَحِيح السَّنَد قَالَ اِبْن عَطِيَّة سَمِعْت أَبِي رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول : فَإِذَا قَرَرْنَا وَنُظِرَ مَعْنَاهُ فَغَيْر جَائِز أَنْ يَقُول إِنَّ نَفْس صَلَاة الْعَاصِي تُبْعِدهُ مِنْ اللَّه حَتَّى كَأَنَّهَا مَعْصِيَة وَإِنَّمَا يَتَخَرَّج ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا لَا تُؤَثِّر فِي تَقْرِيبه مِنْ اللَّه بَلْ تَتْرُكهُ عَلَى حَاله وَمَعَاصِيه مِنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر وَالْبُعْد فَلَمْ تَزِدْهُ الصَّلَاة إِلَّا تَقْرِير ذَلِكَ الْبُعْد الَّذِي كَانَ سَبِيله فَكَأَنَّهَا بَعَّدَتْهُ حِين لَمْ تَكُفَّ بُعْده عَنْ اللَّه وَقِيلَ لِابْنِ مَسْعُود : إِنَّ فُلَانًا كَثِير الصَّلَاة فَقَالَ : إِنَّهَا لَا تَنْفَع إِلَّا مَنْ أَطَاعَهَا 

قُلْت : وَعَلَى الْجُمْلَة فَالْمَعْنَى الْمَقْصُود بِالْحَدِيثِ : ( لَمْ تَزِدْهُ مِنْ اللَّه إِلَّا بُعْدًا وَلَمْ يَزْدَدْ بِهَا مِنْ اللَّه إِلَّا مَقْتًا ) إِشَارَة إِلَى أَنَّ مُرْتَكِب الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر لَا قَدْر لِصَلَاتِهِ ; لِغَلَبَةِ الْمَعَاصِي عَلَى صَاحِبهَا وَقِيلَ : هُوَ خَبَر بِمَعْنَى الْأَمْر أَيْ لِيَنْتَهِ الْمُصَلِّي عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر وَالصَّلَاة بِنَفْسِهَا لَا تَنْهَى وَلَكِنَّهَا سَبَب الِانْتِهَاء وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; هَذَا كِتَابنَا يَنْطِق عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ &quot; [ الْجَاثِيَة : 29 ] وَقَوْله : &quot; أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّم بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ &quot; [ الرُّوم : 35 ]



أَيْ ذِكْر اللَّه لَكُمْ بِالثَّوَابِ وَالثَّنَاء عَلَيْكُمْ أَكْبَر مِنْ ذِكْركُمْ لَهُ فِي عِبَادَتكُمْ وَصَلَوَاتكُمْ قَالَ مَعْنَاهُ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَأَبُو الدَّرْدَاء وَأَبُو قُرَّة وَسَلْمَان وَالْحَسَن ; وَهُوَ اِخْتِيَار الطَّبَرِيّ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيث مُوسَى بْن عُقْبَة عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : &quot; وَلَذِكْر اللَّه أَكْبَر &quot; قَالَ : ( ذِكْر اللَّه إِيَّاكُمْ أَكْبَر مِنْ ذِكْركُمْ إِيَّاهُ ) وَقِيلَ : ذِكْركُمْ اللَّه فِي صَلَاتكُمْ وَفِي قِرَاءَة الْقُرْآن أَفْضَل مِنْ كُلّ شَيْء وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; إِنَّ ذِكْر اللَّه أَكْبَر مَعَ الْمُدَاوَمَة مِنْ الصَّلَاة فِي النَّهْي عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر وَقَالَ الضَّحَّاك : وَلَذِكْر اللَّه عِنْدَمَا يَحْرُم فَيَتْرُك أَجَلّ الذِّكْر وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَلَذِكْر اللَّه لِلنَّهْيِ عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر أَكْبَر أَيْ كَبِير وَأَكْبَر يَكُون بِمَعْنَى كَبِير وَقَالَ اِبْن زَيْد وَقَتَادَة : وَلَذِكْر اللَّه أَكْبَر مِنْ كُلّ شَيْء أَيْ أَفْضَل مِنْ الْعِبَادَات كُلّهَا بِغَيْرِ ذِكْر وَقِيلَ : ذِكْر اللَّه يَمْنَع مِنْ الْمَعْصِيَة فَإِنَّ مَنْ كَانَ ذَاكِرًا لَهُ لَا يُخَالِفهُ قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَعِنْدِي أَنَّ الْمَعْنَى وَلَذِكْر اللَّه أَكْبَر عَلَى الْإِطْلَاق أَيْ هُوَ الَّذِي يَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر فَالْجُزْء الَّذِي مِنْهُ فِي الصَّلَاة يَفْعَل ذَلِكَ وَكَذَلِكَ يَفْعَل فِي غَيْر الصَّلَاة لِأَنَّ الِانْتِهَاء لَا يَكُون إِلَّا مِنْ ذَاكِر اللَّه مُرَاقِب لَهُ وَثَوَاب ذَلِكَ أَنْ يَذْكُرهُ اللَّه تَعَالَى ; كَمَا فِي الْحَدِيث ( مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسه ذَكَرْته فِي نَفْسِي وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْته فِي مَلَإٍ خَيْر مِنْهُمْ ) وَالْحَرَكَات الَّتِي فِي الصَّلَاة لَا تَأْثِير لَهَا فِي نَهْيٍ . وَالذِّكْر النَّافِع هُوَ مَعَ الْعِلْم وَإِقْبَال الْقَلْب وَتَفَرُّغه إِلَّا مِنْ اللَّه وَأَمَّا مَا لَا يَتَجَاوَز اللِّسَان فَفِي رُتْبَة أُخْرَى وَذِكْر اللَّه تَعَالَى لِلْعَبْدِ هُوَ إِفَاضَة الْهُدَى وَنُور الْعِلْم عَلَيْهِ وَذَلِكَ ثَمَرَة لِذِكْرِ الْعَبْد رَبّه قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : &quot; فَاذْكُرُونِي أَذْكُركُمْ &quot; [ الْبَقَرَة : 152 ] وَبَاقِي الْآيَة ضَرْب مِنْ الْوَعِيد وَالْحَثّ عَلَى الْمُرَاقَبَة';
$TAFSEER['4']['29']['46'] = 'اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي قَوْل تَعَالَى : &quot; وَلَا تُجَادِلُوا أَهْل الْكِتَاب &quot; فَقَالَ مُجَاهِد : هِيَ مُحْكَمَة فَيَجُوز مُجَادَلَة أَهْل الْكِتَاب بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن عَلَى مَعْنَى الدُّعَاء لَهُمْ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَالتَّنْبِيه عَلَى حُجَجه وَآيَاته ; رَجَاء إِجَابَتهمْ إِلَى الْإِيمَان لَا عَلَى طَرِيق الْإِغْلَاظ وَالْمُخَاشَنَة وَقَوْله عَلَى هَذَا : &quot; إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ &quot; مَعْنَاهُ ظَلَمُوكُمْ وَإِلَّا فَكُلّهمْ ظَلَمَة عَلَى الْإِطْلَاق وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَا تُجَادِلُوا مَنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْل الْكِتَاب الْمُؤْمِنِينَ كَعَبْدِ اللَّه بْن سَلَام وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ



أَيْ بِالْمُوَافَقَةِ فِيمَا حَدَّثُوكُمْ بِهِ مِنْ أَخْبَار أَوَائِلهمْ وَغَيْر ذَلِكَ وَقَوْله عَلَى هَذَا التَّأْوِيل : &quot; إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا &quot; يُرِيد بِهِ مَنْ بَقِيَ عَلَى كُفْره مِنْهُمْ كَمَنْ كَفَرَ وَغَدَرَ مِنْ قُرَيْظَة وَالنَّضِير وَغَيْرهمْ وَالْآيَة عَلَى هَذَا أَيْضًا مُحْكَمَة وَقِيلَ : هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة بِآيَةِ الْقِتَال قَوْله تَعَالَى : &quot; قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ &quot; [ التَّوْبَة : 29 ] قَالَهُ قَتَادَة &quot; إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا &quot; أَيْ جَعَلُوا لِلَّهِ وَلَدًا وَقَالُوا : &quot; يَد اللَّه مَغْلُولَة &quot; [ الْمَائِدَة : 64 ] وَ &quot; إِنَّ اللَّه فَقِير &quot; [ آل عِمْرَان : 181 ] فَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ نَصَبُوا الْحَرْب وَلَمْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَة فَانْتَصَرُوا مِنْهُمْ قَالَ النَّحَّاس وَغَيْره : مَنْ قَالَ هِيَ مَنْسُوخَة اِحْتَجَّ بِأَنَّ الْآيَة مَكِّيَّة وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْوَقْت قِتَال مَفْرُوض وَلَا طَلَب جِزْيَة وَلَا غَيْر ذَلِكَ وَقَوْل مُجَاهِد حَسَن لِأَنَّ أَحْكَام اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَا يُقَال فِيهَا إِنَّهَا مَنْسُوخَة إِلَّا بِخَبَرٍ يَقْطَع الْعُذْر أَوْ حُجَّة مِنْ مَعْقُول وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل اِبْن الْعَرَبِيّ


قَالَ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر : وَقَوْله : &quot; إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ &quot; مَعْنَاهُ إِلَّا الَّذِينَ نَصَبُوا لِلْمُؤْمِنِينَ الْحَرْب فَجِدَالهمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُؤْمِنُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَة


رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : كَانَ أَهْل الْكِتَاب يَقْرَءُونَ التَّوْرَاة بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَام ; فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تُصَدِّقُوا أَهْل الْكِتَاب وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ ) &quot; وَقُولُوا آمَنَّا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ &quot; وَرَوَى عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَسْأَلُوا أَهْل الْكِتَاب عَنْ شَيْء فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا إِمَّا أَنْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ وَإِمَّا أَنْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ ) وَفِي الْبُخَارِيّ : عَنْ حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن سَمِعَ مُعَاوِيَة يُحَدِّث رَهْطًا مِنْ قُرَيْش بِالْمَدِينَةِ وَذَكَرَ كَعْب الْأَحْبَار فَقَالَ : إِنْ كَانَ مِنْ أَصْدَق هَؤُلَاءِ الْمُحَدِّثِينَ الَّذِينَ يُحَدِّثُونَ عَنْ أَهْل الْكِتَاب وَإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ لَنَبْلُو عَلَيْهِ الْكَذِب';
$TAFSEER['4']['29']['47'] = '';
$TAFSEER['4']['29']['48'] = 'الضَّمِير فِي &quot; قَبْله &quot; عَائِد إِلَى الْكِتَاب وَهُوَ الْقُرْآن الْمُنَزَّل عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أَيْ وَمَا كُنْت يَا مُحَمَّد تَقْرَأ قَبْله وَلَا تَخْتَلِف إِلَى أَهْل الْكِتَاب ; بَلْ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك فِي غَايَة الْإِعْجَاز وَالتَّضْمِين لِلْغُيُوبِ وَغَيْر ذَلِكَ فَلَوْ كُنْت مِمَّنْ يَقْرَأ كِتَابًا وَيَخُطّ حُرُوفًا &quot; لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ &quot; أَيْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَكَانَ لَهُمْ فِي اِرْتِيَابهمْ مُتَعَلَّق وَقَالُوا الَّذِي نَجِدهُ فِي كُتُبنَا أَنَّهُ أُمِّيّ لَا يَكْتُب وَلَا يَقْرَأ وَلَيْسَ بِهِ قَالَ مُجَاهِد : كَانَ أَهْل الْكِتَاب يَجِدُونَ فِي كُتُبهمْ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخُطّ وَلَا يَقْرَأ ; فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة ; قَالَ النَّحَّاس : دَلِيلًا عَلَى نُبُوَّته لِقُرَيْشٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَقْرَأ وَلَا يَكْتُب وَلَا يُخَالِط أَهْل الْكِتَاب وَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ أَهْل الْكِتَاب فَجَاءَهُمْ بِأَخْبَارِ الْأَنْبِيَاء وَالْأُمَم وَزَالَتْ الرِّيبَة وَالشَّكّ 

ذَكَرَ النَّقَّاش فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة عَنْ الشَّعْبِيّ أَنَّهُ قَالَ : مَا مَاتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَتَبَ وَأَسْنَدَ أَيْضًا حَدِيث أَبِي كَبْشَة السَّلُولِيّ ; مُضْمَنُهُ : أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ صَحِيفَة لِعُيَيْنَةَ بْن حِصْن وَأَخْبَرَ بِمَعْنَاهَا قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا كُلّه ضَعِيف وَقَوْل الْبَاجِيّ رَحِمَهُ اللَّه مِنْهُ 

قُلْت : وَقَعَ فِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث الْبَرَاء فِي صُلْح الْحُدَيْبِيَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ : ( اُكْتُبْ الشَّرْط بَيْننَا بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول اللَّه ) فَقَالَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ : لَوْ نَعْلَم أَنَّك رَسُول اللَّه تَابَعْنَاك - وَفِي رِوَايَة بَايَعْنَاك - وَلَكِنْ اُكْتُبْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه فَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَمْحُوهَا فَقَالَ عَلِيّ : وَاَللَّه لَا أَمْحَاهُ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرِنِي مَكَانهَا ( فَأَرَاهُ فَمَحَاهَا وَكَتَبَ اِبْن عَبْد اللَّه ) قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ : وَظَاهِر هَذَا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام مَحَا تِلْكَ الْكَلِمَة الَّتِي هِيَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ وَكَتَبَ مَكَانهَا اِبْن عَبْد اللَّه وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيّ بِأَظْهَرَ مِنْ هَذَا فَقَالَ : فَأَخَذَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِتَاب فَكَتَبَ وَزَادَ فِي طَرِيق أُخْرَى : وَلَا يَحْسُن أَنْ يَكْتُب فَقَالَ جَمَاعَة بِجَوَازِ هَذَا الظَّاهِر عَلَيْهِ وَأَنَّهُ كَتَبَ بِيَدِهِ مِنْهُمْ السِّمَنَانِيّ وَأَبُو ذَرّ وَالْبَاجِيّ وَرَأَوْا أَنَّ ذَلِكَ غَيْر قَادِح فِي كَوْنه أُمِّيًّا وَلَا مُعَارِض بِقَوْلِهِ : &quot; وَمَا كُنْت تَتْلُو مِنْ قَبْله مِنْ كِتَاب وَلَا تَخُطّهُ بِيَمِينِك &quot; وَلَا بِقَوْلِهِ : ( إِنَّا أُمَّة أُمِّيَّة لَا نَكْتُب وَلَا نَحْسِب ) بَلْ رَأَوْهُ زِيَادَة فِي مُعْجِزَاته وَاسْتِظْهَارًا عَلَى صِدْقه وَصِحَّة رِسَالَته وَذَلِكَ أَنَّهُ كَتَبَ مِنْ غَيْر تَعَلُّم لِكِتَابَةٍ وَلَا تَعَاطٍ لِأَسْبَابِهَا وَإِنَّمَا أَجْرَى اللَّه تَعَالَى عَلَى يَده وَقَلَمه حَرَكَات كَانَتْ عَنْهَا خُطُوط مَفْهُومهَا اِبْن عَبْد اللَّه لِمَنْ قَرَأَهَا فَكَانَ ذَلِكَ خَارِقًا لِلْعَادَةِ ; كَمَا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام عَلِمَ عِلْم الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مِنْ غَيْر تَعَلُّم وَلَا اِكْتِسَاب فَكَانَ ذَلِكَ أَبْلَغ فِي مُعْجِزَاته وَأَعْظَم فِي فَضَائِله وَلَا يَزُول عَنْهُ اِسْم الْأُمِّيّ بِذَلِكَ ; وَلِذَلِكَ قَالَ الرَّاوِي عَنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَة : وَلَا يُحْسِن أَنْ يَكْتُب فَبَقِيَ عَلَيْهِ اِسْم الْأُمِّيّ مَعَ كَوْنه قَالَ كَتَبَ . قَالَ شَيْخنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن عُمَر : وَقَدْ أَنْكَرَ هَذَا كَثِير مِنْ مُتَفَقِّهَة الْأَنْدَلُس وَغَيْرهمْ وَشَدَّدُوا النَّكِير فِيهِ وَنَسَبُوا قَائِله إِلَى الْكُفْر وَذَلِكَ دَلِيل عَلَى عَدَم الْعُلُوم النَّظَرِيَّة وَعَدَم التَّوَقُّف فِي تَكْفِير الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَتَفَطَّنُوا ; لِأَنَّ تَكْفِير الْمُسْلِم كَقَتْلِهِ عَلَى مَا جَاءَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام فِي الصَّحِيح لَا سِيَّمَا رَمْي مَنْ شَهِدَ لَهُ أَهْل الْعَصْر بِالْعِلْمِ وَالْفَضْل وَالْإِمَامَة ; عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَة لَيْسَتْ قَطْعِيَّة بَلْ مُسْتَنَدهَا ظَوَاهِر أَخْبَار آحَاد صَحِيحَة غَيْر أَنَّ الْعَقْل لَا يُحِيلهَا وَلَيْسَ فِي الشَّرِيعَة قَاطِع يُحِيل وُقُوعهَا 

قُلْت : وَقَالَ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ هِيَ آيَة خَارِقَة فَيُقَال لَهُ : كَانَتْ تَكُون آيَة لَا تُنْكَر لَوْلَا أَنَّهَا مُنَاقِضَة لِآيَةٍ أُخْرَى وَهِيَ كَوْنه أُمِّيًّا لَا يَكْتُب ; وَبِكَوْنِهِ أُمِّيًّا فِي أُمَّة أُمِّيَّة قَامَتْ الْحُجَّة وَأَفْحَمَ الْجَاحِدُونَ وَانْحَسَمَتْ الشُّبْهَة فَكَيْفَ يُطْلِق اللَّه تَعَالَى يَده فَيَكْتُب وَتَكُون آيَة وَإِنَّمَا الْآيَة أَلَّا يَكْتُب وَالْمُعْجِزَات يَسْتَحِيل أَنْ يَدْفَع بَعْضهَا بَعْضًا وَإِنَّمَا مَعْنَى كَتَبَ وَأَخَذَ الْقَلَم ; أَيْ أَمَرَ مَنْ يَكْتُب بِهِ مِنْ كُتَّابه وَكَانَ مِنْ كَتَبَة الْوَحْي بَيْن يَدَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّة وَعِشْرُونَ كَاتِبًا 

ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ مُعَاوِيَة أَنَّهُ كَانَ يَكْتُب بَيْن يَدَيْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ : ( أَلْقِ الدَّوَاة وَحَرِّفْ الْقَلَم وَأَقِمْ الْبَاء وَفَرِّقْ السِّين وَلَا تُعَوِّر الْمِيم وَحَسِّنْ اللَّه وَمُدَّ الرَّحْمَن وَجَوِّدْ الرَّحِيم ) قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا وَإِنْ لَمْ تَصِحّ الرِّوَايَة أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ فَلَا يَبْعُد أَنْ يُرْزَق عِلْم هَذَا وَيُمْنَع الْقِرَاءَة وَالْكِتَابَة 

قُلْت : هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي الْبَاب أَنَّهُ مَا كَتَبَ وَلَا حَرْفًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا أَمَرَ مَنْ يَكْتُب وَكَذَلِكَ مَا قَرَأَ وَلَا تَهَجَّى فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ تَهَجَّى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين ذَكَرَ الدَّجَّال فَقَالَ : ( مَكْتُوب بَيْن عَيْنَيْهِ ك ا ف ر ) وَقُلْتُمْ إِنَّ الْمُعْجِزَة قَائِمَة فِي كَوْنه أُمِّيًّا ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَمَا كُنْت تَتْلُو مِنْ قَبْله مِنْ كِتَاب &quot; الْآيَة وَقَالَ : ( إِنَّا أُمَّة أُمِّيَّة لَا نَكْتُب وَلَا نَحْسِب ) فَكَيْفَ هَذَا ؟ فَالْجَوَاب مَا نَصَّ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث حُذَيْفَة وَالْحَدِيث كَالْقُرْآنِ يُفَسِّر بَعْضه بَعْضًا فَفِي حَدِيث حُذَيْفَة ( يَقْرَؤُهُ كُلّ مُؤْمِن كَاتِب وَغَيْر كَاتِب ) فَقَدْ نَصَّ فِي ذَلِكَ عَلَى غَيْر الْكِتَاب مِمَّنْ يَكُون أُمِّيًّا وَهَذَا مِنْ أَوْضَح مَا يَكُون جَلِيًّا';
$TAFSEER['4']['29']['49'] = 'يَعْنِي الْقُرْآن قَالَ الْحَسَن : وَزَعَمَ الْفَرَّاء فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه &quot; بَلْ هِيَ آيَات بَيِّنَات &quot; الْمَعْنَى بَلْ آيَات الْقُرْآن آيَات بَيِّنَات قَالَ الْحَسَن : وَمِثْله &quot; هَذَا بَصَائِر &quot; [ الْأَعْرَاف : 203 ] وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ لَجَازَ نَظِيره : &quot; هَذَا رَحْمَة مِنْ رَبِّي &quot; [ الْكَهْف : 98 ] قَالَ الْحَسَن : أُعْطِيَتْ هَذِهِ الْأُمَّة الْحِفْظ وَكَانَ مَنْ قَبْلهَا لَا يَقْرَءُونَ كِتَابهمْ إِلَّا نَظَرًا فَإِذَا أَطْبَقُوهُ لَمْ يَحْفَظُوا مَا فِيهِ إِلَّا النَّبِيُّونَ فَقَالَ كَعْب فِي صِفَة هَذِهِ الْأُمَّة : إِنَّهُمْ حُكَمَاء عُلَمَاء وَهُمْ فِي الْفِقْه أَنْبِيَاء



أَيْ لَيْسَ هَذَا الْقُرْآن كَمَا يَقُولهُ الْمُبْطِلُونَ مِنْ أَنَّهُ سِحْر أَوْ شِعْر وَلَكِنَّهُ عَلَامَات وَدَلَائِل يُعْرَف بِهَا دِين اللَّه وَأَحْكَامه وَهِيَ كَذَلِكَ فِي صُدُور الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم وَهُمْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِهِ يَحْفَظُونَهُ وَيَقْرَءُونَهُ وَوَصَفَهُمْ بِالْعِلْمِ ; لِأَنَّهُمْ مَيَّزُوا بِأَفْهَامِهِمْ بَيْن كَلَام اللَّه وَكَلَام الْبَشَر وَالشَّيَاطِين وَقَالَ قَتَادَة وَابْن عَبَّاس : &quot; بَلْ هُوَ &quot; يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : &quot; آيَات بَيِّنَات فِي صُدُور اللَّذَيْنِ أُوتُوا الْعِلْم &quot; مِنْ أَهْل الْكِتَاب يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي كُتُبهمْ بِهَذِهِ الصِّفَة أُمِّيًّا لَا يَقْرَأ ; وَلَا يَكْتُب وَلَكِنَّهُمْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ وَكَتَمُوا وَهَذَا اِخْتِيَار الطَّبَرِيّ وَدَلِيل هَذَا الْقَوْل قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود وَابْن السَّمَيْقَع : &quot; بَلْ هَذَا آيَات بَيِّنَات &quot; وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام آيَات لَا آيَة وَاحِدَة ; لِأَنَّهُ دَلَّ عَلَى أَشْيَاء كَثِيرَة مِنْ أَمْر الدِّين ; فَلِهَذَا قَالَ : &quot; بَلْ هُوَ آيَات بَيِّنَات &quot; وَقِيلَ : بَلْ هُوَ ذُو آيَات بَيِّنَات فَحُذِفَ الْمُضَاف .


أَيْ الْكُفَّار ; لِأَنَّهُمْ جَحَدُوا نُبُوَّته وَمَا جَاءَ بِهِ';
$TAFSEER['4']['29']['50'] = 'هَذَا قَوْل الْمُشْرِكِينَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْنَاهُ هَلَّا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَة كَآيَاتِ الْأَنْبِيَاء قِيلَ : كَمَا جَاءَ صَالِح بِالنَّاقَةِ وَمُوسَى بِالْعَصَا وَعِيسَى بِإِحْيَاءِ الْمَوْتَى ;


أَيْ &quot; قُلْ &quot; لَهُمْ يَا مُحَمَّد : &quot; إِنَّمَا الْآيَات عِنْد اللَّه &quot; فَهُوَ يَأْتِي بِهَا كَمَا يُرِيد إِذَا شَاءَ أَرْسَلَهَا وَلَيْسَتْ عِنْدِي &quot; وَإِنَّمَا أَنَا نَذِير مُبِين &quot; وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَأَبُو بَكْر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ : &quot; آيَة &quot; بِالتَّوْحِيدِ وَجَمَعَ الْبَاقُونَ وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; قُلْ إِنَّمَا الْآيَات عِنْد اللَّه &quot;';
$TAFSEER['4']['29']['51'] = 'هَذَا جَوَاب لِقَوْلِهِمْ &quot; لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَات مِنْ رَبّه &quot; أَيْ أَوَلَمْ يَكْفِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْآيَات هَذَا الْكِتَاب الْمُعْجِز الَّذِي قَدْ تَحَدَّيْتهمْ بِأَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ أَوْ بِسُورَةٍ مِنْهُ فَعَجَزُوا وَلَوْ أَتَيْتهمْ بِآيَاتِ مُوسَى وَعِيسَى لَقَالُوا : سِحْر وَنَحْنُ لَا نَعْرِف السِّحْر ; وَالْكَلَام مَقْدُور لَهُمْ وَمَعَ ذَلِكَ عَجَزُوا عَنْ الْمُعَارَضَة وَقِيلَ : إِنَّ سَبَب نُزُول هَذِهِ الْآيَات مَا رَوَاهُ اِبْن عُيَيْنَة عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ يَحْيَى بْن جَعْدَة قَالَ : أُتِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَتِفٍ فِيهِ كِتَاب فَقَالَ ( كَفَى بِقَوْمٍ ضَلَالَة أَنْ يَرْغَبُوا عَمَّا جَاءَ بِهِ نَبِيّهمْ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ نَبِيّ غَيْر نَبِيّهمْ أَوْ كِتَاب غَيْر كِتَابهمْ ) فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : &quot; أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْكِتَاب &quot; أَخْرَجَهُ أَبُو مُحَمَّد الدَّارِمِيّ فِي مُسْنَده وَذَكَرَهُ أَهْل التَّفْسِير فِي كُتُبهمْ وَفِي مِثْل هَذَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : ( لَوْ كَانَ مُوسَى بْن عِمْرَان حَيًّا لَمَا وَسِعَهُ إِلَّا اِتِّبَاعِي ) وَفِي مِثْله قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ ) أَيْ يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ غَيْره وَهَذَا تَأْوِيل الْبُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّه فِي الْآيَة وَإِذَا كَانَ لِقَاء رَبّه بِكُلِّ حَرْف عَشْر حَسَنَات فَأَكْثَر عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب فَالرَّغْبَة عَنْهُ إِلَى غَيْره ضَلَال وَخُسْرَان وَغَبْن وَنُقْصَان



أَيْ فِي الْقُرْآن &quot; لَرَحْمَة &quot; فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَقِيلَ : رَحْمَة فِي الدُّنْيَا بِاسْتِنْفَاذِهِمْ مِنْ الضَّلَالَة &quot; وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ &quot; لَرَحْمَة فِي الدُّنْيَا بِإِرْشَادِهِمْ بِهِ إِلَى الْحَقّ';
$TAFSEER['4']['29']['52'] = 'أَيْ قُلْ لِلْمُكَذِّبِينَ لَك كَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا يَشْهَد لِي بِالصِّدْقِ فِيمَا أَدَّعِيه مِنْ أَنِّي رَسُوله وَأَنَّ هَذَا الْقُرْآن كِتَابه


أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء وَهَذَا اِحْتِجَاج عَلَيْهِمْ فِي صِحَّة شَهَادَته عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُمْ قَدْ أَقَرُّوا بِعِلْمِهِ فَلَزِمَهُمْ أَنْ يُقِرُّوا بِشَهَادَتِهِ


قَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام : بِإِبْلِيسَ وَقِيلَ : بِعِبَادَةِ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام ; قَالَهُ اِبْن شَجَرَة


أَيْ لِتَكْذِيبِهِمْ بِرُسُلِهِ وَجَحْدهمْ لِكِتَابِهِ وَقِيلَ : بِمَا أَشْرَكُوا بِهِ مِنْ الْأَوْثَان وَأَضَافُوا إِلَيْهِ مِنْ الْأَوْلَاد وَالْأَضْدَاد


أَنْفُسهمْ وَأَعْمَالهمْ فِي الْآخِرَة';
$TAFSEER['4']['29']['53'] = 'لَمَّا أَنْذَرَهُمْ بِالْعَذَابِ قَالُوا لِفَرْطِ الْإِنْكَار : عَجِّلْ لَنَا هَذَا الْعَذَاب وَقِيلَ : إِنَّ قَائِل ذَلِكَ النَّضْر بْن الْحَارِث وَأَبُو جَهْل حِين قَالَا : &quot; اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء &quot; [ الْأَنْفَال : 32 ] وَقَوْلهمْ : &quot; رَبّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطّنَا قَبْل يَوْم الْحِسَاب &quot; [ ص : 16 ]


فِي نُزُول الْعَذَاب قَالَ اِبْن عَبَّاس : يَعْنِي هُوَ مَا وَعَدْتُك أَلَّا أُعَذِّب قَوْمك وَأُؤَخِّرهُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة بَيَانه : &quot; بَلْ السَّاعَة مَوْعِدهمْ &quot; [ الْقَمَر : 46 ] وَقَالَ الضَّحَّاك : هُوَ مُدَّة أَعْمَارهمْ فِي الدُّنْيَا وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْأَجَلِ الْمُسَمَّى النَّفْخَة الْأُولَى قَالَهُ يَحْيَى بْن سَلَّام وَقِيلَ : الْوَقْت الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّه لِهَلَاكِهِمْ وَعَذَابهمْ ; قَالَهُ اِبْن شَجَرَة وَقِيلَ : هُوَ الْقَتْل يَوْم بَدْر وَعَلَى الْجُمْلَة فَلِكُلِّ عَذَاب أَجَل لَا يَتَقَدَّم وَلَا يَتَأَخَّر دَلِيله قَوْله : &quot; لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرّ &quot; [ الْأَنْعَام : 67 ]



يَعْنِي الَّذِي اِسْتَعْجَلُوهُ


أَيْ فَجْأَة


أَيْ لَا يَعْلَمُونَ بِنُزُولِهِ عَلَيْهِمْ';
$TAFSEER['4']['29']['54'] = 'أَيْ يَسْتَعْجِلُونَك وَقَدْ أَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّم وَأَنَّهَا سَتُحِيطُ بِهِمْ لَا مَحَالَة فَمَا مَعْنَى الِاسْتِعْجَال وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة وَأَصْحَابه مِنْ الْمُشْرِكِينَ حِين قَالُوا &quot; أَوْ تُسْقِط السَّمَاء كَمَا زَعَمْت عَلَيْنَا كِسَفًا &quot; [ الْإِسْرَاء : 92 ]';
$TAFSEER['4']['29']['55'] = 'قِيلَ : هُوَ مُتَّصِل بِمَا هُوَ قَبْله ; أَيْ يَوْم يُصِيبهُمْ الْعَذَاب مِنْ فَوْقهمْ وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ فَإِذَا غَشِيَهُمْ الْعَذَاب أَحَاطَتْ بِهِمْ جَهَنَّم وَإِنَّمَا قَالَ : &quot; مِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ &quot; لِلْمُقَارَبَةِ وَإِلَّا فَالْغَشَيَان مِنْ فَوْق أَعَمّ ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاء بَارِدًا وَقَالَ آخَر : لَقَدْ كَانَ قَوَّاد الْجِيَاد إِلَى الْعِدَا عَلَيْهِنَّ غَابَ مِنْ قَنًى وَدُرُوع 



قَرَأَ أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : &quot; نَقُول &quot; بِالنُّونِ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد ; لِقَوْلِهِ : &quot; قُلْ كَفَى بِاَللَّهِ &quot; [ الْإِسْرَاء : 96 ] وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمَلَك الْمُوَكَّل بِهِمْ يَقُول : &quot; ذُوقُوا &quot; وَالْقِرَاءَتَانِ تَرْجِع إِلَى مَعْنَى أَيْ يَقُول الْمَلَك بِأَمْرِنَا ذُوقُوا';
$TAFSEER['4']['29']['56'] = 'هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي تَحْرِيض الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كَانُوا بِمَكَّةَ عَلَى الْهِجْرَة - فِي قَوْل مُقَاتِل وَالْكَلْبِيّ - فَأَخْبَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى بِسَعَةِ أَرْضه وَأَنَّ الْبَقَاء فِي بُقْعَة عَلَى أَذَى الْكُفَّار لَيْسَ بِصَوَابٍ بَلْ الصَّوَاب أَنْ يَتَلَمَّس عِبَادَة اللَّه فِي أَرْضه مَعَ صَالِحِي عِبَاده ; أَيْ إِنْ كُنْتُمْ فِي ضَيْق مِنْ إِظْهَار الْإِيمَان بِهَا فَهَاجِرُوا إِلَى الْمَدِينَة فَإِنَّهَا وَاسِعَة ; لِإِظْهَارِ التَّوْحِيد بِهَا وَقَالَ اِبْن جُبَيْر وَعَطَاء : إِنَّ الْأَرْض الَّتِي فِيهَا الظُّلْم وَالْمُنْكَر تَتَرَتَّب فِيهَا هَذِهِ الْآيَة وَتَلْزَم الْهِجْرَة عَنْهَا إِلَى بَلَد حَقّ وَقَالَهُ مَالِك وَقَالَ مُجَاهِد : &quot; إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَة &quot; فَهَاجِرُوا وَجَاهِدُوا وَقَالَ مُطَرِّف بْن الشِّخِّير : الْمَعْنَى إِنَّ رَحْمَتِي وَاسِعَة وَعَنْهُ أَيْضًا : إِنَّ رِزْقِي لَكُمْ وَاسِع فَابْتَغُوهُ فِي الْأَرْض قَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ : إِذَا كُنْت بِأَرْضٍ غَالِيَة فَانْتَقِلْ إِلَى غَيْرهَا تَمْلَأ فِيهَا جِرَابك خُبْزًا بِدِرْهَمٍ وَقِيلَ : الْمَعْنَى : إِنَّ أَرْضِي الَّتِي هِيَ أَرْض الْجَنَّة وَاسِعَة &quot; فَاعْبُدُونِ &quot; حَتَّى أُورِثكُمُوهَا وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَيَعْقُوب وَالْجَحْدَرِيّ وَابْن إِسْحَاق وَابْن مُحَيْصِن وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَخَلَف : &quot; يَا عِبَادِي &quot; بِإِسْكَانِ الْيَاء وَفَتَحَهَا الْبَاقُونَ &quot; إِنَّ أَرْضِي &quot; فَتَحَهَا اِبْن عَامِر وَسَكَّنَهَا الْبَاقُونَ وَرُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ فَرَّ بِدِينِهِ مِنْ أَرْض إِلَى أَرْض وَلَوْ قِيد شِبْر اِسْتَوْجَبَ الْجَنَّة وَكَانَ رَفِيق مُحَمَّد وَإِبْرَاهِيم ) عَلَيْهِمَا السَّلَام



&quot; إِيَّايَ &quot; مَنْصُوب بِفِعْلٍ مُضْمَر أَيْ فَاعْبُدُوا إِيَّايَ فَاعْبُدُونِ فَاسْتَغْنَى بِأَحَدِ الْفِعْلَيْنِ عَنْ الثَّانِي وَالْفَاء فِي قَوْله : &quot; فَإِيَّايَ &quot; بِمَعْنَى الشَّرْط أَيْ إِنْ ضَاقَ بِكُمْ مَوْضِع فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِي فِي غَيْره ; لِأَنَّ أَرْضِي وَاسِعَة';
$TAFSEER['4']['29']['57'] = 'تَقَدَّمَ فِي [ آل عِمْرَان ] وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا تَحْقِيرًا لِأَمْرِ الدُّنْيَا وَمَخَاوِفهَا كَأَنَّ بَعْض الْمُؤْمِنِينَ نَظَرَ فِي عَاقِبَة تَلْحَقهُ فِي خُرُوجه مِنْ وَطَنه مِنْ مَكَّة أَنَّهُ يَمُوت أَوْ يَجُوع أَوْ نَحْو هَذَا فَحَقَّرَ اللَّه شَأْن الدُّنْيَا أَيْ أَنْتُمْ لَا مَحَالَة مَيِّتُونَ وَمَحْشُورُونَ إِلَيْنَا فَالْبِدَار إِلَى طَاعَة اللَّه وَالْهِجْرَة إِلَيْهِ وَإِلَى مَا يُمْتَثَل . &quot; ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ &quot; وَقَرَأَ السُّلَمِيّ وَأَبُو بَكْر عَنْ عَاصِم : &quot; يُرْجَعُونَ &quot; بِالْيَاءِ ; لِقَوْلِهِ : &quot; كُلّ نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت &quot; وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ ; لِقَوْلِهِ : &quot; يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا &quot; وَأَنْشَدَ بَعْضهمْ : الْمَوْت فِي كُلّ حِين يَنْشُد الْكَفَنَا وَنَحْنُ فِي غَفْلَة عَمَّا يُرَاد بِنَا لَا تَرْكَنَنَّ إِلَى الدُّنْيَا وَزَهْرَتهَا وَإِنْ تَوَشَّحْت مِنْ أَثْوَابهَا الْحَسَنَا أَيْنَ الْأَحِبَّة وَالْجِيرَان مَا فَعَلُوا أَيْنَ الَّذِينَ هُمُو كَانُوا لَهَا سَكَنَا سَقَاهُمْ الْمَوْت كَأْسًا غَيْر صَافِيَة صَيَّرَهُمْ تَحْت أَطْبَاق الثَّرَى رُهُنَا';
$TAFSEER['4']['29']['58'] = 'ثُمَّ وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ الْعَامِلِينَ بِسُكْنَى الْجَنَّة تَحْرِيضًا مِنْهُ تَعَالَى ; وَذَكَرَ الْجَزَاء الَّذِي يَنَالُونَهُ &quot; لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنْ الْجَنَّة غُرَفًا &quot; وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود وَالْأَعْمَش وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ : &quot; لَنُثَوِّيَنَّهُمْ &quot; بِالثَّاءِ مَكَان الْبَاء مِنْ الثَّوْي وَهُوَ الْإِقَامَة ; أَيْ لَنُعْطِيَنَّهُمْ غُرَفًا يَثْوُونَ فِيهَا وَقَرَأَ رُوَيْس عَنْ يَعْقُوب وَالْجَحْدَرِيّ وَالسُّلَمِيّ : &quot; لَيُبَوِّئَنَّهُمْ &quot; بِالْيَاءِ مَكَان النُّون الْبَاقُونَ &quot; لَنُبَوِّئَنَّهُمْ &quot; أَيْ لَنُنْزِلَنَّهُمْ &quot; غُرَفًا &quot; جَمْع غُرْفَة وَهِيَ الْعِلِّيَّة الْمُشْرِفَة وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ سَهْل بْن سَعْد أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ أَهْل الْجَنَّة لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْل الْغُرَف مِنْ فَوْقهمْ كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَب الدُّرِّيّ الْغَابِر مِنْ الْأُفُق مِنْ الْمَشْرِق أَوْ الْمَغْرِب لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنهمْ ) قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه تِلْكَ مَنَازِل الْأَنْبِيَاء لَا يَبْلُغهَا غَيْرهمْ قَالَ : ( بَلَى وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَال آمَنُوا بِاَللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ ) وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيّ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ فِي الْجَنَّة لَغُرَفًا يُرَى ظُهُورهَا مِنْ بُطُونهَا وَبُطُونهَا مِنْ ظُهُورهَا ) فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيّ فَقَالَ : لِمَنْ هِيَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : ( هِيَ لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَام وَأَطْعَمَ الطَّعَام وَأَدَامَ الصِّيَام وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نِيَام ) وَقَدْ زِدْنَا هَذَا الْمَعْنَى بَيَانًا فِي كِتَاب التَّذْكِرَة وَالْحَمْد لِلَّهِ';
$TAFSEER['4']['29']['59'] = 'نَعَتَهُمْ بِقَوْلِهِ : &quot; الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ &quot;';
$TAFSEER['4']['29']['60'] = 'أَسْنَدَ الْوَاحِدِيّ عَنْ يَزِيد بْن هَارُون قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاج بْن الْمِنْهَال عَنْ الزُّهْرِيّ - وَهُوَ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَطَاء - عَنْ عَطَاء عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلَ بَعْض حِيطَان الْأَنْصَار فَجَعَلَ يَلْتَقِط مِنْ الثَّمَر وَيَأْكُل فَقَالَ : ( يَا ابْن عُمَر مَا لَك لَا تَأْكُل ) فَقُلْت لَا أَشْتَهِيه يَا رَسُول اللَّه فَقَالَ : ( لَكِنِّي أَشْتَهِيه وَهَذِهِ صَبِيحَة رَابِعَة لَمْ أَذُقْ طَعَامًا وَلَوْ شِئْت لَدَعَوْت رَبِّي فَأَعْطَانِي مِثْل مُلْك كِسْرَى وَقَيْصَر فَكَيْفَ بِك يَا اِبْن عُمَر إِذَا بَقِيت فِي قَوْم يُخَبِّئُونَ رِزْق سَنَتهمْ وَيَضْعُف الْيَقِين ) قَالَ : وَاَللَّه مَا بَرِحْنَا حَتَّى نَزَلَتْ : &quot; وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّة لَا تَحْمِل رِزْقهَا اللَّه يَرْزُقهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم &quot; 

قُلْت : وَهَذَا ضَعِيف يُضَعِّفهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَدَّخِر لِأَهْلِهِ قُوت سَنَتهمْ اِتَّفَقَ الْبُخَارِيّ عَلَيْهِ وَمُسْلِم وَكَانَتْ الصَّحَابَة يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَهُمْ الْقُدْوَة وَأَهْل الْيَقِين وَالْأَئِمَّة لِمَنْ بَعْدهمْ مِنْ الْمُتَّقِينَ الْمُتَوَكِّلِينَ وَقَدْ رَوَى اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَكَّةَ حِين آذَاهُمْ الْمُشْرِكُونَ ( اُخْرُجُوا إِلَى الْمَدِينَة وَهَاجِرُوا وَلَا تُجَاوِرُوا الظَّلَمَة ) قَالُوا : لَيْسَ لَنَا بِهَا دَار وَلَا عَقَار وَلَا مَنْ يُطْعِمنَا وَلَا مَنْ يَسْقِينَا فَنَزَلَتْ : &quot; وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّة لَا تَحْمِل رِزْقهَا اللَّه يَرْزُقهَا وَإِيَّاكُمْ &quot; أَيْ لَيْسَ مَعَهَا رِزْقهَا مُدَّخَرًا وَكَذَلِكَ أَنْتُمْ يَرْزُقكُمْ اللَّه فِي دَار الْهِجْرَة وَهَذَا أَشْبَه مِنْ الْقَوْل الْأَوَّل وَتَقَدَّمَ الْكَلَام فِي &quot; كَأَيِّنْ &quot; وَأَنَّ هَذِهِ &quot; أَيّ &quot; دَخَلَتْ عَلَيْهَا كَاف التَّشْبِيه وَصَارَ فِيهَا مَعْنَى كَمْ وَالتَّقْدِير عِنْد الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ كَالْعَدَدِ أَيْ كَشَيْءٍ كَثِير مِنْ الْعَدَد مِنْ دَابَّة قَالَ مُجَاهِد : يَعْنِي الطَّيْر وَالْبَهَائِم تَأْكُل بِأَفْوَاهِهَا وَلَا تَحْمِل شَيْئًا الْحَسَن : تَأْكُل لِوَقْتِهَا وَلَا تَدَّخِر لِغَدٍ وَقِيلَ : &quot; لَا تَحْمِل رِزْقهَا &quot; أَيْ لَا تَقْدِر عَلَى رِزْقهَا &quot; اللَّه يَرْزُقهَا &quot; أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ &quot; وَإِيَّاكُمْ &quot; وَقِيلَ : الْحَمْل بِمَعْنَى الْحَمَالَة وَحَكَى النَّقَّاش : أَنَّ الْمُرَاد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُل وَلَا يَدَّخِر 

قُلْت : وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِإِطْلَاقِ لَفْظ الدَّابَّة وَلَيْسَ مُسْتَعْمَلًا فِي الْعُرْف إِطْلَاقهَا عَلَى الْآدَمِيّ فَكَيْفَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي [ النَّمْل ] عِنْد قَوْل : &quot; وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْل عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّة مِنْ الْأَرْض تُكَلِّمهُمْ &quot; [ النَّمْل : 82 ] قَالَ اِبْن عَبَّاس : الدَّوَابّ هُوَ كُلّ مَا دَبَّ مِنْ الْحَيَوَان فَكُلّه لَا يَحْمِل رِزْقه وَلَا يَدَّخِر إِلَّا اِبْن آدَم وَالنَّمْل وَالْفَأْر وَعَنْ بَعْضهمْ رَأَيْت الْبُلْبُل يَحْتَكِر فِي مِحْضَنه وَيُقَال لِلْعَقْعَقِ مَخَابِئ إِلَّا أَنَّهُ يَنْسَاهَا &quot; اللَّه يَرْزُقهَا وَإِيَّاكُمْ &quot; يُسَوِّي بَيْن الْحَرِيص وَالْمُتَوَكِّل فِي رِزْقه وَبَيْن الرَّاغِب وَالْقَانِع وَبَيْن الْحَيُول وَالْعَاجِز حَتَّى لَا يَغْتَرّ الْجَلِد أَنَّهُ مَرْزُوق بِجَلَدِهِ وَلَا يَتَصَوَّر الْعَاجِز أَنَّهُ مَمْنُوع بِعَجْزِهِ وَفِي الصَّحِيح عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّه حَقّ تَوَكُّله لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُق الطَّيْر تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوح بِطَانًا )



لِدُعَائِكُمْ وَقَوْلكُمْ لَا نَجِد مَا نُنْفِق بِالْمَدِينَةِ



بِمَا فِي قُلُوبكُمْ';
$TAFSEER['4']['29']['61'] = 'لَمَّا عَيَّرَ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمِينَ بِالْفَقْرِ وَقَالُوا لَوْ كُنْتُمْ عَلَى حَقّ لَمْ تَكُونُوا فُقَرَاء وَكَانَ هَذَا تَمْوِيهًا , وَكَانَ فِي الْكُفَّار فُقَرَاء أَيْضًا أَزَالَ اللَّه هَذِهِ الشُّبْهَة . وَكَذَا قَوْل مَنْ قَالَ إِنْ هَاجَرْنَا لَمْ نَجِد مَا نُنْفِق . أَيْ فَإِذَا اِعْتَرَفْتُمْ بِأَنَّ اللَّه خَالِق هَذِهِ الْأَشْيَاء فَكَيْفَ تَشُكُّونَ فِي الرِّزْق فَمَنْ بِيَدِهِ تَكْوِين الْكَائِنَات لَا يَعْجِز عَنْ رِزْق الْعَبْد ; وَلِهَذَا وَصَلَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; اللَّه يَبْسُط الرِّزْق لِمَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده وَيَقْدِر لَهُ &quot;


أَيْ كَيْفَ يَكْفُرُونَ بِتَوْحِيدِي وَيَنْقَلِبُونَ عَنْ عِبَادَتِي';
$TAFSEER['4']['29']['62'] = 'أَيْ لَا يَخْتَلِف أَمْر الرِّزْق بِالْإِيمَانِ وَالْكُفْر فَالتَّوْسِيع وَالتَّقْتِير مِنْهُ فَلَا تَعْيِير بِالْفَقْرِ فَكُلّ شَيْء بِقَضَاءٍ وَقَدَر


مِنْ أَحْوَالكُمْ وَأُمُوركُمْ قِيلَ : عَلِيم بِمَا يُصْلِحكُمْ مِنْ إِقْتَار أَوْ تَوْسِيع';
$TAFSEER['4']['29']['63'] = 'أَيْ مِنْ السَّحَاب مَطَرًا


أَيْ جَدْبهَا وَقَحْط أَهْلهَا


أَيْ فَإِذَا أَقْرَرْتُمْ بِذَلِكَ فَلِمَ تُشْرِكُونَ بِهِ وَتُنْكِرُونَ الْإِعَادَة وَإِذْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ الْقَادِر عَلَى إِغْنَاء الْمُؤْمِنِينَ ; فَكُرِّرَ تَأْكِيدًا


أَيْ عَلَى مَا أَوْضَحَ مِنْ الْحُجَج وَالْبَرَاهِين عَلَى قُدْرَته وَقِيلَ : &quot; الْحَمْد لِلَّهِ &quot; عَلَى إِقْرَارهمْ بِذَلِكَ وَقِيلَ : عَلَى إِنْزَال الْمَاء وَإِحْيَاء الْأَرْض


أَيْ لَا يَتَدَبَّرُونَ هَذِهِ الْحُجَج';
$TAFSEER['4']['29']['64'] = 'أَيْ شَيْء يُلْهَى بِهِ وَيُلْعَب أَيْ لَيْسَ مَا أَعْطَاهُ اللَّه الْأَغْنِيَاء مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا وَهُوَ يَضْمَحِلّ وَيَزُول ; كَاللَّعِبِ الَّذِي لَا حَقِيقَة لَهُ وَلَا ثَبَات قَالَ بَعْضهمْ : الدُّنْيَا إِنْ بَقِيَتْ لَك لَمْ تَبْقَ لَهَا وَأَنْشَدَ : تَرُوح لَنَا الدُّنْيَا بِغَيْرِ الَّذِي غَدَتْ وَتَحْدُث مِنْ بَعْد الْأُمُور أُمُور وَتَجْرِي اللَّيَالِي بِاجْتِمَاعٍ وَفُرْقَة وَتَطْلُع فِيهَا أَنْجُم وَتَغُور فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الدَّهْر بَاقٍ سُرُوره فَذَاكَ مُحَال لَا يَدُوم سُرُور عَفَا اللَّه عَمَّنْ صَيَّرَ الْهَمّ وَاحِدًا وَأَيْقَنَ أَنَّ الدَّائِرَات تَدُور قُلْت : وَهَذَا كُلّه فِي أُمُور الدُّنْيَا مِنْ الْمَال وَالْجَاه وَالْمَلْبَس الزَّائِد عَلَى الضَّرُورِيّ الَّذِي بِهِ قِوَام الْعَيْش وَالْقُوَّة عَلَى الطَّاعَات وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهَا لِلَّهِ فَهُوَ مِنْ الْآخِرَة وَهُوَ الَّذِي يَبْقَى كَمَا قَالَ : &quot; وَيَبْقَى وَجْه رَبّك ذُو الْجَلَال وَالْإِكْرَام &quot; [ الرَّحْمَن : 27 ] أَيْ مَا اُبْتُغِيَ بِهِ ثَوَابه وَرِضَاهُ


أَيْ دَار الْحَيَاة الْبَاقِيَة الَّتِي لَا تَزُول وَلَا مَوْت فِيهَا وَزَعَمَ أَبُو عُبَيْدَة : أَنَّ الْحَيَوَان وَالْحَيَاة وَالْحِيّ بِكَسْرِ الْحَاء وَاحِد كَمَا قَالَ : وَقَدْ تَرَى إِذْ الْحَيَاة حِيُّ وَغَيْره يَقُول : إِنَّ الْحِيّ جُمِعَ عَلَى فِعِوْل مِثْل عِصِيّ وَالْحَيَوَان يَقَع عَلَى كُلّ شَيْء حَيّ وَحَيَوَان عَيْن فِي الْجَنَّة وَقِيلَ : أَصْل حَيَوَان حَيَيَان فَأُبْدِلَتْ إِحْدَاهُمَا وَاوًا ; لِاجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ


أَنَّهَا كَذَلِكَ';
$TAFSEER['4']['29']['65'] = 'يَعْنِي السُّفُن وَخَافُوا الْغَرَق


أَيْ صَادِقِينَ فِي نِيَّاتهمْ وَتَرَكُوا عِبَادَة الْأَصْنَام وَدُعَاءَهَا


أَيْ يَدْعُونَ مَعَهُ غَيْره وَمَا لَمْ يُنَزِّل بِهِ سُلْطَانًا وَقِيلَ : إِشْرَاكهمْ أَنْ يَقُول قَائِلهمْ لَوْلَا اللَّه وَالرَّئِيس أَوْ الْمَلَّاح لَغَرِقْنَا فَيَجْعَلُونَ مَا فَعَلَ اللَّه لَهُمْ مِنْ النَّجَاة قِسْمَة بَيْن اللَّه وَبَيْن خَلْقه';
$TAFSEER['4']['29']['66'] = 'قِيلَ : هُمَا لَام كَيْ أَيْ لِكَيْ يَكْفُرُوا وَلِكَيْ يَتَمَتَّعُوا وَقِيلَ : &quot; إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ &quot; لِيَكُونَ ثَمَرَة شِرْكهمْ أَنْ يَجْحَدُوا نِعَم اللَّه وَيَتَمَتَّعُوا بِالدُّنْيَا وَقِيلَ : هُمَا لَام أَمْر مَعْنَاهُ التَّهْدِيد وَالْوَعِيد أَيْ اُكْفُرُوا بِمَا أَعْطَيْنَاكُمْ مِنْ النِّعْمَة وَالنَّجَاة مِنْ الْبَحْر وَتَمَتَّعُوا وَدَلِيل هَذَا قِرَاءَة أُبَيّ &quot; وَتَمَتَّعُوا &quot; اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَيُقَوِّي هَذَا قِرَاءَة الْأَعْمَش وَنَافِع وَحَمْزَة : &quot; وَلْيَتَمَتَّعُوا &quot; بِجَزْمِ اللَّام النَّحَّاس : &quot; وَلِيَتَمَتَّعُوا &quot; لَام كَيْ وَيَجُوز أَنْ تَكُون لَام أَمْر ; لِأَنَّ أَصْل لَام الْأَمْر الْكَسْر إِلَّا أَنَّهُ أَمْر فِيهِ مَعْنَى التَّهْدِيد وَمَنْ قَرَأَ : &quot; وَلْيَتَمَتَّعُوا &quot; بِإِسْكَانِ اللَّام لَمْ يَجْعَلهَا لَام كَيْ ; لِأَنَّ لَام كَيْ لَا يَجُوز إِسْكَانهَا وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن كَثِير وَالْمُسَيِّبِيّ وَقَالُون عَنْ نَافِع وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَحَفْص عَنْ عَاصِم الْبَاقُونَ بِكَسْرِ اللَّام وَقَرَأَ أَبُو الْعَالِيَة : &quot; لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ &quot; تَهْدِيد وَوَعِيد';
$TAFSEER['4']['29']['67'] = 'قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد : هِيَ مَكَّة وَهُمْ قُرَيْش أَمَّنَهُمْ اللَّه تَعَالَى فِيهَا &quot; وَيُتَخَطَّف النَّاس مِنْ حَوْلهمْ &quot; قَالَ الضَّحَّاك : يَقْتُل بَعْضهمْ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضهمْ بَعْضًا وَالْخَطْف الْأَخْذ بِسُرْعَةٍ وَقَدْ مَضَى فِي [ الْقَصَص ] وَغَيْرهَا فَأَذْكَرَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ النِّعْمَة لِيُذْعِنُوا لَهُ بِالطَّاعَةِ أَيْ جَعَلْت لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا أَمِنُوا فِيهِ مِنْ السَّبْي وَالْغَارَة وَالْقَتْل وَخَلَصْتهمْ فِي الْبَرّ كَمَا خَلَصْتهمْ فِي الْبَحْر فَصَارُوا يُشْرِكُونَ فِي الْبَرّ وَلَا يُشْرِكُونَ فِي الْبَحْر فَهَذَا تَعَجُّب مِنْ تَنَاقُض أَحْوَالهمْ



قَالَ قَتَادَة : أَفَبِالشِّرْكِ وَقَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام : أَفَبِإِبْلِيسَ


قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَفَبِعَافِيَةِ اللَّه وَقَالَ اِبْن شَجَرَة : أَفَبِعَطَاءِ اللَّه وَإِحْسَانه وَقَالَ اِبْن سَلَّام : أَفَبِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْهُدَى وَحَكَى النَّقَّاش : أَفَبِإِطْعَامِهِمْ مِنْ جُوع وَأَمْنهمْ مِنْ خَوْف يَكْفُرُونَ وَهَذَا تَعَجُّب وَإِنْكَار خَرَجَ مَخْرَج الِاسْتِفْهَام';
$TAFSEER['4']['29']['68'] = 'أَيْ لَا أَحَد أَظْلَم مِمَّنْ جَعَلَ مَعَ اللَّه شَرِيكًا وَوَلَدًا وَإِذَا فَعَلَ فَاحِشَة قَالَ : &quot; وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاَللَّه أَمَرَنَا بِهَا &quot; [ الْأَعْرَاف : 28 ]


قَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام : بِالْقُرْآنِ وَقَالَ السُّدِّيّ : بِالتَّوْحِيدِ وَقَالَ اِبْن شَجَرَة : بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلّ قَوْل يَتَنَاوَل الْقَوْلَيْنِ


أَيْ مُسْتَقَرّ وَهُوَ اِسْتِفْهَام تَقْرِير';
$TAFSEER['4']['29']['69'] = 'أَيْ جَاهَدُوا الْكُفَّار فِينَا أَيْ فِي طَلَب مَرْضَاتنَا وَقَالَ السُّدِّيّ وَغَيْره : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ قَبْل فَرْض الْقِتَال قَالَ اِبْن عَطِيَّة : فَهِيَ قَبْل الْجِهَاد الْعُرْفِيّ وَإِنَّمَا هُوَ جِهَاد عَامّ فِي دِين اللَّه وَطَلَب مَرْضَاته قَالَ الْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن : الْآيَة فِي الْعِبَاد وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَإِبْرَاهِيم بْن أَدْهَم : هِيَ فِي الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِمَا يَعْلَمُونَ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ عَلَّمَهُ اللَّه مَا لَمْ يَعْلَم ) وَنَزَعَ بَعْض الْعُلَمَاء إِلَى قَوْل : &quot; وَاتَّقُوا اللَّه وَيُعَلِّمكُمْ اللَّه &quot; [ الْبَقَرَة : 282 ] وَقَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز : إِنَّمَا قَصَّرَ بِنَا عَنْ عِلْم مَا جَهِلْنَا تَقْصِيرنَا فِي الْعَمَل بِمَا عَلِمْنَا وَلَوْ عَمِلْنَا بِبَعْضِ مَا عَلِمْنَا لَأَوْرَثَنَا عِلْمًا لَا تَقُوم بِهِ أَبْدَاننَا ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَاتَّقُوا اللَّه وَيُعَلِّمكُمْ اللَّه &quot; وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الدَّارَانِيّ : لَيْسَ الْجِهَاد فِي الْآيَة قِتَال الْكُفَّار فَقَطْ بَلْ هُوَ نَصْر الدِّين وَالرَّدّ عَلَى الْمُبْطِلِينَ ; وَقَمْع الظَّالِمِينَ ; وَعُظْمه الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر وَمِنْهُ مُجَاهَدَة النُّفُوس فِي طَاعَة اللَّه وَهُوَ الْجِهَاد الْأَكْبَر وَقَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة لِابْنِ الْمُبَارَك : إِذَا رَأَيْت النَّاس قَدْ اِخْتَلَفُوا فَعَلَيْك بِالْمُجَاهِدِينَ وَأَهْل الثُّغُور فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول : &quot; لَنَهْدِيَنَّهُمْ &quot; وَقَالَ الضَّحَّاك : مَعْنَى الْآيَة ; وَاَلَّذِينَ جَاهَدُوا فِي الْهِجْرَة لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُل الثَّبَات عَلَى الْإِيمَان ثُمَّ قَالَ : مَثَل السُّنَّة فِي الدُّنْيَا كَمَثَلِ الْجَنَّة فِي الْعُقْبَى مَنْ دَخَلَ الْجَنَّة فِي الْعُقْبَى سَلِمَ كَذَلِكَ مَنْ لَزِمَ السُّنَّة فِي الدُّنْيَا سَلِمَ وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس : وَاَلَّذِينَ جَاهَدُوا فِي طَاعَتنَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُل ثَوَابنَا وَهَذَا يَتَنَاوَل بِعُمُومِ الطَّاعَة جَمِيع الْأَقْوَال وَنَحْوه قَوْل عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر قَالَ : تَقُول الْحِكْمَة مَنْ طَلَبَنِي فَلَمْ يَجِدنِي فَلْيَطْلُبْنِي فِي مَوْضِعَيْنِ : أَنْ يَعْمَل بِأَحْسَنَ مَا يَعْلَمهُ وَيَجْتَنِب أَسْوَأ مَا يَعْلَمهُ وَقَالَ الْحَسَن بْن الْفَضْل : فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير أَيْ الَّذِينَ هَدَيْنَاهُمْ هُمْ الَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا &quot; لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلنَا &quot; أَيْ طَرِيق الْجَنَّة ; قَالَهُ السُّدِّيّ . النَّقَّاش : يُوَفِّقهُمْ لِدِينِ الْحَقّ وَقَالَ يُوسُف بْن أَسْبَاط : الْمَعْنَى لَنُخَلِّصَنَّ نِيَّاتهمْ وَصَدَقَاتهمْ وَصَلَوَاتهمْ وَصِيَامهمْ



لَام تَأْكِيد وَدَخَلَتْ فِي &quot; مَعَ &quot; عَلَى أَحَد وَجْهَيْنِ : أَنْ يَكُون اِسْمًا وَلَام التَّوْكِيد إِنَّمَا تَدْخُل عَلَى الْأَسْمَاء أَوْ حَرْفًا فَتَدْخُل عَلَيْهَا ; لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الِاسْتِقْرَار ; كَمَا تَقُول إِنَّ زَيْدًا لَفِي الدَّار وَ &quot; مَعَ &quot; إِذَا سُكِّنَتْ فَهِيَ حَرْف لَا غَيْر وَإِذَا فُتِحَتْ جَازَ أَنْ تَكُون اِسْمًا وَأَنْ تَكُون حَرْفًا وَالْأَكْثَر أَنْ تَكُون حَرْفًا جَاءَ لِمَعْنًى وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الْإِحْسَان وَالْمُحْسِنِينَ فِي [ الْبَقَرَة ] وَغَيْرهَا وَهُوَ سُبْحَانه مَعَهُمْ بِالنُّصْرَةِ وَالْمَعُونَة وَالْحِفْظ وَالْهِدَايَة وَمَعَ الْجَمِيع بِالْإِحَاطَةِ وَالْقُدْرَة فَبَيْن الْمَعِيَّتَيْنِ بَوْن.';
$TAFSEER['4']['30']['1'] = 'اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْحُرُوف الَّتِي فِي أَوَائِل السُّورَة ; فَقَالَ عَامِر الشَّعْبِيّ وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَجَمَاعَة مِنْ الْمُحَدِّثِينَ : هِيَ سِرّ اللَّه فِي الْقُرْآن , وَلِلَّهِ فِي كُلّ كِتَاب مِنْ كُتُبه سِرّ . فَهِيَ مِنْ الْمُتَشَابِه الَّذِي اِنْفَرَدَ اللَّه تَعَالَى بِعِلْمِهِ , وَلَا يَجِب أَنْ يَتَكَلَّم فِيهَا , وَلَكِنْ نُؤْمِن بِهَا وَنَقْرَأ كَمَا جَاءَتْ . وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْل عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَعَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْث السَّمَرْقَنْدِيّ عَنْ عُمَر وَعُثْمَان وَابْن مَسْعُود أَنَّهُمْ قَالُوا : الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة مِنْ الْمَكْتُوم الَّذِي لَا يُفَسَّر . وَقَالَ أَبُو حَاتِم : لَمْ نَجِد الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن إِلَّا فِي أَوَائِل السُّوَر , وَلَا نَدْرِي مَا أَرَادَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِهَا . 

قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الْحُبَاب حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي طَالِب حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِر الْوَاسِطِيّ عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل عَنْ سَعِيد بْن مَسْرُوق عَنْ الرَّبِيع بْن خُثَيْم قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآن فَاسْتَأْثَرَ مِنْهُ بِعِلْمِ مَا شَاءَ , وَأَطْلَعَكُمْ عَلَى مَا شَاءَ , فَأَمَّا مَا اِسْتَأْثَرَ بِهِ لِنَفْسِهِ فَلَسْتُمْ بِنَائِلِيهِ فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهُ , وَأَمَّا الَّذِي أَطْلَعَكُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ الَّذِي تَسْأَلُونَ عَنْهُ وَتُخْبِرُونَ بِهِ , وَمَا بِكُلِّ الْقُرْآن تَعْلَمُونَ , وَلَا بِكُلِّ مَا تَعْلَمُونَ تَعْمَلُونَ . قَالَ أَبُو بَكْر : فَهَذَا يُوَضِّح أَنَّ حُرُوفًا مِنْ الْقُرْآن سُتِرَتْ مَعَانِيهَا عَنْ جَمِيع الْعَالَم , اِخْتِبَارًا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَامْتِحَانًا ; فَمَنْ آمَنَ بِهَا أُثِيبَ وَسَعِدَ , وَمَنْ كَفَرَ وَشَكَّ أَثِمَ وَبَعُدَ . حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُف بْن يَعْقُوب الْقَاضِي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش عَنْ عُمَارَة عَنْ حُرَيْث بْن ظَهِير عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : مَا آمَنَ مُؤْمِن أَفْضَل مِنْ إِيمَان بِغَيْبٍ , ثُمَّ قَرَأَ : &quot; الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ &quot; [ الْبَقَرَة : 3 ] . 

قُلْت : هَذَا الْقَوْل فِي الْمُتَشَابِه وَحُكْمه , وَهُوَ الصَّحِيح عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي ( آل عِمْرَان ) إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَقَالَ جَمْع مِنْ الْعُلَمَاء كَبِير : بَلْ يَجِب أَنْ نَتَكَلَّم فِيهَا , وَيَلْتَمِس الْفَوَائِد الَّتِي تَحْتهَا , وَالْمَعَانِي الَّتِي تَتَخَرَّج عَلَيْهَا ; وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَال عَدِيدَة ; فَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَلِيّ أَيْضًا : أَنَّ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن اِسْم اللَّه الْأَعْظَم , إِلَّا أَنَّا لَا نَعْرِف تَأْلِيفه مِنْهَا . وَقَالَ قُطْرُب وَالْفَرَّاء وَغَيْرهمَا : هِيَ إِشَارَة إِلَى حُرُوف الْهِجَاء أَعْلَمَ اللَّه بِهَا الْعَرَب حِين تَحَدَّاهُمْ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ مُؤْتَلِف مِنْ حُرُوف هِيَ الَّتِي مِنْهَا بِنَاء كَلَامهمْ ; لِيَكُونَ عَجْزهمْ عَنْهُ أَبْلَغ فِي الْحُجَّة عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يَخْرُج عَنْ كَلَامهمْ . قَالَ قُطْرُب : كَانُوا يَنْفِرُونَ عِنْد اِسْتِمَاع الْقُرْآن , فَلَمَّا سَمِعُوا : &quot; الم &quot; وَ &quot; المص &quot; اِسْتَنْكَرُوا هَذَا اللَّفْظ , فَلَمَّا أَنْصَتُوا لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِالْقُرْآنِ الْمُؤْتَلِف لِيُثَبِّتهُ فِي أَسْمَاعهمْ وَآذَانهمْ وَيُقِيم الْحُجَّة عَلَيْهِمْ . وَقَالَ قَوْم : رُوِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ سَمَاع الْقُرْآن بِمَكَّةَ وَقَالُوا : &quot; لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآن وَالْغَوْا فِيهِ &quot; [ فُصِّلَتْ : 26 ] نَزَلَتْ لِيَسْتَغْرِبُوهَا فَيَفْتَحُونَ لَهَا أَسْمَاعهمْ فَيَسْمَعُونَ الْقُرْآن بَعْدهَا فَتَجِب عَلَيْهِمْ الْحُجَّة . وَقَالَ جَمَاعَة : هِيَ حُرُوف دَالَّة عَلَى أَسْمَاء أُخِذَتْ مِنْهَا وَحُذِفَتْ بَقِيَّتهَا ; كَقَوْلِ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : الْأَلِف مِنْ اللَّه , وَاللَّام مِنْ جِبْرِيل , وَالْمِيم مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : الْأَلِف مِفْتَاح اِسْمه اللَّه , وَاللَّام مِفْتَاح اِسْمه لَطِيف , وَالْمِيم مِفْتَاح اِسْمه مَجِيد . وَرَوَى أَبُو الضُّحَى عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : &quot; الم &quot; قَالَ : أَنَا اللَّه أَعْلَم , &quot; الر &quot; أَنَا اللَّه أَرَى , &quot; المص &quot; أَنَا اللَّه أَفْضَل . فَالْأَلِف تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَنَا , وَاللَّام تُؤَدِّي عَنْ اِسْم اللَّه , وَالْمِيم تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَعْلَم . وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل الزَّجَّاج وَقَالَ : أَذْهَب إِلَى أَنَّ كُلّ حَرْف مِنْهَا يُؤَدِّي عَنْ مَعْنًى ; وَقَدْ تَكَلَّمَتْ الْعَرَب بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَة نَظْمًا لَهَا وَوَضْعًا بَدَل الْكَلِمَات الَّتِي الْحُرُوف مِنْهَا , كَقَوْلِهِ : فَقُلْت لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَاف أَرَادَ : قَالَتْ وَقَفْت . وَقَالَ زُهَيْر : بِالْخَيْرِ خَيْرَات وَإِنْ شَرًّا فَا وَلَا أُرِيد الشَّرّ إِلَّا أَنْ تَا أَرَادَ : وَإِنْ شَرًّا فَشَرّ . وَأَرَادَ : إِلَّا أَنْ تَشَاء . وَقَالَ آخَر : نَادَوْهُمْ أَلَا الْجَمُوا أَلَا تَا قَالُوا جَمِيعًا كُلّهمْ أَلَا فَا أَرَادَ : أَلَا تَرْكَبُونَ , قَالُوا : أَلَا فَارْكَبُوا . وَفِي الْحَدِيث : ( مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْل مُسْلِم بِشَطْرِ كَلِمَة ) قَالَ شَقِيق : هُوَ أَنْ يَقُول فِي اقْتُلْ : اُقْ ; كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام ( كَفَى بِالسَّيْفِ شَا ) مَعْنَاهُ : شَافِيًا . 

وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَم : هِيَ أَسْمَاء لِلسُّوَرِ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : هِيَ أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه تَعَالَى بِهَا لِشَرَفِهَا وَفَضْلهَا , وَهِيَ مِنْ أَسْمَائِهِ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَرَدَّ بَعْض الْعُلَمَاء هَذَا الْقَوْل فَقَالَ : لَا يَصِحّ أَنْ يَكُون قَسَمًا لِأَنَّ الْقَسَم مَعْقُود عَلَى حُرُوف مِثْل : إِنْ وَقَدْ وَلَقَدْ وَمَا ; وَلَمْ يُوجَد هَاهُنَا حَرْف مِنْ هَذِهِ الْحُرُوف , فَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون يَمِينًا . وَالْجَوَاب أَنْ يُقَال : مَوْضِع الْقَسَم قَوْله تَعَالَى : &quot; لَا رَيْب فِيهِ &quot; فَلَوْ أَنَّ إِنْسَانًا حَلَفَ فَقَالَ : وَاَللَّه هَذَا الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ ; لَكَانَ الْكَلَام سَدِيدًا , وَتَكُون &quot; لَا &quot; جَوَاب الْقَسَم . فَثَبَتَ أَنَّ قَوْل الْكَلْبِيّ وَمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس سَدِيد صَحِيح . 

فَإِنْ قِيلَ : مَا الْحِكْمَة فِي الْقَسَم مِنْ اللَّه تَعَالَى , وَكَانَ الْقَوْم فِي ذَلِكَ الزَّمَان عَلَى صِنْفَيْنِ : مُصَدِّق , وَمُكَذِّب ; فَالْمُصَدِّق يُصَدِّق بِغَيْرِ قَسَم , وَالْمُكَذِّب لَا يُصَدِّق مَعَ الْقَسَم ؟ . قِيلَ لَهُ : الْقُرْآن نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَب ; وَالْعَرَب إِذَا أَرَادَ بَعْضهمْ أَنْ يُؤَكِّد كَلَامه أَقْسَمَ عَلَى كَلَامه ; وَاَللَّه تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُؤَكِّد عَلَيْهِمْ الْحُجَّة فَأَقْسَمَ أَنَّ الْقُرْآن مِنْ عِنْده . وَقَالَ بَعْضهمْ : &quot; الم &quot; أَيْ أَنْزَلْت عَلَيْك هَذَا الْكِتَاب مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ . وَقَالَ قَتَادَة فِي قَوْله : &quot; الم &quot; قَالَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّد بْن عَلِيّ التِّرْمِذِيّ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْدَعَ جَمِيع مَا فِي تِلْكَ السُّورَة مِنْ الْأَحْكَام وَالْقَصَص فِي الْحُرُوف الَّتِي ذَكَرَهَا فِي أَوَّل السُّورَة , وَلَا يَعْرِف ذَلِكَ إِلَّا نَبِيّ أَوْ وَلِيّ , ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي جَمِيع السُّورَة لِيَفْقَه النَّاس . وَقِيلَ غَيْر هَذَا مِنْ الْأَقْوَال ; فَاَللَّه أَعْلَم . 

وَالْوَقْف عَلَى هَذِهِ الْحُرُوف عَلَى السُّكُون لِنُقْصَانِهَا إِلَّا إِذَا أَخْبَرْت عَنْهَا أَوْ عَطَفْتهَا فَإِنَّك تُعْرِبهَا . وَاخْتَلَفَ : هَلْ لَهَا مَحَلّ مِنْ الْإِعْرَاب ؟ فَقِيلَ : لَا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَسْمَاء مُتَمَكِّنَة , وَلَا أَفْعَالًا مُضَارِعَة ; وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ حُرُوف التَّهَجِّي فَهِيَ مَحْكِيَّة . هَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ . وَمَنْ قَالَ : إِنَّهَا أَسْمَاء السُّوَر فَمَوْضِعهَا عِنْده الرَّفْع عَلَى أَنَّهَا عِنْده خَبَر اِبْتِدَاء مُضْمَر ; أَيْ هَذِهِ &quot; الم &quot; ; كَمَا تَقُول : هَذِهِ سُورَة الْبَقَرَة . أَوْ تَكُون رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر ذَلِكَ ; كَمَا تَقُول : زَيْد ذَلِكَ الرَّجُل . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان النَّحْوِيّ : &quot; الم &quot; فِي مَوْضِع نَصْب ; كَمَا تَقُول : اِقْرَأْ &quot; الم &quot; أَوْ عَلَيْك &quot; الم &quot; . وَقِيلَ : فِي مَوْضِع خَفْض بِالْقَسَمِ ; لِقَوْلِ اِبْن عَبَّاس : إِنَّهَا أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه بِهَا .';
$TAFSEER['4']['30']['2'] = 'قَوْله تَعَالَى : &quot; الم . غَلَبَتْ الرُّوم . فِي أَدْنَى الْأَرْض &quot; رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر ظَهَرَتْ الرُّوم عَلَى فَارِس فَأَعْجَبَ ذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ فَنَزَلَتْ : &quot; الم . غُلِبَتْ الرُّوم . فِي أَدْنَى الْأَرْض - إِلَى قَوْله - يَفْرَح الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّه &quot; . قَالَ : فَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِظُهُورِ الرُّوم عَلَى فَارِس . قَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب مِنْ هَذَا الْوَجْه . هَكَذَا قَرَأَ نَصْر بْن عَلِيّ الْجَهْضَمِيّ &quot; غُلِبَتْ الرُّوم &quot; . وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس بِأَتَمَّ مِنْهُ . قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : &quot; الم . غُلِبَتْ الرُّوم . فِي أَدْنَى الْأَرْض &quot; قَالَ : غَلَبَتْ وَغُلِبَتْ , قَالَ : كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُحِبُّونَ أَنْ يَظْهَر أَهْل فَارِس عَلَى الرُّوم لِأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ أَهْل أَوْثَان , وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ أَنْ تَظْهَر الرُّوم عَلَى فَارِس لِأَنَّهُمْ أَهْل كِتَاب ; فَذَكَرُوهُ لِأَبِي بَكْر فَذَكَرَهُ أَبُو بَكْر لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( أَمَا إِنَّهُمْ سَيَغْلِبُونَ ) فَذَكَرَهُ أَبُو بَكْر لَهُمْ فَقَالُوا : اِجْعَلْ بَيْننَا وَبَيْنك أَجَلًا , فَإِنْ ظَهَرْنَا كَانَ لَنَا كَذَا , وَإِنْ ظَهَرْتُمْ كَانَ لَكُمْ كَذَا وَكَذَا فَجَعَلَ أَجَل خَمْس سِنِينَ , فَلَمْ يَظْهَرُوا ; فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( أَلَا جَعَلْته إِلَى دُون ) - أَرَاهُ قَالَ الْعَشْر - قَالَ قَالَ أَبُو سَعِيد : وَالْبِضْع مَا دُون الْعَشَرَة . قَالَ : ثُمَّ ظَهَرَتْ الرُّوم بَعْد , قَالَ : فَذَلِكَ قَوْله &quot; الم . غُلِبَتْ الرُّوم - إِلَى قَوْله - وَيَوْمئِذٍ يَفْرَح الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّه &quot; . قَالَ سُفْيَان : سَمِعْت أَنَّهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْهِمْ يَوْم بَدْر . قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح غَرِيب . وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ نِيَار بْن مُكْرَم الْأَسْلَمِيّ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ &quot; الم . غُلِبَتْ الرُّوم . فِي أَدْنَى الْأَرْض وَهُمْ مِنْ بَعْد غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْع سِنِينَ &quot; وَكَانَتْ فَارِس يَوْم نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة قَاهِرِينَ لِلرُّومِ , وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ ظُهُور الرُّوم عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ أَهْل كِتَاب , وَفِي ذَلِكَ نَزَلَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : &quot; وَيَوْمئِذٍ يَفْرَح الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّه يَنْصُر مَنْ يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم &quot; وَكَانَتْ قُرَيْش تُحِبّ ظُهُور فَارِس لِأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَاب وَلَا إِيمَان بِبَعْثٍ , فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة خَرَجَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَصِيح فِي نَوَاحِي مَكَّة : &quot; الم . غُلِبَتْ الرُّوم . فِي أَدْنَى الْأَرْض وَهُمْ مِنْ بَعْد غَلَبَهُمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْع سِنِينَ &quot; . قَالَ نَاس مِنْ قُرَيْش لِأَبِي بَكْر : فَذَلِكَ بَيْننَا وَبَيْنكُمْ , زَعَمَ صَاحِبك أَنَّ الرُّوم سَتَغْلِبُ فَارِس فِي بِضْع سِنِينَ , أَفَلَا نُرَاهِنك عَلَى ذَلِكَ ؟ قَالَ : بَلَى . وَذَلِكَ قَبْل تَحْرِيم الرِّهَان , فَارْتَهَنَ أَبُو بَكْر وَالْمُشْرِكُونَ وَتَوَاضَعُوا الرِّهَان . وَقَالُوا لِأَبِي بَكْر : كَمْ تَجْعَل الْبِضْع ؟ ثَلَاث سِنِينَ أَوْ تِسْع سِنِينَ ؟ فَسَمِّ بَيْننَا وَبَيْنك وَسَطًا تَنْتَهِي إِلَيْهِ ; قَالَ فَسَمَّوْا بَيْنهمْ سِتّ سِنِينَ ; قَالَ : فَمَضَتْ السِّتّ سِنِينَ قَبْل أَنْ يَظْهَرُوا , فَأَخَذَ الْمُشْرِكُونَ رَهْن أَبِي بَكْر , فَلَمَّا دَخَلَتْ السَّنَة السَّابِعَة ظَهَرَتْ الرُّوم عَلَى فَارِس , فَعَابَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَبِي بَكْر تَسْمِيَة سِتّ سِنِينَ , قَالَ : لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ &quot; فِي بِضْع سِنِينَ &quot; قَالَ : وَأَسْلَمَ عِنْد ذَلِكَ نَاس كَثِير . قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح غَرِيب . وَرَوَى الْقُشَيْرِيّ وَابْن عَطِيَّة وَغَيْرهمَا : أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ الْآيَات خَرَجَ أَبُو بَكْر بِهَا إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ : أَسَرَّكُمْ أَنْ غُلِبَتْ الرُّوم ؟ فَإِنَّ نَبِيّنَا أَخْبَرَنَا عَنْ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْع سِنِينَ . فَقَالَ لَهُ أُبَيّ بْن خَلَف وَأُمَيَّة أَخُوهُ - وَقِيلَ أَبُو سُفْيَان بْن حَرْب - : يَا أَبَا فَصِيل - يُعَرِّضُونَ بِكُنْيَتِهِ يَا أَبَا بَكْر - فَلْنَتَنَاحَبْ - أَيْ نَتَرَاهَن فِي ذَلِكَ فَرَاهَنَهُمْ أَبُو بَكْر . قَالَ قَتَادَة : وَذَلِكَ قَبْل أَنْ يُحَرَّم الْقِمَار , وَجَعَلُوا الرِّهَان خَمْس قَلَائِص وَالْأَجَل ثَلَاث سِنِينَ . وَقِيلَ : جَعَلُوا الرِّهَان ثَلَاث قَلَائِص . ثُمَّ أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ : ( فَهَلَّا اِحْتَطْت , فَإِنَّ الْبِضْع مَا بَيْن الثَّلَاث وَالتِّسْع وَالْعَشْر وَلَكِنْ اِرْجِعْ فَزِدْهُمْ فِي الرِّهَان وَاسْتَزِدْهُمْ فِي الْأَجَل ) فَفَعَلَ أَبُو بَكْر , فَجَعَلُوا الْقَلَائِص مِائَة وَالْأَجَل تِسْعَة أَعْوَام ; فَغُلِبَتْ الرُّوم فِي أَثْنَاء الْأَجَل . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : فَظَهَرُوا فِي تِسْع سِنِينَ . الْقُشَيْرِيّ : الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَات أَنَّ ظُهُور الرُّوم كَانَ فِي السَّابِعَة مِنْ غَلَبَة فَارِس لِلرُّومِ , وَلَعَلَّ رِوَايَة الشَّعْبِيّ تَصْحِيف مِنْ السَّبْع إِلَى التِّسْع مِنْ بَعْض النَّقَلَة . وَفِي بَعْض الرِّوَايَات : أَنَّهُ جَعَلَ الْقَلَائِص سَبْعًا إِلَى تِسْع سِنِينَ . وَيُقَال : إِنَّهُ آخِر فُتُوح كِسْرَى أبرويز فَتَحَ فِيهِ الْقُسْطَنْطِينِيَّة حَتَّى بَنَى فِيهَا بَيْت النَّار ; فَأَخْبَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَاءَهُ ذَلِكَ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ . وَحَكَى النَّقَّاش وَغَيْره : أَنَّ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَمَّا أَرَادَ الْهِجْرَة مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَلَّقَ بِهِ أُبَيّ بْن خَلَف وَقَالَ لَهُ : أَعْطِنِي كَفِيلًا بِالْخَطَرِ إِنْ غُلِبَتْ ; فَكَفَّلَ بِهِ اِبْنه عَبْد الرَّحْمَن , فَلَمَّا أَرَادَ أُبَيّ الْخُرُوج إِلَى أُحُد طَلَبَهُ عَبْد الرَّحْمَن بِالْكَفِيلِ فَأَعْطَاهُ كَفِيلًا , ثُمَّ مَاتَ أُبَيّ بِمَكَّةَ مِنْ جُرْح جَرَحَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَظَهَرَتْ الرُّوم عَلَى فَارِس يَوْم الْحُدَيْبِيَة عَلَى رَأْس تِسْع سِنِينَ مِنْ مُنَاحَبَتهمْ . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : لَمْ تَمْضِ تِلْكَ الْمُدَّة حَتَّى غَلَبَتْ الرُّوم فَارِس ; وَرَبَطُوا خَيْلهمْ بِالْمَدَائِنِ , وَبَنَوْا رُومِيَّة ; فَقَمَرَ أَبُو بَكْر أُبَيًّا وَأَخَذَ مَال الْخَطَر مِنْ وَرَثَته , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَصَدَّقْ بِهِ ) فَتَصَدَّقَ بِهِ . وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ : إِنَّ سَبَب غَلَبَة الرُّوم فَارِس اِمْرَأَة كَانَتْ فِي فَارِس لَا تَلِد إِلَّا الْمُلُوك وَالْأَبْطَال , فَقَالَ لَهَا كِسْرَى : أُرِيد أَنْ أَسْتَعْمِل أَحَد بَنِيك عَلَى جَيْش أُجَهِّزهُ إِلَى الرُّوم ; فَقَالَتْ : هَذَا هُرْمُز أَرْوَغ مِنْ ثَعْلَب وَأَحْذَر مِنْ صَقْر , وَهَذَا فَرُّخَان أَحَدّ مِنْ سِنَان وَأَنْفَذ مِنْ نَبْل , وَهَذَا شهربزان أَحْلَم مِنْ كَذَا , فَاخْتَرْ ; قَالَ فَاخْتَارَ الْحَلِيم وَوَلَّاهُ , فَسَارَ إِلَى الرُّوم بِأَهْلِ فَارِس فَظَهَرَ عَلَى الرُّوم . قَالَ عِكْرِمَة وَغَيْره : إِنَّ شهربزان لَمَّا غَلَبَ الرُّوم خَرَّبَ دِيَارهَا حَتَّى بَلَغَ الْخَلِيج , فَقَالَ أَخُوهُ فَرُّخَان : لَقَدْ رَأَيْتنِي جَالِسًا عَلَى سَرِير كِسْرَى ; فَكَتَبَ كِسْرَى إِلَى شهربزان أَرْسِلْ إِلَيَّ بِرَأْسِ فَرُّخَان فَلَمْ يَفْعَل ; فَكَتَبَ كِسْرَى إِلَى فَارِس : إِنِّي قَدْ اِسْتَعْمَلْت عَلَيْكُمْ فَرُّخَان وَعَزَلْت شهربزان , وَكَتَبَ إِلَى فَرُّخَان إِذَا وَلِيَ أَنْ يَقْتُل شهربزان ; فَأَرَادَ فَرُّخَان قَتْل شهربزان فَأَخْرَجَ لَهُ شهربزان ثَلَاث صَحَائِف مِنْ كِسْرَى يَأْمُرهُ بِقَتْلِ فَرُّخَان , فَقَالَ شهربزان لِفَرُّخَانَ : إِنَّ كِسْرَى كَتَبَ إِلَيَّ أَنْ أَقْتُلك ثَلَاث صَحَائِف وَرَاجَعْته أَبَدًا فِي أَمْرك , أَفَتَقْتُلنِي أَنْتَ بِكِتَابٍ وَاحِد ؟ فَرَدَّ الْمُلْك إِلَى أَخِيهِ , وَكَتَبَ شهربزان إِلَى قَيْصَر مُلْك الرُّوم فَتَعَاوَنَا عَلَى كِسْرَى , فَغَلَبَتْ الرُّوم فَارِس وَمَاتَ كِسْرَى . وَجَاءَ الْخَبَر إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة فَفَرِحَ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ; فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : &quot; الم . غُلِبَتْ الرُّوم . فِي أَدْنَى الْأَرْض &quot; يَعْنِي أَرْض الشَّام . عِكْرِمَة : بأذرعات , وَهِيَ مَا بَيْن بِلَاد الْعَرَب وَالشَّام . وَقِيلَ : إِنَّ قَيْصَر كَانَ بَعَثَ رَجُلًا يُدْعَى يحنس وَبَعَثَ كِسْرَى شهربزان فَالْتَقَيَا بأذرعات وَبُصْرَى وَهِيَ أَدْنَى بِلَاد الشَّام إِلَى أَرْض الْعَرَب وَالْعَجَم . مُجَاهِد : بِالْجَزِيرَةِ , وَهُوَ مَوْضِع بَيْن الْعِرَاق وَالشَّام . مُقَاتِل : بِالْأُرْدُنِّ وَفِلَسْطِين . وَ &quot; أَدْنَى &quot; مَعْنَاهُ أَقْرَب . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : فَإِنْ كَانَتْ الْوَاقِعَة بأذرعات فَهِيَ مِنْ أَدْنَى الْأَرْض بِالْقِيَاسِ إِلَى مَكَّة , وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا اِمْرُؤُ الْقَيْس فِي قَوْله : تَنَوَّرْتهَا مِنْ أَذْرِعَات وَأَهْلهَا بِيَثْرِبَ أَدْنَى دَارهَا نَظَر عَالٍ وَإِنْ كَانَتْ الْوَاقِعَة بِالْجَزِيرَةِ فَهِيَ أَدْنَى بِالْقِيَاسِ إِلَى أَرْض كِسْرَى , وَإِنْ كَانَتْ بِالْأُرْدُنِّ فَهِيَ أَدْنَى إِلَى أَرْض الرُّوم . فَلَمَّا طَرَأَ ذَلِكَ وَغُلِبَتْ الرُّوم سُرَّ الْكُفَّار فَبَشَّرَ اللَّه عِبَاده بِأَنَّ الرُّوم سَيَغْلِبُونَ وَتَكُون الدَّوْلَة لَهُمْ فِي الْحَرْب . 

وَقَرَأَ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ وَعَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَمُعَاوِيَة بْن قُرَّة &quot; غَلَبَتْ الرُّوم &quot; بِفَتْحِ الْغَيْن وَاللَّام . وَتَأْوِيل ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي طَرَأَ يَوْم بَدْر إِنَّمَا كَانَتْ الرُّوم غَلَبَتْ فَعَزَّ ذَلِكَ عَلَى كُفَّار قُرَيْش وَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ , فَبَشَّرَ اللَّه تَعَالَى عِبَاده أَنَّهُمْ سَيَغْلِبُونَ أَيْضًا فِي بِضْع سِنِينَ ; ذَكَرَ هَذَا التَّأْوِيل أَبُو حَاتِم . قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : قِرَاءَة أَكْثَر النَّاس &quot; غُلِبَتْ الرُّوم &quot; بِضَمِّ الْعَيْن وَكَسْر اللَّام . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر وَأَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ أَنَّهُمَا قَرَآ &quot; غَلَبْت الرُّوم &quot; وَقَرَآ &quot; سَيُغْلَبُونَ &quot; . وَحَكَى أَبُو حَاتِم أَنَّ عِصْمَة رَوَى عَنْ هَارُون : أَنَّ هَذِهِ قِرَاءَة أَهْل الشَّام ; وَأَحْمَد بْن حَنْبَل يَقُول : إِنَّ عِصْمَة هَذَا ضَعِيف , وَأَبُو حَاتِم كَثِير الْحِكَايَة عَنْهُ , وَالْحَدِيث يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَة &quot; غُلِبَتْ &quot; بِضَمِّ الْغَيْن , وَكَانَ فِي هَذَا الْإِخْبَار دَلِيل عَلَى نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِأَنَّ الرُّوم غَلَبَتْهَا فَارِس , فَأَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرُّوم سَتَغْلِبُ فَارِس فِي بِضْع سِنِينَ , وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَفْرَحُونَ بِذَلِكَ , لِأَنَّ الرُّوم أَهْل كِتَاب , فَكَانَ هَذَا مِنْ عِلْم الْغَيْب الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ عَلِمُوهُ , وَأَمَرَ أَبَا بَكْر أَنْ يُرَاهِنهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَأَنْ يُبَالِغ فِي الرِّهَان , ثُمَّ حُرِّمَ الرِّهَان بَعْد وَنُسِخَ بِتَحْرِيمِ الْقِمَار . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَالْقِرَاءَة بِضَمِّ الْغَيْن أَصَحّ , وَأَجْمَعَ النَّاس عَلَى &quot; سَيَغْلِبُونَ &quot; أَنَّهُ بِفَتْحِ الْيَاء , يُرَاد بِهِ الرُّوم . وَيُرْوَى عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ قَرَأَ أَيْضًا بِضَمِّ الْيَاء فِي &quot; سَيُغْلَبُونَ &quot; , وَفِي هَذِهِ الْقِرَاءَة قَلْب لِلْمَعْنَى الَّذِي تَظَاهَرَتْ الرِّوَايَات بِهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : وَمَنْ قَرَأَ &quot; سَيَغْلِبُونَ &quot; فَالْمَعْنَى عِنْده : وَفَارِس مِنْ بَعْد غَلَبهمْ , أَيْ مِنْ بَعْد أَنْ غَلَبُوا , سَيَغْلِبُونَ . وَرُوِيَ أَنَّ إِيقَاع الرُّوم بِالْفُرْسِ كَانَ يَوْم بَدْر ; كَمَا فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ حَدِيث التِّرْمِذِيّ , وَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة , وَأَنَّ الْخَبَر وَصَلَ يَوْم بَيْعَة الرِّضْوَان ; قَالَهُ عِكْرِمَة وَقَتَادَة . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَفِي كِلَا الْيَوْمَيْنِ كَانَ نَصْر مِنْ اللَّه لِلْمُؤْمِنِينَ . وَقَدْ ذَكَرَ النَّاس أَنَّ سَبَب سُرُور الْمُسْلِمِينَ بِغَلَبَةِ الرُّوم وَهَمَّهُمْ أَنْ تُغْلَب إِنَّمَا هُوَ أَنَّ الرُّوم أَهْل كِتَاب كَالْمُسْلِمِينَ , وَفَارِس مِنْ أَهْل الْأَوْثَان ; كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي الْحَدِيث . قَالَ النَّحَّاس : وَقَوْل آخَر وَهُوَ أَوْلَى - أَنَّ فَرَحهمْ إِنَّمَا كَانَ لِإِنْجَازِ وَعْد اللَّه تَعَالَى ; إِذْ كَانَ فِيهِ دَلِيل عَلَى النُّبُوَّة لِأَنَّهُ أَخْبَرَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِمَا يَكُون فِي بِضْع سِنِينَ فَكَانَ فِيهِ . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَيُشْبِه أَنْ يُعَلَّل ذَلِكَ بِمَا يَقْتَضِيه النَّظَر مِنْ مَحَبَّة أَنْ يَغْلِب الْعَدُوّ الْأَصْغَر لِأَنَّهُ أَيْسَر مَئُونَة , وَمَتَى غَلَبَ الْأَكْبَر كَثُرَ الْخَوْف مِنْهُ ; فَتَأَمَّلْ هَذَا الْمَعْنَى , مَعَ مَا كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَجَّاهُ مِنْ ظُهُور دِينه وَشَرْع اللَّه الَّذِي بَعَثَهُ بِهِ وَغَلَبَته عَلَى الْأُمَم , وَإِرَادَة كُفَّار مَكَّة أَنْ يَرْمِيه اللَّه بِمَلِكٍ يَسْتَأْصِلهُ وَيُرِيحهُمْ مِنْهُ . وَقِيلَ : سُرُورهمْ إِنَّمَا كَانَ بِنَصْرِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ; لِأَنَّ جِبْرِيل أَخْبَرَ بِذَلِكَ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم بَدْر ; حَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ . 

قُلْت وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون سُرُورهمْ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ ذَلِكَ , فَسُرُّوا بِظُهُورِهِمْ عَلَى عَدُوّهُمْ وَبِظُهُورِ الرُّوم أَيْضًا وَبِإِنْجَازِ وَعْد اللَّه . وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة الشَّامِيّ وَمُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع &quot; مِنْ بَعْد غَلْبهمْ &quot; بِسُكُونِ اللَّام , وَهُمَا لُغَتَانِ ; مِثْل الظَّعَن وَالظَّعْن . وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّ الْأَصْل &quot; مِنْ بَعْد غَلَبَتهمْ &quot; فَحُذِفَتْ التَّاء كَمَا حُذِفَتْ فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ &quot; وَإِقَام الصَّلَاة &quot; وَأَصْله وَإِقَامَة الصَّلَاة . قَالَ النَّحَّاس : &quot; وَهَذَا غَلَط لَا يُخَيَّل عَلَى كَثِير مِنْ أَهْل النَّحْو ; لِأَنَّ &quot; إِقَام الصَّلَاة &quot; مَصْدَر قَدْ حُذِفَ مِنْهُ لِاعْتِلَالِ فِعْله , فَجُعِلَتْ التَّاء عِوَضًا مِنْ الْمَحْذُوف , وَ &quot; غَلَبَ &quot; لَيْسَ بِمُعْتَلٍّ وَلَا حُذِفَ مِنْهُ شَيْء . وَقَدْ حَكَى الْأَصْمَعِيّ : طَرَدَ طَرَدًا , وَجَلَبَ جَلَبًا , وَحَلَبَ حَلَبًا , وَغَلَبَ غَلَبًا ; فَأَيّ حَذْف فِي هَذَا , وَهَلْ يَجُوز أَنْ يُقَال فِيَّ أَكَلَ أَكْلًا وَمَا أَشْبَهَهُ - : حُذِفَ مِنْهُ &quot; ؟ .';
$TAFSEER['4']['30']['3'] = 'يَعْنِي أَرْض الشَّام . عِكْرِمَة : بأذرعات , وَهِيَ مَا بَيْن بِلَاد الْعَرَب وَالشَّام . وَقِيلَ : إِنَّ قَيْصَر كَانَ بَعَثَ رَجُلًا يُدْعَى يحنس وَبَعَثَ كِسْرَى شهربزان فَالْتَقَيَا بأذرعات وَبُصْرَى وَهِيَ أَدْنَى بِلَاد الشَّام إِلَى أَرْض الْعَرَب وَالْعَجَم . مُجَاهِد : بِالْجَزِيرَةِ , وَهُوَ مَوْضِع بَيْن الْعِرَاق وَالشَّام . مُقَاتِل : بِالْأُرْدُنِّ وَفِلَسْطِين . وَ &quot; أَدْنَى &quot; مَعْنَاهُ أَقْرَب . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : فَإِنْ كَانَتْ الْوَاقِعَة بأذرعات فَهِيَ مِنْ أَدْنَى الْأَرْض بِالْقِيَاسِ إِلَى مَكَّة , وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا اِمْرُؤُ الْقَيْس فِي قَوْله : تَنَوَّرْتهَا مِنْ أَذْرِعَات وَأَهْلهَا بِيَثْرِبَ أَدْنَى دَارهَا نَظَر عَالٍ وَإِنْ كَانَتْ الْوَاقِعَة بِالْجَزِيرَةِ فَهِيَ أَدْنَى بِالْقِيَاسِ إِلَى أَرْض كِسْرَى , وَإِنْ كَانَتْ بِالْأُرْدُنِّ فَهِيَ أَدْنَى إِلَى أَرْض الرُّوم . فَلَمَّا طَرَأَ ذَلِكَ وَغُلِبَتْ الرُّوم سُرَّ الْكُفَّار فَبَشَّرَ اللَّه عِبَاده بِأَنَّ الرُّوم سَيَغْلِبُونَ وَتَكُون الدَّوْلَة لَهُمْ فِي الْحَرْب . 

وَتَأْوِيل ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي طَرَأَ يَوْم بَدْر إِنَّمَا كَانَتْ الرُّوم غَلَبَتْ فَعَزَّ ذَلِكَ عَلَى كُفَّار قُرَيْش وَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ , فَبَشَّرَ اللَّه تَعَالَى عِبَاده أَنَّهُمْ سَيَغْلِبُونَ أَيْضًا فِي بِضْع سِنِينَ ; ذَكَرَ هَذَا التَّأْوِيل أَبُو حَاتِم . قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : قِرَاءَة أَكْثَر النَّاس &quot; غُلِبَتْ الرُّوم &quot; بِضَمِّ الْغَيْن وَكَسْر اللَّام . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر وَأَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ أَنَّهُمَا قَرَآ &quot; غَلَبَتْ الرُّوم &quot; وَقَرَآ &quot; سَيُغْلَبُونَ &quot; . وَحَكَى أَبُو حَاتِم أَنَّ عِصْمَة رَوَى عَنْ هَارُون : أَنَّ هَذِهِ قِرَاءَة أَهْل الشَّام ; وَأَحْمَد بْن حَنْبَل يَقُول : إِنَّ عِصْمَة هَذَا ضَعِيف , وَأَبُو حَاتِم كَثِير الْحِكَايَة عَنْهُ , وَالْحَدِيث يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَة &quot; غُلِبَتْ &quot; بِضَمِّ الْغَيْن , وَكَانَ فِي هَذَا الْإِخْبَار دَلِيل عَلَى نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِأَنَّ الرُّوم غَلَبَتْهَا فَارِس , فَأَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرُّوم سَتَغْلِبُ فَارِس فِي بِضْع سِنِينَ , وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَفْرَحُونَ بِذَلِكَ , لِأَنَّ الرُّوم أَهْل كِتَاب , فَكَانَ هَذَا مِنْ عِلْم الْغَيْب الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ عَلِمُوهُ , وَأَمَرَ أَبَا بَكْر أَنْ يُرَاهِنهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَأَنْ يُبَالِغ فِي الرِّهَان , ثُمَّ حُرِّمَ الرِّهَان بَعْد وَنُسِخَ بِتَحْرِيمِ الْقِمَار . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَالْقِرَاءَة بِضَمِّ الْغَيْن أَصَحّ , وَأَجْمَعَ النَّاس عَلَى &quot; سَيَغْلِبُونَ &quot; أَنَّهُ بِفَتْحِ الْيَاء , يُرَاد بِهِ الرُّوم . وَيُرْوَى عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ قَرَأَ أَيْضًا بِضَمِّ الْيَاء فِي &quot; سَيَغْلِبُونَ &quot; , وَفِي هَذِهِ الْقِرَاءَة قَلْب لِلْمَعْنَى الَّذِي تَظَاهَرَتْ الرِّوَايَات بِهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : وَمَنْ قَرَأَ &quot; سَيُغْلَبُونَ &quot; فَالْمَعْنَى عِنْده : وَفَارِس مِنْ بَعْد غَلَبهمْ , أَيْ مِنْ بَعْد أَنْ غُلِبُوا , سَيَغْلِبُونَ . وَرُوِيَ أَنَّ إِيقَاع الرُّوم بِالْفُرْسِ كَانَ يَوْم بَدْر ; كَمَا فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ حَدِيث التِّرْمِذِيّ , وَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة , وَأَنَّ الْخَبَر وَصَلَ يَوْم بَيْعَة الرِّضْوَان ; قَالَهُ عِكْرِمَة وَقَتَادَة . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَفِي كِلَا الْيَوْمَيْنِ كَانَ نَصْر مِنْ اللَّه لِلْمُؤْمِنِينَ . وَقَدْ ذَكَرَ النَّاس أَنَّ سَبَب سُرُور الْمُسْلِمِينَ بِغَلَبَةِ الرُّوم وَهَمَّهُمْ أَنْ تُغْلَب إِنَّمَا هُوَ أَنَّ الرُّوم أَهْل كِتَاب كَالْمُسْلِمِينَ , وَفَارِس مِنْ أَهْل الْأَوْثَان ; كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي الْحَدِيث . قَالَ النَّحَّاس : وَقَوْل آخَر وَهُوَ أَوْلَى - أَنَّ فَرَحهمْ إِنَّمَا كَانَ لِإِنْجَازِ وَعْد اللَّه تَعَالَى ; إِذْ كَانَ فِيهِ دَلِيل عَلَى النُّبُوَّة لِأَنَّهُ أَخْبَرَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِمَا يَكُون فِي بِضْع سِنِينَ فَكَانَ فِيهِ . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَيُشْبِه أَنْ يُعَلَّل ذَلِكَ بِمَا يَقْتَضِيه النَّظَر مِنْ مَحَبَّة أَنْ يَغْلِب الْعَدُوّ الْأَصْغَر لِأَنَّهُ أَيْسَر مَئُونَة , وَمَتَى غَلَبَ الْأَكْبَر كَثُرَ الْخَوْف مِنْهُ ; فَتَأَمَّلْ هَذَا الْمَعْنَى , مَعَ مَا كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَجَّاهُ مِنْ ظُهُور دِينه وَشَرْع اللَّه الَّذِي بَعَثَهُ بِهِ وَغَلَبَته عَلَى الْأُمَم , وَإِرَادَة كُفَّار مَكَّة أَنْ يَرْمِيه اللَّه بِمَلَكٍ يَسْتَأْصِلهُ وَيُرِيحهُمْ مِنْهُ . وَقِيلَ : سُرُورهمْ إِنَّمَا كَانَ بِنَصْرِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ; لِأَنَّ جِبْرِيل أَخْبَرَ بِذَلِكَ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم بَدْر ; حَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ . 

وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون سُرُورهمْ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ ذَلِكَ , فَسُرُّوا بِظُهُورِهِمْ عَلَى عَدُوّهُمْ وَبِظُهُورِ الرُّوم أَيْضًا وَبِإِنْجَازِ وَعْد اللَّه . وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة الشَّامِيّ وَمُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع &quot; مِنْ بَعْد غَلْبهمْ &quot; بِسُكُونِ اللَّام , وَهُمَا لُغَتَانِ ; مِثْل الظَّعَن وَالظَّعْن . وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّ الْأَصْل &quot; مِنْ بَعْد غَلَبَتهمْ &quot; فَحُذِفَتْ التَّاء كَمَا حُذِفَتْ فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ &quot; وَإِقَام الصَّلَاة &quot; وَأَصْله وَإِقَامَة الصَّلَاة . قَالَ النَّحَّاس : &quot; وَهَذَا غَلَط لَا يُخَيَّل عَلَى كَثِير مِنْ أَهْل النَّحْو ; لِأَنَّ &quot; إِقَام الصَّلَاة &quot; مَصْدَر قَدْ حُذِفَ مِنْهُ لِاعْتِلَالِ فِعْله , فَجُعِلَتْ التَّاء عِوَضًا مِنْ الْمَحْذُوف , وَ &quot; غَلَبَ &quot; لَيْسَ بِمُعْتَلٍّ وَلَا حُذِفَ مِنْهُ شَيْء . وَقَدْ حَكَى الْأَصْمَعِيّ : طَرَدَ طَرَدًا , وَجَلَبَ جَلَبًا , وَحَلَبَ حَلَبًا , وَغَلَبَ غَلَبًا ; فَأَيّ حَذْف فِي هَذَا , وَهَلْ يَجُوز أَنْ يُقَال فِي أَكَلَ أَكَلًا وَمَا أَشْبَهَهُ - : حُذِفَ مِنْهُ &quot; ؟ .';
$TAFSEER['4']['30']['4'] = 'حُذِفَتْ الْهَاء مِنْ &quot; بِضْع &quot; فَرْقًا بَيْن الْمُذَكَّر وَالْمُؤَنَّث , وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِيهِ فِي &quot; يُوسُف &quot; . وَفُتِحَتْ النُّون مِنْ &quot; سِنِينَ &quot; لِأَنَّهُ جَمْع مُسَلَّم . وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول &quot; فِي بِضْع سِنِينَ &quot; كَمَا يَقُول فِي &quot; غِسْلِين &quot; . وَجَازَ أَنْ يُجْمَع سَنَة جَمْع مَنْ يَعْقِل بِالْوَاوِ وَالنُّون وَالْيَاء وَالنُّون , لِأَنَّهُ قَدْ حُذِفَ مِنْهَا شَيْء فَجَعَلَ هَذَا الْجَمْع عِوَضًا مِنْ النَّقْص الَّذِي فِي وَاحِده ; لِأَنَّ أَصْل &quot; سَنَة &quot; سَنْهَة أَوْ سَنْوَة , وَكُسِرَتْ السِّين مِنْهُ دَلَالَة عَلَى أَنَّ جَمْعه . خَارِج عَنْ قِيَاسه وَنَمَطه ; هَذَا قَوْل الْبَصْرِيِّينَ . وَيَلْزَم الْفَرَّاء أَنْ يَضُمّهَا لِأَنَّهُ يَقُول : الضَّمَّة دَلِيل عَلَى الْوَاو وَقَدْ حُذِفَ مِنْ سَنَة وَاو فِي أَحَد الْقَوْلَيْنِ , وَلَا يَضُمّهَا أَحَد عَلِمْنَاهُ .



أَخْبَرَ تَعَالَى بِانْفِرَادِهِ بِالْقُدْرَةِ وَأَنَّ مَا فِي الْعَالَم مِنْ غَلَبَة وَغَيْرهَا إِنَّمَا هِيَ مِنْهُ وَبِإِرَادَتِهِ وَقُدْرَته فَقَالَ &quot; لِلَّهِ الْأَمْر &quot; أَيْ إِنْفَاذ الْأَحْكَام . &quot; مِنْ قَبْل وَمِنْ بَعْد &quot; أَيْ مِنْ قَبْل هَذِهِ الْغَلَبَة وَمِنْ بَعْدهَا . وَقِيلَ : مِنْ قَبْل كُلّ شَيْء وَمِنْ بَعْد كُلّ شَيْء . وَ &quot; مِنْ قَبْل وَمِنْ بَعْد &quot; ظَرْفَانِ بُنِيَا عَلَى الضَّمّ ; لِأَنَّهُمَا تُعْرَفَا بِحَذْفِ مَا أُضِيفَا إِلَيْهِمَا وَصَارَا مُتَضَمِّنَيْنِ مَا حُذِفَ فَخَالَفَا تَعْرِيف الْأَسْمَاء وَأَشْبَهَا الْحُرُوف فِي التَّضْمِين فَبُنِيَا , وَخُصَّا بِالضَّمِّ لِشَبَهِهِمَا بِالْمُنَادَى الْمُفْرَد فِي أَنَّهُ إِذَا نُكِّرَ وَأُضِيفَ زَالَ بِنَاؤُهُ , وَكَذَلِكَ هُمَا فَضُمَّا . وَيُقَال : &quot; مِنْ قَبْل وَمِنْ بَعْد &quot; . وَحَكَى الْكِسَائِيّ عَنْ بَعْض بَنِي أَسَد &quot; لِلَّهِ الْأَمْر مِنْ قَبْل وَمِنْ بَعْد &quot; الْأَوَّل مَخْفُوض مُنَوَّن , وَالثَّانِي مَضْمُوم بِلَا تَنْوِين . وَحَكَى الْفَرَّاء &quot; مِنْ قَبْل وَمِنْ بَعْد &quot; مَخْفُوضَيْنِ بِغَيْرِ تَنْوِين . وَأَنْكَرَهُ النَّحَّاس وَرَدَّهُ . وَقَالَ الْفَرَّاء فِي كِتَابه : فِي الْقُرْآن أَشْيَاء كَثِيرَة , الْغَلَط فِيهَا بَيِّن , مِنْهَا أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ يَجُوز &quot; مِنْ قَبْل وَمِنْ بَعْد &quot; وَإِنَّمَا يَجُوز &quot; مِنْ قَبْل وَمِنْ بَعْد &quot; عَلَى أَنَّهُمَا نَكِرَتَانِ . قَالَ الزَّجَّاج : الْمَعْنَى مِنْ مُتَقَدِّم وَمِنْ مُتَأَخِّر .



عَنْ نِيَار بْن مُكْرَم الْأَسْلَمِيّ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ &quot; الم . غُلِبَتْ الرُّوم . فِي أَدْنَى الْأَرْض وَهُمْ مِنْ بَعْد غَلَبهمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْع سِنِينَ &quot; وَكَانَتْ فَارِس يَوْم نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة قَاهِرِينَ لِلرُّومِ , وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ ظُهُور الرُّوم عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ أَهْل كِتَاب , وَفِي ذَلِكَ نَزَلَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : &quot; وَيَوْمئِذٍ يَفْرَح الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّه يَنْصُر مَنْ يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم &quot; وَكَانَتْ قُرَيْش تُحِبّ ظُهُور فَارِس لِأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَاب وَلَا إِيمَان بِبَعْثٍ , فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة خَرَجَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَصِيح فِي نَوَاحِي مَكَّة : &quot; الم . غُلِبَتْ الرُّوم . فِي أَدْنَى الْأَرْض وَهُمْ مِنْ بَعْد غَلَبهمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْع سِنِينَ &quot; . قَالَ نَاس مِنْ قُرَيْش لِأَبِي بَكْر : فَذَلِكَ بَيْننَا وَبَيْنكُمْ , زَعَمَ صَاحِبك أَنَّ الرُّوم سَتَغْلِبُ فَارِس فِي بِضْع سِنِينَ , أَفَلَا نُرَاهِنك عَلَى ذَلِكَ ؟ قَالَ : بَلَى . وَذَلِكَ قَبْل تَحْرِيم الرِّهَان , فَارْتَهَنَ أَبُو بَكْر وَالْمُشْرِكُونَ وَتَوَاضَعُوا الرِّهَان . وَقَالُوا لِأَبِي بَكْر : كَمْ تَجْعَل الْبِضْع ؟ ثَلَاث سِنِينَ أَوْ تِسْع سِنِينَ ؟ فَسَمِّ بَيْننَا وَبَيْنك وَسَطًا تَنْتَهِي إِلَيْهِ ; قَالَ فَسَمَّوْا بَيْنهمْ سِتّ سِنِينَ ; قَالَ : فَمَضَتْ السِّتّ سِنِينَ قَبْل أَنْ يَظْهَرُوا , فَأَخَذَ الْمُشْرِكُونَ رَهْن أَبِي بَكْر , فَلَمَّا دَخَلَتْ السَّنَة السَّابِعَة ظَهَرَتْ الرُّوم عَلَى فَارِس , فَعَابَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَبِي بَكْر تَسْمِيَة سِتّ سِنِينَ , قَالَ : لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ &quot; فِي بِضْع سِنِينَ &quot; قَالَ : وَأَسْلَمَ عِنْد ذَلِكَ نَاس كَثِير . قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح غَرِيب . وَرَوَى الْقُشَيْرِيّ وَابْن عَطِيَّة وَغَيْرهمَا : أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ الْآيَات خَرَجَ أَبُو بَكْر بِهَا إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ : أَسَرَّكُمْ أَنْ غُلِبَتْ الرُّوم ؟ فَإِنَّ نَبِيّنَا أَخْبَرَنَا عَنْ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْع سِنِينَ . فَقَالَ لَهُ أُبَيّ بْن خَلَف وَأُمَيَّة أَخُوهُ - وَقِيلَ أَبُو سُفْيَان بْن حَرْب - : يَا أَبَا فَصِيل , - يُعَرِّضُونَ بِكُنْيَتِهِ &quot; يَا أَبَا بَكْر &quot; - فَلْنَتَنَاحَبْ - أَيْ نَتَرَاهَن فِي ذَلِكَ فَرَاهَنَهُمْ أَبُو بَكْر . قَالَ قَتَادَة : وَذَلِكَ قَبْل أَنْ يُحَرَّم الْقِمَار , وَجَعَلُوا الرِّهَان خَمْس قَلَائِص وَالْأَجَل ثَلَاث سِنِينَ . وَقِيلَ : جَعَلُوا الرِّهَان ثَلَاث قَلَائِص . ثُمَّ أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ : ( فَهَلَّا اِحْتَطْت , فَإِنَّ الْبِضْع مَا بَيْن الثَّلَاث وَالتِّسْع وَالْعَشْر , وَلَكِنْ اِرْجِعْ فَزِدْهُمْ فِي الرِّهَان وَاسْتَزِدْهُمْ فِي الْأَجَل ) فَفَعَلَ أَبُو بَكْر , فَجَعَلُوا الْقَلَائِص مِائَة وَالْأَجَل تِسْعَة أَعْوَام ; فَغَلَبَتْ الرُّوم فِي أَثْنَاء الْأَجَل . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : فَظَهَرُوا فِي تِسْع سِنِينَ . الْقُشَيْرِيّ : الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَات أَنَّ ظُهُور الرُّوم كَانَ فِي السَّابِعَة مِنْ غَلَبَة فَارِس لِلرُّومِ , وَلَعَلَّ رِوَايَة الشَّعْبِيّ تَصْحِيف مِنْ السَّبْع إِلَى التِّسْع مِنْ بَعْض النَّقَلَة . وَفِي بَعْض الرِّوَايَات : أَنَّهُ جَعَلَ الْقَلَائِص سَبْعًا إِلَى تِسْع سِنِينَ . وَيُقَال : إِنَّهُ آخِر فُتُوح كِسْرَى أبرويز فَتَحَ فِيهِ الْقُسْطَنْطِينِيَّة حَتَّى بَنَى فِيهَا بَيْت النَّار ; فَأَخْبَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَاءَهُ ذَلِكَ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ . وَحَكَى النَّقَّاش وَغَيْره : أَنَّ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَمَّا أَرَادَ الْهِجْرَة مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَلَّقَ بِهِ أُبَيّ بْن خَلَف وَقَالَ لَهُ : أَعْطِنِي كَفِيلًا بِالْخَطَرِ إِنْ غُلِبْت ; فَكَفَّلَ بِهِ اِبْنه عَبْد الرَّحْمَن , فَلَمَّا أَرَادَ أُبَيّ الْخُرُوج إِلَى أُحُد طَلَبَهُ عَبْد الرَّحْمَن بِالْكَفِيلِ فَأَعْطَاهُ كَفِيلًا , ثُمَّ مَاتَ أُبَيّ بِمَكَّةَ مِنْ جُرْح جَرَحَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَظَهَرَتْ الرُّوم عَلَى فَارِس يَوْم الْحُدَيْبِيَة عَلَى رَأْس تِسْع سِنِينَ مِنْ مُنَاحَبَتهمْ . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : لَمْ تَمْضِ تِلْكَ الْمُدَّة حَتَّى غَلَبَتْ الرُّوم فَارِس ; وَرَبَطُوا خَيْلهمْ بِالْمَدَائِنِ , وَبَنَوْا رُومِيَّة ; فَقَمَرَ أَبُو بَكْر أُبَيًّا وَأَخَذَ مَال الْخَطَر مِنْ وَرَثَته , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَصَدَّقْ بِهِ ) فَتَصَدَّقَ بِهِ .';
$TAFSEER['4']['30']['5'] = 'عَنْ نِيَار بْن مُكْرَم الْأَسْلَمِيّ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ &quot; الم . غُلِبَتْ الرُّوم . فِي أَدْنَى الْأَرْض وَهُمْ مِنْ بَعْد غَلَبهمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْع سِنِينَ &quot; وَكَانَتْ فَارِس يَوْم نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة قَاهِرِينَ لِلرُّومِ , وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ ظُهُور الرُّوم عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ أَهْل كِتَاب , وَفِي ذَلِكَ نَزَلَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : &quot; وَيَوْمئِذٍ يَفْرَح الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّه يَنْصُر مَنْ يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم &quot; وَكَانَتْ قُرَيْش تُحِبّ ظُهُور فَارِس لِأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَاب وَلَا إِيمَان بِبَعْثٍ , فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة خَرَجَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَصِيح فِي نَوَاحِي مَكَّة : &quot; الم . غُلِبَتْ الرُّوم . فِي أَدْنَى الْأَرْض وَهُمْ مِنْ بَعْد غَلَبهمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْع سِنِينَ &quot; . قَالَ نَاس مِنْ قُرَيْش لِأَبِي بَكْر : فَذَلِكَ بَيْننَا وَبَيْنكُمْ , زَعَمَ صَاحِبك أَنَّ الرُّوم سَتَغْلِبُ فَارِس فِي بِضْع سِنِينَ , أَفَلَا نُرَاهِنك عَلَى ذَلِكَ ؟ قَالَ : بَلَى . وَذَلِكَ قَبْل تَحْرِيم الرِّهَان , فَارْتَهَنَ أَبُو بَكْر وَالْمُشْرِكُونَ وَتَوَاضَعُوا الرِّهَان . وَقَالُوا لِأَبِي بَكْر : كَمْ تَجْعَل الْبِضْع ؟ ثَلَاث سِنِينَ أَوْ تِسْع سِنِينَ ؟ فَسَمِّ بَيْننَا وَبَيْنك وَسَطًا تَنْتَهِي إِلَيْهِ ; قَالَ فَسَمَّوْا بَيْنهمْ سِتّ سِنِينَ ; قَالَ : فَمَضَتْ السِّتّ سِنِينَ قَبْل أَنْ يَظْهَرُوا , فَأَخَذَ الْمُشْرِكُونَ رَهْن أَبِي بَكْر , فَلَمَّا دَخَلَتْ السَّنَة السَّابِعَة ظَهَرَتْ الرُّوم عَلَى فَارِس , فَعَابَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَبِي بَكْر تَسْمِيَة سِتّ سِنِينَ , قَالَ : لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ &quot; فِي بِضْع سِنِينَ &quot; قَالَ : وَأَسْلَمَ عِنْد ذَلِكَ نَاس كَثِير . قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح غَرِيب . وَرَوَى الْقُشَيْرِيّ وَابْن عَطِيَّة وَغَيْرهمَا : أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ الْآيَات خَرَجَ أَبُو بَكْر بِهَا إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ : أَسَرَّكُمْ أَنْ غُلِبَتْ الرُّوم ؟ فَإِنَّ نَبِيّنَا أَخْبَرَنَا عَنْ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْع سِنِينَ . فَقَالَ لَهُ أُبَيّ بْن خَلَف وَأُمَيَّة أَخُوهُ - وَقِيلَ أَبُو سُفْيَان بْن حَرْب : يَا أَبَا فَصِيل , - يُعَرِّضُونَ بِكُنْيَتِهِ &quot; يَا أَبَا بَكْر &quot; - فَلْنَتَنَاحَبْ - أَيْ نَتَرَاهَن فِي ذَلِكَ فَرَاهَنَهُمْ أَبُو بَكْر . قَالَ قَتَادَة : وَذَلِكَ قَبْل أَنْ يُحَرَّم الْقِمَار , وَجَعَلُوا الرِّهَان خَمْس قَلَائِص وَالْأَجَل ثَلَاث سِنِينَ . وَقِيلَ : جَعَلُوا الرِّهَان ثَلَاث قَلَائِص . ثُمَّ أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ : ( فَهَلَّا اِحْتَطْت , فَإِنَّ الْبِضْع مَا بَيْن الثَّلَاث وَالتِّسْع وَالْعَشْر , وَلَكِنْ اِرْجِعْ فَزِدْهُمْ فِي الرِّهَان وَاسْتَزِدْهُمْ فِي الْأَجَل ) فَفَعَلَ أَبُو بَكْر , فَجَعَلُوا الْقَلَائِص مِائَة وَالْأَجَل تِسْعَة أَعْوَام ; فَغُلِبَتْ الرُّوم فِي أَثْنَاء الْأَجَل . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : فَظَهَرُوا فِي تِسْع سِنِينَ . الْقُشَيْرِيّ : الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَات أَنَّ ظُهُور الرُّوم كَانَ فِي السَّابِعَة مِنْ غَلَبَة فَارِس لِلرُّومِ , وَلَعَلَّ رِوَايَة الشَّعْبِيّ تَصْحِيف مِنْ السَّبْع إِلَى التِّسْع مِنْ بَعْض النَّقَلَة . وَفِي بَعْض الرِّوَايَات : أَنَّهُ جَعَلَ الْقَلَائِص سَبْعًا إِلَى تِسْع سِنِينَ . وَيُقَال : إِنَّهُ آخِر فُتُوح كِسْرَى أبرويز فَتَحَ فِيهِ الْقُسْطَنْطِينِيَّة حَتَّى بَنَى فِيهَا بَيْت النَّار ; فَأَخْبَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَاءَهُ ذَلِكَ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ . وَحَكَى النَّقَّاش وَغَيْره : أَنَّ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَمَّا أَرَادَ الْهِجْرَة مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَلَّقَ بِهِ أُبَيّ بْن خَلَف وَقَالَ لَهُ : أَعْطِنِي كَفِيلًا بِالْخَطَرِ إِنْ غُلِبْت ; فَكَفَّلَ بِهِ اِبْنه عَبْد الرَّحْمَن , فَلَمَّا أَرَادَ أُبَيّ الْخُرُوج إِلَى أُحُد طَلَبَهُ عَبْد الرَّحْمَن بِالْكَفِيلِ فَأَعْطَاهُ كَفِيلًا , ثُمَّ مَاتَ أُبَيّ بِمَكَّةَ مِنْ جُرْح جَرَحَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَظَهَرَتْ الرُّوم عَلَى فَارِس يَوْم الْحُدَيْبِيَة عَلَى رَأْس تِسْع سِنِينَ مِنْ مُنَاحَبَتهمْ . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : لَمْ تَمْضِ تِلْكَ الْمُدَّة حَتَّى غَلَبَتْ الرُّوم فَارِس ; وَرَبَطُوا خَيْلهمْ بِالْمَدَائِنِ , وَبَنَوْا رُومِيَّة ; فَقَمَرَ أَبُو بَكْر أُبَيًّا وَأَخَذَ مَال الْخَطَر مِنْ وَرَثَته , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَصَدَّقْ بِهِ ) فَتَصَدَّقَ بِهِ .



يَعْنِي مِنْ أَوْلِيَائِهِ ; لِأَنَّ نَصْره مُخْتَصّ بِغَلَبَةِ أَوْلِيَائِهِ لِأَعْدَائِهِ , فَأَمَّا غَلَبَة أَعْدَائِهِ لِأَوْلِيَائِهِ فَلَيْسَ بِنَصْرِهِ , وَإِنَّمَا هُوَ اِبْتِلَاء وَقَدْ يُسَمَّى ظَفَرًا .


فِي نِقْمَته



لِأَهْلِ طَاعَته .';
$TAFSEER['4']['30']['6'] = 'لِأَنَّ كَلَامه صِدْق . وَانْتَصَبَ &quot; وَعْد اللَّه &quot; عَلَى الْمَصْدَر ; أَيْ وَعَدَ ذَلِكَ وَعْدًا .


وَهُمْ الْكُفَّار وَهُمْ أَكْثَر . وَقِيلَ : الْمُرَاد مُشْرِكُو مَكَّة .';
$TAFSEER['4']['30']['7'] = 'بَيَّنَ تَعَالَى مِقْدَار مَا يَعْلَمُونَ فَقَالَ : &quot; يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاة الدُّنْيَا &quot; يَعْنِي أَمْر مَعَايِشهمْ وَدُنْيَاهُمْ : مَتَى يَزْرَعُونَ وَمَتَى يَحْصُدُونَ , وَكَيْف يَغْرِسُونَ وَكَيْف يَبْنُونَ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة . وَقَالَ الضَّحَّاك : هُوَ بُنْيَان قُصُورهَا , وَتَشْقِيق أَنْهَارهَا وَغَرْس أَشْجَارهَا ; وَالْمَعْنَى وَاحِد . وَقِيلَ : هُوَ مَا تُلْقِيه الشَّيَاطِين إِلَيْهِمْ مِنْ أُمُور الدُّنْيَا عِنْد اِسْتِرَاقهمْ السَّمْع مِنْ سَمَاء الدُّنْيَا ; قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر . وَقِيلَ : الظَّاهِر وَالْبَاطِن ; كَمَا قَالَ فِي مَوْضِع آخَر &quot; أَمْ بِظَاهِرٍ مِنْ الْقَوْل &quot; [ الرَّعْد : 33 ] 

قُلْت وَقَوْل اِبْن عَبَّاس أَشْبَه بِظَاهِرِ الْحَيَاة الدُّنْيَا , حَتَّى لَقَدْ قَالَ الْحَسَن : بَلَغَ وَاَللَّه مِنْ عِلْم أَحَدهمْ بِالدُّنْيَا أَنَّهُ يَنْقُد الدِّرْهَم فَيُخْبِرك بِوَزْنِهِ وَلَا يُحْسِن أَنْ يُصَلِّي . وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْمُبَرِّد : قَسَّمَ كِسْرَى أَيَّامه فَقَالَ : يَصْلُح يَوْم الرِّيح لِلنَّوْمِ , وَيَوْم الْغَيْم لِلصَّيْدِ , وَيَوْم الْمَطَر لِلشُّرْبِ وَاللَّهْو , وَيَوْم الشَّمْس لِلْحَوَائِجِ . قَالَ اِبْن خَالَوَيْهِ : مَا كَانَ أَعْرَفهمْ بِسِيَاسَةِ دُنْيَاهُمْ , يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاة الدُّنْيَا .



أَيْ عَنْ الْعِلْم بِهَا وَالْعَمَل لَهَا قَالَ بَعْضهمْ : وَمِنْ الْبَلِيَّة أَنْ تَرَى لَك صَاحِبًا فِي صُورَة الرَّجُل السَّمِيع الْمُبْصِر فَطِن بِكُلِّ مُصِيبَة فِي مَاله وَإِذَا يُصَاب بِدِينِهِ لَمْ يَشْعُر';
$TAFSEER['4']['30']['8'] = '&quot; فِي أَنْفُسهمْ &quot; ظَرْف لِلتَّفَكُّرِ وَلَيْسَ بِمَفْعُولٍ , تَعَدَّى إِلَيْهِ &quot; يَتَفَكَّرُوا &quot; بِحَرْفِ جَرّ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا أَنْ يَتَفَكَّرُوا فِي خَلْق أَنْفُسهمْ , إِنَّمَا أُمِرُوا أَنْ يَسْتَعْمِلُوا التَّفَكُّر فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأَنْفُسهمْ , حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه لَمْ يَخْلُق السَّمَوَات وَغَيْرهَا إِلَّا بِالْحَقِّ . قَالَ الزَّجَّاج : فِي الْكَلَام حَذْف , أَيْ فَيَعْلَمُوا ; لِأَنَّ فِي الْكَلَام دَلِيلًا عَلَيْهِ .


قَالَ الْفَرَّاء : مَعْنَاهُ إِلَّا لِلْحَقِّ ; يَعْنِي الثَّوَاب وَالْعِقَاب . وَقِيلَ : إِلَّا لِإِقَامَةِ الْحَقّ . وَقِيلَ : &quot; بِالْحَقِّ &quot; بِالْعَدْلِ . وَقِيلَ : بِالْحِكْمَةِ ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . وَقِيلَ : &quot; بِالْحَقِّ &quot; أَيْ أَنَّهُ هُوَ الْحَقّ وَلِلْحَقِّ خَلَقَهَا , وَهُوَ الدَّلَالَة عَلَى تَوْحِيده وَقُدْرَته .



أَيْ لِلسَّمَوَاتِ وَالْأَرْض أَجَل يَنْتَهِيَانِ إِلَيْهِ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة . وَفِي هَذَا تَنْبِيه عَلَى الْفَنَاء , وَعَلَى أَنَّ لِكُلِّ مَخْلُوق أَجَلًا , وَعَلَى ثَوَاب الْمُحْسِن وَعِقَاب الْمُسِيء . وَقِيلَ : &quot; وَأَجَل مُسَمًّى &quot; أَيْ خَلَقَ مَا خَلَقَ فِي وَقْت سَمَّاهُ لِأَنْ يَخْلُق ذَلِكَ الشَّيْء فِيهِ .



اللَّام لِلتَّوْكِيدِ , وَالتَّقْدِير : لَكَافِرُونَ بِلِقَاءِ رَبّهمْ , عَلَى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير ; أَيْ لَكَافِرُونَ بِالْبَعْثِ بَعْد الْمَوْت . وَتَقُول : إِنَّ زَيْدًا فِي الدَّار لَجَالِس . وَلَوْ قُلْت : إِنَّ زَيْدًا لَفِي الدَّار لَجَالِس جَازَ . فَإِنْ قُلْت : إِنَّ زَيْدًا جَالِس لَفِي الدَّار لَمْ يَجُزْ ; لِأَنَّ اللَّام إِنَّمَا يُؤْتَى بِهَا تَوْكِيدًا لِاسْمِ إِنَّ وَخَبَرهَا , وَإِذَا جِئْت بِهِمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تَأْتِي بِهَا . وَكَذَا إِنْ قُلْت : إِنَّ زَيْدًا لَجَالِس لَفِي الدَّار لَمْ يَجُزْ .';
$TAFSEER['4']['30']['9'] = 'بِبَصَائِرِهِمْ وَقُلُوبهمْ .


أَيْ قَلَّبُوهَا لِلزِّرَاعَةِ ; لِأَنَّ أَهْل مَكَّة لَمْ يَكُونُوا أَهْل حَرْث ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; تُثِير الْأَرْض &quot; [ الْبَقَرَة : 71 ] .


أَيْ وَعَمَرُوهَا أُولَئِكَ أَكْثَر مِمَّا عَمَرُوهَا هَؤُلَاءِ فَلَمْ تَنْفَعهُمْ عِمَارَتهمْ وَلَا طُول مُدَّتهمْ .


أَيْ بِالْمُعْجِزَاتِ . وَقِيلَ : بِالْأَحْكَامِ فَكَفَرُوا وَلَمْ يُؤْمِنُوا .


بِأَنْ أَهْلَكَهُمْ بِغَيْرِ ذَنْب وَلَا رُسُل وَلَا حُجَّة .


بِالشِّرْكِ وَالْعِصْيَان .';
$TAFSEER['4']['30']['10'] = 'السُّوءَى فُعْلَى مِنْ السُّوء تَأْنِيث الْأَسْوَإِ وَهُوَ الْأَقْبَح , كَمَا أَنَّ الْحُسْنَى تَأْنِيث الْأَحْسَن , . وَقِيلَ : يَعْنِي بِهَا هَاهُنَا النَّار ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَمَعْنَى &quot; أَسَاءُوا &quot; أَشْرَكُوا ; دَلَّ عَلَيْهِ &quot; أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّه &quot; . &quot; السُّوءَى &quot; : اِسْم جَهَنَّم ; كَمَا أَنَّ الْحُسْنَى اِسْم الْجَنَّة . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو &quot; ثُمَّ كَانَ عَاقِبَة الَّذِينَ &quot; بِالرَّفْعِ اِسْم كَانَ , وَذُكِّرَتْ لِأَنَّ تَأْنِيثهَا غَيْر حَقِيقِيّ . وَ &quot; السُّوءَى &quot; خَبَر كَانَ . وَالْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى خَبَر كَانَ . &quot; السُّوءَى &quot; بِالرَّفْعِ اِسْم كَانَ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون اِسْمهَا التَّكْذِيب ; فَيَكُون التَّقْدِير : ثُمَّ كَانَ التَّكْذِيب عَاقِبَة الَّذِينَ أَسَاءُوا وَيَكُون السُّوءَى مَصْدَرًا لِأَسَاؤُوا , أَوْ صِفَة لِمَحْذُوفٍ ; أَيْ الْخُلَّة السُّوءَى . وَرُوِيَ عَنْ الْأَعْمَش أَنَّهُ قَرَأَ &quot; ثُمَّ كَانَ عَاقِبَة الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوء &quot; بِرَفْعِ السُّوء . قَالَ النَّحَّاس : السُّوء أَشَدّ الشَّرّ ; وَالسُّوءَى الْفُعْلَى مِنْهُ .


أَيْ لِأَنْ كَذَّبُوا ; قَالَهُ الْكِسَائِيّ . وَقِيلَ : بِأَنْ كَذَّبُوا . وَقِيلَ بِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآن ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ . مُقَاتِل : بِالْعَذَابِ أَنْ يَنْزِل بِهِمْ . الضَّحَّاك : بِمُعْجِزَاتِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .';
$TAFSEER['4']['30']['11'] = 'قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَأَبُو بَكْر &quot; يُرْجَعُونَ &quot; بِالْيَاءِ . الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ .';
$TAFSEER['4']['30']['12'] = 'وَقَرَأَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ &quot; يُبْلَس &quot; بِفَتْحِ اللَّام ; وَالْمَعْرُوف فِي اللُّغَة : أَبْلَسَ الرَّجُل إِذَا سَكَتَ وَانْقَطَعَتْ حُجَّته , وَلَمْ يُؤْمَل أَنْ يَكُون لَهُ حُجَّة . وَقَرِيب مِنْهُ : تَحَيَّرَ ; كَمَا قَالَ الْعَجَّاج : يَا صَاحِ هَلْ تَعْرِف رَسْمًا مُكْرَسًا قَالَ نَعَمْ أَعْرِفهُ وَأَبْلَسَا وَقَدْ زَعَمَ بَعْض النَّحْوِيِّينَ أَنَّ إِبْلِيس مُشْتَقّ مِنْ هَذَا , وَأَنَّهُ أَبْلَسَ لِأَنَّهُ اِنْقَطَعَتْ حُجَّته . النَّحَّاس : وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَوَجَبَ أَنْ يَنْصَرِف , وَهُوَ فِي الْقُرْآن غَيْر مُنْصَرِف . الزَّجَّاج : الْمُبْلِس السَّاكِت الْمُنْقَطِع فِي حُجَّته , الْيَائِس مِنْ أَنْ يَهْتَدِي إِلَيْهَا .';
$TAFSEER['4']['30']['13'] = 'أَيْ شُرَكَائِهِمْ الَّذِينَ عَبَدُوهُمْ مِنْ دُون اللَّه


قَالُوا لَيْسُوا بِآلِهَةٍ فَتَبَرَّءُوا مِنْهَا وَتَبَرَّأَتْ مِنْهُمْ ; حَسْبَمَا تَقَدَّمَ فِي غَيْر مَوْضِع .';
$TAFSEER['4']['30']['14'] = 'يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْكَافِرِينَ .';
$TAFSEER['4']['30']['15'] = 'قَالَ النَّحَّاس : سَمِعْت الزَّجَّاج يَقُول : مَعْنَى &quot; أَمَّا &quot; دَعْ مَا كُنَّا فِيهِ وَخُذْ فِي غَيْره . وَكَذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ : إِنَّ مَعْنَاهَا مَهْمَا كُنَّا فِي شَيْء فَخُذْ فِي غَيْر مَا كُنَّا فِيهِ .



قَالَ الضَّحَّاك : الرَّوْضَة الْجَنَّة , وَالرِّيَاض الْجِنَان . وَقَالَ أَبُو عُبَيْد : الرَّوْضَة مَا كَانَ فِي تَسَفُّل , فَإِذَا كَانَتْ مُرْتَفِعَة فَهِيَ تُرْعَة . وَقَالَ غَيْره : أَحْسَن مَا تَكُون الرَّوْضَة إِذَا كَانَتْ فِي مَوْضِع مُرْتَفِع غَلِيظ ; كَمَا قَالَ الْأَعْشَى : مَا رَوْضَة مِنْ رِيَاض الْحُزْن مُعْشِبَة خَضْرَاء جَادَ عَلَيْهَا مُسَبَّل هَطِل يُضَاحِك الشَّمْس مِنْهَا كَوْكَب شَرْق مُؤَزَّر بِعَمِيمِ النَّبْت مُكْتَهِل يَوْمًا بِأَطْيَبَ مِنْهَا نَشْر رَائِحَة وَلَا بِأَحْسَنَ مِنْهَا إِذْ دَنَا الْأَصْل إِلَّا أَنَّهُ لَا يُقَال لَهَا رَوْضَة إِلَّا إِذَا كَانَ فِيهَا نَبْت , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَبْت وَكَانَتْ مُرْتَفِعَة فَهِيَ تُرْعَة . وَقَدْ قِيلَ فِي التُّرْعَة غَيْر هَذَا . وَقَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَالرَّوْضَة عِنْد الْعَرَب مَا يَنْبُت حَوْل الْغَدِير مِنْ الْبُقُول ; وَلَمْ يَكُنْ عِنْد الْعَرَب شَيْء أَحْسَن مِنْهُ . الْجَوْهَرِيّ : وَالْجَمْع رَوْض وَرِيَاض , صَارَتْ الْوَاو يَاء لِكَسْرِ مَا قَبْلهَا . وَالرَّوْض : نَحْو مِنْ نِصْف الْقِرْبَة مَاء . وَفِي الْحَوْض رَوْضَة مِنْ مَاء إِذَا غَطَّى أَسْفَله . وَأَنْشَدَ أَبُو عَمْرو : وَرَوْضَة سَقَيْت مِنْهَا نِضْوَتِي 



قَالَ الضَّحَّاك وَابْن عَبَّاس : يُكْرَمُونَ . وَقِيلَ يُنَعَّمُونَ ; وَقَالَهُ مُجَاهِد وَقَتَادَة . وَقِيلَ يُسَرُّونَ . السُّدِّيّ : يَفْرَحُونَ . وَالْحَبْرَة عِنْد الْعَرَب : السُّرُور وَالْفَرَح ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْحَبْر : الْحُبُور وَهُوَ السُّرُور ; وَيُقَال : حَبَرَهُ يَحْبُرهُ ( بِالضَّمِّ ) حَبْرًا وَحَبَرَة ; قَالَ تَعَالَى : &quot; فَهُمْ فِي رَوْضَة يُحْبَرُونَ &quot; أَيْ يُنَعَّمُونَ وَيُكْرَمُونَ وَيُسَرُّونَ . وَرَجُل يَحْبُور يَفْعُول مِنْ الْحُبُور . النَّحَّاس : وَحَكَى الْكِسَائِيّ حَبَرْته أَيْ أَكْرَمْته وَنَعَّمْته . وَسَمِعْت عَلِيّ بْن سُلَيْمَان يَقُول : هُوَ مُشْتَقّ مِنْ قَوْلهمْ : عَلَى أَسْنَانه حَبْرَة أَيْ أَثَر ; فَ &quot; يُحْبَرُونَ &quot; يَتَبَيَّن عَلَيْهِمْ أَثَر النَّعِيم . وَالْحَبْر مُشْتَقّ مِنْ هَذَا . قَالَ الشَّاعِر : لَا تَمْلَأ الدَّلْو وَعَرِّقْ فِيهَا أَمَا تَرَى حَبَار مَنْ يَسْقِيهَا وَقِيلَ : أَصْله مِنْ التَّحْبِير وَهُوَ التَّحْسِين ; فَ &quot; يُحْبَرُونَ &quot; يُحَسَّنُونَ . يُقَال : فُلَان حَسَن الْحِبْر وَالسِّبْر إِذَا كَانَ جَمِيلًا حَسَن الْهَيْئَة . وَيُقَال أَيْضًا : فُلَان حَسَن الْحَبْر وَالسَّبْر ( بِالْفَتْحِ ) ; وَهَذَا كَأَنَّهُ مَصْدَر قَوْلك : حَبَرْته حَبْرًا إِذَا حَسَّنْته . وَالْأَوَّل اِسْم ; وَمِنْهُ الْحَدِيث : ( يَخْرُج رَجُل مِنْ النَّار ذَهَبَ حِبْره وَسِبْره ) وَقَالَ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير &quot; فِي رَوْضَة يُحْبَرُونَ &quot; قَالَ : السَّمَاع فِي الْجَنَّة ; وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيّ , قَالَ : إِذَا أَخَذَ أَهْل الْجَنَّة فِي السَّمَاع لَمْ تَبْقَ شَجَرَة فِي الْجَنَّة إِلَّا رَدَّدَتْ الْغِنَاء بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيس . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ : لَيْسَ أَحَد مِنْ خَلْق اللَّه أَحْسَن صَوْتًا مِنْ إِسْرَافِيل , فَإِذَا أَخَذَ فِي السَّمَاع قَطَعَ عَلَى أَهْل سَبْع سَمَوَات صَلَاتهمْ وَتَسْبِيحهمْ . زَادَ غَيْر الْأَوْزَاعِيّ : وَلَمْ تَبْقَ شَجَرَة فِي الْجَنَّة إِلَّا رَدَّدَتْ , وَلَمْ يَبْقَ سِتْر وَلَا بَاب إِلَّا اِرْتَجَّ وَانْفَتَحَ , وَلَمْ تَبْقَ حَلْقَة إِلَّا طَنَّتْ بِأَلْوَانِ طَنِينهَا , وَلَمْ تَبْقَ أَجَمَة مِنْ آجَام الذَّهَب إِلَّا وَقَعَ أُهْبُوب الصَّوْت فِي مَقَاصِبهَا فَزَمَّرَتْ تِلْكَ الْمَقَاصِب بِفُنُونِ الزَّمْر , وَلَمْ تَبْقَ جَارِيَة مِنْ جِوَار الْحُور الْعِين إِلَّا غَنَّتْ بِأَغَانِيهَا , وَالطَّيْر بِأَلْحَانِهَا , وَيُوحِي اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى الْمَلَائِكَة أَنْ جَاوِبُوهُمْ وَأَسْمِعُوا عِبَادِي الَّذِينَ نَزَّهُوا أَسْمَاعهمْ عَنْ مَزَامِير الشَّيْطَان فَيُجَاوِبُونَ بِأَلْحَانٍ وَأَصْوَات رُوحَانِيَّيْنِ فَتَخْتَلِط هَذِهِ الْأَصْوَات فَتَصِير رَجَّة وَاحِدَة , ثُمَّ يَقُول اللَّه جَلَّ ذِكْره : يَا دَاوُد قُمْ عِنْد سَاق عَرْشِي فَمَجِّدْنِي ; فَيَنْدَفِع دَاوُد بِتَمْجِيدِ رَبّه بِصَوْتٍ يَغْمُر الْأَصْوَات وَيُجْلِيهَا وَتَتَضَاعَف اللَّذَّة ; فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : &quot; فَهُمْ فِي رَوْضَة يُحْبَرُونَ &quot; . ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم رَحِمَهُ اللَّه . وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي الدَّرْدَاء أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَذْكُر النَّاس ; فَذَكَرَ الْجَنَّة وَمَا فِيهَا مِنْ الْأَزْوَاج وَالنَّعِيم ; وَفِي أُخْرَيَات الْقَوْم أَعْرَابِيّ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , هَلْ فِي الْجَنَّة مِنْ سَمَاع ؟ فَقَالَ : ( نَعَمْ يَا أَعْرَابِيّ , إِنَّ فِي الْجَنَّة لَنَهْرًا حَافَّتَاهُ الْأَبْكَار مِنْ كُلّ بَيْضَاء خَمْصَانِيَّة يَتَغَنَّيْنَ بِأَصْوَاتٍ لَمْ تَسْمَع الْخَلَائِق بِمِثْلِهَا قَطُّ فَذَلِكَ أَفْضَل نَعِيم الْجَنَّة ) فَسَأَلَ رَجُل أَبَا الدَّرْدَاء : بِمَاذَا يَتَغَنَّيْنَ ؟ فَقَالَ : بِالتَّسْبِيحِ . وَالْخَمْصَانِيَّة : الْمُرْهَفَة الْأَعْلَى , الْخَمْصَانَة الْبَطْن , الضَّخْمَة الْأَسْفَل . قُلْت : وَهَذَا كُلّه مِنْ النَّعِيم وَالسُّرُور وَالْإِكْرَام ; فَلَا تَعَارُض بَيْن تِلْكَ الْأَقْوَال . وَأَيْنَ هَذَا مِنْ قَوْله الْحَقّ : &quot; فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن &quot; [ السَّجْدَة : 17 ] عَلَى مَا يَأْتِي . وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( فِيهَا مَا لَا عَيْن رَأَتْ وَلَا أُذُن سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر ) . وَقَدْ رُوِيَ : ( إِنَّ فِي الْجَنَّة لَأَشْجَارًا عَلَيْهَا أَجْرَاس مِنْ فِضَّة , فَإِذَا أَرَادَ أَهْل الْجَنَّة السَّمَاع بَعَثَ اللَّه رِيحًا مِنْ تَحْت الْعَرْش فَتَقَع فِي تِلْكَ الْأَشْجَار فَتُحَرِّك تِلْكَ الْأَجْرَاس بِأَصْوَاتٍ لَوْ سَمِعَهَا أَهْل الدُّنْيَا لَمَاتُوا طَرَبًا ) . ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ .';
$TAFSEER['4']['30']['16'] = 'قَالَ النَّحَّاس : سَمِعْت الزَّجَّاج يَقُول : مَعْنَى &quot; أَمَّا &quot; دَعْ مَا كُنَّا فِيهِ وَخُذْ فِي غَيْره . وَكَذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ : إِنَّ مَعْنَاهَا مَهْمَا كُنَّا فِي شَيْء فَخُذْ فِي غَيْر مَا كُنَّا فِيهِ .


أَيْ بِالْبَعْثِ .


أَيْ مُقِيمُونَ . وَقِيلَ : مَجْمُوعُونَ . وَقِيلَ : مُعَذَّبُونَ . وَقِيلَ : نَازِلُونَ ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : &quot; إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت &quot; [ الْبَقَرَة : 180 ] أَيْ نَزَلَ بِهِ ; قَالَهُ اِبْن شَجَرَة , وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب .';
$TAFSEER['4']['30']['17'] = 'الْآيَة فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال : الْأَوَّل : أَنَّهُ خِطَاب لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْأَمْرِ بِالْعِبَادَةِ وَالْحَضّ عَلَى الصَّلَاة فِي هَذِهِ الْأَوْقَات . قَالَ اِبْن عَبَّاس : الصَّلَوَات الْخَمْس فِي الْقُرْآن ; قِيلَ لَهُ : أَيْنَ ؟ فَقَالَ : قَالَ اللَّه تَعَالَى &quot; فَسُبْحَان اللَّه حِين تُمْسُونَ &quot; صَلَاة الْمَغْرِب وَالْعِشَاء &quot; وَحِين تُصْبِحُونَ &quot; صَلَاة الْفَجْر &quot; وَعَشِيًّا &quot; الْعَصْر &quot; وَحِين تُظْهِرُونَ &quot; الظُّهْر ; وَقَالَهُ الضَّحَّاك وَسَعِيد بْن جُبَيْر . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَقَتَادَة : أَنَّ الْآيَة تَنْبِيه عَلَى أَرْبَع صَلَوَات : الْمَغْرِب وَالصُّبْح وَالْعَصْر وَالظُّهْر ; قَالُوا : وَالْعِشَاء الْآخِرَة هِيَ فِي آيَة أُخْرَى فِي &quot; وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْل &quot; [ هُود : 114 ] وَفِي ذِكْر أَوْقَات الْعَوْرَة . وَقَالَ النَّحَّاس : أَهْل التَّفْسِير عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَة &quot; فَسُبْحَان اللَّه حِين تُمْسُونَ وَحِين تُصْبِحُونَ &quot; فِي الصَّلَوَات . وَسَمِعْت عَلِيّ بْن سُلَيْمَان يَقُول : حَقِيقَته عِنْدِي : فَسَبِّحُوا اللَّه فِي الصَّلَوَات , لِأَنَّ التَّسْبِيح فِي الصَّلَاة ; وَهُوَ الْقَوْل الثَّانِي . وَالْقَوْل الثَّالِث : فَسَبِّحُوا اللَّه حِين تُمْسُونَ وَحِين تُصْبِحُونَ ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَذَكَرَ الْقَوْل الْأَوَّل , وَلَفْظه فِيهِ : فَصَلُّوا لِلَّهِ حِين تُمْسُونَ وَحِين تُصْبِحُونَ . وَفِي تَسْمِيَة الصَّلَاة بِالتَّسْبِيحِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : لِمَا تَضَمَّنَهَا مِنْ ذِكْر التَّسْبِيح فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود . الثَّانِي : مَأْخُوذ مِنْ السُّبْحَة وَالسُّبْحَة الصَّلَاة ; وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَكُون لَهُمْ سُبْحَة يَوْم الْقِيَامَة ) أَيْ صَلَاة .';
$TAFSEER['4']['30']['18'] = 'اِعْتِرَاض بَيْن الْكَلَام بِدُءُوبِ الْحَمْد عَلَى نِعَمه وَآلَائِهِ . وَقِيلَ : مَعْنَى &quot; وَلَهُ الْحَمْد &quot; أَيْ الصَّلَاة لَهُ لِاخْتِصَاصِهَا بِقِرَاءَةِ الْحَمْد . وَالْأَوَّل أَظْهَر ; فَإِنَّ الْحَمْد لِلَّهِ مِنْ نَوْع تَعْظِيم اللَّه تَعَالَى وَالْحَضّ عَلَى عِبَادَته وَدَوَام نِعْمَته ; فَيَكُون نَوْعًا آخَر خِلَاف الصَّلَاة , وَاَللَّه أَعْلَم . وَبَدَأَ بِصَلَاةِ الْمَغْرِب لِأَنَّ اللَّيْل يَتَقَدَّم النَّهَار . وَفَى سُورَة &quot; الْإِسْرَاء &quot; بَدَأَ بِصَلَاةِ الظُّهْر إِذْ هِيَ أَوَّل صَلَاة صَلَّاهَا جِبْرِيل بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . الْمَاوَرْدِيّ : وَخَصَّ صَلَاة اللَّيْل بِاسْمِ التَّسْبِيح وَصَلَاة النَّهَار بِاسْمِ الْحَمْد لِأَنَّ لِلْإِنْسَانِ فِي النَّهَار مُتَقَلَّبًا فِي أَحْوَال تُوجِب حَمْد اللَّه تَعَالَى عَلَيْهَا , وَفِي اللَّيْل عَلَى خَلْوَة تُوجِب تَنْزِيه اللَّه مِنْ الْأَسْوَاء فِيهَا ; فَلِذَلِكَ صَارَ الْحَمْد بِالنَّهَارِ أَخَصّ فَسُمِّيَتْ بِهِ صَلَاة النَّهَار , وَالتَّسْبِيح بِاللَّيْلِ أَخَصّ فَسُمِّيَتْ بِهِ صَلَاة اللَّيْل . 

قَرَأَ عِكْرِمَة &quot; حِينًا تُمْسُونَ وَحِينًا تُصْبِحُونَ &quot; وَالْمَعْنَى : حِينًا تُمْسُونَ فِيهِ وَحِينًا تُصْبِحُونَ فِيهِ ; فَحُذِفَ &quot; فِيهِ &quot; تَخْفِيفًا , وَالْقَوْل فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي &quot; وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا &quot; [ الْبَقَرَة : 48 ] .



قَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْعِشِيّ وَالْعَشِيَّة مِنْ صَلَاة الْمَغْرِب إِلَى الْعَتَمَة ; تَقُول : أَتَيْته عَشِيَّة أَمْس وَعَشِيّ أَمْس . وَتَصْغِير الْعَشِيّ : عُشَيَّان , عَلَى غَيْر قِيَاس مُكَبَّره ; كَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا عَشْيَانًا , وَالْجَمْع عُشَيَّانَات . وَقِيلَ أَيْضًا فِي تَصْغِيره : عُشَيْشِيَان , وَالْجَمْع عُشَيْشِيَات . وَتَصْغِير الْعَشِيَّة عُشَيْشِيَّة , وَالْجَمْع عُشَيْشِيَات . وَالْعِشَاء ( بِالْكَسْرِ وَالْمَدّ ) مِثْل الْعَشِيّ . وَالْعِشَاءَانِ الْمَغْرِب وَالْعَتَمَة . وَزَعَمَ قَوْم أَنَّ الْعِشَاء مِنْ زَوَال الشَّمْس إِلَى طُلُوع الْفَجْر , وَأَنْشَدُوا : غَدَوْنَا غَدْوَة سَحَرًا بِلَيْلٍ عِشَاء بَعْدَمَا اِنْتَصَفَ النَّهَار الْمَاوَرْدِيّ : وَالْفَرْق بَيْن الْمَسَاء وَالْعِشَاء : أَنَّ الْمَسَاء بُدُوّ الظَّلَام بَعْد الْمَغِيب , وَالْعِشَاء آخِر النَّهَار عِنْد مَيْل الشَّمْس لِلْمَغِيبِ , وَهُوَ مَأْخُوذ مِنْ عَشَا الْعَيْن وَهُوَ نَقْص النُّور مِنْ النَّاظِر كَنَقْصِ نُور الشَّمْس .';
$TAFSEER['4']['30']['19'] = 'بَيَّنَ كَمَال قُدْرَته ; أَيْ كَمَا أَحْيَا الْأَرْض بِإِخْرَاجِ النَّبَات بَعْد هُمُودهَا , كَذَلِكَ يُحْيِيكُمْ بِالْبَعْثِ . وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى صِحَّة الْقِيَاس ; وَقَدْ مَضَى فِي &quot; آل عِمْرَان &quot; بَيَان &quot; تُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت &quot; [ آل عِمْرَان : 27 ] .';
$TAFSEER['4']['30']['20'] = 'أَيْ مِنْ عَلَامَات رُبُوبِيَّته وَوَحْدَانِيّته أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَاب ; أَيْ خَلَقَ أَبَاكُمْ مِنْهُ وَالْفَرْع كَالْأَصْلِ , وَقَدْ مَضَى بَيَان هَذَا فِي &quot; الْأَنْعَام &quot; . وَ &quot; أَنْ &quot; فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَكَذَا &quot; أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسكُمْ أَزْوَاجًا &quot; .



ثُمَّ أَنْتُمْ عُقَلَاء نَاطِقُونَ تَتَصَرَّفُونَ فِيمَا هُوَ قِوَام مَعَايِشكُمْ , فَلَمْ يَكُنْ لِيَخْلُقكُمْ عَبَثًا ; وَمَنْ قَدَرَ عَلَى هَذَا فَهُوَ أَهْل لِلْعِبَادَةِ وَالتَّسْبِيح .';
$TAFSEER['4']['30']['21'] = '&quot; أَزْوَاجًا &quot; أَيْ نِسَاء تَسْكُنُونَ إِلَيْهَا . &quot; مِنْ أَنْفُسكُمْ &quot; أَيْ مِنْ نُطَف الرِّجَال وَمِنْ جِنْسكُمْ . وَقِيلَ : الْمُرَاد حَوَّاء , خَلَقَهَا مِنْ ضِلْع آدَم ; قَالَهُ قَتَادَة .




قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد : الْمَوَدَّة الْجِمَاع , وَالرَّحْمَة الْوَلَد ; وَقَالَهُ الْحَسَن . وَقِيلَ : الْمَوَدَّة وَالرَّحْمَة عَطْف قُلُوبهمْ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض . وَقَالَ السُّدِّيّ : الْمَوَدَّة : الْمَحَبَّة , وَالرَّحْمَة : الشَّفَقَة ; وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : الْمَوَدَّة حُبّ الرَّجُل اِمْرَأَته , وَالرَّحْمَة رَحْمَته إِيَّاهَا أَنْ يُصِيبهَا بِسُوءٍ . وَيُقَال : إِنَّ الرَّجُل أَصْله مِنْ الْأَرْض , وَفِيهِ قُوَّة الْأَرْض , وَفِيهِ الْفَرْج الَّذِي مِنْهُ بُدِئَ خَلْقه فَيَحْتَاج إِلَى سَكَن , وَخُلِقَتْ الْمَرْأَة سَكَنًا لِلرَّجُلِ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَاب &quot; الْآيَة . وَقَالَ : &quot; وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا &quot; فَأَوَّل اِرْتِفَاق الرَّجُل بِالْمَرْأَةِ سُكُونه إِلَيْهَا مِمَّا فِيهِ مِنْ غَلَيَان الْقُوَّة , وَذَلِكَ أَنَّ الْفَرْج إِذَا تَحَمَّلَ فِيهِ هَيَّجَ مَاء الصُّلْب إِلَيْهِ , فَإِلَيْهَا يَسْكُن وَبِهَا يَتَخَلَّص مِنْ الْهِيَاج , وَلِلرِّجَالِ خُلِقَ الْبُضْع مِنْهُنَّ , قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبّكُمْ مِنْ أَزْوَاجكُمْ &quot; [ الشُّعَرَاء : 166 ] فَأَعْلَمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الرِّجَال أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِع خُلِقَ مِنْهُنَّ لِلرِّجَالِ , فَعَلَيْهَا بَذْله فِي كُلّ وَقْت يَدْعُوهَا الزَّوْج ; فَإِنْ مَنَعَتْهُ فَهِيَ ظَالِمَة وَفِي حَرَج عَظِيم ; وَيَكْفِيك مِنْ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُل يَدْعُو اِمْرَأَته إِلَى فِرَاشهَا فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاء سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا ) . وَفِي لَفْظ آخَر : ( إِذَا بَاتَتْ الْمَرْأَة هَاجِرَة فِرَاش زَوْجهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَة حَتَّى تُصْبِح ) .';
$TAFSEER['4']['30']['22'] = 'تَقَدَّمَ فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; وَكَانُوا يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ اللَّه هُوَ الْخَالِق .


اللِّسَان فِي الْفَم ; وَفِيهِ اِخْتِلَاف اللُّغَات : مِنْ الْعَرَبِيَّة وَالْعَجَمِيَّة وَالتُّرْكِيَّة وَالرُّومِيَّة . وَاخْتِلَاف الْأَلْوَان فِي الصُّوَر : مِنْ الْبَيَاض وَالسَّوَاد وَالْحُمْرَة ; فَلَا تَكَاد تَرَى أَحَدًا إِلَّا وَأَنْتَ تُفَرِّق بَيْنه وَبَيْن الْآخَر . وَلَيْسَ هَذِهِ الْأَشْيَاء مِنْ فِعْل النُّطْفَة وَلَا مِنْ فِعْل الْأَبَوَيْنِ ; فَلَا بُدّ مِنْ فَاعِل , فَعُلِمَ أَنَّ الْفَاعِل هُوَ اللَّه تَعَالَى ; فَهَذَا مِنْ أَدَلّ دَلِيل عَلَى الْمُدَبِّر الْبَارِئ .


أَيْ لِلْبَرِّ وَالْفَاجِر . وَقَرَأَ حَفْص : &quot; لِلْعَالِمِينَ &quot; بِكَسْرِ اللَّام جَمْع عَالِم .';
$TAFSEER['4']['30']['23'] = 'قِيلَ : فِي هَذِهِ الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير , وَالْمَعْنَى : وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْله بِالنَّهَارِ ; فَحُذِفَ حَرْف الْجَرّ لِاتِّصَالِهِ بِاللَّيْلِ وَعَطْفه عَلَيْهِ , وَالْوَاو تَقُوم مَقَام حَرْف الْجَرّ إِذَا اِتَّصَلَتْ بِالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الِاسْم الظَّاهِر خَاصَّة ; فَجُعِلَ النَّوْم بِاللَّيْلِ دَلِيلًا عَلَى الْمَوْت , وَالتَّصَرُّف بِالنَّهَارِ دَلِيلًا عَلَى الْبَعْث .



يُرِيد سَمَاع تَفَهُّم وَتَدَبُّر . وَقِيلَ : يَسْمَعُونَ الْحَقّ فَيَتَّبِعُونَهُ . وَقِيلَ : يَسْمَعُونَ الْوَعْظ فَيَخَافُونَهُ . وَقِيلَ : يَسْمَعُونَ الْقُرْآن فَيُصَدِّقُونَهُ ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . وَقِيلَ : كَانَ مِنْهُمْ مَنْ إِذَا تُلِيَ الْقُرْآن وَهُوَ حَاضِر سَدَّ أُذُنَيْهِ حَتَّى لَا يَسْمَع ; فَبَيَّنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الدَّلَائِل عَلَيْهِ .';
$TAFSEER['4']['30']['24'] = 'قِيلَ : الْمَعْنَى أَنْ يُرِيكُمْ , فَحُذِفَ &quot; أَنْ &quot; لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ ; قَالَ طَرَفَة : أَلَا أَيُّهَذَا الزَّاجِرِي أَحْضُرُ الْوَغَى وَأَنْ أَشْهَد اللَّذَّات هَلْ أَنْتَ مُخْلِدِي وَقِيلَ : هُوَ عَلَى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير ; أَيْ وَيُرِيكُمْ الْبَرْق مِنْ آيَاته . وَقِيلَ : أَيْ وَمِنْ آيَاته آيَة يُرِيكُمْ بِهَا الْبَرْق ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَمَا الدَّهْر إِلَّا تَارَتَانِ فَمِنْهُمَا أَمُوت وَأُخْرَى أَبْتَغِي الْعَيْش أَكْدَح وَقِيلَ : أَيْ مِنْ آيَاته أَنَّهُ يُرِيكُمْ الْبَرْق خَوْفًا وَطَمَعًا مِنْ آيَاته ; قَالَهُ الزَّجَّاج , فَيَكُون عَطْف جُمْلَة عَلَى جُمْلَة . &quot; خَوْفًا &quot; أَيْ لِلْمُسَافِرِ . &quot; وَطَمَعًا &quot; لِلْمُقِيمِ ; قَالَهُ قَتَادَة . الضَّحَّاك : &quot; خَوْفًا &quot; مِنْ الصَّوَاعِق , &quot; وَطَمَعًا &quot; فِي الْغَيْث . يَحْيَى بْن سَلَّام : &quot; خَوْفًا &quot; مِنْ الْبَرْد أَنْ يُهْلِك الزَّرْع , &quot; وَطَمَعًا &quot; فِي الْمَطَر أَنْ يُحْيِي الزَّرْع . اِبْن بَحْر : &quot; خَوْفًا &quot; أَنْ يَكُون الْبَرْق بَرْقًا خُلَّبًا لَا يُمْطِر , &quot; وَطَمَعًا &quot; أَنْ يَكُون مُمْطِرًا ; وَأَنْشَدَ قَوْل الشَّاعِر : لَا يَكُنْ بَرْقك بَرْقًا خُلَّبًا إِنَّ خَيْر الْبَرْق مَا الْغَيْث مَعَهْ وَقَالَ آخَر : فَقَدْ أَرِد الْمِيَاه بِغَيْرِ زَاد سِوَى عَدِّي لَهَا بَرْق الْغَمَام وَالْبَرْق الْخُلَّب : الَّذِي لَا غَيْث فِيهِ كَأَنَّهُ خَادِع ; وَمِنْهُ قِيلَ لِمَنْ يَعِد وَلَا يُنْجِز : إِنَّمَا أَنْتَ كَبَرْقٍ خُلَّب . وَالْخُلَّب أَيْضًا : السَّحَاب الَّذِي لَا مَطَر فِيهِ . وَيُقَال : بَرْق خُلَّب , بِالْإِضَافَةِ .



&quot; السَّمَاء &quot; السَّمَاء تُذَكَّر وَتُؤَنَّث , وَتُجْمَع عَلَى أَسْمِيَة وَسَمَوَات وَسُمِيّ , عَلَى فُعُول ; قَالَ الْعَجَّاج : تُلْفِهِ الرِّيَاح وَالسُّمِيّ وَالسَّمَاء : كُلّ مَا عَلَاك فَأَظَلَّك ; وَمِنْهُ قِيلَ لِسَقْفِ الْبَيْت : سَمَاء . وَالسَّمَاء : الْمَطَر , سُمِّيَ بِهِ لِنُزُولِهِ مِنْ السَّمَاء . قَالَ حَسَّان بْن ثَابِت : دِيَار مِنْ بَنِي الْحِسْحَاس قَفْر تَعْفِيهَا الرَّوَامِس وَالسَّمَاء وَقَالَ آخَر : إِذَا سَقَطَ السَّمَاء بِأَرْضِ قَوْم رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا وَيُسَمَّى الطِّين وَالْكَلَأ أَيْضًا سَمَاء ; يُقَال : مَا زِلْنَا نَطَأ السَّمَاء حَتَّى أَتَيْنَاكُمْ . يُرِيدُونَ الْكَلَأ وَالطِّين . وَيُقَال لِظَهْرِ الْفَرَس أَيْضًا سَمَاء لِعُلُوِّهِ ; قَالَ : وَأَحْمَر كَالدِّيبَاجِ أَمَّا سَمَاؤُهُ فَرَيًّا وَأَمَّا أَرْضه فَمُحَوَّل وَالسَّمَاء : مَا عَلَا . وَالْأَرْض : مَا سَفَلَ ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ .



يَعْنِي الْأَمْطَار الَّتِي بِهَا إِنْعَاش الْعَالِم وَإِخْرَاج النَّبَات وَالْأَرْزَاق , وَجَعَلَ مِنْهُ الْمُخْزُونَ عِدَّة لِلِانْتِفَاعِ فِي غَيْر وَقْت نُزُوله ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : &quot; فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْض &quot; [ الْمُؤْمِنُونَ : 18 ] . إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ &quot;';
$TAFSEER['4']['30']['25'] = '&quot; إِنَّ &quot; فِي مَحَلّ رَفْع كَمَا تَقَدَّمَ ; أَيْ قِيَامهَا وَاسْتِمْسَاكهَا بِقُدْرَتِهِ بِلَا عَمَد . وَقِيلَ : بِتَدْبِيرِهِ وَحِكْمَته ; أَيْ يُمْسِكهَا بِغَيْرِ عَمْد لِمَنَافِعِ الْخَلْق . وَقِيلَ : &quot; بِأَمْرِهِ &quot; بِإِذْنِهِ ; وَالْمَعْنَى وَاحِد . &quot; ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَة مِنْ الْأَرْض إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ &quot; أَيْ الَّذِي فَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاء قَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَثكُمْ مِنْ قُبُوركُمْ ; وَالْمُرَاد سُرْعَة وُجُود ذَلِكَ مِنْ غَيْر تَوَقُّف وَلَا تَلْبَث ; كَمَا يُجِيب الدَّاعِي الْمُطَاع مَدْعُوّهُ ; كَمَا قَالَ الْقَائِل : دَعَوْت كُلَيْبًا بِاسْمِهِ فَكَأَنَّمَا دَعَوْت بِرَأْسِ الطَّوْد أَوْ هُوَ أَسْرَع يُرِيد بِرَأْسِ الطَّوْد : الصَّدَى أَوْ الْحَجَر إِذَا تَدَهْدَهَ . وَإِنَّمَا عُطِفَ هَذَا عَلَى قِيَام السَّمَوَات وَالْأَرْض بِ &quot; ثُمَّ &quot; لِعِظَمِ مَا يَكُون مِنْ ذَلِكَ الْأَمْر وَاقْتِدَاره عَلَى مِثْله , وَهُوَ أَنْ يَقُول : يَا أَهْل الْقُبُور قُومُوا ; فَلَا تَبْقَى نَسَمَة مِنْ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ إِلَّا قَامَتْ تَنْظُر ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : &quot; ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَام يَنْظُرُونَ &quot; [ الزُّمَر : 68 ] . &quot; وَإِذَا &quot; الْأُولَى فِي قَوْله تَعَالَى : &quot; إِذَا دَعَاكُمْ &quot; لِلشَّرْطِ , وَالثَّانِيَة فِي قَوْله تَعَالَى : &quot; إِذَا أَنْتُمْ &quot; لِلْمُفَاجَأَةِ , وَهِيَ تَنُوب مَنَاب الْفَاء فِي جَوَاب الشَّرْط . وَأَجْمَعَ الْقُرَّاء عَلَى فَتْح التَّاء هُنَا فِي &quot; تَخْرُجُونَ &quot; . وَاخْتَلَفُوا فِي الَّتِي فِي &quot; الْأَعْرَاف &quot; فَقَرَأَ أَهْل الْمَدِينَة : &quot; وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ &quot; [ الْأَعْرَاف : 25 ] بِضَمِّ التَّاء , وَقَرَأَ أَهْل الْعِرَاق : بِالْفَتْحِ , وَإِلَيْهِ يَمِيل أَبُو عُبَيْد . وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ , إِلَّا أَنَّ أَهْل الْمَدِينَة فَرَّقُوا بَيْنهمَا لِنَسَقِ الْكَلَام , فَنَسَق الْكَلَام فِي الَّتِي فِي &quot; الْأَعْرَاف &quot; بِالضَّمِّ أَشْبَه ; إِذْ كَانَ الْمَوْت لَيْسَ مِنْ فِعْلهمْ , وَكَذَا الْإِخْرَاج . وَالْفَتْح فِي سُورَة الرُّوم أَشْبَه بِنَسَقِ الْكَلَام ; أَيْ إِذَا دَعَاكُمْ خَرَجْتُمْ أَيْ أَطَعْتُمْ ; فَالْفِعْل بِهِمْ أَشْبَه . وَهَذَا الْخُرُوج إِنَّمَا هُوَ عِنْد نَفْخَة إِسْرَافِيل النَّفْخَة الْآخِرَة ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيَأْتِي . وَقُرِئَ &quot; تُخْرَجُونَ &quot; بِضَمِّ التَّاء وَفَتْحهَا , ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا شَيْئًا , وَلَمْ يَذْكُر مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْفَرْق , وَاَللَّه أَعْلَم .';
$TAFSEER['4']['30']['26'] = 'خَلْقًا وَمِلْكًا وَعَبْدًا .



رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كُلّ قُنُوت فِي الْقُرْآن فَهُوَ طَاعَة ) . قَالَ النَّحَّاس : مُطِيعُونَ طَاعَة اِنْقِيَاد . وَقِيلَ : &quot; قَانِتُونَ &quot; مُقِرُّونَ بِالْعُبُودِيَّةِ , إِمَّا قَالَة وَإِمَّا دَلَالَة ; قَالَهُ عِكْرِمَة وَأَبُو مَالِك وَالسُّدِّيّ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : &quot; قَانِتُونَ &quot; مُصَلُّونَ . الرَّبِيع بْن أَنَس : &quot; كُلّ لَهُ قَانِتُونَ &quot; أَيْ قَائِم يَوْم الْقِيَامَة ; كَمَا قَالَ : &quot; يَوْم يَقُوم النَّاس لِرَبِّ الْعَالَمِينَ &quot; [ الْمُطَفِّفِينَ : 6 ] أَيْ لِلْحِسَابِ . الْحَسَن : كُلّ لَهُ قَائِم بِالشَّهَادَةِ أَنَّهُ عَبْد لَهُ . سَعِيد بْن جُبَيْر &quot; قَانِتُونَ &quot; مُخْلِصُونَ .';
$TAFSEER['4']['30']['27'] = 'أَمَّا بَدْء خَلْقه فَبِعُلُوقِهِ فِي الرَّحِم قَبْل وِلَادَته , وَأَمَّا إِعَادَته فَإِحْيَاؤُهُ بَعْد الْمَوْت بِالنَّفْخَةِ الثَّانِيَة لِلْبَعْثِ ; فَجَعَلَ مَا عَلِمَ مِنْ اِبْتِدَاء خَلْقه دَلِيلًا عَلَى مَا يَخْفَى مِنْ إِعَادَته ; اِسْتِدْلَالًا بِالشَّاهِدِ عَلَى الْغَائِب , ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ &quot; وَهُوَ أَهْوَن عَلَيْهِ &quot; وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود وَابْن عُمَر : &quot; يُبْدِئ الْخَلْق &quot; مِنْ أَبْدَأَ يُبْدِئ ; دَلِيله قَوْله تَعَالَى : &quot; إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيد &quot; [ الْبُرُوج : 13 ] . وَدَلِيل قِرَاءَة الْعَامَّة قَوْله سُبْحَانه : &quot; كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ &quot; [ الْأَعْرَاف : 29 ]



&quot; أَهْوَن &quot; بِمَعْنَى هَيِّن ; أَيْ الْإِعَادَة هَيِّن عَلَيْهِ ; قَالَهُ الرَّبِيع بْن خُثَيْم وَالْحَسَن . فَأَهْوَن بِمَعْنَى هَيِّن ; لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْء أَهْوَن عَلَى اللَّه مِنْ شَيْء . قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : وَمَنْ جَعَلَ أَهْوَن يُعَبِّر عَنْ تَفْضِيل شَيْء عَلَى شَيْء فَقَوْله مَرْدُود بِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّه يَسِيرًا &quot; [ النِّسَاء : 30 ] وَبِقَوْلِهِ : &quot; وَلَا يَئُودهُ حِفْظهمَا &quot; [ الْبَقَرَة : 255 ] . 

وَالْعَرَب تَحْمِل أَفْعَل عَلَى فَاعِل , وَمِنْهُ قَوْل الْفَرَزْدَق : إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاء بَنَى لَنَا بَيْتًا دَعَائِمه أَعَزّ وَأَطْوَل أَيْ دَعَائِمه عَزِيزَة طَوِيلَة . وَقَالَ آخَر : لَعَمْرك مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَأَوْجَل عَلَى أَيّنَا تَعْدُو الْمَنِيَّة أَوَّل أَرَادَ : إِنِّي لَوَجِل . وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَة أَيْضًا : إِنِّي لَأَمْنَحك الصُّدُود وَإِنَّنِي قَسَمًا إِلَيْك مَعَ الصُّدُود لَأَمْيَل أَرَادَ لَمَائِل . وَأَنْشَدَ أَحْمَد بْن يَحْيَى : تَمَنَّى رِجَال أَنْ أَمُوت وَإِنْ أَمُتْ فَتِلْكَ سَبِيل لَسْت فِيهَا بِأَوْحَدِ أَرَادَ بِوَاحِدٍ . وَقَالَ آخَر : لَعَمْرك إِنَّ الزِّبْرِقَان لَبَاذِل لِمَعْرُوفِهِ عِنْد السِّنِينَ وَأَفْضَل أَيْ وَفَاضِل . وَمِنْهُ قَوْلهمْ : اللَّه أَكْبَر ; إِنَّمَا مَعْنَاهُ اللَّه الْكَبِير . وَرَوَى مَعْمَر عَنْ قَتَادَة قَالَ : فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود &quot; وَهُوَ عَلَيْهِ هَيِّن &quot; . وَقَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَالضَّحَّاك : إِنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْإِعَادَة أَهْوَن عَلَيْهِ - أَيْ عَلَى اللَّه - مِنْ الْبِدَايَة ; أَيْ أَيْسَر , وَإِنْ كَانَ جَمِيعه عَلَى اللَّه تَعَالَى هَيِّنًا ; وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَوَجْهه أَنَّ هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه تَعَالَى لِعِبَادِهِ ; يَقُول : إِعَادَة الشَّيْء عَلَى الْخَلَائِق أَهْوَن مِنْ اِبْتِدَائِهِ ; فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُون الْبَعْث لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الْبِدَايَة عِنْدكُمْ وَفِيمَا بَيْنكُمْ أَهْوَن عَلَيْهِ مِنْ الْإِنْشَاء . وَقِيلَ : الضَّمِير فِي &quot; عَلَيْهِ &quot; لِلْمَخْلُوقِينَ ; أَيْ وَهُوَ أَهْوَن عَلَيْهِ , أَيْ عَلَى الْخَلْق , يُصَاح بِهِمْ صَيْحَة وَاحِدَة فَيَقُومُونَ وَيُقَال لَهُمْ : كُونُوا فَيَكُونُونَ ; فَذَلِكَ أَهْوَن عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يَكُونُوا نُطَفًا ثُمَّ عَلَقًا ثُمَّ مُضَغًا ثُمَّ أَجِنَّة ثُمَّ أَطْفَالًا ثُمَّ غِلْمَانًا ثُمَّ شُبَّانًا ثُمَّ رِجَالًا أَوْ نِسَاء . وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقُطْرُب . وَقِيلَ أَهْوَن أَسْهَل ; قَالَ : وَهَانَ عَلَى أَسْمَاء أَنْ شَطَّتْ النَّوَى يَحِنّ إِلَيْهَا وَالِه وَيَتُوق أَيْ سَهْل عَلَيْهَا , وَقَالَ الرَّبِيع بْن خُثَيْم فِي قَوْله تَعَالَى : &quot; وَهُوَ أَهْوَن عَلَيْهِ &quot; قَالَ : مَا شَيْء عَلَى اللَّه بِعَزِيزٍ . عِكْرِمَة : تَعَجَّبَ الْكُفَّار مِنْ إِحْيَاء اللَّه الْمَوْتَى فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة .



&quot; وَلَهُ الْمَثَل الْأَعْلَى &quot; أَيْ مَا أَرَادَهُ جَلَّ وَعَزَّ كَانَ . وَقَالَ الْخَلِيل : الْمَثَل الصِّفَة ; أَيْ وَلَهُ الْوَصْف الْأَعْلَى &quot; فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض &quot; كَمَا قَالَ : &quot; مَثَل الْجَنَّة الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ &quot; [ الرَّعْد : 35 ] أَيْ صِفَتهَا . وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي ذَلِكَ . وَعَنْ مُجَاهِد : &quot; الْمَثَل الْأَعْلَى &quot; قَوْل لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ; وَمَعْنَاهُ : أَيْ الَّذِي لَهُ الْوَصْف الْأَعْلَى , أَيْ الْأَرْفَع الَّذِي هُوَ الْوَصْف بِالْوَحْدَانِيَّةِ . وَكَذَا قَالَ قَتَادَة : إِنَّ الْمَثَل الْأَعْلَى شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ; وَيُعَضِّدهُ قَوْله تَعَالَى : &quot; ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسكُمْ &quot; عَلَى مَا نُبَيِّنهُ آنِفًا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَقَالَ الزَّجَّاج : &quot; وَلَهُ الْمَثَل الْأَعْلَى فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض &quot; أَيْ قَوْله : &quot; وَهُوَ أَهْوَن عَلَيْهِ &quot; قَدْ ضَرَبَهُ لَكُمْ مَثَلًا فِيمَا يَصْعُب وَيَسْهُل ; يُرِيد التَّفْسِير الْأَوَّل . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء



الْعَزِيز الَّذِي لَا يَمْتَنِع عَلَيْك مَا تُرِيدهُ ;



الْحَكِيم فِيمَا تَفْعَلهُ';
$TAFSEER['4']['30']['28'] = 'فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : &quot; مِنْ أَنْفُسكُمْ &quot; ثُمَّ قَالَ : &quot; مِنْ شُرَكَاء &quot; ; ثُمَّ قَالَ : &quot; مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ &quot; فَ &quot; مِنْ &quot; الْأُولَى لِلِابْتِدَاءِ ; كَأَنَّهُ قَالَ : أَخَذَ مَثَلًا وَانْتَزَعَهُ مِنْ أَقْرَب شَيْء مِنْكُمْ وَهِيَ أَنْفُسكُمْ . وَالثَّانِيَة لِلتَّبْعِيضِ , وَالثَّالِثَة زَائِدَة لِتَأْكِيدِ الِاسْتِفْهَام . وَالْآيَة نَزَلَتْ فِي كُفَّار قُرَيْش , كَانُوا يَقُولُونَ فِي التَّلْبِيَة : لَبَّيْكَ لَا شَرِيك لَك إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَك , تَمْلِكهُ وَمَا مَلَكَ ; قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر . وَقَالَ قَتَادَة : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلْمُشْرِكِينَ ; وَالْمَعْنَى : هَلْ يَرْضَى أَحَدكُمْ أَنْ يَكُون مَمْلُوكه فِي مَاله وَنَفْسه مِثْله , فَإِذَا لَمْ تَرْضَوْا بِهَذَا لِأَنْفُسِكُمْ فَكَيْف جَعَلْتُمْ لِلَّهِ شُرَكَاء . 

الثَّانِيَة : قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : هَذِهِ الْآيَة أَصْل فِي الشَّرِكَة بَيْن الْمَخْلُوقِينَ لِافْتِقَارِ بَعْضهمْ إِلَى بَعْض وَنَفْيهَا عَنْ اللَّه سُبْحَانه , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ : &quot; ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسكُمْ هَلْ لَكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ &quot; الْآيَة , فَيَجِب أَنْ يَقُولُوا : لَيْسَ عَبِيدنَا شُرَكَاءَنَا فِيمَا رَزَقْتنَا , فَيُقَال لَهُمْ : فَكَيْف يُتَصَوَّر أَنْ تُنَزِّهُوا نُفُوسكُمْ عَنْ مُشَارَكَة عَبِيدكُمْ وَتَجْعَلُوا عَبِيدِي شُرَكَائِي فِي خَلْقِي ; فَهَذَا حُكْم فَاسِد وَقِلَّة نَظَر وَعَمَى قَلْب , فَإِذَا بَطَلَتْ الشِّرْكَة بَيْن الْعَبِيد وِسَادَتهمْ فِيمَا يَمْلِكهُ السَّادَة وَالْخَلْق كُلّهمْ عَبِيد لِلَّهِ تَعَالَى فَيَبْطُل أَنْ يَكُون شَيْء مِنْ الْعَالِم شَرِيكًا لِلَّهِ تَعَالَى فِي شَيْء مِنْ أَفْعَاله ; فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنَّهُ وَاحِد يَسْتَحِيل أَنْ يَكُون لَهُ شَرِيك , إِذْ الشِّرْكَة تَقْتَضِي الْمُعَاوَنَة , وَنَحْنُ مُفْتَقِرُونَ إِلَى مُعَاوَنَة بَعْضنَا بَعْضًا بِالْمَالِ وَالْعَمَل ; وَالْقَدِيم الْأَزَلِيّ مُنَزَّه عَنْ ذَلِكَ جَلَّ وَعَزَّ . وَهَذِهِ الْمَسْأَلَة أَفْضَل لِلطَّالِبِ مِنْ حِفْظ دِيوَان كَامِل فِي الْفِقْه ; لِأَنَّ جَمِيع الْعِبَادَات الْبَدَنِيَّة لَا تَصِحّ إِلَّا بِتَصْحِيحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي الْقَلْب , فَافْهَمْ ذَلِكَ .';
$TAFSEER['4']['30']['29'] = 'لَمَّا قَامَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّة ذَكَرَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَام بِاتِّبَاعِ أَهْوَائِهِمْ فِي عِبَادَتهَا وَتَقْلِيد الْأَسْلَاف فِي ذَلِكَ .


أَيْ لَا هَادِي لِمَنْ أَضَلَّهُ اللَّه تَعَالَى . وَفِي هَذَا رَدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة .';
$TAFSEER['4']['30']['30'] = 'فِيهِ ثَلَاث مَسَائِل : الْأُولَى : قَالَ الزَّجَّاج : &quot; فِطْرَة &quot; مَنْصُوب بِمَعْنَى اِتَّبِعْ فِطْرَة اللَّه . قَالَ : لِأَنَّ مَعْنَى &quot; فَأَقِمْ وَجْهك لِلدِّينِ &quot; اِتَّبِعْ الدِّين الْحَنِيف وَاتَّبِعْ فِطْرَة اللَّه . وَقَالَ الطَّبَرِيّ : &quot; فِطْرَة اللَّه &quot; مَصْدَر مِنْ مَعْنَى : &quot; فَأَقِمْ وَجْهك &quot; لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : فَطَرَ اللَّه النَّاس ذَلِكَ فِطْرَة . وَقِيلَ : مَعْنَى ذَلِكَ اِتَّبِعُوا دِين اللَّه الَّذِي خَلَقَ النَّاس لَهُ ; وَعَلَى هَذَا الْقَوْل يَكُون الْوَقْف عَلَى &quot; حَنِيفًا &quot; تَامًّا . وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ يَكُون مُتَّصِلًا , فَلَا يُوقَف عَلَى &quot; حَنِيفًا &quot; . وَسُمِّيَتْ الْفِطْرَة دِينًا لِأَنَّ النَّاس يَخْلُقُونَ لَهُ , قَالَ جَلَّ وَعَزَّ : &quot; وَمَا خَلَقْت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا لِيَعْبُدُونِ &quot; [ الذَّارِيَات : 56 ] . وَيُقَال : &quot; عَلَيْهَا &quot; بِمَعْنَى لَهَا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا &quot; [ الْإِسْرَاء : 7 ] . وَالْخِطَاب بِ &quot; أَقِمْ وَجْهك &quot; لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَمَرَهُ بِإِقَامَةِ وَجْهه لِلدِّينِ الْمُسْتَقِيم ; كَمَا قَالَ : &quot; فَأَقِمْ وَجْهك لِلدِّينِ الْقَيِّم &quot; [ الرُّوم : 43 ] وَهُوَ دِين الْإِسْلَام . وَإِقَامَة الْوَجْه هُوَ تَقْوِيم الْمَقْصِد وَالْقُوَّة عَلَى الْجَدّ فِي أَعْمَال الدِّين ; وَخُصَّ الْوَجْه بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ جَامِع حَوَاسّ الْإِنْسَان وَأَشْرَفه . وَدَخَلَ فِي هَذَا الْخِطَاب أُمَّته بِاتِّفَاقٍ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . وَ &quot; حَنِيفًا &quot; مَعْنَاهُ مُعْتَدِلًا مَائِلًا عَنْ جَمِيع الْأَدْيَان الْمُحَرَّفَة الْمَنْسُوخَة . 

الثَّانِيَة : فِي الصَّحِيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ مَوْلُود إِلَّا يُولَد عَلَى الْفِطْرَة - فِي رِوَايَة عَلَى هَذِهِ الْمِلَّة - أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَج الْبَهِيمَة بَهِيمَة جَمْعَاء هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاء ) ثُمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة : وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ; &quot; فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لِخَلْقِ اللَّه &quot; فِي رِوَايَة : ( حَتَّى تَكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا ) قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه ; أَفَرَأَيْت مَنْ يَمُوت صَغِيرًا ؟ قَالَ : ( اللَّه أَعْلَم بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ ) . لَفْظ مُسْلِم . 

الثَّالِثَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى الْفِطْرَة الْمَذْكُورَة فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة عَلَى أَقْوَال مُتَعَدِّدَة ; مِنْهَا الْإِسْلَام ; قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَة وَابْن شِهَاب وَغَيْرهمَا ; قَالُوا : وَهُوَ الْمَعْرُوف عِنْد عَامَّة السَّلَف مِنْ أَهْل التَّأْوِيل ; وَاحْتَجُّوا بِالْآيَةِ وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة , وَعَضَّدُوا ذَلِكَ بِحَدِيثِ عِيَاض بْن حِمَار الْمُجَاشِعِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنَّاسِ يَوْمًا : ( أَلَا أُحَدِّثكُمْ بِمَا حَدَّثَنِي اللَّه فِي كِتَابه , إِنَّ اللَّه خَلَقَ آدَم وَبَنِيهِ حُنَفَاء مُسْلِمِينَ , وَأَعْطَاهُمْ الْمَال حَلَالًا لَا حَرَام فِيهِ فَجَعَلُوا مِمَّا أَعْطَاهُمْ اللَّه حَلَالًا وَحَرَامًا . .. ) الْحَدِيث . وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَمْس مِنْ الْفِطْرَة . .. ) فَذَكَرَ مِنْهَا قَصّ الشَّارِب , وَهُوَ مِنْ سُنَن الْإِسْلَام , وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل فَيَكُون مَعْنَى الْحَدِيث : أَنَّ الطِّفْل خُلِقَ سَلِيمًا مِنْ الْكُفْر عَلَى الْمِيثَاق الَّذِي أَخَذَهُ اللَّه عَلَى ذُرِّيَّة آدَم حِين أَخْرَجَهُمْ مِنْ صُلْبه , وَأَنَّهُمْ إِذَا مَاتُوا قَبْل أَنْ يُدْرِكُوا فِي الْجَنَّة ; أَوْلَاد مُسْلِمِينَ كَانُوا أَوْ أَوْلَاد كُفَّار . وَقَالَ آخَرُونَ : الْفِطْرَة هِيَ الْبُدَاءَة الَّتِي اِبْتَدَأَهُمْ اللَّه عَلَيْهَا ; أَيْ عَلَى مَا فَطَرَ اللَّه عَلَيْهِ خَلْقه مِنْ أَنَّهُ اِبْتَدَأَهُمْ لِلْحَيَاةِ وَالْمَوْت وَالسَّعَادَة وَالشَّقَاء , وَإِلَى مَا يَصِيرُونَ إِلَيْهِ عِنْد الْبُلُوغ . قَالُوا : وَالْفِطْرَة فِي كَلَام الْعَرَب الْبُدَاءَة . وَالْفَاطِر : الْمُبْتَدِئ ; وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : لَمْ أَكُنْ أَدْرِي مَا فَاطِر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَتَّى أَتَى أَعْرَابِيَّانِ يَخْتَصِمَانِ فِي بِئْر , فَقَالَ أَحَدهمَا : أَنَا فَطَرْتهَا ; أَيْ اِبْتَدَأْتهَا . قَالَ الْمَرْوَزِيّ : كَانَ أَحْمَد بْن حَنْبَل يَذْهَب إِلَى هَذَا الْقَوْل ثُمَّ تَرَكَهُ . قَالَ أَبُو عُمَر فِي كِتَاب التَّمْهِيد لَهُ : مَا رَسَمَهُ مَالِك فِي مُوَطَّئِهِ وَذَكَرَ فِي بَاب الْقَدَر فِيهِ مِنْ الْآثَار - يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبه فِي ذَلِكَ نَحْو هَذَا , وَاَللَّه أَعْلَم . وَمِمَّا اِحْتَجُّوا بِهِ مَا رُوِيَ عَنْ كَعْب الْقَرَظِيّ فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : &quot; فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلَالَة &quot; [ الْأَعْرَاف : 30 ] قَالَ : مَنْ اِبْتَدَأَ اللَّه خَلْقه لِلضَّلَالَةِ صَيَّرَهُ إِلَى الضَّلَالَة وَإِنْ عَمِلَ بِأَعْمَالِ الْهُدَى , وَمَنْ اِبْتَدَأَ اللَّه خَلْقه عَلَى الْهُدَى صَيَّرَهُ إِلَى الْهُدَى وَإِنْ عَمِلَ بِأَعْمَالِ الضَّلَالَة , اِبْتَدَأَ اللَّه خَلْق إِبْلِيس عَلَى الضَّلَالَة وَعَمِلَ بِأَعْمَالِ السَّعَادَة مَعَ الْمَلَائِكَة , ثُمَّ رَدَّهُ اللَّه إِلَى مَا اِبْتَدَأَ عَلَيْهِ خَلْقه , قَالَ : وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ . 

قُلْت : قَدْ مَضَى قَوْل كَعْب هَذَا فِي &quot; الْأَعْرَاف &quot; وَجَاءَ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : دُعِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِنَازَة غُلَام مِنْ الْأَنْصَار فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه , طُوبَى لِهَذَا عُصْفُور مِنْ عَصَافِير الْجَنَّة , لَمْ يَعْمَل السُّوء وَلَمْ يُدْرِكهُ , قَالَ : ( أَوَغَيْر ذَلِكَ يَا عَائِشَة , إِنَّ اللَّه خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَاب آبَائِهِمْ , وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَاب آبَائِهِمْ ) خَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي السُّنَن . وَخَرَّجَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَده كِتَابَانِ فَقَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الْكِتَابَانِ ) ؟ فَقُلْنَا : لَا يَا رَسُول اللَّه , إِلَّا أَنْ تُخْبِرنَا ; فَقَالَ لِلَّذِي فِي يَده الْيُمْنَى : ( هَذَا كِتَاب مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاء أَهْل الْجَنَّة وَأَسْمَاء آبَائِهِمْ وَقَبَائِلهمْ ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرهمْ فَلَا يُزَاد فِيهِمْ وَلَا يُنْقَص مِنْهُمْ أَبَدًا - ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي فِي شِمَاله - هَذَا كِتَاب مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاء أَهْل النَّار وَأَسْمَاء آبَائِهِمْ وَقَبَائِلهمْ ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرهمْ فَلَا يُزَاد فِيهِمْ وَلَا يُنْقَص مِنْهُمْ أَبَدًا . .. ) وَذَكَرَ الْحَدِيث , وَقَالَ فِيهِ : حَدِيث حَسَن . وَقَالَتْ فِرْقَة : لَيْسَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا &quot; وَلَا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( كُلّ مَوْلُود يُولَد عَلَى الْفِطْرَة ) الْعُمُوم , وَإِنَّمَا الْمُرَاد بِالنَّاسِ الْمُؤْمِنُونَ ; إِذَا لَوْ فُطِرَ الْجَمِيع عَلَى الْإِسْلَام لَمَا كَفَرَ أَحَد , وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ خَلَقَ أَقْوَامًا لِلنَّارِ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : &quot; وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ &quot; [ الْأَعْرَاف : 179 ] وَأَخْرَجَ الذُّرِّيَّة مِنْ صُلْب آدَم سَوْدَاء وَبَيْضَاء . وَقَالَ فِي الْغُلَام الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِر : طُبِعَ يَوْم طُبِعَ كَافِرًا . وَرَوَى أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْر بِنَهَارٍ ; وَفِيهِ : وَكَانَ فِيمَا حَفِظْنَا أَنْ قَالَ : ( أَلَا إِنَّ بَنِي آدَم خُلِقُوا طَبَقَات شَتَّى فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَد مُؤْمِنًا وَيَحْيَا مُؤْمِنًا وَيَمُوت مُؤْمِنًا , وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَد كَافِرًا وَيَحْيَا كَافِرًا وَيَمُوت كَافِرًا , وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَد مُؤْمِنًا وَيَحْيَا مُؤْمِنًا وَيَمُوت كَافِرًا , وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَد كَافِرًا وَيَحْيَا كَافِرًا وَيَمُوت مُؤْمِنًا , وَمِنْهُمْ حَسَن الْقَضَاء حَسَن الطَّلَب ) . ذَكَرَهُ حَمَّاد بْن زَيْد بْن سَلَمَة فِي مُسْنَد الطَّيَالِسِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن زَيْد عَنْ أَبِي نَضْرَة عَنْ أَبِي سَعِيد . قَالُوا : وَالْعُمُوم بِمَعْنَى الْخُصُوص كَثِير فِي لِسَان الْعَرَب ; أَلَا تَرَى إِلَى قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : &quot; تُدَمِّر كُلّ شَيْء &quot; [ الْأَحْقَاف : 25 ] وَلَمْ تُدَمِّر السَّمَوَات وَالْأَرْض . وَقَوْله : &quot; فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَاب كُلّ شَيْء &quot; [ الْأَنْعَام : 44 ] وَلَمْ تُفْتَح عَلَيْهِمْ أَبْوَاب الرَّحْمَة . وَقَالَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ الْحَنْظَلِيّ : تَمَّ الْكَلَام عِنْد قَوْله : &quot; فَأَقِمْ وَجْهك لِلدِّينِ حَنِيفًا &quot; ثُمَّ قَالَ : &quot; فِطْرَة اللَّه &quot; أَيْ فَطَرَ اللَّه الْخَلْق فِطْرَة إِمَّا بِجَنَّةٍ أَوْ نَار , وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله : ( كُلّ مَوْلُود يُولَد عَلَى الْفِطْرَة ) وَلِهَذَا قَالَ : &quot; لَا تَبْدِيل لِخَلْقِ اللَّه &quot; قَالَ شَيْخنَا أَبُو الْعَبَّاس : مَنْ قَالَ هِيَ سَابِقَة السَّعَادَة وَالشَّقَاوَة فَهَذَا إِنَّمَا يَلِيق بِالْفِطْرَةِ الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ : &quot; لَا تَبْدِيل لِخَلْقِ اللَّه &quot; وَأَمَّا فِي الْحَدِيث فَلَا ; لِأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ فِي بَقِيَّة الْحَدِيث بِأَنَّهَا تُبَدَّل وَتُغَيَّر . وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْفِقْه وَالنَّظَر : الْفِطْرَة هِيَ الْخِلْقَة الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا الْمَوْلُود فِي الْمَعْرِفَة بِرَبِّهِ ; فَكَأَنَّهُ قَالَ : كُلّ مَوْلُود يُولَد عَلَى خِلْقَة يَعْرِف بِهَا رَبّه إِذَا بَلَغَ مَبْلَغ الْمَعْرِفَة ; يُرِيد خِلْقَة مُخَالِفَة لِخِلْقَةِ الْبَهَائِم الَّتِي لَا تَصِل بِخِلْقَتِهَا إِلَى مَعْرِفَته . وَاحْتَجُّوا عَلَى أَنَّ الْفِطْرَة الْخِلْقَة , وَالْفَاطِر الْخَالِق ; لِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : &quot; الْحَمْد لِلَّهِ فَاطِر السَّمَوَات وَالْأَرْض &quot; [ فَاطِر : 1 ] يَعْنِي خَالِقهنَّ , وَبِقَوْلِهِ : &quot; وَمَا لِيَ لَا أَعْبُد الَّذِي فَطَرَنِي &quot; [ يس : 22 ] يَعْنِي خَلَقَنِي , وَبِقَوْلِهِ : &quot; الَّذِي فَطَرَهُنَّ &quot; [ الْأَنْبِيَاء : 56 ] يَعْنِي خَلَقَهُنَّ . قَالُوا : فَالْفِطْرَة الْخِلْقَة , وَالْفَاطِر الْخَالِق ; وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُون الْمَوْلُود يُفْطَر عَلَى كُفْر أَوْ إِيمَان أَوْ مَعْرِفَة أَوْ إِنْكَار قَالُوا : وَإِنَّمَا الْمَوْلُود عَلَى السَّلَامَة فِي الْأَغْلَب خِلْقَة وَطَبْعًا وَبِنْيَة لَيْسَ مَعَهَا إِيمَان وَلَا كُفْر وَلَا إِنْكَار وَلَا مَعْرِفَة ; ثُمَّ يَعْتَقِدُونَ الْكُفْر وَالْإِيمَان بَعْد الْبُلُوغ إِذَا مَيَّزُوا . وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيث : ( كَمَا تُنْتَج الْبَهِيمَة بَهِيمَة جَمْعَاء - يَعْنِي سَالِمَة - هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاء ) يَعْنِي مَقْطُوعَة الْأُذُن . فَمَثَّلَ قُلُوب بَنِي آدَم بِالْبَهَائِمِ لِأَنَّهَا تُولَد كَامِلَة الْخَلْق لَيْسَ فِيهَا نُقْصَان , ثُمَّ تُقْطَع آذَانهَا بَعْد وَأُنُوفهَا ; فَيُقَال : هَذِهِ بَحَائِر وَهَذِهِ سَوَائِب . يَقُول : فَكَذَلِكَ قُلُوب الْأَطْفَال فِي حِين وِلَادَتهمْ لَيْسَ لَهُمْ كُفْر وَلَا إِيمَان , وَلَا مَعْرِفَة وَلَا إِنْكَار كَالْبَهَائِمِ السَّائِمَة , فَلَمَّا بَلَغُوا اِسْتَهْوَتْهُمْ الشَّيَاطِين فَكَفَرَ أَكْثَرهمْ , وَعَصَمَ اللَّه أَقَلّهمْ . قَالُوا : وَلَوْ كَانَ الْأَطْفَال قَدْ فُطِرُوا عَلَى شَيْء مِنْ الْكُفْر وَالْإِيمَان فِي أَوَّلِيَّة أُمُورهمْ مَا اِنْتَقَلُوا عَنْهُ أَبَدًا , وَقَدْ نَجِدهُمْ يُؤْمِنُونَ ثُمَّ يَكْفُرُونَ . قَالُوا : وَيَسْتَحِيل فِي الْمَعْقُول أَنْ يَكُون الطِّفْل فِي حِين وِلَادَته يَعْقِل كُفْرًا أَوْ إِيمَانًا , لِأَنَّ اللَّه أَخْرَجَهُمْ فِي حَال لَا يَفْقَهُونَ مَعَهَا شَيْئًا , قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَاَللَّه أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُون أُمَّهَاتكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا &quot; [ النَّحْل : 78 ] فَمَنْ لَا يَعْلَم شَيْئًا اِسْتَحَالَ مِنْهُ كُفْر أَوْ إِيمَان , أَوْ مَعْرِفَة أَوْ إِنْكَار . قَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ : هَذَا أَصَحّ مَا قِيلَ فِي مَعْنَى الْفِطْرَة الَّتِي يُولَد النَّاس عَلَيْهَا . وَمِنْ الْحُجَّة أَيْضًا فِي هَذَا قَوْله تَعَالَى : &quot; إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ &quot; [ الطُّور : 16 ] وَ &quot; كُلّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة &quot; [ الْمُدَّثِّر : 38 ] وَمَنْ لَمْ يَبْلُغ وَقْت الْعَمَل لَمْ يَرْتَهِن بِشَيْءٍ . وَقَالَ : &quot; وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَث رَسُولًا &quot; وَلَمَا أَجْمَعُوا عَلَى دَفْع الْقَوَد وَالْقِصَاص وَالْحُدُود وَالْآثَام عَنْهُمْ فِي دَار الدُّنْيَا كَانَتْ الْآخِرَة أَوْلَى بِذَلِكَ . وَاَللَّه أَعْلَم . وَيَسْتَحِيل أَنْ تَكُون الْفِطْرَة الْمَذْكُورَة الْإِسْلَام , كَمَا قَالَ اِبْن شِهَاب ; لِأَنَّ الْإِسْلَام وَالْإِيمَان : قَوْل بِاللِّسَانِ وَاعْتِقَاد بِالْقَلْبِ وَعَمَل بِالْجَوَارِحِ , وَهَذَا مَعْدُوم مِنْ الطِّفْل , لَا يَجْهَل ذَلِكَ ذُو عَقْل . وَأَمَّا قَوْل الْأَوْزَاعِيّ : سَأَلْت الزُّهْرِيّ عَنْ رَجُل عَلَيْهِ رَقَبَة أَيَجْزِي عَنْهُ الصَّبِيّ أَنْ يُعْتِقهُ وَهُوَ رَضِيع ؟ قَالَ نَعَمْ ; لِأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَة يَعْنِي الْإِسْلَام ; فَإِنَّمَا أَجْزَى عِتْقه عِنْد مَنْ أَجَازَهُ ; لِأَنَّ حُكْمه حُكْم أَبَوَيْهِ . وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَقَالُوا : لَا يَجْزِي فِي الرِّقَاب الْوَاجِبَة إِلَّا مَنْ صَامَ وَصَلَّى , وَلَيْسَ فِي قَوْله تَعَالَى : &quot; كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ &quot; [ الْأَعْرَاف : 29 ] وَلَا فِي ( أَنْ يَخْتِم اللَّه لِلْعَبْدِ بِمَا قَضَاهُ لَهُ وَقَدَّرَهُ عَلَيْهِ ) : دَلِيل عَلَى أَنَّ الطِّفْل يُولَد حِين يُولَد مُؤْمِنًا أَوْ كَافِرًا ; لِمَا شَهِدَتْ لَهُ الْعُقُول أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْت لَيْسَ مِمَّنْ يَعْقِل إِيمَانًا وَلَا كُفْرًا , وَالْحَدِيث الَّذِي جَاءَ فِيهِ : ( أَنَّ النَّاس خُلِقُوا عَلَى طَبَقَات ) لَيْسَ مِنْ الْأَحَادِيث الَّتِي لَا مَطْعَن فِيهَا ; لِأَنَّهُ اِنْفَرَدَ بِهِ عَلِيّ بْن زَيْد بْن جُدْعَان , وَقَدْ كَانَ شُعْبَة يَتَكَلَّم فِيهِ . عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِل قَوْله : ( يُولَد مُؤْمِنًا ) أَيْ يُولَد لِيَكُونَ مُؤْمِنًا , وَيُولَد لِيَكُونَ كَافِرًا عَلَى سَابِق عِلْم اللَّه فِيهِ , وَلَيْسَ فِي قَوْله فِي الْحَدِيث ( خَلَقْت هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَخَلَقْت هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ ) أَكْثَر مِنْ مُرَاعَاة مَا يُخْتَم بِهِ لَهُمْ ; لَا أَنَّهُمْ فِي حِين طُفُولَتهمْ مِمَّنْ يَسْتَحِقّ جَنَّة أَوْ نَارًا , أَوْ يَعْقِل كُفْرًا أَوْ إِيمَانًا . 

قُلْت : وَإِلَى مَا اِخْتَارَهُ أَبُو عُمَر وَاحْتَجَّ لَهُ , ذَهَبَ غَيْر وَاحِد مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ اِبْن عَطِيَّة فِي تَفْسِيره فِي مَعْنَى الْفِطْرَة , وَشَيْخنَا أَبُو الْعَبَّاس . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَاَلَّذِي يَعْتَمِد عَلَيْهِ فِي تَفْسِير هَذِهِ اللَّفْظَة أَنَّهَا الْخِلْقَة وَالْهَيْئَة الَّتِي فِي نَفْس الطِّفْل الَّتِي هِيَ مُعَدَّة وَمُهَيَّأَة لِأَنْ يُمَيِّز بِهَا مَصْنُوعَات اللَّه تَعَالَى , وَيَسْتَدِلّ بِهَا عَلَى رَبّه وَيَعْرِف شَرَائِعه وَيُؤْمِن بِهِ ; فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : أَقِمْ وَجْهك لِلدِّينِ الَّذِي هُوَ الْحَنِيف , وَهُوَ فِطْرَة اللَّه الَّذِي عَلَى الْإِعْدَاد لَهُ فَطَرَ الْبَشَر , لَكِنْ تَعْرِضهُمْ الْعَوَارِض ; وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلّ مَوْلُود يُولَد عَلَى الْفِطْرَة فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ ) فَذِكْر الْأَبَوَيْنِ إِنَّمَا هُوَ مِثَال لِلْعَوَارِضِ الَّتِي هِيَ كَثِيرَة . وَقَالَ شَيْخنَا فِي عِبَارَته : إِنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ قُلُوب بَنِي آدَم مُؤَهَّلَة لِقَبُولِ الْحَقّ , كَمَا خَلَقَ أَعْيُنهمْ وَأَسْمَاعهمْ قَابِلَة لِلْمَرْئِيَّاتِ وَالْمَسْمُوعَات , فَمَا دَامَتْ بَاقِيَة عَلَى ذَلِكَ الْقَبُول وَعَلَى تِلْكَ الْأَهْلِيَّة أَدْرَكَتْ الْحَقّ وَدِين الْإِسْلَام وَهُوَ الدِّين الْحَقّ . وَقَدْ دَلَّ عَلَى صِحَّة هَذَا الْمَعْنَى قَوْله : ( كَمَا تُنْتَج الْبَهِيمَة بَهِيمَة جَمْعَاء هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاء ) يَعْنِي أَنَّ الْبَهِيمَة تَلِد وَلَدهَا كَامِل الْخِلْقَة سَلِيمًا مِنْ الْآفَات , فَلَوْ تُرِكَ عَلَى أَصْل تِلْكَ الْخِلْقَة لَبَقِيَ كَامِلًا بَرِيئًا مِنْ الْعُيُوب , لَكِنْ يُتَصَرَّف فِيهِ فَيُجْدَع أُذُنه وَيُوسَم وَجْهه فَتَطْرَأ عَلَيْهِ الْآفَات وَالنَّقَائِص فَيَخْرُج عَنْ الْأَصْل ; وَكَذَلِكَ الْإِنْسَان , وَهُوَ تَشْبِيه وَاقِع وَوَجْهه وَاضِح . 

قُلْت : وَهَذَا الْقَوْل مَعَ الْقَوْل الْأَوَّل مُوَافِق لَهُ فِي الْمَعْنَى , وَأَنَّ ذَلِكَ بَعْد الْإِدْرَاك حِين عَقَلُوا أَمْر الدُّنْيَا , وَتَأَكَّدَتْ حُجَّة اللَّه عَلَيْهِمْ بِمَا نَصَبَ مِنْ الْآيَات الظَّاهِرَة : مِنْ خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَالشَّمْس وَالْقَمَر , وَالْبَرّ وَالْبَحْر , وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار ; فَلَمَّا عَمِلَتْ أَهْوَاؤُهُمْ فِيهِمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِين فَدَعَتْهُمْ إِلَى الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة فَذَهَبَتْ بِأَهْوَائِهِمْ يَمِينًا وَشِمَالًا , وَأَنَّهُمْ إِنْ مَاتُوا صِغَارًا فَهُمْ فِي الْجَنَّة , أَعْنِي جَمِيع الْأَطْفَال , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا أَخْرَجَ ذُرِّيَّة آدَم مِنْ صُلْبه فِي صُورَة الذَّرّ أَقَرُّوا لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : &quot; وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّتهمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا &quot; [ الْأَعْرَاف : 172 ] . ثُمَّ أَعَادَهُمْ فِي صُلْب آدَم بَعْد أَنْ أَقَرُّوا لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ , وَأَنَّهُ اللَّه لَا إِلَه غَيْره , ثُمَّ يُكْتَب الْعَبْد فِي بَطْن أُمّه شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا عَلَى الْكِتَاب الْأَوَّل ; فَمَنْ كَانَ فِي الْكِتَاب الْأَوَّل شَقِيًّا عَمَّرَ حَتَّى يَجْرِي عَلَيْهِ الْقَلَم فَيَنْقُض الْمِيثَاق الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِ فِي صُلْب آدَم بِالشِّرْكِ , وَمَنْ كَانَ فِي الْكِتَاب الْأَوَّل سَعِيدًا عَمَّرَ حَتَّى يَجْرِي عَلَيْهِ الْقَلَم فَيَصِير سَعِيدًا , وَمَنْ مَاتَ صَغِيرًا مِنْ أَوْلَاد الْمُسْلِمِينَ قَبْل أَنْ يَجْرِي عَلَيْهِ الْقَلَم فَهُمْ مَعَ آبَائِهِمْ فِي الْجَنَّة , وَمَنْ كَانَ مِنْ أَوْلَاد الْمُشْرِكِينَ فَمَاتَ قَبْل أَنْ يَجْرِي عَلَيْهِ الْقَلَم فَلَيْسَ يَكُونُونَ مَعَ آبَائِهِمْ ; لِأَنَّهُمْ مَاتُوا عَلَى الْمِيثَاق الْأَوَّل الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ فِي صُلْب آدَم وَلَمْ يَنْقُض الْمِيثَاق , ذَهَبَ إِلَى هَذَا جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل , وَهُوَ يَجْمَع بَيْن الْأَحَادِيث , وَيَكُون مَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا سُئِلَ عَنْ أَوْلَاد الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ : ( اللَّه أَعْلَم بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ ) يَعْنِي لَوْ بَلَغُوا . وَدَلَّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل أَيْضًا حَدِيث الْبُخَارِيّ عَنْ سَمُرَة بْن جُنْدُب عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَدِيث الطَّوِيل حَدِيث الرُّؤْيَا , وَفِيهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَام : ( وَأَمَّا الرَّجُل الطَّوِيل الَّذِي فِي الرَّوْضَة فَإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام , وَأَمَّا الْوِلْدَان حَوْله فَكُلّ مَوْلُود يُولَد عَلَى الْفِطْرَة ) . قَالَ فَقِيلَ : يَا رَسُول اللَّه , وَأَوْلَاد الْمُشْرِكِينَ ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَأَوْلَاد الْمُشْرِكِينَ ) . وَهَذَا نَصّ يَرْفَع الْخِلَاف , وَهُوَ أَصَحّ شَيْء رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب , وَغَيْره مِنْ الْأَحَادِيث فِيهَا عِلَل وَلَيْسَتْ مِنْ أَحَادِيث الْأَئِمَّة الْفُقَهَاء ; قَالَهُ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ . وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيث أَنَس قَالَ : سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوْلَاد الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ : ( لَمْ تَكُنْ لَهُمْ حَسَنَات فَيُجْزَوْا بِهَا فَيَكُونُوا مِنْ مُلُوك الْجَنَّة , وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ سَيِّئَات فَيُعَاقَبُوا عَلَيْهَا فَيَكُونُوا مِنْ أَهْل النَّار , فَهُمْ خَدَم لِأَهْلِ الْجَنَّة ) ذَكَرَهُ يَحْيَى بْن سَلَّام فِي التَّفْسِير لَهُ . وَقَدْ زِدْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَة بَيَانًا فِي كِتَاب التَّذْكِرَة , وَذَكَرْنَا فِي كِتَاب الْمُقْتَبَس فِي شَرْح مُوَطَّأ مَالِك بْن أَنَس مَا ذَكَرَهُ أَبُو عُمَر مِنْ ذَلِكَ , وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَذَكَرَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن آدَم قَالَ : أَخْبَرَنَا جَرِير بْن حَازِم عَنْ أَبِي رَجَاء الْعُطَارِدِيّ قَالَ : سَمِعْت اِبْن عَبَّاس يَقُول : لَا يَزَال أَمْر هَذِهِ الْأُمَّة مُوَاتِيًا أَوْ مُتَقَارِبًا - أَوْ كَلِمَة تُشْبِه هَاتَيْنِ - حَتَّى يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَنْظُرُوا فِي الْأَطْفَال وَالْقَدَر . قَالَ يَحْيَى بْن آدَم فَذَكَرْته لِابْنِ الْمُبَارَك فَقَالَ : أَيَسْكُتُ الْإِنْسَان عَلَى الْجَهْل ؟ قُلْت : فَتَأْمُر بِالْكَلَامِ ؟ قَالَ فَسَكَتَ . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق : &quot; فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا &quot; هِيَ الْفَقْر وَالْفَاقَة ; وَهَذَا حَسَن ; فَإِنَّهُ مُنْذُ وُلِدَ إِلَى حِين يَمُوت فَقِير مُحْتَاج , نَعَمْ , وَفِي الْآخِرَة .






أَيْ هَذِهِ الْفِطْرَة لَا تَبْدِيل لَهَا مِنْ جِهَة الْخَالِق . وَلَا يَجِيء الْأَمْر عَلَى خِلَاف هَذَا بِوَجْهٍ ; أَيْ لَا يَشْقَى مَنْ خَلَقَهُ سَعِيدًا , وَلَا يَسْعَد مَنْ خَلَقَهُ شَقِيًّا . وَقَالَ مُجَاهِد : الْمَعْنَى لَا تَبْدِيل لِدِينِ اللَّه ; وَقَالَهُ قَتَادَة وَابْن جُبَيْر وَالضَّحَّاك وَابْن زَيْد وَالنَّخَعِيّ , قَالُوا : هَذَا مَعْنَاهُ فِي الْمُعْتَقَدَات . وَقَالَ عِكْرِمَة : وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعُمَر بْن الْخَطَّاب أَنَّ الْمَعْنَى : لَا تَغْيِير لِخَلْقِ اللَّه مِنْ الْبَهَائِم أَنْ تُخْصَى فُحُولهَا ; فَيَكُون مَعْنَاهُ النَّهْي عَنْ خِصَاء الْفُحُول مِنْ الْحَيَوَان . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي &quot; النِّسَاء &quot; .


أَيْ ذَلِكَ الْقَضَاء الْمُسْتَقِيم ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ مُقَاتِل : ذَلِكَ الْحِسَاب الْبَيِّن . وَقِيلَ : &quot; ذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم &quot; أَيْ دِين الْإِسْلَام هُوَ الدِّين الْقَيِّم الْمُسْتَقِيم .


أَيْ لَا يَتَفَكَّرُونَ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ لَهُمْ خَالِقًا مَعْبُودًا , وَإِلَهًا قَدِيمًا سَبَقَ قَضَاؤُهُ وَنَفَذَ حُكْمه .';
$TAFSEER['4']['30']['31'] = 'اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ , فَقِيلَ : رَاجِعِينَ إِلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِخْلَاص . وَقَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام وَالْفَرَّاء : مُقْبِلِينَ إِلَيْهِ . وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد : مُطِيعِينَ لَهُ . وَقِيلَ تَائِبِينَ إِلَيْهِ مِنْ الذُّنُوب ; وَمِنْهُ قَوْل أَبِي قَيْس بْن الْأَسْلَت : فَإِنْ تَابُوا فَإِنَّ بَنِي سُلَيْم وَقَوْمهمْ هَوَازِن قَدْ أَنَابُوا وَالْمَعْنَى وَاحِد ; فَإِنْ &quot; نَابَ وَتَابَ وَثَابَ وَآبَ &quot; مَعْنَاهُ الرُّجُوع . قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَفِي أَصْل الْإِنَابَة قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّ أَصْله الْقَطْع ; وَمِنْهُ أُخِذَ اِسْم النَّاب لِأَنَّهُ قَاطِع ; فَكَأَنَّ الْإِنَابَة هِيَ الِانْقِطَاع إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِالطَّاعَةِ . الثَّانِي : أَصْله الرُّجُوع ; مَأْخُوذ مِنْ نَابَ يَنُوب إِذَا رَجَعَ مَرَّة بَعْد أُخْرَى ; وَمِنْهُ النَّوْبَة لِأَنَّهَا الرُّجُوع إِلَى عَادَة . الْجَوْهَرِيّ : وَأَنَابَ إِلَى اللَّه أَقْبَلَ وَتَابَ . وَالنَّوْبَة وَاحِدَة النُّوَب , تَقُول : جَاءَتْ نَوْبَتك وَنِيَابَتك , وَهُمْ يَتَنَاوَبُونَ النَّوْبَة فِيمَا بَيْنهمْ فِي الْمَاء وَغَيْره . وَانْتَصَبَ عَلَى الْحَال . قَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد : لِأَنَّ مَعْنَى : &quot; أَقِمْ وَجْهك &quot; فَأَقِيمُوا وُجُوهكُمْ مُنِيبِينَ . وَقَالَ الْفَرَّاء : الْمَعْنَى فَأَقِمْ وَجْهك وَمَنْ مَعَك مُنِيبِينَ . وَقِيلَ : اِنْتَصَبَ عَلَى الْقَطْع ; أَيْ فَأَقِمْ وَجْهك أَنْتَ وَأُمَّتك الْمُنِيبِينَ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْأَمْر لَهُ , أَمْر لِأُمَّتِهِ ; فَحَسُنَ أَنْ يَقُول مُنِيبِينَ إِلَيْهِ , وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاء &quot; [ الطَّلَاق : 1 ] .


أَيْ خَافُوهُ وَامْتَثِلُوا مَا أَمَرَكُمْ بِهِ .


بَيَّنَ أَنَّ الْعِبَادَة لَا تَنْفَع إِلَّا مَعَ الْإِخْلَاص ; فَلِذَلِكَ قَالَ : &quot; وَلَا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ &quot; وَقَدْ مَضَى هَذَا مُبَيَّنًا &quot; فِي النِّسَاء وَالْكَهْف &quot; وَغَيْرهمَا .';
$TAFSEER['4']['30']['32'] = 'تَأَوَّلَهُ أَبُو هُرَيْرَة وَعَائِشَة وَأَبُو أُمَامَة : أَنَّهُ لِأَهْلِ الْقِبْلَة مِنْ أَهْل الْأَهْوَاء وَالْبِدَع . وَقَدْ مَضَى &quot; فِي الْأَنْعَام &quot; بَيَانه . وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينهمْ أَهْل الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى ; وَقَالَهُ قَتَادَة وَمَعْمَر . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ : &quot; فَارَقُوا دِينهمْ &quot; , وَقَدْ قَرَأَ ذَلِكَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب ; أَيْ فَارَقُوا دِينهمْ الَّذِي يَجِب اِتِّبَاعه , وَهُوَ التَّوْحِيد .


أَيْ فِرَقًا ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ . وَقِيلَ أَدْيَانًا ; قَالَهُ مُقَاتِل .


أَيْ مَسْرُورُونَ مُعْجَبُونَ , لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَبَيَّنُوا الْحَقّ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَتَبَيَّنُوهُ . وَقِيلَ : كَانَ هَذَا قَبْل أَنْ تَنْزِل الْفَرَائِض . وَقَوْل ثَالِث : أَنَّ الْعَاصِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ يَكُون فَرِحًا بِمَعْصِيَتِهِ , فَكَذَلِكَ الشَّيْطَان وَقُطَّاع الطَّرِيق وَغَيْرهمْ , وَاَللَّه أَعْلَم . وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يَكُون التَّمَام &quot; وَلَا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ &quot; وَيَكُون الْمَعْنَى : مِنْ الَّذِينَ فَارَقُوا دِينهمْ &quot; وَكَانُوا شِيَعًا &quot; عَلَى الِاسْتِئْنَاف , وَأَنَّهُ يَجُوز أَنْ يَكُون مُتَّصِلًا بِمَا قَبْله . النَّحَّاس : وَإِذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِمَا قَبْله فَهُوَ عِنْد الْبَصْرِيِّينَ عَلَى الْبَدَل بِإِعَادَةِ الْحَرْف ; كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ : &quot; قَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمه لِلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ &quot; [ الْأَعْرَاف : 75 ] وَلَوْ كَانَ بِلَا حَرْف لَجَازَ .';
$TAFSEER['4']['30']['33'] = 'أَيْ قَحْط وَشِدَّة


أَنْ يَرْفَع ذَلِكَ عَنْهُمْ


قَالَ اِبْن عَبَّاس : مُقْبِلِينَ عَلَيْهِ بِكُلِّ قُلُوبهمْ لَا يُشْرِكُونَ . وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَام التَّعَجُّب , عَجِبَ نَبِيّه مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي تَرْك الْإِنَابَة إِلَى اللَّه تَعَالَى مَعَ تَتَابُع الْحُجَج عَلَيْهِمْ ; أَيْ إِذَا مَسَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّار ضُرّ مِنْ مَرَض وَشِدَّة دَعَوْا رَبّهمْ ; أَيْ اِسْتَغَاثُوا بِهِ فِي كَشْف مَا نَزَلَ بِهِمْ , مُقْبِلِينَ عَلَيْهِ وَحْده دُون الْأَصْنَام , لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ لَا فَرَج عِنْدهَا .


أَيْ عَافِيَة وَنِعْمَة .


أَيْ يُشْرِكُونَ بِهِ فِي الْعِبَادَة .';
$TAFSEER['4']['30']['34'] = 'قِيلَ : هِيَ لَام كَيْ . وَقِيلَ : هِيَ لَام أَمْر فِيهِ مَعْنَى التَّهْدِيد ; كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ : &quot; فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ &quot; [ الْكَهْف : 29 ] .


تَهْدِيد وَوَعِيد . وَفِي مُصْحَف عَبْد اللَّه &quot; وَلِيَتَمَتَّعُوا &quot; ; أَيْ مَكَّنَّاهُمْ مِنْ ذَلِكَ لِكَيْ يَتَمَتَّعُوا , فَهُوَ إِخْبَار عَنْ غَائِب ; مِثْل : &quot; لِيَكْفُرُوا &quot; . وَهُوَ عَلَى خَطّ الْمُصْحَف خِطَاب بَعْد الْإِخْبَار عَنْ غَائِب ; أَيْ تَمَتَّعُوا أَيّهَا الْفَاعِلُونَ لِهَذَا .';
$TAFSEER['4']['30']['35'] = 'حُجَّة وَبَيَانًا , وَعُذْرًا وَبُرْهَانًا ; وَمِنْ هَذَا قِيلَ , لِلْوَالِي سُلْطَان ; لِأَنَّهُ حُجَّة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأَرْض . وَيُقَال : إِنَّهُ مَأْخُوذ مِنْ السَّلِيط وَهُوَ مَا يُضَاء بِهِ السِّرَاج , وَهُوَ دُهْن السِّمْسِم ; قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : أَمَالَ السَّلِيط بِالذُّبَالِ الْمُفَتَّل فَالسُّلْطَان يُسْتَضَاء بِهِ فِي إِظْهَار الْحَقّ وَقَمْع الْبَاطِل . وَقِيلَ السَّلِيط الْحَدِيد . وَالسَّلَاطَة الْحِدَة . وَالسَّلَاطَة مِنْ التَّسْلِيط وَهُوَ الْقَهْر ; وَالسُّلْطَان مِنْ ذَلِكَ , فَالنُّون زَائِدَة . فَأَصْل السُّلْطَان الْقُوَّة , فَإِنَّهُ يُقْهَر بِهَا كَمَا يُقْهَر بِالسُّلْطَانِ . وَالسَّلِيطَة الْمَرْأَة الصَّاخِبَة . وَالسَّلِيط الرَّجُل الْفَصِيح اللِّسَان . وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ لَمْ تَثْبُت عِبَادَة الْأَوْثَان فِي شَيْء مِنْ الْمِلَل . وَلَمْ يَدُلّ عَقْل عَلَى جَوَاز ذَلِكَ . وَهُوَ اِسْتِفْهَام فِيهِ مَعْنَى التَّوْقِيف . قَالَ الضَّحَّاك : &quot; سُلْطَانًا &quot; أَيْ كِتَابًا ; وَقَالَهُ قَتَادَة وَالرَّبِيع بْن أَنَس . وَأَضَافَ الْكَلَام إِلَى الْكِتَاب تَوَسُّعًا . وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّ الْعَرَب تُؤَنِّث السُّلْطَان ; تَقُول : قَضَتْ بِهِ عَلَيْك السُّلْطَان . فَأَمَّا الْبَصْرِيُّونَ فَالتَّذْكِير عِنْدهمْ أَفْصَح , وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآن , وَالتَّأْنِيث عِنْدهمْ جَائِز لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْحُجَّة ; أَيْ حُجَّة تَنْطِق بِشِرْكِكُمْ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك أَيْضًا . وَقَالَ عَلِيّ بْن سُلَيْمَان عَنْ أَبِي الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن يَزِيد قَالَ : سُلْطَان جَمْع سَلِيط ; مِثْل رَغِيف وَرُغْفَان , فَتَذْكِيره عَلَى مَعْنَى الْجَمْع وَتَأْنِيثه عَلَى مَعْنَى الْجَمَاعَة . وَالسُّلْطَان : مَا يَدْفَع بِهِ الْإِنْسَان عَنْ نَفْسه أَمْرًا يَسْتَوْجِب بِهِ عُقُوبَة ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : &quot; أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِين &quot; [ النَّمْل : 21 ] .';
$TAFSEER['4']['30']['36'] = 'يَعْنِي الْخِصْب وَالسَّعَة وَالْعَافِيَة ; قَالَهُ يَحْيَى بْن سَلَّام . النَّقَّاش : النِّعْمَة وَالْمَطَر . وَقِيلَ : الْأَمْن وَالدَّعَة ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . &quot; فَرِحُوا بِهَا &quot; أَيْ بِالرَّحْمَةِ .


أَيْ بَلَاء وَعُقُوبَة ; قَالَهُ مُجَاهِد . السُّدِّيّ : قَحْط الْمَطَر .


أَيْ بِمَا عَمِلُوا مِنْ الْمَعَاصِي .



أَيْ يَيْأَسُونَ مِنْ الرَّحْمَة وَالْفَرَج ; قَالَهُ الْجُمْهُور . وَقَالَ الْحَسَن : إِنَّ الْقُنُوط تَرْك فَرَائِض اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى فِي السِّرّ . قَنِطَ يَقْنَط , وَهِيَ قِرَاءَة الْعَامَّة . وَقَنَطَ يَقْنِط , وَهِيَ قِرَاءَة أَبِي عَمْرو وَالْكِسَائِيّ وَيَعْقُوب . وَقَرَأَ الْأَعْمَش : قَنِطَ &quot; يَقْنِط &quot; [ الْحِجْر : 56 ] بِالْكَسْرِ فِيهِمَا ; مِثْل حَسِبَ يَحْسِب . وَالْآيَة صِفَة لِلْكَافِرِ , يَقْنَط عِنْد الشِّدَّة , وَيَبْطَر عِنْد النِّعْمَة ; كَمَا قِيلَ : كَحِمَارِ السَّوْء إِنْ أَعْلَفْته رَمَحَ النَّاس وَإِنْ جَاعَ نَهَقَ وَكَثِير مِمَّنْ لَمْ يَرْسَخ الْإِيمَان فِي قَلْبه بِهَذِهِ الْمَثَابَة ; وَقَدْ مَضَى فِي غَيْر مَوْضِع . فَأَمَّا الْمُؤْمِن فَيَشْكُر رَبّه عِنْد النِّعْمَة , وَيَرْجُوهُ عِنْد الشِّدَّة .';
$TAFSEER['4']['30']['37'] = 'أَيْ يُوَسِّع الْخَيْر فِي الدُّنْيَا لِمَنْ يَشَاء أَوْ يُضَيِّق ; فَلَا يَجِب أَنْ يَدْعُوهُمْ الْفَقْر إِلَى الْقُنُوط .



أَيْ عَلَامَات وَعِبَرًا وَدَلَالَات .


بِاَللَّهِ وَبِمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلهمْ .';
$TAFSEER['4']['30']['38'] = 'لَمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ سُبْحَانه يَبْسُط الرِّزْق لِمَنْ يَشَاء وَيَقْدِر أَمَرَ مَنْ وَسَّعَ عَلَيْهِ الرِّزْق أَنْ يُوَصِّل إِلَى الْفَقِير كِفَايَته لِيَمْتَحِن شُكْر الْغَنِيّ . وَالْخِطَاب لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام وَالْمُرَاد هُوَ وَأُمَّته ; لِأَنَّهُ قَالَ : &quot; ذَلِكَ خَيْر لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْه اللَّه &quot; . وَأَمَرَ بِإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى لِقُرْبِ رَحِمه ; وَخَيْر الصَّدَقَة مَا كَانَ عَلَى الْقَرِيب , وَفِيهَا صِلَة الرَّحِم . وَقَدْ فَضَّلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّدَقَة عَلَى الْأَقَارِب عَلَى عِتْق الرِّقَاب , فَقَالَ لِمَيْمُونَةَ وَقَدْ أَعْتَقَتْ وَلِيدَة : ( أَمَا إِنَّك لَوْ أَعْطَيْتهَا أَخْوَالك كَانَ أَعْظَم لِأَجْرِك ) . 

وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْآيَة ; فَقِيلَ : إِنَّهَا مَنْسُوخَة بِآيَةِ الْمَوَارِيث . وَقِيلَ : لَا نَسْخ , بَلْ لِلْقَرِيبِ حَقّ لَازِم فِي الْبِرّ عَلَى كُلّ حَال ; وَهُوَ الصَّحِيح . قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة : صِلَة الرَّحِم فَرْض مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , حَتَّى قَالَ مُجَاهِد : لَا تُقْبَل صَدَقَة مِنْ أَحَد وَرَحِمه مُحْتَاجَة . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْقُرْبَى أَقْرِبَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْأَوَّل أَصَحّ ; فَإِنَّ حَقّهمْ مُبَيَّن فِي كِتَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْله : &quot; فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى &quot; [ الْأَنْفَال : 41 ] . وَقِيلَ : إِنَّ الْأَمْر بِالْإِيتَاءِ لِذِي الْقُرْبَى عَلَى جِهَة النَّدْب . قَالَ الْحَسَن : &quot; حَقّه &quot; الْمُوَاسَاة فِي الْيُسْر , وَقَوْل مَيْسُور فِي الْعُسْر .



قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ أَطْعِمْ السَّائِل الطَّوَّاف ;



الضَّيْف ; فَجَعَلَ الضِّيَافَة فَرْضًا , وَقَدْ مَضَى جَمِيع هَذَا مَبْسُوطًا مُبَيَّنًا فِي مَوَاضِعه وَالْحَمْد لِلَّهِ .


أَيْ إِعْطَاء الْحَقّ أَفْضَل مِنْ الْإِمْسَاك إِذَا أُرِيدَ بِذَلِكَ وَجْه اللَّه وَالتَّقَرُّب إِلَيْهِ .


أَيْ الْفَائِزُونَ بِمَطْلُوبِهِمْ مِنْ الثَّوَاب فِي الْآخِرَة . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; الْقَوْل فِيهِ .';
$TAFSEER['4']['30']['39'] = 'لَمَّا ذَكَرَ مَا يُرَاد بِهِ وَجْهه وَيُثِيب عَلَيْهِ ذَكَرَ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الصِّفَة وَمَا يُرَاد بِهِ أَيْضًا وَجْهه . وَقَرَأَ الْجُمْهُور : &quot; آتَيْتُمْ &quot; بِالْمَدِّ بِمَعْنَى أَعْطَيْتُمْ . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَمُجَاهِد وَحُمَيْد بِغَيْرِ مَدّ ; بِمَعْنَى مَا فَعَلْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ ; كَمَا تَقُول : أَتَيْت صَوَابًا وَأَتَيْت خَطَأ . وَأَجْمَعُوا عَلَى الْمَدّ فِي قَوْله : &quot; وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاة &quot; . وَالرِّبَا الزِّيَادَة وَقَدْ مَضَى فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; مَعْنَاهُ , وَهُوَ هُنَاكَ مُحَرَّم وَهَاهُنَا حَلَال . وَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ قِسْمَانِ : مِنْهُ حَلَال وَمِنْهُ حَرَام . قَالَ عِكْرِمَة فِي قَوْله تَعَالَى : &quot; وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَال النَّاس &quot; قَالَ : الرِّبَا رِبَوَانِ , رِبَا حَلَال وَرِبَا حَرَام ; فَأَمَّا الرِّبَا الْحَلَال فَهُوَ الَّذِي يُهْدَى , يَلْتَمِس مَا هُوَ أَفْضَل مِنْهُ . وَعَنْ الضَّحَّاك فِي هَذِهِ الْآيَة : هُوَ الرِّبَا الْحَلَال الَّذِي يُهْدَى لِيُثَابَ مَا هُوَ أَفْضَل مِنْهُ , لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ , لَيْسَ لَهُ فِيهِ أَجْر وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ إِثْم . وَكَذَلِكَ قَالَ اِبْن عَبَّاس : &quot; وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا &quot; يُرِيد هَدِيَّة الرَّجُل الشَّيْء يَرْجُو أَنْ يُثَاب أَفْضَل مِنْهُ ; فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَرْبُو عِنْد اللَّه وَلَا يُؤْجَر صَاحِبه وَلَكِنْ لَا إِثْم عَلَيْهِ , وَفِي هَذَا الْمَعْنَى نَزَلَتْ الْآيَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن جُبَيْر وَطَاوُس وَمُجَاهِد : هَذِهِ آيَة نَزَلَتْ فِي هِبَة الثَّوَاب . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا مِمَّا يَصْنَعهُ الْإِنْسَان لِيُجَازَى عَلَيْهِ كَالسَّلَامِ وَغَيْره ; فَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا إِثْم فِيهِ فَلَا أَجْر فِيهِ وَلَا زِيَادَة عِنْد اللَّه تَعَالَى . وَقَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ . وَفِي كِتَاب النَّسَائِيّ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلْقَمَة قَالَ : قَدِمَ وَفْد ثَقِيف عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُمْ هَدِيَّة فَقَالَ : ( أَهَدِيَّة أَمْ صَدَقَة فَإِنْ كَانَتْ هَدِيَّة فَإِنَّمَا يُبْتَغَى بِهَا وَجْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَضَاء الْحَاجَة , وَإِنْ كَانَتْ صَدَقَة فَإِنَّمَا يُبْتَغَى بِهَا وَجْه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ) قَالُوا : لَا بَلْ هَدِيَّة ; فَقَبِلَهَا مِنْهُمْ وَقَعَدَ مَعَهُمْ يُسَائِلهُمْ وَيَسْأَلُونَهُ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ : نَزَلَتْ فِي قَوْم يُعْطُونَ قَرَابَاتهمْ وَإِخْوَانهمْ عَلَى مَعْنَى نَفْعهمْ وَتَمْوِيلهمْ وَالتَّفَضُّل عَلَيْهِمْ , وَلِيَزِيدُوا فِي أَمْوَالهمْ عَلَى وَجْه النَّفْع لَهُمْ . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : مَعْنَى الْآيَة أَنَّ مَا خَدَمَ الْإِنْسَان بِهِ أَحَدًا وَخَفَّ لَهُ لِيَنْتَفِع بِهِ فِي دُنْيَاهُ فَإِنَّ ذَلِكَ النَّفْع الَّذِي يَجْزِي بِهِ الْخِدْمَة لَا يَرْبُو عِنْد اللَّه . وَقِيلَ : كَانَ هَذَا حَرَامًا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُصُوص ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِر &quot; [ الْمُدَّثِّر : 6 ] فَنَهَى أَنْ يُعْطِي شَيْئًا فَيَأْخُذ أَكْثَر مِنْهُ عِوَضًا . وَقِيلَ : إِنَّهُ الرِّبَا الْمُحَرَّم ; فَمَعْنَى : &quot; لَا يَرْبُو عِنْد اللَّه &quot; عَلَى هَذَا الْقَوْل لَا يُحْكَم بِهِ لِآخُذهُ بَلْ هُوَ لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ . قَالَ السُّدِّيّ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي رِبَا ثَقِيف ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِالرِّبَا وَتَعْمَلهُ فِيهِمْ قُرَيْش . 

قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : صَرِيح الْآيَة فِيمَنْ يَهَب يَطْلُب الزِّيَادَة مِنْ أَمْوَال النَّاس فِي الْمُكَافَأَة . قَالَ الْمُهَلَّب : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ وَهْب هِبَة يَطْلُب ثَوَابهَا وَقَالَ : إِنَّمَا أَرَدْت الثَّوَاب ; فَقَالَ مَالِك : يَنْظُر فِيهِ ; فَإِنْ كَانَ مِثْله مِمَّنْ يَطْلُب الثَّوَاب مِنْ الْمَوْهُوب لَهُ فَلَهُ ذَلِكَ ; مَثَل هِبَة الْفَقِير لِلْغَنِيِّ , وَهِبَة الْخَادِم لِصَاحِبِهِ , وَهِبَة الرَّجُل لِأَمِيرِهِ وَمَنْ فَوْقه ; وَهُوَ أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا يَكُون لَهُ ثَوَاب إِذَا لَمْ يَشْتَرِط ; وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ الْآخَر . قَالَ : وَالْهِبَة لِلثَّوَابِ بَاطِلَة لَا تَنْفَعهُ ; لِأَنَّهَا بَيْع بِثَمَنٍ مَجْهُول . وَاحْتَجَّ الْكُوفِيّ بِأَنَّ مَوْضُوع الْهِبَة التَّبَرُّع , فَلَوْ أَوْجَبْنَا فِيهَا الْعِوَض لَبَطَلَ مَعْنَى التَّبَرُّع وَصَارَتْ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَات , وَالْعَرَب قَدْ فَرَّقَتْ بَيْن لَفْظ الْبَيْع وَلَفْظ الْهِبَة , فَجَعَلَتْ لَفْظ الْبَيْع عَلَى مَا يَسْتَحِقّ فِيهِ الْعِوَض , وَالْهِبَة بِخِلَافِ ذَلِكَ . وَدَلِيلنَا مَا رَوَاهُ مَالِك فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ عُمَر اِبْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : أَيّمَا رَجُل وَهَبَ هِبَة يَرَى أَنَّهَا لِلثَّوَابِ فَهُوَ عَلَى هِبَته حَتَّى يَرْضَى مِنْهَا . وَنَحْوه عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : الْمَوَاهِب ثَلَاثَة : مَوْهِبَة يُرَاد بِهَا وَجْه اللَّه , وَمَوْهِبَة يُرَاد بِهَا وُجُوه النَّاس , وَمَوْهِبَة يُرَاد بِهَا الثَّوَاب ; فَمَوْهِبَة الثَّوَاب يَرْجِع فِيهَا صَاحِبهَا إِذَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا . وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّه ( بَاب الْمُكَافَأَة فِي الْهِبَة ) وَسَاقَ حَدِيث عَائِشَة قَالَتْ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَل الْهَدِيَّة وَيُثِيب عَلَيْهَا , وَأَثَابَ عَلَى لِقْحَة وَلَمْ يُنْكِر عَلَى صَاحِبهَا حِين طَلَبَ الثَّوَاب , وَإِنَّمَا أَنْكَرَ سَخَطه لِلثَّوَابِ وَكَانَ زَائِدًا عَلَى الْقِيمَة . خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ . 

قَوْله تَعَالَى : &quot; لِيَرْبُوَ &quot; قَرَأَ جُمْهُور الْقُرَّاء السَّبْعَة : &quot; لِيَرْبُوَ &quot; بِالْيَاءِ وَإِسْنَاد الْفِعْل إِلَى الرِّبَا . وَقَرَأَ نَافِع وَحْده : بِضَمِّ التَّاء وَالْوَاو سَاكِنَة عَلَى الْمُخَاطَبَة ; بِمَعْنَى تَكُونُوا ذَوِي زِيَادَات , وَهَذِهِ قِرَاءَة اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالشَّعْبِيّ . قَالَ أَبُو حَاتِم : هِيَ قِرَاءَتنَا . وَقَرَأَ أَبُو مَالِك : &quot; لِتُرَبُّوهَا &quot; بِضَمِيرٍ مُؤَنَّث . &quot; فَلَا يَرْبُو عِنْد اللَّه &quot; أَيْ لَا يَزْكُو وَلَا يُثِيب عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَقْبَل إِلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهه وَكَانَ خَالِصًا لَهُ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي &quot; النِّسَاء &quot; .



قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ مِنْ صَدَقَة . وَمَا ذَكَرَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَفَصَّلَهُ مِنْ الْهِبَة صَحِيح ; وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاهِب لَا يَخْلُو فِي هِبَته مِنْ ثَلَاثَة أَحْوَال : أَحَدهَا : أَنْ يُرِيد بِهَا وَجْه اللَّه تَعَالَى وَيَبْتَغِي عَلَيْهَا الثَّوَاب مِنْهُ . وَالثَّانِي : أَنْ يُرِيد بِهَا وُجُوه النَّاس رِيَاء لِيَحْمَدُوهُ عَلَيْهَا وَيُثْنُوا عَلَيْهِ مِنْ أَجْلهَا . وَالثَّالِث : أَنْ يُرِيد بِهَا الثَّوَاب مِنْ الْمَوْهُوب لَهُ ; وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِيهِ . وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ اِمْرِئٍ مَا نَوَى ) . فَأَمَّا إِذَا أَرَادَ بِهِبَتِهِ وَجْه اللَّه تَعَالَى وَابْتَغَى عَلَيْهِ الثَّوَاب مِنْ عِنْده فَلَهُ ذَلِكَ عِنْد اللَّه بِفَضْلِهِ وَرَحْمَته ; قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : &quot; وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاة تُرِيدُونَ وَجْه اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ &quot; وَكَذَلِكَ مَنْ يَصِل قَرَابَته لِيَكُونَ غَنِيًّا حَتَّى لَا يَكُون كَلًّا فَالنِّيَّة فِي ذَلِكَ مَتْبُوعَة ; فَإِنْ كَانَ لِيَتَظَاهَر بِذَلِكَ دُنْيَا فَلَيْسَ لِوَجْهِ اللَّه , وَإِنْ كَانَ لِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ حَقّ الْقَرَابَة وَبَيْنهمَا مِنْ وَشِيجَة الرَّحِم فَإِنَّهُ لِوَجْهِ اللَّه . وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ بِهِبَتِهِ وُجُوه النَّاس رِيَاء لِيَحْمَدُوهُ عَلَيْهَا وَيُثْنُوا عَلَيْهِ مِنْ أَجْلهَا فَلَا مَنْفَعَة لَهُ فِي هِبَته ; لَا ثَوَاب فِي الدُّنْيَا وَلَا أَجْر فِي الْآخِرَة ; قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : &quot; يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَاَلَّذِي يُنْفِق مَاله رِئَاء النَّاس &quot; [ الْبَقَرَة : 264 ] الْآيَة . وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ بِهِبَتِهِ الثَّوَاب مِنْ الْمَوْهُوب لَهُ فَلَهُ مَا أَرَادَ بِهِبَتِهِ , وَلَهُ أَنْ يَرْجِع فِيهَا مَا لَمْ يُثَبْ بِقِيمَتِهَا , عَلَى مَذْهَب اِبْن الْقَاسِم , أَوْ مَا لَمْ يَرْضَ مِنْهَا بِأَزْيَدَ مِنْ قِيمَتهَا , عَلَى ظَاهِر قَوْل عُمَر وَعَلِيّ , وَهُوَ قَوْل مُطَرِّف فِي الْوَاضِحَة : أَنَّ الْهِبَة مَا كَانَتْ قَائِمَة الْعَيْن , وَإِنْ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوع فِيهَا وَإِنْ أَثَابَهُ الْمَوْهُوب فِيهَا أَكْثَر مِنْهَا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهَا إِذَا كَانَتْ قَائِمَة الْعَيْن لَمْ تَتَغَيَّر فَإِنَّهُ يَأْخُذ مَا شَاءَ . وَقِيلَ : تَلْزَمهُ الْقِيمَة كَنِكَاحِ التَّفْوِيض , وَأَمَّا إِذَا كَانَ بَعْد فَوْت الْهِبَة فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الْقِيمَة اِتِّفَاقًا ; قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ .



أَيْ ذَلِكَ الَّذِي يَقْبَلهُ وَيُضَاعِفهُ لَهُ عَشَرَة أَضْعَافه أَوْ أَكْثَر ; كَمَا قَالَ : &quot; مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة &quot; [ الْبَقَرَة : 245 ] . وَقَالَ : &quot; وَمَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ اِبْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ &quot; [ الْبَقَرَة : 265 ] . وَقَالَ : 0 &quot; فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ &quot; وَلَمْ يَقُلْ فَأَنْتُمْ الْمُضْعِفُونَ لِأَنَّهُ رَجَعَ مِنْ الْمُخَاطَبَة إِلَى الْغَيْبَة ; مِثْل قَوْله : &quot; حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْك وَجَرَيْنَ بِهِمْ &quot; [ يُونُس : 22 ] . وَفِي مَعْنَى الْمُضْعِفِينَ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ تُضَاعَف لَهُمْ الْحَسَنَات كَمَا ذَكَرْنَا . وَالْآخَر : أَنَّهُمْ قَدْ أُضْعِفَ لَهُمْ الْخَيْر وَالنَّعِيم ; أَيْ هُمْ أَصْحَاب أَضْعَاف , كَمَا يُقَال : فُلَان مُقْوٍ إِذَا كَانَتْ إِبِله قَوِيَّة , أَوْ لَهُ أَصْحَاب أَقْوِيَاء . وَمُسْمِن إِذَا كَانَتْ إِبِله سِمَانًا . وَمُعْطِش إِذَا كَانَتْ إِبِله عِطَاشًا . وَمُضْعِف إِذَا كَانَ إِبِله ضَعِيفَة ; وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِك مِنْ الْخَبِيث الْمُخْبِث الشَّيْطَان الرَّجِيم &quot; . فَالْمُخْبِث : الَّذِي أَصَابَهُ خَبَث , يُقَال : فُلَان رَدِيء أَيْ هُوَ رَدِيء ; فِي نَفْسه . وَمُرْدِئ : أَصْحَابه أَرْدِئَاء .';
$TAFSEER['4']['30']['40'] = 'اِبْتِدَاء وَخَبَر . وَعَادَ الْكَلَام إِلَى الِاحْتِجَاج عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَأَنَّهُ الْخَالِق الرَّازِق الْمُمِيت الْمُحْيِي . ثُمَّ قَالَ عَلَى جِهَة الِاسْتِفْهَام :


لَا يَفْعَل .


ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسه عَنْ الْأَنْدَاد وَالْأَضْدَاد وَالصَّاحِبَة وَالْأَوْلَاد وَأَضَافَ الشُّرَكَاء إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَهُمْ بِالْآلِهَةِ وَالشُّرَكَاء , وَيَجْعَلُونَ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالهمْ .';
$TAFSEER['4']['30']['41'] = 'اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى الْفَسَاد وَالْبَرّ وَالْبَحْر ; فَقَالَ قَتَادَة وَالسُّدِّيّ : الْفَسَاد الشِّرْك , وَهُوَ أَعْظَم الْفَسَاد . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَمُجَاهِد : فَسَاد الْبَرّ قَتْل اِبْن آدَم أَخَاهُ ; قَابِيل قَتَلَ هَابِيل . وَفِي الْبَحْر بِالْمَلِكِ الَّذِي كَانَ يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة غَصْبًا . وَقِيلَ : الْفَسَاد الْقَحْط وَقِلَّة النَّبَات وَذَهَاب الْبَرَكَة . وَنَحْوه قَالَ اِبْن عَبَّاس قَالَ : هُوَ نُقْصَان الْبَرَكَة بِأَعْمَالِ الْعِبَاد كَيْ يَتُوبُوا . قَالَ النَّحَّاس : وَهُوَ أَحْسَن مَا قِيلَ فِي الْآيَة . وَعَنْهُ أَيْضًا : أَنَّ الْفَسَاد فِي الْبَحْر اِنْقِطَاع صَيْده بِذُنُوبِ بَنِي آدَم . وَقَالَ عَطِيَّة : فَإِذَا قَلَّ الْمَطَر قَلَّ الْغَوْص عِنْده , وَأَخْفَقَ الصَّيَّادُونَ , وَعَمِيَتْ دَوَابّ الْبَحْر . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِذَا مُطِرَتْ السَّمَاء تَفَتَّحَتْ الْأَصْدَاف فِي الْبَحْر , فَمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ السَّمَاء فَهُوَ لُؤْلُؤ . وَقِيلَ : الْفَسَاد كَسَاد الْأَسْعَار وَقِلَّة الْمَعَاش . وَقِيلَ : الْفَسَاد الْمَعَاصِي وَقَطْع السَّبِيل وَالظُّلْم ; أَيْ صَارَ هَذَا الْعَمَل مَانِعًا مِنْ الزَّرْع وَالْعِمَارَات وَالتِّجَارَات ; وَالْمَعْنَى كُلّه مُتَقَارِب . وَالْبَرّ وَالْبَحْر هُمَا الْمَعْرُوفَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي اللُّغَة وَعِنْد النَّاس ; لَا مَا قَالَهُ بَعْض الْعِبَاد : أَنَّ الْبَرّ اللِّسَان , وَالْبَحْر الْقَلْب ; لِظُهُورِ مَا عَلَى اللِّسَان وَخَفَاء مَا فِي الْقَلْب . وَقِيلَ : الْبَرّ : الْفَيَافِي , وَالْبَحْر : الْقُرَى ; قَالَهُ عِكْرِمَة . وَالْعَرَب تُسَمِّي الْأَمْصَار الْبِحَار . وَقَالَ قَتَادَة : الْبَرّ أَهْل الْعَمُود , وَالْبَحْر أَهْل الْقُرَى وَالرِّيف . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ الْبَرّ مَا كَانَ مِنْ الْمُدُن وَالْقُرَى عَلَى غَيْر نَهْر , وَالْبَحْر مَا كَانَ عَلَى شَطّ نَهْر ; وَقَالَهُ مُجَاهِد , قَالَ : أَمَا وَاَللَّه مَا هُوَ بَحْركُمْ هَذَا , وَلَكِنْ كُلّ قَرْيَة عَلَى مَاء جَارٍ فَهِيَ بَحْر . وَقَالَ مَعْنَاهُ النَّحَّاس , قَالَ : فِي مَعْنَاهُ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : ظَهَرَ الْجَدْب فِي الْبَرّ ; أَيْ فِي الْبَوَادِي وَقُرَاهَا , وَفِي الْبَحْر أَيْ فِي مُدُن الْبَحْر ; مِثْل : &quot; وَاسْأَلْ الْقَرْيَة &quot; [ يُوسُف : 82 ] . أَيْ ظَهَرَ قِلَّة الْغَيْث وَغَلَاء السِّعْر . &quot; بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاس لِيُذِيقَهُمْ بَعْض &quot; أَيْ عِقَاب بَعْض &quot; الَّذِينَ عَمِلُوا &quot; ثُمَّ حُذِفَ . وَالْقَوْل الْآخَر : أَنَّهُ ظَهَرَتْ الْمَعَاصِي مِنْ قَطْع السَّبِيل وَالظُّلْم , فَهَذَا هُوَ الْفَسَاد عَلَى الْحَقِيقَة , وَالْأَوَّل مَجَاز إِلَّا أَنَّهُ عَلَى الْجَوَاب الثَّانِي , فَيَكُون فِي الْكَلَام حَذْف وَاخْتِصَار دَلَّ عَلَيْهِ مَا بَعْده , وَيَكُون الْمَعْنَى : ظَهَرَتْ الْمَعَاصِي فِي الْبَرّ وَالْبَحْر فَحَبَسَ اللَّه عَنْهُمَا الْغَيْث وَأَغْلَى سِعْرهمْ لِيُذِيقَهُمْ عِقَاب بَعْض الَّذِي عَمِلُوا . &quot; لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ &quot; لَعَلَّهُمْ يَتُوبُونَ . وَقَالَ : &quot; بَعْض الَّذِي عَمِلُوا &quot; لِأَنَّ مُعْظَم الْجَزَاء فِي الْآخِرَة . وَالْقِرَاءَة &quot; لِيُذِيقَهُمْ &quot; بِالْيَاءِ . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس بِالنُّونِ , وَهِيَ قِرَاءَة السُّلَمِيّ وَابْن مُحَيْصِن وَقُنْبُل وَيَعْقُوب عَلَى التَّعْظِيم ; أَيْ نُذِيقهُمْ عُقُوبَة بَعْض مَا عَمِلُوا .';
$TAFSEER['4']['30']['42'] = 'أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد سِيرُوا فِي الْأَرْض لِيَعْتَبِرُوا بِمَنْ قَبْلهمْ , وَيَنْظُرُوا كَيْف كَانَ عَاقِبَة مَنْ كَذَّبَ الرُّسُل


أَيْ كَافِرِينَ فَأُهْلِكُوا .';
$TAFSEER['4']['30']['43'] = 'قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ أَقِمْ قَصْدك , وَاجْعَلْ جِهَتك اِتِّبَاع الدِّين الْقَيِّم ; يَعْنِي الْإِسْلَام . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَوْضِحْ الْحَقّ وَبَالِغْ فِي الْإِعْذَار , وَاشْتَغِلْ بِمَا أَنْتَ فِيهِ وَلَا تَحْزَن عَلَيْهِمْ .


أَيْ لَا يَرُدّهُ اللَّه عَنْهُمْ , فَإِذَا لَمْ يَرُدّهُ لَمْ يَتَهَيَّأ لِأَحَدٍ دَفْعه . وَيَجُوز عِنْد غَيْر سِيبَوَيْهِ &quot; لَا مَرَدّ لَهُ &quot; وَذَلِكَ عِنْد سِيبَوَيْهِ بَعِيد , إِلَّا أَنْ يَكُون فِي الْكَلَام عَطْف . وَالْمُرَاد يَوْم الْقِيَامَة .


قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَعْنَاهُ يَتَفَرَّقُونَ . وَقَالَ الشَّاعِر : وَكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَة حِقْبَة مِنْ الدَّهْر حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا أَيْ لَنْ يَتَفَرَّقَا ; نَظِيره قَوْله تَعَالَى : &quot; يَوْمئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ &quot; [ الرُّوم : 14 ] &quot; فَرِيق فِي الْجَنَّة وَفَرِيق فِي السَّعِير &quot; . وَالْأَصْل يَتَصَدَّعُونَ ; وَيُقَال : تَصَدَّعَ الْقَوْم إِذَا تَفَرَّقُوا ; وَمِنْهُ اُشْتُقَّ الصُّدَاع , لِأَنَّهُ يُفَرِّق شُعَب الرَّأْس .';
$TAFSEER['4']['30']['44'] = 'أَيْ جَزَاء كُفْره .



أَيْ يُوَطِّئُونَ لِأَنْفُسِهِمْ فِي الْآخِرَة فِرَاشًا وَمَسْكَنًا وَقَرَارًا بِالْعَمَلِ الصَّالِح ; وَمِنْهُ : مَهْد الصَّبِيّ . وَالْمِهَاد الْفِرَاش , وَقَدْ مَهَّدْت الْفِرَاش مَهْدًا : بَسَطْته وَوَطَّأْته . وَتَمْهِيد الْأُمُور : تَسْوِيَتهَا وَإِصْلَاحهَا . وَتَمْهِيد الْعُذْر : بَسْطه وَقَبُوله . وَالتَّمَهُّد : التَّمَكُّن . وَرَوَى اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد &quot; فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ &quot; قَالَ : فِي الْقَبْر .';
$TAFSEER['4']['30']['45'] = 'أَيْ يُمَهِّدُونَ لِأَنْفُسِهِمْ لِيَجْزِيَهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله . وَقِيلَ يُصَدَّعُونَ لِيَجْزِيَهُمْ اللَّه ; أَيْ لِيَتَمَيَّز الْكَافِر مِنْ الْمُسْلِم . &quot; إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْكَافِرِينَ &quot; .';
$TAFSEER['4']['30']['46'] = 'أَيْ وَمِنْ أَعْلَام كَمَال قُدْرَته إِرْسَال الرِّيَاح مُبَشِّرَات أَيْ بِالْمَطَرِ لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمهُ . وَقَدْ مَضَى فِي &quot; الْحِجْر &quot; بَيَانه .


يَعْنِي الْغَيْث وَالْخِصْب .


أَيْ فِي الْبَحْر عِنْد هُبُوبهَا . وَإِنَّمَا زَادَ &quot; بِأَمْرِهِ &quot; لِأَنَّ الرِّيَاح قَدْ تَهُبّ وَلَا تَكُون مُوَاتِيَة , فَلَا بُدّ مِنْ إِرْسَاء السُّفُن وَالِاحْتِيَال بِحَبْسِهَا , وَرُبَّمَا عَصَفَتْ فَأَغْرَقَتْهَا بِأَمْرِهِ .


يَعْنِي الرِّزْق بِالتِّجَارَةِ


هَذِهِ النِّعَم بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَة . وَقَدْ مَضَى هَذَا كُلّه مُبَيَّنًا .';
$TAFSEER['4']['30']['47'] = 'أَيْ الْمُعْجِزَات وَالْحُجَج النَّيِّرَات



أَيْ فَكَفَرُوا فَانْتَقَمْنَا مِمَّنْ كَفَرَ .


&quot; حَقًّا &quot; نُصِبَ عَلَى خَبَر كَانَ , &quot; وَنَصْر &quot; اِسْمهَا . وَكَانَ أَبُو بَكْر يَقِف عَلَى &quot; حَقًّا &quot; أَيْ وَكَانَ عِقَابنَا حَقًّا , ثُمَّ قَالَ : &quot; عَلَيْنَا نَصْر الْمُؤْمِنِينَ &quot; اِبْتِدَاء وَخَبَر ; أَيْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ لَا يُخْلِف الْمِيعَاد , وَلَا خُلْف فِي خَبَرنَا . وَرُوِيَ مِنْ حَدِيث أَبِي الدَّرْدَاء قَالَ سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( مَا مِنْ مُسْلِم يَذُبّ عَنْ عِرْض أَخِيهِ إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّه تَعَالَى أَنْ يَرُدّ عَنْهُ نَار جَهَنَّم يَوْم الْقِيَامَة - ثُمَّ تَلَا - &quot; وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْر الْمُؤْمِنِينَ &quot; ) . ذَكَرَهُ النَّحَّاس وَالثَّعْلَبِيّ وَالزَّمَخْشَرِيّ وَغَيْرهمْ .';
$TAFSEER['4']['30']['48'] = '&quot; اللَّه الَّذِي يُرْسِل الرِّيَاح &quot; قَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن وَابْن كَثِير وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ : &quot; الرِّيح &quot; بِالتَّوْحِيدِ . وَالْبَاقُونَ بِالْجَمْعِ . قَالَ أَبُو عَمْرو : وَكُلّ مَا كَانَ بِمَعْنَى الرَّحْمَة فَهُوَ جَمْع , وَمَا كَانَ بِمَعْنَى الْعَذَاب فَهُوَ مُوَحَّد . وَقَدْ مَضَى فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; مَعْنَى هَذِهِ الْآيَة وَفِي غَيْرهَا .


&quot; كِسَفًا &quot; جَمْع كِسْفَة وَهِيَ الْقِطْعَة . وَفِي قِرَاءَة الْحَسَن وَأَبِي جَعْفَر وَعَبْد الرَّحْمَن الْأَعْرَج وَابْن عَامِر &quot; كِسْفًا &quot; بِإِسْكَانِ السِّين , وَهِيَ أَيْضًا جَمْع كِسْفَة ; كَمَا يُقَال : سِدْرَة وَسَدَر ; وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة يَكُون الْمُضْمَر الَّذِي بَعْده عَائِدًا عَلَيْهِ ; أَيْ فَتَرَى الْوَدْق أَيْ الْمَطَر يَخْرُج مِنْ خِلَال الْكِسَف ; لِأَنَّ كُلّ جَمْع بَيْنه وَبَيْن وَاحِده الْهَاء لَا غَيْر فَالتَّذْكِير فِيهِ حَسَن . وَمَنْ قَرَأَ : &quot; كِسَفًا &quot; فَالْمُضْمَر عِنْده عَائِد عَلَى السَّحَاب . وَفِي قِرَاءَة الضَّحَّاك وَأَبِي الْعَالِيَة وَابْن عَبَّاس : &quot; فَتَرَى الْوَدْق يَخْرُج مِنْ خَلَله &quot; وَيَجُوز أَنْ يَكُون خَلَل جَمْع خِلَال .


أَيْ أَصَابَ بِالْمَطَرِ مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده



يَفْرَحُونَ بِنُزُولِ الْمَطَر عَلَيْهِمْ .';
$TAFSEER['4']['30']['49'] = 'أَيْ يَائِسِينَ مُكْتَئِبِينَ قَدْ ظَهَرَ الْحُزْن عَلَيْهِمْ لِاحْتِبَاسِ الْمَطَر عَنْهُمْ . وَ &quot; مِنْ قَبْله &quot; تَكْرِير عِنْد الْأَخْفَش مَعْنَاهُ التَّأْكِيد ; وَأَكْثَر النَّحْوِيِّينَ عَلَى هَذَا الْقَوْل ; قَالَهُ النَّحَّاس . وَقَالَ قُطْرُب : إِنَّ &quot; قَبْل &quot; الْأُولَى لِلْإِنْزَالِ وَالثَّانِيَة لِلْمَطَرِ ; أَيْ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْل التَّنْزِيل مِنْ قَبْل الْمَطَر . وَقِيلَ : الْمَعْنَى مِنْ قَبْل تَنْزِيل الْغَيْث عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْل الزَّرْع , وَدَلَّ عَلَى الزَّرْع الْمَطَر إِذْ بِسَبَبِهِ يَكُون . وَدَلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا &quot; فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا &quot; عَلَى مَا يَأْتِي . وَقِيلَ : الْمَعْنَى مِنْ قَبْل السَّحَاب مِنْ قَبْل رُؤْيَته ; وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل النَّحَّاس , أَيْ مِنْ قَبْل رُؤْيَة السَّحَاب &quot; لِمُبْلِسِينَ &quot; أَيْ لِيَائِسِينَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْر السَّحَاب .';
$TAFSEER['4']['30']['50'] = 'يَعْنِي الْمَطَر ; أَيْ اُنْظُرُوا نَظَر اِسْتِبْصَار وَاسْتِدْلَال ; أَيْ اِسْتَدِلُّوا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ قَادِر عَلَى إِحْيَاء الْمَوْتَى . وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَحَفْص وَحَمْزه وَالْكِسَائِيّ : &quot; آثَار &quot; بِالْجَمْعِ . الْبَاقُونَ &quot; بِالتَّوْحِيدِ ; لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى مُفْرَد . وَالْأَثَر فَاعِل &quot; يُحْيِي &quot; وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْفَاعِل اِسْم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَمَنْ قَرَأَ : &quot; آثَار &quot; بِالْجَمْعِ فَلِأَنَّ رَحْمَة اللَّه يَجُوز أَنْ يُرَاد بِهَا الْكَثْرَة ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : &quot; وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصُوهَا &quot; [ إِبْرَاهِيم : 34 ] . وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ وَأَبُو حَيْوَة وَغَيْرهمَا : &quot; كَيْف تُحْيِي الْأَرْض &quot; بِتَاءٍ ; ذَهَبَ بِالتَّأْنِيثِ إِلَى لَفْظ الرَّحْمَة ; لِأَنَّ أَثَر الرَّحْمَة يَقُوم مَقَامهَا فَكَأَنَّهُ هُوَ الرَّحْمَة ; أَيْ كَيْف تُحْيِي الرَّحْمَة الْأَرْض أَوْ الْآثَار .


&quot; وَيُحْيِي &quot; أَيْ يُحْيِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَوْ الْمَطَر أَوْ الْأَثَر فِيمَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ . وَ &quot; كَيْف يُحْيِي الْأَرْض &quot; فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال عَلَى الْحَمْل عَلَى الْمَعْنَى لِأَنَّ اللَّفْظ لَفْظ الِاسْتِفْهَام وَالْحَال خَبَر ; وَالتَّقْدِير : فَانْظُرْ إِلَى أَثَر رَحْمَة اللَّه مُحْيِيَة لِلْأَرْضِ بَعْد مَوْتهَا .


اِسْتِدْلَال بِالشَّاهِدِ عَلَى الْغَائِب .';
$TAFSEER['4']['30']['51'] = 'يَعْنِي الرِّيح , وَالرِّيح يَجُوز تَذْكِيره . قَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد : لَا يَمْتَنِع تَذْكِير كُلّ مُؤَنَّث غَيْر حَقِيقِيّ , نَحْو أَعْجَبَنِي الدَّار وَشَبَهه . وَقِيلَ : فَرَأَوْا السَّحَاب . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الزَّرْع , وَهُوَ الْأَثَر ; وَالْمَعْنَى : فَرَأَوْا الْأَثَر مُصْفَرًّا ; وَاصْفِرَار الزَّرْع بَعْد اِخْضِرَاره يَدُلّ عَلَى يُبْسه , وَكَذَا السَّحَاب يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْطِر , وَالرِّيح عَلَى أَنَّهَا لَا تُلَقِّح



أَيْ لَيَظَلُّنَّ ; وَحَسُنَ وُقُوع الْمَاضِي فِي مَوْضِع الْمُسْتَقْبَل لِمَا فِي الْكَلَام مِنْ مَعْنَى الْمُجَازَاة , وَالْمُجَازَاة لَا تَكُون إِلَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ ; قَالَهُ الْخَلِيل وَغَيْره .';
$TAFSEER['4']['30']['52'] = 'أَيْ وَضَحَتْ الْحُجَج يَا مُحَمَّد ; لَكِنَّهُمْ لِإِلْفِهِمْ تَقْلِيد الْأَسْلَاف فِي الْكُفْر مَاتَتْ عُقُولهمْ وَعَمِيَتْ بَصَائِرهمْ , فَلَا يَتَهَيَّأ لَك إِسْمَاعهمْ وَهِدَايَتهمْ . وَهَذَا رَدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة .';
$TAFSEER['4']['30']['53'] = 'أَيْ لَا تُسْمِع مَوَاعِظ اللَّه إِلَّا الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُصْغُونَ إِلَى أَدِلَّة التَّوْحِيد وَخُلِقَتْ لَهُمْ الْهِدَايَة . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي &quot; النَّمْل &quot; وَوَقَعَ قَوْله &quot; بِهَادِ الْعُمْي &quot; هُنَا بِغَيْرِ يَاء .';
$TAFSEER['4']['30']['54'] = 'ذُكِرَ اِسْتِدْلَالًا آخَر عَلَى قُدْرَته فِي نَفْس الْإِنْسَان لِيَعْتَبِر . وَمَعْنَى : &quot; مِنْ ضَعْف &quot; مِنْ نُطْفَة ضَعِيفَة . وَقِيلَ : &quot; مِنْ ضَعْف &quot; أَيْ فِي حَال ضَعْف ; وَهُوَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الِابْتِدَاء مِنْ الطُّفُولَة وَالصِّغَر . وَأَجَازَ النَّحْوِيُّونَ الْكُوفِيُّونَ &quot; مِنْ ضَعْف &quot; بِفَتْحِ الْعَيْن , وَكَذَا كُلّ مَا كَانَ فِيهِ حَرْف مِنْ حُرُوف الْحَلْق ثَانِيًا أَوْ ثَالِثًا .


يَعْنِي الشَّبِيبَة .



يَعْنِي الْهَرَم . وَقَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة : بِفَتْحِ الضَّاد فِيهِنَّ , الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ , لُغَتَانِ , وَالضَّمّ لُغَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ : &quot; مِنْ ضَعْف ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْد ضَعَف &quot; بِالْفَتْحِ فِيهِمَا ; &quot; ضُعْفًا &quot; بِالضَّمِّ خَاصَّة . أَرَادَ أَنْ يَجْمَع بَيْن اللُّغَتَيْنِ . قَالَ الْفَرَّاء : الضَّمّ لُغَة قُرَيْش , وَالْفَتْح لُغَة تَمِيم . الْجَوْهَرِيّ : الضَّعْف وَالضُّعْف : خِلَاف الْقُوَّة . وَقِيلَ : الضَّعْف بِالْفَتْحِ فِي الرَّأْي , وَبِالضَّمِّ فِي الْجَسَد ; وَمِنْهُ الْحَدِيث فِي الرَّجُل الَّذِي كَانَ يُخْدَع فِي الْبُيُوع : ( أَنَّهُ يَبْتَاع وَفِي عُقْدَته ضَعْف ) . &quot; وَشَيْبَة &quot; مَصْدَر كَالشَّيْبِ , وَالْمَصْدَر يَصْلُح لِلْجُمْلَةِ , وَكَذَلِكَ الْقَوْل فِي الضَّعْف وَالْقُوَّة .


يَعْنِي مِنْ قُوَّة وَضَعْف .


بِتَدْبِيرِهِ .


عَلَى إِرَادَته .';
$TAFSEER['4']['30']['55'] = 'أَيْ يَحْلِف الْمُشْرِكُونَ .



لَيْسَ فِي هَذَا رَدّ لِعَذَابِ الْقَبْر ; إِذْ كَانَ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْر طَرِيق أَنَّهُ تَعَوَّذَ مِنْهُ , وَأَمَرَ أَنْ يَتَعَوَّذ مِنْهُ ; فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمّ حَبِيبَة وَهِيَ تَقُول : اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُول اللَّه , وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَان , وَبِأَخِي مُعَاوِيَة ; فَقَالَ لَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ سَأَلْت اللَّه لِآجَالٍ مَضْرُوبَة وَأَرْزَاق مَقْسُومَة وَلَكِنْ سَلِيهِ أَنْ يُعِيذك مِنْ عَذَاب جَهَنَّم وَعَذَاب الْقَبْر ) فِي أَحَادِيث مَشْهُورَة خَرَّجَهَا مُسْلِم وَالْبُخَارِيّ وَغَيْرهمَا . وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْهَا جُمْلَة فِي كِتَاب ( التَّذْكِرَة ) . وَفِي مَعْنَى : &quot; مَا لَبِثُوا غَيْر سَاعَة &quot; قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ لَا بُدّ مِنْ خَمْدَة قَبْل يَوْم الْقِيَامَة ; فَعَلَى هَذَا قَالُوا : مَا لَبِثْنَا غَيْر سَاعَة . وَالْقَوْل الْآخَر : أَنَّهُمْ يَعْنُونَ فِي الدُّنْيَا لِزَوَالِهَا وَانْقِطَاعهَا , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; كَأَنَّهُمْ يَوْم يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّة أَوْ ضُحَاهَا &quot; [ النَّازِعَات : 46 ] كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَة مِنْ نَهَار , وَإِنْ كَانُوا قَدْ أَقْسَمُوا عَلَى غَيْب وَعَلَى غَيْر مَا يَدْرُونَ .



أَيْ كَانُوا يَكْذِبُونَ فِي الدُّنْيَا ; يُقَال : أُفِكَ الرَّجُل إِذَا صُرِفَ عَنْ الصِّدْق وَالْخَيْر . وَأَرْض مَأْفُوكَة : مَمْنُوعَة مِنْ الْمَطَر . وَقَدْ زَعَمَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل النَّظَر أَنَّ الْقِيَامَة لَا يَجُوز أَنْ يَكُون فِيهَا كَذِب لِمَا هُمْ فِيهِ , وَالْقُرْآن يَدُلّ عَلَى غَيْر ذَلِكَ , قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : &quot; كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ &quot; أَيْ كَمَا صُرِفُوا عَنْ الْحَقّ فِي قَسَمهمْ أَنَّهُمْ مَا لَبِثُوا غَيْر سَاعَة كَذَلِكَ كَانُوا يُصْرَفُونَ عَنْ الْحَقّ فِي الدُّنْيَا ; وَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ : &quot; يَوْم يَبْعَثهُمْ اللَّه جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْء أَلَا إِنَّهُمْ هُمْ الْكَاذِبُونَ &quot; [ الْمُجَادَلَة : 18 ] وَقَالَ : &quot; ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتهمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ . اُنْظُرْ كَيْف كَذَبُوا &quot; [ الْأَنْعَام : 23 - 24 ] .';
$TAFSEER['4']['30']['56'] = 'اُخْتُلِفَ فِي الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم ; فَقِيلَ الْمَلَائِكَة . وَقِيلَ الْأَنْبِيَاء . وَقِيلَ عُلَمَاء الْأُمَم . وَقِيلَ مُؤْمِنُو هَذِهِ الْأُمَّة . وَقِيلَ جَمِيع الْمُؤْمِنِينَ ; أَيْ يَقُول الْمُؤْمِنُونَ لِلْكُفَّارِ رَدًّا عَلَيْهِمْ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي قُبُوركُمْ إِلَى يَوْم الْبَعْث . وَالْفَاء فِي قَوْله :



جَوَاب لِشَرْطٍ مَحْذُوف دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَام ; مَجَازه : إِنْ كُنْتُمْ مُنْكِرِينَ الْبَعْث فَهَذَا يَوْم الْبَعْث . وَحَكَى يَعْقُوب عَنْ بَعْض الْقُرَّاء وَهِيَ قِرَاءَة الْحَسَن : &quot; إِلَى يَوْم الْبَعَث &quot; بِالتَّحْرِيكِ ; وَهَذَا مِمَّا فِيهِ حَرْف مِنْ حُرُوف الْحَلْق . وَقِيلَ : مَعْنَى &quot; فِي كِتَاب اللَّه &quot; فِي حُكْم اللَّه . وَقِيلَ : فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير ; أَيْ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم فِي كِتَاب اللَّه وَالْإِيمَان لَقَدْ لَبِثْتُمْ إِلَى يَوْم الْبَعْث ; قَالَهُ مُقَاتِل وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ . الْقُشَيْرِيّ : وَعَلَى هَذَا &quot; أُوتُوا الْعِلْم &quot; بِمَعْنَى كِتَاب اللَّه . وَقِيلَ : الَّذِينَ حُكِمَ لَهُمْ فِي الْكِتَاب بِالْعِلْمِ &quot; فَهَذَا يَوْم الْبَعْث &quot; أَيْ الْيَوْم الَّذِي كُنْتُمْ تُنْكِرُونَهُ .';
$TAFSEER['4']['30']['57'] = 'أَيْ لَا يَنْفَعهُمْ الْعِلْم بِالْقِيَامَةِ وَلَا الِاعْتِذَار يَوْمئِذٍ . وَقِيلَ : لَمَّا رَدَّ عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنُونَ سَأَلُوا الرُّجُوع إِلَى الدُّنْيَا وَاعْتَذَرُوا فَلَمْ يُعْذَرُوا .



أَيْ وَلَا حَالهمْ حَال مَنْ يُسْتَعْتَب وَيَرْجِع ; يُقَال : اِسْتَعْتَبْته فَأَعْتَبَنِي , أَيْ اِسْتَرْضَيْته فَأَرْضَانِي , وَذَلِكَ إِذَا كُنْت جَانِيًا عَلَيْهِ . وَحَقِيقَة أَعَتَبْته : أَزَلْت عَتْبه . وَسَيَأْتِي فِي &quot; فُصِّلَتْ &quot; بَيَانه . وَقَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ : &quot; فَيَوْمئِذٍ لَا يَنْفَع &quot; بِالْيَاءِ , وَالْبَاقُونَ بِالتَّاءِ .';
$TAFSEER['4']['30']['58'] = 'أَيْ مِنْ كُلّ مَثَل يَدُلّهُمْ عَلَى مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ , وَيُنَبِّههُمْ عَلَى التَّوْحِيد وَصِدْق الرُّسُل .


أَيْ مُعْجِزَة ; كَفَلْقِ الْبَحْر وَالْعَصَا وَغَيْرهمَا



يَقُول الْكُفَّار إِنْ أَنْتُمْ يَا مَعْشَر الْمُؤْمِنِينَ .


أَيْ تَتَّبِعُونَ الْبَاطِل وَالسِّحْر';
$TAFSEER['4']['30']['59'] = 'أَيْ كَمَا طَبَعَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ حَتَّى لَا يَفْهَمُوا الْآيَات عَنْ اللَّه فَكَذَلِكَ &quot; يَطْبَع اللَّه عَلَى قُلُوب الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ &quot; أَدِلَّة التَّوْحِيد';
$TAFSEER['4']['30']['60'] = 'أَيْ اِصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ فَإِنَّ اللَّه يَنْصُرك


أَيْ لَا يَسْتَفِزَّنَّكَ عَنْ دِينك



قِيلَ : هُوَ النَّضْر بْن الْحَارِث . وَالْخِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَاد أُمَّته ; يُقَال : اِسْتَخَفَّ فُلَان فُلَانًا أَيْ اِسْتَجْهَلَهُ حَتَّى حَمَلَهُ عَلَى اِتِّبَاعه فِي الْغَيّ . وَهُوَ فِي مَوْضِع جَزْم بِالنَّهْيِ , أَكَّدَ بِالنُّونِ الثَّقِيلَة فَبُنِيَ عَلَى الْفَتْح كَمَا يُبْنَى الشَّيْئَانِ إِذَا ضُمَّ أَحَدهمَا إِلَى الْآخَر . &quot; الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ &quot; فِي مَوْضِع رَفْع , وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول : اللَّذُونَ فِي مَوْضِع الرَّفْع . وَقَدْ مَضَى فِي الْفَاتِحَة.';
$TAFSEER['4']['31']['1'] = 'وَهِيَ مَكِّيَّة , غَيْر آيَتَيْنِ قَالَ قَتَادَة : أَوَّلهمَا &quot; وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْض مِنْ شَجَرَة أَقْلَام &quot; [ لُقْمَان : 27 ] إِلَى آخِر الْآيَتَيْنِ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : ثَلَاث آيَات , أَوَّلهنَّ &quot; وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْض &quot; [ لُقْمَان : 27 ] . وَهِيَ أَرْبَع وَثَلَاثُونَ آيَة . 

اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْحُرُوف الَّتِي فِي أَوَائِل السُّورَة ; فَقَالَ عَامِر الشَّعْبِيّ وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَجَمَاعَة مِنْ الْمُحَدِّثِينَ : هِيَ سِرّ اللَّه فِي الْقُرْآن , وَلِلَّهِ فِي كُلّ كِتَاب مِنْ كُتُبه سِرّ . فَهِيَ مِنْ الْمُتَشَابِه الَّذِي اِنْفَرَدَ اللَّه تَعَالَى بِعِلْمِهِ , وَلَا يَجِب أَنْ يُتَكَلَّم فِيهَا , وَلَكِنْ نُؤْمِن بِهَا وَنَقْرَؤُهَا كَمَا جَاءَتْ . وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْل عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَعَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْث السَّمَرْقَنْدِيّ عَنْ عُمَر وَعُثْمَان وَابْن مَسْعُود أَنَّهُمْ قَالُوا : الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة مِنْ الْمَكْتُوم الَّذِي لَا يُفَسَّر . وَقَالَ أَبُو حَاتِم : لَمْ نَجِد الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن إِلَّا فِي أَوَائِل السُّوَر , وَلَا نَدْرِي مَا أَرَادَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِهَا . 

قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الْحُبَاب حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي طَالِب حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِر الْوَاسِطِيّ عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل عَنْ سَعِيد بْن مَسْرُوق عَنْ الرَّبِيع بْن خُثَيْم قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَنْزَلَ هَذَا الْقِرَان فَاسْتَأْثَرَ مِنْهُ بِعِلْمِ مَا شَاءَ , وَأَطْلَعَكُمْ عَلَى مَا شَاءَ , فَأَمَّا مَا اِسْتَأْثَرَ بِهِ لِنَفْسِهِ فَلَسْتُمْ بِنَائِلِيهِ فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهُ , وَأَمَّا الَّذِي أَطْلَعَكُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ الَّذِي تَسْأَلُونَ عَنْهُ وَتُخْبَرُونَ بِهِ , وَمَا بِكُلِّ الْقُرْآن تَعْلَمُونَ , وَلَا بِكُلِّ مَا تَعْلَمُونَ تَعْمَلُونَ . قَالَ أَبُو بَكْر : فَهَذَا يُوَضِّح أَنَّ حُرُوفًا مِنْ الْقُرْآن سُتِرَتْ مَعَانِيهَا عَنْ جَمِيع الْعَالَم , اِخْتِبَارًا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَامْتِحَانًا ; فَمَنْ آمَنَ بِهَا أُثِيبَ وَسَعِدَ , وَمَنْ كَفَرَ وَشَكَّ أَثِمَ وَبَعُدَ . حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُف بْن يَعْقُوب الْقَاضِي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش عَنْ عُمَارَة عَنْ حُرَيْث بْن ظُهَيْر عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : مَا آمَنَ مُؤْمِن أَفْضَلَ مِنْ إِيمَانٍ بِغَيْبٍ , ثُمَّ قَرَأَ : &quot; الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ &quot; [ الْبَقَرَة : 3 ] . 

قُلْت : هَذَا الْقَوْل فِي الْمُتَشَابِه وَحُكْمه , وَهُوَ الصَّحِيح عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي ( آل عِمْرَان ) إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَقَالَ جَمْع مِنْ الْعُلَمَاء كَبِير : بَلْ يَجِب أَنْ نَتَكَلَّم فِيهَا , وَنَلْتَمِس الْفَوَائِد الَّتِي تَحْتهَا , وَالْمَعَانِي الَّتِي تَتَخَرَّج عَلَيْهَا ; وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَال عَدِيدَة ; فَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَلِيّ أَيْضًا : أَنَّ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن اِسْم اللَّه الْأَعْظَم , إِلَّا أَنَّا لَا نَعْرِف تَأْلِيفه مِنْهَا . وَقَالَ قُطْرُب وَالْفَرَّاء وَغَيْرهمَا : هِيَ إِشَارَة إِلَى حُرُوف الْهِجَاء أَعْلَمَ اللَّه بِهَا الْعَرَب حِين تَحَدَّاهُمْ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ مُؤْتَلِف مِنْ حُرُوف هِيَ الَّتِي مِنْهَا بِنَاء كَلَامهمْ ; لِيَكُونَ عَجْزهمْ عَنْهُ أَبْلَغَ فِي الْحُجَّة عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يَخْرُج عَنْ كَلَامهمْ . قَالَ قُطْرُب : كَانُوا يَنْفِرُونَ عِنْد اِسْتِمَاع الْقُرْآن , فَلَمَّا سَمِعُوا : &quot; الم &quot; و &quot; المص &quot; اِسْتَنْكَرُوا هَذَا اللَّفْظ , فَلَمَّا أَنْصَتُوا لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِالْقُرْآنِ الْمُؤْتَلِف لِيُثَبِّتهُ فِي أَسْمَاعهمْ وَآذَانهمْ وَيُقِيم الْحُجَّة عَلَيْهِمْ . وَقَالَ قَوْم : رُوِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ سَمَاع الْقُرْآن بِمَكَّة وَقَالُوا : &quot; لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآن وَالْغَوْا فِيهِ &quot; [ فُصِّلَتْ : 26 ] نَزَلَتْ لِيَسْتَغْرِبُوهَا فَيَفْتَحُونَ لَهَا أَسْمَاعهمْ فَيَسْمَعُونَ الْقُرْآن بَعْدهَا فَتَجِب عَلَيْهِمْ الْحُجَّة . وَقَالَ جَمَاعَة : هِيَ حُرُوف دَالَّة عَلَى أَسْمَاء أُخِذَتْ مِنْهَا وَحُذِفَتْ بَقِيَّتهَا ; كَقَوْلِ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : الْأَلِف مِنْ اللَّه , وَاللَّام مِنْ جِبْرِيل , وَالْمِيم مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : الْأَلِف مِفْتَاح اِسْمه اللَّه , وَاللَّام مِفْتَاح اِسْمه لَطِيف , وَالْمِيم مِفْتَاح اِسْمه مَجِيد . وَرَوَى أَبُو الضُّحَى عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : &quot; الم &quot; قَالَ : أَنَا اللَّه أَعْلَمُ , &quot; الر &quot; أَنَا اللَّه أَرَى , &quot; المص &quot; أَنَا اللَّه أَفْضَلُ . فَالْأَلِف تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَنَا , وَاللَّام تُؤَدِّي عَنْ اِسْم اللَّه , وَالْمِيم تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَعْلَمُ . وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل الزَّجَّاج وَقَالَ : أَذْهَب إِلَى أَنَّ كُلّ حَرْف مِنْهَا يُؤَدِّي عَنْ مَعْنًى ; وَقَدْ تَكَلَّمَتْ الْعَرَب بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَة نَظْمًا لَهَا وَوَضْعًا بَدَل الْكَلِمَات الَّتِي الْحُرُوف مِنْهَا , كَقَوْلِهِ : فَقُلْت لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَاف أَرَادَ : قَالَتْ وَقَفْت . وَقَالَ زُهَيْر : بِالْخَيْرِ خَيْرَات وَإِنْ شَرًّا فَا وَلَا أُرِيدُ الشَّرَّ إِلَّا أَنْ تَا أَرَادَ : وَإِنْ شَرًّا فَشَرّ . وَأَرَادَ : إِلَّا أَنْ تَشَاء . وَقَالَ آخَر : نَادَوْهُمُ أَلَا الجِمُوا أَلَا تَا قَالُوا جَمِيعًا كُلُّهُمْ أَلَا فَا أَرَادَ : أَلَا تَرْكَبُونَ , قَالُوا : أَلَا فَارْكَبُوا . وَفِي الْحَدِيث : ( مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْل مُسْلِم بِشَطْرِ كَلِمَة ) قَالَ شَقِيق : هُوَ أَنْ يَقُول فِي اُقْتُلْ : اقْ ; كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام ( كَفَى بِالسَّيْفِ شَا ) مَعْنَاهُ : شَافِيًا . 

وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : هِيَ أَسْمَاء لِلسُّوَرِ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : هِيَ أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه تَعَالَى بِهَا لِشَرَفِهَا وَفَضْلهَا , وَهِيَ مِنْ أَسْمَائِهِ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَرَدَّ بَعْضُ الْعُلَمَاء هَذَا الْقَوْل فَقَالَ : لَا يَصِحّ أَنْ يَكُون قَسَمًا لِأَنَّ الْقَسَم مَعْقُود عَلَى حُرُوف مِثْل : إِنَّ وَقَدْ وَلَقَدْ وَمَا ; وَلَمْ يُوجَد هَا هُنَا حَرْف مِنْ هَذِهِ الْحُرُوف , فَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون يَمِينًا . وَالْجَوَاب أَنْ يُقَال : مَوْضِع الْقَسَم قَوْله تَعَالَى : &quot; لَا رَيْب فِيهِ &quot; فَلَوْ أَنَّ إِنْسَانًا حَلَفَ فَقَالَ : وَاَللَّه هَذَا الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ ; لَكَانَ الْكَلَام سَدِيدًا , وَتَكُون &quot; لَا &quot; جَوَاب الْقَسَم . فَثَبَتَ أَنَّ قَوْل الْكَلْبِيّ وَمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس سَدِيد صَحِيح . 

فَإِنْ قِيلَ : مَا الْحِكْمَة فِي الْقَسَم مِنْ اللَّه تَعَالَى , وَكَانَ الْقَوْم فِي ذَلِكَ الزَّمَان عَلَى صِنْفَيْنِ : مُصَدِّق , وَمُكَذِّب ; فَالْمُصَدِّق يُصَدِّق بِغَيْرِ قَسَم , وَالْمُكَذِّب لَا يُصَدِّق مَعَ الْقَسَم ؟ . قِيلَ لَهُ : الْقُرْآن نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَب ; وَالْعَرَب إِذَا أَرَادَ بَعْضهمْ أَنْ يُؤَكِّد كَلَامه أَقْسَمَ عَلَى كَلَامه ; وَاَللَّه تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُؤَكِّد عَلَيْهِمْ الْحُجَّة فَأَقْسَمَ أَنَّ الْقُرْآن مِنْ عِنْده . وَقَالَ بَعْضهمْ : &quot; الم &quot; أَيْ أَنْزَلْت عَلَيْك هَذَا الْكِتَاب مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ . وَقَالَ قَتَادَة فِي قَوْله : &quot; الم &quot; قَالَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّد بْن عَلِيّ التِّرْمِذِيّ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْدَعَ جَمِيع مَا فِي تِلْكَ السُّورَة مِنْ الْأَحْكَام وَالْقَصَص فِي الْحُرُوف الَّتِي ذَكَرَهَا فِي أَوَّل السُّورَة , وَلَا يَعْرِف ذَلِكَ إِلَّا نَبِيّ أَوْ وَلِيّ , ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي جَمِيع السُّورَة لِيُفَقِّه النَّاس . وَقِيلَ غَيْر هَذَا مِنْ الْأَقْوَال ; فَاَللَّه أَعْلَمُ . 

وَالْوَقْف عَلَى هَذِهِ الْحُرُوف عَلَى السُّكُون لِنُقْصَانِهَا إِلَّا إِذَا أَخْبَرْت عَنْهَا أَوْ عَطَفْتهَا فَإِنَّك تُعْرِبهَا . وَاخْتُلِفَ : هَلْ لَهَا مَحَلّ مِنْ الْإِعْرَاب ؟ فَقِيلَ : لَا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَسْمَاء مُتَمَكِّنَة , وَلَا أَفْعَالًا مُضَارِعَة ; وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ حُرُوف التَّهَجِّي فَهِيَ مَحْكِيَّة . هَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ . وَمَنْ قَالَ : إِنَّهَا أَسْمَاء السُّوَر فَمَوْضِعهَا عِنْده الرَّفْع عَلَى أَنَّهَا عِنْده خَبَر اِبْتِدَاء مُضْمَر ; أَيْ هَذِهِ &quot; الم &quot; ; كَمَا تَقُول : هَذِهِ سُورَة الْبَقَرَة . أَوْ تَكُون رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر ذَلِكَ ; كَمَا تَقُول : زَيْد ذَلِكَ الرَّجُل . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان النَّحْوِيّ : &quot; الم &quot; فِي مَوْضِع نَصْب ; كَمَا تَقُول : اِقْرَأْ &quot; الم &quot; أَوْ عَلَيْك &quot; الم &quot; . وَقِيلَ : فِي مَوْضِع خَفْض بِالْقَسَمِ ; لِقَوْلِ اِبْن عَبَّاس : إِنَّهَا أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه بِهَا .';
$TAFSEER['4']['31']['2'] = '&quot; تِلْكَ &quot; فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَإٍ , أَيْ هَذِهِ تِلْكَ . وَيُقَال : &quot; تِيكَ آيَات الْكِتَاب الْحَكِيم &quot; بَدَلًا مِنْ تِلْكَ . وَالْكِتَاب : الْقُرْآن . وَالْحَكِيم : الْمُحْكَم ; أَيْ لَا خَلَل فِيهِ وَلَا تَنَاقُض . وَقِيلَ ذُو الْحِكْمَة وَقِيلَ الْحَاكِم';
$TAFSEER['4']['31']['3'] = 'بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَال ; مِثْل : &quot; هَذِهِ نَاقَةُ اللَّه لَكُمْ آيَةً &quot; [ الْأَعْرَاف : 73 ] وَهَذِهِ قِرَاءَة الْمَدَنِيِّينَ وَأَبِي عَمْرو وَعَاصِم وَالْكِسَائِيّ . وَقَرَأَ حَمْزَة : &quot; هُدًى وَرَحْمَةٌ &quot; بِالرَّفْعِ , وَهُوَ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَإٍ ; لِأَنَّهُ أَوَّل آيَة . وَالْآخَر : أَنْ يَكُون خَبَرَ &quot; تِلْكَ &quot; . وَالْمُحْسِن : الَّذِي يَعْبُد اللَّه كَأَنَّهُ يَرَاهُ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاهُ . وَقِيلَ : هُمْ الْمُحْسِنُونَ فِي الدِّين وَهُوَ الْإِسْلَام ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهه لِلَّهِ &quot; [ النِّسَاء : 125 ] الْآيَة .';
$TAFSEER['4']['31']['4'] = 'فِي مَوْضِع الصِّفَة , وَيَجُوز الرَّفْع عَلَى الْقَطْع بِمَعْنَى : هُمْ الَّذِينَ , وَالنَّصْب بِإِضْمَارِ أَعْنِي . وَإِقَامَة الصَّلَاة أَدَاؤُهَا بِأَرْكَانِهَا وَسُنَنهَا وَهَيْئَاتهَا فِي أَوْقَاتهَا ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه . يُقَال : قَامَ الشَّيْءُ أَيْ دَامَ وَثَبَتَ , وَلَيْسَ مِنْ الْقِيَام عَلَى الرِّجْل ; وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلك : قَامَ الْحَقّ أَيْ ظَهَرَ وَثَبَتَ ; قَالَ الشَّاعِر : وَقَامَتْ الْحَرْب بِنَا عَلَى سَاق وَقَالَ آخَر : وَإِذَا يُقَال أَتَيْتُمُ لَمْ يَبْرَحُوا حَتَّى تُقِيمَ الْخَيْلُ سُوقَ طِعَانِ وَقِيلَ : &quot; يُقِيمُونَ &quot; يُدِيمُونَ , وَأَقَامَهُ أَيْ أَدَامَهُ ; وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ عُمَر بِقَوْلِهِ : ( مَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينه , وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ . ) إِقَامَة الصَّلَاة مَعْرُوفَة ; وَهِيَ سُنَّة عِنْد الْجُمْهُور , وَأَنَّهُ لَا إِعَادَة عَلَى تَارِكهَا . وَعِنْد الْأَوْزَاعِيّ وَعَطَاء وَمُجَاهِد وَابْن أَبِي لَيْلَى هِيَ وَاجِبَة وَعَلَى مَنْ تَرَكَهَا الْإِعَادَة ; وَبِهِ قَالَ أَهْل الظَّاهِر , وَرُوِيَ عَنْ مَالِك , وَاخْتَارَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ قَالَ : لِأَنَّ فِي حَدِيث الْأَعْرَابِيّ ( وَأَقِمْ ) فَأَمَرَهُ بِالْإِقَامَةِ كَمَا أَمَرَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَالِاسْتِقْبَال وَالْوُضُوء . قَالَ : فَأَمَّا أَنْتُمْ الْآن وَقَدْ وَقَفْتُمْ عَلَى الْحَدِيث فَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَقُولُوا بِإِحْدَى رِوَايَتَيْ مَالِك الْمُوَافِقَة لِلْحَدِيثِ وَهِيَ أَنَّ الْإِقَامَة فَرْض . قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ قَوْله : ( وَتَحْرِيمهَا التَّكْبِير ) دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَدْخُل فِي الصَّلَاة مَنْ لَمْ يُحْرِم , فَمَا كَانَ قَبْل الْإِحْرَام فَحُكْمه أَلَّا تُعَاد مِنْهُ الصَّلَاة إِلَّا أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى شَيْء فَيُسَلَّم لِلْإِجْمَاعِ كَالطَّهَارَةِ وَالْقِبْلَة وَالْوَقْت وَنَحْو ذَلِكَ . وَقَالَ بَعْض عُلَمَائِنَا : مَنْ تَرَكَهَا عَمْدًا أَعَادَ الصَّلَاة , وَلَيْسَ ذَلِكَ لِوُجُوبِهَا إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَاسْتَوَى سَهْوهَا وَعَمْدهَا , وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلِاسْتِخْفَافِ بِالسُّنَنِ , وَاَللَّه أَعْلَمُ . 

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ سَمِعَ الْإِقَامَة هَلْ يُسْرِع أَوْ لَا فَذَهَبَ الْأَكْثَر إِلَى أَنَّهُ لَا يُسْرِع وَإِنْ خَافَ فَوْت الرَّكْعَة لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَة فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا ) . رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة أَخْرَجَهُ مُسْلِم . وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَسْعَ إِلَيْهَا أَحَدكُمْ وَلَكِنْ لِيَمْشِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَة وَالْوَقَار صَلِّ مَا أَدْرَكْت وَاقْضِ مَا سَبَقَك ) . وَهَذَا نَصّ . وَمِنْ جِهَة الْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا أَسْرَعَ اِنْبَهَرَ فَشَوَّشَ عَلَيْهِ دُخُوله فِي الصَّلَاة وَقِرَاءَتهَا وَخُشُوعهَا . وَذَهَبَ جَمَاعَة مِنْ السَّلَف مِنْهُمْ اِبْن عُمَر وَابْن مَسْعُود عَلَى اِخْتِلَاف عَنْهُ أَنَّهُ إِذَا خَافَ فَوَاتهَا أَسْرَعَ . وَقَالَ إِسْحَاق : يُسْرِع إِذَا خَافَ فَوَات الرَّكْعَة ; وَرُوِيَ عَنْ مَالِك نَحْوه , وَقَالَ : لَا بَأْس لِمَنْ كَانَ عَلَى فَرَس أَنْ يُحَرِّك الْفَرَس ; وَتَأَوَّلَهُ بَعْضهمْ عَلَى الْفَرْق بَيْن الْمَاشِي وَالرَّاكِب ; لِأَنَّ الرَّاكِب لَا يَكَاد أَنْ يَنْبَهِر كَمَا يَنْبَهِر الْمَاشِي . قُلْت : وَاسْتِعْمَال سُنَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلّ حَال أَوْلَى , فَيَمْشِي كَمَا جَاءَ الْحَدِيث وَعَلَيْهِ السَّكِينَة وَالْوَقَار ; لِأَنَّهُ فِي صَلَاة وَمُحَال أَنْ يَكُون خَبَره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِلَاف مَا أَخْبَرَهُ ; فَكَمَا أَنَّ الدَّاخِل فِي الصَّلَاة يَلْزَمُهُ الْوَقَار وَالسُّكُون كَذَلِكَ الْمَاشِي , حَتَّى يَحْصُل لَهُ التَّشَبُّه بِهِ فَيَحْصُل لَهُ ثَوَابه . وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى صِحَّة هَذَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ السُّنَّة , وَمَا خَرَّجَهُ الدَّارِمِيّ فِي مُسْنَده قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يُوسُف قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ مُحَمَّد بْن عَجْلَان عَنْ الْمَقْبُرِيّ عَنْ كَعْب بْن عُجْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا تَوَضَّأْت فَعَمَدْت إِلَى الْمَسْجِد فَلَا تُشَبِّكَنَّ بَيْن أَصَابِعك فَإِنَّك فِي صَلَاة ) . فَمَنَعَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيث وَهُوَ صَحِيح مِمَّا هُوَ أَقَلّ مِنْ الْإِسْرَاع وَجَعَلَهُ كَالْمُصَلِّي ; وَهَذِهِ السُّنَن تُبَيِّن مَعْنَى قَوْله تَعَالَى : &quot; فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه &quot; [ الْجُمُعَة : 9 ] وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَاد بِهِ الِاشْتِدَاد عَلَى الْأَقْدَام , وَإِنَّمَا عَنَى الْعَمَل والْفِعْل ; هَكَذَا فَسَّرَهُ مَالِك . وَهُوَ الصَّوَاب فِي ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَمُ . 

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيل قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا ) وَقَوْله : ( وَاقْضِ مَا سَبَقَك ) هَلْ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد أَوْ لَا ؟ فَقِيلَ : هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد وَأَنَّ الْقَضَاء قَدْ يُطْلَق وَيُرَاد بِهِ التَّمَام , قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاة &quot; [ الْجُمُعَة : 10 ] وَقَالَ : &quot; فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِككُمْ &quot; [ الْبَقَرَة : 200 ] . وَقِيلَ : مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِف وَهُوَ الصَّحِيح ; وَيَتَرَتَّب عَلَى هَذَا الْخِلَاف خِلَاف فِيمَا يُدْرِكهُ الدَّاخِل هَلْ هُوَ أَوَّل صَلَاته أَوْ آخِرهَا ؟ فَذَهَبَ إِلَى الْأَوَّل جَمَاعَة مِنْ أَصْحَاب مَالِك - مِنْهُمْ اِبْن الْقَاسِم وَلَكِنَّهُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ بِالْحَمْدِ وَسُورَة , فَيَكُون بَانِيًا فِي الْأَفْعَال قَاضِيًا فِي الْأَقْوَال . قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَهُوَ الْمَشْهُور مِنْ الْمَذْهَب . وَقَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابنَا , وَهُوَ قَوْل الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَالطَّبَرِيّ وَدَاوُد بْن عَلِيّ . وَرَوَى أَشْهَبُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اِبْن عَبْد الْحَكَم عَنْ مَالِك , وَرَوَاهُ عِيسَى عَنْ اِبْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك , أَنَّ مَا أَدْرَكَ فَهُوَ آخِر صَلَاته , وَأَنَّهُ يَكُون قَاضِيًا فِي الْأَفْعَال وَالْأَقْوَال ; وَهُوَ قَوْل الْكُوفِيِّينَ . قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْوَهَّاب : وَهُوَ مَشْهُور مَذْهَب مَالِك . قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : مَنْ جَعَلَ مَا أَدْرَكَ أَوَّل صَلَاته فَأَظُنّهُمْ رَاعَوْا الْإِحْرَام ; لِأَنَّهُ لَا يَكُون إِلَّا فِي أَوَّل الصَّلَاة , وَالتَّشَهُّد وَالتَّسْلِيم لَا يَكُون إِلَّا فِي آخِرِهَا ; فَمِنْ هَاهُنَا قَالُوا : إِنَّ مَا أَدْرَكَ فَهُوَ أَوَّل صَلَاته , مَعَ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ السُّنَّة مِنْ قَوْله : ( فَأَتِمُّوا ) وَالتَّمَام هُوَ الْآخِر . 

وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ بِقَوْلِهِ : ( فَاقْضُوا ) وَاَلَّذِي يَقْضِيه هُوَ الْفَائِت , إِلَّا أَنَّ رِوَايَة مَنْ رَوَى &quot; فَأَتِمُّوا &quot; أَكْثَرُ , وَلَيْسَ يَسْتَقِيم عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ مَا أَدْرَكَ أَوَّل صَلَاته وَيَطَّرِد , إِلَّا مَا قَالَهُ عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي سَلَمَة الْمَاجِشُون وَالْمُزَنِيّ وَإِسْحَاق وَدَاوُد مِنْ أَنَّهُ يَقْرَأ مَعَ الْإِمَام بِالْحَمْدِ وَسُورَة إِنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مَعَهُ ; وَإِذَا قَامَ لِلْقَضَاءِ قَرَأَ بِالْحَمْدِ وَحْدهَا ; فَهَؤُلَاءِ اطَّرَدَ عَلَى أَصْلهمْ قَوْلهمْ وَفِعْلهمْ , رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ . الْإِقَامَة تَمْنَع مِنْ اِبْتِدَاء صَلَاة نَافِلَة , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة ) خَرَّجَهُ مُسْلِم وَغَيْره ; فَأَمَّا إِذَا شَرَعَ فِي نَافِلَة فَلَا يَقْطَعهَا ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالكُمْ &quot; [ مُحَمَّد : 33 ] وَخَاصَّة إِذَا صَلَّى رَكْعَة مِنْهَا . وَقِيلَ : يَقْطَعهَا لِعُمُومِ الْحَدِيث فِي ذَلِكَ . وَاَللَّه أَعْلَم . 

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِد وَلَمْ يَكُنْ رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْر ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاة ; فَقَالَ مَالِك : يَدْخُل مَعَ الْإِمَام وَلَا يَرْكَعهُمَا ; وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُل الْمَسْجِد فَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوَات رَكْعَة فَلْيَرْكَعْ خَارِج الْمَسْجِد , وَلَا يَرْكَعهُمَا فِي شَيْء مِنْ أَفْنِيَة الْمَسْجِد - الَّتِي تُصَلَّى فِيهَا الْجُمُعَة - اللَّاصِقَة بِالْمَسْجِدِ ; وَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتهُ الرَّكْعَة الْأُولَى فَلْيَدْخُلْ وَلْيُصَلِّ مَعَهُ ; ثُمَّ يُصَلِّيهِمَا إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس إِنْ أَحَبَّ ; وَلَأَنْ يُصَلِّيَهُمَا إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس أَحَبُّ إِلَيَّ وَأَفْضَلُ مِنْ تَرْكهمَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه : إِنْ خَشِيَ أَنْ تَفُوتهُ الرَّكْعَتَانِ وَلَا يُدْرِك الْإِمَام قَبْل رَفْعه مِنْ الرُّكُوع فِي الثَّانِيَة دَخَلَ مَعَهُ , وَإِنْ رَجَا أَنْ يُدْرِك رَكْعَة صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْر خَارِج الْمَسْجِد , ثُمَّ يَدْخُل مَعَ الْإِمَام وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيّ ; إِلَّا أَنَّهُ يَجُوز رُكُوعهمَا فِي الْمَسْجِد مَا لَمْ يَخَفْ فَوْت الرَّكْعَة الْأَخِيرَة . وَقَالَ الثَّوْرِيّ : إِنْ خَشِيَ فَوْت رَكْعَة دَخَلَ مَعَهُمْ وَلَمْ يُصَلِّهِمَا وَإِلَّا صَلَّاهُمَا وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِد . وَقَالَ الْحَسَن بْن حَيّ وَيُقَال اِبْن حَيَّان : إِذَا أَخَذَ الْمُقِيم فِي الْإِقَامَة فَلَا تَطَوُّع إِلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْر . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِد وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاة دَخَلَ مَعَ الْإِمَام وَلَمْ يَرْكَعهُمَا لَا خَارِج الْمَسْجِد وَلَا فِي الْمَسْجِد . وَكَذَلِكَ قَالَ الطَّبَرِيّ وَبِهِ قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَحُكِيَ عَنْ مَالِك ; وَهُوَ الصَّحِيح فِي ذَلِكَ ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام . ( إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة ) . وَرَكْعَتَا الْفَجْر إِمَّا سُنَّة , وَإِمَّا فَضِيلَة , وَإِمَّا رَغِيبَة ; وَالْحُجَّة عِنْد التَّنَازُع حُجَّة السُّنَّة . وَمِنْ حُجَّة قَوْل مَالِك الْمَشْهُور وَأَبِي حَنِيفَة مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ جَاءَ وَالْإِمَام يُصَلِّي صَلَاة الصُّبْح فَصَلَّاهُمَا فِي حُجْرَة حَفْصَة , ثُمَّ إِنَّهُ صَلَّى مَعَ الْإِمَام . وَمِنْ حُجَّة الثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِد . وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَصَلَّى إِلَى أُسْطُوَانَة فِي الْمَسْجِد رَكْعَتَيْ الْفَجْر , ثُمَّ دَخَلَ الصَّلَاة بِمَحْضَرٍ مِنْ حُذَيْفَة وَأَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . قَالُوا : ( وَإِذَا جَازَ أَنْ يَشْتَغِل بِالنَّافِلَةِ عَنْ الْمَكْتُوبَة خَارِج الْمَسْجِد جَازَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِد ) , رَوَى مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَالِك اِبْن بُحَيْنَة قَالَ : أُقِيمَتْ صَلَاة الصُّبْح فَرَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي وَالْمُؤَذِّن يُقِيم , فَقَالَ : ( أَتُصَلِّي الصُّبْح أَرْبَعًا ) وَهَذَا إِنْكَار مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّجُل لِصَلَاتِهِ رَكْعَتَيْ الْفَجْر فِي الْمَسْجِد وَالْإِمَام يُصَلِّي , وَيُمْكِن أَنْ يُسْتَدَلّ بِهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ رَكْعَتَيْ الْفَجْر إِنْ وَقَعَتْ فِي تِلْكَ الْحَال صَحَّتْ , لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لَمْ يَقْطَع عَلَيْهِ صَلَاته مَعَ تَمَكُّنه مِنْ ذَلِكَ , وَاَللَّه أَعْلَمُ . 

الصَّلَاة أَصْلهَا فِي اللُّغَة الدُّعَاء , مَأْخُوذَة مِنْ صَلَّى يُصَلِّي إِذَا دَعَا ; وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( إِذَا دُعِيَ أَحَدكُمْ إِلَى طَعَام فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ ) أَيْ فَلْيَدْعُ . وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : إِنَّ الْمُرَاد الصَّلَاة الْمَعْرُوفَة , فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَنْصَرِف ; وَالْأَوَّل أَشْهَرُ وَعَلَيْهِ مِنْ الْعُلَمَاء الْأَكْثَر . وَلَمَّا وَلَدَتْ أَسْمَاءُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَرْسَلَتْهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; قَالَتْ أَسْمَاء : ثُمَّ مَسَحَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ , أَيْ دَعَا لَهُ . وَقَالَ تَعَالَى : &quot; وَصَلِّ عَلَيْهِمْ &quot; [ التَّوْبَة : 103 ] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ . وَقَالَ الْأَعْشَى : تَقُول بِنْتِي وَقَدْ قَرُبْت مُرْتَحِلًا يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الْأَوْصَاب وَالْوَجَعَا عَلَيْك مِثْلَ الَّذِي صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضِي نَوْمًا فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْء مُضْطَجَعَا وَقَالَ الْأَعْشَى أَيْضًا : وَقَابَلَهَا الرِّيح فِي دَنِّهَا وَصَلَّى عَلَى دَنِّهَا وَارْتَسَمْ اِرْتَسَمَ الرَّجُلُ : كَبَّرَ وَدَعَا ; قَالَ فِي الصِّحَاح , وَقَالَ قَوْم : هِيَ مَأْخُوذَة مِنْ الصَّلَا وَهُوَ عِرْقٌ فِي وَسَط الظَّهْر وَيَفْتَرِق عِنْد الْعَجْب فَيَكْتَنِفهُ , وَمِنْهُ أُخِذَ الْمُصَلِّي فِي سَبْق الْخَيْلِ , لِأَنَّهُ يَأْتِي فِي الْحَلَبَة وَرَأْسه عِنْد صَلْوَى السَّابِق ; فَاشْتُقَّتْ الصَّلَاة مِنْهُ ; إِمَّا لِأَنَّهَا جَاءَتْ ثَانِيَة لِلْإِيمَانِ فَشُبِّهَتْ بِالْمُصَلِّي مِنْ الْخَيْل , وَإِمَّا لِأَنَّ الرَّاكِع تُثْنَى صَلَوَاهُ . وَالصَّلَاة : مَغْرِز الذَّنَب مِنْ الْفَرَس , وَالِاثْنَانِ صَلَوَانِ . وَالْمُصَلِّي : تَالِي السَّابِق ; لِأَنَّ رَأْسه عِنْد صَلَاهُ . وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : سَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّى أَبُو بَكْر وَثَلَّثَ عُمَر . وَقِيلَ : هِيَ مَأْخُوذَة مِنْ اللُّزُوم ; وَمِنْهُ صَلِيَ بِالنَّارِ إِذَا لَزِمَهَا ; وَمِنْهُ &quot; تَصْلَى نَارًا حَامِيَة &quot; [ الْغَاشِيَة : 4 ] . وَقَالَ الْحَارِث بْن عُبَاد : لَمْ أَكُنْ مِنْ جُنَاتِهَا عَلِمَ اللَّـ ـهُ وَإِنِّي بِحَرِّهَا الْيَوْم صَالِ أَيْ مُلَازِم لِحَرِّهَا ; وَكَأَنَّ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا مُلَازَمَة الْعِبَادَة عَلَى الْحَدّ الَّذِي أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِهِ . وَقِيلَ : هِيَ مَأْخُوذَة مِنْ صَلَيْت الْعُود بِالنَّارِ إِذَا قَوَّمْته وَلَيَّنْته بِالصِّلَاءِ . وَالصِّلَاء : صِلَاء النَّار بِكَسْرِ الصَّاد مَمْدُود ; فَإِنْ فَتَحْت الصَّاد قَصَرْت , فَقُلْت صَلَا النَّار , فَكَأَنَّ الْمُصَلِّي يَقُوم نَفْسه بِالْمُعَانَاةِ فِيهَا وَيَلِين وَيَخْشَع ; قَالَ الْخَارْزَنْجِيّ : فَلَا تَعْجَل بِأَمْرِك وَاسْتَدِمْهُ فَمَا صَلَّى عَصَاك كَمُسْتَدِيمِ وَالصَّلَاة : الدُّعَاء وَالصَّلَاة : الرَّحْمَة ; وَمِنْهُ : ( اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد ) الْحَدِيث . وَالصَّلَاة : الْعِبَادَة ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : &quot; وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت &quot; [ الْأَنْفَال : 35 ] الْآيَة ; أَيْ عِبَادَتهمْ . وَالصَّلَاة : النَّافِلَة ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : &quot; وَأْمُرْ أَهْلك بِالصَّلَاةِ &quot; [ طَه : 132 ] . وَالصَّلَاة التَّسْبِيح ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : &quot; فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ &quot; [ الصَّافَّات : 143 ] أَيْ مِنْ الْمُصَلِّينَ . وَمِنْهُ سُبْحَة الضُّحَى . وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيل &quot; نُسَبِّح بِحَمْدِك &quot; [ الْبَقَرَة : 30 ] نُصَلِّي . وَالصَّلَاة : الْقِرَاءَة ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : &quot; وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك &quot; [ الْإِسْرَاء : 110 ] فَهِيَ لَفْظ مُشْتَرَك . وَالصَّلَاة : بَيْت يُصَلَّى فِيهِ ; قَالَ اِبْن فَارِس . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الصَّلَاة اِسْم عَلَم وُضِعَ لِهَذِهِ الْعِبَادَة ; فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يُخْلِ زَمَانًا مِنْ شَرْع ; وَلَمْ يُخْلَ شَرْع مِنْ صَلَاة ; حَكَاهُ أَبُو نَصْر الْقُشَيْرِيّ . 

قُلْت : فَعَلَى هَذَا الْقَوْل لَا اِشْتِقَاق لَهَا ; وَعَلَى قَوْل الْجُمْهُور وَهِيَ : - اِخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ هَلْ هِيَ مُبْقَاة عَلَى أَصْلهَا اللُّغَوِيّ الْوَضْعِيّ الِابْتِدَائِيّ , وَكَذَلِكَ الْإِيمَان وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحَجّ , وَالشَّرْع إِنَّمَا تَصَرَّفَ بِالشُّرُوطِ وَالْأَحْكَام , أَوْ هَلْ تِلْكَ الزِّيَادَة مِنْ الشَّرْع تُصَيِّرهَا مَوْضُوعَة كَالْوَضْعِ الِابْتِدَائِيّ مِنْ قَبْل الشَّرْع . هُنَا اِخْتِلَافهمْ وَالْأَوَّل أَصَحّ ; لِأَنَّ الشَّرِيعَة ثَبَتَتْ بِالْعَرَبِيَّةِ , وَالْقُرْآن نَزَلَ بِهَا بِلِسَانِ عَرَبِيّ مُبِين ; وَلَكِنْ لِلْعَرَبِ تَحَكُّم فِي الْأَسْمَاء , كَالدَّابَّةِ وُضِعَتْ لِكُلِّ مَا يَدِبّ ; ثُمَّ خَصَّصَهَا الْعُرْف بِالْبَهَائِمِ فَكَذَلِكَ لِعُرْفِ الشَّرْع تَحَكُّم فِي الْأَسْمَاء , وَاَللَّه أَعْلَم . 

وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَاد بِالصَّلَاةِ هُنَا ; فَقِيلَ : الْفَرَائِض . وَقِيلَ : الْفَرَائِض وَالنَّوَافِل مَعًا ; وَهُوَ الصَّحِيح ; لِأَنَّ اللَّفْظ عَامّ وَالْمُتَّقِي يَأْتِي بِهِمَا . الصَّلَاة سَبَب لِلرِّزْقِ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَأْمُرْ أَهْلك بِالصَّلَاةِ &quot; [ طَه : 132 ] الْآيَة , عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي &quot; طَه &quot; إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَشِفَاء مِنْ وَجَع الْبَطْن وَغَيْره ; رَوَى اِبْن مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : هَجَّرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَجَّرْت فَصَلَّيْت ثُمَّ جَلَسْت ; فَالْتَفَتَ إِلَيَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( اشِكَمَتْ دَرْدْه ) 

قُلْت : نَعَمْ يَا رَسُول اللَّه ; قَالَ : ( قُمْ فَصَلِّ فَإِنَّ فِي الصَّلَاة شِفَاء ) . فِي رِوَايَة : ( اشِكَمَتْ دَرْدْ ) يَعْنِي تَشْتَكِي بَطْنك بِالْفَارِسِيَّةِ ; وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذَا حَزَبَهُ أَمْر فَزِعَ إِلَى الصَّلَاة . 

الصَّلَاة لَا تَصِحّ إِلَّا بِشُرُوطٍ وَفُرُوض ; فَمِنْ شُرُوطهَا : الطَّهَارَة , وَسَيَأْتِي بَيَان أَحْكَامهَا فِي سُورَة النِّسَاء وَالْمَائِدَة . وَسَتْر الْعَوْرَة , يَأْتِي فِي الْأَعْرَاف الْقَوْل فِيهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَأَمَّا فُرُوضهَا : فَاسْتِقْبَال الْقِبْلَة ; وَالنِّيَّة , وَتَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَالْقِيَام لَهَا , وَقِرَاءَة أُمّ الْقُرْآن وَالْقِيَام لَهَا , وَالرُّكُوع وَالطُّمَأْنِينَة فِيهِ , وَرَفْع الرَّأْس مِنْ الرُّكُوع وَالِاعْتِدَال فِيهِ , وَالسُّجُود وَالطُّمَأْنِينَة فِيهِ , وَرَفْع الرَّأْس مِنْ السُّجُود , وَالْجُلُوس بَيْن السَّجْدَتَيْنِ وَالطُّمَأْنِينَة فِيهِ , وَالسُّجُود الثَّانِي وَالطُّمَأْنِينَة فِيهِ . وَالْأَصْل فِي هَذِهِ الْجُمْلَة حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي الرَّجُل الَّذِي عَلَّمَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاة لَمَّا أَخَلَّ بِهَا , فَقَالَ لَهُ : ( إِذَا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَأَسْبِغْ الْوُضُوء ثُمَّ اِسْتَقْبِلْ الْقِبْلَة ثُمَّ كَبِّرْ ثُمَّ اِقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآن ثُمَّ اِرْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنّ رَاكِعًا ثُمَّ اِرْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِل قَائِمًا ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنّ سَاجِدًا ثُمَّ اِرْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنّ جَالِسًا ثُمَّ اِفْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتك كُلّهَا ) خَرَّجَهُ مُسْلِم . وَمِثْله حَدِيث رِفَاعَة بْن رَافِع , أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْره . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : فَبَيَّنَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْكَان الصَّلَاة , وَسَكَتَ عَنْ الْإِقَامَة وَرَفْع الْيَدَيْنِ وَعَنْ حَدّ الْقِرَاءَة وَعَنْ تَكْبِير الِانْتِقَالَات , وَعَنْ التَّسْبِيح فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود , وَعَنْ الْجَلْسَة الْوُسْطَى , وَعَنْ التَّشَهُّد وَعَنْ الْجَلْسَة الْأَخِيرَة وَعَنْ السَّلَام . أَمَّا الْإِقَامَة وَتَعْيِين الْفَاتِحَة فَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِيهِمَا . وَأَمَّا رَفْع الْيَدَيْنِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْد جَمَاعَة الْعُلَمَاء وَعَامَّة الْفُقَهَاء ; لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة وَحَدِيث رِفَاعَة بْن رَافِع . وَقَالَ دَاوُد وَبَعْض أَصْحَابه بِوُجُوبِ ذَلِكَ عِنْد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام . وَقَالَ بَعْض أَصْحَابه : الرَّفْع عِنْد الْإِحْرَام وَعِنْد الرُّكُوع وَعِنْد الرَّفْع مِنْ الرُّكُوع وَاجِب , وَإِنَّ مَنْ لَمْ يَرْفَع يَدَيْهِ فَصَلَاته بَاطِلَة ; وَهُوَ قَوْل الْحُمَيْدِيّ , وَرِوَايَة عَنْ الْأَوْزَاعِيّ . وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ . قَالُوا : فَوَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَفْعَل كَمَا رَأَيْنَاهُ يَفْعَل ; لِأَنَّهُ الْمُبَلِّغ عَنْ اللَّه مُرَاده . وَأَمَّا التَّكْبِير مَا عَدَا تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فَمَسْنُون عِنْد الْجُمْهُور لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُور . وَكَانَ اِبْن قَاسِم صَاحِب مَالِك يَقُول : مَنْ أَسْقَطَ مِنْ التَّكْبِيرَة فِي الصَّلَاة ثَلَاث تَكْبِيرَات فَمَا فَوْقهَا سَجَدَ قَبْل السَّلَام , وَإِنْ لَمْ يَسْجُد بَطَلَتْ صَلَاته ; وَإِنْ نَسِيَ تَكْبِيرَة وَاحِدَة أَوْ اِثْنَتَيْنِ سَجَدَ أَيْضًا لِلسَّهْوِ , إِنْ لَمْ يَفْعَل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ ; وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ التَّكْبِيرَة الْوَاحِدَة لَا سَهْو عَلَى مَنْ سَهَا فِيهَا . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ عُظْم التَّكْبِير وَجُمْلَته عِنْده فَرْض , وَأَنَّ الْيَسِير مِنْهُ مُتَجَاوَز عَنْهُ . وَقَالَ أَصْبَغ بْن الْفَرَج وعَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم : لَيْسَ عَلَى مَنْ لَمْ يُكَبِّر فِي الصَّلَاة مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا شَيْءٌ إِذَا كَبَّرَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ ; فَإِنْ تَرَكَهُ سَاهِيًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ , فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ; وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ التَّكْبِيرَ عَامِدًا ; لِأَنَّهُ سُنَّة مِنْ سُنَن الصَّلَاة ; فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَصَلَاته مَاضِيَة . 

قُلْت : هَذَا هُوَ الصَّحِيح , وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَة فُقَهَاء الْأَمْصَار مِنْ الشَّافِعِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ وَجَمَاعَة أَهْل الْحَدِيث وَالْمَالِكِيِّينَ غَيْر مَنْ ذَهَبَ مَذْهَب اِبْن الْقَاسِم . وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّه ( بَاب إِتْمَام التَّكْبِير فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود ) وَسَاقَ حَدِيث مُطَرِّف بْن عَبْد اللَّه قَالَ : صَلَّيْت خَلْف عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب أَنَا وَعِمْرَان بْن حُصَيْن , فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ , وَإِذَا رَفَعَ رَأْسه كَبَّرَ , وَإِذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ ; فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاة أَخَذَ بِيَدِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْن فَقَالَ : لَقَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلَاةَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ قَالَ : لَقَدْ صَلَّى بِنَا صَلَاة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَحَدِيث عِكْرِمَة قَالَ : رَأَيْت رَجُلًا عِنْد الْمَقَام يُكَبِّر فِي كُلّ خَفْض وَرَفْع , وَإِذَا قَامَ وَإِذَا وَضَعَ , فَأَخْبَرْت اِبْن عَبَّاس فَقَالَ : أَوَ لَيْسَ تِلْكَ صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أُمّ لَك فَدَلَّك الْبُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّه بِهَذَا الْبَاب عَلَى أَنَّ التَّكْبِير لَمْ يَكُنْ مَعْمُولًا بِهِ عِنْدهمْ . رَوَى أَبُو إِسْحَاق السَّبِيعِيّ عَنْ يَزِيد بْن أَبِي مَرْيَم عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ : صَلَّى بِنَا عَلِيّ يَوْم الْجَمَل صَلَاة أَذْكَرَنَا بِهَذَا صَلَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَانَ يُكَبِّر فِي كُلّ خَفْض وَرَفْع , وَقِيَام وَقُعُود ; قَالَ أَبُو مُوسَى : فَإِمَّا نَسِينَاهَا وَإِمَّا تَرَكْنَاهَا عَمْدًا . 

قُلْت : أَتُرَاهُمْ أَعَادُوا الصَّلَاة ! فَكَيْف يُقَال مَنْ تَرَكَ التَّكْبِير بَطَلَتْ صَلَاته ! وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَرْق بَيْن السُّنَّة وَالْفَرْض , وَالشَّيْء إِذَا لَمْ يَجِب أَفْرَاده لَمْ يَجِب جَمِيعه ; وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق . وَأَمَّا التَّسْبِيح فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود فَغَيْر وَاجِب عِنْد الْجُمْهُور لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُور ; وَأَوْجَبَهُ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ , وَأَنَّ مَنْ تَرَكَهُ أَعَادَ الصَّلَاة , لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( أَمَّا الرُّكُوع فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبّ وَأَمَّا السُّجُود فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاء فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَاب لَكُمْ ) . 

وَأَمَّا الْجُلُوس وَالتَّشَهُّد فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ ; فَقَالَ مَالِك وَأَصْحَابه : الْجُلُوس الْأَوَّل وَالتَّشَهُّد لَهُ سُنَّتَانِ . وَأَوْجَبَ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء الْجُلُوس الْأَوَّل وَقَالُوا : هُوَ مَخْصُوص مِنْ بَيْن سَائِر الْفُرُوض بِأَنْ يَنُوب عَنْهُ السُّجُود كَالْعَرَايَا مِنْ الْمُزَابَنَة , وَالْقِرَاض مِنْ الْإِجَارَات , وَكَالْوُقُوفِ بَعْد الْإِحْرَام لِمَنْ وَجَدَ الْإِمَام رَاكِعًا . وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ سُنَّة مَا كَانَ الْعَامِد لِتَرْكِهِ تَبْطُل صَلَاته كَمَا لَا تَبْطُل بِتَرْكِ سُنَن الصَّلَاة . اِحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوجِبهُ بِأَنْ قَالَ : لَوْ كَانَ مِنْ فَرَائِض الصَّلَاة لَرَجَعَ السَّاهِي عَنْهُ إِلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ , كَمَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَة أَوْ رَكْعَة ; وَيُرَاعَى فِيهِ مَا يُرَاعَى فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود مِنْ الْوِلَاء وَالرُّتْبَة ; ثُمَّ يَسْجُد لِسَهْوِهِ كَمَا يَصْنَع مَنْ تَرَكَ رَكْعَة أَوْ سَجْدَة وَأَتَى بِهِمَا . وَفِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن بُحَيْنَة : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَنَسِيَ أَنْ يَتَشَهَّد فَسَبَّحَ النَّاس خَلْفه كَيْمَا يَجْلِس فَثَبَتَ قَائِمًا فَقَامُوا ; فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاته سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْو قَبْل التَّسْلِيم ; فَلَوْ كَانَ الْجُلُوس فَرْضًا لَمْ يُسْقِطهُ النِّسْيَان وَالسَّهْو ; لِأَنَّ الْفَرَائِض فِي الصَّلَاة يَسْتَوِي فِي تَرْكهَا السَّهْو وَالْعَمْد إِلَّا فِي الْمُؤْتَمّ . 

وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْم الْجُلُوس الْأَخِير فِي الصَّلَاة وَمَا الْغَرَض مِنْ ذَلِكَ . وَهِيَ : - عَلَى خَمْسَة أَقْوَال : 

أَحَدهَا : أَنَّ الْجُلُوس فَرْض وَالتَّشَهُّد فَرْض وَالسَّلَام فَرْض . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل فِي رِوَايَة , وَحَكَاهُ أَبُو مُصْعَب فِي مُخْتَصَره عَنْ مَالِك وَأَهْل الْمَدِينَة , وَبِهِ قَالَ دَاوُد . قَالَ الشَّافِعِيّ : مَنْ تَرَكَ التَّشَهُّد الْأَوَّل وَالصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ سَجَدَتَا السَّهْو لِتَرْكِهِ . وَإِذَا تَرَكَ التَّشَهُّد الْأَخِير سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا أَعَادَ . وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ بَيَان النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاة فَرْض , لِأَنَّ أَصْل فَرْضهَا مُجْمَل يَفْتَقِر إِلَى الْبَيَان إِلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ) . 

الْقَوْل الثَّانِي : أَنَّ الْجُلُوس وَالتَّشَهُّد وَالسَّلَام لَيْسَ بِوَاجِبٍ , وَإِنَّمَا ذَلِكَ كُلّه سُنَّة مَسْنُونَة , هَذَا قَوْل بَعْض الْبَصْرِيِّينَ , وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِبْرَاهِيم بْن عُلَيَّة , وَصَرَّحَ بِقِيَاسِ الْجَلْسَة الْأَخِيرَة عَلَى الْأُولَى , فَخَالَفَ الْجُمْهُورَ وَشَذَّ ; إِلَّا أَنَّهُ يَرَى الْإِعَادَة عَلَى مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كُلّه . وَمِنْ حُجَّتهمْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِي عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا رَفَعَ الْإِمَام رَأْسه مِنْ آخِر سَجْدَة فِي صَلَاته ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاته ) وَهُوَ حَدِيث لَا يَصِحّ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو عُمَر ; وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَاب الْمُقْتَبَس . وَهَذَا اللَّفْظ إِنَّمَا يُسْقِط السَّلَام لَا الْجُلُوس . 

الْقَوْل الثَّالِث : إِنَّ الْجُلُوس مِقْدَارَ التَّشَهُّد فَرْض , وَلَيْسَ التَّشَهُّد وَلَا السَّلَام بِوَاجِبٍ فَرْضًا . قَالَهُ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَجَمَاعَة مِنْ الْكُوفِيِّينَ . وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ اِبْن الْمُبَارَك عَنْ الْإِفْرِيقِيّ عَبْد الرَّحْمَن بْن زِيَاد وَهُوَ ضَعِيف ; وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا جَلَسَ أَحَدكُمْ فِي آخِر صَلَاته فَأَحْدَثَ قَبْل أَنْ يُسَلِّم فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاته ) . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَكَانَ شَيْخنَا فَخْر الْإِسْلَام يُنْشِدنَا فِي الدَّرْس : وَيَرَى الْخُرُوج مِنْ الصَّلَاة بِضَرْطَةٍ أَيْنَ الضُّرَاطُ مِنْ السَّلَام عَلَيْكُمُ قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَسَلَكَ بَعْض عُلَمَائِنَا مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَة فَرْعَيْنِ ضَعِيفَيْنِ , أَمَّا أَحَدهمَا : فَرَوَى عَبْد الْمَلِك عَنْ عَبْد الْمَلِك أَنَّ مَنْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مُتَلَاعِبًا , فَخَرَّجَ الْبَيَانَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ عَلَى أَرْبَع أَنَّهُ يُجْزِئهُ , وَهَذَا مَذْهَب أَهْل الْعِرَاق بِعَيْنِهِ . وَأَمَّا الثَّانِي : فَوَقَعَ فِي الْكُتُب الْمَنْبُوذَة أَنَّ الْإِمَام إِذَا أَحْدَثَ بَعْد التَّشَهُّد مُتَعَمِّدًا وَقَبْل السَّلَام أَنَّهُ يُجْزِئ مَنْ خَلْفه , وَهَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْتَفَت إِلَيْهِ فِي الْفَتْوَى ; وَإِنْ عَمَرَتْ بِهِ الْمَجَالِس لِلذِّكْرَى . 

إِنَّ الْجُلُوس فَرْض وَالسَّلَام فَرْض , وَلَيْسَ التَّشَهُّد بِوَاجِبٍ . وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا مَالِك بْن أَنَس وَأَصْحَابه وَأَحْمَد بْن حَنْبَل فِي رِوَايَة . وَاحْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا : لَيْسَ شَيْء مِنْ الذِّكْر يَجِب إِلَّا تَكْبِيرَة , الْإِحْرَام وَقِرَاءَة أُمّ الْقُرْآن . 

أَنَّ التَّشَهُّد وَالْجُلُوس وَاجِبَانِ , وَلَيْسَ السَّلَام بِوَاجِبٍ , قَالَهُ جَمَاعَة مِنْهُمْ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ , وَاحْتَجَّ إِسْحَاق بِحَدِيثِ اِبْن مَسْعُود حِين عَلَّمَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّد وَقَالَ لَهُ : ( إِذَا فَرَغْت مِنْ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتك وَقَضَيْت مَا عَلَيْك ) . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : قَوْله ( إِذَا فَرَغْت مِنْ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتك ) أَدْرَجَهُ بَعْضهمْ عَنْ زُهَيْر فِي الْحَدِيث , وَوَصَلَهُ بِكَلَامِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَفَصَلَهُ شَبَابَة عَنْ زُهَيْر وَجَعَلَهُ مِنْ كَلَام بْن مَسْعُود , وَقَوْله أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ مِنْ قَوْل مَنْ أَدْرَجَهُ فِي حَدِيث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَشَبَابَةُ ثِقَة . وَقَدْ تَابَعَهُ غَسَّان بْن الرَّبِيع عَلَى ذَلِكَ , جَعَلَ آخِر الْحَدِيث مِنْ كَلَام اِبْن مَسْعُود وَلَمْ يَرْفَعهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي السَّلَام ; فَقِيلَ : وَاجِب , وَقِيلَ : لَيْسَ بِوَاجِبٍ . وَالصَّحِيح وُجُوبه لِحَدِيثِ عَائِشَة وَحَدِيث عَلِيّ الصَّحِيح خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَرَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل عَنْ مُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة عَنْ عَلِيّ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : &quot; مِفْتَاح الصَّلَاة الطَّهُور وَتَحْرِيمهَا التَّكْبِير وَتَحْلِيلهَا التَّسْلِيم ) وَهَذَا الْحَدِيث أَصْل فِي إِيجَاب التَّكْبِير وَالتَّسْلِيم , وَأَنَّهُ لَا يُجْزِئ عَنْهُمَا غَيْرهمَا كَمَا لَا يُجْزِئ عَنْ الطَّهَارَة غَيْرهَا بِاتِّفَاقٍ . قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ : لَوْ اِفْتَتَحَ رَجُل صَلَاته بِسَبْعِينَ اِسْمًا مِنْ أَسْمَاء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يُكَبِّر تَكْبِيرَة الْإِحْرَام لَمْ يُجْزِهِ , وَإِنْ أَحْدَثَ قَبْل أَنْ يُسَلِّم لَمْ يُجْزِهِ ; وَهَذَا تَصْحِيح مِنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ لِحَدِيثِ عَلِيّ , وَهُوَ إِمَام فِي عِلْم الْحَدِيث وَمَعْرِفَة صَحِيحه مِنْ سَقِيمه . وَحَسْبُك بِهِ ! وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي وُجُوب التَّكْبِير عِنْد الِافْتِتَاح وَهِيَ : 

فَقَالَ اِبْن شِهَاب الزُّهْرِيّ وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالْأَوْزَاعِيّ وَعَبْد الرَّحْمَن وَطَائِفَة : تَكْبِيرَة الْإِحْرَام لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِك فِي الْمَأْمُوم مَا يَدُلّ عَلَى هَذَا الْقَوْل ; وَالصَّحِيح مِنْ مَذْهَبه إِيجَاب تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَأَنَّهَا فَرْض وَرُكْن مِنْ أَرْكَان الصَّلَاة ; وَهُوَ الصَّوَاب وَعَلَيْهِ الْجُمْهُور , وَكُلّ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ فَمَحْجُوج بِالسُّنَّةِ . 

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي اللَّفْظ الَّذِي يُدْخَل بِهِ فِي الصَّلَاة ; فَقَالَ مَالِك وَأَصْحَابه وَجُمْهُور الْعُلَمَاء : لَا يُجْزِئ إِلَّا التَّكْبِير , لَا يُجْزِئ مِنْهُ تَهْلِيل وَلَا تَسْبِيح وَلَا تَعْظِيم وَلَا تَحْمِيد . هَذَا قَوْل الْحِجَازِيِّينَ وَأَكْثَرِ الْعِرَاقِيِّينَ ; وَلَا يُجْزِئ عِنْد مَالِك إِلَّا &quot; اللَّه أَكْبَرُ &quot; لَا غَيْر ذَلِكَ . وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيّ وَزَادَ : وَيُجْزِئ &quot; اللَّه الْأَكْبَر &quot; و &quot; اللَّه الْكَبِير &quot; وَالْحُجَّة لِمَالِك حَدِيث عَائِشَة قَالَتْ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِح الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ , وَالْقِرَاءَة ب &quot; الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ &quot; . وَحَدِيث عَلِيّ : وَتَحْرِيمهَا التَّكْبِير . وَحَدِيث الْأَعْرَابِيّ : فَكَبِّرْ . وَفِي سُنَن اِبْن مَاجَهْ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبَى شَيْبَة وَعَلِيّ بْن مُحَمَّد الطَّنَافِسِيّ قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَة قَالَ حَدَّثَنِي عَبْد الْحَمِيد بْن جَعْفَر قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن عَطَاء قَالَ سَمِعْت أَبَا حُمَيْد السَّاعِدِيّ يَقُول : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة اِسْتَقْبَلَ الْقِبْلَة وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ : &quot; اللَّه أَكْبَرُ &quot; وَهَذَا نَصّ صَرِيح وَحَدِيث صَحِيح فِي تَعْيِين , لَفْظ التَّكْبِير ; قَالَ الشَّاعِر : رَأَيْت اللَّه أَكْبَرَ كُلِّ شَيْء مُحَاوَلَةً وَأَعْظَمه جُنُودًا ثُمَّ إِنَّهُ يَتَضَمَّن الْقِدَم , وَلَيْسَ يَتَضَمَّنهُ كَبِير وَلَا عَظِيم , فَكَانَ أَبْلَغَ فِي الْمَعْنَى ; وَاَللَّه أَعْلَمُ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِنْ اِفْتَتَحَ بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه يُجْزِيه , وَإِنْ قَالَ : اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي لَمْ يُجْزِهِ , وَبِهِ قَالَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن . وَقَالَ أَبُو يُوسُف : لَا يُجْزِئهُ إِذَا كَانَ يُحْسِن التَّكْبِير . وَكَانَ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة يَقُول : إِذَا ذَكَرَ اللَّه مَكَان التَّكْبِير أَجْزَأَهُ . قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَلَا أَعْلَمهُمْ يَخْتَلِفُونَ أَنَّ مَنْ أَحْسَنَ الْقِرَاءَة فَهَلَّلَ وَكَبَّرَ وَلَمْ يَقْرَأ أَنَّ صَلَاته فَاسِدَة , فَمَنْ كَانَ هَذَا مَذْهَبه فَاللَّازِم لَهُ أَنْ يَقُول لَا يُجْزِيه مَكَان التَّكْبِير غَيْره , كَمَا لَا يُجْزِئ مَكَان الْقِرَاءَة غَيْرهَا . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يُجْزِئهُ التَّكْبِير بِالْفَارِسِيَّةِ وَإِنْ كَانَ يُحْسِن الْعَرَبِيَّة . قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : لَا يُجْزِيه لِأَنَّهُ خِلَاف مَا عَلَيْهِ جَمَاعَات الْمُسْلِمِينَ , وَخِلَاف مَا عَلَّمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّته , وَلَا نَعْلَم أَحَدًا وَافَقَهُ عَلَى مَا قَالَ . وَاَللَّه أَعْلَمُ . 

وَاتَّفَقَتْ الْأُمَّة عَلَى وُجُوب النِّيَّة عِنْد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام إِلَّا شَيْئًا رُوِيَ عَنْ بَعْض أَصْحَابنَا يَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي آيَة الطَّهَارَة ; وَحَقِيقَتهَا قَصْد التَّقَرُّب إِلَى الْآمِر بِفِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ عَلَى الْوَجْه الْمَطْلُوب مِنْهُ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَالْأَصْل فِي كُلّ نِيَّة أَنْ يَكُون عَقْدهَا مَعَ التَّلَبُّس بِالْفِعْلِ الْمَنْوِيّ بِهَا , أَوْ قَبْل ذَلِكَ بِشَرْطِ اِسْتِصْحَابهَا , فَإِنْ تَقَدَّمَتْ النِّيَّة وَطَرَأَتْ غَفْلَة فَوَقَعَ التَّلَبُّس بِالْعِبَادَةِ فِي تِلْكَ الْحَالَة لَمْ يُعْتَدّ بِهَا , كَمَا لَا يُعْتَدّ بِالنِّيَّةِ إِذَا وَقَعَتْ بَعْد التَّلَبُّس بِالْفِعْلِ , وَقَدْ رُخِّصَ فِي تَقْدِيمهَا فِي الصَّوْم لِعُظْمِ الْحَرَج فِي اِقْتِرَانهَا بِأَوَّلِهِ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَقَالَ لَنَا أَبُو الْحَسَن الْقَرَوِيّ بِثَغْرِ عَسْقَلَان : سَمِعْت إِمَام الْحَرَمَيْنِ يَقُول : يَحْضُر الْإِنْسَان عِنْد التَّلَبُّس بِالصَّلَاةِ النِّيَّة , وَيُجَرِّد النَّظَر فِي الصَّانِع وَحُدُوث الْعَالَم وَالنُّبُوَّات حَتَّى يَنْتَهِي نَظَرُهُ إِلَى نِيَّة الصَّلَاة , قَالَ : وَلَا يَحْتَاج ذَلِكَ إِلَى زَمَان طَوِيل , وَإِنَّمَا يَكُون ذَلِكَ فِي أَوْحَى لَحْظَة , لِأَنَّ تَعْلِيم الْجَمَل يَفْتَقِر إِلَى الزَّمَان الطَّوِيل , وَتَذْكَارهَا يَكُون فِي لَحْظَة , وَمِنْ تَمَام النِّيَّة أَنْ تَكُون مُسْتَصْحَبَة عَلَى الصَّلَاة كُلّهَا , إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَمَّا كَانَ أَمْرًا يُتَعَذَّر عَلَيْهِ سَمَحَ الشَّرْع فِي عُزُوب النِّيَّة فِي أَثْنَائِهَا . سَمِعْت شَيْخنَا أَبَا بَكْر الْفِهْرِيّ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى يَقُول قَالَ مُحَمَّد بْن سَحْنُون : رَأَيْت أَبِي سَحْنُونًا رُبَّمَا يُكْمِل الصَّلَاة فَيُعِيدهَا ; فَقُلْت لَهُ مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : عَزَبَتْ نِيَّتِي فِي أَثْنَائِهَا فَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَعَدْتهَا . 

قُلْت : فَهَذِهِ جُمْلَة مِنْ أَحْكَام الصَّلَاة , وَسَائِر أَحْكَامهَا يَأْتِي بَيَانهَا فِي مَوَاضِعهَا مِنْ هَذَا الْكِتَاب بِحَوْلِ اللَّه تَعَالَى ; فَيَأْتِي ذِكْر الرُّكُوع وَصَلَاة الْجَمَاعَة وَالْقِبْلَة وَالْمُبَادَرَة إِلَى الْأَوْقَات , وَبَعْض صَلَاة الْخَوْف فِي هَذِهِ السُّورَة , وَيَأْتِي ذِكْر قَصْر الصَّلَاة وَصَلَاة الْخَوْف , فِي &quot; النِّسَاء &quot; وَالْأَوْقَات فِي &quot; هُود &quot; وَ &quot; سُبْحَان &quot; وَ &quot; الرُّوم &quot; وَصَلَاة اللَّيْل فِي &quot; الْمُزَّمِّل &quot; وَسُجُود التِّلَاوَة فِي &quot; الْأَعْرَاف &quot; وَسُجُود الشُّكْر فِي &quot; ص &quot; كُلّ فِي مَوْضِعه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .



الزَّكَاة مَأْخُوذَة مِنْ زَكَا الشَّيْء إِذَا نَمَا وَزَادَ يُقَال زَكَا الزَّرْع وَالْمَال يَزْكُو إِذَا كَثُرَ وَزَادَ وَرَجُل زَكِيّ أَيْ زَائِد الْخَيْر وَسُمِّيَ الْإِخْرَاج فِي الْمَال زَكَاة وَهُوَ نَقْص مِنْهُ مِنْ حَيْثُ يَنْمُو بِالْبَرَكَةِ أَوْ بِالْأَجْرِ الَّذِي يُثَاب بِهِ الْمُزَكِّي وَيُقَال زَرْع زَاكٍ بَيِّن الزَّكَاء وَزَكَأَتْ النَّاقَة بِوَلَدِهَا تَزْكَأ بِهِ إِذَا رَمَتْ بِهِ مِنْ بَيْن رِجْلَيْهَا وَزَكَا الْفَرْد إِذَا صَارَ زَوْجًا بِزِيَادَةِ الزَّائِد عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ شَفْعًا قَالَ الشَّاعِر كَانُوا خَسًا أَوْ زَكًا مِنْ دُون أَرْبَعَة لَمْ يَخْلَقُوا وَجُدُود النَّاس تَعْتَلِج جَمْع جَدّ وَهُوَ الْحَظّ وَالْبَخْت . تَعْتَلِج أَيْ تَرْتَفِع اِعْتَلَجَتْ الْأَرْض طَالَ نَبَاتهَا فَخَسًا الْفَرْد وَزَكًا الزَّوْج 

وَقِيلَ : أَصْلهَا الثَّنَاء الْجَمِيل وَمِنْهُ زَكَّى الْقَاضِي الشَّاهِد فَكَأَنَّ مَنْ يُخْرِج الزَّكَاة يَحْصُل لِنَفْسِهِ الثَّنَاء الْجَمِيل وَقِيلَ الزَّكَاة مَأْخُوذَة مِنْ التَّطْهِير كَمَا يُقَال زَكَا فُلَان أَيْ طَهُرَ مِنْ دَنَس الْجَرْحَة وَالْإِغْفَال فَكَأَنَّ الْخَارِج مِنْ الْمَال يُطَهِّرهُ مِنْ تَبَعَة الْحَقّ الَّذِي جَعَلَ اللَّه فِيهِ لِلْمَسَاكِينِ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّى مَا يُخْرَج مِنْ الزَّكَاة أَوْسَاخ النَّاس وَقَدْ قَالَ تَعَالَى &quot; خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة تُطَهِّرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا &quot; [ التَّوْبَة : 103 ] 

وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَاد بِالزَّكَاةِ هُنَا فَقِيلَ الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة لِمُقَارَنَتِهَا الصَّلَاة وَقِيلَ صَدَقَة الْفِطْر قَالَ مَالِك فِي سَمَاع اِبْن الْقَاسِم 

قُلْت : فَعَلَى الْأَوَّل وَهُوَ قَوْل أَكْثَرِ الْعُلَمَاء - فَالزَّكَاة فِي الْكِتَاب مُجْمَلَة بَيَّنَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَوَى الْأَئِمَّة عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( لَيْسَ فِي حَبّ وَلَا تَمْر صَدَقَة حَتَّى تَبْلُغ خَمْسَة أَوْسُق وَلَا فِيمَا دُون خَمْس ذَوْد صَدَقَة وَلَا فِيمَا دُون خَمْس أَوَاقٍ صَدَقَة ) وَقَالَ الْبُخَارِيّ ( خَمْس أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِق ) وَرَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( فِيمَا سَقَتْ السَّمَاء وَالْعُيُون أَوْ كَانَ عَشْرِيًّا الْعُشْر وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْف الْعُشْر ) وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا الْبَاب فِي &quot; الْأَنْعَام &quot; إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى وَيَأْتِي فِي &quot; بَرَاءَة &quot; زَكَاة الْعَيْن وَالْمَاشِيَة وَبَيَان الْمَال الَّذِي لَا يُؤْخَذ مِنْهُ زَكَاة عِنْد قَوْله تَعَالَى &quot; خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة &quot; [ التَّوْبَة : 103 ] وَأَمَّا زَكَاة الْفِطْر فَلَيْسَ لَهَا فِي الْكِتَاب نَصّ عَلَيْهَا إِلَّا مَا تَأَوَّلَ مَالِك هُنَا وَقَوْله تَعَالَى &quot; قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اِسْم رَبّه فَصَلَّى &quot; [ الْأَعْلَى : 14 ] وَالْمُفَسِّرُونَ يَذْكُرُونَ الْكَلَام عَلَيْهَا فِي سُورَة &quot; الْأَعْلَى &quot; ; وَرَأَيْت الْكَلَام عَلَيْهَا فِي هَذِهِ السُّورَة عِنْد كَلَامنَا عَلَى آيِ الصِّيَام لِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاة الْفِطْر فِي رَمَضَان الْحَدِيث وَسَيَأْتِي فَأَضَافَهَا إِلَى رَمَضَان
 
  
أَيْ وَبِالْبَعْثِ وَالنَّشْر هُمْ عَالِمُونَ . وَالْيَقِين : الْعِلْم دُون الشَّكّ ; يُقَال مِنْهُ : يَقِنْت الْأَمْر ( بِالْكَسْرِ ) يَقَنًا , وَأَيْقَنْت وَاسْتَيْقَنْت وَتَيَقَّنْت كُلّه بِمَعْنًى , وَأَنَا عَلَى يَقِين مِنْهُ . وَإِنَّمَا صَارَتْ الْيَاء وَاوًا فِي قَوْلك : مُوقِن , لِلضَّمَّةِ قَبْلهَا , وَإِذَا صَغَّرْته رَدَدْته إِلَى الْأَصْل فَقُلْت مُيَيْقِن وَالتَّصْغِير يَرُدّ الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا وَكَذَلِكَ الْجَمْع . وَرُبَّمَا عَبَّرُوا بِالْيَقِينِ عَنْ الظَّنّ , وَمِنْهُ قَوْل عُلَمَائِنَا فِي الْيَمِين اللَّغْو : هُوَ أَنْ يَحْلِف بِاَللَّهِ عَلَى أَمْر يُوقِنهُ ثُمَّ يَتَبَيَّن لَهُ أَنَّهُ خِلَاف ذَلِكَ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ ; قَالَ الشَّاعِر : تَحَسَّبَ هَوَّاسٌ وَأَيْقَنَ أَنَّنِي بِهَا مُفْتَدٍ مِنْ وَاحِدٍ لَا أُغَامِرُهْ يَقُول : تَشَمَّمَ الْأَسَد نَاقَتِي , يَظُنّ أَنَّنِي مُفْتَدٍ بِهَا مِنْهُ , وَأَسْتَحْمِي نَفْسِي فَأَتْرُكهَا لَهُ وَلَا أَقْتَحِم الْمَهَالِك بِمُقَاتَلَتِهِ فَأَمَّا الظَّنّ بِمَعْنَى الْيَقِين فَوَرَدَ فِي التَّنْزِيل وَهُوَ فِي الشِّعْر كَثِير ; وَسَيَأْتِي . وَالْآخِرَة مُشْتَقَّة مِنْ التَّأَخُّر لِتَأَخُّرِهَا عَنَّا وَتَأَخُّرنَا عَنْهَا , كَمَا أَنَّ الدُّنْيَا مُشْتَقَّة مِنْ الدُّنُوّ ; عَلَى مَا يَأْتِي .';
$TAFSEER['4']['31']['5'] = 'قَالَ النَّحَّاس أَهْل نَجْد يَقُولُونَ : أُلَاكَ , وَبَعْضهمْ يَقُول : أُلَالِكَ ; وَالْكَاف لِلْخِطَابِ . قَالَ الْكِسَائِيّ : مَنْ قَالَ أُولَئِكَ فَوَاحِده ذَلِكَ , وَمَنْ قَالَ أُلَاكَ فَوَاحِده ذَاكَ , وَأُلَالِكَ مِثْل أُولَئِكَ ; وَأَنْشَدَ اِبْن السِّكِّيت : أُلَالِكَ قَوْمِي لَمْ يَكُونُوا أُشَابَةً وَهَلْ يَعِظ الضِّلِّيل إِلَّا أُلَالِكَا وَرُبَّمَا قَالُوا : أُولَئِكَ فِي غَيْر الْعُقَلَاء ; قَالَ الشَّاعِر : ذُمَّ الْمَنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَة اللِّوَى وَالْعَيْشَ بَعْد أُولَئِكَ الْأَيَّامِ وَقَالَ تَعَالَى : &quot; إِنَّ السَّمْع وَالْبَصَر وَالْفُؤَاد كُلّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا &quot; [ الْإِسْرَاء : 36 ] وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا : إِنَّ فِي قَوْله تَعَالَى : &quot; مِنْ رَبّهمْ &quot; رَدًّا عَلَى الْقَدَرِيَّة فِي قَوْلهمْ : يَخْلُقُونَ إِيمَانهمْ وَهُدَاهُمْ , تَعَالَى اللَّه عَنْ قَوْلهمْ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَقَالَ : &quot; مِنْ أَنْفُسهمْ &quot; , وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام فِيهِ وَفِي الْهُدَى فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَةِ ذَلِكَ .



&quot; هُمْ &quot; يَجُوز أَنْ يَكُون مُبْتَدَأ ثَانِيًا وَخَبَره &quot; الْمُفْلِحُونَ &quot; , وَالثَّانِي وَخَبَره خَبَر الْأَوَّل , وَيَجُوز أَنْ تَكُون &quot; هُمْ &quot; زَائِدَة - يُسَمِّيهَا الْبَصْرِيُّونَ فَاصِلَة وَالْكُوفِيُّونَ عِمَادًا - و &quot; الْمُفْلِحُونَ &quot; خَبَر &quot; أُولَئِكَ &quot; . وَالْفَلْح أَصْله فِي اللُّغَة الشَّقّ وَالْقَطْع ; قَالَ الشَّاعِر : إِنَّ الْحَدِيد بِالْحَدِيدِ يُفْلَح أَيْ يُشَقّ ; وَمِنْهُ فِلَاحَة الْأَرَضِينَ إِنَّمَا هُوَ شَقّهَا لِلْحَرْثِ , قَالَهُ أَبُو عُبَيْد . وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْأَكَّار فَلَّاحًا . وَيُقَال لِلَّذِي شُقَّتْ شَفَته السُّفْلَى أَفْلَحَ , وَهُوَ بَيِّن الْفَلَحَة , فَكَأَنَّ الْمُفْلِح قَدْ قَطَعَ الْمَصَاعِب حَتَّى نَالَ مَطْلُوبه . وَقَدْ يُسْتَعْمَل فِي الْفَوْز وَالْبَقَاء , وَهُوَ أَصْله أَيْضًا فِي اللُّغَة , وَمِنْهُ قَوْل الرَّجُل لِامْرَأَتِهِ : اِسْتَفْلِحِي بِأَمْرِك , مَعْنَاهُ فُوزِي بِأَمْرِك , وَقَالَ الشَّاعِر : لَوْ كَانَ حَيٌّ مُدْرِكَ الْفَلَاح أَدْرَكَهُ مُلَاعِبُ الرِّمَاحِ وَقَالَ الْأَضْبَط بْن قُرَيْع السَّعْدِيّ فِي الْجَاهِلِيَّة الْجَهْلَاء : لِكُلِّ هَمٍّ مِنْ الْهُمُومِ سَعَهْ وَالْمُسْيُ وَالصُّبْحُ لَا فَلَاحَ مَعَهْ يَقُول : لَيْسَ مَعَ كَرِّ اللَّيْل وَالنَّهَار بَقَاء . وَقَالَ آخَر : نَحُلّ بِلَادًا كُلّهَا حِلّ قَبْلنَا وَنَرْجُو الْفَلَاح بَعْد عَاد وَحِمْيَر أَيْ الْبَقَاء : وَقَالَ عَبِيد : أَفْلِحْ بِمَا شِئْت فَقَدْ يُدْرَك بِالضَّـ ـعْفِ وَقَدْ يُخَدَّع الْأَرِيبُ أَيْ ابْقَ بِمَا شِئْت مِنْ كَيْس وَحُمْق فَقَدْ يُرْزَق الْأَحْمَق وَيُحْرَم الْعَاقِل . فَمَعْنَى &quot; وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ &quot; : أَيْ الْفَائِزُونَ بِالْجَنَّةِ وَالْبَاقُونَ فِيهَا . وَقَالَ اِبْن أَبِي إِسْحَاق : الْمُفْلِحُونَ هُمْ الَّذِينَ أَدْرَكُوا مَا طَلَبُوا وَنَجَوْا مِنْ شَرِّ مَا مِنْهُ هَرَبُوا , وَالْمَعْنَى وَاحِد . وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ الْفَلَاح فِي السُّحُور ; وَمِنْهُ الْحَدِيث : حَتَّى كَادَ يَفُوتنَا الْفَلَاح مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قُلْت : وَمَا الْفَلَاح ؟ قَالَ : السُّحُور . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد . فَكَأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ السُّحُور بِهِ بَقَاء الصَّوْم فَلِهَذَا سَمَّاهُ فَلَاحًا . وَالْفَلَّاح ( بِتَشْدِيدِ اللَّام ) : الْمُكَارِي فِي قَوْل الْقَائِل : لَهَا رِطْل تَكِيل الزَّيْت فِيهِ وَفَلَّاح يَسُوق لَهَا حِمَارًا ثُمَّ الْفَلَاح فِي الْعُرْف : الظَّفَر بِالْمَطْلُوبِ , وَالنَّجَاة مِنْ الْمَرْهُوب . 

مَسْأَلَة : إِنْ قَالَ كَيْف قَرَأَ حَمْزَة : عَلَيْهِمْ وَإِلَيْهِمْ وَلَدَيْهِمْ ; وَلَمْ يَقْرَأ مِنْ رَبّهمْ وَلَا فِيهِمْ وَلَا جَنَّتَيْهِمْ ؟ فَالْجَوَاب أَنَّ عَلَيْهِمْ وَإِلَيْهِمْ وَلَدَيْهِمْ الْيَاء فِيهِ مُنْقَلِبَة مِنْ أَلِف , وَالْأَصْل عَلَاهُمْ وَلَدَاهُمْ وَإِلَاهُمْ فَأُقِرَّتْ الْهَاء عَلَى ضَمَّتهَا ; وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي فِيهِمْ وَلَا مِنْ رَبّهمْ وَلَا جَنَّتَيْهِمْ , وَوَافَقَهُ الْكِسَائِيّ فِي &quot; عَلَيْهِمْ الذِّلَّة &quot; و &quot; إِلَيْهِمْ اِثْنَيْنِ &quot; عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوف مِنْ الْقِرَاءَة عَنْهُمَا .';
$TAFSEER['4']['31']['6'] = '&quot; مَنْ &quot; فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ . و &quot; لَهْو الْحَدِيث &quot; : الْغِنَاء ; فِي قَوْل اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَغَيْرهمَا . النَّحَّاس : وَهُوَ مَمْنُوع بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّة ; وَالتَّقْدِير : مَنْ يَشْتَرِي ذَا لَهْو أَوْ ذَات لَهْو ; مِثْل : &quot; وَاسْأَلْ الْقَرْيَة &quot; [ يُوسُف : 82 ] . أَوْ يَكُون التَّقْدِير : لَمَّا كَانَ إِنَّمَا اِشْتَرَاهَا يَشْتَرِيهَا وَيُبَالِغ فِي ثَمَنهَا كَأَنَّهُ اِشْتَرَاهَا لِلَّهْوِ . قُلْت : هَذِهِ إِحْدَى الْآيَات الثَّلَاث الَّتِي اِسْتَدَلَّ بِهَا الْعُلَمَاء عَلَى كَرَاهَة الْغِنَاء وَالْمَنْع مِنْهُ . وَالْآيَة الثَّانِيَة قَوْله تَعَالَى : &quot; وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ &quot; [ النَّجْم : 61 ] . قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ الْغِنَاء بِالْحِمْيَرِيَّةِ ; اُسْمُدِي لَنَا ; أَيْ غَنِّي لَنَا . وَالْآيَة الثَّالِثَة قَوْله تَعَالَى : &quot; وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اِسْتَطَعْت مِنْهُمْ بِصَوْتِك &quot; [ الْإِسْرَاء : 64 ] قَالَ مُجَاهِد : الْغِنَاء وَالْمَزَامِير . وَقَدْ مَضَى فِي &quot; الْإِسْرَاء &quot; الْكَلَام فِيهِ . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي أُمَامَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَبِيعُوا الْقَيْنَات وَلَا تَشْتَرُوهُنَّ وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ وَلَا خَيْر فِي تِجَارَة فِيهِنَّ وَثَمَنهنَّ حَرَام , فِي مِثْل هَذَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة : &quot; وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث لِيُضِلّ عَنْ سَبِيل اللَّه &quot; ) إِلَى آخِر الْآيَة . قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث غَرِيب , إِنَّمَا يُرْوَى مِنْ حَدِيث الْقَاسِم عَنْ أَبِي أُمَامَة , وَالْقَاسِم ثِقَة وَعَلِيّ بْن يَزِيد يُضَعَّف فِي الْحَدِيث ; قَالَهُ مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَبِهَذَا فَسَّرَ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَجَابِر بْن عَبْد اللَّه وَمُجَاهِد , وَذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَج الْجَوْزِيّ عَنْ الْحَسَن وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَقَتَادَة وَالنَّخَعِيّ . 

قُلْت : هَذَا أَعْلَى مَا قِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَة , وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ اِبْن مَسْعُود بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ ثَلَاث مَرَّات إِنَّهُ الْغِنَاء . رَوَى سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ أَبِي الصَّهْبَاء الْبَكْرِيّ قَالَ : سُئِلَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود عَنْ قَوْله تَعَالَى : &quot; وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث &quot; فَقَالَ : الْغِنَاء وَاَللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ ; يُرَدِّدهَا ثَلَاث مَرَّات . وَعَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ الْغِنَاء ; وَكَذَلِكَ قَالَ عِكْرِمَة وَمَيْمُون بْن مِهْرَان وَمَكْحُول . وَرَوَى شُعْبَة وَسُفْيَان عَنْ الْحَكَم وَحَمَّاد عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : الْغِنَاء يُنْبِت النِّفَاق فِي الْقَلْب ; وَقَالَهُ مُجَاهِد , وَزَادَ : إِنَّ لَهْو الْحَدِيث فِي الْآيَة الِاسْتِمَاع إِلَى الْغِنَاء وَإِلَى مِثْله مِنْ الْبَاطِل . وَقَالَ الْحَسَن : لَهْو الْحَدِيث الْمَعَازِف وَالْغِنَاء . وَقَالَ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد : الْغِنَاء بَاطِل وَالْبَاطِل فِي النَّار . وَقَالَ اِبْن الْقَاسِم سَأَلْت مَالِكًا عَنْهُ فَقَالَ : قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; فَمَاذَا بَعْد الْحَقّ إِلَّا الضَّلَال &quot; [ يُونُس : 32 ] أَفَحَقّ هُوَ ؟ ! وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيّ ( بَاب كُلّ لَهْو بَاطِل إِذَا شَغَلَ عَنْ طَاعَة اللَّه , وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ تَعَالَى أُقَامِرك ) , وَقَوْله تَعَالَى : &quot; وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث لِيُضِلّ عَنْ سَبِيل اللَّه بِغَيْرِ عِلْم وَيَتَّخِذهَا هُزُوًا &quot; فَقَوْله : ( إِذَا شَغَلَ عَنْ طَاعَة اللَّه ) مَأْخُوذ مِنْ قَوْله تَعَالَى : &quot; لِيُضِلّ عَنْ سَبِيل اللَّه &quot; . وَعَنْ الْحَسَن أَيْضًا : هُوَ الْكُفْر وَالشِّرْك . وَتَأَوَّلَهُ قَوْم عَلَى الْأَحَادِيث الَّتِي يَتَلَهَّى بِهَا أَهْل الْبَاطِل وَاللَّعِب . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي النَّضْر بْن الْحَارِث ; لِأَنَّهُ اِشْتَرَى كُتُب الْأَعَاجِم : رُسْتُم , واسفنديار ; فَكَانَ يَجْلِس بِمَكَّة , فَإِذَا قَالَتْ قُرَيْش إِنَّ مُحَمَّدًا قَالَ كَذَا ضَحِكَ مِنْهُ , وَحَدَّثَهُمْ بِأَحَادِيث مُلُوك الْفُرْس وَيَقُول : حَدِيثِي هَذَا أَحْسَنُ مِنْ حَدِيث مُحَمَّد ; حَكَاهُ الْفَرَّاء وَالْكَلْبِيّ وَغَيْرهمَا . وَقِيلَ : كَانَ يَشْتَرِي الْمُغَنِّيَات فَلَا يَظْفَر بِأَحَدٍ يُرِيد الْإِسْلَام إِلَّا اِنْطَلَقَ بِهِ إِلَى قَيْنَته فَيَقُول : أَطْعِمِيهِ وَاسْقِيهِ وَغَنِّيهِ ; وَيَقُول : هَذَا خَيْر مِمَّا يَدْعُوك إِلَيْهِ مُحَمَّد مِنْ الصَّلَاة وَالصِّيَام وَأَنْ تُقَاتِل بَيْن يَدَيْهِ . وَهَذَا الْقَوْل وَالْأَوَّل ظَاهِر فِي الشِّرَاء . وَقَالَتْ طَائِفَة : الشِّرَاء فِي هَذِهِ الْآيَة مُسْتَعَار , وَإِنَّمَا نَزَلَتْ الْآيَة فِي أَحَادِيث قُرَيْش وَتَلَهِّيهِمْ بِأَمْرِ الْإِسْلَام وَخَوْضهمْ فِي الْبَاطِل . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : فَكَانَ تَرْك مَا يَجِب فِعْله وَامْتِثَال هَذِهِ الْمُنْكَرَات شِرَاء لَهَا ; عَلَى حَدّ قَوْله تَعَالَى : &quot; أُولَئِكَ الَّذِينَ اِشْتَرَوْا الضَّلَالَة بِالْهُدَى &quot; [ الْبَقَرَة : 16 ] ; اِشْتَرَوْا الْكُفْر بِالْإِيمَانِ , أَيْ اِسْتَبْدَلُوهُ مِنْهُ وَاخْتَارُوهُ عَلَيْهِ . وَقَالَ مُطَرِّف : شِرَاء لَهْو الْحَدِيث اِسْتِحْبَابه . قَتَادَة : وَلَعَلَّهُ لَا يُنْفِق فِيهِ مَالًا , وَلَكِنَّ سَمَاعه شِرَاؤُهُ . 

قُلْت : الْقَوْل الْأَوَّل أَوْلَى مَا قِيلَ بِهِ فِي هَذَا الْبَاب ; لِلْحَدِيثِ الْمَرْفُوع فِيهِ , وَقَوْل الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فِيهِ . وَقَدْ زَادَ الثَّعْلَبِيّ وَالْوَاحِدِيّ فِي حَدِيث أَبِي أُمَامَة : ( وَمَا مِنْ رَجُل يَرْفَع صَوْته بِالْغِنَاءِ إِلَّا بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِ شَيْطَانَيْنِ أَحَدهمَا عَلَى هَذَا الْمَنْكِب وَالْآخَر عَلَى هَذَا الْمَنْكِب فَلَا يَزَالَانِ يَضْرِبَانِ بِأَرْجُلِهِمَا حَتَّى يَكُون هُوَ الَّذِي يَسْكُت ) . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ وَغَيْره مِنْ حَدِيث أَنَس وَغَيْره عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( صَوْتَانِ مَلْعُونَانِ فَاجِرَانِ أَنْهَى عَنْهُمَا : صَوْت مِزْمَار وَرَنَّة شَيْطَان عِنْد نَغْمَة وَمَرَح وَرَنَّة عِنْد مُصِيبَة لَطْم خُدُود وَشَقّ جُيُوب ) . وَرَوَى جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه عَنْ عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بُعِثْت بِكَسْرِ الْمَزَامِير ) خَرَّجَهُ أَبُو طَالِب الْغَيْلَانِيّ . وَخَرَّجَ اِبْن بَشْرَان عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( بُعِثْت بِهَدْمِ الْمَزَامِير وَالطَّبْل ) . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا فَعَلَتْ أُمَّتِي خَمْس عَشْرَة خَصْلَة حَلَّ بِهَا الْبَلَاء - فَذَكَرَ مِنْهَا : إِذَا اُتُّخِذَتْ الْقَيْنَات وَالْمَعَازِف ) . وَفِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة : ( وَظَهَرَتْ الْقِيَان وَالْمَعَازِف ) . وَرَوَى اِبْن الْمُبَارَك عَنْ مَالِك بْن أَنَس عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ جَلَسَ إِلَى قَيْنَة يَسْمَع مِنْهَا صُبَّ فِي أُذُنه الْآنُك يَوْم الْقِيَامَة ) . وَرَوَى أَسَد بْن مُوسَى عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي سَلَمَة عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول يَوْم الْقِيَامَة : ( أَيْنَ عِبَادِي الَّذِينَ كَانُوا يُنَزِّهُونَ أَنْفُسهمْ وَأَسْمَاعهمْ عَنْ اللَّهْو وَمَزَامِير الشَّيْطَان أَحِلُّوهُمْ رِيَاض الْمِسْك وَأَخْبِرُوهُمْ أَنِّي قَدْ أَحْلَلْت عَلَيْهِمْ رِضْوَانِي ) . وَرَوَى اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر مِثْله , وَزَادَ بَعْد قَوْله ( الْمِسْك : ثُمَّ يَقُول لِلْمَلَائِكَةِ أَسْمِعُوهُمْ حَمْدِي وَشُكْرِي وَثَنَائِي , وَأَخْبِرُوهُمْ أَلَّا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) . وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيث أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ اِسْتَمَعَ إِلَى صَوْت غِنَاء لَمْ يُؤْذَن لَهُ أَنْ يَسْمَع الرُّوحَانِيِّينَ ) . فَقِيلَ : وَمَنْ الرُّوحَانِيُّونَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : ( قُرَّاء أَهْل الْجَنَّة ) خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم أَبُو عَبْد اللَّه فِي نَوَادِر الْأُصُول , وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَاب التَّذْكِرَة مَعَ نَظَائِره : ( فَمَنْ شَرِبَ الْخَمْر فِي الدُّنْيَا لَمْ يَشْرَبهَا فِي الْآخِرَة , وَمَنْ لَبِسَ الْحَرِير فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسهُ فِي الْآخِرَة ) . إِلَى غَيْر ذَلِكَ . وَكُلّ ذَلِكَ صَحِيح الْمَعْنَى عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ هُنَاكَ . وَمِنْ رِوَايَة مَكْحُول عَنْ عَائِشَة قَالَتْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ مَاتَ وَعِنْده جَارِيَة مُغَنِّيَة فَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِ ) . وَلِهَذِهِ الْآثَار وَغَيْرهَا قَالَ الْعُلَمَاء بِتَحْرِيمِ الْغِنَاء . وَهِيَ الْمَسْأَلَة : 

وَهُوَ الْغِنَاء الْمُعْتَاد عِنْد الْمُشْتَهِرِينَ بِهِ , الَّذِي يُحَرِّك النُّفُوس وَيَبْعَثهَا عَلَى الْهَوَى وَالْغَزَل , وَالْمُجُون الَّذِي يُحَرِّك السَّاكِن وَيَبْعَث الْكَامِن ; فَهَذَا النَّوْع إِذَا كَانَ فِي شِعْر يُشَبَّب فِيهِ بِذِكْرِ النِّسَاء وَوَصْف مَحَاسِنهنَّ وَذِكْر الْخُمُور وَالْمُحَرَّمَات لَا يُخْتَلَف فِي تَحْرِيمِهِ ; لِأَنَّهُ اللَّهْو وَالْغِنَاء الْمَذْمُوم بِالِاتِّفَاقِ . فَأَمَّا مَا سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ فَيَجُوز الْقَلِيل مِنْهُ فِي أَوْقَات الْفَرَح ; كَالْعُرْسِ وَالْعِيد وَعِنْد التَّنْشِيط عَلَى الْأَعْمَال الشَّاقَّة , كَمَا كَانَ فِي حَفْر الْخَنْدَق وَحَدْو أَنْجَشَة وَسَلَمَة بْن الْأَكْوَع . فَأَمَّا مَا اِبْتَدَعَتْهُ الصُّوفِيَّة الْيَوْم مِنْ الْإِدْمَان عَلَى سَمَاع الْمَغَانِي بِالْآلَاتِ الْمُطْرِبَة مِنْ الشَّبَّابَات وَالطَّار وَالْمَعَازِف وَالْأَوْتَار فَحَرَام . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فَأَمَّا طَبْل الْحَرْب فَلَا حَرَج فِيهِ ; لِأَنَّهُ يُقِيم النُّفُوس وَيُرْهِب الْعَدُوّ . وَفِي الْيَرَاعَة تَرَدُّد . وَالدُّفّ مُبَاح . الْجَوْهَرِيّ : وَرُبَّمَا سَمَّوْا قَصَبَة الرَّاعِي الَّتِي يَزْمِر بِهَا هَيْرَعَة وَيَرَاعَة . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : ضُرِبَ بَيْن يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم دَخَلَ الْمَدِينَة , فَهَمَّ أَبُو بَكْر بِالزَّجْرِ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( دَعْهُنَّ يَا أَبَا بَكْر حَتَّى تَعْلَم الْيَهُود أَنَّ دِيننَا فَسِيح ) فَكُنَّ يَضْرِبْنَ وَيَقُلْنَ : نَحْنُ بَنَات النَّجَّار , حَبَّذَا مُحَمَّد مِنْ جَارٍ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الطَّبْل فِي النِّكَاح كَالدُّفِّ , وَكَذَلِكَ الْآلَات الْمُشْهِرَة لِلنِّكَاحِ يَجُوز اِسْتِعْمَالهَا فِيهِ بِمَا يَحْسُن مِنْ الْكَلَام وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ رَفَث 

الِاشْتِغَال بِالْغِنَاءِ عَلَى الدَّوَام سَفَه تُرَدّ بِهِ الشَّهَادَة , فَإِنْ لَمْ يَدُمْ لَمْ تُرَدّ . وَذَكَرَ إِسْحَاق بْن عِيسَى الطَّبَّاع قَالَ : سَأَلْت مَالِك بْن أَنَس عَمَّا يُرَخِّص فِيهِ أَهْل الْمَدِينَة مِنْ الْغِنَاء فَقَالَ : إِنَّمَا يَفْعَلهُ عِنْدنَا الْفُسَّاق . وَذَكَرَ أَبُو الطَّيِّب طَاهِر بْن عَبْد اللَّه الطَّبَرِيّ قَالَ : أَمَّا مَالِك بْن أَنَس فَإِنَّهُ نَهَى عَنْ الْغِنَاء وَعَنْ اِسْتِمَاعه , وَقَالَ : إِذَا اِشْتَرَى جَارِيَة وَوَجَدَهَا مُغَنِّيَة كَانَ لَهُ رَدّهَا بِالْعَيْبِ ; وَهُوَ مَذْهَب سَائِر أَهْل الْمَدِينَة ; إِلَّا إِبْرَاهِيم بْن سَعْد فَإِنَّهُ حَكَى عَنْهُ زَكَرِيَّا السَّاجِي أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا . وَقَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : فَأَمَّا مَالِك فَيُقَال عَنْهُ : إِنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِالصِّنَاعَةِ وَكَانَ مَذْهَبه تَحْرِيمهَا . وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : تَعَلَّمْت هَذِهِ الصِّنَاعَة وَأَنَا غُلَام شَابّ , فَقَالَتْ لِي أُمِّي : أَيْ بُنَيّ ! إِنَّ هَذِهِ الصِّنَاعَة يَصْلُح لَهَا مَنْ كَانَ صَبِيح الْوَجْه وَلَسْت كَذَلِكَ , فَطَلَبَ الْعُلُوم الدِّينِيَّة ; فَصَحِبْت رَبِيعَة فَجَعَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ خَيْرًا . قَالَ أَبُو الطَّيِّب الطَّبَرِيّ : وَأَمَّا مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة فَإِنَّهُ يَكْرَه الْغِنَاء مَعَ إِبَاحَته شُرْب النَّبِيذ , وَيَجْعَل سَمَاع الْغِنَاء مِنْ الذُّنُوب . وَكَذَلِكَ مَذْهَب سَائِر أَهْل الْكُوفَة : إِبْرَاهِيم وَالشَّعْبِيّ وَحَمَّاد وَالثَّوْرِيّ وَغَيْرهمْ , لَا اخْتِلَاف بَيْنهمْ فِي ذَلِكَ . وَكَذَلِكَ لَا يُعْرَف بَيْن أَهْل الْبَصْرَة خِلَاف فِي كَرَاهِيَة ذَلِكَ وَالْمَنْع مِنْهُ ; إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن الْحَسَن الْعَنْبَرِيّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا . قَالَ : وَأَمَّا مَذْهَب الشَّافِعِيّ فَقَالَ : الْغِنَاء مَكْرُوه يُشْبِه الْبَاطِل , وَمَنْ اسْتَكْثَرَ مِنْهُ فَهُوَ سَفِيه تُرَدّ شَهَادَته . وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَج الْجَوْزِيّ عَنْ إِمَامه أَحْمَد بْن حَنْبَل ثَلَاث رِوَايَات قَالَ : وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابنَا عَنْ أَبِي بَكْر الْخَلَّال وَصَاحِبه عَبْد الْعَزِيز إِبَاحَة الْغِنَاء , وَإِنَّمَا أَشَارُوا إِلَى مَا كَانَ فِي زَمَانهمَا مِنْ الْقَصَائِد الزُّهْدِيَّات ; قَالَ : وَعَلَى هَذَا يُحْمَل مَا لَمْ يَكْرَههُ أَحْمَد ; وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُل مَاتَ وَخَلَّفَ وَلَدًا وَجَارِيَة مُغَنِّيَة فَاحْتَاجَ الصَّبِيّ إِلَى بَيْعهَا فَقَالَ : تُبَاع عَلَى أَنَّهَا سَاذِجَة لَا عَلَى أَنَّهَا مُغَنِّيَة . فَقِيلَ لَهُ : إِنَّهَا تُسَاوِي ثَلَاثِينَ أَلْفًا ; وَلَعَلَّهَا إِنْ بِيعَتْ سَاذِجَة تُسَاوِي عِشْرِينَ أَلْفًا ؟ فَقَالَ : لَا تُبَاع إِلَّا عَلَى أَنَّهَا سَاذِجَة . قَالَ أَبُو الْفَرَج : وَإِنَّمَا قَالَ أَحْمَد هَذَا لِأَنَّ هَذِهِ الْجَارِيَة الْمُغَنِّيَة لَا تُغْنِي بِقَصَائِد الزُّهْد , بَلْ بِالْأَشْعَارِ الْمُطْرِبَة الْمُثِيرَة إِلَى الْعِشْق . 

وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْغِنَاء مَحْظُور ; إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَحْظُورًا مَا جَازَ تَفْوِيت الْمَال عَلَى الْيَتِيم . وَصَارَ هَذَا كَقَوْلِ أَبِي طَلْحَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عِنْدِي خَمْر لِأَيْتَامٍ ؟ فَقَالَ : ( أَرِقْهَا ) . فَلَوْ جَازَ اِسْتِصْلَاحهَا لَمَّا أَمَرَ بِتَضْيِيعِ مَال الْيَتَامَى . قَالَ الطَّبَرِيّ : فَقَدْ أَجْمَعَ عُلَمَاء الْأَمْصَار عَلَى كَرَاهَة الْغِنَاء وَالْمَنْع مِنْهُ . وَإِنَّمَا فَارَقَ الْجَمَاعَة إِبْرَاهِيم بْن سَعْد وَعُبَيْد اللَّه الْعَنْبَرِيّ ; وَقَدْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَم . وَمَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَة مَاتَ مِيتَةَ جَاهِلِيَّة ) . قَالَ أَبُو الْفَرَج : وَقَالَ الْقَفَّال مِنْ أَصْحَابنَا : لَا تُقْبَل شَهَادَة الْمُغَنِّي وَالرَّقَّاص . 

قُلْت : وَإِذْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْأَمْر لَا يَجُوز فَأَخْذ الْأُجْرَة عَلَيْهِ لَا تَجُوز . وَقَدْ اِدَّعَى أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ الْإِجْمَاع عَلَى تَحْرِيم الْأُجْرَة عَلَى ذَلِكَ . وَقَدْ مَضَى فِي الْأَنْعَام عِنْد قَوْله : &quot; وَعِنْده مَفَاتِح الْغَيْب &quot; [ الْأَنْعَام : 59 ] وَحَسْبُك . 

قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : وَأَمَّا سَمَاع الْقَيْنَات فَيَجُوز لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْمَع غِنَاء جَارِيَته ; إِذْ لَيْسَ شَيْء مِنْهَا عَلَيْهِ حَرَامًا لَا مِنْ ظَاهِرهَا وَلَا مِنْ بَاطِنهَا , فَكَيْف يُمْنَع مِنْ التَّلَذُّذ بِصَوْتِهَا . أَمَّا إِنَّهُ لَا يَجُوز اِنْكِشَاف النِّسَاء لِلرِّجَالِ وَلَا هَتْك الْأَسْتَار وَلَا سَمَاع الرَّفَث , فَإِذَا خَرَجَ ذَلِكَ إِلَى مَا لَا يَحِلّ وَلَا يَجُوز مُنِعَ مِنْ أَوَّله وَاجْتُثَّ مِنْ أَصْله . وَقَالَ أَبُو الطَّيِّب الطَّبَرِيّ : أَمَّا سَمَاع الْغِنَاء مِنْ الْمَرْأَة الَّتِي لَيْسَتْ بِمَحْرَمٍ فَإِنَّ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ قَالُوا لَا يَجُوز , سَوَاء كَانَتْ حُرَّة أَوْ مَمْلُوكَة . قَالَ : وَقَالَ الشَّافِعِيّ : وَصَاحِب الْجَارِيَة إِذَا جَمَعَ النَّاس لِسَمَاعِهَا فَهُوَ سَفِيه تُرَدّ شَهَادَته ; ثُمَّ غَلَّظَ الْقَوْل فِيهِ فَقَالَ : فَهِيَ دِيَاثَة . وَإِنَّمَا جُعِلَ صَاحِبهَا سَفِيهًا لِأَنَّهُ دَعَا النَّاس إِلَى الْبَاطِل , وَمَنْ دَعَا النَّاس إِلَى الْبَاطِل كَانَ سَفِيهًا .



قِرَاءَة الْعَامَّة بِضَمِّ الْيَاء ; أَيْ لِيُضِلّ غَيْرَهُ عَنْ طَرِيق الْهُدَى , وَإِذَا أَضَلَّ غَيْره فَقَدْ ضَلَّ . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَحُمَيْد وَأَبُو عَمْرو وَرُوَيْس وَابْن أَبِي إِسْحَاق ( بِفَتْحِ الْيَاء ) عَلَى اللَّازِم ; أَيْ لِيَضِلّ هُوَ نَفْسه .




قِرَاءَة الْمَدَنِيِّينَ وَأَبِي عَمْرو وَعَاصِم بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى &quot; مَنْ يَشْتَرِي &quot; وَيَجُوز أَنْ يَكُون مُسْتَأْنَفًا . وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ : &quot; وَيَتَّخِذَهَا &quot; بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى &quot; لِيُضِلّ &quot; . وَمِنْ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا لَا يَحْسُن الْوَقْف عَلَى قَوْله : &quot; بِغَيْرِ عِلْم &quot; وَالْوَقْف عَلَى قَوْله : &quot; هُزُوًا &quot; , وَالْهَاء فِي &quot; يَتَّخِذهَا &quot; كِنَايَة عَنْ الْآيَات . وَيَجُوز أَنْ يَكُون كِنَايَة عَنْ السَّبِيل ; لِأَنَّ السَّبِيل يُؤَنَّث وَيُذَكَّر .



أَيْ شَدِيد يُهِينهُمْ قَالَ الشَّاعِر : وَلَقَدْ جَزِعْت إِلَى النَّصَارَى بَعْدَمَا لَقِيَ الصَّلِيبُ مِنْ الْعَذَابِ مُهِينَا';
$TAFSEER['4']['31']['7'] = 'يَعْنِي الْقُرْآن .


أَيْ أَعْرَضَ .


نُصِبَ عَلَى الْحَال .


ثِقَلًا وَصَمَمًا .



أَيْ مُوجِع';
$TAFSEER['4']['31']['8'] = 'لَمَّا ذَكَرَ عَذَاب الْكُفَّار ذَكَرَ نَعِيم الْمُؤْمِنِينَ .';
$TAFSEER['4']['31']['9'] = 'أَيْ دَائِمِينَ .


أَيْ وَعَدَهُمْ اللَّه هَذَا وَعْدًا حَقًّا لَا خُلْف فِيهِ .


الْعَزِيز الَّذِي لَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ مَا يُرِيدهُ ;


الْحَكِيم فِيمَا يَفْعَلهُ';
$TAFSEER['4']['31']['10'] = 'تَكُون &quot; تَرَوْنَهَا &quot; فِي مَوْضِع خَفْض عَلَى النَّعْت ل &quot; عَمَد &quot; فَيُمْكِن أَنْ يَكُون ثَمَّ عَمَد وَلَكِنْ لَا تُرَى . وَيَجُوز أَنْ تَكُون فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال مِنْ &quot; السَّمَوَات &quot; وَلَا عَمَد ثَمَّ الْبَتَّة . النَّحَّاس : وَسَمِعْت عَلِيّ بْن سُلَيْمَان يَقُول : الْأَوْلَى أَنْ يَكُون مُسْتَأْنَفًا , وَلَا عَمَد ثَمَّ ; قَالَهُ مَكِّيّ . وَيَكُون &quot; بِغَيْرِ عَمَد &quot; التَّمَام . وَقَدْ مَضَى فِي &quot; الرَّعْد &quot; الْكَلَام فِي هَذِهِ الْآيَة .


أَيْ جِبَالًا ثَوَابِت .


فِي مَوْضِع نَصْب ; أَيْ كَرَاهِيَة أَنْ تَمِيد . وَالْكُوفِيُّونَ يُقَدِّرُونَهُ بِمَعْنَى لِئَلَّا تَمِيد .


عَنْ اِبْن عَبَّاس : مِنْ كُلّ لَوْن حَسَن . وَتَأَوَّلَهُ الشَّعْبِيّ عَلَى النَّاس ; لِأَنَّهُمْ مَخْلُوقُونَ مِنْ الْأَرْض ; قَالَ : مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَصِير إِلَى الْجَنَّة فَهُوَ الْكَرِيم , وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَصِير إِلَى النَّار فَهُوَ اللَّئِيم . وَقَدْ تَأَوَّلَ غَيْره أَنَّ النُّطْفَة مَخْلُوقَة مِنْ تُرَاب , وَظَاهِر الْقُرْآن يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ .';
$TAFSEER['4']['31']['11'] = 'عَنْ اِبْن عَبَّاس : مِنْ كُلّ لَوْن حَسَن . وَتَأَوَّلَهُ الشَّعْبِيّ عَلَى النَّاس ; لِأَنَّهُمْ مَخْلُوقُونَ مِنْ الْأَرْض ; قَالَ : مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَصِير إِلَى الْجَنَّة فَهُوَ الْكَرِيم , وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَصِير إِلَى النَّار فَهُوَ اللَّئِيم . وَقَدْ تَأَوَّلَ غَيْره أَنَّ النُّطْفَة مَخْلُوقَة مِنْ تُرَاب , وَظَاهِر الْقُرْآن يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ .


مُعَاشِر الْمُشْرِكِينَ


يَعْنِي الْأَصْنَام .


أَيْ الْمُشْرِكُونَ


أَيْ خُسْرَان ظَاهِر . &quot; وَمَا &quot; اِسْتِفْهَام فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَره &quot; ذَا &quot; وَذَا بِمَعْنَى الَّذِي . و &quot; خَلَقَ &quot; وَاقِع عَلَى هَاء مَحْذُوفَة ; تَقْدِيره فَأَرُونِي أَيّ شَيْء خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونه ; وَالْجُمْلَة فِي مَوْضِع نَصْب ب &quot; أَرُونِي &quot; وَتُضْمَر الْهَاء مَعَ &quot; خَلَقَ &quot; تَعُود عَلَى الَّذِينَ ; أَيْ فَأَرُونِي الْأَشْيَاء الَّتِي خَلَقَهَا الَّذِينَ مِنْ دُونه . وَعَلَى هَذَا الْقَوْل تَقُول : مَاذَا تَعَلَّمْت , أَنَحْو أَمْ شِعْر . وَيَجُوز أَنْ تَكُون &quot; مَا &quot; فِي مَوْضِع نَصْب ب &quot; أَرُونِي &quot; و &quot; ذَا &quot; زَائِد ; وَعَلَى هَذَا الْقَوْل يَقُول : مَاذَا تَعَلَّمْت , أَنَحْوًا أَمْ شِعْرًا .';
$TAFSEER['4']['31']['12'] = 'مَفْعُولَانِ . وَلَمْ يَنْصَرِف &quot; لُقْمَان &quot; لِأَنَّ فِي آخِره أَلِفًا وَنُونًا زَائِدَتَيْنِ ; فَأَشْبَهَ فُعْلَانَ الَّذِي أُنْثَاهُ فُعْلَى فَلَمْ يَنْصَرِف فِي الْمَعْرِفَة لِأَنَّ ذَلِكَ ثِقَل ثَانٍ , وَانْصَرَفَ فِي النَّكِرَة لِأَنَّ أَحَد الثِّقَلَيْنِ قَدْ زَالَ ; قَالَهُ النَّحَّاس . وَهُوَ لُقْمَان بْن باعوراء بْن ناحور بْن تارح , وَهُوَ آزَر أَبُو إِبْرَاهِيم ; كَذَا نَسَبَهُ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق . وَقِيلَ : هُوَ لُقْمَان بْن عنقاء بْن سرون وَكَانَ نُوبِيًّا مِنْ أَهْل أَيْلَة ; ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيّ . قَالَ وَهْب : كَانَ اِبْن أُخْت أَيُّوب . وَقَالَ مُقَاتِل : ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ اِبْن خَالَة أَيُّوب . الزَّمَخْشَرِيّ : وَهُوَ لُقْمَان بْن باعوراء بْن أُخْت أَيُّوب أَوْ اِبْن خَالَته , وَقِيلَ كَانَ مِنْ أَوْلَاد آزَرَ , عَاشَ أَلْف سَنَة وَأَدْرَكَهُ دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَخَذَ عَنْهُ الْعِلْم , وَكَانَ يُفْتِي قَبْل مَبْعَث دَاوُد , فَلَمَّا بُعِثَ قَطَعَ الْفَتْوَى فَقِيلَ لَهُ , فَقَالَ : أَلَا أَكْتَفِي إِذْ كُفِيت . وَقَالَ الْوَاقِدِيّ : كَانَ قَاضِيًا فِي بَنِي إِسْرَائِيل . وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : كَانَ لُقْمَان أَسْوَد مِنْ سُودَان مِصْر ذَا مَشَافِر , أَعْطَاهُ اللَّه تَعَالَى الْحِكْمَة وَمَنَعَهُ النُّبُوَّة ; وَعَلَى هَذَا جُمْهُور أَهْل التَّأْوِيل أَنَّهُ كَانَ وَلِيًّا وَلَمْ يَكُنْ نَبِيًّا . وَقَالَ بِنُبُوَّتِهِ عِكْرِمَة وَالشَّعْبِيّ ; وَعَلَى هَذَا تَكُون الْحِكْمَةُ النُّبُوَّةَ . وَالصَّوَاب أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا حَكِيمًا بِحِكْمَةِ اللَّه تَعَالَى - وَهِيَ الصَّوَاب فِي الْمُعْتَقَدَات وَالْفِقْه فِي الدِّين وَالْعَقْل - قَاضِيًا فِي بَنِي إِسْرَائِيل , أَسْوَد مُشَقَّق الرِّجْلَيْنِ ذَا مَشَافِر , أَيْ عَظِيم الشَّفَتَيْنِ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . وَرُوِيَ مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( لَمْ يَكُنْ لُقْمَان نَبِيًّا وَلَكِنْ كَانَ عَبْدًا كَثِير التَّفَكُّر حَسَن الْيَقِين , أَحَبَّ اللَّه تَعَالَى فَأَحَبَّهُ , فَمَنَّ عَلَيْهِ بِالْحِكْمَةِ , وَخَيَّرَهُ فِي أَنْ يَجْعَلهُ خَلِيفَة يَحْكُم بِالْحَقِّ ; فَقَالَ : رَبّ , إِنْ خَيَّرْتنِي قَبِلْت الْعَافِيَة وَتَرَكْت الْبَلَاء , وَإِنْ عَزَمْت عَلَيَّ فَسَمْعًا وَطَاعَة فَإِنَّك سَتَعْصِمُنِي ; ذَكَرَهُ اِبْن عَطِيَّة . وَزَادَ الثَّعْلَبِيّ : فَقَالَتْ لَهُ الْمَلَائِكَة بِصَوْتٍ لَا يَرَاهُمْ : لِمَ يَا لُقْمَان ؟ قَالَ : لِأَنَّ الْحَاكِم بِأَشَدِّ الْمَنَازِل وَأَكْدَرهَا , يَغْشَاهُ الْمَظْلُوم مِنْ كُلّ مَكَان , إِنْ يُعَنْ فَبِالْحَرَى أَنْ يَنْجُوَ , وَإِنْ أَخْطَأَ أَخْطَأَ طَرِيق الْجَنَّة . وَمَنْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا ذَلِيلًا فَذَلِكَ خَيْر مِنْ أَنْ يَكُون فِيهَا شَرِيفًا . وَمَنْ يَخْتَرْ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَة نَفَتْهُ الدُّنْيَا وَلَا يُصِيب الْآخِرَة . فَعَجِبَتْ الْمَلَائِكَة مِنْ حُسْن مَنْطِقه ; فَنَامَ نَوْمَة فَأُعْطِيَ الْحِكْمَة فَانْتَبَهَ يَتَكَلَّم بِهَا . ثُمَّ نُودِيَ دَاوُد بَعْده فَقَبِلَهَا - يَعْنِي الْخِلَافَة - وَلَمْ يَشْتَرِط مَا اِشْتَرَطَهُ لُقْمَان , فَهَوَى فِي الْخَطِيئَة غَيْر مَرَّة , كُلّ ذَلِكَ يَعْفُو اللَّه عَنْهُ . وَكَانَ لُقْمَان يُوَازِرهُ بِحِكْمَتِهِ ; فَقَالَ لَهُ دَاوُد : طُوبَى لَك يَا لُقْمَان ! أُعْطِيت الْحِكْمَة وَصُرِفَ عَنْك الْبَلَاء , وَأُعْطِيَ دَاوُد الْخِلَافَة وَابْتُلِيَ بِالْبَلَاءِ وَالْفِتْنَة . وَقَالَ قَتَادَة : خَيَّرَ اللَّه تَعَالَى لُقْمَان بَيْن النُّبُوَّة وَالْحِكْمَة ; فَاخْتَارَ الْحِكْمَة عَلَى النُّبُوَّة ; فَأَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ نَائِم فَذَرَّ عَلَيْهِ الْحِكْمَة فَأَصْبَحَ وَهُوَ يَنْطِق بِهَا ; فَقِيلَ لَهُ : كَيْف اِخْتَرْت الْحِكْمَة عَلَى النُّبُوَّة وَقَدْ خَيَّرَك رَبّك ؟ فَقَالَ : إِنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ إِلَيَّ بِالنُّبُوَّةِ عَزْمَة لَرَجَوْت فِيهَا الْعَوْن مِنْهُ , وَلَكِنَّهُ خَيَّرَنِي فَخِفْت أَنْ أَضْعُف عَنْ النُّبُوَّة , فَكَانَتْ الْحِكْمَة أَحَبَّ إِلَيَّ . وَاخْتُلِفَ فِي صَنْعَته ; فَقِيلَ : كَانَ خَيَّاطًا ; قَالَهُ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , وَقَالَ لِرَجُلٍ أَسْوَد : لَا تَحْزَن مِنْ أَنَّك أَسْوَد , فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ خَيْر النَّاس ثَلَاثَة مِنْ السُّودَان : بِلَال وَمِهْجَع مَوْلَى عُمَر وَلُقْمَان . وَقِيلَ : كَانَ يَحْتَطِب كُلّ يَوْم لِمَوْلَاهُ حُزْمَة حَطَب . وَقَالَ لِرَجُلٍ يَنْظُر إِلَيْهِ : إِنْ كُنْت تَرَانِي غَلِيظ الشَّفَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَخْرُج مِنْ بَيْنهمَا كَلَام رَقِيق , وَإِنْ كُنْت تَرَانِي أَسْوَد فَقَلْبِي أَبْيَضُ . وَقِيلَ : كَانَ رَاعِيًا , فَرَآهُ رَجُل كَانَ يَعْرِفهُ قَبْل ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ : أَلَسْت عَبْد بَنِي فُلَان ؟ قَالَ بَلَى . قَالَ : فَمَا بَلَغَ بِك مَا أَرَى ؟ قَالَ : قَدَر اللَّه , وَأَدَائِي الْأَمَانَةَ , وَصِدْق الْحَدِيث , وَتَرْك مَا لَا يَعْنِينِي ; قَالَهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن جَابِر . وَقَالَ خَالِد الرَّبَعِيّ : كَانَ نَجَّارًا ; فَقَالَ لَهُ سَيِّده : اِذْبَحْ لِي شَاة وَأْتِنِي بِأَطْيَبِهَا مُضْغَتَيْنِ ; فَأَتَاهُ بِاللِّسَانِ وَالْقَلْب ; فَقَالَ لَهُ : مَا كَانَ فِيهَا شَيْء أَطْيَبُ مِنْ هَذَيْنِ ؟ فَسَكَتَ , ثُمَّ أَمَرَهُ بِذَبْحِ شَاة أُخْرَى ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَلْقِ أَخْبَثَهَا مُضْغَتَيْنِ ; فَأَلْقَى اللِّسَان وَالْقَلْب ; فَقَالَ لَهُ : أَمَرْتُك أَنْ تَأْتِيَنِي بِأَطْيَبِ مُضْغَتَيْنِ فَأَتَيْتنِي بِاللِّسَانِ وَالْقَلْب , وَأَمَرْتُك أَنْ تُلْقِيَ أَخْبَثَهَا فَأَلْقَيْت اللِّسَان وَالْقَلْب ؟ ! فَقَالَ لَهُ : إِنَّهُ لَيْسَ شَيْء أَطْيَبَ مِنْهُمَا إِذَا طَابَا , وَلَا أَخْبَثَ مِنْهُمَا إِذَا خَبُثَا . 

قُلْت : هَذَا مَعْنَاهُ مَرْفُوع فِي غَيْر مَا حَدِيث ; مِنْ ذَلِكَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَد مُضْغَة إِذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَد كُلّه وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَد كُلّه أَلَا وَهِيَ الْقَلْب ) . وَجَاءَ فِي اللِّسَان آثَار كَثِيرَة صَحِيحَة وَشَهِيرَة ; مِنْهَا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( مَنْ وَقَاهُ اللَّه شَرّ اِثْنَتَيْنِ وَلَجَ الْجَنَّة : مَا بَيْن لَحْيَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ... ) الْحَدِيث . وَحِكَم لُقْمَان كَثِيرَة مَأْثُورَة هَذَا مِنْهَا . وَقِيلَ لَهُ : أَيّ النَّاس شَرّ ؟ قَالَ : الَّذِي لَا يُبَالِي أَنْ رَآهُ النَّاس مُسِيئًا . 

قُلْت : وَهَذَا أَيْضًا مَرْفُوع مَعْنًى , قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَة أَنْ يَعْمَل الرَّجُل بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِح وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّه فَيَقُول يَا فُلَان عَمِلْت الْبَارِحَة كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرهُ رَبّه وَيُصْبِح يَكْشِف سِتْر اللَّه عَنْهُ ) . رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ . وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : قَرَأْت مِنْ حِكْمَة لُقْمَان أَرْجَح مِنْ عَشَرَة آلَاف بَاب . وَرُوِيَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ يَسْرُد الدُّرُوع , وَقَدْ لَيَّنَ اللَّه لَهُ الْحَدِيد كَالطِّينِ فَأَرَادَ أَنْ يَسْأَلهُ , فَأَدْرَكَتْهُ الْحِكْمَة فَسَكَتَ ; فَلَمَّا أَتَمَّهَا لَبِسَهَا وَقَالَ : نِعْمَ لَبُوس الْحَرْب أَنْتِ . فَقَالَ : الصَّمْت حِكْمَة , وَقَلِيل فَاعِله . فَقَالَ لَهُ دَاوُد : بِحَقٍّ مَا سُمِّيت حَكِيمًا .



فِيهِ تَقْدِيرَانِ : أَحَدهمَا أَنْ تَكُون &quot; أَنْ &quot; بِمَعْنَى أَيْ مُفَسِّرَة ; أَيْ قُلْنَا لَهُ اُشْكُرْ . وَالْقَوْل الْآخَر إِنَّهَا فِي مَوْضِع نَصْب وَالْفِعْل دَاخِل فِي صِلَتهَا ; كَمَا حَكَى سِيبَوَيْهِ : كَتَبْت إِلَيْهِ أَنْ قُمْ ; إِلَّا أَنَّ هَذَا الْوَجْه عِنْده بَعِيد . وَقَالَ الزَّجَّاج : الْمَعْنَى وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَان الْحِكْمَة لِأَنْ يَشْكُر اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : أَيْ بِأَنْ اُشْكُرْ لِلَّهِ تَعَالَى فَشَكَرَ ; فَكَانَ حَكِيمًا بِشُكْرِهِ لَنَا . وَالشُّكْر لِلَّهِ : طَاعَته فِيمَا أَمَرَ بِهِ . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي حَقِيقَته لُغَة وَمَعْنًى فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; وَغَيْرهَا .


أَيْ مَنْ يُطِعْ اللَّه تَعَالَى فَإِنَّمَا يَعْمَل لِنَفْسِهِ ; لِأَنَّ نَفْع الثَّوَاب عَائِد إِلَيْهِ .


أَيْ كَفَرَ النِّعَم فَلَمْ يُوَحِّد اللَّه



عَنْ عِبَادَة خَلْقه


عِنْد الْخَلْق ; أَيْ مَحْمُود . وَقَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام : &quot; غَنِيّ &quot; عَنْ خَلْقه &quot; حَمِيد &quot; فِي فِعْله .';
$TAFSEER['4']['31']['13'] = 'قَالَ السُّهَيْلِيّ : اِسْم اِبْنه ثاران ; فِي قَوْل الطَّبَرِيّ وَالْقُتَبِيّ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : مشكم . وَقِيلَ أنعم ; حَكَاهُ النَّقَّاش . وَذَكَرَ الْقُشَيْرِيّ أَنَّ اِبْنه وَامْرَأَته كَانَا كَافِرَيْنِ فَمَا زَالَ يَعِظهُمَا حَتَّى أَسْلَمَا . 

قُلْت : وَدَلَّ عَلَى هَذَا قَوْله : &quot; لَا تُشْرِك بِاَللَّهِ إِنَّ الشِّرْك لَظُلْم عَظِيم &quot; وَفِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ &quot; الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ &quot; [ الْأَنْعَام : 82 ] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا : أَيّنَا لَا يَظْلِم نَفْسه ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيْسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ : يَا بُنَيّ لَا تُشْرِك بِاَللَّهِ إِنَّ الشِّرْك لَظُلْم عَظِيم ) . وَاخْتُلِفَ فِي قَوْله : &quot; إِنَّ الشِّرْك لَظُلْم عَظِيم &quot; فَقِيلَ : إِنَّهُ مِنْ كَلَام لُقْمَان . وَقِيلَ : هُوَ خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى مُنْقَطِعًا مِنْ كَلَام لُقْمَان مُتَّصِلًا بِهِ فِي تَأْكِيد الْمَعْنَى ; وَيُؤَيِّد هَذَا الْحَدِيثَ الْمَأْثُور أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ : &quot; الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ &quot; [ الْأَنْعَام : 82 ] أَشْفَقَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا : أَيّنَا لَمْ يَظْلِم ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : &quot; إِنَّ الشِّرْك لَظُلْم عَظِيم &quot; فَسَكَنَ إِشْفَاقهمْ , وَإِنَّمَا يَسْكُن إِشْفَاقهمْ بِأَنْ يَكُون خَبَرًا مِنْ اللَّه تَعَالَى ; وَقَدْ يَسْكُن الْإِشْفَاق بِأَنْ يَذْكُر اللَّه ذَلِكَ عَنْ عَبْد قَدْ وَصَفَهُ بِالْحِكْمَةِ وَالسَّدَاد . و &quot; إِذْ &quot; فِي مَوْضِع نَصْب بِمَعْنَى اُذْكُرْ . وَقَالَ الزَّجَّاج فِي كِتَابه فِي الْقُرْآن : إِنَّ &quot; إِذْ &quot; فِي مَوْضِع نَصْب ب &quot; آتَيْنَا &quot; وَالْمَعْنَى : وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَان الْحِكْمَة إِذْ قَالَ . النَّحَّاس : وَأَحْسَبهُ غَلَطًا ; لِأَنَّ فِي الْكَلَام وَاوًا تَمْنَع مِنْ ذَلِكَ . وَقَالَ : &quot; يَا بُنَيِّ &quot; بِكَسْرِ الْيَاء ; لِأَنَّهَا دَالَّة عَلَى الْيَاء الْمَحْذُوفَة , وَمَنْ فَتَحَهَا فَلِخِفَّةِ الْفَتْحَة عِنْده ; وَقَدْ مَضَى فِي &quot; هُود &quot; الْقَوْل فِي هَذَا . وَقَوْله : &quot; يَا بُنَيّ &quot; لَيْسَ هُوَ عَلَى حَقِيقَة التَّصْغِير وَإِنْ كَانَ عَلَى لَفْظه , وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْه التَّرْقِيق ; كَمَا يُقَال لِلرَّجُلِ : يَا أُخَيّ , وَلِلصَّبِيِّ هُوَ كُوَيْس .';
$TAFSEER['4']['31']['14'] = 'هَاتَانِ الْآيَتَانِ اِعْتِرَاض بَيْن أَثْنَاء وَصِيَّة لُقْمَان . وَقِيلَ : إِنَّ هَذَا مِمَّا أَوْصَى بِهِ لُقْمَان اِبْنه ; أَخْبَرَ اللَّه بِهِ عَنْهُ ; أَيْ قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ : لَا تُشْرِك بِاَللَّهِ وَلَا تُطِعْ فِي الشِّرْك وَالِدَيْك , فَإِنَّ اللَّه وَصَّى بِهِمَا فِي طَاعَتهمَا مِمَّا لَا يَكُون شِرْكًا وَمَعْصِيَة لِلَّهِ تَعَالَى . وَقِيلَ : أَيْ وَإِذْ قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ ; فَقُلْنَا لِلُقْمَانَ فِيمَا آتَيْنَاهُ مِنْ الْحِكْمَة وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان بِوَالِدَيْهِ ; أَيْ قُلْنَا لَهُ اُشْكُرْ لِلَّهِ , وَقُلْنَا لَهُ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان . وَقِيلَ : وَإِذْ قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ , لَا تُشْرِك , وَنَحْنُ وَصَّيْنَا الْإِنْسَان بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا , وَأَمَرْنَا النَّاس بِهَذَا , وَأَمَرَ لُقْمَان بِهِ اِبْنه ; ذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَال الْقُشَيْرِيّ . وَالصَّحِيح أَنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ نَزَلَتَا فِي شَأْن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص ; كَمَا تَقَدَّمَ فِي &quot; الْعَنْكَبُوت &quot; وَعَلَيْهِ جَمَاعَة الْمُفَسِّرِينَ . وَجُمْلَة هَذَا الْبَاب أَنَّ طَاعَة الْأَبَوَيْنِ لَا تُرَاعَى فِي رُكُوب كَبِيرَة وَلَا فِي تَرْك فَرِيضَة عَلَى الْأَعْيَان , وَتَلْزَم طَاعَتهمَا فِي الْمُبَاحَات , وَيُسْتَحْسَن فِي تَرْك الطَّاعَات النَّدْب ; وَمِنْهُ أَمْر الْجِهَاد الْكِفَايَة , وَالْإِجَابَة لِلْأُمِّ فِي الصَّلَاة مَعَ إِمْكَان الْإِعَادَة ; عَلَى أَنَّ هَذَا أَقْوَى مِنْ النَّدْب ; لَكِنْ يُعَلَّل بِخَوْفِ هَلَكَة عَلَيْهَا , وَنَحْوه مِمَّا يُبِيح قَطْع الصَّلَاة فَلَا يَكُون أَقْوَى مِنْ النَّدْب . وَخَالَفَ الْحَسَن فِي هَذَا التَّفْصِيل فَقَالَ : إِنْ مَنَعَتْهُ أُمّه مِنْ شُهُود الْعِشَاء شَفَقَة فَلَا يُطِعْهَا . 

لَمَّا خَصَّ تَعَالَى الْأُمّ بِدَرَجَةِ ذِكْر الْحَمْل وَبِدَرَجَةٍ ذِكْر الرَّضَاع حَصَلَ لَهَا بِذَلِكَ ثَلَاث مَرَاتِب , وَلِلْأَبِ وَاحِدَة ; وَأَشْبَهَ ذَلِكَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين قَالَ لَهُ رَجُل مَنْ أَبَرُّ ؟ قَالَ : ( أُمّك ) قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ( أُمّك ) قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ( أُمّك ) قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ( أَبُوك ) فَجَعَلَ لَهُ الرُّبُع مِنْ الْمَبَرَّة كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَة ; وَقَدْ مَضَى هَذَا كُلّه فِي &quot; الْإِسْرَاء &quot; .


أَيْ حَمَلَتْهُ فِي بَطْنهَا وَهِيَ تَزْدَاد كُلّ يَوْم ضَعْفًا عَلَى ضَعْف . وَقِيلَ : الْمَرْأَة ضَعِيفَة الْخِلْقَة ثُمَّ يُضْعِفهَا الْحَمْل . وَقَرَأَ عِيسَى الثَّقَفِيّ : &quot; وَهَنًا عَلَى وَهَن &quot; بِفَتْحِ الْهَاء فِيهِمَا ; وَرُوِيَتْ عَنْ أَبِي عَمْرو , وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِد . قَالَ قَعْنَب بْن أُمّ صَاحِب : هَلْ لِلْعَوَاذِلِ مِنْ نَاهٍ فَيَزْجُرَهَا إِنَّ الْعَوَاذِل فِيهَا الْأَيْن وَالْوَهَن يُقَال : وَهَنَ يَهِن , وَوَهُنَ يَوْهَن وَوَهِنَ , يَهِن ; مِثْل وَرِمَ يَرِم . وَانْتَصَبَ &quot; وَهْنًا &quot; عَلَى الْمَصْدَرِ ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ . النَّحَّاس : عَلَى الْمَفْعُول الثَّانِي بِإِسْقَاطِ حَرْف الْجَرّ ; أَيْ حَمَلَتْهُ بِضَعْفٍ عَلَى ضَعْف . وَقَرَأَ الْجُمْهُور : &quot; وَفِصَاله &quot; وَقَرَأَ الْحَسَن وَيَعْقُوب : &quot; وَفَصْله &quot; وَهُمَا لُغَتَانِ , أَيْ وَفِصَاله فِي اِنْقِضَاء عَامَيْنِ ; وَالْمَقْصُود مِنْ الْفِصَال الْفِطَام , فَعَبَّرَ بِغَايَتِهِ وَنِهَايَته . وَيُقَال : اِنْفَصَلَ عَنْ كَذَا أَيْ تَمَيَّزَ ; وَبِهِ سُمِّيَ الْفَصِيل . 


النَّاس مُجْمِعُونَ عَلَى الْعَامَيْنِ فِي مُدَّة الرَّضَاع فِي بَاب الْأَحْكَام وَالنَّفَقَات , وَأَمَّا فِي تَحْرِيم اللَّبَن فَحَدَّدَتْ فِرْقَة بِالْعَامِ لَا زِيَادَة وَلَا نَقْص . وَقَالَتْ فِرْقَة : الْعَامَانِ وَمَا اِتَّصَلَ بِهِمَا مِنْ الشَّهْر وَنَحْوه إِذَا كَانَ مُتَّصِل الرَّضَاع . وَقَالَتْ فِرْقَة : إِنْ فُطِمَ الصَّبِيّ قَبْل الْعَامَيْنِ وَتَرَكَ اللَّبَن فَإِنَّ مَا شَرِبَ بَعْد ذَلِكَ فِي الْحَوْلَيْنِ لَا يُحَرِّم ; وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; مُسْتَوْفًى .


&quot; أَنْ &quot; فِي مَوْضِع نَصْب فِي قَوْل الزَّجَّاج , وَأَنَّ الْمَعْنَى : وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان بِوَالِدَيْهِ أَنْ اُشْكُرْ لِي . النَّحَّاس : وَأَجْوَد مِنْهُ أَنْ تَكُون &quot; أَنْ &quot; مُفَسِّرَة , وَالْمَعْنَى : قُلْنَا لَهُ أَنْ اُشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْك . قِيلَ : الشُّكْر لِلَّهِ عَلَى نِعْمَة الْإِيمَان , وَلِلْوَالِدَيْنِ عَلَى نِعْمَة التَّرْبِيَة . وَقَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة : مَنْ صَلَّى الصَّلَوَات الْخَمْس فَقَدْ شَكَرَ اللَّه تَعَالَى , وَمَنْ دَعَا لِوَالِدَيْهِ فِي أَدْبَار الصَّلَوَات فَقَدْ شَكَرَهُمَا .';
$TAFSEER['4']['31']['15'] = 'قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الْآيَة وَاَلَّتِي قَبْلهَا نَزَلَتَا فِي شَأْن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص لَمَّا أَسْلَمَ , وَأَنَّ أُمّه وَهِيَ حَمْنَة بِنْت أَبِي سُفْيَان بْن أُمَيَّة حَلَفَتْ أَلَّا تَأْكُل ; كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَة قَبْلهَا .


نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف ; أَيْ مُصَاحِبًا مَعْرُوفًا ; يُقَال صَاحَبْته مُصَاحَبَة وَمُصَاحِبًا . و &quot; مَعْرُوفًا &quot; أَيْ مَا يَحْسُن . وَالْآيَة دَلِيل عَلَى صِلَة الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ بِمَا أَمْكَنَ مِنْ الْمَال إِنْ كَانَا فَقِيرَيْنِ , وَإِلَانَة الْقَوْل وَالدُّعَاء إِلَى الْإِسْلَام بِرِفْقٍ . وَقَدْ قَالَتْ أَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر الصِّدِّيق لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقَدْ قَدِمَتْ عَلَيْهَا خَالَتهَا وَقِيلَ أُمّهَا مِنْ الرَّضَاعَة فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وَهِيَ رَاغِبَة أَفَأَصِلهَا ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ) . وَرَاغِبَة قِيلَ مَعْنَاهُ : عَنْ الْإِسْلَام . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَالظَّاهِر عِنْدِي أَنَّهَا رَاغِبَة فِي الصِّلَة , وَمَا كَانَتْ لِتَقْدَم عَلَى أَسْمَاء لَوْلَا حَاجَتهَا . وَوَالِدَة أَسْمَاء هِيَ قُتَيْلَة بِنْت عَبْد الْعُزَّى بْن عَبْد أَسَد . وَأُمّ عَائِشَة وَعَبْد الرَّحْمَن هِيَ أُمّ رُومَان قَدِيمَة الْإِسْلَام .


وَصِيَّة لِجَمِيعِ الْعَالَم ; كَأَنَّ الْمَأْمُور الْإِنْسَان . و &quot; أَنَابَ &quot; مَعْنَاهُ مَالَ وَرَجَعَ إِلَى الشَّيْء ; وَهَذِهِ سَبِيل الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ . وَحَكَى النَّقَّاش أَنَّ الْمَأْمُور سَعْد , وَاَلَّذِي أَنَابَ أَبُو بَكْر ; وَقَالَ : إِنَّ أَبَا بَكْر لَمَّا أَسْلَمَ أَتَاهُ سَعْد و عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَسَعِيد وَالزُّبَيْر فَقَالُوا : آمَنْت ! قَالَ نَعَمْ ; فَنَزَلَتْ فِيهِ : &quot; أَمْ مَنْ هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَر الْآخِرَة وَيَرْجُو رَحْمَة رَبّه &quot; [ الزُّمَر : 9 ] فَلَمَّا سَمِعَهَا السِّتَّة آمَنُوا ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ : &quot; وَاَلَّذِينَ اِجْتَنَبُوا الطَّاغُوت أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّه لَهُمْ الْبُشْرَى &quot; إِلَى قَوْله &quot; أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّه &quot; [ الزُّمَر : 17 - 18 ] . وَقِيلَ : الَّذِي أَنَابَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : وَلَمَّا أَسْلَمَ سَعْد أَسْلَمَ مَعَهُ أَخَوَاهُ عَامِر وَعُوَيْمِر ; فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ مُشْرِك إِلَّا عُتْبَة . ثُمَّ تَوَعَّدَ عَزَّ وَجَلَّ بِبَعْثِ مَنْ فِي الْقُبُور وَالرُّجُوع إِلَيْهِ لِلْجَزَاءِ وَالتَّوْقِيف عَلَى صَغِير الْأَعْمَال وَكَبِيرهَا .';
$TAFSEER['4']['31']['16'] = 'الْمَعْنَى : وَقَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ يَا بُنَيّ . وَهَذَا الْقَوْل مِنْ لُقْمَان إِنَّمَا قَصَدَ بِهِ إِعْلَام اِبْنه بِقَدْرِ قُدْرَة اللَّه تَعَالَى . وَهَذِهِ الْغَايَة الَّتِي أَمْكَنَهُ أَنْ يُفْهِمهُ , لِأَنَّ الْخَرْدَلَة يُقَال : إِنَّ الْحِسّ لَا يُدْرِك لَهَا ثِقَلًا , إِذْ لَا تُرَجِّح مِيزَانًا . أَيْ لَوْ كَانَ لِلْإِنْسَانِ رِزْق مِثْقَال حَبَّة خَرْدَل فِي هَذِهِ الْمَوَاضِع جَاءَ اللَّه بِهَا حَتَّى يَسُوقهَا إِلَى مَنْ هِيَ رِزْقه ; أَيْ لَا تَهْتَمّ لِلرِّزْقِ حَتَّى تَشْتَغِل بِهِ عَنْ أَدَاء الْفَرَائِض , وَعَنْ اِتِّبَاع سَبِيل مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ . 

قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّه بْن مَسْعُود : ( لَا تُكْثِر هَمَّك مَا يُقَدَّر يَكُون وَمَا تُرْزَق يَأْتِيك ) . وَقَدْ نَطَقَتْ هَذِهِ الْآيَة بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْء عِلْمًا , وَأَحْصَى كُلّ شَيْء عَدَدًا ; سُبْحَانه لَا شَرِيك لَهُ . وَرُوِيَ أَنَّ اِبْن لُقْمَان سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ الْحَبَّة الَّتِي تَقَع فِي سُفْل الْبَحْر أَيَعْلَمُهَا اللَّه ؟ فَرَاجَعَهُ لُقْمَان بِهَذِهِ الْآيَة . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنَّهُ أَرَادَ الْأَعْمَال , الْمَعَاصِي وَالطَّاعَات ; أَيْ إِنْ تَكُ الْحَسَنَة أَوْ الْخَطِيئَة مِثْقَال حَبَّة يَأْتِ بِهَا اللَّه ; أَيْ لَا تَفُوت الْإِنْسَانَ الْمُقَدَّرَ وُقُوعُهَا مِنْهُ . وَبِهَذَا الْمَعْنَى يَتَحَصَّل فِي الْمَوْعِظَة تَرْجِيَة وَتَخْوِيف مُضَاف ذَلِكَ إِلَى تَبْيِين قُدْرَة اللَّه تَعَالَى . وَفِي الْقَوْل الْأَوَّل لَيْسَ فِيهِ تَرْجِيَة وَلَا تَخْوِيف . 

&quot; مِثْقَال حَبَّة &quot; عِبَارَة تَصْلُح لِلْجَوَاهِرِ , أَيْ قَدْر حَبَّة , وَتَصْلُح لِلْأَعْمَالِ ; أَيْ مَا يَزِنهُ عَلَى جِهَة الْمُمَاثَلَة قَدْر حَبَّة . وَمِمَّا يُؤَيِّد قَوْل مَنْ قَالَ هِيَ مِنْ الْجَوَاهِر : قِرَاءَةُ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ &quot; فَتَكِنّ &quot; بِكَسْرِ الْكَاف وَشَدّ النُّون , مِنْ الْكِنّ الَّذِي هُوَ الشَّيْء الْمُغَطَّى . وَقَرَأَ جُمْهُور الْقُرَّاء : &quot; إِنْ تَكُ &quot; بِالتَّاءِ مِنْ فَوْق &quot; مِثْقَالَ &quot; بِالنَّصْبِ عَلَى خَبَر كَانَ , وَاسْمهَا مُضْمَر تَقْدِيره : مَسْأَلَتك , عَلَى مَا رُوِيَ , أَوْ الْمَعْصِيَة وَالطَّاعَة عَلَى الْقَوْل الثَّانِي ; وَيَدُلّ عَلَى صِحَّته قَوْل اِبْن لُقْمَان لِأَبِيهِ : يَا أَبَتِ إِنْ عَمِلْت الْخَطِيئَة حَيْثُ لَا يَرَانِي أَحَد كَيْف يَعْلَمهَا اللَّه ؟ فَقَالَ لُقْمَان لَهُ : &quot; يَا بُنَيّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل فَتَكُنْ فِي صَخْرَة &quot; الْآيَة . فَمَا زَالَ اِبْنه يَضْطَرِب حَتَّى مَاتَ ; قَالَهُ مُقَاتِل . وَالضَّمِير فِي &quot; إِنَّهَا &quot; ضَمِير الْقِصَّة ; كَقَوْلِك : إِنَّهَا هِنْد قَائِمَة ; أَيْ الْقِصَّة إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَال حَبَّة . وَالْبَصْرِيُّونَ يُجِيزُونَ : إِنَّهَا زَيْد ضَرَبْته ; بِمَعْنَى إِنَّ الْقِصَّة . وَالْكُوفِيُّونَ لَا يُجِيزُونَ هَذَا إِلَّا فِي الْمُؤَنَّث كَمَا ذَكَرْنَا . وَقَرَأَ نَافِع : &quot; مِثْقَالٌ &quot; بِالرَّفْعِ , وَعَلَى هَذَا &quot; تَكُ &quot; يَرْجِع إِلَى مَعْنَى خَرْدَلَة ; أَيْ إِنْ تَكُ حَبَّة مِنْ خَرْدَل . وَقِيلَ : أَسْنَدَ إِلَى الْمِثْقَال فِعْلًا فِيهِ عَلَامَة التَّأْنِيث مِنْ حَيْثُ اِنْضَافَ إِلَى مُؤَنَّث هُوَ مِنْهُ ; لِأَنَّ مِثْقَال الْحَبَّة مِنْ الْخَرْدَل إِمَّا سَيِّئَة أَوْ حَسَنَة ; كَمَا قَالَ : &quot; فَلَهُ عَشْر أَمْثَالهَا &quot; [ الْأَنْعَام : 160 ] فَأَنَّثَ وَإِنْ كَانَ الْمِثْل مُذَكَّرًا ; لِأَنَّهُ أَرَادَ الْحَسَنَات . وَهَذَا كَقَوْلِ الشَّاعِر : مَشَيْنَ كَمَا اِهْتَزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهَتْ أَعَالِيهَا مَرُّ الرِّيَاح النَّوَاسِم و &quot; تَكُ &quot; هَاهُنَا بِمَعْنَى تَقَع فَلَا تَقْتَضِي خَبَرًا . &quot; فَتَكُنْ فِي صَخْرَة &quot; قِيلَ : مَعْنَى الْكَلَام الْمُبَالَغَة وَالِانْتِهَاء فِي التَّفْهِيم ; أَيْ أَنَّ قُدْرَته تَعَالَى تَنَال مَا يَكُون فِي تَضَاعِيف صَخْرَة وَمَا يَكُون فِي السَّمَاء وَالْأَرْض . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الصَّخْرَة تَحْت الْأَرَضِينَ السَّبْع وَعَلَيْهَا الْأَرْض . وَقِيلَ : هِيَ الصَّخْرَة عَلَى ظَهْر الْحُوت . وَقَالَ السُّدِّيّ : هِيَ صَخْرَة لَيْسَتْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض , بَلْ هِيَ وَرَاء سَبْع أَرَضِينَ عَلَيْهَا مَلَك قَائِم ; لِأَنَّهُ قَالَ : &quot; أَوْ فِي السَّمَوَات أَوْ فِي الْأَرْض &quot; وَفِيهِمَا غُنْيَة عَنْ قَوْله : &quot; فَتَكُنْ فِي صَخْرَة &quot; ; وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُمْكِن , وَيُمْكِن أَنْ يُقَال : قَوْله : &quot; فَتَكُنْ فِي صَخْرَة &quot; تَأْكِيد ; كَقَوْلِهِ : &quot; اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبّك الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الْإِنْسَان مِنْ عَلَق &quot; [ الْعَلَق : 1 - 2 ] , وَقَوْله : &quot; سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا &quot; [ الْإِسْرَاء : 1 ] .';
$TAFSEER['4']['31']['17'] = 'وَصَّى اِبْنه بِعُظْمِ الطَّاعَات وَهِيَ الصَّلَاة وَالْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر . وَهَذَا إِنَّمَا يُرِيد بِهِ بَعْد أَنْ يَمْتَثِل ذَلِكَ هُوَ فِي نَفْسه وَيَزْدَجِر عَنْ الْمُنْكَر , وَهُنَا هِيَ الطَّاعَات وَالْفَضَائِل أَجْمَع . وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ : وَابْدَأْ بِنَفْسِك فَانْهَهَا عَنْ غَيّهَا فَإِذَا اِنْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيم فِي أَبْيَات تَقَدَّمَ فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; ذِكْرهَا .



يَقْتَضِي حَضًّا عَلَى تَغْيِير الْمُنْكَر وَإِنْ نَالَك ضَرَر ; فَهُوَ إِشْعَار بِأَنَّ الْمُغَيِّر يُؤْذَى أَحْيَانًا ; وَهَذَا الْقَدْر عَلَى جِهَة النَّدْب وَالْقُوَّة فِي ذَات اللَّه ; وَأَمَّا عَلَى اللُّزُوم فَلَا , وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي هَذَا مُسْتَوْفًى فِي &quot; آل عِمْرَان وَالْمَائِدَة &quot; . وَقِيلَ : أَمَرَهُ بِالصَّبْرِ عَلَى شَدَائِد الدُّنْيَا كَالْأَمْرَاضِ وَغَيْرهَا , وَأَلَّا يَخْرُج مِنْ الْجَزَع إِلَى مَعْصِيَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ; وَهَذَا قَوْل حَسَن لِأَنَّهُ يَعُمّ .



قَالَ اِبْن عَبَّاس : مِنْ حَقِيقَة الْإِيمَان الصَّبْر عَلَى الْمَكَارِه . وَقِيلَ : إِنَّ إِقَامَة الصَّلَاة وَالْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر مِنْ عَزْم الْأُمُور ; أَيْ مِمَّا عَزَمَهُ اللَّه وَأَمَرَ بِهِ ; قَالَهُ اِبْن جُرَيْج . وَيُحْتَمَل أَنْ يُرِيد أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَكَارِم الْأَخْلَاق وَعَزَائِم أَهْل الْحَزْم السَّالِكِينَ طَرِيق النَّجَاة . وَقَوْل اِبْن جُرَيْج أَصْوَبُ .';
$TAFSEER['4']['31']['18'] = 'قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَابْن مُحَيْصِن : &quot; تُصَاعِر &quot; بِالْأَلِفِ بَعْد الصَّاد . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَعَاصِم وَابْن عَامِر وَالْحَسَن وَمُجَاهِد : &quot; تُصَعِّر &quot; وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ : &quot; تُصْعِر &quot; بِسُكُونِ الصَّاد ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . وَالصَّعَر : الْمَيَل ; وَمِنْهُ قَوْل الْأَعْرَابِيّ : وَقَدْ أَقَامَ الدَّهْر صَعَرِي , بَعْد أَنْ أَقَمْت صَعَره . وَمِنْهُ قَوْل عَمْرو بْن حُنَيّ التَّغْلِبِيّ : وَكُنَّا إِذَا الْجَبَّار صَعَّرَ خَدَّهُ أَقَمْنَا لَهُ مِنْ مَيْله فَتَقَوَّمَ وَأَنْشَدَهُ الطَّبَرِيّ : &quot; فَتَقَوَّمَا &quot; . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهُوَ خَطَأ ; لِأَنَّ قَافِيَة الشِّعْر مَخْفُوضَة . وَفِي بَيْت آخَر : أَقَمْنَا لَهُ مِنْ خَدّه الْمُتَصَعِّر قَالَ الْهَرَوِيّ : &quot; لَا تُصَاعِر &quot; أَيْ لَا تُعْرِض عَنْهُمْ تَكَبُّرًا عَلَيْهِمْ ; يُقَال : أَصَابَ الْبَعِير صَعَر وَصَيَد إِذْ أَصَابَهُ دَاء يَلْوِي مِنْهُ عُنُقه . ثُمَّ يُقَال لِلْمُتَكَبِّرِ : فِيهِ صَعَر وَصَيَد ; فَمَعْنَى : &quot; لَا تُصَعِّر &quot; أَيْ لَا تُلْزِم خَدّك الصَّعَر . وَفِي الْحَدِيث : ( يَأْتِي عَلَى النَّاس زَمَان لَيْسَ فِيهِمْ إِلَّا أَصْعَر أَوْ أَبْتَر ) وَالْأَصْعَر : الْمُعْرِض بِوَجْهِهِ كِبْرًا ; وَأَرَادَ رُذَالَة النَّاس الَّذِينَ لَا دِين لَهُمْ . وَفِي الْحَدِيث : ( كُلّ صَعَّار مَلْعُون ) أَيْ كُلّ ذِي أُبَّهَة وَكِبْر . 

مَعْنَى الْآيَة : وَلَا تُمِلْ خَدَّك لِلنَّاسِ كِبْرًا عَلَيْهِمْ وَإِعْجَابًا وَاحْتِقَارًا لَهُمْ . وَهَذَا تَأْوِيل اِبْن عَبَّاس وَجَمَاعَة . وَقِيلَ : هُوَ أَنْ تَلْوِيَ شِدْقك إِذَا ذُكِرَ الرَّجُل عِنْدك كَأَنَّك تَحْتَقِرهُ ; فَالْمَعْنَى : أَقْبِلْ عَلَيْهِمْ مُتَوَاضِعًا مُؤْنِسًا مُسْتَأْنِسًا , وَإِذَا حَدَّثَك أَصْغَرُهُمْ فَأَصْغِ إِلَيْهِ حَتَّى يُكْمِل حَدِيثه . وَكَذَلِكَ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَل . 

قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَاهُ مَالِك عَنْ اِبْن شِهَاب عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَكُونُوا عِبَاد اللَّه إِخْوَانًا , وَلَا يَحِلّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُر أَخَاهُ فَوْق ثَلَاث ) . فَالتَّدَابُر الْإِعْرَاض وَتَرْك الْكَلَام وَالسَّلَام وَنَحْوه . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْإِعْرَاضِ تَدَابُر لِأَنَّ مَنْ أَبْغَضْته أَعْرَضْت عَنْهُ وَوَلَّيْته دُبُرك ; وَكَذَلِكَ يَصْنَع هُوَ بِك . وَمَنْ أَحْبَبْته أَقْبَلْت عَلَيْهِ بِوَجْهِك وَوَاجَهْته لِتُسِرَّهُ وَيُسِرَّك ; فَمَعْنَى التَّدَابُر مَوْجُود فِيمَنْ صَعَّرَ خَدّه , وَبِهِ فَسَّرَ مُجَاهِد الْآيَة . وَقَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : قَوْله : &quot; وَلَا تُصَاعِر خَدّك لِلنَّاسِ &quot; كَأَنَّهُ نَهَى أَنْ يُذِلّ الْإِنْسَان نَفْسه مِنْ غَيْر حَاجَة ; وَنَحْو ذَلِكَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُذِلّ نَفْسه ) .


أَيْ مُتَبَخْتِرًا مُتَكَبِّرًا , مَصْدَر فِي مَوْضِع الْحَال , وَقَدْ مَضَى فِي &quot; الْإِسْرَاء &quot; . وَهُوَ النَّشَاط وَالْمَشْي فَرَحًا فِي غَيْر شُغْل وَفِي غَيْر حَاجَة . وَأَهْل هَذَا الْخُلُق مُلَازِمُونَ لِلْفَخْرِ وَالْخُيَلَاء ; فَالْمَرِح مُخْتَال فِي مِشْيَته . رَوَى يَحْيَى بْن جَابِر الطَّائِيّ عَنْ اِبْن عَائِذ الْأَزْدِيّ عَنْ غُضَيْف بْن الْحَارِث قَالَ : أَتَيْت بَيْت الْمَقْدِس أَنَا وَعَبْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عُمَيْر قَالَ : فَجَلَسْنَا إِلَى عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِي فَسَمِعْته يَقُول : إِنَّ الْقَبْر يُكَلِّم الْعَبْد إِذَا وُضِعَ فِيهِ فَيَقُول : يَا اِبْن آدَم مَا غَرَّك بِي ! أَلَمْ تَعْلَم أَنِّي بَيْت الْوَحْدَة ! أَلَمْ تَعْلَم أَنِّي بَيْت الظُّلْمَة ! أَلَمْ تَعْلَم أَنِّي بَيْت الْحَقّ ! يَا اِبْن آدَم مَا غَرَّك بِي ! لَقَدْ كُنْت تَمْشِي حَوْلِي فَدَّادًا . قَالَ اِبْن عَائِذ قُلْت لِغُضَيْف : مَا الْفَدَّاد يَا أَبَا أَسْمَاء ؟ قَالَ : كَبَعْضِ مِشْيَتك يَا اِبْن أَخِي أَحْيَانًا . قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَالْمَعْنَى ذَا مَال كَثِير وَذَا خُيَلَاء . وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ جَرَّ ثَوْبه خُيَلَاء لَا يَنْظُر اللَّه إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة ) . وَالْفَخُور : هُوَ الَّذِي يُعَدِّد مَا أُعْطِيَ وَلَا يَشْكُر اللَّه تَعَالَى ; قَالَهُ مُجَاهِد . وَفِي اللَّفْظَة الْفَخْر بِالنَّسَبِ وَغَيْر ذَلِكَ .';
$TAFSEER['4']['31']['19'] = 'لَمَّا نَهَاهُ عَنْ الْخُلُق الذَّمِيم رَسَمَ لَهُ الْخُلُق الْكَرِيم الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعْمِلهُ فَقَالَ : &quot; وَاقْصِدْ فِي مَشْيك &quot; أَيْ تَوَسَّطْ فِيهِ . وَالْقَصْد : مَا بَيْن الْإِسْرَاع وَالْبُطْء ; أَيْ لَا تَدِبّ دَبِيب الْمُتَمَاوِتِينَ وَلَا تَثِب وَثْب الشُّطَّار ; وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( سُرْعَة الْمَشْي تُذْهِب بَهَاء الْمُؤْمِن ) . فَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ كَانَ إِذَا مَشَى أَسْرَعَ , وَقَوْل عَائِشَة فِي عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : كَانَ إِذَا مَشَى أَسْرَعَ - فَإِنَّمَا أَرَادَتْ السُّرْعَة الْمُرْتَفِعَة عَنْ دَبِيب الْمُتَمَاوِت ; وَاَللَّه أَعْلَمُ . وَقَدْ مَدَحَ اللَّه سُبْحَانه مَنْ هَذِهِ صِفَته حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي &quot; الْفُرْقَان &quot; .


أَيْ اُنْقُصْ مِنْهُ ; أَيْ لَا تَتَكَلَّف رَفْع الصَّوْت وَخُذْ مِنْهُ مَا تَحْتَاج إِلَيْهِ ; فَإِنَّ الْجَهْر بِأَكْثَرَ مِنْ الْحَاجَة تَكَلُّف يُؤْذِي . وَالْمُرَاد بِذَلِكَ كُلّه التَّوَاضُع ; وَقَدْ قَالَ عُمَر لِمُؤَذِّنٍ تَكَلَّفَ رَفْع الْأَذَان بِأَكْثَرَ مِنْ طَاقَته : لَقَدْ خَشِيت أَنْ يَنْشَقّ مُرَيْطَاؤُك ! وَالْمُؤَذِّن هُوَ أَبُو مَحْذُورَة سَمُرَة بْن مِعْيَر . وَالْمُرَيْطَاء : مَا بَيْن السُّرَّة إِلَى الْعَانَة .



أَيْ أَقْبَحهَا وَأَوْحَشهَا ; وَمِنْهُ أَتَانَا بِوَجْهٍ مُنْكَر . وَالْحِمَار مَثَل فِي الذَّمّ الْبَلِيغ وَالشَّتِيمَة , وَكَذَلِكَ نُهَاقُه ; وَمِنْ اِسْتِفْحَاشهمْ لِذِكْرِهِ مُجَرَّدًا أَنَّهُمْ يَكْنُونَ عَنْهُ وَيَرْغَبُونَ عَنْ التَّصْرِيح فَيَقُولُونَ : الطَّوِيل الْأُذُنَيْنِ ; كَمَا يُكْنَى عَنْ الْأَشْيَاء الْمُسْتَقْذَرَة . وَقَدْ عُدَّ فِي مَسَاوِئ الْآدَاب أَنْ يَجْرِيَ ذِكْر الْحِمَار فِي مَجْلِس قَوْم مِنْ أُولِي الْمُرُوءَة . وَمِنْ الْعَرَب مَنْ لَا يَرْكَب الْحِمَار اِسْتِنْكَافًا وَإِنْ بَلَغَتْ مِنْهُ الرُّجْلَة . وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَرْكَبهُ تَوَاضُعًا وَتَذَلُّلًا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى . 

فِي الْآيَة دَلِيل عَلَى تَعْرِيف قُبْح رَفْع الصَّوْت فِي الْمُخَاطَبَة وَالْمُلَاحَاة بِقُبْحِ أَصْوَات الْحَمِير ; لِأَنَّهَا عَالِيَة . وَفِي الصَّحِيح عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيق الْحَمِير فَتَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان فَإِنَّهَا رَأَتْ شَيْطَانًا ) . وَقَدْ رُوِيَ : أَنَّهُ مَا صَاحَ حِمَار وَلَا نَبَحَ كَلْب إِلَّا أَنْ يَرَى شَيْطَانًا . وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ : صِيَاح كُلّ شَيْء تَسْبِيح إِلَّا نَهِيق الْحَمِير . وَقَالَ عَطَاء : نَهِيق الْحَمِير دُعَاء عَلَى الظَّلَمَة . 

وَهَذِهِ الْآيَة أَدَب مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِتَرْكِ الصِّيَاح فِي وُجُوه النَّاس تَهَاوُنًا بِهِمْ , أَوْ بِتَرْكِ الصِّيَاح جُمْلَة ; وَكَانَتْ الْعَرَب تَفْخَر بِجَهَارَةِ الصَّوْت الْجَهِير وَغَيْر ذَلِكَ , فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَشَدَّ صَوْتًا كَانَ أَعَزَّ , وَمَنْ كَانَ أَخْفَضَ كَانَ أَذَلَّ , حَتَّى قَالَ شَاعِرهمْ : جَهِير الْكَلَام جَهِير الْعُطَاس جَهِير الرُّوَاء جَهِير النَّعَم وَيَعْدُو عَلَى الْأَيْن عَدْوَى الظَّلِيم وَيَعْلُو الرِّجَال بِخَلْقٍ عَمَم فَنَهَى اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْخُلُق الْجَاهِلِيَّة بِقَوْلِهِ : &quot; إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَات لَصَوْت الْحَمِير &quot; أَيْ لَوْ أَنَّ شَيْئًا يُهَاب لِصَوْتِهِ لَكَانَ الْحِمَار ; فَجَعَلَهُمْ فِي الْمِثْل سَوَاء . 

&quot; لَصَوْت الْحَمِير &quot; اللَّام لِلتَّأْكِيدِ , وَوَحَّدَ الصَّوْت وَإِنْ كَانَ مُضَافًا إِلَى الْجَمَاعَة لِأَنَّهُ مَصْدَر وَالْمَصْدَر يَدُلّ عَلَى الْكَثْرَة , وَهُوَ مَصْدَرُ صَاتَ يَصُوت صَوْتًا فَهُوَ صَائِت . وَيُقَال : صَوَّتَ تَصْوِيتًا فَهُوَ مُصَوِّت . وَرَجُل صَاتٌ أَيْ شَدِيد الصَّوْت بِمَعْنَى صَائِت ; كَقَوْلِهِمْ : رَجُل مَال وَنَالٌ ; أَيْ كَثِير الْمَال وَالنَّوَال .';
$TAFSEER['4']['31']['20'] = 'ذَكَرَ نِعَمه عَلَى بَنِي آدَم , وَأَنَّهُ سَخَّرَ لَهُمْ &quot; مَا فِي السَّمَوَات &quot; مِنْ شَمْس وَقَمَر وَنُجُوم وَمَلَائِكَة تَحُوطهُمْ وَتَجُرّ إِلَيْهِمْ مَنَافِعهمْ . &quot; وَمَا فِي الْأَرْض &quot; عَامّ فِي الْجِبَال وَالْأَشْجَار وَالثِّمَار وَمَا لَا يُحْصَى .




أَيْ أَكْمَلَهَا وَأَتَمَّهَا . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَيَحْيَى بْن عُمَارَة : &quot; وَأَصْبَغَ &quot; بِالصَّادِ عَلَى بَدَلهَا مِنْ السِّين ; لِأَنَّ حُرُوف الِاسْتِعْلَاء تَجْتَذِب السِّين مِنْ سُفْلهَا إِلَى عُلُوّهَا فَتَرُدّهَا صَادًا . وَالنِّعَم : جَمْع نِعْمَة كَسِدْرَةٍ وَسِدَر ( بِفَتْحِ الدَّال ) وَهِيَ قِرَاءَة نَافِع وَأَبِي عَمْرو وَحَفْص . الْبَاقُونَ : &quot; نِعْمَةً &quot; عَلَى الْإِفْرَاد ; وَالْإِفْرَاد يَدُلّ عَلَى الْكَثْرَة ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصُوهَا &quot; [ إِبْرَاهِيم : 34 ] . وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن عَبَّاس مِنْ وُجُوه صِحَاح . وَقِيلَ : إِنَّ مَعْنَاهَا الْإِسْلَام ; قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَبَّاس وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَة : ( الظَّاهِرَة الْإِسْلَام وَمَا حَسُنَ مِنْ خُلُقك , وَالْبَاطِنَة مَا سُتِرَ عَلَيْك مِنْ سَيِّئ عَمَلك ) . قَالَ النَّحَّاس : وَشَرْح هَذَا أَنَّ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : &quot; وَلَكِنْ يُرِيد لِيُطَهِّركُمْ وَلِيُتِمّ نِعْمَته عَلَيْكُمْ &quot; [ الْمَائِدَة : 6 ] قَالَ : يُدْخِلكُمْ الْجَنَّة . وَتَمَام نِعْمَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعَبْد أَنْ يُدْخِلهُ الْجَنَّة , فَكَذَا لَمَّا كَانَ الْإِسْلَام يَئُول أَمْره إِلَى الْجَنَّة سُمِّيَ نِعْمَة . وَقِيلَ : الظَّاهِرَة الصِّحَّة وَكَمَال الْخَلْق , وَالْبَاطِنَة الْمَعْرِفَة وَالْعَقْل . وَقَالَ الْمُحَاسِبِيّ : الظَّاهِرَة نِعَم الدُّنْيَا , وَالْبَاطِنَة نِعَم الْعُقْبَى . وَقِيلَ : الظَّاهِرَة مَا يُرَى بِالْأَبْصَارِ مِنْ الْمَال وَالْجَاه وَالْجَمَال فِي النَّاس وَتَوْفِيق الطَّاعَات , وَالْبَاطِنَة مَا يَجِدهُ الْمَرْء فِي نَفْسه مِنْ الْعِلْم بِاَللَّهِ وَحُسْن الْيَقِين وَمَا يَدْفَع اللَّه تَعَالَى عَنْ الْعَبْد مِنْ الْآفَات . وَقَدْ سَرَدَ الْمَاوَرْدِيّ فِي هَذَا أَقْوَالًا تِسْعَة , كُلّهَا تَرْجِع إِلَى هَذَا .


نَزَلَتْ فِي يَهُودِيّ جَاءَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا مُحَمَّد , أَخْبِرْنِي عَنْ رَبّك , مِنْ أَيّ شَيْء هُوَ ؟ فَجَاءَتْ صَاعِقَة فَأَخَذَتْهُ ; قَالَهُ مُجَاهِد . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي &quot; الرَّعْد &quot; . وَقِيلَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّضْر بْن الْحَارِث , كَانَ يَقُول : إِنَّ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . &quot; يُجَادِل &quot; يُخَاصِم


أَيْ بِغَيْرِ حُجَّة


أَيْ نَيِّر بَيِّن ; إِلَّا الشَّيْطَان فِيمَا يُلْقِي إِلَيْهِمْ . &quot; وَإِنَّ الشَّيَاطِين لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ &quot; [ الْأَنْعَام : 121 ]';
$TAFSEER['4']['31']['21'] = 'وَإِلَّا تَقْلِيدهمْ لِلْأَسْلَافِ .


فَيَتَّبِعُونَهُ';
$TAFSEER['4']['31']['22'] = 'أَيْ يُخْلِص عِبَادَته وَقَصْده إِلَى اللَّه تَعَالَى .



لِأَنَّ الْعِبَادَة مِنْ غَيْر إِحْسَان وَلَا مَعْرِفَة الْقَلْب لَا تَنْفَع ; نَظِيره : &quot; وَمَنْ يَعْمَل مِنْ الصَّالِحَات وَهُوَ مُؤْمِن &quot; [ طَه : 112 ] . وَفِي حَدِيث جِبْرِيل قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِحْسَان ؟ قَالَ : ( أَنْ تَعْبُد اللَّه كَأَنَّك تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك ) .



قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ; وَقَدْ مَضَى فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; . وَقَدْ قَرَأَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ وَالسُّلَمِيّ وَعَبْد اللَّه بْن مُسْلِم بْن يَسَار : &quot; وَمَنْ يُسْلِم &quot; . النَّحَّاس : و &quot; يُسْلِم &quot; فِي هَذَا أَعْرَفُ ; كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : &quot; فَقُلْ أَسْلَمْت وَجْهِي لِلَّهِ &quot; [ آل عِمْرَان : 20 ] وَمَعْنَى : &quot; أَسْلَمْت وَجْهِي لِلَّهِ &quot; قَصَدْت بِعِبَادَتِي إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ; وَيَكُون &quot; يُسَلِّم &quot; عَلَى التَّكْثِير ; إِلَّا أَنَّ الْمُسْتَعْمَل فِي سَلَّمْت أَنَّهُ بِمَعْنَى دَفَعْت ; يُقَال سَلَّمْت فِي الْحِنْطَة , وَقَدْ يُقَال أَسْلَمْت . الزَّمَخْشَرِيّ : قَرَأَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ : &quot; وَمَنْ يُسَلِّم &quot; بِالتَّشْدِيدِ ; يُقَال : أَسْلِمْ أَمْرك وَسَلِّمْ أَمْرَك إِلَى اللَّه تَعَالَى ; فَإِنْ قُلْت : مَاله عُدِّيَ بِإِلَى , وَقَدْ عُدِّيَ بِاللَّامِ فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : &quot; بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهه لِلَّهِ &quot; ؟ [ الْبَقَرَة : 112 ] قُلْت : مَعْنَاهُ مَعَ اللَّام أَنَّهُ جَعَلَ وَجْهه وَهُوَ ذَاته وَنَفْسه سَالِمًا لِلَّهِ ; أَيْ خَالِصًا لَهُ . وَمَعْنَاهُ مَعَ إِلَى رَاجِع إِلَى أَنَّهُ سَلَّمَ إِلَيْهِ نَفْسه كَمَا يُسَلَّمُ الْمَتَاع إِلَى الرَّجُل إِذَا دُفِعَ إِلَيْهِ . وَالْمُرَاد التَّوَكُّل عَلَيْهِ وَالتَّفْوِيض إِلَيْهِ .


أَيْ مَصِيرهَا';
$TAFSEER['4']['31']['23'] = 'أَيْ نُجَازِيهِمْ بِمَا عَمِلُوا .


عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ رَدَّكُمْ إِلَى الدُّنْيَا لَمْ تَعْمَلُوا صَالِحًا , كَمَا قَالَ &quot; وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ &quot; [ الْأَنْعَام : 28 ] . و &quot; عَالِم &quot; إِذَا كَانَ بِغَيْرِ تَنْوِين صَلُحَ أَنْ يَكُون لِلْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَل , وَإِذَا كَانَ مُنَوَّنًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُون لِلْمَاضِي .';
$TAFSEER['4']['31']['24'] = 'أَيْ نُبْقِيهِمْ فِي الدُّنْيَا مُدَّة قَلِيلَة يَتَمَتَّعُونَ بِهَا .


أَيْ نُلْجِئهُمْ وَنَسُوقهُمْ .


مَنْ &quot; يَصْلُح لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْع , فَلِهَذَا قَالَ : &quot; كُفْره &quot; ثُمَّ قَالَ : &quot; مَرْجِعهمْ &quot; وَمَا بَعْده عَلَى الْمَعْنَى .';
$TAFSEER['4']['31']['25'] = 'أَيْ هُمْ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ اللَّه خَالِقهمْ فَلِمَ يَعْبُدُونَ غَيْره .


أَيْ عَلَى مَا هَدَانَا لَهُ مِنْ دِينه , وَلَيْسَ الْحَمْد لِغَيْرِهِ .


أَيْ لَا يَنْظُرُونَ وَلَا يَتَدَبَّرُونَ .';
$TAFSEER['4']['31']['26'] = 'أَيْ مُلْكًا وَخَلْقًا .


أَيْ الْغَنِيّ عَنْ خَلْقه وَعَنْ عِبَادَتهمْ , وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ لِيَنْفَعهُمْ .


أَيْ الْمَحْمُود عَلَى صُنْعه .';
$TAFSEER['4']['31']['27'] = 'لَمَّا اِحْتَجَّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِمَا اِحْتَجَّ بَيَّنَ أَنَّ مَعَانِيَ كَلَامه سُبْحَانه لَا تَنْفَد , وَأَنَّهَا لَا نِهَايَة لَهَا . وَقَالَ الْقَفَّال : لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ سَخَّرَ لَهُمْ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض وَأَنَّهُ أَسْبَغَ النِّعَم نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْأَشْجَار لَوْ كَانَتْ أَقْلَامًا , وَالْبِحَار مِدَادًا فَكُتِبَ بِهَا عَجَائِب صُنْع اللَّه الدَّالَّة عَلَى قُدْرَته وَوَحْدَانِيّته لَمْ تَنْفَد تِلْكَ الْعَجَائِب . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : فَرَدَّ مَعْنَى تِلْكَ الْكَلِمَات إِلَى الْمَقْدُورَات , وَحَمْلُ الْآيَة عَلَى الْكَلَام الْقَدِيم أَوْلَى ; وَالْمَخْلُوق لَا بُدّ لَهُ مِنْ نِهَايَة , فَإِذَا نُفِيَتْ النِّهَايَة عَنْ مَقْدُورَاته فَهُوَ نَفْي النِّهَايَة عَمَّا يَقْدِر فِي الْمُسْتَقْبَل عَلَى إِيجَاده , فَأَمَّا مَا حَصَرَهُ الْوُجُود وَعَدَّهُ فَلَا بُدّ مِنْ تَنَاهِيهِ , وَالْقَدِيم لَا نِهَايَة لَهُ عَلَى التَّحْقِيق . وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي مَعْنَى &quot; كَلِمَات اللَّه &quot; فِي آخِر &quot; الْكَهْف &quot; . وَقَالَ أَبُو عَلِيّ : الْمُرَاد بِالْكَلِمَاتِ وَاَللَّه أَعْلَمُ مَا فِي الْمَقْدُور دُون مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلَى الْوُجُود . وَهَذَا نَحْو مِمَّا قَالَهُ الْقَفَّال , وَإِنَّمَا الْغَرَض الْإِعْلَام بِكَثْرَةِ مَعَانِي كَلِمَات اللَّه وَهِيَ فِي نَفْسهَا غَيْر مُتَنَاهِيَة , وَإِنَّمَا قُرِّبَ الْأَمْرُ عَلَى أَفْهَام الْبَشَر بِمَا يَتَنَاهَى لِأَنَّهُ غَايَة مَا يَعْهَدهُ الْبَشَر مِنْ الْكَثْرَة ; لَا أَنَّهَا تَنْفَد بِأَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْلَام وَالْبُحُور . وَمَعْنَى نُزُول الْآيَة : يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْكَلِمَاتِ الْكَلَام الْقَدِيم . قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ سَبَب هَذِهِ الْآيَة أَنَّ الْيَهُود قَالَتْ : يَا مُحَمَّد , كَيْف عُنِينَا بِهَذَا الْقَوْل &quot; وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْم إِلَّا قَلِيلًا &quot; [ الْإِسْرَاء : 85 ] وَنَحْنُ قَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاة فِيهَا كَلَام اللَّه وَأَحْكَامه , وَعِنْدك أَنَّهَا تِبْيَان كُلّ شَيْء ؟ فَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( التَّوْرَاة قَلِيل مِنْ كَثِير ) وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , وَالْآيَة مَدَنِيَّة . قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْكَلِمَات هَاهُنَا يُرَاد بِهَا الْعِلْم وَحَقَائِق الْأَشْيَاء ; لِأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلِمَ قَبْل أَنْ يَخْلُق الْخَلْق مَا هُوَ خَالِق فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض مِنْ كُلّ شَيْء , وَعَلِمَ مَا فِيهِ مِنْ مَثَاقِيل الذَّرّ , وَعَلِمَ الْأَجْنَاس كُلّهَا وَمَا فِيهَا مِنْ شَعْرَة وَعُضْو , وَمَا فِي الشَّجَرَة مِنْ وَرَقَة , وَمَا فِيهَا مِنْ ضُرُوب الْخَلْق , وَمَا يَتَصَرَّف فِيهِ مِنْ ضُرُوب الطَّعْم وَاللَّوْن ; فَلَوْ سَمَّى كُلّ دَابَّة وَحْدهَا , وَسَمَّى أَجْزَاءَهَا عَلَى مَا عَلِمَ مِنْ قَلِيلهَا وَكَثِيرهَا وَمَا تَحَوَّلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْأَحْوَال , وَمَا زَادَ فِيهَا فِي كُلّ زَمَان , وَبَيَّنَ كُلّ شَجَرَة وَحْدهَا وَمَا تَفَرَّعَتْ إِلَيْهِ , وَقَدْر مَا يَيْبَس مِنْ ذَلِكَ فِي كُلّ زَمَان , ثُمَّ كُتِبَ الْبَيَان عَلَى كُلّ وَاحِد مِنْهَا مَا أَحَاطَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهِ مِنْهَا , ثُمَّ كَانَ الْبَحْر مِدَادًا لِذَلِكَ الْبَيَان الَّذِي بَيَّنَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ تِلْكَ الْأَشْيَاء يَمُدّهُ مِنْ بَعْده سَبْعَة أَبْحُر لَكَانَ الْبَيَان عَنْ تِلْكَ الْأَشْيَاء أَكْثَرَ . 

قُلْت : هَذَا مَعْنَى قَوْل الْقَفَّال , وَهُوَ قَوْل حَسَن إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَقَالَ قَوْم : إِنَّ قُرَيْشًا قَالَتْ سَيَتِمُّ هَذَا الْكَلَام لِمُحَمَّدٍ وَيَنْحَسِر ; فَنَزَلَتْ وَقَالَ السُّدِّيّ : قَالَتْ قُرَيْش مَا أَكْثَرَ كَلَامَ مُحَمَّد ! فَنَزَلَتْ . قَوْله تَعَالَى : &quot; وَالْبَحْر يَمُدّهُ &quot; قِرَاءَة الْجُمْهُور بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاء , وَخَبَره فِي الْجُمْلَة الَّتِي بَعْدهَا , وَالْجُمْلَة فِي مَوْضِع الْحَال ; كَأَنَّهُ قَالَ : وَالْبَحْر هَذِهِ حَاله ; كَذَا قَدَّرَهَا سِيبَوَيْهِ . وَقَالَ بَعْض النَّحْوِيِّينَ : هُوَ عَطْف عَلَى &quot; أَنَّ &quot; لِأَنَّهَا فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن أَبِي إِسْحَاق : &quot; وَالْبَحْر &quot; بِالنَّصْبِ عَلَى الْعَطْف عَلَى &quot; مَا &quot; وَهِيَ اِسْم &quot; أَنَّ &quot; . وَقِيلَ : أَيْ وَلَوْ أَنَّ الْبَحْر يَمُدّهُ أَيْ يَزِيد فِيهِ . وَقَرَأَ اِبْن هُرْمُز وَالْحَسَن : &quot; يُمِدّهُ &quot; ; مِنْ أَمَدَّ . قَالَتْ فِرْقَة : هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد . وَقَالَتْ فِرْقَة : مَدَّ الشَّيْء بَعْضه بَعْضًا ; كَمَا تَقُول : مَدَّ النِّيل الْخَلِيج ; أَيْ زَادَ فِيهِ . وَأَمَدَّ الشَّيْء مَا لَيْسَ مِنْهُ . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي &quot; الْبَقَرَة . وَآل عِمْرَان &quot; . وَقَرَأَ جَعْفَر بْن مُحَمَّد : &quot; وَالْبَحْر مِدَاده &quot; . &quot; مَا نَفِدَتْ كَلِمَات اللَّه &quot; تَقَدَّمَ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْبَحْر هَاهُنَا الْمَاء الْعَذْب الَّذِي يُنْبِت الْأَقْلَام , وَأَمَّا الْمَاء الْمِلْح فَلَا يُنْبِت الْأَقْلَام .


الْعَزِيز الَّذِي لَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ مَا يُرِيدهُ ;



الْحَكِيم فِيمَا يَفْعَلهُ';
$TAFSEER['4']['31']['28'] = 'قَالَ الضَّحَّاك : الْمَعْنَى مَا اِبْتِدَاء خَلْقكُمْ جَمِيعًا إِلَّا كَخَلْقِ نَفْس وَاحِدَة , وَمَا بَعْثكُمْ يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا كَبَعْثِ نَفْس وَاحِدَة . قَالَ النَّحَّاس : وَهَكَذَا قَدَّرَهُ النَّحْوِيُّونَ بِمَعْنَى إِلَّا كَخَلْقِ نَفْس وَاحِدَة ; مِثْل : &quot; وَاسْأَلْ الْقَرْيَة &quot; [ يُوسُف : 82 ] . وَقَالَ مُجَاهِد : لِأَنَّهُ يَقُول لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِير كُنْ فَيَكُون . وَنَزَلَتْ الْآيَة فِي أُبَيّ بْن خَلَف وَأَبِي الْأَسَدَيْنِ وَمُنَبِّه وَنَبِيه اِبْنَيْ الْحَجَّاج بْن السَّبَّاق , قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ خَلَقَنَا أَطْوَارًا , نُطْفَة ثُمَّ عَلَقَة ثُمَّ مُضْغَة ثُمَّ عِظَامًا , ثُمَّ تَقُول إِنَّا نَبْعَث خَلْقًا جَدِيدًا جَمِيعًا فِي سَاعَة وَاحِدَة ! فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : &quot; مَا خَلْقكُمْ وَلَا بَعْثكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَة &quot; , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يَصْعُب عَلَيْهِ مَا يَصْعُب عَلَى الْعِبَاد , وَخَلْقه لِلْعَالَمِ كَخَلْقِهِ لِنَفْسٍ وَاحِدَة .


لِمَا يَقُولُونَ


بِمَا يَفْعَلُونَ .';
$TAFSEER['4']['31']['29'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَالْحَسَن وَقَتَادَة فِي مَعْنَى قَوْله &quot; تُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار &quot; الْآيَة , أَيْ تُدْخِل مَا نَقَصَ مِنْ أَحَدهمَا فِي الْآخَر , حَتَّى يَصِير النَّهَار خَمْس عَشْرَة سَاعَة وَهُوَ أَطْوَلُ مَا يَكُون , وَاللَّيْل تِسْع سَاعَات وَهُوَ أَقْصَرُ مَا يَكُون . وَهُوَ قَوْل الْكَلْبِيّ , وَرُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود . وَتَحْتَمِل أَلْفَاظ الْآيَة أَنْ يَدْخُل فِيهَا تَعَاقُب اللَّيْل وَالنَّهَار , كَأَنَّ زَوَال أَحَدهمَا وُلُوج فِي الْآخَر .


أَيْ ذَلَّلَهُمَا بِالطُّلُوعِ وَالْأُفُول تَقْدِيرًا لِلْآجَالِ وَإِتْمَامًا لِلْمَنَافِعِ .



قَالَ الْحَسَن : إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . قَتَادَة : إِلَى وَقْته فِي طُلُوعه وَأُفُوله لَا يَعْدُوهُ وَلَا يَقْصُر عَنْهُ .



أَيْ مَنْ قَدَرَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاء فَلَا بُدّ مِنْ أَنْ يَكُون عَالِمًا بِهَا , وَالْعَالِم بِهَا عَالِم بِأَعْمَالِكُمْ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة &quot; تَعْمَلُونَ &quot; بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب . وَقَرَأَ السُّلَمِيّ وَنَصْر بْن عَاصِم وَالدُّورِيّ عَنْ أَبِي عَمْرو بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر .';
$TAFSEER['4']['31']['30'] = 'أَيْ فَعَلَ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا وَتُقِرُّوا &quot; بِأَنَّ اللَّه هُوَ الْحَقّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونه الْبَاطِل &quot; أَيْ الشَّيْطَان ; قَالَهُ مُجَاهِد . وَقِيلَ : مَا أَشْرَكُوا بِهِ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ الْأَصْنَام وَالْأَوْثَان .


الْعَلِيّ فِي مَكَانَته , الْكَبِير فِي سُلْطَانه .';
$TAFSEER['4']['31']['31'] = 'أَيْ السُّفُن &quot; تَجْرِي &quot; فِي مَوْضِع الْخَبَر . &quot; فِي الْبَحْر بِنِعْمَةِ اللَّه &quot; أَيْ بِلُطْفِهِ بِكُمْ وَبِرَحْمَتِهِ لَكُمْ فِي خَلَاصكُمْ مِنْهُ . وَقَرَأَ اِبْن هُرْمُز : &quot; بِنِعْمَات اللَّه &quot; جَمْع نِعْمَة وَهُوَ جَمْع السَّلَامَة , وَكَانَ الْأَصْل تَحْرِيك الْعَيْن فَأُسْكِنَتْ . &quot; لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاته &quot; &quot; مِنْ &quot; لِلتَّبْعِيضِ , أَيْ لِيُرِيَكُمْ جَرْي السُّفُن ; قَالَهُ يَحْيَى بْن سَلَّام . وَقَالَ اِبْن شَجَرَة : &quot; مِنْ آيَاته &quot; مَا تُشَاهِدُونَ مِنْ قُدْرَة اللَّه تَعَالَى فِيهِ . النَّقَّاش : مَا يَرْزُقهُمْ اللَّه مِنْهُ . وَقَالَ الْحَسَن : مِفْتَاح الْبِحَار السُّفُن , وَمِفْتَاح الْأَرْض الطُّرُق , وَمِفْتَاح السَّمَاء الدُّعَاء .

أَيْ صَبَّار لِقَضَائِهِ شَكُور عَلَى نَعْمَائِهِ . وَقَالَ أَهْل الْمَعَانِي : أَرَادَ لِكُلِّ مُؤْمِن بِهَذِهِ الصِّفَة ; لِأَنَّ الصَّبْر وَالشُّكْر مِنْ أَفْضَلِ خِصَال الْإِيمَان . وَالْآيَة : الْعَلَامَة , وَالْعَلَامَة لَا تَسْتَبِين فِي صَدْر كُلّ مُؤْمِن إِنَّمَا تَسْتَبِين لِمَنْ صَبَرَ عَلَى الْبَلَاء وَشَكَرَ عَلَى الرَّخَاء . قَالَ الشَّعْبِيّ : الصَّبْر نِصْف الْإِيمَان , وَالشُّكْر نِصْف الْإِيمَان , وَالْيَقِين الْإِيمَان كُلّه ; أَلَمْ تَرَ إِلَى قَوْله تَعَالَى : &quot; إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِكُلِّ صَبَّار شَكُور &quot; وَقَوْله : &quot; وَفِي الْأَرْض آيَات لِلْمُوقِنِينَ &quot; [ الذَّارِيَات : 20 ] وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( الْإِيمَان نِصْفَانِ نِصْف صَبْر وَنِصْف شُكْر ) .';
$TAFSEER['4']['31']['32'] = 'قَالَ مُقَاتِل : كَالْجِبَالِ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : كَالسَّحَابِ ; وَقَالَهُ قَتَادَة : جَمْع ظُلَّة ; شُبِّهَ الْمَوْج بِهَا لِكِبَرِهَا وَارْتِفَاعهَا . قَالَ النَّابِغَة فِي وَصْف بَحْر : يُمَاشِيهِنَّ أَخْضَرُ ذُو ظِلَال عَلَى حَافَّاته فِلَق الدِّنَان وَإِنَّمَا شُبِّهَ الْمَوْج وَهُوَ وَاحِد بِالظِّلِّ وَهُوَ جَمْع ; لِأَنَّ الْمَوْج يَأْتِي شَيْئًا بَعْد شَيْء وَيَرْكَب بَعْضه بَعْضًا كَالظُّلَلِ . وَقِيلَ : هُوَ بِمَعْنَى الْجَمْع , وَإِنَّمَا لَمْ يُجْمَع لِأَنَّهُ مَصْدَر . وَأَصْله مِنْ الْحَرَكَة وَالِازْدِحَام ; وَمِنْهُ : مَاجَ الْبَحْر , وَالنَّاس يَمُوجُونَ . قَالَ كَعْب : فَجِئْنَا إِلَى مَوْج مِنْ الْبَحْر وَسْطه أَحَابِيش مِنْهُمْ حَاسِر وَمُقَنَّع وَقَرَأَ مُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة : &quot; مَوْج كَالظِّلَالِ &quot; جَمْع ظِلّ .

مُوَحِّدِينَ لَهُ لَا يَدْعُونَ لِخَلَاصِهِمْ سِوَاهُ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ .

يَعْنِي مِنْ الْبَحْر .

قَالَ اِبْن عَبَّاس : مُوفٍ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّه فِي الْبَحْر . النَّقَّاش : يَعْنِي عَدَلَ فِي الْعَهْد , وَفَى فِي الْبَرّ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّه فِي الْبَحْر . وَقَالَ الْحَسَن : &quot; مُقْتَصِد &quot; مُؤْمِن مُتَمَسِّك بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَة . وَقَالَ مُجَاهِد : &quot; مُقْتَصِد &quot; فِي الْقَوْل مُضْمِر لِلْكُفْرِ . وَقِيلَ : فِي الْكَلَام حَذْف ; وَالْمَعْنَى : فَمِنْهُمْ مُقْتَصِد وَمِنْهُمْ كَافِر . وَدَلَّ عَلَى الْمَحْذُوف قَوْله تَعَالَى :

الْخَتَّار : الْغَدَّار . وَالْخَتْر : أَسْوَأ الْغَدْر . قَالَ عَمْرو بْن مَعْد يَكْرِب : فَإِنَّك لَوْ رَأَيْت أَبَا عُمَيْر مَلَأْت يَدَيْك مِنْ غَدْر وَخَتْر وَقَالَ الْأَعْشَى : بِالْأَبْلَقِ الْفَرْد مِنْ تَيْمَاء مَنْزِله حِصْن حَصِين وَجَار غَيْر خَتَّار قَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْخَتْر الْغَدْر ; يُقَال : خَتَرَهُ فَهُوَ خَتَّار . الْمَاوَرْدِيّ : وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور . وَقَالَ عَطِيَّة : إِنَّهُ الْجَاحِد . وَيُقَال : خَتَرَ يَخْتُر وَيَخْتِر ( بِالضَّمِّ وَالْكَسْر ) خَتْرًا ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ , وَجَحْد الْآيَات إِنْكَار أَعْيَانهَا . وَالْجَحْد بِالْآيَاتِ إِنْكَار دَلَائِلهَا .';
$TAFSEER['4']['31']['33'] = 'يَعْنِي الْكَافِر وَالْمُؤْمِن ; أَيْ خَافُوهُ وَوَحَّدُوهُ .

تَقَدَّمَ مَعْنَى &quot; يَجْزِي &quot; فِي الْبَقَرَة وَغَيْرهَا . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَة مِنْ الْوَلَد لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْث لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّة الْقَسَم ) . وَقَالَ : ( مَنْ اُبْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْبَنَات فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّار ) . قِيلَ لَهُ : الْمَعْنِيّ بِهَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ لَا يَحْمِل وَالِد ذَنْب وَلَده , وَلَا مَوْلُود ذَنْب وَالِده , وَلَا يُؤَاخَذ أَحَدهمَا عَنْ الْآخَر . وَالْمَعْنِيّ بِالْأَخْبَارِ أَنَّ ثَوَاب الصَّبْر عَلَى الْمَوْت وَالْإِحْسَان إِلَى الْبَنَات يَحْجُب الْعَبْد عَنْ النَّار , وَيَكُون الْوَلَد سَابِقًا لَهُ إِلَى الْجَنَّة .

أَيْ الْبَعْث

أَيْ تَخْدَعَنَّكُمْ

بِزِينَتِهَا وَمَا تَدْعُو إِلَيْهِ فَتَتَّكِلُوا عَلَيْهَا وَتَرْكَنُوا إِلَيْهَا وَتَتْرُكُوا الْعَمَل لِلْآخِرَةِ

قِرَاءَة الْعَامَّة هُنَا وَفِي سُورَة الْمَلَائِكَة وَالْحَدِيد بِفَتْحِ الْغَيْن , وَهُوَ الشَّيْطَان فِي قَوْل مُجَاهِد وَغَيْره , وَهُوَ الَّذِي يَغُرّ الْخَلْق وَيُمَنِّيهِمْ الدُّنْيَا وَيُلْهِيهِمْ عَنْ الْآخِرَة ; وَفِي سُورَة &quot; النِّسَاء &quot; : &quot; يَعِدهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ &quot; . وَقَرَأَ سِمَاك بْن حَرْب وَأَبُو حَيْوَة وَابْن السَّمَيْقَع بِضَمِّ الْغَيْن ; أَيْ لَا تَغْتَرُّوا . كَأَنَّهُ مَصْدَر غَرَّ يَغُرّ غُرُورًا . قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : هُوَ أَنْ يَعْمَل بِالْمَعْصِيَةِ وَيَتَمَنَّى الْمَغْفِرَة .';
$TAFSEER['4']['31']['34'] = 'زَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّ هَذَا مَعْنَى النَّفْي ; أَيْ مَا يَعْلَمهُ أَحَد إِلَّا اللَّه تَعَالَى . قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : وَإِنَّمَا صَارَ فِيهِ مَعْنَى النَّفْي وَالْإِيجَاب بِتَوْقِيفِ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي قَوْله اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : &quot; وَعِنْده مَفَاتِح الْغَيْب لَا يَعْلَمهَا إِلَّا هُوَ &quot; [ الْأَنْعَام : 59 ] : ( إِنَّهَا هَذِهِ ) : قُلْت : قَدْ ذَكَرْنَا فِي سُورَة &quot; الْأَنْعَام &quot; حَدِيث اِبْن عُمَر فِي هَذَا , خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ . وَفِي حَدِيث جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ : ( أَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَة ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا الْمَسْئُول عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِل , هُنَّ خَمْس لَا يَعْلَمهُنَّ إِلَّا اللَّه تَعَالَى : إِنَّ اللَّه عِنْده عِلْم السَّاعَة وَيُنَزِّل الْغَيْث وَيَعْلَم مَا فِي الْأَرْحَام وَمَا تَدْرِي نَفْس مَا تَكْسِب غَدًا ) قَالَ : ( صَدَقْت ) . لَفْظ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : كُلّ شَيْء أُوتِيَ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْر خَمْس : &quot; إِنَّ اللَّه عِنْده عِلْم السَّاعَة , الْآيَة إِلَى آخِرهَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هَذِهِ الْخَمْسَة لَا يَعْلَمهَا إِلَّا اللَّه تَعَالَى , وَلَا يَعْلَمهَا مَلَك مُقَرَّب وَلَا نَبِيّ مُرْسَل ; فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ يَعْلَم شَيْئًا مِنْ هَذِهِ فَقَدْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ ; لِأَنَّهُ خَالَفَهُ . ثُمَّ إِنَّ الْأَنْبِيَاء يَعْلَمُونَ كَثِيرًا مِنْ الْغَيْب بِتَعْرِيفِ اللَّه تَعَالَى إِيَّاهُمْ . وَالْمُرَاد إِبْطَال كَوْن الْكَهَنَة وَالْمُنَجِّمِينَ وَمَنْ يَسْتَسْقِي بِالْأَنْوَاءِ وَقَدْ يَعْرِف بِطُولِ التَّجَارِب أَشْيَاء مِنْ ذُكُورَة الْحَمْل وَأُنُوثَته إِلَى غَيْر ذَلِكَ ; حَسْبَمَا تَقَدَّمَ ذِكْره فِي الْأَنْعَام . وَقَدْ تَخْتَلِف التَّجْرِبَة وَتَنْكَسِر الْعَادَة وَيَبْقَى الْعِلْم لِلَّهِ تَعَالَى وَحْده . وَرُوِيَ أَنَّ يَهُودِيًّا كَانَ يَحْسُب حِسَاب النُّجُوم , فَقَالَ لِابْنِ عَبَّاس : إِنْ شِئْت نَبَّأْتُك نَجْم اِبْنك , وَأَنَّهُ يَمُوت بَعْد عَشَرَة أَيَّام , وَأَنْتَ لَا تَمُوت حَتَّى تَعْمَى , وَأَنَا لَا يَحُول عَلَيَّ الْحَوْل حَتَّى أَمُوت . قَالَ : فَأَيْنَ مَوْتك يَا يَهُودِيّ ؟ فَقَالَ : لَا أَدْرِي . فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : صَدَقَ اللَّه . &quot; وَمَا تَدْرِي نَفْس بِأَيِّ أَرْض تَمُوت &quot; فَرَجَعَ اِبْن عَبَّاس فَوَجَدَ اِبْنه مَحْمُومًا , وَمَاتَ بَعْد عَشَرَة أَيَّام . وَمَاتَ الْيَهُودِيّ قَبْل الْحَوْل , وَمَاتَ اِبْن عَبَّاس أَعْمَى . قَالَ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن رَاوِي هَذَا الْحَدِيث : هَذَا أَعْجَبُ الْأَحَادِيث . وَقَالَ مُقَاتِل : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ أَهْل الْبَادِيَة اِسْمه الْوَارِث بْن عَمْرو بْن حَارِثَة , أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ اِمْرَأَتِي حُبْلَى فَأَخْبِرْنِي مَاذَا تَلِد , وَبِلَادنَا جَدْبَة فَأَخْبِرْنِي مَتَى يَنْزِل الْغَيْث , وَقَدْ عَلِمْت مَتَى وُلِدْت فَأَخْبِرْنِي مَتَى أَمُوت , وَقَدْ عَلِمْت مَا عَمِلْت الْيَوْم فَأَخْبِرْنِي مَاذَا أَعْمَل غَدًا , وَأَخْبِرْنِي مَتَى تَقُوم السَّاعَة ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ وَالْمَاوَرْدِيّ . وَرَوَى أَبُو الْمَلِيح عَنْ أَبِي عَزَّة الْهُذَلِيّ قَالَ قَالَ رَسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا أَرَادَ اللَّه تَعَالَى قَبْض رُوح عَبْد بِأَرْضٍ جَعَلَ لَهُ إِلَيْهَا حَاجَة فَلَمْ يَنْتَهِ حَتَّى يَقْدَمهَا - ثُمَّ قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - &quot; إِنَّ اللَّه عِنْده عِلْم السَّاعَة - إِلَى قَوْله - بِأَيِّ أَرْض تَمُوت &quot; ) ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ , وَخَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود بِمَعْنَاهُ . وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب { التَّذْكِرَة } مُسْتَوْفًى . وَقِرَاءَة الْعَامَّة : &quot; وَيُنَزِّل &quot; مُشَدَّدًا . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ مُخَفَّفًا . وَقَرَأَ أُبَيّ بْن كَعْب : &quot; بِأَيَّةِ أَرْض &quot; الْبَاقُونَ &quot; بِأَيِّ أَرْض &quot; . قَالَ الْفَرَّاء : اِكْتَفَى بِتَأْنِيثِ الْأَرْض مِنْ تَأْنِيث أَيّ . وَقِيلَ : أَرَادَ بِالْأَرْضِ الْمَكَان فَذَكَّرَ . قَالَ الشَّاعِر : فَلَا مُزْنَة وَدَقَتْ وَدَقَهَا وَلَا أَرْض أَبْقَلَ إِبْقَالهَا وَقَالَ الْأَخْفَ : يَجُوز مَرَرْت بِجَارِيَةٍ أَيّ جَارِيَة , وَأَيَّة جَارِيَة . وَشَبَّهَ سِيبَوَيْهِ تَأْنِيث &quot; أَيّ &quot; بِتَأْنِيثِ كُلٍّ فِي قَوْلِهِمْ : كُلَّتُهُنَّ .

&quot;خَبِير &quot; نَعْت ل &quot; عَلِيم &quot; أَوْ خَبَر بَعْد خَبَر . وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَمُ .';
$TAFSEER['4']['32']['1'] = 'سُورَة السَّجْدَة مَكِّيَّة وَهِيَ مَكِّيَّة , غَيْر ثَلَاث آيَات نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ ; وَهِيَ قَوْله تَعَالَى : &quot; أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا &quot; [ السَّجْدَة : 18 ] تَمَام ثَلَاث آيَات ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل . وَقَالَ غَيْرهمَا : إِلَّا خَمْس آيَات , مِنْ قَوْله تَعَالَى : &quot; تَتَجَافَى جُنُوبهمْ &quot; إِلَى قَوْله &quot; الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ &quot; [ السَّجْدَة : 16 - 20 ] . وَهِيَ ثَلَاثُونَ آيَة . وَقِيلَ تِسْع وَعِشْرُونَ . وَفِي الصَّحِيح عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأ فِي صَلَاة الْفَجْر يَوْم الْجُمُعَة &quot; الم . تَنْزِيل &quot; السَّجْدَة , و &quot; هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان حِين مِنْ الدَّهْر &quot; الْحَدِيث . وَخَرَّجَ الدَّارِمِيّ أَبُو مُحَمَّد فِي مُسْنَده عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنَام حَتَّى يَقْرَأ : &quot; الم . تَنْزِيل &quot; السَّجْدَة . و &quot; تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْك &quot; [ الْمُلْك : 1 ] . قَالَ الدَّارِمِيّ : وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْمُغِيرَة قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدَة عَنْ خَالِد بْن مَعْدَان قَالَ : اِقْرَءُوا الْمُنْجِيَة , وَهِيَ &quot; الم . تَنْزِيل &quot; فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَقْرَؤُهَا , مَا يَقْرَأ شَيْئًا غَيْرهَا , وَكَانَ كَثِير الْخَطَايَا فَنَشَرَتْ جَنَاحهَا عَلَيْهِ وَقَالَتْ : رَبّ اِغْفِرْ لَهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُكْثِر مِنْ قِرَاءَتِي ; فَشَفَّعَهَا الرَّبّ فِيهِ وَقَالَ ( اُكْتُبُوا لَهُ بِكُلِّ خَطِيئَة حَسَنَة وَارْفَعُوا لَهُ دَرَجَة ) . 

اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْحُرُوف الَّتِي فِي أَوَائِل السُّورَة ; فَقَالَ عَامِر الشَّعْبِيّ وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَجَمَاعَة مِنْ الْمُحَدِّثِينَ : هِيَ سِرّ اللَّه فِي الْقُرْآن , وَلِلَّهِ فِي كُلّ كِتَاب مِنْ كُتُبه سِرّ . فَهِيَ مِنْ الْمُتَشَابِه الَّذِي اِنْفَرَدَ اللَّه تَعَالَى بِعِلْمِهِ , وَلَا يَجِب أَنْ يُتَكَلَّم فِيهَا , وَلَكِنْ نُؤْمِن بِهَا وَنَقْرَأ كَمَا جَاءَتْ . وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْل عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَعَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْث السَّمَرْقَنْدِيّ عَنْ عُمَر وَعُثْمَان وَابْن مَسْعُود أَنَّهُمْ قَالُوا : الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة مِنْ الْمَكْتُوم الَّذِي لَا يُفَسَّر . وَقَالَ أَبُو حَاتِم : لَمْ نَجِد الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن إِلَّا فِي أَوَائِل السُّوَر , وَلَا نَدْرِي مَا أَرَادَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِهَا . 

قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الْحُبَاب حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي طَالِب حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِر الْوَاسِطِيّ عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل عَنْ سَعِيد بْن مَسْرُوق عَنْ الرَّبِيع بْن خُثَيْم قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآن فَاسْتَأْثَرَ مِنْهُ بِعِلْمِ مَا شَاءَ , وَأَطْلَعَكُمْ عَلَى مَا شَاءَ , فَأَمَّا مَا اِسْتَأْثَرَ بِهِ لِنَفْسِهِ فَلَسْتُمْ بِنَائِلِيهِ فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهُ , وَأَمَّا الَّذِي أَطْلَعَكُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ الَّذِي تَسْأَلُونَ عَنْهُ وَتُخْبَرُونَ بِهِ , وَمَا بِكُلِّ الْقُرْآن تَعْلَمُونَ , وَلَا بِكُلِّ مَا تَعْلَمُونَ تَعْمَلُونَ . قَالَ أَبُو بَكْر : فَهَذَا يُوَضِّح أَنَّ حُرُوفًا مِنْ الْقُرْآن سُتِرَتْ مَعَانِيهَا عَنْ جَمِيع الْعَالَم , اِخْتِبَارًا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَامْتِحَانًا ; فَمَنْ آمَنَ بِهَا أُثِيبَ وَسَعِدَ , وَمَنْ كَفَرَ وَشَكَّ أَثِمَ وَبَعُدَ . حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُف بْن يَعْقُوب الْقَاضِي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش عَنْ عُمَارَة عَنْ حُرَيْث بْن ظُهَيْر عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : مَا آمَنَ مُؤْمِن أَفْضَلَ مِنْ إِيمَان بِغَيْبٍ , ثُمَّ قَرَأَ : &quot; الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ &quot; [ الْبَقَرَة : 3 ] . 

قُلْت : هَذَا الْقَوْل فِي الْمُتَشَابِه وَحُكْمه , وَهُوَ الصَّحِيح عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي ( آل عِمْرَان ) إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَقَالَ جَمْع مِنْ الْعُلَمَاء كَبِير : بَلْ يَجِب أَنْ نَتَكَلَّم فِيهَا , وَنَلْتَمِس الْفَوَائِد الَّتِي تَحْتهَا , وَالْمَعَانِي الَّتِي تَتَخَرَّج عَلَيْهَا ; وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَال عَدِيدَة ; فَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَلِيّ أَيْضًا : أَنَّ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن اِسْم اللَّه الْأَعْظَم , إِلَّا أَنَّا لَا نَعْرِف تَأْلِيفه مِنْهَا . وَقَالَ قُطْرُب وَالْفَرَّاء وَغَيْرهمَا : هِيَ إِشَارَة إِلَى حُرُوف الْهِجَاء أَعْلَمَ اللَّه بِهَا الْعَرَب حِين تَحَدَّاهُمْ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ مُؤْتَلِف مِنْ حُرُوف هِيَ الَّتِي مِنْهَا بِنَاء كَلَامهمْ ; لِيَكُونَ عَجْزهمْ عَنْهُ أَبْلَغَ فِي الْحُجَّة عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يَخْرُج عَنْ كَلَامهمْ . قَالَ قُطْرُب : كَانُوا يَنْفِرُونَ عِنْد اِسْتِمَاع الْقُرْآن , فَلَمَّا سَمِعُوا : &quot; الم &quot; و &quot; المص &quot; اِسْتَنْكَرُوا هَذَا اللَّفْظ , فَلَمَّا أَنْصَتُوا لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِالْقُرْآنِ الْمُؤْتَلِف لِيُثَبِّتهُ فِي أَسْمَاعهمْ وَآذَانهمْ وَيُقِيم الْحُجَّة عَلَيْهِمْ . وَقَالَ قَوْم : رُوِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ سَمَاع الْقُرْآن بِمَكَّة وَقَالُوا : &quot; لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآن وَالْغَوْا فِيهِ &quot; [ فُصِّلَتْ : 26 ] نَزَلَتْ لِيَسْتَغْرِبُوهَا فَيَفْتَحُونَ لَهَا أَسْمَاعهمْ فَيَسْمَعُونَ الْقُرْآن بَعْدهَا فَتَجِب عَلَيْهِمْ الْحُجَّة . وَقَالَ جَمَاعَة : هِيَ حُرُوف دَالَّة عَلَى أَسْمَاء أُخِذَتْ مِنْهَا وَحُذِفَتْ بَقِيَّتهَا ; كَقَوْلِ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : الْأَلِف مِنْ اللَّه , وَاللَّام مِنْ جِبْرِيل , وَالْمِيم مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : الْأَلِف مِفْتَاح اِسْمه اللَّه , وَاللَّام مِفْتَاح اِسْمه لَطِيف , وَالْمِيم مِفْتَاح اِسْمه مَجِيد . وَرَوَى أَبُو الضُّحَى عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : &quot; الم &quot; قَالَ : أَنَا اللَّه أَعْلَمُ , &quot; الر &quot; أَنَا اللَّه أَرَى , &quot; المص &quot; أَنَا اللَّه أَفْضَلُ . فَالْأَلِف تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَنَا , وَاللَّام تُؤَدِّي عَنْ اِسْم اللَّه , وَالْمِيم تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَعْلَمُ . وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل الزَّجَّاج وَقَالَ : أَذْهَب إِلَى أَنَّ كُلّ حَرْف مِنْهَا يُؤَدِّي عَنْ مَعْنًى ; وَقَدْ تَكَلَّمَتْ الْعَرَب بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَة نَظْمًا لَهَا وَوَضْعًا بَدَل الْكَلِمَات الَّتِي الْحُرُوف مِنْهَا , كَقَوْلِهِ : فَقُلْت لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَاف أَرَادَ : قَالَتْ وَقَفْت . وَقَالَ زُهَيْر : بِالْخَيْرِ خَيْرَات وَإِنْ شَرًّا فَا وَلَا أُرِيد الشَّرّ إِلَّا أَنْ تَا أَرَادَ : وَإِنْ شَرًّا فَشَرّ . وَأَرَادَ : إِلَّا أَنْ تَشَاء . وَقَالَ آخَر : نَادَوْهُمُ أَلَا الجِمُوا أَلَا تَا قَالُوا جَمِيعًا كُلّهمْ أَلَا فَا أَرَادَ : أَلَا تَرْكَبُونَ , قَالُوا : أَلَا فَارْكَبُوا . وَفِي الْحَدِيث : ( مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْل مُسْلِم بِشَطْرِ كَلِمَة ) قَالَ شَقِيق : هُوَ أَنْ يَقُول فِي اُقْتُلْ : اقْ ; كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام ( كَفَى بِالسَّيْفِ شَا ) مَعْنَاهُ : شَافِيًا . 

وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : هِيَ أَسْمَاء لِلسُّوَرِ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : هِيَ أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه تَعَالَى بِهَا لِشَرَفِهَا وَفَضْلهَا , وَهِيَ مِنْ أَسْمَائِهِ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَرَدَّ بَعْض الْعُلَمَاء هَذَا الْقَوْل فَقَالَ : لَا يَصِحّ أَنْ يَكُون قَسَمًا لِأَنَّ الْقَسَم مَعْقُود عَلَى حُرُوف مِثْل : إِنَّ وَقَدْ وَلَقَدْ وَمَا ; وَلَمْ يُوجَد هَا هُنَا حَرْف مِنْ هَذِهِ الْحُرُوف , فَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون يَمِينًا . وَالْجَوَاب أَنْ يُقَال : مَوْضِع الْقَسَم قَوْله تَعَالَى : &quot; لَا رَيْب فِيهِ &quot; فَلَوْ أَنَّ إِنْسَانًا حَلَفَ فَقَالَ : وَاَللَّه هَذَا الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ ; لَكَانَ الْكَلَام سَدِيدًا , وَتَكُون &quot; لَا &quot; جَوَاب الْقَسَم . فَثَبَتَ أَنَّ قَوْل الْكَلْبِيّ وَمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس سَدِيد صَحِيح . 

فَإِنْ قِيلَ : مَا الْحِكْمَة فِي الْقَسَم مِنْ اللَّه تَعَالَى , وَكَانَ الْقَوْم فِي ذَلِكَ الزَّمَان عَلَى صِنْفَيْنِ : مُصَدِّق , وَمُكَذِّب ; فَالْمُصَدِّق يُصَدِّق بِغَيْرِ قَسَم , وَالْمُكَذِّب لَا يُصَدِّق مَعَ الْقَسَم ؟ . قِيلَ لَهُ : الْقُرْآن نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَب ; وَالْعَرَب إِذَا أَرَادَ بَعْضهمْ أَنْ يُؤَكِّد كَلَامه أَقْسَمَ عَلَى كَلَامه ; وَاَللَّه تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُؤَكِّد عَلَيْهِمْ الْحُجَّة فَأَقْسَمَ أَنَّ الْقُرْآن مِنْ عِنْده . وَقَالَ بَعْضهمْ : &quot; الم &quot; أَيْ أَنْزَلْت عَلَيْك هَذَا الْكِتَاب مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ . وَقَالَ قَتَادَة فِي قَوْله : &quot; الم &quot; قَالَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّد بْن عَلِيّ التِّرْمِذِيّ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْدَعَ جَمِيع مَا فِي تِلْكَ السُّورَة مِنْ الْأَحْكَام وَالْقَصَص فِي الْحُرُوف الَّتِي ذَكَرَهَا فِي أَوَّل السُّورَة , وَلَا يَعْرِف ذَلِكَ إِلَّا نَبِيّ أَوْ وَلِيّ , ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي جَمِيع السُّورَة لِيُفَقِّه النَّاس . وَقِيلَ غَيْر هَذَا مِنْ الْأَقْوَال ; فَاَللَّه أَعْلَمُ . 

وَالْوَقْف عَلَى هَذِهِ الْحُرُوف عَلَى السُّكُون لِنُقْصَانِهَا إِلَّا إِذَا أَخْبَرْت عَنْهَا أَوْ عَطَفْتهَا فَإِنَّك تُعْرِبهَا . وَاخْتُلِفَ : هَلْ لَهَا مَحَلّ مِنْ الْإِعْرَاب ؟ فَقِيلَ : لَا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَسْمَاء مُتَمَكِّنَة , وَلَا أَفْعَالًا مُضَارِعَة ; وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ حُرُوف التَّهَجِّي فَهِيَ مَحْكِيَّة . هَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ . وَمَنْ قَالَ : إِنَّهَا أَسْمَاء السُّوَر فَمَوْضِعهَا عِنْده الرَّفْع عَلَى أَنَّهَا عِنْده خَبَر اِبْتِدَاء مُضْمَر ; أَيْ هَذِهِ &quot; الم &quot; ; كَمَا تَقُول : هَذِهِ سُورَة الْبَقَرَة . أَوْ تَكُون رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر ذَلِكَ ; كَمَا تَقُول : زَيْد ذَلِكَ الرَّجُل . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان النَّحْوِيّ : &quot; الم &quot; فِي مَوْضِع نَصْب ; كَمَا تَقُول : اِقْرَأْ &quot; الم &quot; أَوْ عَلَيْك &quot; الم &quot; . وَقِيلَ : فِي مَوْضِع خَفْض بِالْقَسَمِ ; لِقَوْلِ اِبْن عَبَّاس : إِنَّهَا أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه بِهَا .';
$TAFSEER['4']['32']['2'] = 'الْإِجْمَاع عَلَى رَفْع &quot; تَنْزِيل الْكِتَاب &quot; وَلَوْ كَانَ مَنْصُوبًا عَلَى الْمَصْدَر لَجَازَ ; كَمَا قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ : &quot; إِنَّك لِمَنْ الْمُرْسَلِينَ . عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم . تَنْزِيل الْعَزِيز الرَّحِيم &quot; [ يس : 3 - 5 ] . و &quot; تَنْزِيل &quot; رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر &quot; لَا رَيْب فِيهِ &quot; . أَوْ خَبَر عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَأ ; أَيْ هَذَا تَنْزِيل , أَوْ الْمَتْلُوّ تَنْزِيل , أَوْ هَذِهِ الْحُرُوف تَنْزِيل . وَدَلَّتْ : &quot; الم &quot; عَلَى ذِكْر الْحُرُوف . وَيَجُوز أَنْ يَكُون &quot; لَا رَيْب فِيهِ &quot; فِي مَوْضِع الْحَال مِنْ &quot; الْكِتَاب &quot; . و &quot; مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ &quot; الْخَبَر . قَالَ مَكِّيّ : وَهُوَ أَحْسَنُهَا .

لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه ; فَلَيْسَ بِسِحْرٍ وَلَا شِعْر وَلَا كَهَانَة وَلَا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ .';
$TAFSEER['4']['32']['3'] = 'هَذِهِ &quot; أَمْ &quot; الْمُنْقَطِعَة الَّتِي تُقَدَّر بِبَلْ وَأَلِف الِاسْتِفْهَام ; أَيْ بَلْ أَيَقُولُونَ . وَهِيَ تَدُلّ عَلَى خُرُوج مِنْ حَدِيث إِلَى حَدِيث ; فَإِنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَثْبَتَ أَنَّهُ تَنْزِيل مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ , وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا رَيْب فِيهِ , ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى قَوْله : &quot; أَمْ يَقُولُونَ اِفْتَرَاهُ &quot; أَيْ اِفْتَعَلَهُ وَاخْتَلَقَهُ .

كَذَّبَهُمْ فِي دَعْوَى الِافْتِرَاء

قَالَ قَتَادَة : يَعْنِي قُرَيْشًا , كَانُوا أُمَّة أُمِّيَّة لَمْ يَأْتِهِمْ نَذِير مِنْ قَبْل مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . و &quot; لِتُنْذِر &quot; مُتَعَلِّق بِمَا قَبْلهَا فَلَا يُوقَف عَلَى &quot; مِنْ رَبّك &quot; . وَيَجُوز أَنْ يَتَعَلَّق بِمَحْذُوفٍ ; التَّقْدِير : أَنْزَلَهُ لِتُنْذِر قَوْمًا , فَيَجُوز الْوَقْف عَلَى &quot; مِنْ رَبّك &quot; . و &quot; مَا &quot; فِي قَوْله &quot; مَا أَتَاهُمْ &quot; نَفْي . &quot; مِنْ نَذِير &quot; صِلَة . وَ &quot; نَذِير &quot; فِي مَحَلّ الرَّفْع , وَهُوَ الْمُعَلِّم الْمَخُوف . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْقَوْمِ أَهْل الْفَتْرَة بَيْن عِيسَى وَمُحَمَّد عَلَيْهِمَا السَّلَام ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُقَاتِل . وَقِيلَ : كَانَتْ الْحُجَّة ثَابِتَة لِلَّهِ جَلَّ وَعَزَّ عَلَيْهِمْ بِإِنْذَارِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الرُّسُل وَإِنْ لَمْ يَرَوْا رَسُولًا ; وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى .';
$TAFSEER['4']['32']['4'] = 'عَرَّفَهُمْ كَمَال قُدْرَته لِيَسْمَعُوا الْقُرْآن وَيَتَأَمَّلُوهُ . وَمَعْنَى : &quot; خَلَقَ &quot; أَبْدَعَ وَأَوْجَدَ بَعْد الْعَدَم وَبَعْد أَنْ لَمْ تَكُنْ شَيْئًا .

&quot; فِي سِتَّة أَيَّام &quot; مِنْ يَوْم الْأَحَد إِلَى آخِر يَوْم الْجُمُعَة . قَالَ الْحَسَن : مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ الْيَوْم مِنْ الْأَيَّام السِّتَّة الَّتِي خَلَقَ اللَّه فِيهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض مِقْدَاره أَلْف سَنَة مِنْ سِنِي الدُّنْيَا . وَقَالَ الضَّحَّاك : فِي سِتَّة آلَاف سَنَة ; أَيْ فِي مُدَّة سِتَّة أَيَّام مِنْ أَيَّام الْآخِرَة .

هَذِهِ مَسْأَلَة الِاسْتِوَاء ; وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهَا كَلَام وَإِجْرَاء . وَقَدْ بَيَّنَّا أَقْوَال الْعُلَمَاء فِيهَا فِي الْكِتَاب ( الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى وَصِفَاته الْعُلَى ) وَذَكَرْنَا فِيهَا هُنَاكَ أَرْبَعَة عَشَرَ قَوْلًا . وَالْأَكْثَرُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ إِذَا وَجَبَ تَنْزِيه الْبَارِي سُبْحَانه عَنْ الْجِهَة وَالتَّحَيُّز فَمِنْ ضَرُورَة ذَلِكَ وَلَوَاحِقه اللَّازِمَة عَلَيْهِ عِنْد عَامَّة الْعُلَمَاء الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَادَتهمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ تَنْزِيهُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ الْجِهَة , فَلَيْسَ بِجِهَةٍ فَوْق عِنْدهمْ ; لِأَنَّهُ يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ عِنْدهمْ مَتَى اُخْتُصَّ بِجِهَةٍ أَنْ يَكُون فِي مَكَان أَوْ حَيِّز , وَيَلْزَم عَلَى الْمَكَان وَالْحَيِّز الْحَرَكَة وَالسُّكُون لِلْمُتَحَيِّزِ , وَالتَّغَيُّر وَالْحُدُوث . هَذَا قَوْل الْمُتَكَلِّمِينَ . وَقَدْ كَانَ السَّلَف الْأَوَّل رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ لَا يَقُولُونَ بِنَفْيِ الْجِهَة وَلَا يَنْطِقُونَ بِذَلِكَ , بَلْ نَطَقُوا هُمْ وَالْكَافَّة بِإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا نَطَقَ كِتَابه وَأَخْبَرَتْ رُسُله . وَلَمْ يُنْكِر أَحَد مِنْ السَّلَف الصَّالِح أَنَّهُ اِسْتَوَى عَلَى عَرْشه حَقِيقَة . وَخُصَّ الْعَرْش بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مَخْلُوقَاته , وَإِنَّمَا جَهِلُوا كَيْفِيَّة الِاسْتِوَاء فَإِنَّهُ لَا تُعْلَم حَقِيقَته . قَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : الِاسْتِوَاء مَعْلُوم - يَعْنِي فِي اللُّغَة - وَالْكَيْف مَجْهُول , وَالسُّؤَال عَنْ هَذَا بِدْعَة . وَكَذَا قَالَتْ أُمّ سَلَمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا . وَهَذَا الْقَدْر كَافٍ , وَمَنْ أَرَادَ زِيَادَة عَلَيْهِ فَلْيَقِفْ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعه مِنْ كُتُب الْعُلَمَاء . وَالِاسْتِوَاء فِي كَلَام الْعَرَب هُوَ الْعُلُوّ وَالِاسْتِقْرَار . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَاسْتَوَى مِنْ اِعْوِجَاج , وَاسْتَوَى عَلَى ظَهْر دَابَّته ; أَيْ اِسْتَقَرَّ . وَاسْتَوَى إِلَى السَّمَاء أَيْ قَصَدَ . وَاسْتَوَى أَيْ اِسْتَوْلَى وَظَهَرَ . قَالَ : قَدْ اِسْتَوَى بِشْر عَلَى الْعِرَاق مِنْ غَيْر سَيْف وَدَم مُهْرَاق وَاسْتَوَى الرَّجُل أَيْ اِنْتَهَى شَبَابه وَاسْتَوَى الشَّيْء إِذَا اِعْتَدَلَ . وَحَكَى أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَة فِي قَوْله تَعَالَى &quot; الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى &quot; [ طَه : 5 ] قَالَ : عَلَا . وَقَالَ الشَّاعِر فَأَوْرَدْتهمْ مَاء بِفَيْفَاء قَفْرَة وَقَدْ حَلَّقَ النَّجْم الْيَمَانِي فَاسْتَوَى أَيْ عَلَا وَارْتَفَعَ . قُلْت : فَعُلُوّ اللَّه تَعَالَى وَارْتِفَاعه عِبَارَة عَنْ عُلُوّ مَجْده وَصِفَاته وَمَلَكُوته . أَيْ لَيْسَ فَوْقه فِيمَا يَجِب لَهُ مِنْ مَعَانِي الْجَلَال أَحَد , وَلَا مَعَهُ مَنْ يَكُون الْعُلُوّ مُشْتَرَكًا بَيْنه وَبَيْنه ; لَكِنَّهُ الْعَلِيّ بِالْإِطْلَاقِ سُبْحَانه . 

&quot; عَلَى الْعَرْش &quot; لَفْظ مُشْتَرَك يُطْلَق عَلَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِد . قَالَ الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره : الْعَرْش سَرِير الْمُلْك . وَفِي التَّنْزِيل &quot; نَكِّرُوا لَهَا عَرْشهَا &quot; [ النَّمْل : 41 ] , &quot; وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْش &quot; [ يُوسُف : 100 ] . وَالْعَرْش : سَقْف الْبَيْت . وَعَرْش الْقَدَم : مَا نَتَأَ فِي ظَهْرهَا وَفِيهِ الْأَصَابِع . وَعَرْش السِّمَاك : أَرْبَعَة كَوَاكِب صِغَار أَسْفَلَ مِنْ الْعَوَّاء , يُقَال : إِنَّهَا عُجُز الْأَسَد . وَعَرْش الْبِئْر : طَيّهَا بِالْخَشَبِ , بَعْد أَنْ يُطْوَى أَسْفَلهَا بِالْحِجَارَةِ قَدْر قَامَة ; فَذَلِكَ الْخَشَب هُوَ الْعَرْش , وَالْجَمْع عُرُوش . وَالْعَرْش اِسْم لِمَكَّة . وَالْعَرْش الْمُلْك وَالسُّلْطَان . يُقَال : ثُلَّ عَرْش فُلَان إِذَا ذَهَبَ مُلْكه وَسُلْطَانه وَعِزّه . قَالَ زُهَيْر : تَدَارَكْتُمَا عَبْسًا وَقَدْ ثُلَّ عَرْشهَا وَذُبْيَانَ إِذْ زَلَّتْ بِأَقْدَامِهَا النَّعْلُ وَقَدْ يُؤَوَّل الْعَرْش فِي الْآيَة بِمَعْنَى الْمُلْك , أَيْ مَا اِسْتَوَى الْمُلْك إِلَّا لَهُ جَلَّ وَعَزَّ . وَهُوَ قَوْل حَسَن وَفِيهِ نَظَر , وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي جُمْلَة الْأَقْوَال فِي كِتَابنَا . وَالْحَمْد لِلَّهِ .

أَيْ مَا لِلْكَافِرِينَ مِنْ وَلِيّ يَمْنَع مِنْ عَذَابهمْ وَلَا شَفِيع . وَيَجُوز الرَّفْع عَلَى الْمَوْضِع .

فِي قُدْرَته وَمَخْلُوقَاته .';
$TAFSEER['4']['32']['5'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُنْزِل الْقَضَاء وَالْقَدَر . وَقِيلَ : يُنْزِل الْوَحْي مَعَ جِبْرِيل . وَرَوَى عَمْرو بْن مُرَّة عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن سَابَط قَالَ : يُدَبِّر أَمْر الدُّنْيَا أَرْبَعَة : جِبْرِيل , وَمِيكَائِيل , وَمَلَك الْمَوْت , وَإِسْرَافِيل ; صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . فَأَمَّا جِبْرِيل فَمُوكَل بِالرِّيَاحِ وَالْجُنُود . وَأَمَّا مِيكَائِيل فَمُوكَل بِالْقَطْرِ وَالْمَاء . وَأَمَّا مَلَك الْمَوْت فَمُوكَل بِقَبْضِ الْأَرْوَاح . وَأَمَّا إِسْرَافِيل فَهُوَ يَنْزِل بِالْأَمْرِ عَلَيْهِمْ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْعَرْش مَوْضِع التَّدْبِير ; كَمَا أَنَّ مَا دُون الْعَرْش مَوْضِع التَّفْصِيل ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; ثُمَّ اِسْتَوَى عَلَى الْعَرْش وَسَخَّرَ الشَّمْس وَالْقَمَر كُلّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّر الْأَمْر يُفَصِّل الْآيَات &quot; [ الرَّعْد : 2 ] . وَمَا دُون السَّمَوَات مَوْضِع التَّصْرِيف ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنهمْ لِيَذَّكَّرُوا &quot; [ الْفُرْقَان : 50 ] .

قَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام : هُوَ جِبْرِيل يَصْعَد إِلَى السَّمَاء بَعْد نُزُوله بِالْوَحْيِ . وَقَالَ النَّقَّاش : هُوَ الْمَلَك الَّذِي يُدَبِّر الْأَمْر مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض . وَقِيلَ : إِنَّهَا أَخْبَار أَهْل الْأَرْض تَصْعَد إِلَيْهِ مَعَ حَمَلَتهَا مِنْ الْمَلَائِكَة ; قَالَهُ اِبْن شَجَرَة . وَقِيلَ : &quot; ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ &quot; أَيْ يَرْجِع ذَلِكَ الْأَمْر وَالتَّدْبِير إِلَيْهِ بَعْد اِنْقِضَاء الدُّنْيَا

&quot; فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة &quot; وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة . وَعَلَى الْأَقْوَال الْمُتَقَدِّمَة فَالْكِنَايَة فِي &quot; يَعْرُج &quot; كِنَايَة عَنْ الْمَلَك , وَلَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر لِأَنَّهُ مَفْهُوم مِنْ الْمَعْنَى , وَقَدْ جَاءَ صَرِيحًا فِي &quot; سَأَلَ سَائِل &quot; قَوْله : &quot; تَعْرُج الْمَلَائِكَة وَالرُّوح إِلَيْهِ &quot; [ الْمَعَارِج : 4 ] . وَالضَّمِير فِي &quot; إِلَيْهِ &quot; يَعُود عَلَى السَّمَاء عَلَى لُغَة مَنْ يُذَكِّرهَا , أَوْ عَلَى مَكَان الْمَلَك الَّذِي يَرْجِع إِلَيْهِ , أَوْ عَلَى اِسْم اللَّه تَعَالَى ; وَالْمُرَاد إِلَى الْمَوْضِع الَّذِي أَقَرَّهُ فِيهِ , وَإِذَا رَجَعَتْ إِلَى اللَّه فَقَدْ رَجَعَتْ إِلَى السَّمَاء , أَيْ إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى ; فَإِنَّهُ إِلَيْهَا يَرْتَفِع مَا يُصْعَد بِهِ مِنْ الْأَرْض وَمِنْهَا يَنْزِل مَا يُهْبَط بِهِ إِلَيْهَا ; ثَبَتَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي صَحِيح مُسْلِم . وَالْهَاء فِي &quot; مِقْدَاره &quot; رَاجِعَة إِلَى التَّدْبِير ; وَالْمَعْنَى : كَانَ مِقْدَار ذَلِكَ التَّدْبِير أَلْف سَنَة مِنْ سِنِي الدُّنْيَا ; أَيْ يَقْضِي أَمْر كُلّ شَيْء لِأَلْفِ سَنَة فِي يَوْم وَاحِد , ثُمَّ يُلْقِيه إِلَى مَلَائِكَته , فَإِذَا مَضَتْ قَضَى لِأَلْفِ سَنَة أُخْرَى , ثُمَّ كَذَلِكَ أَبَدًا ; قَالَهُ مُجَاهِد . وَقِيلَ : الْهَاء لِلْعُرُوجِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنَّهُ يُدَبِّر أَمْر الدُّنْيَا إِلَى أَنْ تَقُوم السَّاعَة , ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْر فَيَحْكُم فِيهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة . وَقِيلَ : الْمَعْنَى يُدَبِّر أَمْر الشَّمْس فِي طُلُوعهَا وَغُرُوبهَا وَرُجُوعهَا إِلَى مَوْضِعهَا مِنْ الطُّلُوع , فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره فِي الْمَسَافَة أَلْف سَنَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمَعْنَى كَانَ مِقْدَاره لَوْ سَارَهُ غَيْر الْمَلَك أَلْف سَنَة ; لِأَنَّ النُّزُول خَمْسُمِائَةٍ وَالصُّعُود خَمْسُمِائَةٍ . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَة مِنْ الْمُفَسِّرِينَ , وَهُوَ اِخْتِيَار الطَّبَرِيّ ; ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ . وَهُوَ مَعْنَى الْقَوْل الْأَوَّل . أَيْ أَنَّ جِبْرِيل لِسُرْعَةِ سَيْره يَقْطَع مَسِيرَة أَلْف سَنَة فِي يَوْم مِنْ أَيَّامكُمْ ; ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ . وَذَكَر الْمَاوَرْدِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك أَنَّ الْمَلَك يَصْعَد فِي يَوْم مَسِيرَة أَلْف سَنَة . وَعَنْ قَتَادَة أَنَّ الْمَلَك يَنْزِل وَيَصْعَد فِي يَوْم مِقْدَاره أَلْف سَنَة ; فَيَكُون مِقْدَار نُزُوله خَمْسمِائَةِ سَنَة , وَمِقْدَار صُعُوده خَمْسمِائَةٍ عَلَى قَوْل قَتَادَة وَالسُّدِّيّ . وَعَلَى قَوْل اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك : النُّزُول أَلْف سَنَة , وَالصُّعُود أَلْف سَنَة . &quot; مِمَّا تَعُدُّونَ &quot; أَيْ مِمَّا تَحْسُبُونَ مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا . وَهَذَا الْيَوْم عِبَارَة عَنْ زَمَان يَتَقَدَّر بِأَلْفِ سَنَة مِنْ سِنِي الْعَالَم , وَلَيْسَ بِيَوْمٍ يَسْتَوْعِب نَهَارًا بَيْن لَيْلَتَيْنِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عِنْد اللَّه . وَالْعَرَب قَدْ تُعَبِّر عَنْ مُدَّة الْعَصْر بِالْيَوْمِ ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : يَوْمَانِ يَوْمُ مُقَامَاتٍ وَأَنْدِيَةٍ وَيَوْمُ سَيْرٍ إِلَى الْأَعْدَاءِ تَأْوِيب وَلَيْسَ يُرِيد يَوْمَيْنِ مَخْصُوصَيْنِ , وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ زَمَانهمْ يَنْقَسِم شَطْرَيْنِ , فَعَبَّرَ عَنْ كُلّ وَاحِد مِنْ الشَّطْرَيْنِ بِيَوْمٍ . وَقَرَأَ اِبْن أَبِي عَبْلَة : &quot; يُعْرَج &quot; عَلَى الْبِنَاء لِلْمَفْعُولِ . وَقُرِئَ : &quot; يَعُدُّونَ &quot; بِالْيَاءِ . فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : &quot; فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة &quot; فَمُشْكِل مَعَ هَذِهِ الْآيَة . وَقَدْ سَأَلَ عَبْد اللَّه بْن فَيْرُوز الدَّيْلَمِيّ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس عَنْ هَذِهِ الْآيَة وَعَنْ قَوْله : &quot; فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة &quot; فَقَالَ : أَيَّام سَمَّاهَا سُبْحَانه , وَمَا أَدْرِي مَا هِيَ ؟ فَأَكْرَه أَنْ أَقُول فِيهَا مَا لَا أَعْلَم . ثُمَّ سُئِلَ عَنْهَا سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فَقَالَ : لَا أَدْرِي . فَأَخْبَرْته بِقَوْلِ اِبْن عَبَّاس فَقَالَ اِبْن الْمُسَيِّب لِلسَّائِلِ : هَذَا اِبْن عَبَّاس اِتَّقَى أَنْ يَقُول فِيهَا وَهُوَ أَعْلَمُ مِنِّي . ثُمَّ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ فَقِيلَ : إِنَّ آيَة &quot; سَأَلَ سَائِل &quot; [ الْمَعَارِج : 1 ] هُوَ إِشَارَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , بِخِلَافِ هَذِهِ الْآيَة . وَالْمَعْنَى : أَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَهُ فِي صُعُوبَته عَلَى الْكُفَّار كَخَمْسِينَ أَلْف سَنَة ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَالْعَرَب تَصِف أَيَّام الْمَكْرُوه بِالطُّولِ وَأَيَّام السُّرُور بِالْقِصَرِ . قَالَ : وَيَوْمٌ كَظِلِّ الرُّمْحِ قَصَّرَ طُولَهُ دَمُ الزِّقِّ عَنَّا وَاصْطِفَاقُ الْمَزَاهِرِ وَقِيلَ : إِنَّ يَوْم الْقِيَامَة فِيهِ أَيَّام ; فَمِنْهُ مَا مِقْدَاره أَلْف سَنَة وَمِنْهُ مَا مِقْدَاره خَمْسُونَ أَلْف سَنَة . وَقِيلَ : أَوْقَات الْقِيَامَة مُخْتَلِفَة , فَيُعَذَّب الْكَافِر بِجِنْسٍ مِنْ الْعَذَاب أَلْف سَنَة , ثُمَّ يَنْتَقِل إِلَى جِنْس آخَرَ مُدَّته خَمْسُونَ أَلْف سَنَة . وَقِيلَ : مَوَاقِف الْقِيَامَة خَمْسُونَ مَوْقِفًا ; كُلّ مَوْقِف أَلْف سَنَة . فَمَعْنَى : &quot; يَعْرُج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة &quot; أَيْ مِقْدَار وَقْت , أَوْ مَوْقِف مِنْ يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ النَّحَّاس : الْيَوْم فِي اللُّغَة بِمَعْنَى الْوَقْت ; فَالْمَعْنَى : تَعْرُج الْمَلَائِكَة وَالرُّوح إِلَيْهِ فِي وَقْت كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة , وَفِي وَقْت آخَر كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة . وَعَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه : &quot; فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة &quot; قَالَ : مَا بَيْن أَسْفَلِ الْأَرْضِ إِلَى الْعَرْش . وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ عَنْ مُجَاهِد وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك فِي قَوْله تَعَالَى : &quot; تَعْرُج الْمَلَائِكَة وَالرُّوح إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة &quot; [ الْمَعَارِج : 4 ] أَرَادَ مِنْ الْأَرْض إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى الَّتِي فِيهَا جِبْرِيل . يَقُول تَعَالَى : يَسِير جِبْرِيل وَالْمَلَائِكَة الَّذِينَ مَعَهُ مِنْ أَهْل مَقَامه مَسِيرَة خَمْسِينَ أَلْف سَنَة فِي يَوْم وَاحِد مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا . وَقَوْله : &quot; إِلَيْهِ &quot; يَعْنِي إِلَى الْمَكَان الَّذِي أَمَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَعْرُجُوا إِلَيْهِ . وَهَذَا كَقَوْلِ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : &quot; إِنِّي ذَاهِب إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ &quot; [ الصَّافَّات : 99 ] أَرَادَ أَرْض الشَّام . وَقَالَ تَعَالَى : &quot; وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّه &quot; [ النِّسَاء : 100 ] أَيْ إِلَى الْمَدِينَة . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتَانِي مَلَك مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ بِرِسَالَةٍ ثُمَّ رَفَعَ رِجْله فَوَضَعَهَا فَوْق السَّمَاء وَالْأُخْرَى عَلَى الْأَرْض لَمْ يَرْفَعهَا بَعْد ) .';
$TAFSEER['4']['32']['6'] = 'أَيْ عَلِمَ مَا غَابَ عَنْ الْخَلْق وَمَا حَضَرَهُمْ . و &quot; ذَلِكَ &quot; بِمَعْنَى أَنَا . حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي أَوَّل الْبَقَرَة . وَفِي الْكَلَام مَعْنَى التَّهْدِيد وَالْوَعِيد ; أَيْ أَخْلِصُوا أَفْعَالكُمْ وَأَقْوَالكُمْ فَإِنِّي أُجَازِي عَلَيْهَا .';
$TAFSEER['4']['32']['7'] = 'قَرَأَ اِبْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامِر : &quot; خَلْقه &quot; بِإِسْكَانِ اللَّام . وَفَتَحَهَا الْبَاقُونَ . وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم طَلَبًا لِسُهُولَتِهَا . وَهُوَ فِعْل مَاضٍ فِي مَوْضِع خَفْض نَعْت ل &quot; شَيْء &quot; . وَالْمَعْنَى عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَحْكَمَ كُلّ شَيْء خَلَقَهُ , أَيْ جَاءَ بِهِ عَلَى مَا أَرَادَ , لَمْ يَتَغَيَّر عَنْ إِرَادَته . وَقَوْل آخَر - إِنَّ كُلّ شَيْء خَلَقَهُ حَسَن ; لِأَنَّهُ لَا يَقْدِر أَحَد أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ ; وَهُوَ دَالّ عَلَى خَالِقه . وَمَنْ أَسْكَنَ اللَّام فَهُوَ مَصْدَر عِنْد سِيبَوَيْهِ ; لِأَنَّ قَوْله : &quot; أَحْسَنَ كُلّ شَيْء خَلَقَهُ &quot; يَدُلّ عَلَى : خَلَقَ كُلّ شَيْء خَلْقًا ; فَهُوَ مِثْل : &quot; صُنْع اللَّه &quot; [ النَّمْل : 88 ] و &quot; كِتَاب اللَّه عَلَيْكُمْ &quot; [ النِّسَاء : 24 ] . وَعِنْد غَيْره مَنْصُوب عَلَى الْبَدَل مِنْ &quot; كُلّ &quot; أَيْ الَّذِي أَحْسَنَ خَلْق كُلّ شَيْء . وَهُوَ مَفْعُول ثَانٍ عِنْد بَعْض النَّحْوِيِّينَ , عَلَى أَنْ يَكُون مَعْنَى : &quot; أَحْسَنَ &quot; أَفْهَمَ وَأَعْلَمَ ; فَيَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ , أَيْ أَفْهَمَ كُلّ شَيْء خَلَقَهُ . وَقِيلَ : هُوَ مَنْصُوب عَلَى التَّفْسِير ; وَالْمَعْنَى : أَحْسَنَ كُلّ شَيْء خَلْقًا . وَقِيلَ : هُوَ مَنْصُوب بِإِسْقَاطِ حَرْف الْجَرّ , وَالْمَعْنَى : أَحْسَنَ كُلّ شَيْء فِي خَلْقه . وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس و &quot; أَحْسَنَ &quot; أَيْ أَتْقَنَ وَأَحْكَمَ ; فَهُوَ أَحْسَنَ مِنْ جِهَة مَا هُوَ لِمَقَاصِدِهِ الَّتِي أُرِيدَ لَهَا . وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة : لَيْسَتْ اِسْت الْقِرْد بِحَسَنَةٍ , وَلَكِنَّهَا مُتْقَنَة مُحْكَمَة . وَرَوَى اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد &quot; أَحْسَنَ كُلّ شَيْء خَلَقَهُ &quot; قَالَ : أَتْقَنَهُ . وَهُوَ مِثْل قَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى : &quot; الَّذِي أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه &quot; [ طَه : 50 ] أَيْ لَمْ يَخْلُق الْإِنْسَان عَلَى خَلْق الْبَهِيمَة , وَلَا خَلَقَ الْبَهِيمَة عَلَى خَلْق الْإِنْسَان . وَيَجُوز : &quot; خَلْقُهُ &quot; بِالرَّفْعِ ; عَلَى تَقْدِير ذَلِكَ خَلْقه . وَقِيلَ : هُوَ عُمُوم فِي اللَّفْظ خُصُوص فِي الْمَعْنَى ; وَالْمَعْنَى : حَسَّنَ خَلْق كُلّ شَيْء حَسَن . وَقِيلَ : هُوَ عُمُوم فِي اللَّفْظ وَالْمَعْنَى , أَيْ جَعَلَ كُلّ شَيْء خَلَقَهُ حَسَنًا , حَتَّى جَعَلَ الْكَلْب فِي خَلْقه حَسَنًا ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ قَتَادَة : فِي اِسْت الْقِرْد حَسَنَة .

يَعْنِي آدَم .';
$TAFSEER['4']['32']['8'] = 'تَقَدَّمَ فِي &quot; الْمُؤْمِنُونَ &quot; وَغَيْرهَا . قَالَ الزَّجَّاج : &quot; مِنْ مَاء مَهِين &quot; ضَعِيف . وَقَالَ غَيْره : &quot; مَهِين &quot; لَا خَطَر لَهُ عِنْد النَّاس .';
$TAFSEER['4']['32']['9'] = 'رَجَعَ إِلَى آدَم , أَيْ سَوَّى خَلْقه &quot; وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحه &quot; .

ثُمَّ رَجَعَ إِلَى ذُرِّيَّته فَقَالَ : &quot; وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْع وَالْأَبْصَار وَالْأَفْئِدَة &quot; وَقِيلَ : ثُمَّ جَعَلَ ذَلِكَ الْمَاء الْمَهِين خَلْقًا مُعْتَدِلًا , وَرَكَّبَ فِيهِ الرُّوح وَأَضَافَهُ إِلَى نَفْسه تَشْرِيفًا . وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مِنْ فِعْله وَخَلْقه كَمَا أَضَافَ الْعَبْد إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ : &quot; عَبْدِي &quot; . وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالنَّفْخِ لِأَنَّ الرُّوح فِي جِنْس الرِّيح . وَقَدْ مَضَى هَذَا مُبَيَّنًا فِي &quot; النِّسَاء &quot; وَغَيْرهَا .

أَيْ ثُمَّ أَنْتُمْ لَا تَشْكُرُونَ بَلْ تَكْفُرُونَ .';
$TAFSEER['4']['32']['10'] = 'هَذَا قَوْل مُنْكِرِي الْبَعْث ; أَيْ هَلَكْنَا وَبَطَلْنَا وَصِرْنَا تُرَابًا . وَأَصْله مِنْ قَوْل الْعَرَب : ضَلَّ الْمَاء فِي اللَّبَن إِذَا ذَهَبَ . وَالْعَرَب تَقُول لِلشَّيْءِ غَلَبَ عَلَيْهِ حَتَّى خَفِيَ فِيهِ أَثَره : قَدْ ضَلَّ . قَالَ الْأَخْطَل : كُنْت الْقَذَى فِي مَوْج أَكْدَر مُزْبِد قَذْف الْأَتِيِّ بِهِ فَضَلَّ ضَلَالًا وَقَالَ قُطْرُب : مَعْنَى ضَلَلْنَا غِبْنَا فِي الْأَرْض . وَأَنْشَدَ قَوْل النَّابِغَة الذُّبْيَانِيّ : فَآبَ مُضِلُّوهُ بِعَيْنٍ جَلِيَّة 76 وَغُودِرَ بِالْجَوْلَانِ حَزْمٌ وَنَائِلُ وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن وَيَحْيَى بْن يَعْمُر : &quot; ضَلِلْنَا &quot; بِكَسْرِ اللَّام , وَهِيَ لُغَة . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَقَدْ ضَلَلْت أَضِلّ قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; قُلْ إِنْ ضَلَلْت فَإِنَّمَا أَضِلّ عَلَى نَفْسِي &quot; [ سَبَأ : 50 ] . فَهَذِهِ لُغَة نَجْد وَهِيَ الْفَصِيحَة . وَأَهْل الْعَالِيَة يَقُولُونَ : &quot; ضَلِلْت &quot; - بِكَسْرِ اللَّام - أَضَلُّ . وَهُوَ ضَالّ تَالّ , وَهِيَ الضَّلَالَة وَالتَّلَالَة . وَأَضَلَّهُ أَيْ أَضَاعَهُ وَأَهْلَكَهُ . يُقَال : أُضِلَّ الْمَيِّت إِذَا دُفِنَ . قَالَ : فَآبَ مُضِلُّوهُ ... الْبَيْت . اِبْن السِّكِّيت : أَضْلَلْت بَعِيرِي إِذَا ذَهَبَ مِنْك . وَضَلَلْت الْمَسْجِد وَالدَّار : إِذَا لَمْ تَعْرِف مَوْضِعهمَا . وَكَذَلِكَ كُلّ شَيْء مُقِيم لَا يُهْتَدَى لَهُ . وَفِي الْحَدِيث ( لَعَلِّي أَضِلُّ اللَّه ) يُرِيد أَضِلّ عَنْهُ , أَيْ أَخْفَى عَلَيْهِ , مِنْ قَوْله تَعَالَى : &quot; أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْض &quot; أَيْ خَفِينَا . وَأَضَلَّهُ اللَّه فَضَلَّ ; تَقُول : إِنَّك تَهْدِي الضَّالّ وَلَا تَهْدِي الْمُتَضَالّ . وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَالْحَسَن : &quot; صَلَلْنَا &quot; بِالصَّادِ ; أَيْ أَنْتَنَّا . وَهِيَ قِرَاءَة عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . النَّحَّاس : وَلَا يُعْرَف فِي اللُّغَة صَلَلْنَا وَلَكِنْ يُقَال : صَلَّ اللَّحْم وَأَصَلَّ , وَخَمَّ وَأَخَمَّ إِذَا أَنْتَنَ . الْجَوْهَرِيّ : صَلَّ اللَّحْم يَصِلّ - بِالْكَسْرِ - صُلُولًا , أَيْ أَنْتَنَ , مَطْبُوخًا كَانَ أَوْ نِيئًا . قَالَ الْحُطَيْئَة : ذَاكَ فَتًى يَبْذُل ذَا قِدْره لَا يُفْسِد اللَّحْمَ لَدَيْهِ الصُّلُولُ 

وَأَصْل مِثْله . &quot; إِنَّا لَفِي خَلْق جَدِيد &quot; أَيْ نَخْلُق بَعْد ذَلِكَ خَلْقًا جَدِيدًا ؟ وَيُقْرَأ : &quot; أَإِنَّا &quot; . النَّحَّاس : وَفِي هَذَا سُؤَال صَعْب مِنْ الْعَرَبِيَّة ; يُقَال : مَا الْعَامِل فِي &quot; إِذَا &quot; ؟ و &quot; إِنَّ &quot; لَا يَعْمَل مَا بَعْدهَا فِيمَا قَبْلهَا . وَالسُّؤَال فِي الِاسْتِفْهَام أَشَدُّ ; لِأَنَّ مَا بَعْد الِاسْتِفْهَام أَجْدَرُ ; أَلَّا يَعْمَل فِيمَا قَبْله مِنْ &quot; إِنَّ &quot; كَيْف وَقَدْ اِجْتَمَعَا . فَالْجَوَاب عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : &quot; إِنَّا &quot; أَنَّ الْعَامِل &quot; ضَلَلْنَا &quot; , وَعَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : &quot; أَإِنَّا &quot; أَنَّ الْعَامِل مُضْمَر , وَالتَّقْدِير أَنُبْعَثُ إِذَا مُتْنَا . وَفِيهِ أَيْضًا سُؤَال آخَر , يُقَال : أَيْنَ جَوَاب &quot; إِذَا &quot; عَلَى الْقِرَاءَة الْأُولَى لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الشَّرْط ؟ فَالْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّ بَعْدهَا فِعْلًا مَاضِيًا ; فَلِذَلِكَ جَازَ هَذَا .

أَيْ لَيْسَ لَهُمْ جُحُود قُدْرَة اللَّه تَعَالَى عَنْ الْإِعَادَة ; لِأَنَّهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِقُدْرَتِهِ وَلَكِنَّهُمْ اِعْتَقَدُوا أَنْ لَا حِسَاب عَلَيْهِمْ , وَأَنَّهُمْ لَا يَلْقَوْنَ اللَّه تَعَالَى .';
$TAFSEER['4']['32']['11'] = 'فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : &quot; قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَك الْمَوْت لَمَّا ذَكَرَ اِسْتِبْعَادهمْ لِلْبَعْثِ ذَكَرَ تَوَفِّيَهُمْ وَأَنَّهُ يُعِيدهُمْ . &quot; يَتَوَفَّاكُمْ &quot; مِنْ تَوَفَّى الْعَدَد وَالشَّيْء إِذَا اِسْتَوْفَاهُ وَقَبَضَهُ جَمِيعًا . يُقَال : تَوَفَّاهُ اللَّه أَيْ اِسْتَوْفَى رُوحه ثُمَّ قَبَضَهُ . وَتَوَفَّيْت مَالِي مِنْ فُلَان أَيْ اِسْتَوْفَيْته . &quot; مَلَك الْمَوْت &quot; وَاسْمه عِزْرَائِيل وَمَعْنَاهُ عَبْد اللَّه ; كَمَا تَقَدَّمَ فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; . وَتَصَرُّفه كُلّه بِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى وَبِخَلْقِهِ وَاخْتِرَاعه . وَرُوِيَ فِي الْحَدِيث أَنَّ ( الْبَهَائِم كُلّهَا يَتَوَفَّى اللَّه أَرْوَاحهَا دُون مَلَك الْمَوْت ) كَأَنَّهُ يُعْدِم حَيَاتهَا ; ذَكَرَهُ اِبْن عَطِيَّة . 

قُلْت : وَقَدْ رُوِيَ خِلَافه , وَأَنَّ مَلَك الْمَوْت يَتَوَفَّى أَرْوَاح جَمِيع الْخَلَائِق حَتَّى الْبُرْغُوث وَالْبَعُوضَة . رَوَى جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ قَالَ : نَظَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَلَك الْمَوْت عِنْد رَأْس رَجُل مِنْ الْأَنْصَار , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اُرْفُقْ بِصَاحِبِي فَإِنَّهُ مُؤْمِن ) فَقَالَ مَلَك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام : ( يَا مُحَمَّد , طِبْ نَفْسًا وَقَرَّ عَيْنًا فَإِنِّي بِكُلِّ مُؤْمِن رَفِيق . وَاعْلَمْ أَنَّ مَا مِنْ أَهْل بَيْت مَدَر وَلَا شَعْر فِي بَرّ وَلَا بَحْر إِلَّا وَأَنَا أَتَصَفَّحُهُمْ فِي كُلّ يَوْم خَمْس مَرَّات حَتَّى لَأَنَا أَعْرَف بِصَغِيرِهِمْ وَكَبِيرهمْ مِنْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ . وَاَللَّه يَا مُحَمَّد لَوْ أَنِّي أَرَدْت أَنْ أَقْبِض رُوح بَعُوضَة مَا قَدَرْت عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَكُون اللَّه هُوَ الْآمِر بِقَبْضِهَا ) . قَالَ جَعْفَر بْن عَلِيّ : بَلَغَنِي أَنَّهُ يَتَصَفَّحُهُمْ عِنْد مَوَاقِيت الصَّلَوَات ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَذَكَرَ الْخَطِيب أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن ثَابِت الْبَغْدَادِيّ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن بْن مُحَمَّد الْخَلَّال قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان الصَّفَّار قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر حَامِد الْمِصْرِيّ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَيُّوب الْعَلَّاف قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن مُهَيْر الْكِلَابِيّ قَالَ : حَضَرْت مَالِك بْن أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَأَتَاهُ رَجُل فَسَأَلَهُ : أَبَا عَبْد اللَّه , الْبَرَاغِيث أَمَلَك الْمَوْت يَقْبِض أَرْوَاحهَا ؟ قَالَ : فَأَطْرَقَ مَالِك طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ : أَلَهَا أَنْفُس ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ : مَلَك الْمَوْت يَقْبِض أَرْوَاحهَا ; &quot; اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا &quot; [ الزُّمَر : 42 ] . قَالَ اِبْن عَطِيَّة بَعْد ذِكْره الْحَدِيث وَكَذَلِكَ الْأَمْر فِي بَنِي آدَم , إِلَّا أَنَّهُ نَوْع شَرَف بِتَصَرُّفِ مَلَك وَمَلَائِكَة مَعَهُ فِي قَبْض أَرْوَاحهمْ . فَخَلَقَ اللَّه تَعَالَى مَلَك الْمَوْت وَخَلَقَ عَلَى يَدَيْهِ قَبْض الْأَرْوَاح , وَاسْتِلَالهَا مِنْ الْأَجْسَام وَإِخْرَاجهَا مِنْهَا . وَخَلَقَ اللَّه تَعَالَى جُنْدًا يَكُونُونَ مَعَهُ يَعْمَلُونَ عَمَله بِأَمْرِهِ ; فَقَالَ تَعَالَى : &quot; وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَة &quot; , [ الْأَنْفَال : 50 ] وَقَالَ تَعَالَى : &quot; تَوَفَّتْهُ رُسُلنَا &quot; [ الْأَنْعَام : 61 ] وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي &quot; الْأَنْعَام &quot; . وَالْبَارِئ خَالِق الْكُلّ , الْفَاعِل حَقِيقَة لِكُلِّ فِعْل ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامهَا &quot; [ الزُّمَر : 42 ] . &quot; الَّذِي خَلَقَ الْمَوْت وَالْحَيَاة &quot; [ الْمُلْك : 2 ] . &quot; يُحْيِي وَيُمِيت &quot; [ الْأَعْرَاف : 158 ] . فَمَلَك الْمَوْت يَقْبِض وَالْأَعْوَان يُعَالِجُونَ وَاَللَّه تَعَالَى يُزْهِق الرُّوح . وَهَذَا هُوَ الْجَمْع بَيْن الْآي وَالْأَحَادِيث ; لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَلَك الْمَوْت مُتَوَلِّيَ ذَلِكَ بِالْوَسَاطَةِ وَالْمُبَاشَرَة أُضِيفَ التَّوَفِّي إِلَيْهِ كَمَا أُضِيفَ الْخَلْق لِلْمَلَكِ ; كَمَا تَقَدَّمَ فِي &quot; الْحَجّ &quot; . وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد أَنَّ الدُّنْيَا بَيْن يَدَيْ مَلَك الْمَوْت كَالطَّسْتِ بَيْن يَدَيْ الْإِنْسَان يَأْخُذ مِنْ حَيْثُ شَاءَ . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مَرْفُوعًا , وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي { كِتَاب التَّذْكِرَة } . وَرُوِيَ أَنَّ مَلَك الْمَوْت لَمَّا وَكَّلَهُ اللَّه تَعَالَى بِقَبْضِ الْأَرْوَاح قَالَ : رَبّ جَعَلْتنِي أُذْكَر بِسُوءٍ وَيَشْتُمنِي بَنُو آدَم . فَقَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُ : ( إِنِّي أَجْعَلُ لِلْمَوْتِ عِلَلًا وَأَسْبَابًا مِنْ الْأَمْرَاض وَالْأَسْقَام يَنْسُبُونَ الْمَوْت إِلَيْهَا فَلَا يَذْكُرك أَحَد إِلَّا بِخَيْرٍ ) . وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي التَّذْكِرَة مُسْتَوْفًى - وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَدْعُو الْأَرْوَاح فَتَجِيئهُ وَيَقْبِضهَا , ثُمَّ يُسَلِّمهَا إِلَى مَلَائِكَة الرَّحْمَة أَوْ الْعَذَاب - بِمَا فِيهِ شِفَاء لِمَنْ أَرَادَ الْوُقُوف عَلَى ذَلِكَ . 

الثَّانِيَة اِسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَة بَعْض الْعُلَمَاء عَلَى جَوَاز الْوَكَالَة مِنْ قَوْله : &quot; وُكِّلَ بِكُمْ &quot; أَيْ بِقَبْضِ الْأَرْوَاح . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : &quot; وَهَذَا أُخِذَ مِنْ لَفْظه لَا مِنْ مَعْنَاهُ , وَلَوْ اِطَّرَدَ ذَلِكَ لَقُلْنَا فِي قَوْله تَعَالَى : &quot; قُلْ يَا أَيّهَا النَّاس إِنِّي رَسُول اللَّه إِلَيْكُمْ جَمِيعًا &quot; [ الْأَعْرَاف : 158 ] : إِنَّهَا نِيَابَة عَنْ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَوَكَالَة فِي تَبْلِيغ رِسَالَته , وَلَقُلْنَا أَيْضًا فِي قَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى : &quot; وَآتُوا الزَّكَاة &quot; [ النُّور : 56 ] إِنَّهُ وَكَالَة ; فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى ضَمِنَ الرِّزْق لِكُلِّ دَابَّة وَخَصَّ الْأَغْنِيَاء بِالْأَغْذِيَةِ وَأَوْعَزَ إِلَيْهِمْ بِأَنَّ رِزْق الْفُقَرَاء عِنْدهمْ , وَأَمَرَ بِتَسْلِيمِهِ إِلَيْهِمْ مِقْدَارًا مَعْلُومًا فِي وَقْت مَعْلُوم , دَبَّرَهُ بِعِلْمِهِ , وَأَنْفَذَهُ مِنْ حُكْمه , وَقَدَّرَهُ بِحِكْمَتِهِ . وَالْأَحْكَام لَا تَتَعَلَّق بِالْأَلْفَاظِ إِلَّا أَنْ تَرِدَ عَلَى مَوْضُوعَاتهَا الْأَصْلِيَّة فِي مَقَاصِدهَا الْمَطْلُوبَة , فَإِنْ ظَهَرَتْ فِي غَيْر مَقْصِدهَا لَمْ تُعَلَّق عَلَيْهَا . أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْع وَالشِّرَاء مَعْلُوم اللَّفْظ وَالْمَعْنَى , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : &quot; إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّة &quot; [ التَّوْبَة : 111 ] وَلَا يُقَال : هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى جَوَاز مُبَايَعَة السَّيِّد لِعَبْدِهِ ; لِأَنَّ الْمَقْصِدَيْنِ مُخْتَلِفَانِ . أَمَّا إِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ بُدّ مِنْ الْمَعَانِي فَيُقَال : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَنِيب مَنْ يَأْخُذ الْحَقّ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ قَسْرًا دُون أَنْ يَكُون لَهُ فِي ذَلِكَ فِعْل , أَوْ يَرْتَبِط بِهِ رِضًا إِذَا وُجِدَ ذَلِكَ .';
$TAFSEER['4']['32']['12'] = 'اِبْتِدَاء وَخَبَر . قَالَ الزَّجَّاج : وَالْمُخَاطَبَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَاطَبَةٌ لِأُمَّتِهِ . وَالْمَعْنَى : وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّد مُنْكِرِي الْبَعْث يَوْم الْقِيَامَة لَرَأَيْت الْعَجَب . وَمَذْهَب أَبِي الْعَبَّاس غَيْر هَذَا , وَأَنْ يَكُون الْمَعْنَى : يَا مُحَمَّد , قُلْ لِلْمُجْرِمِ وَلَوْ تَرَى إِذْ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسهمْ عِنْد رَبّهمْ لَنَدِمْت عَلَى مَا كَانَ مِنْك . &quot; نَاكِسُو رُءُوسهمْ &quot; أَيْ مِنْ النَّدَم وَالْخِزْي وَالْحُزْن وَالذُّلّ وَالْغَمّ . &quot; عِنْد رَبّهمْ &quot; أَيْ عِنْد مُحَاسَبَة رَبّهمْ وَجَزَاء أَعْمَالهمْ .

&quot; رَبّنَا &quot; أَيْ يَقُولُونَ رَبّنَا . &quot; أَبْصَرْنَا &quot; أَيْ أَبْصَرْنَا مَا كُنَّا نَكْذِب . &quot; وَسَمِعْنَا &quot; مَا كُنَّا نُنْكِر . وَقِيلَ : &quot; أَبْصَرْنَا &quot; صِدْق وَعِيدك . &quot; وَسَمِعْنَا &quot; تَصْدِيق رُسُلك . أَبْصَرُوا حِين لَا يَنْفَعهُمْ الْبَصَر , وَسَمِعُوا حِين لَا يَنْفَعهُمْ السَّمْع . &quot; فَارْجِعْنَا &quot; أَيْ إِلَى الدُّنْيَا . &quot; نَعْمَل صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ &quot; أَيْ مُصَدِّقُونَ بِالْبَعْثِ ; قَالَهُ النَّقَّاش . وَقِيلَ : مُصَدِّقُونَ بِاَلَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَقّ ; قَالَهُ يَحْيَى بْن سَلَّام . قَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ : فَأَكْذَبَهُمْ اللَّه تَعَالَى : فَقَالَ &quot; وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ &quot; . وَقِيلَ : مَعْنَى &quot; إِنَّا مُوقِنُونَ &quot; أَيْ قَدْ زَالَتْ عَنَّا الشُّكُوك الْآن ; وَكَانُوا يَسْمَعُونَ وَيُبْصِرُونَ فِي الدُّنْيَا , وَلَكِنْ لَمْ يَكُونُوا يَتَدَبَّرُونَ , وَكَانُوا كَمَنْ لَا يُبْصِر وَلَا يَسْمَع , فَلَمَّا تَنَبَّهُوا فِي الْآخِرَة صَارُوا حِينَئِذٍ كَأَنَّهُمْ سَمِعُوا وَأَبْصَرُوا . وَقِيلَ : أَيْ رَبّنَا لَك الْحُجَّة , فَقَدْ أَبْصَرْنَا رُسُلك وَعَجَائِب خَلْقك فِي الدُّنْيَا , وَسَمِعْنَا كَلَامهمْ فَلَا حُجَّة لَنَا . فَهَذَا اِعْتِرَاف مِنْهُمْ , ثُمَّ طَلَبُوا أَنْ يُرَدُّوا إِلَى الدُّنْيَا لِيُؤْمِنُوا .';
$TAFSEER['4']['32']['13'] = 'قَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ : لَمَّا قَالُوا : &quot; رَبّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَل صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ &quot; رَدَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ : &quot; وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلّ نَفْس هُدَاهَا &quot; يَقُول : لَوْ شِئْت لَهَدَيْت النَّاس جَمِيعًا فَلَمْ يَخْتَلِف مِنْهُمْ أَحَد &quot; وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْل مِنِّي &quot; الْآيَة ; ذَكَرَهُ اِبْن الْمُبَارَك فِي { رَقَائِقه } فِي حَدِيث طَوِيل . وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي { التَّذْكِرَة } . النَّحَّاس : &quot; وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلّ نَفْس هُدَاهَا &quot; فِي مَعْنَاهُ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ فِي الدُّنْيَا . وَالْآخَر : أَنَّ سِيَاق الْكَلَام يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ فِي الْآخِرَة ; أَيْ لَوْ شِئْنَا لَرَدَدْنَاهُمْ إِلَى الدُّنْيَا وَالْمِحْنَة كَمَا سَأَلُوا &quot; وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْل مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّم مِنْ الْجِنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ &quot; أَيْ حَقَّ الْقَوْل مِنِّي لَأُعَذِّبَنَّ مَنْ عَصَانِي بِنَارِ جَهَنَّم . وَعَلِمَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ لَوْ رَدَّهُمْ لَعَادُوا ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : &quot; وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ &quot; [ الْأَنْعَام : 28 ] . وَهَذِهِ الْهِدَايَة مَعْنَاهَا خَلْق الْمَعْرِفَة فِي الْقَلْب . وَتَأْوِيل الْمُعْتَزِلَة : وَلَوْ شِئْنَا لَأَكْرَهْنَاهُمْ عَلَى الْهِدَايَة بِإِظْهَارِ الْآيَات الْهَائِلَة , لَكِنْ لَا يَحْسُن مِنْهُ فِعْله ; لِأَنَّهُ يَنْقُض الْغَرَض الْمُجْرَى بِالتَّكْلِيفِ إِلَيْهِ وَهُوَ الثَّوَاب الَّذِي لَا يُسْتَحَقّ إِلَّا بِمَا يَفْعَلهُ الْمُكَلَّف بِاخْتِيَارِهِ . وَقَالَتْ الْإِمَامِيَّة فِي تَأْوِيلهَا : إِنَّهُ يَجُوز أَنْ يُرِيد هُدَاهَا إِلَى طَرِيق الْجَنَّة فِي الْآخِرَة وَلَمْ يُعَاقِب أَحَدًا , لَكِنْ حَقَّ الْقَوْل مِنْهُ أَنَّهُ يَمْلَأ جَهَنَّم , فَلَا يَجِب عَلَى اللَّه تَعَالَى عِنْدنَا هِدَايَة الْكُلّ إِلَيْهَا ; قَالُوا : بَلْ الْوَاجِب هِدَايَة الْمَعْصُومِينَ , فَأَمَّا مَنْ لَهُ ذَنْب فَجَائِز هِدَايَته إِلَى النَّار جَزَاء عَلَى أَفْعَاله . وَفِي جَوَاز ذَلِكَ مَنْع ; لِقَطْعِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد هُدَاهَا إِلَى الْإِيمَان . وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاء عَلَيْهِمْ فِي هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ بِمَا فِيهِ كِفَايَة فِي أُصُول الدِّين . وَأَقْرَبُ مَا لَهُمْ فِي الْجَوَاب أَنْ يُقَال : فَقَدْ بَطَلَ عِنْدنَا وَعِنْدكُمْ أَنْ يَهْدِيَهُمْ اللَّه سُبْحَانه عَلَى طَرِيق الْإِلْجَاء وَالْإِجْبَار وَالْإِكْرَاه , فَصَارَ يُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى مَذْهَب الْجَبْرِيَّة , وَهُوَ مَذْهَب رَذْل عِنْدنَا وَعِنْدكُمْ , فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنَّ الْمُهْتَدِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا هَدَاهُمْ اللَّه تَعَالَى إِلَى الْإِيمَان وَالطَّاعَة عَلَى طَرِيق الِاخْتِيَار حَتَّى يَصِحّ التَّكْلِيف فَمَنْ شَاءَ آمَنَ وَأَطَاعَ اِخْتِيَارًا لَا جَبْرًا ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيم &quot; [ التَّكْوِير : 28 ] , وَقَالَ : &quot; فَمَنْ شَاءَ اِتَّخَذَ إِلَى رَبّه سَبِيلًا &quot; . ثُمَّ عَقَّبَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه &quot; [ التَّكْوِير : 29 ] . فَوَقَعَ إِيمَان الْمُؤْمِنِينَ بِمَشِيئَتِهِمْ , وَنَفَى أَنْ يَشَاءُوا إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه ; وَلِهَذَا فَرَّطَتْ الْمُجَبِّرَة لَمَّا رَأَوْا أَنَّ هِدَايَتهمْ إِلَى الْإِيمَان مُعَلَّق بِمَشِيئَةِ اللَّه تَعَالَى , فَقَالُوا : الْخَلْق مَجْبُورُونَ فِي طَاعَتهمْ كُلّهَا , اِلْتِفَاتًا إِلَى قَوْله : &quot; وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه &quot; [ التَّكْوِير : 29 ] . وَفَرَّطَتْ الْقَدَرِيَّة لَمَّا رَأَوْا أَنَّ هِدَايَتهمْ إِلَى الْإِيمَان مُعَلَّق بِمَشِيئَةِ الْعِبَاد , فَقَالُوا : الْخَلْق خَالِقُونَ لِأَفْعَالِهِمْ , اِلْتِفَاتًا مِنْهُمْ إِلَى قَوْله تَعَالَى : &quot; لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيم &quot; [ التَّكْوِير : 28 ] . وَمَذْهَبنَا هُوَ الِاقْتِصَاد فِي الِاعْتِقَاد ; وَهُوَ مَذْهَب بَيْن مَذْهَبَيْ الْمُجَبِّرَة وَالْقَدَرِيَّة ; وَخَيْر الْأُمُور أَوْسَاطهَا . وَذَلِكَ أَنَّ أَهْل الْحَقّ قَالُوا : نَحْنُ نُفَرِّق بَيْن مَا اُضْطُرِرْنَا إِلَيْهِ وَبَيْن مَا اخْتَرْنَاهُ , وَهُوَ أَنَّا نُدْرِك تَفْرِقَة بَيْن حَرَكَة الِارْتِعَاش الْوَاقِعَة فِي يَد الْإِنْسَان بِغَيْرِ مُحَاوَلَته وَإِرَادَته وَلَا مَقْرُونَة بِقُدْرَتِهِ , وَبَيْن حَرَكَة الِاخْتِيَار إِذَا حَرَّكَ يَده حَرَكَة مُمَاثِلَة لِحَرَكَةِ الِارْتِعَاش ; وَمَنْ لَا يُفَرِّق بَيْن الْحَرَكَتَيْنِ : حَرَكَة الِارْتِعَاش وَحَرَكَة الِاخْتِيَار , وَهُمَا مَوْجُودَتَانِ فِي ذَاته وَمَحْسُوسَتَانِ فِي يَده بِمُشَاهَدَتِهِ وَإِدْرَاك حَاسَّته - فَهُوَ مَعْتُوه فِي عَقْله وَمُخْتَلّ فِي حِسّه , وَخَارِج مِنْ حِزْب الْعُقَلَاء . وَهَذَا هُوَ الْحَقّ الْمُبِين , وَهُوَ طَرِيق بَيْن طَرِيقَيْ الْإِفْرَاط وَالتَّفْرِيط . و : كِلَا طَرَفَيْ قَصْد الْأُمُور ذَمِيمُ و وَلَا تَغْلُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَمْرِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَار اِخْتَارَ أَهْل النَّظَر مِنْ الْعُلَمَاء أَنْ سَمَّوْا هَذِهِ الْمَنْزِلَة بَيْن الْمَنْزِلَتَيْنِ كَسْبًا , وَأَخَذُوا هَذِهِ التَّسْمِيَة مِنْ كِتَاب اللَّه الْعَزِيز , وَهُوَ قَوْله سُبْحَانه : &quot; لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اِكْتَسَبَتْ &quot; [ الْبَقَرَة : 286 ] .';
$TAFSEER['4']['32']['14'] = 'قَوْله تَعَالَى &quot; فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمكُمْ هَذَا &quot; فِيهِ قَوْلَانِ &quot; أَحَدهمَا : أَنَّهُ مِنْ النِّسْيَان الَّذِي لَا ذِكْر مَعَهُ ; أَيْ لَمْ يَعْمَلُوا لِهَذَا الْيَوْم فَكَانُوا بِمَنْزِلَةِ النَّاسِينَ . وَالْآخَر : أَنَّ &quot; نَسِيتُمْ &quot; بِمَا تَرَكْتُمْ , وَكَذَا &quot; إِنَّا نَسِينَاكُمْ &quot; . وَاحْتَجَّ مُحَمَّد بْن يَزِيد بِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَم مِنْ قَبْل فَنَسِيَ &quot; [ طَه : 115 ] قَالَ : وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى تَرَكَ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ عَنْ إِبْلِيس أَنَّهُ قَالَ : &quot; مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَة إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ &quot; [ الْأَعْرَاف : 20 ] فَلَوْ كَانَ آدَم نَاسِيًا لَكَانَ قَدْ ذَكَّرَهُ . وَأَنْشَدَ : كَأَنَّهُ خَارِج مِنْ جَنْب صَفْحَته سَفُّود شَرْبٍ نَسُوهُ عِنْد مُفْتَأَدِ أَيْ تَرَكُوهُ . وَلَوْ كَانَ مِنْ النِّسْيَان لَكَانَ قَدْ عَمِلُوا بِهِ مَرَّة . قَالَ الضَّحَّاك : &quot; نَسِيتُمْ &quot; أَيْ تَرَكْتُمْ أَمْرِي . يَحْيَى بْن سَلَّام : أَيْ تَرَكْتُمْ الْإِيمَان بِالْبَعْثِ فِي هَذَا الْيَوْم . &quot; نَسِينَاكُمْ &quot; تَرَكْنَاكُمْ مِنْ الْخَيْر ; قَالَهُ السُّدِّيّ . مُجَاهِد : تَرَكْنَاكُمْ فِي الْعَذَاب . وَفِي اِسْتِئْنَاف قَوْله : &quot; إِنَّا نَسِينَاكُمْ &quot; وَبِنَاءِ الْفِعْل عَلَى &quot; إِنَّ &quot; وَاسْمهَا تَشْدِيدٌ فِي الِانْتِقَام مِنْهُمْ . وَالْمَعْنَى : فَذُوقُوا هَذَا ; أَيْ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ نَكْس الرُّءُوس وَالْخِزْي وَالْغَمّ بِسَبَبِ نِسْيَان اللَّه . أَوْ ذُوقُوا الْعَذَاب الْمُخَلَّد , وَهُوَ الدَّائِم الَّذِي لَا اِنْقِطَاع لَهُ فِي جَهَنَّم . وَقَدْ يُعَبَّر بِالذَّوْقِ عَمَّا يَطْرَأ عَلَى النَّفْس وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَطْعُومًا , لِإِحْسَاسِهَا بِهِ كَإِحْسَاسِهَا بِذَوْقِ الْمَطْعُوم . قَالَ عُمَر بْن أَبِي رَبِيعَة : فَذُقْ هَجْرهَا إِنْ كُنْت تَزْعُم أَنَّهَا فَسَاد أَلَا يَا رُبَّمَا كَذَبَ الزَّعْم الْجَوْهَرِيّ : وَذُقْت مَا عِنْد فُلَان ; أَيْ خَبَرْته . وَذُقْت الْقَوْس إِذَا جَذَبْت وَتَرهَا لِتَنْظُر مَا شِدَّتهَا . وَأَذَاقَهُ اللَّه وَبَال أَمْره . قَالَ طُفَيْل : فَذُوقُوا كَمَا ذُقْنَا غَدَاة مُحَجِّر مِنْ الْغَيْظ فِي أَكْبَادنَا وَالتَّحَوُّبِ وَتَذَوَّقْته أَيْ ذُقْته شَيْئًا بَعْد شَيْء . وَأَمْر مُسْتَذَاق أَيْ مُجَرَّب مَعْلُوم . قَالَ الشَّاعِر : وَعَهْد الْغَانِيَات كَعَهْدِ قَيْن وَنَتْ عَنْهُ الْجَعَائِل مُسْتَذَاقِ وَالذَّوَّاق : الْمَلُول .

يَعْنِي فِي الدُّنْيَا مِنْ الْمَعَاصِي .';
$TAFSEER['4']['32']['15'] = 'هَذِهِ تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أَيْ أَنَّهُمْ لِإِلْفِهِمْ الْكُفْرَ لَا يُؤْمِنُونَ بِك ; إِنَّمَا يُؤْمِن بِك وَبِالْقُرْآنِ الْمُتَدَبِّرُونَ لَهُ وَالْمُتَّعِظُونَ بِهِ , وَهُمْ الَّذِينَ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآن &quot; خَرُّوا سُجَّدًا &quot; قَالَ اِبْن عَبَّاس : رُكَّعًا . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَهَذَا عَلَى مَذْهَب مَنْ يَرَى الرُّكُوع عِنْد قِرَاءَة السَّجْدَة ; وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : &quot; وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ &quot; [ ص : 24 ] . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِهِ السُّجُود , وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاء ; أَيْ خَرُّوا سُجَّدًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى وُجُوههمْ تَعْظِيمًا لِآيَاتِهِ وَخَوْفًا مِنْ سَطْوَته وَعَذَابه .

أَيْ خَلَطُوا التَّسْبِيح بِالْحَمْدِ ; أَيْ نَزَّهُوهُ وَحَمِدُوهُ ; فَقَالُوا فِي سُجُودهمْ : سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ , سُبْحَان رَبِّي الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ ; أَيْ تَنْزِيهًا لِلَّهِ تَعَالَى عَنْ قَوْل الْمُشْرِكِينَ . وَقَالَ سُفْيَان : &quot; وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبّهمْ&quot; أَيْ صَلَّوْا حَمْدًا لِرَبِّهِمْ .

عَنْ عِبَادَته ; قَالَهُ يَحْيَى بْن سَلَّام . النَّقَّاش : &quot; لَا يَسْتَكْبِرُونَ &quot; كَمَا اِسْتَكْبَرَ أَهْل مَكَّة عَنْ السُّجُود .';
$TAFSEER['4']['32']['16'] = 'قَوْله تَعَالَى : &quot; تَتَجَافَى جُنُوبهمْ عَنْ الْمَضَاجِع &quot; أَيْ تَرْتَفِع وَتَنْبُو عَنْ مَوَاضِع الِاضْطِجَاع . وَهُوَ فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال ; أَيْ مُتَجَافِيَة جُنُوبهمْ . وَالْمَضَاجِع جَمْع مَضْجَع ; وَهِيَ مَوَاضِع النَّوْم . وَيَحْتَمِل عَنْ وَقْت الِاضْطِجَاع , وَلَكِنَّهُ مَجَاز , وَالْحَقِيقَة أَوْلَى . وَمِنْهُ قَوْل عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة : وَفِينَا رَسُول اللَّه يَتْلُو كِتَابه إِذَا اِنْشَقَّ مَعْرُوف مِنْ الصُّبْح سَاطِعُ يَبِيت يُجَافِي جَنْبه عَنْ فِرَاشه إِذَا اِسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ الْمَضَاجِعُ قَالَ الزَّجَّاج وَالرُّمَّانِيّ : التَّجَافِي التَّنَحِّي إِلَى جِهَة فَوْق . وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الصَّفْح عَنْ الْمُخْطِئ فِي سَبّ وَنَحْوه . وَالْجُنُوب جَمْع جَنْب . وَفِيمَا تَتَجَافَى جُنُوبهمْ عَنْ الْمَضَاجِع لِأَجْلِهِ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : لِذِكْرِ اللَّه تَعَالَى , إِمَّا فِي صَلَاة وَإِمَّا فِي غَيْر صَلَاة ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك . الثَّانِي : لِلصَّلَاةِ . وَفِي الصَّلَاة الَّتِي تَتَجَافَى جُنُوبهمْ لِأَجْلِهَا أَرْبَعَة أَقْوَال : أَحَدهَا : التَّنَفُّل بِاللَّيْلِ ; قَالَهُ الْجُمْهُور مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاس , وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْمَدْح , وَهُوَ قَوْل مُجَاهِد وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَالِك بْن أَنَس وَالْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن وَأَبِي الْعَالِيَة وَغَيْرهمْ . وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : &quot; فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن &quot; [ السَّجْدَة : 17 ] لِأَنَّهُمْ جُوزُوا عَلَى مَا أَخْفَوْا بِمَا خَفِيَ . وَاَللَّه أَعْلَمُ . وَسَيَأْتِي بَيَانه . وَفِي قِيَام اللَّيْل أَحَادِيث كَثِيرَة ; مِنْهَا حَدِيث مُعَاذ بْن جَبَل أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : ( أَلَا أَدُلّك عَلَى أَبْوَاب الْخَيْر : الصَّوْم جُنَّة , وَالصَّدَقَة تُطْفِئ الْخَطِيئَة كَمَا يُطْفِئ الْمَاء النَّار , وَصَلَاة الرَّجُل مِنْ جَوْف اللَّيْل - قَالَ ثُمَّ تَلَا - &quot; تَتَجَافَى جُنُوبهمْ عَنْ الْمَضَاجِع - حَتَّى بَلَغَ - يَعْمَلُونَ &quot; ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنَده وَالْقَاضِي إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق وَأَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ , وَقَالَ فِيهِ : حَدِيث حَسَن صَحِيح . الثَّانِي : صَلَاة الْعِشَاء الَّتِي يُقَال لَهَا الْعَتَمَة ; قَالَ الْحَسَن وَعَطَاء . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ هَذِهِ الْآيَة &quot; تَتَجَافَى جُنُوبهمْ عَنْ الْمَضَاجِع &quot; نَزَلَتْ فِي اِنْتِظَار الصَّلَاة الَّتِي تُدْعَى الْعَتَمَة قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن غَرِيب . الثَّالِث : التَّنَفُّل مَا بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء ; قَالَهُ قَتَادَة وَعِكْرِمَة . وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ هَذِهِ الْآيَة &quot; تَتَجَافَى جُنُوبهمْ عَنْ الْمَضَاجِع يَدْعُونَ رَبّهمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ &quot; قَالَ : كَانُوا يَتَنَفَّلُونَ بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء . الرَّابِع : قَالَ الضَّحَّاك : تَجَافِي الْجَنْب هُوَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُل الْعِشَاء وَالصُّبْح فِي جَمَاعَة . وَقَالَهُ أَبُو الدَّرْدَاء وَعُبَادَة . 

قُلْت : وَهَذَا قَوْل حَسَن , وَهُوَ يَجْمَع الْأَقْوَال بِالْمَعْنَى . وَذَلِكَ أَنَّ مُنْتَظِرَ الْعِشَاءِ إِلَى أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي صَلَاةٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ جَلَّ وَعَزَّ ; كَمَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَزَال الرَّجُل فِي صَلَاة مَا اِنْتَظَرَ الصَّلَاة ) . وَقَالَ أَنَس : الْمُرَاد بِالْآيَةِ اِنْتِظَار صَلَاة الْعِشَاء الْآخِرَة ; لِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤَخِّرهَا إِلَى نَحْو ثُلُث اللَّيْل . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَكَانَتْ الْجَاهِلِيَّة يَنَامُونَ مِنْ أَوَّل الْغُرُوب وَمِنْ أَيّ وَقْت شَاءَ الْإِنْسَان , فَجَاءَ اِنْتِظَار وَقْت الْعِشَاء غَرِيبًا شَاقًّا . وَمُصَلِّي الصُّبْح فِي جَمَاعَة لَا سِيَّمَا فِي أَوَّل الْوَقْت ; كَمَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يُصَلِّيهَا . وَالْعَادَة أَنَّ مَنْ حَافَظَ عَلَى هَذِهِ الصَّلَاة فِي أَوَّل الْوَقْت يَقُوم سَحَرًا يَتَوَضَّأ وَيُصَلِّي وَيَذْكُر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَى أَنْ يَطْلُع الْفَجْر ; فَقَدْ حَصَلَ التَّجَافِي أَوَّل اللَّيْل وَآخِره . يَزِيد هَذَا مَا رَوَاهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث عُثْمَان بْن عَفَّان قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( مَنْ صَلَّى الْعِشَاء فِي جَمَاعَة فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْف اللَّيْل , وَمَنْ صَلَّى الصُّبْح فِي جَمَاعَة فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْل كُلّه ) وَلَفْظ التِّرْمِذِيّ وَأَبِي دَاوُد فِي هَذَا الْحَدِيث : ( مَنْ شَهِدَ الْعِشَاء فِي جَمَاعَة كَانَ لَهُ قِيَام نِصْف لَيْلَة , وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاء وَالْفَجْر فِي جَمَاعَة كَانَ لَهُ كَقِيَامِ لَيْلَة ) . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة &quot; النُّور &quot; عَنْ كَعْب فِيمَنْ صَلَّى بَعْد الْعِشَاء الْآخِرَة أَرْبَع رَكَعَات كُنَّ لَهُ بِمَنْزِلَةِ لَيْلَة الْقَدْر . وَجَاءَتْ آثَار حَسَّان فِي فَضْل الصَّلَاة بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء وَقِيَام اللَّيْل . ذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك قَالَ : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن أَيُّوب قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحَجَّاج أَوْ اِبْن أَبِي الْحَجَّاج أَنَّهُ سَمِعَ عَبْد الْكَرِيم يُحَدِّث أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ رَكَعَ عَشْر رَكَعَات بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء بُنِيَ لَهُ قَصْر فِي الْجَنَّة ) فَقَالَ لَهُ عُمَر بْن الْخَطَّاب : إِذًا تَكْثُر قُصُورنَا وَبُيُوتنَا يَا رَسُول اللَّه ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّه أَكْبَرُ وَأَفْضَلُ - أَوْ قَالَ - أَطْيَبُ ) . وَعَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِي قَالَ : صَلَاة الْأَوَّابِينَ الْخَلْوَة الَّتِي بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء حَتَّى تُثَوِّب النَّاس إِلَى الصَّلَاة . وَكَانَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود يُصَلِّي فِي تِلْكَ السَّاعَة وَيَقُول : صَلَاة الْغَفْلَة بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء ; ذَكَرَهُ اِبْن الْمُبَارَك . وَرَوَاهُ الثَّعْلَبِيّ مَرْفُوعًا عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ جَفَتْ جَنْبَاهُ عَنْ الْمَضَاجِع مَا بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء بُنِيَ لَهُ قَصْرَانِ فِي الْجَنَّة مَسِيرَة عَام , وَفِيهِمَا مِنْ الشَّجَر مَا لَوْ نَزَلَهَا أَهْل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب لَأَوْسَعَتْهُمْ فَاكِهَة ) . وَهِيَ صَلَاة الْأَوَّابِينَ وَغَفْلَة الْغَافِلِينَ . وَإِنَّ مِنْ الدُّعَاء الْمُسْتَجَاب الَّذِي لَا يُرَدّ الدُّعَاء بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء . فَصْل فِي فَضْل التَّجَافِي - ذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نَادَى مُنَادٍ : سَتَعْلَمُونَ الْيَوْم مَنْ أَصْحَاب الْكَرَم ; لِيَقُمْ الْحَامِدُونَ لِلَّهِ عَلَى كُلّ حَال , فَيَقُومُونَ فَيُسَرَّحُونَ إِلَى الْجَنَّة . ثُمَّ يُنَادِي ثَانِيَة : سَتَعْلَمُونَ الْيَوْم مِنْ أَصْحَاب الْكَرَم ; لِيَقُمْ الَّذِينَ كَانَتْ جُنُوبهمْ تَتَجَافَى عَنْ الْمَضَاجِع &quot; يَدْعُونَ رَبّهمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ &quot; . قَالَ : فَيَقُومُونَ فَيُسَرَّحُونَ إِلَى الْجَنَّة . قَالَ : ثُمَّ يُنَادِي ثَالِثَة : سَتَعْلَمُونَ الْيَوْم مِنْ أَصْحَاب الْكَرَم ; لِيَقُمْ الَّذِينَ كَانُوا &quot; لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه وَإِقَام الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّب فِيهِ الْقُلُوب وَالْأَبْصَار &quot; [ النُّور : 37 ] , فَيَقُومُونَ فَيُسَرَّحُونَ إِلَى الْجَنَّة . ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ مَرْفُوعًا عَنْ أَسْمَاء بِنْت يَزِيد قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا جَمَعَ اللَّه الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْم الْقِيَامَة جَاءَ مُنَادٍ فَنَادَى بِصَوْتٍ تَسْمَعهُ الْخَلَائِق كُلّهمْ : سَيَعْلَمُ أَهْل الْجَمْع الْيَوْم مَنْ أَوْلَى بِالْكَرَمِ , لِيَقُمْ الَّذِينَ كَانَتْ تَتَجَافَى جُنُوبهمْ عَنْ الْمَضَاجِع فَيَقُومُونَ وَهُمْ قَلِيل , ثُمَّ يُنَادِي الثَّانِيَة سَتَعْلَمُونَ الْيَوْم مَنْ أَوْلَى بِالْكَرَمِ لِيَقُمْ الَّذِينَ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه فَيَقُومُونَ , ثُمَّ يُنَادِي الثَّالِثَة سَتَعْلَمُونَ الْيَوْم مَنْ أَوْلَى بِالْكَرَمِ لِيَقُمْ الْحَامِدُونَ لِلَّهِ عَلَى كُلّ حَال فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء فَيَقُومُونَ وَهُمْ قَلِيل فَيُسَرَّحُونَ جَمِيعًا إِلَى الْجَنَّة , ثُمَّ يُحَاسَب سَائِر النَّاس ) . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ رَجُل عَنْ أَبِي الْعَلَاء بْن الشِّخِّير عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ : ثَلَاثَة يَضْحَك اللَّه إِلَيْهِمْ وَيَسْتَبْشِر اللَّه بِهِمْ : رَجُل قَامَ مِنْ اللَّيْل وَتَرَكَ فِرَاشه وَدِفْأَهُ , ثُمَّ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوء , ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاة ; فَيَقُول اللَّه لِمَلَائِكَتِهِ : ( مَا حَمَلَ عَبْدِي عَلَى مَا صَنَعَ ) فَيَقُولُونَ : رَبّنَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا ; فَيَقُول : ( أَنَا أَعْلَمُ بِهِ وَلَكِنْ أَخْبِرُونِي ) فَيَقُولُونَ : رَجَّيْتَهُ شَيْئًا فَرَجَاهُ وَخَوَّفْتَهُ فَخَافَهُ . فَيَقُول : ( أُشْهِدكُمْ أَنِّي قَدْ أَمَّنْته مِمَّا خَافَ وَأَوْجَبْت لَهُ مَا رَجَاهُ ) قَالَ : وَرَجُل كَانَ فِي سَرِيَّة فَلَقِيَ الْعَدُوّ فَانْهَزَمَ أَصْحَابه وَثَبَتَ هُوَ حَتَّى يُقْتَل أَوْ يَفْتَح اللَّه عَلَيْهِمْ ; فَيَقُول اللَّه لِمَلَائِكَتِهِ مِثْل هَذِهِ الْقِصَّة . وَرَجُل سَرَى فِي لَيْلَة حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِر اللَّيْل نَزَلَ هُوَ وَأَصْحَابه , فَنَامَ أَصْحَابه وَقَامَ هُوَ يُصَلِّي ; فَيَقُول اللَّه لِمَلَائِكَتِهِ ... ) وَذَكَرَ الْقِصَّة . 

3 قَوْله تَعَالَى &quot; يَدْعُونَ رَبّهمْ &quot; فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال ; أَيْ دَاعِينَ . وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون صِفَة مُسْتَأْنَفَة ; أَيْ تَتَجَافَى جُنُوبهمْ وَهُمْ أَيْضًا فِي كُلّ حَال يَدْعُونَ رَبّهمْ لَيْلهمْ وَنَهَارهمْ . و &quot; خَوْفًا &quot; مَفْعُول مِنْ أَجْله . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَصْدَرًا . &quot; وَطَمَعًا &quot; مِثْله ; أَيْ خَوْفًا مِنْ الْعَذَاب وَطَمَعًا فِي الثَّوَاب . &quot; وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ &quot; تَكُون &quot; مَا &quot; بِمَعْنَى الَّذِي وَتَكُون مَصْدَرًا , وَفِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ يَجِب أَنْ تَكُون مُنْفَصِلَة مِنْ &quot; مِنْ &quot; و &quot; يُنْفِقُونَ &quot; قِيلَ : مَعْنَاهُ الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة . وَقِيلَ : النَّوَافِل ; وَهَذَا الْقَوْل أَمْدَح .';
$TAFSEER['4']['32']['17'] = 'قَرَأَ حَمْزَة : &quot; مَا أُخْفِي لَهُمْ &quot; بِإِسْكَانِ الْيَاء . وَفَتَحَهَا الْبَاقُونَ . وَفِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه &quot; مَا نُخْفِي &quot; بِالنُّونِ مَضْمُومَة . وَرَوَى الْمُفَضَّل عَنْ الْأَعْمَش &quot; مَا يُخْفَى لَهُمْ &quot; بِالْيَاءِ الْمَضْمُومَة وَفَتْح الْفَاء . وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود وَأَبُو هُرَيْرَة : &quot; مِنْ قُرَّات أَعْيُن &quot; . فَمَنْ أَسْكَنَ الْيَاء مِنْ قَوْله : &quot; مَا أُخْفِي &quot; فَهُوَ مُسْتَقْبَل وَأَلِفه أَلِف الْمُتَكَلِّم . و &quot; مَا &quot; فِي مَوْضِع نَصْب ب &quot; أُخْفِيَ &quot; وَهِيَ اِسْتِفْهَام , وَالْجُمْلَة فِي مَوْضِع نَصْب لِوُقُوعِهَا مَوْقِع الْمَفْعُولَيْنِ , وَالضَّمِير الْعَائِد عَلَى &quot; مَا &quot; مَحْذُوف . وَمَنْ فَتَحَ الْيَاء فَهُوَ فِعْل مَاضٍ مَبْنِيّ لِلْمَفْعُولِ . و &quot; مَا &quot; فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ , وَالْخَبَر &quot; أُخْفِيَ &quot; وَمَا بَعْده , وَالضَّمِير فِي &quot; أُخْفِيَ &quot; عَائِد عَلَى &quot; مَا &quot; . قَالَ الزَّجَّاج : وَيُقْرَأ &quot; مَا أَخْفَى لَهُمْ &quot; بِمَعْنَى مَا أَخْفَى اللَّه لَهُمْ ; وَهِيَ قِرَاءَة مُحَمَّد بْن كَعْب , و &quot; مَا &quot; فِي مَوْضِع نَصْب . الْمَهْدَوِيّ : وَمَنْ قَرَأَ : &quot; قُرَّات أَعْيُن &quot; فَهُوَ جَمْع قُرَّة , وَحَسُنَ الْجَمْع فِيهِ لِإِضَافَتِهِ إِلَى جَمْع , وَالْإِفْرَاد لِأَنَّهُ مَصْدَر , وَهُوَ اِسْم لِلْجِنْسِ . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : وَهَذَا غَيْر مُخَالِف لِلْمُصْحَفِ ; لِأَنَّ تَاء &quot; قُرَّة &quot; تُكْتَب تَاء عَلَى لُغَة مَنْ يُجْرِي الْوَصْل عَلَى الْوَقْف ; كَمَا كَتَبُوا ( رَحْمَت اللَّه ) بِالتَّاءِ . وَلَا يُسْتَنْكَر سُقُوط الْأَلِف مِنْ &quot; قُرَّات &quot; فِي الْخَطّ وَهُوَ مَوْجُود فِي اللَّفْظ ; كَمَا لَمْ يُسْتَنْكَر سُقُوط الْأَلِف مِنْ السَّمَوَات وَهِيَ ثَابِتَة فِي اللِّسَان وَالنُّطْق . وَالْمَعْنَى الْمُرَاد : أَنَّهُ أَخْبَرَ تَعَالَى بِمَا لَهُمْ مِنْ النَّعِيم الَّذِي لَمْ تَعْلَمهُ نَفْس وَلَا بَشَر وَلَا مَلَك . وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَة : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَعْدَدْت لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْن رَأَتْ وَلَا أُذُن سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر - ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة - &quot; تَتَجَافَى جُنُوبهمْ عَنْ الْمَضَاجِع - إِلَى قَوْله - بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ &quot; ) خَرَّجَهُ الصَّحِيح مِنْ حَدِيث سَهْل بْن سَعْد السَّاعِدِيّ . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود : فِي التَّوْرَاة مَكْتُوب : عَلَى اللَّه لِلَّذِينَ تَتَجَافَى جُنُوبهمْ عَنْ الْمَضَاجِع مَا لَا عَيْن رَأَتْ وَلَا أُذُن سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْأَمْر فِي هَذَا أَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُعْرَف تَفْسِيره . 

قُلْت : وَهَذِهِ الْكَرَامَة إِنَّمَا هِيَ لِأَعْلَى أَهْل الْجَنَّة مَنْزِلًا ; كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة يَرْفَعهُ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( سَأَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام رَبّه فَقَالَ يَا رَبّ مَا أَدْنَى أَهْل الْجَنَّة مَنْزِلَة قَالَ هُوَ رَجُل يَأْتِي بَعْدَمَا يَدْخُل أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة فَيُقَال لَهُ اُدْخُلْ الْجَنَّة فَيَقُول أَيْ رَبّ كَيْف وَقَدْ نَزَلَ النَّاس مَنَازِلهمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتهمْ فَيُقَال لَهُ أَتَرْضَى أَنْ يَكُون لَك مِثْل مُلْك مَلِك مِنْ مُلُوك الدُّنْيَا فَيَقُول رَضِيت رَبّ فَيَقُول لَك ذَلِكَ وَمِثْله وَمِثْله وَمِثْله وَمِثْله وَمِثْله فَقَالَ فِي الْخَامِسَة رَضِيت رَبّ فَيُقَال هَذَا لَك وَعَشَرَة أَمْثَاله وَلَك مَا اِشْتَهَتْ نَفْسك وَلَذَّتْ عَيْنك فَيَقُول رَضِيت رَبّ قَالَ رَبّ فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَة قَالَ : أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْت غَرَسْت كَرَامَتهمْ بِيَدِي وَخَتَمْت عَلَيْهَا فَلَمْ تَرَ عَيْن وَلَمْ تَسْمَع أُذُن وَلَمْ يَخْطُر عَلَى قَلْب بَشَر - قَالَ - وَمِصْدَاقه مِنْ كِتَاب اللَّه قَوْله تَعَالَى : &quot; فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ &quot; . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْمُغِيرَة مَوْقُوفًا قَوْله . وَخَرَّجَ مُسْلِم أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعْدَدْت لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْن رَأَتْ وَلَا أُذُن سَمِعْت وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر ذُخْرًا بَلْهَ مَا أَطْلَعَكُمْ عَلَيْهِ - ثُمَّ قَرَأَ - &quot; فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن &quot; . وَقَالَ اِبْن سِيرِينَ : الْمُرَاد بِهِ النَّظَر إِلَى اللَّه تَعَالَى . وَقَالَ الْحَسَن : أَخْفَى الْقَوْم أَعْمَالًا فَأَخْفَى اللَّه تَعَالَى لَهُمْ مَا لَا عَيْن رَأَتْ وَلَا أُذُن سَمِعَتْ .';
$TAFSEER['4']['32']['18'] = 'أَيْ لَيْسَ الْمُؤْمِن كَالْفَاسِقِ ; فَلِهَذَا آتَيْنَا هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الثَّوَاب الْعَظِيم . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَعَطَاء بْن يَسَار : نَزَلَتْ الْآيَة فِي عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَالْوَلِيد بْن عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط ; وَذَلِكَ أَنَّهُمَا تَلَاحَيَا فَقَالَ لَهُ الْوَلِيد : أَنَا أَبْسَطُ مِنْك لِسَانًا وَأَحَدُّ سِنَانًا وَأَرَدُّ لِلْكَتِيبَةِ - وَرُوِيَ وَأَمْلَأُ فِي الْكَتِيبَة - جَسَدًا . فَقَالَ لَهُ عَلِيّ : اُسْكُتْ ! فَإِنَّك فَاسِق ; فَنَزَلَتْ الْآيَة . وَذَكَرَ الزَّجَّاج وَالنَّحَّاس أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيّ وَعُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَعَلَى هَذَا يَلْزَم أَنْ تَكُون الْآيَة مَكِّيَّة ; لِأَنَّ عُقْبَة لَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ , وَإِنَّمَا قُتِلَ فِي طَرِيق مَكَّة مُنْصَرَف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَدْر . وَيُعْتَرَض الْقَوْل الْآخَر بِإِطْلَاقِ اِسْم الْفِسْق عَلَى الْوَلِيد . وَذَلِكَ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون فِي صَدْر إِسْلَام الْوَلِيد لِشَيْءٍ كَانَ فِي نَفْسه , أَوْ لِمَا رُوِيَ مِنْ نَقْله عَنْ بَنِي الْمُصْطَلِق مَا لَمْ يَكُنْ , حَتَّى نَزَلَتْ فِيهِ : &quot; إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا &quot; [ الْحُجُرَات : 6 ] عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْحُجُرَات بَيَانه . وَيَحْتَمِل أَنْ تُطْلِق الشَّرِيعَة ذَلِكَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى طَرَف مِمَّا يَبْغِي . وَهُوَ الَّذِي شَرِبَ الْخَمْر فِي زَمَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , وَصَلَّى الصُّبْح بِالنَّاسِ ثُمَّ اِلْتَفَتَ وَقَالَ : أَتُرِيدُونَ أَنْ أَزِيدكُمْ , وَنَحْو هَذَا مِمَّا يَطُول ذِكْره . 

لَمَّا قَسَّمَ اللَّه تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْفَاسِقِينَ الَّذِينَ فَسَّقَهُمْ بِالْكُفْرِ - لِأَنَّ التَّكْذِيب فِي آخِر الْآيَة يَقْتَضِي ذَلِكَ - اِقْتَضَى ذَلِكَ نَفْي الْمُسَاوَاة بَيْن الْمُؤْمِن وَالْكَافِر ; وَلِهَذَا مُنِعَ الْقِصَاص بَيْنهمَا ; إِذْ مِنْ شَرْط وُجُوب الْقِصَاص الْمُسَاوَاة بَيْن الْقَاتِل وَالْمَقْتُول . وَبِذَلِكَ اِحْتَجَّ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَة فِي قَتْله الْمُسْلِمَ بِالذِّمِّيِّ . وَقَالَ : أَرَادَ نَفْي الْمُسَاوَاة هَاهُنَا فِي الْآخِرَة فِي الثَّوَاب وَفِي الدُّنْيَا فِي الْعَدَالَة . وَنَحْنُ حَمَلْنَاهُ عَلَى عُمُومه , وَهُوَ أَصَحُّ , إِذْ لَا دَلِيل يَخُصّهُ ; قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ .

قَالَ الزَّجَّاج وَغَيْره : &quot; مَنْ &quot; يَصْلُح لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْع . النَّحَّاس : لَفْظ &quot; مَنْ &quot; يُؤَدِّي عَنْ الْجَمَاعَة ; فَلِهَذَا قَالَ : &quot; لَا يَسْتَوُونَ &quot; ; هَذَا قَوْل كَثِير مِنْ النَّحْوِيِّينَ . وَقَالَ بَعْضهمْ : &quot; لَا يَسْتَوُونَ &quot; لِاثْنَيْنِ ; لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ جَمْع ; لِأَنَّهُ وَاحِد جُمِعَ مَعَ آخَر . وَقَالَهُ الزَّجَّاج أَيْضًا . وَالْحَدِيث يَدُلّ عَلَى هَذَا الْقَوْل ; لِأَنَّهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره قَالَ : نَزَلَتْ &quot; أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا &quot; فِي عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , &quot; كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا &quot; فِي الْوَلِيد بْن عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط . وَقَالَ الشَّاعِر : أَلَيْسَ الْمَوْت بَيْنهمَا سَوَاء إِذَا مَاتُوا وَصَارُوا فِي الْقُبُورِ';
$TAFSEER['4']['32']['19'] = 'أَخْبَرَ عَنْ مَقَرّ الْفَرِيقَيْنِ غَدًا ; فَلِلْمُؤْمِنِينَ جَنَّات الْمَأْوَى , أَيْ يَأْوُونَ إِلَى الْجَنَّات ; فَأَضَافَ الْجَنَّات إِلَى الْمَأْوَى لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِع يَتَضَمَّن جَنَّات . &quot; نُزُلًا &quot; أَيْ ضِيَافَة . وَالنُّزُل : مَا يُهَيَّأ لِلنَّازِلِ وَالضَّيْف . وَقَدْ مَضَى فِي آخِر &quot; آل عِمْرَان &quot; وَهُوَ نُصِبَ عَلَى الْحَال مِنْ الْجَنَّات ; أَيْ لَهُمْ الْجَنَّات مُعَدَّة , وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَفْعُولًا لَهُ .';
$TAFSEER['4']['32']['20'] = 'أَيْ خَرَجُوا عَنْ الْإِيمَان إِلَى الْكُفْر

أَيْ مُقَامهمْ فِيهَا .

أَيْ إِذَا دَفَعَهُمْ لَهَب النَّار إِلَى أَعْلَاهَا رُدُّوا إِلَى مَوْضِعهمْ فِيهَا , لِأَنَّهُمْ يَطْمَعُونَ فِي الْخُرُوج مِنْهَا . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي &quot; الْحَجّ &quot; .

أَيْ يَقُول لَهُمْ خَزَنَة جَهَنَّم . أَوْ يَقُول اللَّه لَهُمْ :

وَالذَّوْق يُسْتَعْمَل مَحْسُوسًا وَمَعْنًى . وَقَدْ مَضَى فِي هَذِهِ السُّورَة بَيَانه .';
$TAFSEER['4']['32']['21'] = 'قَالَ الْحَسَن وَأَبُو الْعَالِيَة وَالضَّحَّاك وَأُبَيّ بْن كَعْب وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ : الْعَذَاب الْأَدْنَى مَصَائِب الدُّنْيَا وَأَسْقَامهَا مِمَّا يُبْتَلَى بِهِ الْعَبِيد حَتَّى يَتُوبُوا ; وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ الْحُدُود . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَالْحُسَيْن بْن عَلِيّ وَعَبْد اللَّه بْن الْحَارِث : هُوَ الْقَتْل بِالسَّيْفِ يَوْم بَدْر . وَقَالَ مُقَاتِل : الْجُوع سَبْعَ سِنِينَ بِمَكَّة حَتَّى أَكَلُوا الْجِيَف ; وَقَالَهُ مُجَاهِد . وَعَنْهُ أَيْضًا : الْعَذَاب الْأَدْنَى عَذَاب الْقَبْر ; وَقَالَهُ الْبَرَاء بْن عَازِب . قَالُوا : وَالْأَكْبَر عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَقِيلَ عَذَاب الْقَبْر . وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِقَوْلِهِ : &quot; لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ &quot; . قَالَ : وَمَنْ حَمَلَ الْعَذَاب عَلَى الْقَتْل قَالَ : &quot; لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ &quot; أَيْ يَرْجِع مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ . وَلَا خِلَاف أَنَّ الْعَذَاب الْأَكْبَر عَذَاب جَهَنَّم ; إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّد أَنَّهُ خُرُوج الْمَهْدِيّ بِالسَّيْفِ . وَالْأَدْنَى غَلَاء السُّعْر . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى قَوْله : &quot; لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ &quot; . عَلَى قَوْل مُجَاهِد وَالْبَرَاء : أَيْ لَعَلَّهُمْ يُرِيدُونَ الرُّجُوع وَيَطْلُبُونَهُ كَقَوْلِهِ : &quot; فَارْجِعْنَا نَعْمَل صَالِحًا &quot; [ السَّجْدَة : 12 ] . وَسُمِّيَتْ إِرَادَة الرُّجُوع رُجُوعًا كَمَا سُمِّيَتْ إِرَادَة الْقِيَام قِيَامًا فِي قَوْله تَعَالَى : &quot; إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة &quot; [ الْمَائِدَة : 6 ] . وَيَدُلّ عَلَيْهِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : &quot; يُرْجَعُونَ &quot; عَلَى الْبِنَاء لِلْمَفْعُولِ ; ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ .';
$TAFSEER['4']['32']['22'] = 'أَيْ لَا أَحَد أَظْلَمُ لِنَفْسِهِ .

أَيْ بِحُجَجِهِ وَعَلَامَاته .

بِتَرْكِ الْقَبُول .

لِتَكْذِيبِهِمْ وَإِعْرَاضهمْ .';
$TAFSEER['4']['32']['23'] = 'أَيْ فَلَا تَكُنْ يَا مُحَمَّد فِي شَكّ مِنْ لِقَاء مُوسَى ; قَالَ اِبْن عَبَّاس . وَقَدْ لَقِيَهُ لَيْلَة الْإِسْرَاء . قَتَادَة : الْمَعْنَى فَلَا تَكُنْ فِي شَكّ مِنْ أَنَّك لَقِيته لَيْلَة الْإِسْرَاء . وَالْمَعْنَى وَاحِد . وَقِيلَ : فَلَا تَكُنْ فِي شَكّ مِنْ لِقَاء مُوسَى فِي الْقِيَامَة , وَسَتَلْقَاهُ فِيهَا . وَقِيلَ : فَلَا تَكُنْ فِي شَكّ مِنْ لِقَاء مُوسَى الْكِتَابَ بِالْقَبُولِ ; قَالَهُ مُجَاهِد وَالزَّجَّاج . وَعَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ فِي مَعْنَاهُ : &quot; وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب &quot; فَأُوذِيَ وَكُذِّبَ , فَلَا تَكُنْ فِي شَكّ مِنْ أَنَّهُ سَيَلْقَاك مَا لَقِيَهُ مِنْ التَّكْذِيب وَالْأَذَى ; فَالْهَاء عَائِدَة عَلَى مَخْذُوف , وَالْمَعْنَى مِنْ لِقَاء مَا لَاقَى . النَّحَّاس : وَهَذَا قَوْل غَرِيب , إِلَّا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَة عَمْرو بْن عُبَيْد . وَقِيلَ فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير ; وَالْمَعْنَى : قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَك الْمَوْت الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَة مِنْ لِقَائِهِ ; فَجَاءَ مُعْتَرِضًا بَيْن &quot; وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب &quot; وَبَيْن &quot; وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيل &quot; . وَالضَّمِير فِي &quot; وَجَعَلْنَاهُ &quot; فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : جَعَلْنَا مُوسَى ; قَالَهُ قَتَادَة . الثَّانِي : جَعَلْنَا الْكِتَاب ; قَالَهُ الْحَسَن .';
$TAFSEER['4']['32']['24'] = 'أَيْ قَادَة وَقُدْوَة يُقْتَدَى بِهِمْ فِي دِينهمْ . وَالْكُوفِيُّونَ يَقْرَءُونَ &quot; أَئِمَّة &quot; النَّحَّاس : وَهُوَ لَحْن عِنْد جَمِيع النَّحْوِيِّينَ ; لِأَنَّهُ جَمْع بَيْن هَمْزَتَيْنِ فِي كَلِمَة وَاحِدَة , وَهُوَ مِنْ دَقِيق النَّحْو . وَشَرْحه : أَنَّ الْأَصْل &quot; أَأْمِمَة &quot; ثُمَّ أُلْقِيَتْ حَرَكَة الْمِيم عَلَى الْهَمْزَة وَأُدْغِمَتْ الْمِيم , وَخُفِّفَتْ الْهَمْزَة الثَّانِيَة لِئَلَّا يَجْتَمِع هَمْزَتَانِ , وَالْجَمْع بَيْن هَمْزَتَيْنِ فِي حَرْفَيْنِ بَعِيدٌ ; فَأَمَّا فِي حَرْف وَاحِد فَلَا يَجُوز إِلَّا تَخْفِيف الثَّانِيَة نَحْو قَوْلك : آدَم وَآخَر . وَيُقَال : هَذَا أَوَمُّ مِنْ هَذَا وَأَيَمُّ ; بِالْوَاوِ وَالْيَاء . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي &quot; التَّوْبَة &quot; وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَمُ . &quot; يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا &quot; أَيْ يَدْعُونَ الْخَلْق إِلَى طَاعَتنَا . &quot; بِأَمْرِنَا &quot; أَيْ أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ . وَقِيلَ : &quot; بِأَمْرِنَا &quot; أَيْ لِأَمْرِنَا ; أَيْ يَهْدُونَ النَّاس لِدِينِنَا . ثُمَّ قِيلَ : الْمُرَاد الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام ; قَالَهُ قَتَادَة . وَقِيلَ : الْمُرَاد الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء . &quot; لَمَّا صَبَرُوا &quot; قِرَاءَة الْعَامَّة &quot; لَمَّا &quot; بِفَتْحِ اللَّام وَتَشْدِيد الْمِيم وَفَتْحهَا ; أَيْ حِين صَبَرُوا . وَقَرَأَ يَحْيَى وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَخَلَف وَرُوَيْس عَنْ يَعْقُوب : &quot; لِمَا صَبَرُوا &quot; أَيْ لِصَبْرِهِمْ جَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّة . وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد اِعْتِبَارًا بِقِرَاءَةِ اِبْن مَسْعُود &quot; بِمَا صَبَرُوا &quot; بِالْبَاءِ . وَهَذَا الصَّبْر صَبْر عَلَى الدِّين وَعَلَى الْبَلَاء . وَقِيلَ : صَبَرُوا عَنْ الدُّنْيَا .';
$TAFSEER['4']['32']['25'] = 'أَيْ يَقْضِي وَيَحْكُم بَيْن الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّار , فَيُجَازِي كُلًّا بِمَا يَسْتَحِقّ . وَقِيلَ : يَقْضِي بَيْن الْأَنْبِيَاء وَبَيْن قَوْمهمْ ; حَكَاهُ النَّقَّاش .';
$TAFSEER['4']['32']['26'] = 'وَقَرَأَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ وَقَتَادَة وَأَبُو زَيْد عَنْ يَعْقُوب &quot; نَهْدِ لَهُمْ &quot; بِالنُّونِ ; فَهَذِهِ قِرَاءَة بَيِّنَة . النَّحَّاس : وَبِالْيَاءِ فِيهَا إِشْكَال ; لِأَنَّهُ يُقَال : الْفِعْل لَا يَخْلُو مِنْ فَاعِل , فَأَيْنَ الْفَاعِل ل &quot; يَهْدِ &quot; ؟ فَتَكَلَّمَ النَّحْوِيُّونَ فِي هَذَا ; فَقَالَ الْفَرَّاء : &quot; كَمْ &quot; فِي مَوْضِع رَفْع ب &quot; يَهْدِ &quot; وَهَذَا نَقْض لِأُصُولِ النَّحْوِيِّينَ فِي قَوْلهمْ : إِنَّ الِاسْتِفْهَام لَا يَعْمَل فِيهِ مَا قَبْله وَلَا فِي &quot; كَمْ &quot; بِوَجْهٍ ; أَعْنِي مَا قَبْلهَا . وَمَذْهَب أَبِي الْعَبَّاس أَنَّ &quot; يَهْدِ &quot; يَدُلّ عَلَى الْهُدَى ; وَالْمَعْنَى أَوَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ الْهُدَى . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَوَ لَمْ يَهْدِ اللَّه لَهُمْ ; فَيَكُون مَعْنَى الْيَاء وَالنُّون وَاحِدًا ; أَيْ أَوَ لَمْ نُبَيِّن لَهُمْ إِهْلَاكنَا الْقُرُون الْكَافِرَة مِنْ قَبْلهمْ . وَقَالَ الزَّجَّاج : &quot; كَمْ &quot; فِي مَوْضِع نَصْب ب &quot; أَهْلَكْنَا &quot; . &quot; يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنهمْ &quot; يَحْتَمِل الضَّمِير فِي &quot; يَمْشُونَ &quot; أَنْ يَعُود عَلَى الْمَاشِينَ فِي مَسَاكِن الْمُهْلَكِينَ ; أَيْ وَهَؤُلَاءِ يَمْشُونَ وَلَا يَعْتَبِرُونَ . وَيَحْتَمِل أَنْ يَعُود عَلَى الْمُهْلَكِينَ فَيَكُون حَالًا ; وَالْمَعْنَى : أَهْلَكْنَاهُمْ مَاشِينَ فِي مَسَاكِنهمْ .

آيَات اللَّه وَعِظَاته فَيَتَّعِظُونَ .';
$TAFSEER['4']['32']['27'] = 'أَيْ أَوَ لَمْ يَعْلَمُوا كَمَال قُدْرَتنَا بِسَوْقِنَا الْمَاء إِلَى الْأَرْض الْيَابِسَة الَّتِي لَا نَبَات فِيهَا لِنُحْيِيَهَا . الزَّمَخْشَرِيّ : الْجُرُز الْأَرْض الَّتِي جُرِزَ نَبَاتهَا , أَيْ قُطِعَ ; إِمَّا لِعَدَمِ الْمَاء وَإِمَّا لِأَنَّهُ رُعِيَ وَأُزِيلَ . وَلَا يُقَال لِلَّتِي لَا تُنْبِت كَالسِّبَاخِ جُرُز ; وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : &quot; فَنُخْرِج بِهِ زَرْعًا &quot; قَالَ اِبْن عَبَّاس : هِيَ أَرْض بِالْيَمَنِ . وَقَالَ مُجَاهِد : هِيَ أَبْيَنُ . وَقَالَ عِكْرِمَة : هِيَ الْأَرْض الظَّمْأَى . وَقَالَ الضَّحَّاك : هِيَ الْأَرْض الْمَيْتَة الْعَطْشَى . وَقَالَ الْفَرَّاء : هِيَ الْأَرْض الَّتِي لَا نَبَات فِيهَا . وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ : هِيَ الْأَرْض الَّتِي لَا تُنْبِت شَيْئًا . وَقَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد : يَبْعُد أَنْ تَكُون لِأَرْضٍ بِعَيْنِهَا لِدُخُولِ الْأَلِف وَاللَّام ; إِلَّا أَنَّهُ يَجُوز عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : الْعَبَّاس وَالضَّحَّاك . وَالْإِسْنَاد عَنْ اِبْن عَبَّاس صَحِيح لَا مَطْعَن فِيهِ . وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ نَعْت وَالنَّعْت لِلْمَعْرِفَةِ يَكُون بِالْأَلِفِ وَاللَّام ; وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْ قَوْلهمْ : رَجُل جَرُوز إِذَا كَانَ لَا يُبْقِي شَيْئًا إِلَّا أَكَلَهُ . قَالَ الرَّاجِز : خِبّ جَرُوز وَإِذَا جَاعَ بَكَى وَيَأْكُل التَّمْر وَلَا يُلْقِي النَّوَى وَكَذَلِكَ نَاقَة جَرُوز : إِذَا كَانَتْ تَأْكُل كُلّ شَيْء تَجِدهُ . وَسَيْف جُرَاز : أَيْ قَاطِع مَاضٍ . وَجَرَزَتْ الْجَرَاد الزَّرْع : إِذَا اِسْتَأْصَلَتْهُ بِالْأَكْلِ . وَحَكَى الْفَرَّاء وَغَيْره أَنَّهُ يُقَال : أَرْض جُرْز وَجُرُز وَجَرْز وَجَرَز . وَكَذَلِكَ بُخْل وَرَغَب وَرَهَب ; فِي الْأَرْبَعَة أَرْبَع لُغَات . وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْأَرْض لَا أَنْهَار فِيهَا , وَهِيَ بَعِيدَة مِنْ الْبَحْر , وَإِنَّمَا يَأْتِيهَا فِي كُلّ عَام وِدَان فَيَزْرَعُونَ ثَلَاث مَرَّات فِي كُلّ عَام . وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا : أَنَّهَا أَرْض النِّيل . &quot; فَنُخْرِج بِهِ &quot; أَيْ بِالْمَاءِ . &quot; زَرْعًا تَأْكُل مِنْهُ أَنْعَامهمْ &quot; مِنْ الْكَلَأ وَالْحَشِيش . &quot; وَأَنْفُسهمْ &quot; مِنْ الْحَبّ وَالْخُضَر وَالْفَوَاكِه . &quot; أَفَلَا يُبْصِرُونَ &quot; هَذَا فَيَعْلَمُونَ أَنَّا نَقْدِر عَلَى إِعَادَتهمْ . و &quot; فَنُخْرِج &quot; يَكُون مَعْطُوفًا عَلَى &quot; نَسُوق &quot; أَوْ مُنْقَطِعًا مِمَّا قَبْله . &quot; تَأْكُل مِنْهُ أَنْعَامهمْ &quot; فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى النَّعْت .';
$TAFSEER['4']['32']['28'] = '&quot; مَتَى &quot; فِي مَوْضِع رَفْع , وَيَجُوز أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الظَّرْف . قَالَ قَتَادَة : الْفَتْح الْقَضَاء . وَقَالَ الْفَرَّاء وَالْقُتَبِيّ : يَعْنِي فَتْح مَكَّة . وَأَوْلَى مِنْ هَذَا مَا قَالَهُ مُجَاهِد , قَالَ : يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة . وَيُرْوَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا : سَيَحْكُمُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَيْننَا يَوْم الْقِيَامَة فَيُثِيب الْمُحْسِن وَيُعَاقِب الْمُسِيء . فَقَالَ الْكُفَّار عَلَى التَّهَزِّئ . مَتَى يَوْم الْفَتْح , أَيْ هَذَا الْحُكْم . وَيُقَال لِلْحَاكِمِ : فَاتِح وَفَتَّاح ; لِأَنَّ الْأَشْيَاء تَنْفَتِح عَلَى يَدَيْهِ وَتَنْفَصِل . وَفِي الْقُرْآن : &quot; رَبّنَا اِفْتَحْ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا بِالْحَقِّ &quot; [ الْأَعْرَاف : 89 ] وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; وَغَيْرهَا .';
$TAFSEER['4']['32']['29'] = '&quot; قُلْ يَوْم الْفَتْح &quot; عَلَى الظَّرْف . وَأَجَازَ الْفَرَّاء الرَّفْع . &quot; لَا يَنْفَع الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانهمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ &quot; أَيْ يُؤَخَّرُونَ وَيُمْهَلُونَ لِلتَّوْبَةِ ; إِنْ كَانَ يَوْم الْفَتْح يَوْم بَدْر أَوْ فَتْح مَكَّة . فَفِي بَدْر قُتِلُوا , وَيَوْم الْفَتْح هَرَبُوا فَلَحِقَهُمْ خَالِد بْن الْوَلِيد فَقَتَلَهُمْ .';
$TAFSEER['4']['32']['30'] = 'مَعْنَاهُ فَأَعْرِضْ عَنْ سَفَههمْ وَلَا تُجِبْهُمْ إِلَّا بِمَا أُمِرْت بِهِ . &quot; وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ &quot; أَيْ اِنْتَظِرْ يَوْم الْفَتْح , يَوْم يَحْكُم اللَّه لَك عَلَيْهِمْ . اِبْن عَبَّاس : &quot; فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ &quot; أَيْ عَنْ مُشْرِكِي قُرَيْش مَكَّة , وَأَنَّ هَذَا مَنْسُوخ بِالسَّيْفِ فِي &quot; بَرَاءَة &quot; فِي قَوْله : &quot; فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ &quot; [ التَّوْبَة : 5 ] . &quot; وَانْتَظِرْ &quot; أَيْ مَوْعِدِي لَك . قِيلَ : يَعْنِي يَوْم بَدْر . &quot; إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ &quot; أَيْ يَنْتَظِرُونَ بِكُمْ حَوَادِث الزَّمَان . وَقِيلَ : الْآيَة غَيْر مَنْسُوخَة ; إِذْ قَدْ يَقَع الْإِعْرَاض مَعَ الْأَمْر بِالْقِتَالِ كَالْهُدْنَةِ وَغَيْرهَا . وَقِيلَ : أَعْرِضْ عَنْهُمْ بَعْدَمَا بَلَّغْت الْحُجَّة , وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ . إِنْ قِيلَ : كَيْف يَنْتَظِرُونَ الْقِيَامَة وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ؟ فَفِي هَذَا جَوَابَانِ : أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون الْمَعْنَى أَنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ الْمَوْت وَهُوَ مِنْ أَسْبَاب الْقِيَامَة ; فَيَكُون هَذَا مَجَازًا . وَالْآخَر : أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَشُكّ وَفِيهِمْ مَنْ يُؤْمِن بِالْقِيَامَةِ ; فَيَكُون هَذَا جَوَابًا لِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ . وَاَللَّه أَعْلَمُ . وَقَرَأَ اِبْن السَّمَيْقَع : &quot; إِنَّهُمْ مُنْتَظَرُونَ &quot; بِفَتْحِ الظَّاء . وَرُوِيَتْ عَنْ مُجَاهِد وَابْن مُحَيْصِن . قَالَ الْفَرَّاء : لَا يَصِحّ هَذَا إِلَّا بِإِضْمَارٍ , مَجَازه : أَنَّهُمْ مُنْتَظَرُونَ بِهِمْ . قَالَ أَبُو حَاتِم : الصَّحِيح الْكَسْر ; أَيْ اِنْتَظِرْ عَذَابهمْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ هَلَاكك . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ قِرَاءَة اِبْن السَّمَيْقَع ( بِفَتْحِ الظَّاء ) مَعْنَاهَا : وَانْتَظِرْ هَلَاكهمْ فَإِنَّهُمْ أَحِقَّاء بِأَنْ يُنْتَظَر هَلَاكُهُمْ ; يَعْنِي أَنَّهُمْ هَالِكُونَ لَا مَحَالَة , وَانْتَظِرْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء يَنْتَظِرُونَهُ ; ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ . وَهُوَ مَعْنَى قَوْل الْفَرَّاء . وَاَللَّه أَعْلَمُ .';
$TAFSEER['4']['33']['1'] = 'سُورَة الْأَحْزَاب مَدَنِيَّة فِي قَوْل جَمِيعهمْ . نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ وَإِيذَائِهِمْ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَطَعْنهمْ فِيهِ وَفِي مُنَاكَحَته وَغَيْرهَا . وَهِيَ ثَلَاث وَسَبْعُونَ آيَة . وَكَانَتْ هَذِهِ السُّورَة تَعْدِل سُورَة الْبَقَرَة . وَكَانَتْ فِيهَا آيَة الرَّجْم : ( الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّه وَاَللَّه عَزِيز حَكِيم ) ; ذَكَرَهُ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب . وَهَذَا يَحْمِلهُ أَهْل الْعِلْم عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى رَفَعَ مِنْ الْأَحْزَاب إِلَيْهِ مَا يَزِيد عَلَى مَا فِي أَيْدِينَا , وَأَنَّ آيَة الرَّجْم رُفِعَ لَفْظهَا . وَقَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْهَيْثَم بْن خَالِد قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَّام قَالَ حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي مَرْيَم عَنْ اِبْن لَهِيعَة عَنْ أَبِي الْأَسْوَد عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : كَانَتْ سُورَة الْأَحْزَاب تَعْدِل عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَتَيْ آيَة , فَلَمَّا كُتِبَ الْمُصْحَف لَمْ يُقْدَر مِنْهَا إِلَّا عَلَى مَا هِيَ الْآن . قَالَ أَبُو بَكْر : فَمَعْنَى هَذَا مِنْ قَوْل أُمّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَة : أَنَّ اللَّه تَعَالَى رَفَعَ إِلَيْهِ مِنْ سُورَة الْأَحْزَاب مَا يَزِيد عَلَى مَا عِنْدنَا . 

قُلْت : هَذَا وَجْه مِنْ وُجُوه النَّسْخ , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; الْقَوْل فِيهِ مُسْتَوْفًى وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَرَوَى زِرّ قَالَ قَالَ لِي أُبَيّ بْن كَعْب : كَمْ تَعُدُّونَ سُورَة الْأَحْزَاب ؟ قُلْت ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ آيَة ; قَالَ : فَوَاَلَّذِي يَحْلِف بِهِ أُبَيّ بْن كَعْب أَنْ كَانَتْ لَتَعْدِل سُورَة الْبَقَرَة أَوْ أَطْوَل , وَلَقَدْ قَرَأْنَا مِنْهَا آيَة الرَّجْم : الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّة نَكَالًا مِنْ اللَّه وَاَللَّه عَزِيز حَكِيم . أَرَادَ أُبَيّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَة مَا نُسِخَ مِنْ الْقُرْآن . وَأَمَّا مَا يُحْكَى مِنْ أَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَة كَانَتْ فِي صَحِيفَة فِي بَيْت عَائِشَة فَأَكَلَتْهَا الدَّاجِن فَمِنْ تَأْلِيف الْمَلَاحِدَة وَالرَّوَافِض . 

ضُمَّتْ &quot; أَيّ &quot; لِأَنَّهُ نِدَاء مُفْرَد , وَالتَّنْبِيه لَازِم لَهَا . و &quot; النَّبِيّ &quot; نَعْت لِأَيُّ عِنْد النَّحْوِيِّينَ ; إِلَّا الْأَخْفَش فَإِنَّهُ يَقُول : إِنَّهُ صِلَة لِأَيُّ . مَكِّيّ : وَلَا يُعْرَف فِي كَلَام الْعَرَب اِسْم مُفْرَد صِلَة لِشَيْءٍ . النَّحَّاس : وَهُوَ خَطَأ عِنْد أَكْثَرِ النَّحْوِيِّينَ ; لِأَنَّ الصِّلَة لَا تَكُون إِلَّا جُمْلَة , وَالِاحْتِيَال لَهُ فِيمَا قَالَ إِنَّهُ لَمَّا كَانَ نَعْتًا لَازِمًا سُمِّيَ صِلَة ; وَهَكَذَا الْكُوفِيُّونَ يُسَمُّونَ نَعْت النَّكِرَة صِلَة لَهَا . وَلَا يَجُوز نَصْبه عَلَى الْمَوْضِع عِنْد أَكْثَرِ النَّحْوِيِّينَ . وَأَجَازَهُ الْمَازِنِيّ , جَعَلَهُ كَقَوْلِك : يَا زَيْدُ الظَّرِيفَ , بِنَصْبِ &quot; الظَّرِيف &quot; عَلَى مَوْضِع زَيْد . مَكِّيّ : وَهَذَا نَعْت يُسْتَغْنَى عَنْهُ , وَنَعْت &quot; أَيّ &quot; لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ فَلَا يَحْسُن نَصْبه عَلَى الْمَوْضِع . وَأَيْضًا فَإِنَّ نَعْت &quot; أَيّ &quot; هُوَ الْمُنَادَى فِي الْمَعْنَى فَلَا يَحْسُن نَصْبه . وَرُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَ يُحِبّ إِسْلَام الْيَهُود : قُرَيْظَة وَالنَّضِير وَبَنِي قَيْنُقَاع ; وَقَدْ تَابَعَهُ نَاس مِنْهُمْ عَلَى النِّفَاق , فَكَانَ يُلِين لَهُمْ جَانِبه ; وَيُكْرِم صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ , وَإِذَا أَتَى مِنْهُمْ قَبِيح تَجَاوَزَ عَنْهُ , وَكَانَ يَسْمَع مِنْهُمْ ; فَنَزَلَتْ . وَقِيلَ ; إِنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَا ذَكَرَ الْوَاحِدِيّ وَالْقُشَيْرِيّ وَالثَّعْلَبِيّ وَالْمَاوَرْدِيّ وَغَيْرهمْ فِي أَبِي سُفْيَان بْن حَرْب وَعِكْرِمَة بْن أَبِي جَهْل وَأَبِي الْأَعْوَر عَمْرو بْن سُفْيَان , نَزَلُوا الْمَدِينَة عَلَى عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ بْن سَلُول رَأْس الْمُنَافِقِينَ بَعْد أُحُد , وَقَدْ أَعْطَاهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمَان عَلَى أَنْ يُكَلِّمُوهُ , فَقَامَ مَعَهُمْ عَبْد اللَّه بْن سَعْد بْن أَبِي سَرْح وَطُعْمَة بْن أُبَيْرِق , فَقَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْده عُمَر بْن الْخَطَّاب : اُرْفُضْ ذِكْر آلِهَتنَا اللَّات وَالْعُزَّى وَمَنَاة , وَقُلْ إِنَّ لَهَا شَفَاعَة وَمَنَعَة لِمَنْ عَبَدَهَا , وَنَدَعك وَرَبّك . فَشَقَّ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالُوا . فَقَالَ عُمَر : يَا رَسُول اللَّه اِئْذَنْ لِي فِي قَتْلهمْ . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتهمْ الْأَمَان ) فَقَالَ عُمَر : اُخْرُجُوا فِي لَعْنَة اللَّه وَغَضَبه . فَأَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ الْمَدِينَة ; فَنَزَلَتْ الْآيَة . &quot; يَا أَيّهَا النَّبِيّ اِتَّقِ اللَّه &quot; أَيْ خَفْ اللَّه .

مِنْ أَهْل مَكَّة , يَعْنِي أَبَا سُفْيَان وَأَبَا الْأَعْوَر وَعِكْرِمَة .

مِنْ أَهْل الْمَدِينَة , يَعْنِي عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ وَطُعْمَة وَعَبْد اللَّه بْن سَعْد بْن أَبِي سَرْح فِيمَا نُهِيت عَنْهُ , وَلَا تَمِلْ إِلَيْهِمْ .

بِكُفْرِهِمْ

فِيمَا يَفْعَل بِهِمْ . الزَّمَخْشَرِيّ : وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا سُفْيَان بْن حَرْب وَعِكْرِمَة بْن أَبِي جَهْل وَأَبَا الْأَعْوَر السُّلَمِيّ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُوَادَعَة الَّتِي كَانَتْ بَيْنه وَبَيْنهمْ , وَقَامَ مَعَهُمْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ وَمُعَتِّب بْن قُشَيْر وَالْجَدّ بْن قَيْس , فَقَالُوا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اُرْفُضْ ذِكْر آلِهَتنَا . وَذَكَرَ الْخَبَرَ بِمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ . وَأَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ فِي نَقْضِ الْعَهْد وَنَبْذ الْمُوَادَعَة . &quot; وَلَا تُطِعْ الْكَافِرِينَ &quot; مِنْ أَهْل مَكَّة . &quot; وَالْمُنَافِقِينَ &quot; مِنْ أَهْل الْمَدِينَة فِيمَا طَلَبُوا إِلَيْك . وَرُوِيَ أَنَّ أَهْل مَكَّة دَعَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ يَرْجِع عَنْ دِينه وَيُعْطُوهُ شَطْر أَمْوَالهمْ , وَيُزَوِّجهُ شَيْبَةُ بْن رَبِيعَة بِنْتَهُ , وَخَوَّفَهُ مُنَافِقُو الْمَدِينَة أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَهُ إِنْ لَمْ يَرْجِع ; فَنَزَلَتْ . النَّحَّاس : وَدَلَّ بِقَوْلِهِ &quot; إِنَّ اللَّه كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا &quot; عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَمِيل إِلَيْهِمْ اِسْتِدْعَاء لَهُمْ إِلَى الْإِسْلَام ; أَيْ لَوْ عَلِمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ مَيْلك إِلَيْهِمْ فِيهِ مَنْفَعَة لَمَا نَهَاك عَنْهُ ; لِأَنَّهُ حَكِيم . ثُمَّ قِيلَ : الْخِطَاب لَهُ وَلِأُمَّتِهِ .';
$TAFSEER['4']['33']['2'] = 'يَعْنِي الْقُرْآن . وَفِيهِ زَجْر عَنْ اِتِّبَاع مَرَاسِم الْجَاهِلِيَّة , وَأَمْر بِجِهَادِهِمْ وَمُنَابَذَتهمْ , وَفِيهِ دَلِيل عَلَى تَرْك اِتِّبَاع الْآرَاء مَعَ وُجُود النَّصّ . وَالْخِطَاب لَهُ وَلِأُمَّتِهِ .

قِرَاءَة الْعَامَّة بِتَاءٍ عَلَى الْخِطَاب , وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم . وَقَرَأَ السُّلَمِيّ وَأَبُو عَمْرو وَابْن أَبِي إِسْحَاق : &quot; يَعْمَلُونَ &quot; بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر ; وَكَذَلِكَ فِي قَوْله : &quot; بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا &quot; [ الْفَتْح : 24 ] .';
$TAFSEER['4']['33']['3'] = 'أَيْ اِعْتَمِدْ عَلَيْهِ فِي كُلّ أَحْوَالك ; فَهُوَ الَّذِي يَمْنَعك وَلَا يَضُرّك مَنْ خَذَلَك .

حَافِظًا . وَقَالَ شَيْخ مِنْ أَهْل الشَّام : قَدِمَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْد مِنْ ثَقِيف فَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُمَتِّعهُمْ بِاللَّاتِ سَنَة - وَهِيَ الطَّاغِيَة الَّتِي كَانَتْ ثَقِيف تَعْبُدهَا - وَقَالُوا : لِتَعْلَم قُرَيْش مَنْزِلَتنَا عِنْدك ; فَهَمَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ , فَنَزَلَتْ &quot; وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه وَكَفَى بِاَللَّهِ وَكِيلًا &quot; أَيْ كَافِيًا لَك مَا تَخَافهُ مِنْهُمْ . و &quot; بِاَللَّهِ &quot; فِي مَوْضِع رَفْع لِأَنَّهُ الْفَاعِل . و &quot; وَكِيلًا &quot; نُصِبَ عَلَى الْبَيَان أَوْ الْحَال .';
$TAFSEER['4']['33']['4'] = 'قَالَ مُجَاهِد : نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ قُرَيْش كَانَ يُدْعَى ذَا الْقَلْبَيْنِ مِنْ دَهَائِهِ , وَكَانَ يَقُول : إِنَّ لِي فِي جَوْفِي قَلْبَيْنِ , أَعْقِلُ بِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا أَفْضَلَ مِنْ عَقْل مُحَمَّد . قَالَ : وَكَانَ مِنْ فِهْر . الْوَاحِدِيّ وَالْقُشَيْرِيّ وَغَيْرهمَا : نَزَلَتْ فِي جَمِيل بْن مَعْمَر الْفِهْرِيّ , وَكَانَ رَجُلًا حَافِظًا لَمَّا يَسْمَع . فَقَالَتْ قُرَيْش : مَا يَحْفَظ هَذِهِ الْأَشْيَاء إِلَّا وَلَهُ قَلْبَانِ . وَكَانَ يَقُول : لِي قَلْبَانِ أَعْقِلُ بِهِمَا أَفْضَلَ مِنْ عَقْل مُحَمَّد . فَلَمَّا هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ يَوْم بَدْر وَمَعَهُمْ جَمِيل بْن مَعْمَر , رَآهُ أَبُو سُفْيَان فِي الْعِير وَهُوَ مُعَلِّق إِحْدَى نَعْلَيْهِ فِي يَده وَالْأُخْرَى فِي رِجْله ; فَقَالَ أَبُو سُفْيَان : مَا حَال النَّاس ؟ قَالَ اِنْهَزَمُوا . قَالَ : فَمَا بَال إِحْدَى نَعْلَيْك فِي يَدك وَالْأُخْرَى فِي رِجْلك ؟ قَالَ : مَا شَعَرْت إِلَّا أَنَّهُمَا فِي رِجْلَيَّ ; فَعَرَفُوا يَوْمئِذٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ قَلْبَانِ لَمَّا نَسِيَ نَعْله فِي يَده . وَقَالَ السُّهَيْلِيّ : كَانَ جَمِيل بْن مَعْمَر الْجُمَحِيّ , وَهُوَ اِبْن مَعْمَر بْن حَبِيب بْن وَهْب بْن حُذَافَة بْن جُمَح , وَاسْم جُمَح : تَيْم ; وَكَانَ يُدْعَى ذَا الْقَلْبَيْنِ فَنَزَلَتْ فِيهِ الْآيَة , وَفِيهِ يَقُول الشَّاعِر : وَكَيْف ثَوَائِي بِالْمَدِينَةِ بَعْد مَا قَضَى وَطَرًا مِنْهَا جَمِيل بْن مَعْمَر قُلْت : كَذَا قَالُوا جَمِيل بْن مَعْمَر . وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ : جَمِيل بْن أَسَد الْفِهْرِيّ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : سَبَبهَا أَنَّ بَعْض الْمُنَافِقِينَ قَالَ : إِنَّ مُحَمَّدًا لَهُ قَلْبَانِ ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ فِي شَيْء فَنَزَعَ فِي غَيْره نَزْعَة ثُمَّ عَادَ إِلَى شَأْنه الْأَوَّل ; فَقَالُوا ذَلِكَ عَنْهُ فَأَكْذَبَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي عَبْد اللَّه بْن خَطَل . وَقَالَ الزُّهْرِيّ وَابْن حِبَّان : نَزَلَ ذَلِكَ تَمْثِيلًا فِي زَيْد بْن حَارِثَة لَمَّا تَبَنَّاهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَالْمَعْنَى : كَمَا لَا يَكُون لِرَجُلٍ قَلْبَانِ كَذَلِكَ لَا يَكُون وَلَد وَاحِد لِرَجُلَيْنِ . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا قَوْل ضَعِيف لَا يَصِحّ فِي اللُّغَة , وَهُوَ مِنْ مُنْقَطِعَات الزُّهْرِيّ , رَوَاهُ مَعْمَر عَنْهُ . وَقِيلَ : هُوَ مَثَلٌ ضُرِبَ لِلْمُظَاهِرِ ; أَيْ كَمَا لَا يَكُون لِلرَّجُلِ قَلْبَانِ كَذَلِكَ لَا تَكُون اِمْرَأَة الْمُظَاهِر أُمّه حَتَّى تَكُون لَهُ أُمَّانِ . وَقِيلَ : كَانَ الْوَاحِد مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَقُول : لِي قَلْب يَأْمُرنِي بِكَذَا , وَقَلْب يَأْمُرنِي بِكَذَا ; فَالْمُنَافِق ذُو قَلْبَيْنِ ; فَالْمَقْصُود رَدّ النِّفَاق . وَقِيلَ : لَا يَجْتَمِع الْكُفْر وَالْإِيمَان بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي قَلْب , كَمَا لَا يَجْتَمِع قَلْبَانِ فِي جَوْف ; فَالْمَعْنَى : لَا يَجْتَمِع اِعْتِقَادَانِ مُتَغَايِرَانِ فِي قَلْب . وَيَظْهَر مِنْ الْآيَة بِجُمْلَتِهَا نَفْي أَشْيَاء كَانَتْ الْعَرَب تَعْتَقِدهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْت , وَإِعْلَام بِحَقِيقَةِ الْأَمْر , وَاَللَّه أَعْلَمُ . 

الْقَلْب بَضْعَة صَغِيرَة عَلَى هَيْئَة الصَّنَوْبَرَة , خَلَقَهَا اللَّه تَعَالَى فِي الْآدَمِيّ وَجَعَلَهَا مَحَلًّا لِلْعِلْمِ , فَيُحْصِي بِهِ الْعَبْد مِنْ الْعُلُوم مَا لَا يَسَع فِي أَسْفَار , يَكْتُبهُ اللَّه تَعَالَى فِيهِ بِالْخَطِّ الْإِلَهِيّ , وَيَضْبِطهُ فِيهِ بِالْحِفْظِ الرَّبَّانِيّ , حَتَّى يُحْصِيَهُ وَلَا يَنْسَى مِنْهُ شَيْئًا . وَهُوَ بَيْن لَمَّتَيْنِ : لَمَّة مِنْ الْمَلَك , وَلَمَّة مِنْ الشَّيْطَان ; كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ ; وَقَدْ مَضَى فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; . وَهُوَ مَحَلّ الْخَطَرَات وَالْوَسَاوِس وَمَكَان الْكُفْر وَالْإِيمَان , وَمَوْضِع الْإِصْرَار وَالْإِنَابَة , وَمَجْرَى الِانْزِعَاج وَالطُّمَأْنِينَة . وَالْمَعْنَى فِي الْآيَة : أَنَّهُ لَا يَجْتَمِع فِي الْقَلْب الْكُفْر وَالْإِيمَان , وَالْهُدَى وَالضَّلَال , وَالْإِنَابَة وَالْإِصْرَار , وَهَذَا نَفْي لِكُلِّ مَا تَوَهَّمَهُ أَحَد فِي ذَلِكَ مِنْ حَقِيقَة أَوْ مَجَاز , وَاَللَّه أَعْلَمُ . 

أَعْلَمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ لَا أَحَدَ بِقَلْبَيْنِ , وَيَكُون فِي هَذَا طَعْن عَلَى الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرهمْ ; أَيْ إِنَّمَا هُوَ قَلْب وَاحِد , فَإِمَّا فِيهِ إِيمَان وَإِمَّا فِيهِ كُفْر ; لِأَنَّ دَرَجَة النِّفَاق كَأَنَّهَا مُتَوَسِّطَة , فَنَفَاهَا اللَّه تَعَالَى وَبَيَّنَ أَنَّهُ قَلْب وَاحِد . وَعَلَى هَذَا النَّحْو يَسْتَشْهِد الْإِنْسَان بِهَذِهِ الْآيَة , مَتَى نَسِيَ شَيْئًا أَوْ وَهِمَ . يَقُول عَلَى جِهَة الِاعْتِذَار : مَا جَعَلَ اللَّه لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفه .

يَعْنِي قَوْل الرَّجُل لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي . وَذَلِكَ مَذْكُور فِي سُورَة &quot; الْمُجَادَلَة &quot; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .

أَجْمَعَ أَهْل التَّفْسِير عَلَى أَنَّ هَذَا نَزَلَ فِي زَيْد بْن حَارِثَة . وَرَوَى الْأَئِمَّة أَنَّ اِبْن عُمَر قَالَ : مَا كُنَّا نَدْعُو زَيْد بْن حَارِثَة إِلَّا زَيْد بْن مُحَمَّد حَتَّى نَزَلَتْ : &quot; اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْد اللَّه &quot; [ الْأَحْزَاب : 5 ] وَكَانَ زَيْد فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَنَس بْن مَالِك وَغَيْره مَسْبِيًّا مِنْ الشَّأْم , سَبَتْهُ خَيْل مِنْ تِهَامَة , فَابْتَاعَهُ حَكِيم بْن حِزَام بْن خُوَيْلِد , فَوَهَبَهُ لِعَمَّتِهِ خَدِيجَة فَوَهَبَتْهُ خَدِيجَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْتَقَهُ وَتَبَنَّاهُ , فَأَقَامَ عِنْده مُدَّة , ثُمَّ جَاءَ عَمّه وَأَبُوهُ يَرْغَبَانِ فِي فِدَائِهِ , فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ قَبْل الْبَعْث : ( خَيِّرَاهُ فَإِنْ اِخْتَارَكُمَا فَهُوَ لَكُمَا دُون فِدَاء ) . فَاخْتَارَ الرِّقّ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حُرِّيَّته وَقَوْمه ; فَقَالَ مُحَمَّد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد ذَلِكَ : ( يَا مَعْشَر قُرَيْش اِشْهَدُوا أَنَّهُ اِبْنِي يَرِثنِي وَأَرِثهُ ) وَكَانَ يَطُوف عَلَى حِلَق قُرَيْش يُشْهِدهُمْ عَلَى ذَلِكَ , فَرَضِيَ ذَلِكَ عَمُّهُ وَأَبُوهُ وَانْصَرَفَا . وَكَانَ أَبُوهُ لَمَّا سُبِيَ يَدُور الشَّأْم وَيَقُول : بَكَيْت عَلَى زَيْد وَلَمْ أَدْرِ مَا فَعَلَ أَحَيّ فَيُرْجَى أَمْ أَتَى دُونه الْأَجَلْ فَوَاَللَّهِ لَا أَدْرِي وَإِنِّي لَسَائِل أَغَالَك بَعْدِي السَّهْل أَمْ غَالَك الْجَبَلْ فَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لَك الدَّهْرَ أَوْبَةٌ فَحَسْبِي مِنْ الدُّنْيَا رُجُوعُك لِي بَجَلْ تُذَكِّرُنِيهِ الشَّمْسُ عِنْد طُلُوعهَا وَتَعْرِض ذِكْرَاهُ إِذَا غَرْبُهَا أَفَلْ وَإِنْ هَبَّتْ الْأَرْيَاح هَيَّجْنَ ذِكْرَهُ فَيَا طُول مَا حُزْنِي عَلَيْهِ وَمَا وَجَلْ سَأُعْمِلُ نَصَّ الْعِيس فِي الْأَرْض جَاهِدًا وَلَا أَسْأَم التَّطْوَاف أَوْ تَسْأَم الْإِبِلْ حَيَاتِيَ أَوْ تَأْتِي عَلَيَّ مَنِيَّتِي فَكُلّ اِمْرِئٍ فَانٍ وَإِنْ غَرَّهُ الْأَمَلْ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ بِمَكَّة ; فَجَاءَ إِلَيْهِ فَهَلَكَ عِنْده . وَرُوِيَ أَنَّهُ جَاءَ إِلَيْهِ فَخَيَّرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ذَكَرْنَا وَانْصَرَفَ . وَسَيَأْتِي مِنْ ذِكْره وَفَضْله وَشَرَفه شِفَاء عِنْد قَوْله : &quot; فَلَمَّا قَضَى زَيْد مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكهَا &quot; [ الْأَحْزَاب : 37 ] إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَقُتِلَ زَيْد بِمُؤْتَةَ مِنْ أَرْض الشَّأْم سَنَة ثَمَان مِنْ الْهِجْرَة , وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّرَهُ فِي تِلْكَ الْغَزَاة , وَقَالَ : ( إِنْ قُتِلَ زَيْد فَجَعْفَر فَإِنْ قُتِلَ جَعْفَر فَعَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة ) . فَقُتِلَ الثَّلَاثَة فِي تِلْكَ الْغَزَاة رِضْوَان اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . وَلَمَّا أَتَى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعْيُ زَيْد وَجَعْفَر بَكَى وَقَالَ : ( أَخَوَايَ وَمُؤْنِسَايَ وَمُحَدِّثَايَ ) . 

الْأَدْعِيَاء جَمْع الدَّعِيّ وَهُوَ الَّذِي يُدْعَى اِبْنًا لِغَيْرِ أَبِيهِ أَوْ يَدَّعِي غَيْر أَبِيهِ وَالْمَصْدَر الدِّعْوَة بِالْكَسْرِ فَأَمَرَ تَعَالَى بِدُعَاءِ الْأَدْعِيَاء إِلَى آبَائِهِمْ لِلصُّلْبِ فَمَنْ جُهِلَ ذَلِكَ فِيهِ وَلَمْ تَشْتَهِر أَنْسَابهمْ كَانَ مَوْلًى وَأَخًا فِي الدِّين وَذَكَرَ الطَّبَرِيّ أَنَّ أَبَا بَكْرَة قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة وَقَالَ أَنَا مِمَّنْ لَا يُعْرَف أَبُوهُ فَأَنَا أَخُوكُمْ فِي الدِّين وَمَوْلَاكُمْ . قَالَ الرَّاوِي عَنْهُ : وَلَوْ عَلِمَ - وَاَللَّه - أَنَّ أَبَاهُ حِمَار لَانْتَمَى إِلَيْهِ وَرِجَال الْحَدِيث يَقُولُونَ فِي أَبِي بَكْرَة نُفَيْع بْن الْحَارِث . 

رُوِيَ فِي الصَّحِيح عَنْ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَأَبِي بَكْرَة كِلَاهُمَا قَالَ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( مَنْ اِدَّعَى إِلَى غَيْر أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُ غَيْر أَبِيهِ فَالْجَنَّة عَلَيْهِ حَرَام ) . وَفِي حَدِيث أَبِي ذَرّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول لَيْسَ مِنْ رَجُل ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمهُ إِلَّا كَفَرَ ) .

&quot; بِأَفْوَاهِكُمْ &quot; تَأْكِيد لِبُطْلَانِ الْقَوْل ; أَيْ أَنَّهُ قَوْل لَا حَقِيقَة لَهُ فِي الْوُجُود , إِنَّمَا هُوَ قَوْل لِسَانِيّ فَقَطْ . وَهَذَا كَمَا تَقُول : أَنَا أَمْشِي إِلَيْك عَلَى قَدَم ; فَإِنَّمَا تُرِيد بِذَلِكَ الْمَبَرَّة . وَهَذَا كَثِير . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْر مَوْضِع .

&quot; الْحَقّ &quot; نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف ; أَيْ يَقُول الْقَوْل الْحَقّ .

مَعْنَاهُ يُبَيِّن ; فَهُوَ يَتَعَدَّى بِغَيْرِ حَرْف جَرّ .';
$TAFSEER['4']['33']['5'] = 'قَوْله تَعَالَى : &quot; اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ &quot; نَزَلَتْ فِي زَيْد بْن حَارِثَة , عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه . وَفِي قَوْل اِبْن عُمَر : مَا كُنَّا نَدْعُو زَيْد بْن حَارِثَة إِلَّا زَيْد بْن مُحَمَّد , دَلِيل عَلَى أَنَّ التَّبَنِّيَ كَانَ مَعْمُولًا بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام , يُتَوَارَث بِهِ وَيُتَنَاصَر , إِلَى أَنْ نَسَخَ اللَّه ذَلِكَ بِقَوْلِهِ . &quot; اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْد اللَّه &quot; أَيْ أَعْدَلُ . فَرَفَعَ اللَّه حُكْم التَّبَنِّي وَمَنَعَ مِنْ إِطْلَاق لَفْظه , وَأَرْشَدَ بِقَوْلِهِ إِلَى أَنَّ الْأَوْلَى وَالْأَعْدَل أَنْ يُنْسَب الرَّجُل إِلَى أَبِيهِ نَسَبًا ; فَيُقَال : كَانَ الرَّجُل فِي الْجَاهِلِيَّة إِذَا أَعْجَبَهُ مِنْ الرَّجُل جَلَده وَظَرْفُهُ ضَمَّهُ إِلَى نَفْسه , وَجَعَلَ لَهُ نَصِيب الذَّكَر مِنْ أَوْلَاده مِنْ مِيرَاثه , وَكَانَ يُنْسَب إِلَيْهِ فَيُقَال فُلَان بْن فُلَان . وَقَالَ النَّحَّاس : هَذِهِ الْآيَة نَاسِخَة لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ التَّبَنِّي , وَهُوَ مِنْ نَسْخ السُّنَّة بِالْقُرْآنِ ; فَأَمَرَ أَنْ يَدْعُوا مَنْ دَعَوْا إِلَى أَبِيهِ الْمَعْرُوفِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَب مَعْرُوف نَسَبُوهُ إِلَى وَلَائِهِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَاء مَعْرُوف قَالَ لَهُ يَا أَخِي ; يَعْنِي فِي الدِّين , قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة &quot; [ الْحُجُرَات : 10 ] .

لَوْ نَسَبَهُ إِنْسَان إِلَى أَبِيهِ مِنْ التَّبَنِّي فَإِنْ كَانَ عَلَى جِهَة الْخَطَأ , وَهُوَ أَنْ يَسْبِق لِسَانه إِلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْر قَصْد فَلَا إِثْم وَلَا مُؤَاخَذَة ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى &quot; وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبكُمْ &quot; وَكَذَلِكَ لَوْ دَعَوْت رَجُلًا إِلَى غَيْر أَبِيهِ وَأَنْتَ تَرَى أَنَّهُ أَبُوهُ فَلَيْسَ عَلَيْك بَأْس ; قَالَهُ قَتَادَة . وَلَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى مَا غَلَبَ عَلَيْهِ اِسْم التَّبَنِّي كَالْحَالِ فِي الْمِقْدَاد بْن عَمْرو فَإِنَّهُ كَانَ غَلَبَ عَلَيْهِ نَسَب التَّبَنِّي , فَلَا يَكَاد يُعْرَف إِلَّا بِالْمِقْدَادِ بْن الْأَسْوَد ; فَإِنَّ الْأَسْوَد بْن عَبْد يَغُوث كَانَ قَدْ تَبَنَّاهُ فِي الْجَاهِلِيَّة وَعُرِفَ بِهِ . فَلَمَّا نَزَلَتْ الْآيَة قَالَ الْمِقْدَاد : أَنَا اِبْن عَمْرو ; وَمَعَ ذَلِكَ فَبَقِيَ الْإِطْلَاق عَلَيْهِ . وَلَمْ يُسْمَع فِيمَنْ مَضَى مَنْ عَصَّى مُطْلِق ذَلِكَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا . وَكَذَلِكَ سَالِم مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة , كَانَ يُدْعَى لِأَبِي حُذَيْفَة . وَغَيْر هَؤُلَاءِ مِمَّنْ تُبُنِّيَ وَانْتُسِبَ لِغَيْرِ أَبِيهِ وَشُهِرَ بِذَلِكَ وَغُلِبَ عَلَيْهِ . وَذَلِكَ بِخِلَافِ الْحَال فِي زَيْد بْن حَارِثَة ; فَإِنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يُقَال فِيهِ زَيْد بْن مُحَمَّد , فَإِنْ قَالَهُ أَحَد مُتَعَمِّدًا عَصَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبكُمْ &quot; أَيْ فَعَلَيْكُمْ الْجُنَاح . وَاَللَّه أَعْلَمُ . 

وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : &quot; وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح فِيمَا أَخْطَأْتُمْ &quot; مُجْمَل ; أَيْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح فِي شَيْء أَخْطَأْتُمْ , وَكَانَتْ فُتْيَا عَطَاء وَكَثِير مِنْ الْعُلَمَاء . عَلَى هَذَا إِذَا حَلَفَ رَجُل أَلَّا يُفَارِق غَرِيمه حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ حَقّه , فَأَخَذَ مِنْهُ مَا يَرَى أَنَّهُ جَيِّد مِنْ دَنَانِير فَوَجَدَهَا زُيُوفًا أَنَّهُ لَا شَيْء عَلَيْهِ . وَكَذَلِكَ عِنْده إِذَا حَلَفَ أَلَّا يُسَلِّم عَلَى فُلَان فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَعْرِفهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَث ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّد ذَلِكَ . و &quot; مَا &quot; فِي مَوْضِع خَفْض رَدًّا عَلَى &quot; مَا &quot; الَّتِي مَعَ &quot; أَخْطَأْتُمْ &quot; . وَيَجُوز أَنْ تَكُون فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَإٍ ; وَالتَّقْدِير : وَلَكِنَّ الَّذِي تُؤَاخَذُونَ بِهِ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبكُمْ . قَالَ قَتَادَة وَغَيْره : مَنْ نَسَبَ رَجُلًا إِلَى غَيْر أَبِيهِ , وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ أَبُوهُ , خَطَأ فَذَلِكَ مِنْ الَّذِي رَفَعَ اللَّه فِيهِ الْجُنَاح . وَقِيلَ : هُوَ أَنْ يَقُول لَهُ فِي الْمُخَاطَبَة : يَا بُنَيّ ; عَلَى غَيْر تَبَنٍّ .

أَيْ &quot; غَفُورًا &quot; لِلْعَمْدِ ,

بِرَفْعِ إِثْم الْخَطَأ .';
$TAFSEER['4']['33']['6'] = 'هَذِهِ الْآيَة أَزَالَ اللَّه تَعَالَى بِهَا أَحْكَامًا كَانَتْ فِي صَدْر الْإِسْلَام ; مِنْهَا : أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُصَلِّي عَلَى مَيِّت عَلَيْهِ دَيْن , فَلَمَّا فَتَحَ اللَّه عَلَيْهِ الْفُتُوح قَالَ : ( أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسهمْ فَمَنْ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْن فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ ) أَخْرَجَهُ الصَّحِيحَانِ . وَفِيهِمَا أَيْضًا ( فَأَيّكُمْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَأَنَا مَوْلَاهُ ) . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فَانْقَلَبَتْ الْآن الْحَال بِالذُّنُوبِ , فَإِنْ تَرَكُوا مَالًا ضُويِقَ الْعَصَبَة فِيهِ , وَإِنْ تَرَكُوا ضَيَاعًا أُسْلِمُوا إِلَيْهِ ; فَهَذَا تَفْسِير الْوَلَايَة الْمَذْكُورَة فِي هَذِهِ الْآيَة بِتَفْسِيرِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَنْبِيهه ; ( وَلَا عِطْر بَعْد عَرُوس ) . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء الْعَارِفِينَ : هُوَ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسهمْ ; لِأَنَّ أَنْفُسهمْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهَلَاك , وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى النَّجَاة . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَيُؤَيِّد هَذَا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( أَنَا آخِذ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّار وَأَنْتُمْ تَقْتَحِمُونَ فِيهَا تَقَحُّم الْفَرَاش ) . 

قُلْت : هَذَا قَوْل حَسَن فِي مَعْنَى الْآيَة وَتَفْسِيرهَا , وَالْحَدِيث الَّذِي ذُكِرَ أَخْرَجَهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَل أُمَّتِي كَمَثَلِ رَجُل اِسْتَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَتْ الدَّوَابّ وَالْفَرَاش يَقَعْنَ فِيهِ وَأَنَا آخِذ بِحُجَزِكُمْ وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهِ ) . وَعَنْ جَابِر مِثْله ; وَقَالَ : ( وَأَنْتُمْ تُفْلِتُونَ مِنْ يَدَيَّ ) . قَالَ الْعُلَمَاء الْحُجْزَة لِلسَّرَاوِيلِ , وَالْمَعْقِد لِلْإِزَارِ ; فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُل إِمْسَاك مَنْ يَخَاف سُقُوطه أَخَذَ بِذَلِكَ الْمَوْضِع مِنْهُ . وَهَذَا مَثَل لِاجْتِهَادِ نَبِيّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي نَجَاتنَا , وَحِرْصه عَلَى تَخَلُّصنَا مِنْ الْهَلَكَات الَّتِي بَيْن أَيْدِينَا ; فَهُوَ أَوْلَى بِنَا مِنْ أَنْفُسنَا ; وَلِجَهْلِنَا بِقَدْرِ ذَلِكَ وَغَلَبَةِ شَهَوَاتنَا عَلَيْنَا وَظَفَرِ عَدُوّنَا اللَّعِين بِنَاصِرِنَا أَحْقَر مِنْ الْفِرَاش وَأَذَلّ مِنْ الْفَرَاش , وَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيّ الْعَظِيم ! وَقِيلَ : أَوْلَى بِهِمْ أَيْ أَنَّهُ إِذَا أَمَرَ بِشَيْءٍ وَدَعَتْ النَّفْس إِلَى غَيْره كَانَ أَمْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى . وَقِيلَ أَوْلَى بِهِمْ أَيْ هُوَ أَوْلَى بِأَنْ يَحْكُم عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَيُنَفَّذ حُكْمه فِي أَنْفُسهمْ ; أَيْ فِيمَا يَحْكُمُونَ بِهِ لِأَنْفُسِهِمْ مِمَّا يُخَالِف حُكْمه . 

قَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم : يَجِب عَلَى الْإِمَام أَنْ يَقْضِيَ مِنْ بَيْت الْمَال دَيْن الْفُقَرَاء اِقْتِدَاء بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَإِنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ : ( فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ ) . وَالضَّيَاع ( بِفَتْحِ الضَّاد ) مَصْدَر ضَاعَ , ثُمَّ جُعِلَ اِسْمًا لِكُلِّ مَا هُوَ بِصَدَدِ أَنْ يَضِيع مِنْ عِيَال وَبَنِينَ لَا كَافِل لَهُمْ , وَمَال لَا قَيِّم لَهُ . وَسُمِّيَتْ الْأَرْض ضَيْعَة لِأَنَّهَا مُعَرَّضَة لِلضَّيَاعِ , وَتُجْمَع ضِيَاعًا بِكَسْرِ الضَّاد .

شَرَّفَ اللَّه تَعَالَى أَزْوَاج نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ جَعَلَهُنَّ أُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ ; أَيْ فِي وُجُوب التَّعْظِيم وَالْمَبَرَّة وَالْإِجْلَال وَحُرْمَة النِّكَاح عَلَى الرِّجَال , وَحَجْبهنَّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُنَّ بِخِلَافِ الْأُمَّهَات . وَقِيلَ : لَمَّا كَانَتْ شَفَقَتهنَّ عَلَيْهِمْ كَشَفَقَةِ الْأُمَّهَات أُنْزِلْنَ مَنْزِلَة الْأُمَّهَات , ثُمَّ هَذِهِ الْأُمُومَة لَا تُوجِب مِيرَاثًا كَأُمُومَةِ التَّبَنِّي . وَجَازَ تَزْوِيج بَنَاتهنَّ , وَلَا يُجْعَلْنَ أَخَوَات لِلنَّاسِ . وَسَيَأْتِي عَدَد أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آيَة التَّخْيِير إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَاخْتَلَفَ النَّاس هَلْ هُنَّ أُمَّهَات الرِّجَال وَالنِّسَاء أَمْ أُمَّهَات الرِّجَال خَاصَّة ; عَلَى قَوْلَيْنِ : فَرَوَى الشَّعْبِيّ عَنْ مَسْرُوق عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّ اِمْرَأَة قَالَتْ لَهَا : يَا أُمَّة ; فَقَالَتْ لَهَا : لَسْت لَك بِأُمٍّ , إِنَّمَا أَنَا أُمّ رِجَالكُمْ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهُوَ الصَّحِيح . 

قُلْت : لَا فَائِدَة فِي اِخْتِصَاص الْحَصْر فِي الْإِبَاحَة لِلرِّجَالِ دُون النِّسَاء , وَاَلَّذِي يَظْهَر لِي أَنَّهُنَّ أُمَّهَات الرِّجَال وَالنِّسَاء ; تَعْظِيمًا لِحَقِّهِنَّ عَلَى الرِّجَال وَالنِّسَاء . يَدُلّ عَلَيْهِ صَدْر الْآيَة : &quot; النَّبِيّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسهمْ &quot; , وَهَذَا يَشْمَل الرِّجَال وَالنِّسَاء ضَرُورَة . وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَجَابِر ; فَيَكُون قَوْله : &quot; وَأَزْوَاجه أُمَّهَاتهمْ &quot; عَائِدًا إِلَى الْجَمِيع . ثُمَّ إِنَّ فِي مُصْحَف أُبَيّ بْن كَعْب &quot; وَأَزْوَاجه أُمَّهَاتهمْ وَهُوَ أَب لَهُمْ &quot; . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس : &quot; مِنْ أَنْفُسهمْ وَهُوَ أَب لَهُمْ وَأَزْوَاجه أُمَّهَاتهمْ &quot; . وَهَذَا كُلّه يُوهِن مَا رَوَاهُ مَسْرُوق إِنْ صَحَّ مِنْ جِهَة التَّرْجِيح , وَإِنْ لَمْ يَصِحّ فَيَسْقُط الِاسْتِدْلَال بِهِ فِي التَّخْصِيص , وَبَقِينَا عَلَى الْأَصْل الَّذِي هُوَ الْعُمُوم الَّذِي يَسْبِق إِلَى الْفُهُوم . وَاَللَّه أَعْلَمُ . 

اُخْتُلِفَ فِي كَوْنهنَّ كَالْأُمَّهَاتِ فِي الْمَحْرَم وَإِبَاحَة النَّظَر ; عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : هُنَّ مَحْرَمٌ , لَا يُحَرَّم النَّظَر إِلَيْهِنَّ . الثَّانِي : أَنَّ النَّظَر إِلَيْهِنَّ مُحَرَّم , لِأَنَّ تَحْرِيم نِكَاحهنَّ إِنَّمَا كَانَ حِفْظًا لِحَقِّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِنَّ , وَكَانَ مِنْ حِفْظِ حَقِّهِ تَحْرِيمُ النَّظَر إِلَيْهِنَّ ; وَلِأَنَّ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا كَانَتْ إِذَا أَرَادَتْ دُخُول رَجُل عَلَيْهَا أَمَرَتْ أُخْتهَا أَسْمَاء أَنْ تُرْضِعهُ لِيَصِيرَ اِبْنًا لِأُخْتِهَا مِنْ الرَّضَاعَة , فَيَصِير مَحْرَمًا يَسْتَبِيح النَّظَر . وَأَمَّا اللَّاتِي طَلَّقَهُنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاته فَقَدْ اخْتُلِفَ فِي ثُبُوت هَذِهِ الْحُرْمَة لَهُنَّ عَلَى ثَلَاثَة أَوْجُه : أَحَدهَا : ثَبَتَتْ لَهُنَّ هَذِهِ الْحُرْمَة تَغْلِيبًا لِحُرْمَةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . الثَّانِي : لَا يَثْبُت لَهُنَّ ذَلِكَ , بَلْ هُنَّ كَسَائِرِ النِّسَاء ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثْبَتَ عِصْمَتَهُنَّ , وَقَالَ : ( أَزْوَاجِي فِي الدُّنْيَا هُنَّ أَزْوَاجِي فِي الْآخِرَة ) . الثَّالِث : مَنْ دَخَلَ بِهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُنَّ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهَا وَحُرِّمَ نِكَاحهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا ; حِفْظًا لِحُرْمَتِهِ وَحِرَاسَة لِخَلْوَتِهِ . وَمَنْ لَمْ يَدْخُل بِهَا لَمْ تَثْبُت لَهَا هَذِهِ الْحُرْمَة ; وَقَدْ هَمَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ بِرَجْمِ اِمْرَأَة فَارَقَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَزَوَّجَتْ فَقَالَتْ : لِمَ هَذَا ! وَمَا ضَرَبَ عَلَيَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِجَابًا وَلَا سُمِّيت أَمّ الْمُؤْمِنِينَ ; فَكَفَّ عَنْهَا عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . 

قَالَ قَوْم : لَا يَجُوز أَنْ يُسَمَّى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أَحَد مِنْ رِجَالكُمْ &quot; [ الْأَحْزَاب : 40 ] . وَلَكِنْ يُقَال : مِثْل الْأَب لِلْمُؤْمِنِينَ ; كَمَا قَالَ : ( إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِد أُعَلِّمكُمْ ... ) الْحَدِيث . خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد . وَالصَّحِيح أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يُقَال : إِنَّهُ أَب لِلْمُؤْمِنِينَ , أَيْ فِي الْحُرْمَة , وَقَوْله تَعَالَى : &quot; مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أَحَد مِنْ رِجَالكُمْ &quot; [ الْأَحْزَاب : 40 ] أَيْ فِي النَّسَب . وَسَيَأْتِي . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس : &quot; مِنْ أَنْفُسهمْ وَهُوَ أَب لَهُمْ وَأَزْوَاجه &quot; . وَسَمِعَ عُمَر هَذِهِ الْقِرَاءَة فَأَنْكَرَهَا وَقَالَ : حُكْمهَا يَا غُلَام ؟ فَقَالَ : إِنَّهَا فِي مُصْحَف أُبَيّ ; فَذَهَبَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ أُبَيّ : إِنَّهُ كَانَ يُلْهِينِي الْقُرْآن وَيُلْهِيك الصَّفْق بِالْأَسْوَاقِ ؟ وَأَغْلَظَ لِعُمَرَ . وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْل لُوط عَلَيْهِ السَّلَام &quot; هَؤُلَاءِ بَنَاتِي &quot; [ الْحِجْر : 71 ] : إِنَّمَا أَرَادَ الْمُؤْمِنَات ; أَيْ تَزَوَّجُوهُنَّ . وَقَدْ تَقَدَّمَ . 

قَالَ قَوْم : لَا يُقَال بَنَاته أَخَوَات الْمُؤْمِنِينَ , وَلَا أَخْوَالهنَّ أَخْوَال الْمُؤْمِنِينَ وَخَالَاتهمْ . قَالَ الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : تَزَوَّجَ الزُّبَيْر أَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَهِيَ أُخْت عَائِشَة , وَلَمْ يَقُلْ هِيَ خَالَة الْمُؤْمِنِينَ . وَأَطْلَقَ قَوْم هَذَا وَقَالُوا : مُعَاوِيَة خَال الْمُؤْمِنِينَ ; يَعْنِي فِي الْحُرْمَة لَا فِي النَّسَب .

قِيلَ : إِنَّهُ أَرَادَ بِالْمُؤْمِنِينَ الْأَنْصَار , وَبِالْمُهَاجِرِينَ قُرَيْشًا . وَفِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ نَاسِخ لِلتَّوَارُثِ بِالْهِجْرَةِ . حَكَى سَعِيد عَنْ قَتَادَة قَالَ : كَانَ نَزَلَ فِي سُورَة الْأَنْفَال &quot; وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء يُهَاجِرُوا &quot; [ الْأَنْفَال : 72 ] فَتَوَارَثَ الْمُسْلِمُونَ بِالْهِجْرَةِ ; فَكَانَ لَا يَرِث الْأَعْرَابِيّ الْمُسْلِم مِنْ قَرِيبه الْمُسْلِم الْمُهَاجِر شَيْئًا حَتَّى يُهَاجِر , ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ السُّورَة بِقَوْلِهِ : &quot; وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ &quot; . الثَّانِي : أَنَّ ذَلِكَ نَاسِخ لِلتَّوَارُثِ بِالْحِلْفِ وَالْمُؤَاخَاة فِي الدِّين ; رَوَى هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ الزُّبَيْر : &quot; وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه &quot; وَذَلِكَ أَنَّا مَعْشَر قُرَيْش لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَة قَدِمْنَا وَلَا أَمْوَال لَنَا , فَوَجَدْنَا الْأَنْصَار نِعْمَ الْإِخْوَان فَآخَيْنَاهُمْ فَأَوْرَثُونَا وَأَوْرَثْنَاهُمْ ; فَآخَى أَبُو بَكْر خَارِجَة بْن زَيْد , وَآخَيْت أَنَا كَعْب بْن مَالِك , فَجِئْت فَوَجَدْت السِّلَاح قَدْ أَثْقَلَهُ ; فَوَاَللَّهِ لَقَدْ مَاتَ عَنْ الدُّنْيَا مَا وَرِثَهُ غَيْرِي , حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة فَرَجَعْنَا إِلَى مُوَارِثِنَا . وَثَبَتَ عَنْ عُرْوَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْن الزُّبَيْر وَبَيْن كَعْب بْن مَالِك , فَارْتُثَّ كَعْب يَوْم أُحُد فَجَاءَ الزُّبَيْر يَقُودهُ بِزِمَامِ رَاحِلَته ; فَلَوْ مَاتَ يَوْمئِذٍ كَعْب عَنْ الضِّحّ وَالرِّيح لَوَرِثَهُ الزُّبَيْر , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه &quot; . فَبَيَّنَ اللَّه تَعَالَى أَنَّ الْقَرَابَة أَوْلَى مِنْ الْحِلْف , فَتُرِكَتْ الْوِرَاثَة بِالْحِلْفِ وَوَرَّثُوا بِالْقَرَابَةِ . وَقَدْ مَضَى فِي &quot; الْأَنْفَال &quot; الْكَلَام فِي تَوْرِيث ذَوِي الْأَرْحَام . وَقَوْله : &quot; فِي كِتَاب اللَّه &quot; يَحْتَمِل أَنْ يُرِيد الْقُرْآن , وَيَحْتَمِل أَنْ يُرِيد اللَّوْح الْمَحْفُوظ الَّذِي قَضَى فِيهِ أَحْوَال خَلْقه . و &quot; مِنْ الْمُؤْمِنِينَ &quot; مُتَعَلِّق ب &quot; أَوْلَى &quot; لَا بِقَوْلِهِ : &quot; وَأُولُو الْأَرْحَام &quot; بِالْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ يُوجِب تَخْصِيصًا بِبَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ , وَلَا خِلَاف فِي عُمُومهَا , وَهَذَا حَلّ إِشْكَالهَا ; قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ . النَّحَّاس : &quot; وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ &quot; يَجُوز أَنْ يَتَعَلَّق &quot; مِنْ الْمُؤْمِنِينَ &quot; ب &quot; أُولُو &quot; فَيَكُون التَّقْدِير : وَأُولُو الْأَرْحَام مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى أَوْلَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَقَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَقِيلَ إِنَّ مَعْنَاهُ : وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه إِلَّا مَا يَجُوز لِأَزْوَاجِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُدْعَيْنَ أُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ . وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَمُ .

يُرِيد الْإِحْسَان فِي الْحَيَاة , وَالْوَصِيَّة عِنْد الْمَوْت ; أَيْ أَنَّ ذَلِكَ جَائِز ; قَالَهُ قَتَادَة وَالْحَسَن وَعَطَاء . وَقَالَ مُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة , نَزَلَتْ فِي إِجَازَة الْوَصِيَّة لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيّ ; أَيْ يَفْعَل هَذَا مَعَ الْوَلِيّ وَالْقَرِيب وَإِنْ كَانَ كَافِرًا ; فَالْمُشْرِك وَلِيّ فِي النَّسَب لَا فِي الدِّين فَيُوصَى لَهُ بِوَصِيَّةٍ . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء هَلْ يُجْعَل الْكَافِر وَصِيًّا ; فَجَوَّزَ بَعْض وَمَنَعَ بَعْض . وَرَدَّ النَّظَرَ إِلَى السُّلْطَان فِي ذَلِكَ بَعْضٌ ; مِنْهُمْ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى . وَذَهَبَ مُجَاهِد وَابْن زَيْد وَالرُّمَّانِيّ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى : إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَلَفْظ الْآيَة يُعْضُد هَذَا الْمَذْهَب , وَتَعْمِيم الْوَلِيّ أَيْضًا حَسَن . وَوَلَايَة النَّسَب لَا تَدْفَع الْكَافِر , وَإِنَّمَا تَدْفَع أَنْ يُلْقَى إِلَيْهِ بِالْمَوَدَّةِ كَوَلِيِّ الْإِسْلَام .

&quot; الْكِتَاب &quot; يَحْتَمِل الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي &quot; كِتَاب اللَّه &quot; . و &quot; مَسْطُورًا &quot; مِنْ قَوْلك سَطَرْت الْكِتَاب إِذَا أَثْبَتَّهُ أَسْطَارًا . وَقَالَ قَتَادَة : أَيْ مَكْتُوبًا عِنْد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَلَّا يَرِث كَافِر مُسْلِمًا . قَالَ قَتَادَة : وَفِي بَعْض الْقِرَاءَة &quot; كَانَ ذَلِكَ عِنْد اللَّه مَكْتُوبًا &quot; . وَقَالَ الْقُرَظِيّ : كَانَ ذَلِكَ فِي التَّوْرَاة .';
$TAFSEER['4']['33']['7'] = 'أَيْ عَهْدهمْ عَلَى الْوَفَاء بِمَا حُمِّلُوا , وَأَنْ يُبَشِّر بَعْضهمْ بِبَعْضٍ , وَيُصَدِّق بَعْضهمْ بَعْضًا ; أَيْ كَانَ مَسْطُورًا حِين كَتَبَ اللَّه مَا هُوَ كَائِن , وَحِين أَخَذَ اللَّه تَعَالَى الْمَوَاثِيق مِنْ الْأَنْبِيَاء .

يَا مُحَمَّد

وَإِنَّمَا خُصَّ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَة وَإِنْ دَخَلُوا فِي زُمْرَة النَّبِيِّينَ تَفْضِيلًا لَهُمْ . وَقِيلَ : لِأَنَّهُمْ أَصْحَاب الشَّرَائِع وَالْكُتُب , وَأُولُو الْعَزْم مِنْ الرُّسُل وَأَئِمَّة الْأُمَم . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون هَذَا تَعْظِيمًا فِي قَطْع الْوَلَايَة بَيْن الْمُسْلِمِينَ وَالْكَافِرِينَ ; أَيْ هَذَا مِمَّا لَمْ تَخْتَلِف فِيهِ الشَّرَائِع , أَيْ شَرَائِع الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ الصَّلَاة وَالسَّلَام . أَيْ كَانَ فِي اِبْتِدَاء الْإِسْلَام تَوَارُث بِالْهِجْرَةِ , وَالْهِجْرَة سَبَب مُتَأَكِّد فِي الدِّيَانَة , ثُمَّ تَوَارَثُوا بِالْقَرَابَةِ مَعَ الْإِيمَان وَهُوَ سَبَب وَكِيد ; فَأَمَّا التَّوَارُث بَيْن مُؤْمِن وَكَافِر فَلَمْ يَكُنْ فِي دِين أَحَد مِنْ الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ أُخِذَ عَلَيْهِمْ الْمَوَاثِيق ; فَلَا تُدَاهِنُوا فِي الدِّين وَلَا تُمَالِئُوا الْكُفَّار . وَنَظِيره : &quot; شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّين مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا &quot; إِلَى قَوْله &quot; وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ &quot; [ الشُّورَى : 13 ] . وَمِنْ تَرْك التَّفَرُّق فِي الدِّين تَرْك مُوَالَاة الْكُفَّار . وَقِيلَ : أَيْ النَّبِيّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسهمْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَاب مَسْطُورًا وَمَأْخُوذًا بِهِ الْمَوَاثِيق مِنْ الْأَنْبِيَاء .

أَيْ عَهْدًا وَثِيقًا عَظِيمًا عَلَى الْوَفَاء بِمَا اِلْتَزَمُوا مِنْ تَبْلِيغ الرِّسَالَة , وَأَنْ يُصَدِّق بَعْضهمْ بَعْضًا . وَالْمِيثَاق هُوَ الْيَمِين بِاَللَّهِ تَعَالَى ; فَالْمِيثَاق الثَّانِي تَأْكِيد لِلْمِيثَاقِ الْأَوَّل بِالْيَمِينِ . وَقِيلَ : الْأَوَّل هُوَ الْإِقْرَار بِاَللَّهِ تَعَالَى , وَالثَّانِي فِي أَمْر النُّبُوَّة . وَنَظِير هَذَا قَوْله تَعَالَى : &quot; وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَاب وَحِكْمَة ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُول مُصَدِّق لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي &quot; [ آل عِمْرَان : 81 ] الْآيَة . أَيْ أَخَذَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعْلِنُوا أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيُعْلِن مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا نَبِيّ بَعْده . وَقَدَّمَ مُحَمَّدًا فِي الذِّكْر لِمَا رَوَى قَتَادَة عَنْ الْحَسَن عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى &quot; وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقهمْ وَمِنْك وَمِنْ نُوح &quot; قَالَ : ( كُنْت أَوَّلهمْ فِي الْخَلْق وَآخِرهمْ فِي الْبَعْث ) . وَقَالَ مُجَاهِد : هَذَا فِي ظَهْر آدَم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام .';
$TAFSEER['4']['33']['8'] = 'فِيهِ أَرْبَعَة أَوْجُه : أَحَدهَا : لِيَسْأَل الْأَنْبِيَاء عَنْ تَبْلِيغهمْ الرِّسَالَةَ إِلَى قَوْمهمْ ; حَكَاهُ النَّقَّاش . وَفِي هَذَا تَنْبِيه ; أَيْ إِذَا كَانَ الْأَنْبِيَاء يُسْأَلُونَ فَكَيْف مَنْ سِوَاهُمْ . الثَّانِي : لِيَسْأَل الْأَنْبِيَاء عَمَّا أَجَابَهُمْ بِهِ قَوْمهمْ ; حَكَاهُ عَلِيّ بْن عِيسَى . الثَّالِث : لِيَسْأَل الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام عَنْ الْوَفَاء بِالْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ ; حَكَاهُ اِبْن شَجَرَة . الرَّابِع : لِيَسْأَل الْأَفْوَاه الصَّادِقَة عَنْ الْقُلُوب الْمُخْلِصَة , وَفِي التَّنْزِيل : &quot; فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ &quot; [ الْأَعْرَاف : 6 ] . وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَقِيلَ : فَائِدَة سُؤَالهمْ تَوْبِيخ الْكُفَّار ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : &quot; أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ &quot; [ الْمَائِدَة : 116 ] .

وَهُوَ عَذَاب جَهَنَّم .';
$TAFSEER['4']['33']['9'] = 'يَعْنِي غَزْوَة الْخَنْدَق وَالْأَحْزَاب وَبَنِي قُرَيْظَة , وَكَانَتْ حَالًا شَدِيدَة مُعَقَّبَة بِنِعْمَةٍ وَرَخَاء وَغِبْطَة , وَتَضَمَّنَتْ أَحْكَامًا كَثِيرَة وَآيَات بَاهِرَات عَزِيزَة , وَنَحْنُ نَذْكُر مِنْ ذَلِكَ بِعَوْنِ اللَّه تَعَالَى مَا يَكْفِي فِي عَشْر مَسَائِل . الْأُولَى : اُخْتُلِفَ فِي أَيّ سَنَة كَانَتْ ; فَقَالَ اِبْن إِسْحَاق : كَانَتْ فِي شَوَّال مِنْ السَّنَة الْخَامِسَة . وَقَالَ اِبْن وَهْب وَابْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : كَانَتْ وَقْعَة الْخَنْدَق سَنَة أَرْبَع , وَهِيَ وَبَنُو قُرَيْظَة فِي يَوْم وَاحِد , وَبَيْن بَنِي قُرَيْظَة وَالنَّضِير أَرْبَع سِنِينَ . قَالَ اِبْن وَهْب وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُول : أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِتَالِ مِنْ الْمَدِينَة , وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : &quot; إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَار وَبَلَغَتْ الْقُلُوب الْحَنَاجِر &quot; [ الْأَحْزَاب : 10 ] . قَالَ : ذَلِكَ يَوْم الْخَنْدَق , جَاءَتْ قُرَيْش مِنْ هَاهُنَا وَالْيَهُود مِنْ هَاهُنَا وَالنَّجْدِيَّة مِنْ هَاهُنَا . يُرِيد مَالِك : إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ فَوْقهمْ بَنُو قُرَيْظَة , وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ قُرَيْش وَغَطَفَان . وَكَانَ سَبَبهَا : أَنَّ نَفَرًا مِنْ الْيَهُود مِنْهُمْ كِنَانَة بْن الرَّبِيع بْن أَبِي الْحُقَيْق وَسَلَّام بْن أَبِي الْحُقَيْق وَسَلَّام بْن مِشْكَم وَحُيَيّ بْن أَخْطَبَ النَّضْرِيُّونَ وَهَوْذَة بْن قَيْس وَأَبُو عَمَّار مِنْ بَنِي وَائِل , وَهُمْ كُلّهمْ يَهُود , هُمْ الَّذِينَ حَزَّبُوا الْأَحْزَاب وَأَلَّبُوا وَجَمَعُوا , خَرَجُوا فِي نَفَر مِنْ بَنِي النَّضِير وَنَفَر مِنْ بَنِي وَائِل فَأَتَوْا مَكَّة فَدَعَوْا إِلَى حَرْب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَوَاعَدُوهُمْ مِنْ أَنْفُسهمْ بِعَوْنِ مَنْ انْتَدَبَ إِلَى ذَلِكَ ; فَأَجَابَهُمْ أَهْل مَكَّة إِلَى ذَلِكَ , ثُمَّ خَرَجَ الْيَهُود الْمَذْكُورُونَ إِلَى غَطَفَان فَدَعَوْهُمْ إِلَى مِثْل ذَلِكَ فَأَجَابُوهُمْ ; فَخَرَجَتْ قُرَيْش يَقُودهُمْ أَبُو سُفْيَان بْن حَرْب , وَخَرَجَتْ غَطَفَان وَقَائِدهمْ عُيَيْنَة بْن حِصْن بْن حُذَيْفَة بْن بَدْر الْفَزَارِيّ عَلَى فَزَارَة , وَالْحَارِث بْن عَوْف الْمُرِّيّ عَلَى بَنِي مُرَّة , وَمَسْعُود بْن رُخَيْلَة عَلَى أَشْجَعَ . فَلَمَّا سَمِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاجْتِمَاعِهِمْ وَخُرُوجهمْ شَاوَرَ أَصْحَابه , فَأَشَارَ عَلَيْهِ سَلْمَان بِحَفْرِ الْخَنْدَق فَرَضِيَ رَأْيه . وَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْمئِذٍ : سَلْمَان مِنَّا . وَقَالَ الْأَنْصَار : سَلْمَان مِنَّا ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( سَلْمَان مِنَّا أَهْل الْبَيْت ) . وَكَانَ الْخَنْدَق أَوَّل مَشْهَد شَهِدَهُ سَلْمَان مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَوْمئِذٍ حُرّ . فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّا كُنَّا بِفَارِس إِذَا حُوصِرْنَا خَنْدَقْنَا ; فَعَمِلَ الْمُسْلِمُونَ فِي الْخَنْدَق مُجْتَهِدِينَ , وَنَكَصَ الْمُنَافِقُونَ وَجَعَلُوا يَتَسَلَّلُونَ لِوَاذًا فَنَزَلَتْ فِيهِمْ آيَات مِنْ الْقُرْآن ذَكَرَهَا اِبْن إِسْحَاق وَغَيْره . وَكَانَ مَنْ فَرَغَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ حِصَّته عَادَ إِلَى غَيْره , حَتَّى كَمَلَ الْخَنْدَق . وَكَانَتْ فِيهِ آيَات بَيِّنَات وَعَلَامَات لِلنُّبُوَّاتِ . قُلْت : فَفِي هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ هَذَا الْخَبَر مِنْ الْفِقْه وَهِيَ : 

الثَّانِيَة : مُشَاوَرَة السُّلْطَان أَصْحَابه وَخَاصَّته فِي أَمْر الْقِتَال ; وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فِي &quot; آل عِمْرَان , وَالنَّمْل &quot; . وَفِيهِ التَّحَصُّن مِنْ الْعَدُوّ بِمَا أَمْكَنَ مِنْ الْأَسْبَاب وَاسْتِعْمَالهَا ; وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فِي غَيْر مَوْضِع . وَفِيهِ أَنَّ حَفْر الْخَنْدَق يَكُون مَقْسُومًا عَلَى النَّاس ; فَمَنْ فَرَغَ مِنْهُمْ عَاوَنَ مَنْ لَمْ يَفْرُغ , فَالْمُسْلِمُونَ يَد عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ ; وَفِي الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْم الْأَحْزَاب وَخَنْدَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْته يَنْقُل مِنْ تُرَاب الْخَنْدَق حَتَّى وَارَى عَنِّي الْغُبَار جِلْدَة بَطْنه , وَكَانَ كَثِير الشَّعَر , فَسَمِعْته يَرْتَجِز بِكَلِمَاتِ اِبْن رَوَاحَة وَيَقُول : اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اِهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَة عَلَيْنَا وَثَبِّتْ الْأَقْدَام إِنْ لَاقَيْنَا وَأَمَّا مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْآيَات وَهِيَ : 

الثَّالِثَة : فَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي سُكَيْنَة رَجُل مِنْ الْمُحَرَّرِينَ عَنْ رَجُل مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَمَّا أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَفْرِ الْخَنْدَق عَرَضَتْ لَهُمْ صَخْرَة حَالَتْ بَيْنهمْ وَبَيْن الْحَفْر , فَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَ الْمِعْوَل وَوَضَعَ رِدَاءَهُ نَاحِيَة الْخَنْدَق وَقَالَ : &quot; وَتَمَّتْ كَلِمَة رَبّك صِدْقًا &quot; [ الْأَنْعَام : 115 ] الْآيَة ; فَنَدَرَ ثُلُث الْحَجَر وَسَلْمَان الْفَارِسِيّ قَائِم يَنْظُر , فَبَرَقَ مَعَ ضَرْبَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرْقَة , ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَة وَقَالَ : &quot; وَتَمَّتْ &quot; [ الْأَنْعَام : 115 ] الْآيَة ; فَنَدَرَ الثُّلُث الْآخَر ; فَبَرَقَتْ بَرْقَة فَرَآهَا سَلْمَان , ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَة وَقَالَ : &quot; وَتَمَّتْ كَلِمَة رَبّك صِدْقًا &quot; الْآيَة ; فَنَدَرَ الثُّلُث الْبَاقِي , وَخَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ وَجَلَسَ . قَالَ سَلْمَان : يَا رَسُول اللَّه , رَأَيْتُك حِين ضَرَبْت ! مَا تَضْرِب ضَرْبَة إِلَّا كَانَتْ مَعَهَا بَرْقَة ؟ قَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رَأَيْت ذَلِكَ يَا سَلْمَان ) ؟ فَقَالَ : أَيْ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ يَا رَسُول اللَّه ! قَالَ : ( فَإِنِّي حِين ضَرَبْت الضَّرْبَة الْأُولَى رُفِعَتْ لِي مَدَائِن كِسْرَى وَمَا حَوْلهَا وَمَدَائِن كَثِيرَة حَتَّى رَأَيْتهَا بِعَيْنَيَّ - قَالَ لَهُ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ أَصْحَابه : يَا رَسُول اللَّه , اُدْعُ اللَّه أَنْ يَفْتَحهَا عَلَيْنَا وَيُغَنِّمنَا ذَرَارِيّهمْ وَيُخَرِّب بِأَيْدِينَا بِلَادهمْ ; فَدَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ ضَرَبْت الضَّرْبَة الثَّانِيَة فَرُفِعَتْ لِي مَدَائِن قَيْصَر وَمَا حَوْلهَا حَتَّى رَأَيْتهَا بِعَيْنَيَّ - قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , اُدْعُ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَفْتَحهَا عَلَيْنَا وَيُغَنِّمنَا ذَرَارِيّهمْ وَيُخَرِّب بِأَيْدِينَا بِلَادهمْ ; فَدَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ ضَرَبَ الضَّرْبَة الثَّالِثَة فَرُفِعَتْ لِي مَدَائِن الْحَبَشَة وَمَا حَوْلهَا مِنْ الْقُرَى حَتَّى رَأَيْتهَا بِعَيْنَيَّ - قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد ذَلِكَ : دَعُوا الْحَبَشَة مَا وَدَعُوكُمْ وَاتْرُكُوا التُّرْك مَا تَرَكُوكُمْ ) . وَخَرَّجَهُ أَيْضًا عَنْ الْبَرَاء قَالَ : لَمَّا أَمَرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَحْفِر الْخَنْدَق عَرَضَ لَنَا صَخْرَةٌ لَا تَأْخُذ فِيهَا الْمَعَاوِل , فَاشْتَكَيْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَجَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْقَى ثَوْبه وَأَخَذَ الْمِعْوَل وَقَالَ : ( بِاسْمِ اللَّه ) فَضَرَبَ ضَرْبَة فَكَسَرَ ثُلُث الصَّخْرَة ثُمَّ قَالَ : ( اللَّه أَكْبَر أُعْطِيت مَفَاتِيح الشَّام وَاَللَّه إِنِّي لَأُبْصِر إِلَى قُصُورهَا الْحَمْرَاء الْآن مِنْ مَكَانِي هَذَا ) قَالَ : ثُمَّ ضَرَبَ أُخْرَى وَقَالَ : ( بِاسْمِ اللَّه ) فَكَسَرَ ثُلُثًا آخَر ثُمَّ قَالَ : ( اللَّه أَكْبَر أُعْطِيت مَفَاتِيح فَارِس وَاَللَّه إِنِّي لَأُبْصِر قَصْر الْمَدَائِن الْأَبْيَض ) . ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَة وَقَالَ : ( بِاسْمِ اللَّه ) فَقَطَعَ الْحَجَر وَقَالَ : ( اللَّه أَكْبَر أُعْطِيت مَفَاتِيح الْيَمَن وَاَللَّه إِنِّي لَأُبْصِر بَاب صَنْعَاء ) . صَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْحَقّ . 

الرَّابِعَة : فَلَمَّا فَرَغَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَفْر الْخَنْدَق أَقْبَلَتْ قُرَيْش فِي نَحْو عَشَرَة آلَاف بِمَنْ مَعَهُمْ مِنْ كِنَانَة وَأَهْل تِهَامَة , وَأَقْبَلَتْ غَطَفَان بِمَنْ مَعَهَا مِنْ أَهْل نَجْد حَتَّى نَزَلُوا إِلَى جَانِب أُحُد , وَخَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ حَتَّى نَزَلُوا بِظَهْرِ سَلْع فِي ثَلَاثَة آلَاف وَضَرَبُوا عَسْكَرهمْ وَالْخَنْدَق بَيْنهمْ وَبَيْن الْمُشْرِكِينَ , وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَة اِبْن أُمّ مَكْتُوم - فِي قَوْل اِبْن شِهَاب - وَخَرَجَ عَدُوّ اللَّه حُيَيّ بْن أَخْطَبَ النَّضَرِيّ حَتَّى أَتَى كَعْب بْن أَسَد الْقُرَظِيّ , وَكَانَ صَاحِب عَقْد بَنِي قُرَيْظَة وَرَئِيسهمْ , وَكَانَ قَدْ وَادَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَاهَدَهُ ; فَلَمَّا سَمِعَ كَعْب بْن أَسَد حُيَيّ بْن أَخْطَبَ أَغْلَقَ دُونه بَاب حِصْنه وَأَبَى أَنْ يَفْتَح لَهُ ; فَقَالَ لَهُ : اِفْتَحْ لِي يَا أَخِي ; فَقَالَ لَهُ : لَا أَفْتَح لَك , فَإِنَّك رَجُل مَشْئُوم , تَدْعُونِي إِلَى خِلَاف مُحَمَّد وَأَنَا قَدْ عَاقَدْتُهُ وَعَاهَدْته , وَلَمْ أَرَ مِنْهُ إِلَّا وَفَاء وَصِدْقًا , فَلَسْت بِنَاقِضٍ مَا بَيْنِي وَبَيْنه . فَقَالَ حُيَيّ : اِفْتَحْ لِي حَتَّى أُكَلِّمك وَأَنْصَرِف عَنْك ; فَقَالَ : لَا أَفْعَل ; فَقَالَ : إِنَّمَا تَخَاف أَنْ آكُل مَعَك جَشِيشَتك ; فَغَضِبَ كَعْب وَفَتَحَ لَهُ ; فَقَالَ : يَا كَعْب ! إِنَّمَا جِئْتُك بِعِزِّ الدَّهْر , جِئْتُك بِقُرَيْشٍ وِسَادَتهَا , وَغَطَفَان وَقَادَتهَا ; قَدْ تَعَاقَدُوا عَلَى أَنْ يَسْتَأْصِلُوا مُحَمَّدًا وَمَنْ مَعَهُ ; فَقَالَ لَهُ كَعْب : جِئْتنِي وَاَللَّه بِذُلِّ الدَّهْر وَبِجَهَامٍ لَا غَيْث فِيهِ ! وَيْحك يَا حُيَيّ ؟ دَعْنِي فَلَسْت بِفَاعِلٍ مَا تَدْعُونِي إِلَيْهِ ; فَلَمْ يَزَلْ حُيَيّ بِكَعْبٍ يَعِدهُ وَيَغُرّهُ حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِ وَعَاقَدَهُ عَلَى خِذْلَان مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه وَأَنْ يَسِير مَعَهُمْ , وَقَالَ لَهُ حُيَيّ بْن أَخْطَبَ : إِنْ اِنْصَرَفَتْ قُرَيْش وَغَطَفَان دَخَلْت عِنْدك بِمَنْ مَعِي مِنْ الْيَهُود . فَلَمَّا اِنْتَهَى خَبَر كَعْب وَحُيَيّ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَعْد بْن عُبَادَة وَهُوَ سَيِّد الْخَزْرَج , وَسَيِّد الْأَوْس سَعْد بْن مُعَاذ , وَبَعَثَ مَعَهُمَا عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة وَخَوَّات بْن جُبَيْر , وَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اِنْطَلِقُوا إِلَى بَنِي قُرَيْظَة فَإِنْ كَانَ مَا قِيلَ لَنَا حَقًّا فَالْحَنُوا لَنَا لَحْنًا وَلَا تَفُتُّوا فِي أَعْضَاد النَّاس . وَإِنْ كَانَ كَذِبًا فَاجْهَرُوا بِهِ لِلنَّاسِ ) فَانْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْهُمْ فَوَجَدُوهُمْ عَلَى أَخْبَثِ مَا قِيلَ لَهُمْ عَنْهُمْ , وَنَالُوا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا : لَا عَهْد لَهُ عِنْدنَا ; فَشَاتَمَهُمْ سَعْد بْن مُعَاذ وَشَاتَمُوهُ ; وَكَانَتْ فِيهِ حِدَّة فَقَالَ لَهُ سَعْد بْن عُبَادَة : دَعْ عَنْك مُشَاتَمَتهمْ , فَاَلَّذِي بَيْننَا وَبَيْنهمْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ , ثُمَّ أَقْبَلَ سَعْد وَسَعْد حَتَّى أَتَيَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمَاعَة الْمُسْلِمِينَ فَقَالَا : عَضَل وَالْقَارَة - يُعَرِّضَانِ بِغَدْرِ عَضَل وَالْقَارَة بِأَصْحَابِ الرَّجِيع خُبَيْب وَأَصْحَابه - فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ( أَبْشِرُوا يَا مَعْشَر الْمُسْلِمِينَ ) وَعَظُمَ عِنْد ذَلِكَ الْبَلَاء وَاشْتَدَّ الْخَوْف , وَأَتَى الْمُسْلِمِينَ عَدُوُّهُمْ مِنْ فَوْقهمْ ; يَعْنِي مِنْ فَوْق الْوَادِي مِنْ قِبَل الْمَشْرِق , وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ مِنْ بَطْن الْوَادِي مِنْ قِبَل الْمَغْرِب , حَتَّى ظَنُّوا بِاَللَّهِ الظُّنُونَ ; وَأَظْهَرَ الْمُنَافِقُونَ كَثِيرًا مِمَّا كَانُوا يُسِرُّونَ , فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّ بُيُوتنَا عَوْرَة , فَلْنَنْصَرِفْ إِلَيْهَا , فَإِنَّا نَخَاف عَلَيْهَا ; وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ : أَوْس بْن قَيْظِيّ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَعِدنَا مُحَمَّد أَنْ يَفْتَح كُنُوز كِسْرَى وَقَيْصَر , وَأَحَدنَا الْيَوْم لَا يَأْمَن عَلَى نَفْسه يَذْهَب إِلَى الْغَائِط ! وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ : مُعَتِّب بْن قُشَيْر أَحَد بَنِي عَمْرو بْن عَوْف . فَأَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَامَ الْمُشْرِكُونَ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَة قَرِيبًا مِنْ شَهْر لَمْ يَكُنْ بَيْنهمْ حَرْب إِلَّا الرَّمْي بِالنَّبْلِ وَالْحَصَى . فَلَمَّا رَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اِشْتَدَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْبَلَاء بَعَثَ إِلَى عُيَيْنَة بْن حِصْن الْفَزَارِيّ , وَإِلَى الْحَارِث بْن عَوْف الْمُرِّيّ , وَهُمَا قَائِدَا غَطَفَان , فَأَعْطَاهُمَا ثُلُث ثِمَار الْمَدِينَة لِيَنْصَرِفَا بِمَنْ مَعَهُمَا مِنْ غَطَفَان وَيَخْذُلَا قُرَيْشًا وَيَرْجِعَا بِقَوْمِهِمَا عَنْهُمْ . وَكَانَتْ هَذِهِ الْمَقَالَة مُرَاوَضَة وَلَمْ تَكُنْ عَقْدًا ; فَلَمَّا رَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمَا أَنَّهُمَا قَدْ أَنَابَا وَرَضِيَا أَتَى سَعْد بْن مُعَاذ وَسَعْد بْن عُبَادَة فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمَا وَاسْتَشَارَهُمَا فَقَالَا : يَا رَسُول اللَّه , هَذَا أَمْر تُحِبّهُ فَنَصْنَعهُ لَك , أَوْ شَيْء أَمَرَك اللَّه بِهِ فَنَسْمَع لَهُ وَنُطِيع , أَوْ أَمْر تَصْنَعهُ لَنَا ؟ قَالَ : ( بَلْ أَمْر أَصْنَعهُ لَكُمْ , وَاَللَّه مَا أَصْنَعهُ إِلَّا أَنِّي قَدْ رَأَيْت الْعَرَب قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْس وَاحِدَة ) فَقَالَ لَهُ سَعْد بْن مُعَاذ : يَا رَسُول اللَّه , وَاَللَّه لَقَدْ كُنَّا نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْم عَلَى الشِّرْك بِاَللَّهِ وَعِبَادَة الْأَوْثَان , لَا نَعْبُد اللَّه وَلَا نَعْرِفهُ , وَمَا طَمِعُوا قَطُّ أَنْ يَنَالُوا مِنَّا ثَمَرَة إِلَّا شِرَاء أَوْ قِرًى , فَحِين أَكْرَمَنَا اللَّه بِالْإِسْلَامِ وَهَدَانَا لَهُ وَأَعَزَّنَا بِك نُعْطِيهِمْ أَمْوَالنَا ! وَاَللَّه لَا نُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْف حَتَّى يَحْكُم اللَّه بَيْننَا وَبَيْنهمْ ! ! فَسُرَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَقَالَ : ( أَنْتُمْ وَذَاكَ ) . وَقَالَ لِعُيَيْنَة وَالْحَارِث : ( اِنْصَرِفَا فَلَيْسَ لَكُمَا عِنْدنَا إِلَّا السَّيْف ) . وَتَنَاوَلَ سَعْد الصَّحِيفَة وَلَيْسَ فِيهَا شَهَادَة فَمَحَاهَا . 

الْخَامِسَة : فَأَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى حَالهمْ , وَالْمُشْرِكُونَ يُحَاصِرُونَهُمْ وَلَا قِتَال بَيْنهمْ ; إِلَّا أَنَّ فَوَارِس مِنْ قُرَيْش مِنْهُمْ عَمْرو بْن عَبْد وُدّ الْعَامِرِيّ مِنْ بَنِي عَامِر بْن لُؤَيّ , وَعِكْرِمَة بْن أَبِي جَهْل , وَهُبَيْرَة بْن أَبِي وَهْب , وَضِرَار بْن الْخَطَّاب الْفِهْرِيّ , وَكَانُوا فُرْسَان قُرَيْش وَشُجْعَانهمْ , أَقْبَلُوا حَتَّى وَقَفُوا عَلَى الْخَنْدَق , فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا : إِنَّ هَذِهِ لَمَكِيدَة , مَا كَانَتْ الْعَرَب تَكِيدهَا . ثُمَّ تَيَمَّمُوا مَكَانًا ضَيِّقًا مِنْ الْخَنْدَق , فَضَرَبُوا خَيْلهمْ فَاقْتَحَمَتْ بِهِمْ , وَجَاوَزُوا الْخَنْدَق وَصَارُوا بَيْن الْخَنْدَق وَبَيْن سَلْع , وَخَرَجَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب فِي نَفَر مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى أَخَذُوا عَلَيْهِمْ الثُّغْرَة الَّتِي اِقْتَحَمُوا مِنْهَا , وَأَقْبَلَتْ الْفُرْسَان نَحْوهمْ , وَكَانَ عَمْرو بْن عَبْد وُدّ أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاح يَوْم بَدْر فَلَمْ يَشْهَد أُحُدًا , وَأَرَادَ يَوْم الْخَنْدَق أَنْ يُرَى مَكَانُهُ , فَلَمَّا وَقَفَ هُوَ وَخَيْله ; نَادَى : مَنْ يُبَارِز ؟ فَبَرَزَ لَهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَقَالَ لَهُ : يَا عَمْرو , إِنَّك عَاهَدْت اللَّه فِيمَا بَلَغَنَا أَنَّك لَا تُدْعَى إِلَى إِحْدَى خَلَّتَيْنِ إِلَّا أَخَذْت إِحْدَاهُمَا ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ : فَإِنِّي أَدْعُوك إِلَى اللَّه وَالْإِسْلَام . قَالَ : لَا حَاجَة لِي بِذَلِكَ . قَالَ : فَأَدْعُوك إِلَى الْبِرَاز . قَالَ : يَا بْن أَخِي , وَاَللَّه مَا أُحِبّ أَنْ أَقْتُلك لِمَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْن أَبِيك . فَقَالَ لَهُ عَلِيّ : أَنَا وَاَللَّه أُحِبّ أَنْ أَقْتُلك . فَحَمِيَ عَمْرو بْن عَبْد وُدّ وَنَزَلَ عَنْ فَرَسه , فَعَقَرَهُ وَصَارَ نَحْو عَلِيّ , فَتَنَازَلَا وَتَجَاوَلَا وَثَارَ النَّقْع بَيْنهمَا حَتَّى حَالَ دُونهمَا , فَمَا اِنْجَلَى النَّقْع حَتَّى رُئِيَ عَلِيّ عَلَى صَدْر عَمْرو يَقْطَع رَأْسه , فَلَمَّا رَأَى أَصْحَابه أَنَّهُ قَدْ قَتَلَهُ عَلِيّ اِقْتَحَمُوا بِخَيْلِهِمْ الثُّغْرَة مُنْهَزِمِينَ هَارِبِينَ . وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي ذَلِكَ : نَصَرَ الْحِجَارَة مِنْ سَفَاهَة رَأْيه وَنَصَرْت دِين مُحَمَّد بِضِرَابِ نَازَلْته فَتَرَكْته مُتَجَدِّلًا كَالْجِذْعِ بَيْن دَكَادِكٍ وَرَوَابِي وَعَفَفْت عَنْ أَثْوَابِهِ وَلَوْ أَنَّنِي كُنْت الْمُقَطَّرَ بَزَّنِي أَثْوَابِي لَا تَحْسِبُنَّ اللَّه خَاذِلَ دِينِهِ وَنَبِيِّهِ يَا مَعْشَرَ الْأَحْزَابِ قَالَ اِبْن هِشَام : أَكْثَرُ أَهْل الْعِلْم بِالسِّيَرِ يَشُكّ فِيهَا لِعَلِيٍّ . قَالَ اِبْن هِشَام : وَأَلْقَى عِكْرِمَة بْن أَبِي جَهْل رُمْحه يَوْمئِذٍ وَهُوَ مُنْهَزِم عَنْ عَمْرو ; فَقَالَ حَسَّان بْن ثَابِت فِي ذَلِكَ : فَرَّ وَأَلْقَى لَنَا رُمْحه لَعَلَّك عِكْرِمَ لَمْ تَفْعَلِ وَوَلَّيْت تَعْدُو كَعَدْوِ الظَّلِيم مَا إِنْ تَجُور عَنْ الْمَعْدِلِ وَلَمْ تُلْقِ ظَهْرك مُسْتَأْنِسًا كَأَنَّ قَفَاك قَفَا فُرْعُل قَالَ اِبْن هِشَام : فُرْعُل صَغِير الضِّبَاع . وَكَانَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا فِي حِصْن بَنِي حَارِثَة , وَأُمّ سَعْد بْن مُعَاذ مَعَهَا , وَعَلَى سَعْد دِرْع مُقَلِّصَة قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا ذِرَاعه , وَفِي يَده حَرْبَته وَهُوَ يَقُول : لَبِّثْ قَلِيلًا يَلْحَق الْهَيْجَا جَمَلْ لَا بَأْس بِالْمَوْتِ إِذَا كَانَ الْأَجَلْ وَرُمِيَ يَوْمئِذٍ سَعْد بْن مُعَاذ بِسَهْمٍ فَقَطَعَ مِنْهُ الْأَكْحَل . وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ رَمَاهُ ; فَقِيلَ : رَمَاهُ حِبَّان بْن قَيْس اِبْن الْعَرِقَة , أَحَد بَنِي عَامِر بْن لُؤَيّ , فَلَمَّا أَصَابَهُ قَالَ لَهُ : خُذْهَا وَأَنَا اِبْن الْعَرِقَة . فَقَالَ لَهُ سَعْد : عَرَّقَ اللَّه وَجْهك فِي النَّار . وَقِيلَ : إِنَّ الَّذِي رَمَاهُ خَفَاجَة بْن عَاصِم بْن حِبَّان . وَقِيلَ : بَلْ الَّذِي رَمَاهُ أَبُو أُسَامَة الْجُشَمِيّ , حَلِيف بَنِي مَخْزُوم . وَلِحَسَّان مَعَ صَفِيَّة بِنْت عَبْد الْمُطَّلِب خَبَر طَرِيف يَوْمئِذٍ ; ذَكَرَهُ اِبْن إِسْحَاق وَغَيْره . قَالَتْ صَفِيَّة بِنْت عَبْد الْمُطَّلِب رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : كُنَّا يَوْم الْأَحْزَاب فِي حِصْن حَسَّان بْن ثَابِت , وَحَسَّان مَعَنَا فِي النِّسَاء وَالصِّبْيَان , وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه فِي نَحْر الْعَدُوّ لَا يَسْتَطِيعُونَ الِانْصِرَاف إِلَيْنَا , فَإِذَا يَهُودِيّ يَدُور , فَقُلْت لِحَسَّان : اِنْزِلْ إِلَيْهِ فَاقْتُلْهُ ; فَقَالَ : مَا أَنَا بِصَاحِبِ هَذَا يَا اِبْنَة عَبْد الْمُطَّلِب ! فَأَخَذْت عَمُودًا وَنَزَلْت مِنْ الْحِصْن فَقَتَلْته , فَقُلْت : يَا حَسَّان , اِنْزِلْ فَاسْلُبْهُ , فَلَمْ يَمْنَعنِي مِنْ سَلَبه إِلَّا أَنَّهُ رَجُل . فَقَالَ : مَا لِي بِسَلَبِهِ حَاجَة يَا اِبْنَة عَبْد الْمُطَّلِب ! قَالَ : فَنَزَلْت فَسَلَبْته . قَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ : وَقَدْ أَنْكَرَ هَذَا عَنْ حَسَّان جَمَاعَة مِنْ أَهْل السِّيَر وَقَالُوا : لَوْ كَانَ فِي حَسَّان مِنْ الْجُبْن مَا وَصَفْتُمْ لَهَجَاهُ بِذَلِكَ الَّذِينَ كَانَ يُهَاجِيهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام , وَلَهُجِيَ بِذَلِكَ اِبْنه عَبْد الرَّحْمَن ; فَإِنَّهُ كَانَ كَثِيرًا مَا يُهَاجِي النَّاس مِنْ شُعَرَاء الْعَرَب ; مِثْل النَّجَاشِيّ وَغَيْره . 

السَّادِسَة : وَأَتَى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُعَيْم بْن مَسْعُود بْن عَامِر الْأَشْجَعِيّ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , إِنِّي قَدْ أَسْلَمْت وَلَمْ يَعْلَم قَوْمِي بِإِسْلَامِي , فَمُرْنِي بِمَا شِئْت ; فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّمَا أَنْتَ رَجُل وَاحِد مِنْ غَطَفَان فَلَوْ خَرَجْت فَخَذَّلْت عَنَّا إِنْ اِسْتَطَعْت كَانَ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ بَقَائِك مَعَنَا فَاخْرُجْ فَإِنَّ الْحَرْب خَدْعَة ) . فَخَرَجَ نُعَيْم بْن مَسْعُود حَتَّى أَتَى بَنِي قُرَيْظَة - وَكَانَ يُنَادِمهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّة - فَقَالَ : يَا بَنِي قُرَيْظَة , قَدْ عَرَفْتُمْ وُدِّي إِيَّاكُمْ , وَخَاصَّة مَا بَيْنِي وَبَيْنكُمْ ; قَالُوا : قُلْ فَلَسْت عِنْدنَا بِمُتَّهَمٍ ; فَقَالَ لَهُمْ : إِنَّ قُرَيْشًا وَغَطَفَان لَيْسُوا كَأَنْتُمْ , الْبَلَد بَلَدكُمْ , فِيهِ أَمْوَالكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ , وَإِنَّ قُرَيْشًا وَغَطَفَان قَدْ جَاءُوا لِحَرْبِ مُحَمَّد وَأَصْحَابه , وَقَدْ ظَاهَرْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ فَإِنْ رَأَوْا نُهْزَة أَصَابُوهَا , وَإِنْ كَانَ غَيْر ذَلِكَ لَحِقُوا بِبِلَادِهِمْ وَخَلَّوْا بَيْنكُمْ وَبَيْن الرَّجُل , وَلَا طَاقَة لَكُمْ بِهِ , فَلَا تُقَاتِلُوا مَعَ الْقَوْم حَتَّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رُهُنًا . ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا فَقَالَ لَهُمْ : قَدْ عَرَفْتُمْ وُدِّي لَكُمْ مَعْشَر قُرَيْش , وَفِرَاقِي مُحَمَّدًا , وَقَدْ بَلَغَنِي أَمْر أَرَى مِنْ الْحَقّ أَنْ أُبَلِّغكُمُوهُ نُصْحًا لَكُمْ , فَاكْتُمُوا عَلَيَّ ; قَالُوا نَفْعَل ; قَالَ : تَعْلَمُونَ أَنَّ مَعْشَر يَهُود , قَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْ خِذْلَانهمْ مُحَمَّدًا , وَقَدْ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ : إِنَّا قَدْ نَدِمْنَا عَلَى مَا فَعَلْنَا , فَهَلْ يُرْضِيك أَنْ نَأْخُذ مِنْ قُرَيْش وَغَطَفَان رِجَالًا مِنْ أَشْرَافهمْ فَنُعْطِيكَهُمْ فَتَضْرِب أَعْنَاقهمْ , ثُمَّ نَكُون مَعَك عَلَى مَا بَقِيَ مِنْهُمْ حَتَّى نَسْتَأْصِلهُمْ . ثُمَّ أَتَى غَطَفَان فَقَالَ مِثْل ذَلِكَ . فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة السَّبْت وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ صُنْع اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ , أَرْسَلَ أَبُو سُفْيَان إِلَى بَنِي قُرَيْظَة عِكْرِمَة بْن أَبِي جَهْل فِي نَفَر مِنْ قُرَيْش وَغَطَفَان يَقُول لَهُمْ : إِنَّا لَسْنَا بِدَارِ مُقَام , قَدْ هَلَكَ الْخُفّ وَالْحَافِر , فَاغْدُوا صَبِيحَة غَد لِلْقِتَالِ حَتَّى نُنَاجِز مُحَمَّدًا ; فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ : إِنَّ الْيَوْم يَوْم السَّبْت , وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا نَالَ مِنَّا مَنْ تَعَدَّى فِي السَّبْت , وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا نُقَاتِل مَعَكُمْ حَتَّى تُعْطُونَا رُهُنًا ; فَلَمَّا رَجَعَ الرَّسُول بِذَلِكَ قَالُوا : صَدَقَنَا وَاَللَّه نُعَيْم بْن مَسْعُود ; فَرَدُّوا إِلَيْهِمْ الرُّسُل وَقَالُوا : وَاَللَّه لَا نُعْطِيكُمْ رُهُنًا أَبَدًا فَاخْرُجُوا مَعَنَا إِنْ شِئْتُمْ وَإِلَّا فَلَا عَهْد بَيْننَا وَبَيْنكُمْ . فَقَالَ بَنُو قُرَيْظَة : صَدَقَ وَاَللَّه نُعَيْم بْن مَسْعُود . وَخَذَّلَ اللَّه بَيْنهمْ , وَاخْتَلَفَتْ كَلِمَتهمْ , وَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ رِيحًا عَاصِفًا فِي لَيَالٍ شَدِيدَة الْبَرْد ; فَجَعَلَتْ الرِّيح تَقْلِب آنِيَتَهُمْ وَتَكْفَأُ قُدُورهمْ . 

السَّابِعَة : فَلَمَّا اِتَّصَلَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِخْتِلَاف أَمْرهمْ , بَعَثَ حُذَيْفَة بْن الْيَمَان لِيَأْتِيَهُ بِخَبَرِهِمْ , فَأَتَاهُمْ وَاسْتَتَرَ فِي غِمَارهمْ , وَسَمِعَ أَبَا سُفْيَان يَقُول : يَا مَعْشَر قُرَيْش , لِيَتَعَرَّفْ كُلّ اِمْرِئٍ جَلِيسَهُ . قَالَ حُذَيْفَة : فَأَخَذْت بِيَدِ جَلِيسِي وَقُلْت : وَمَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ أَنَا فُلَان . ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَان : وَيْلكُمْ يَا مَعْشَر قُرَيْش إِنَّكُمْ وَاَللَّه مَا أَصْبَحْتُمْ بِدَارِ مُقَام , وَلَقَدْ هَلَكَ الْكُرَاع وَالْخُفّ وَأَخْلَفَتْنَا بَنُو قُرَيْظَة , وَلَقِينَا مِنْ هَذِهِ الرِّيح مَا تَرَوْنَ , مَا يَسْتَمْسِك لَنَا بِنَاء , وَلَا تَثْبُت لَنَا قِدْر , وَلَا تَقُوم لَنَا نَار , فَارْتَحِلُوا فَإِنِّي مُرْتَحِل ; وَوَثَبَ عَلَى جَمَله فَمَا حَلَّ عِقَال يَده إِلَّا وَهُوَ قَائِم . قَالَ حُذَيْفَة : وَلَوْلَا عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِي إِذْ بَعَثَنِي , قَالَ لِي : ( مُرَّ إِلَى الْقَوْم فَاعْلَمْ مَا هُمْ عَلَيْهِ وَلَا تُحْدِث شَيْئًا ) - لَقَتَلْته بِسَهْمٍ ; ثُمَّ أَتَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد رَحِيلهمْ , فَوَجَدْته قَائِمًا يُصَلِّي فِي مِرْط لِبَعْضِ نِسَائِهِ مَرَاجِل - قَالَ اِبْن هِشَام : الْمَرَاجِل ضَرْب مِنْ وَشْي الْيَمَن - فَأَخْبَرْته فَحَمِدَ اللَّه . 

قُلْت : وَخَبَر حُذَيْفَة هَذَا مَذْكُور فِي صَحِيح مُسْلِم , وَفِيهِ آيَات عَظِيمَة , رَوَاهُ جَرِير عَنْ الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنَّا عِنْد حُذَيْفَة فَقَالَ رَجُل لَوْ أَدْرَكْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلْت مَعَهُ وَأَبْلَيْت . فَقَالَ حُذَيْفَة : أَنْتَ كُنْت تَفْعَل ذَلِكَ ! لَقَدْ رَأَيْتنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْأَحْزَاب وَأَخَذَتْنَا رِيح شَدِيدَة وَقَرّ . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَا رَجُل يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْم جَعَلَهُ اللَّه مَعِي يَوْم الْقِيَامَة ) ؟ فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَد , ثُمَّ قَالَ : ( أَلَا رَجُل يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْم جَعَلَهُ اللَّه مَعِي يَوْم الْقِيَامَة ) ؟ فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَد . فَقَالَ : ( قُمْ يَا حُذَيْفَة فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْم ) فَلَمْ أَجِد بُدًّا إِذْ دَعَانِي بِاسْمِي أَنْ أَقُوم . قَالَ : ( اِذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْم وَلَا تَذْعَرهُمْ عَلَيَّ ) قَالَ : فَلَمَّا وَلَّيْت مِنْ عِنْده جَعَلْت كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّام حَتَّى أَتَيْتهمْ , فَرَأَيْت أَبَا سُفْيَان يَصْلِي ظَهْره بِالنَّارِ , فَوَضَعْت سَهْمًا فِي كَبِد الْقَوْس فَأَرَدْت أَنْ أَرْمِيَهُ , فَذَكَرْت قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَا تَذْعَرهُمْ عَلَيَّ ) وَلَوْ رَمَيْته لَأَصَبْته : فَرَجَعْت وَأَنَا أَمْشِي فِي مِثْل الْحَمَّام , فَلَمَّا أَتَيْته فَأَخْبَرْته بِخَبَرِ الْقَوْم وَفَرَغْت قُرِرْت , فَأَلْبَسَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَضْل عَبَاءَة كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّي فِيهَا , فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْت , فَلَمَّا أَصْبَحْت قَالَ : ( قُمْ يَا نَوْمَان ) . وَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَهَبَ الْأَحْزَاب , رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة وَوَضَعَ الْمُسْلِمُونَ سِلَاحهمْ , فَأَتَاهُ جِبْرِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُورَة دِحْيَة بْن خَلِيفَة الْكَلْبِيّ , عَلَى بَغْلَة عَلَيْهَا قَطِيفَة دِيبَاج فَقَالَ لَهُ : يَا مُحَمَّد , إِنْ كُنْتُمْ قَدْ وَضَعْتُمْ سِلَاحكُمْ فَمَا وَضَعَتْ الْمَلَائِكَة سِلَاحهَا . إِنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تَخْرُج إِلَى بَنِي قُرَيْظَة , وَإِنِّي مُتَقَدِّم إِلَيْهِمْ فَمُزَلْزِل بِهِمْ حُصُونهمْ . فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ : 

الثَّامِنَة : مُنَادِيًا فَنَادَى : لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَد الْعَصْر إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَة ; فَتَخَوَّفَ نَاس فَوْت الْوَقْت فَصَلَّوْا دُون بَنِي قُرَيْظَة . وَقَالَ آخَرُونَ : لَا نُصَلِّي الْعَصْر إِلَّا حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ فَاتَنَا الْوَقْت . قَالَ : فَمَا عَنَّفَ وَاحِدًا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ . وَفِي هَذَا مِنْ الْفِقْه تَصْوِيب الْمُجْتَهِدِينَ . وَقَدْ مَضَى بَيَانه فِي &quot; الْأَنْبِيَاء &quot; . وَكَانَ سَعْد بْن مُعَاذ إِذْ أَصَابَهُ السَّهْم دَعَا رَبّه فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْت أَبْقَيْت مِنْ حَرْب قُرَيْش فَأَبْقِنِي لَهَا ; فَإِنَّهُ لَا قَوْمَ أَحَبُّ أَنْ أُجَاهِدهُمْ مِنْ قَوْم كَذَّبُوا رَسُولك وَأَخْرَجُوهُ . اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْت وَضَعْت الْحَرْب بَيْننَا وَبَيْنهمْ فَاجْعَلْهَا لِي شَهَادَة , وَلَا تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرّ عَيْنِي فِي بَنِي قُرَيْظَة . وَرَوَى اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ سَعْد بْن مُعَاذ مَرَّ بِعَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا وَنِسَاء مَعَهَا فِي الْأَطُم ( فَارِع ) , وَعَلَيْهِ دِرْع مُقَلِّصَة مُشَمِّر الْكُمَّيْنِ , وَبِهِ أَثَر صُفْرَة وَهُوَ يَرْتَجِز : لَبِّثْ قَلِيلًا يُدْرِك الْهَيْجَا جَمَلْ لَا بَأْس بِالْمَوْتِ إِذَا حَانَ الْأَجَلْ فَقَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : لَسْت أَخَاف أَنْ يُصَاب سَعْد الْيَوْم إِلَّا فِي أَطْرَافه ; فَأُصِيبَ فِي أَكْحَله . وَرَوَى اِبْن وَهْب وَابْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك قَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : مَا رَأَيْت رَجُلًا أَجْمَلَ مِنْ سَعْد بْن مُعَاذ حَاشَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَأُصِيبَ فِي أَكْحَله ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ حَرْب قُرَيْظَة لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْء فَاقْبِضْنِي إِلَيْك , وَإِنْ كَانَ قَدْ بَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّة فَأَبْقِنِي حَتَّى أُجَاهِد مَعَ رَسُولك أَعْدَاءَهُ ; فَلَمَّا حُكِّمَ فِي بَنِي قُرَيْظَة تُوُفِّيَ ; فَفَرِحَ النَّاس وَقَالُوا : نَرْجُو أَنْ يَكُون قَدْ اُسْتُجِيبَتْ دَعْوَته . 

التَّاسِعَة : وَلَمَّا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَة أَعْطَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّايَة عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَة اِبْن أُمّ مَكْتُوم , وَنَهَضَ عَلِيّ وَطَائِفَة مَعَهُ حَتَّى أَتَوْا بَنِي قُرَيْظَة وَنَازَلُوهُمْ , فَسَمِعُوا سَبَّ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَانْصَرَفَ عَلِيّ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ : يَا رَسُول اللَّه , لَا تَبْلُغ إِلَيْهِمْ , وَعَرَّضَ لَهُ . فَقَالَ لَهُ : ( أَظُنّك سَمِعْت مِنْهُمْ شَتْمِي . لَوْ رَأَوْنِي لَكَفُّوا عَنْ ذَلِكَ ) وَنَهَضَ إِلَيْهِمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ أَمْسَكُوا . فَقَالَ لَهُمْ : ( نَقَضْتُمْ الْعَهْد يَا إِخْوَة الْقُرُود أَخْزَاكُمْ اللَّه وَأَنْزَلَ بِكُمْ نِقْمَته ) فَقَالُوا : مَا كُنْت جَاهِلًا يَا مُحَمَّد فَلَا تَجْهَل عَلَيْنَا ; وَنَزَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَاصَرَهُمْ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَة . وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ سَيِّدهمْ كَعْب ثَلَاث خِصَال لِيَخْتَارُوا أَيّهَا شَاءُوا : إِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا وَيَتَّبِعُوا مُحَمَّدًا عَلَى مَا جَاءَ بِهِ فَيَسْلَمُوا . قَالَ : وَتُحْرِزُوا أَمْوَالكُمْ وَنِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ , فَوَاَللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ الَّذِي تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا فِي كِتَابكُمْ . وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلُوا أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ ثُمَّ يَتَقَدَّمُوا ; فَيُقَاتِلُونَ حَتَّى يَمُوتُوا مِنْ آخِرهمْ . وَإِمَّا أَنْ يُبَيِّتُوا الْمُسْلِمِينَ لَيْلَة السَّبْت فِي حِين طُمَأْنِينَتهمْ فَيَقْتُلُوهُمْ قَتْلًا . فَقَالُوا لَهُ : أَمَّا الْإِسْلَام فَلَا نُسْلِم وَلَا نُخَالِف حُكْم التَّوْرَاة , وَأَمَّا قَتْل أَبْنَائِنَا وَنِسَائِنَا فَمَا جَزَاؤُهُمْ الْمَسَاكِين مِنَّا أَنْ نَقْتُلهُمْ , وَنَحْنُ لَا نَتَعَدَّى فِي السَّبْت . ثُمَّ بَعَثُوا إِلَى أَبِي لُبَابَة , وَكَانُوا حُلَفَاء بَنِي عَمْرو بْن عَوْف وَسَائِر الْأَوْس , فَأَتَاهُمْ فَجَمَعُوا إِلَيْهِ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَرِجَالهمْ وَقَالُوا لَهُ : يَا أَبَا لُبَابَة , أَتَرَى أَنْ نَنْزِل عَلَى حُكْم مُحَمَّد ؟ فَقَالَ نَعَمْ , - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقه - إِنَّهُ الذَّبْح إِنْ فَعَلْتُمْ . ثُمَّ نَدِمَ أَبُو لُبَابَة فِي الْحِين , وَعَلِمَ أَنَّهُ خَانَ اللَّه وَرَسُوله , وَأَنَّهُ أَمْر لَا يَسْتُرهُ اللَّه عَلَيْهِ عَنْ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَانْطَلَقَ إِلَى الْمَدِينَة وَلَمْ يَرْجِع إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَبَطَ نَفْسه فِي سَارِيَة وَأَقْسَمَ أَلَّا يَبْرَح مِنْ مَكَانه حَتَّى يَتُوب اللَّه عَلَيْهِ فَكَانَتْ اِمْرَأَته تَحُلّهُ لِوَقْتِ كُلّ صَلَاة . قَالَ اِبْن عُيَيْنَة وَغَيْره : فِيهِ نَزَلَتْ : &quot; يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ &quot; [ الْأَنْفَال : 27 ] الْآيَة . وَأَقْسَمَ أَلَّا يَدْخُل أَرْض بَنِي قُرَيْظَة أَبَدًا مَكَانًا أَصَابَ فِيهِ الذَّنْب . فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِعْل أَبِي لُبَابَة قَالَ : ( أَمَا إِنَّهُ لَوْ أَتَانِي لَاسْتَغْفَرْت لَهُ وَأَمَا إِذْ فَعَلَ مَا فَعَلَ فَلَا أُطْلِقهُ حَتَّى يُطْلِقهُ اللَّه تَعَالَى ) فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِي أَمْر أَبِي لُبَابَة : &quot; وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ &quot; [ التَّوْبَة : 102 ] الْآيَة . فَلَمَّا نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآن أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِطْلَاقِهِ , فَلَمَّا أَصْبَحَ بَنُو قُرَيْظَة نَزَلُوا عَلَى حُكْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَوَاثَبَ الْأَوْس إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُمْ حُلَفَاؤُنَا , وَقَدْ أَسْعَفْت عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ بْن سَلُول فِي بَنِي النَّضِير حُلَفَاء الْخَزْرَج , فَلَا يَكُنْ حَظُّنَا أَوْكَسَ وَأَنْقَصَ عِنْدك مِنْ حَظّ غَيْرنَا , فَهُمْ مَوَالِينَا . فَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا مَعْشَر الْأَوْس أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَحْكُم فِيهِمْ رَجُل مِنْكُمْ - قَالُوا بَلَى . قَالَ - : فَذَلِكَ إِلَى سَعْد بْن مُعَاذ ) . وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ضَرَبَ لَهُ خَيْمَة فِي الْمَسْجِد , لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيب فِي مَرَضه مِنْ جُرْحه الَّذِي أَصَابَهُ فِي الْخَنْدَق . فَحَكَمَ فِيهِمْ بِأَنْ تُقْتَل الْمُقَاتِلَة , وَتُسْبَى الذُّرِّيَّة وَالنِّسَاء , وَتُقَسَّم أَمْوَالهمْ . فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّه تَعَالَى مِنْ فَوْق سَبْع أَرْقِعَة ) . وَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخْرِجُوا إِلَى مَوْضِع بِسُوقِ الْمَدِينَة الْيَوْم - زَمَنَ اِبْن إِسْحَاق - فَخَنْدَقَ بِهَا خَنَادِق , ثُمَّ أَمَرَ عَلَيْهِ السَّلَام فَضُرِبَتْ أَعْنَاقهمْ فِي تِلْكَ الْخَنَادِق , وَقُتِلَ يَوْمئِذٍ حُيَيّ بْن أَخْطَبَ وَكَعْب بْن أَسَد , وَكَانَا رَأْس الْقَوْم , وَكَانُوا مِنْ السِّتّمِائَةِ إِلَى السَّبْعمِائَةِ . وَكَانَ عَلَى حُيَيّ حُلَّة فُقَّاحِيَّة قَدْ شَقَّقَهَا عَلَيْهِ مِنْ كُلّ نَاحِيَة كَمَوْضِعِ الْأُنْمُلَة , أُنْمُلَة أُنْمُلَة لِئَلَّا يُسْلَبهَا . فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أُتِيَ بِهِ وَيَدَاهُ مَجْمُوعَتَانِ إِلَى عُنُقه بِحَبْلٍ قَالَ : أَمَا وَاَللَّه مَا لُمْت نَفْسِي فِي عَدَاوَتك . وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُل اللَّه يُخْذَل ثُمَّ قَالَ : يَا أَيّهَا النَّاس , لَا بَأْس بِأَمْرِ اللَّه كِتَاب وَقَدَر وَمَلْحَمَة كُتِبَتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل , ثُمَّ جَلَسَ فَضُرِبَتْ عُنُقه . وَقُتِلَ مِنْ نِسَائِهِمْ اِمْرَأَة , وَهِيَ بُنَانَة اِمْرَأَة الْحَكَم الْقُرَظِيّ الَّتِي طَرَحَتْ الرَّحَى عَلَى خَلَّاد بْن سُوَيْد فَقَتَلَتْهُ . وَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ كُلّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ وَتَرْك مَنْ لَمْ يُنْبِت . وَكَانَ عَطِيَّة الْقُرَظِيّ مِمَّنْ لَمْ يُنْبِت , فَاسْتَحْيَاهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ مَذْكُور فِي الصَّحَابَة . وَوَهَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَابِتِ بْن قَيْس بْن شَمَّاس وَلَد الزُّبَيْر بْن بَاطَا فَاسْتَحْيَاهُمْ ; مِنْهُمْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الزُّبَيْر أَسْلَمَ وَلَهُ صُحْبَة . وَوَهَبَ أَيْضًا عَلَيْهِ السَّلَام رِفَاعَة بْن سَمَوْأَل الْقُرَظِيّ لِأُمِّ الْمُنْذِر سَلْمَى بِنْت قَيْس , أُخْت سَلِيط بْن قَيْس مِنْ بَنِي النَّجَّار , وَكَانَتْ قَدْ صَلَّتْ إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ ; فَأَسْلَمَ رِفَاعَة وَلَهُ صُحْبَة وَرِوَايَة . وَرَوَى اِبْن وَهْب وَابْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك قَالَ : أَتَى ثَابِت بْن قَيْس بْن شَمَّاس إِلَى اِبْن بَاطَا - وَكَانَتْ لَهُ عِنْده يَد - وَقَالَ : قَدْ اِسْتَوْهَبْتُك مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَدِك الَّتِي لَك عِنْدِي , قَالَ : ذَلِكَ يَفْعَل الْكَرِيم بِالْكَرِيمِ , ثُمَّ قَالَ : وَكَيْف يَعِيش رَجُل لَا وَلَد لَهُ وَلَا أَهْل ؟ قَالَ : فَأَتَى ثَابِت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ , فَأَعْطَاهُ أَهْله وَوَلَده ; فَأَتَى فَأَعْلَمَهُ فَقَالَ : كَيْف يَعِيش رَجُل لَا مَال لَهُ ؟ فَأَتَى ثَابِت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَلَبَهُ فَأَعْطَاهُ مَاله , فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ ; قَالَ : مَا فَعَلَ اِبْن أَبِي الْحُقَيْق الَّذِي كَأَنَّ وَجْهه مِرْآة صِينِيَّة ؟ قَالَ : قُتِلَ . قَالَ : فَمَا فَعَلَ الْمَجْلِسَانِ , يَعْنِي بَنِي كَعْب بْن قُرَيْظَة وَبَنِي عَمْرو بْن قُرَيْظَة ؟ قَالَ : قُتِلُوا . قَالَ : فَمَا فَعَلَتْ الْفِئَتَانِ ؟ قَالَ : قُتِلَتَا . قَالَ : بَرِئَتْ ذِمَّتك , وَلَنْ أَصُبّ فِيهَا دَلْوًا أَبَدًا , يَعْنِي النَّخْل , فَأَلْحِقْنِي بِهِمْ , فَأَبَى أَنْ يَقْتُلهُ فَقَتَلَهُ غَيْره . وَالْيَد الَّتِي كَانَتْ لِابْنِ بَاطَا عِنْد ثَابِت أَنَّهُ أَسَرَهُ يَوْم بُعَاث فَجَزَّ نَاصِيَته وَأَطْلَقَهُ . 

الْعَاشِرَة : وَقَسَّمَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْوَال بَنِي قُرَيْظَة فَأَسْهَمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَة أَسْهُم وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا . وَقَدْ قِيلَ : لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْم . وَكَانَتْ الْخَيْل لِلْمُسْلِمِينَ يَوْمئِذٍ سِتَّة وَثَلَاثِينَ فَرَسًا . وَوَقَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَبْيهمْ رَيْحَانَة بِنْت عَمْرو بْن خُنَافَة أَحَد بَنِي عَمْرو بْن قُرَيْظَة , فَلَمْ تَزَلْ عِنْده إِلَى أَنْ مَاتَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : إِنَّ غَنِيمَة قُرَيْظَة هِيَ أَوَّل غَنِيمَة قَسَّمَ فِيهَا لِلْفَارِسِ وَالرَّاجِل , وَأَوَّل غَنِيمَة جَعَلَ فِيهَا الْخُمُس . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَوَّل ذَلِكَ كَانَ فِي بَعْث عَبْد اللَّه بْن جَحْش ; فَاَللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ : أَبُو عُمَر : وَتَهْذِيب ذَلِكَ أَنْ تَكُون غَنِيمَة قُرَيْظَة أَوَّل غَنِيمَة جَرَى فِيهَا الْخُمُس بَعْد نُزُول قَوْله : &quot; وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ &quot; [ الْأَنْفَال : 41 ] الْآيَة . وَكَانَ عَبْد اللَّه بْن جَحْش قَدْ خَمَّسَ قَبْل ذَلِكَ فِي بَعْثه , ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآن بِمِثْلِ مَا فَعَلَهُ ; وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ فَضَائِله رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِ . وَكَانَ فَتْح قُرَيْظَة فِي آخِر ذِي الْقَعْدَة وَأَوَّل ذِي الْحِجَّة مِنْ السَّنَة الْخَامِسَة مِنْ الْهِجْرَة . فَلَمَّا تَمَّ أَمْر بَنِي قُرَيْظَة أُجِيبَتْ دَعْوَة الرَّجُل الْفَاضِل الصَّالِح سَعْد بْن مُعَاذ , فَانْفَجَرَ جُرْحه , وَانْفَتَحَ عِرْقه , فَجَرَى دَمه وَمَاتَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَهُوَ الَّذِي أَتَى الْحَدِيث فِيهِ : ( اِهْتَزَّ لِمَوْتِهِ عَرْش الرَّحْمَن ) يَعْنِي سُكَّان الْعَرْش مِنْ الْمَلَائِكَة فَرِحُوا بِقُدُومِ رُوحه وَاهْتَزُّوا لَهُ . وَقَالَ اِبْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك : حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن سَعِيد قَالَ : لَقَدْ نَزَلَ لِمَوْتِ سَعْد بْن مُعَاذ سَبْعُونَ أَلْف مَلَك , مَا نَزَلُوا إِلَى الْأَرْض قَبْلهَا . قَالَ مَالِك : وَلَمْ يُسْتَشْهَد يَوْم الْخَنْدَق مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَرْبَعَة أَوْ خَمْسَة . 

قُلْت : الَّذِي اُسْتُشْهِدَ يَوْم الْخَنْدَق مِنْ الْمُسْلِمِينَ سِتَّة نَفَر فِيمَا ذَكَرَ أَهْل الْعِلْم بِالسِّيَرِ : سَعْد بْن مُعَاذ أَبُو عَمْرو مِنْ بَنِي عَبْد الْأَشْهَل , وَأَنَس بْن أَوْس بْن عَتِيك , وَعَبْد اللَّه بْن سَهْل , وَكِلَاهُمَا أَيْضًا مِنْ بَنِي عَبْد الْأَشْهَل , وَالطُّفَيْل بْن النُّعْمَان , وَثَعْلَبَة بْن غَنَمَة , وَكِلَاهُمَا مِنْ بَنِي سَلَمَة , وَكَعْب بْن زَيْد مِنْ بَنِي دِينَار بْن النَّجَّار , أَصَابَهُ سَهْم غَرْب فَقَتَلَهُ , رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ . وَقُتِلَ مِنْ الْكُفَّار ثَلَاثَة : مُنَبِّه بْن عُثْمَان بْن عُبَيْد بْن السَّبَّاق بْن عَبْد الدَّار , أَصَابَهُ سَهْم مَاتَ مِنْهُ بِمَكَّة . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّمَا هُوَ عُثْمَان بْن أُمَيَّة بْن مُنَبِّه بْن عُبَيْد بْن السَّبَّاق . وَنَوْفَل بْن عَبْد اللَّه بْن الْمُغِيرَة الْمَخْزُومِيّ , اِقْتَحَمَ الْخَنْدَق فَتَوَرَّطَ فِيهِ فَقُتِلَ , وَغَلَبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَسَده ; فَرُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيّ أَنَّهُمْ أَعْطَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَسَده عَشَرَة آلَاف دِرْهَم فَقَالَ : ( لَا حَاجَة لَنَا بِجَسَدِهِ وَلَا بِثَمَنِهِ ) فَخَلَّى بَيْنهمْ وَبَيْنه . وَعَمْرو بْن عَبْد وُدّ الَّذِي قَتَلَهُ عَلِيّ مُبَارَزَة , وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَاسْتُشْهِدَ يَوْم قُرَيْظَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَلَّاد بْن سُوَيْد بْن ثَعْلَبَة بْن عَمْرو مِنْ بَنِي الْحَارِث بْن الْخَزْرَج ; طَرَحَتْ عَلَيْهِ اِمْرَأَة مِنْ بَنِي قُرَيْظَة رَحًى فَقَتَلَتْهُ . وَمَاتَ فِي الْحِصَار أَبُو سِنَان بْن مِحْصَن بْن حُرْثَان الْأَسَدِيّ , أَخُو عُكَاشَة بْن مِحْصَن , فَدَفَنَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقْبَرَة بَنِي قُرَيْظَة الَّتِي يَتَدَافَن فِيهَا الْمُسْلِمُونَ السُّكَّان بِهَا الْيَوْم . وَلَمْ يُصَبْ غَيْر هَذَيْنِ , وَلَمْ يَغْزُ كُفَّار قُرَيْش الْمُؤْمِنِينَ بَعْد الْخَنْدَق . وَأَسْنَدَ الدَّارِمِيّ أَبُو مُحَمَّد فِي مُسْنَده : أَخْبَرَنَا يَزِيد بْن هَارُون عَنْ اِبْن أَبِي ذِئْب عَنْ الْمَقْبُرِيّ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : حُبِسْنَا يَوْم الْخَنْدَق حَتَّى ذَهَبَ هَوِيّ مِنْ اللَّيْل حَتَّى كُفِينَا ; وَذَلِكَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : &quot; وَكَفَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَال وَكَانَ اللَّه قَوِيًّا عَزِيزًا &quot; [ الْأَحْزَاب : 25 ] فَأَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَأَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْر فَأَحْسَنَ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتهَا , ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْر فَصَلَّاهَا , ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِب فَصَلَّاهَا , ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاء فَصَلَّاهَا , وَذَلِكَ قَبْل أَنْ يَنْزِل : &quot; فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا &quot; [ الْبَقَرَة : 239 ] خَرَّجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا . وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي &quot; طَه &quot; . وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْغَزَاة أَحْكَامًا كَثِيرَة لِمَنْ تَأَمَّلَهَا فِي مَسَائِل عَشْر . ثُمَّ نَرْجِع إِلَى أَوَّل الْآي وَهِيَ تِسْع عَشْرَة آيَة تَضَمَّنَتْ مَا ذَكَرْنَاهُ .
 
 
يَعْنِي الْأَحْزَاب .
 
 
قَالَ مُجَاهِد : هِيَ الصَّبَا , أُرْسِلَتْ عَلَى الْأَحْزَاب يَوْم الْخَنْدَق حَتَّى أَلْقَتْ قُدُورهمْ وَنَزَعَتْ فَسَاطِيطَهُمْ . قَالَ : وَالْجُنُود الْمَلَائِكَة وَلَمْ تُقَاتِل يَوْمئِذٍ . وَقَالَ عِكْرِمَة : قَالَتْ الْجَنُوب لِلشَّمَالِ لَيْلَة الْأَحْزَاب : اِنْطَلِقِي لِنُصْرَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَتْ الشَّمَال : إِنَّ مَحْوَةَ لَا تَسْرِي بِلَيْلٍ . فَكَانَتْ الرِّيح الَّتِي أُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ الصَّبَا . وَرَوَى سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( نُصِرْت بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَاد بِالدَّبُورِ ) . وَكَانَتْ هَذِهِ الرِّيح مُعْجِزَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ كَانُوا قَرِيبًا مِنْهَا , لَمْ يَكُنْ بَيْنهمْ وَبَيْنهَا إِلَّا عَرْض الْخَنْدَق , وَكَانُوا فِي عَافِيَة مِنْهَا , وَلَا خَبَر عِنْدهمْ بِهَا .
 
 
وَقُرِئَ بِالْيَاءِ ; أَيْ لَمْ يَرَهَا الْمُشْرِكُونَ . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : بَعَثَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة فَقَلَعَتْ الْأَوْتَاد , وَقَطَعَتْ أَطْنَاب الْفَسَاطِيط , وَأَطْفَأَتْ النِّيرَان , وَأَكْفَأَتْ الْقُدُور , وَجَالَتْ الْخَيْل بَعْضهَا فِي بَعْض , وَأَرْسَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ الرُّعْب , وَكَثُرَ تَكْبِير الْمَلَائِكَة فِي جَوَانِب الْعَسْكَر ; حَتَّى كَانَ سَيِّد كُلّ خِبَاء يَقُول : يَا بَنِي فُلَان هَلُمَّ إِلَيَّ فَإِذَا اِجْتَمَعُوا قَالَ لَهُمْ : النَّجَاءَ النَّجَاءَ ; لِمَا بَعَثَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ مِنْ الرُّعْب .
 
 
وَقُرِئَ : &quot; يَعْمَلُونَ &quot; بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر , وَهِيَ قِرَاءَة أَبِي عَمْرو . الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ ; يَعْنِي مِنْ حَفْر الْخَنْدَق وَالتَّحَرُّز مِنْ الْعَدُوّ .';
$TAFSEER['4']['33']['10'] = '&quot; إِذْ &quot; فِي مَوْضِع نَصْب بِمَعْنَى وَاذْكُرْ . وَكَذَا &quot; وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَة مِنْهُمْ &quot; . &quot; مِنْ فَوْقكُمْ &quot; يَعْنِي مِنْ فَوْق الْوَادِي , وَهُوَ أَعْلَاهُ مِنْ قِبَل الْمَشْرِق , جَاءَ مِنْهُ عَوْف بْن مَالِك فِي بَنِي نَصْر , وَعُيَيْنَة بْن حِصْن فِي أَهْل نَجْد , وَطُلَيْحَة بْن خُوَيْلِد الْأَسَدِيّ فِي بَنِي أَسَد . &quot; وَمِنْ أَسْفَل مِنْكُمْ &quot; يَعْنِي مِنْ بَطْن الْوَادِي مِنْ قِبَل الْمَغْرِب , جَاءَ مِنْهُ أَبُو سُفْيَان بْن حَرْب عَلَى أَهْل مَكَّة , وَيَزِيد بْن جَحْش عَلَى قُرَيْش , وَجَاءَ أَبُو الْأَعْوَر السُّلَمِيّ وَمَعَهُ حُيَيّ بْن أَخْطَبَ الْيَهُودِيّ فِي يَهُود بَنِي قُرَيْظَة مَعَ عَامِر بْن الطُّفَيْل مِنْ وَجْه الْخَنْدَق .

أَيْ شَخُصَتْ . وَقِيلَ : مَالَتْ ; فَلَمْ تَلْتَفِت إِلَّا إِلَى عَدُوّهَا دَهَشًا مِنْ فَرْط الْهَوْل .

أَيْ زَالَتْ عَنْ أَمَاكِنهَا مِنْ الصُّدُور حَتَّى بَلَغَتْ الْحَنَاجِر وَهِيَ الْحَلَاقِيم , وَاحِدهَا حَنْجَرَة ; فَلَوْلَا أَنَّ الْحُلُوق ضَاقَتْ عَنْهَا لَخَرَجَتْ ; قَالَهُ قَتَادَة . وَقِيلَ : هُوَ عَلَى مَعْنَى الْمُبَالَغَة عَلَى مَذْهَب الْعَرَب عَلَى إِضْمَار كَادَ ; قَالَ : إِذَا مَا غَضِبْنَا غَضْبَة مُضَرِيَّةً هَتَكْنَا حِجَاب الشَّمْس أَوْ قَطَرَتْ دَمًا أَيْ كَادَتْ تَقْطُر . وَيُقَال : إِنَّ الرِّئَة تَنْفَتِح عِنْد الْخَوْف فَيَرْتَفِع الْقَلْب حَتَّى يَكَاد يَبْلُغ الْحَنْجَرَة مَثَلًا ; وَلِهَذَا يُقَال لِلْجَبَانِ : اِنْتَفَخَ سَحْرُهُ . وَقِيلَ : إِنَّهُ مَثَل مَضْرُوب فِي شِدَّة الْخَوْف بِبُلُوغِ الْقُلُوب الْحَنَاجِر وَإِنْ لَمْ تَزُلْ عَنْ أَمَاكِنهَا مَعَ بَقَاء الْحَيَاة . قَالَ مَعْنَاهُ عِكْرِمَة . رَوَى حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ أَيُّوب عَنْ عِكْرِمَة قَالَ : بَلَغَ فَزَعهَا . وَالْأَظْهَر أَنَّهُ أَرَادَ اِضْطِرَاب الْقَلْب وَضَرَبَانه , أَيْ كَأَنَّهُ لِشِدَّةِ اِضْطِرَابه بَلَغَ الْحَنْجَرَة . وَالْحَنْجَرَة وَالْحُنْجُور ( بِزِيَادَةِ النُّون ) حَرْف الْحَلْق .

قَالَ الْحَسَن : ظَنَّ الْمُنَافِقُونَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُسْتَأْصَلُونَ , وَظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ أَنَّهُمْ يُنْصَرُونَ . وَقِيلَ : هُوَ خِطَاب لِلْمُنَافِقِينَ ; أَيْ قُلْتُمْ هَلَكَ مُحَمَّد وَأَصْحَابه . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قَوْله تَعَالَى : &quot; الظُّنُونَا , وَالرَّسُولَا , وَالسَّبِيلَا &quot; آخِر السُّورَة ; فَأَثْبَتَ أَلِفَاتهَا فِي الْوَقْف وَالْوَصْل نَافِع وَابْن عَامِر . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرو وَالْكِسَائِيّ تَمَسُّكًا بِخَطِّ الْمُصْحَف , مُصْحَف عُثْمَان , وَجَمِيع الْمَصَاحِف فِي جَمِيع الْبُلْدَان . وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد ; إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : لَا يَنْبَغِي لِلْقَارِئِ أَنْ يُدْرِج الْقِرَاءَة بَعْدهنَّ لَكِنْ يَقِف عَلَيْهِنَّ . قَالُوا : وَلِأَنَّ الْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ فِي قَوَافِي أَشْعَارهمْ وَمَصَارِيعهَا ; قَالَ : نَحْنُ جَلَبْنَا الْقُرَّح الْقَوَافِلَا تَسْتَنْفِر الْأَوَاخِرُ الْأَوَائِلَا وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَالْجَحْدَرِيّ وَيَعْقُوب وَحَمْزَة بِحَذْفِهَا فِي الْوَصْل وَالْوَقْف مَعًا . قَالُوا : هِيَ زَائِدَة فِي الْخَطّ كَمَا زِيدَتْ الْأَلِف فِي قَوْله تَعَالَى : &quot; وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ &quot; [ التَّوْبَة : 47 ] فَكَتَبُوهَا كَذَلِكَ , وَغَيْر هَذَا . وَأَمَّا الشِّعْر فَمَوْضِع ضَرُورَة , بِخِلَافِ الْقُرْآن فَإِنَّهُ أَفْصَحُ اللُّغَات وَلَا ضَرُورَة فِيهِ . قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَلَمْ يُخَالِف الْمُصْحَف مَنْ قَرَأَ . &quot; الظُّنُون . وَالسَّبِيل . وَالرَّسُول &quot; بِغَيْرِ أَلِف فِي الْحُرُوف الثَّلَاثَة , وَخَطَّهُنَّ فِي الْمُصْحَف بِأَلِفٍ لِأَنَّ الْأَلِف الَّتِي فِي &quot; أَطَعْنَا &quot; وَالدَّاخِلَة فِي أَوَّل &quot; الرَّسُول . وَالظُّنُون . وَالسَّبِيل &quot; كَفَى مِنْ الْأَلِف الْمُتَطَرِّفَة الْمُتَأَخِّرَة كَمَا كَفَتْ أَلِف أَبِي جَادٍ مِنْ أَلِف هَوَّاز . وَفِيهِ حُجَّة أُخْرَى : أَنَّ الْأَلِف أُنْزِلَتْ مَنْزِلَة الْفَتْحَة وَمَا يَلْحَق دِعَامَة لِلْحَرَكَةِ الَّتِي تَسْبِق وَالنِّيَّة فِيهِ السُّقُوط ; فَلَمَّا عُمِلَ عَلَى هَذَا كَانَتْ الْأَلِف مَعَ الْفَتْحَة كَالشَّيْءِ الْوَاحِد يُوجِب الْوَقْف سُقُوطهمَا وَيُعْمَل عَلَى أَنَّ صُورَة الْأَلِف فِي الْخَطّ لَا تُوجِب مَوْضِعًا فِي اللَّفْظ , وَأَنَّهَا كَالْأَلِفِ فِي &quot; سَاحِرَانِ &quot; وَفِي &quot; فَاطِر السَّمَوَات وَالْأَرْض &quot; وَفِي &quot; وَاعَدْنَا مُوسَى &quot; وَمَا يُشْبِههُنَّ مِمَّا يُحْذَف مِنْ الْخَطّ وَهُوَ مَوْجُود فِي اللَّفْظ , وَهُوَ مُسْقَط مِنْ الْخَطّ . وَفِيهِ حُجَّة ثَالِثَة هِيَ أَنَّهُ كُتِبَ عَلَى لُغَة مَنْ يَقُول لَقِيت الرَّجُلَا . وَقُرِئَ عَلَى لُغَة مَنْ يَقُول : لَقِيت الرَّجُل , بِغَيْرِ أَلِف . أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن يَحْيَى عَنْ جَمَاعَة مِنْ أَهْل اللُّغَة أَنَّهُمْ رَوَوْا عَنْ الْعَرَب قَامَ الرَّجُلُو , بِوَاوٍ , وَمَرَرْت بِالرَّجُلِي , بِيَاءٍ , فِي الْوَصْل وَالْوَقْف . وَلَقِيت الرَّجُلَا ; بِأَلِفٍ فِي الْحَالَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا . قَالَ الشَّاعِر : أَسَائِلَة عُمَيْرَة عَنْ أَبِيهَا خِلَال الْجَيْش تَعْتَرِف الرِّكَابَا فَأَثْبَتَ الْأَلِف فِي &quot; الرِّكَاب &quot; بِنَاء عَلَى هَذِهِ اللُّغَة . وَقَالَ الْآخَر : إِذَا الْجَوْزَاء أَرْدَفَتْ الثُّرَيَّا ظَنَنْت بِآلِ فَاطِمَة الظُّنُونَا وَعَلَى هَذِهِ اللُّغَة بَنَى نَافِع وَغَيْره . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَالْكِسَائِيّ بِإِثْبَاتِهَا فِي الْوَقْف وَحَذْفهَا فِي الْوَصْل . قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَمَنْ وَصَلَ بِغَيْرِ أَلِف وَوَقَفَ بِأَلِفٍ فَجَائِز أَنْ يَحْتَجّ بِأَنَّ الْأَلِف اِحْتَاجَ إِلَيْهَا عِنْد السَّكْت حِرْصًا عَلَى بَقَاء الْفَتْحَة , وَأَنَّ الْأَلِف تَدْعَمهَا وَتُقَوِّيهَا .';
$TAFSEER['4']['33']['11'] = '&quot; هُنَا &quot; لِلْقَرِيبِ مِنْ الْمَكَان . و &quot; هُنَالِكَ &quot; لِلْبَعِيدِ . و &quot; هُنَاكَ &quot; لِلْوَسَطِ . وَيُشَار بِهِ إِلَى الْوَقْت ; أَيْ عِنْد ذَلِكَ اُخْتُبِرَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَتَبَيَّن الْمُخْلِص مِنْ الْمُنَافِق . وَكَانَ هَذَا الِابْتِلَاء بِالْخَوْفِ وَالْقِتَال وَالْجُوع وَالْحَصْر وَالنِّزَال .

أَيْ حُرِّكُوا تَحْرِيكًا . قَالَ الزَّجَّاج : كُلّ مَصْدَر مِنْ الْمُضَاعَف عَلَى فِعْلَال يَجُوز فِيهِ الْكَسْر وَالْفَتْح ; نَحْو قَلْقَلْته قِلْقَالًا وَقَلْقَالًا , وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا وَزَلْزَالًا . وَالْكَسْر أَجْوَدُ ; لِأَنَّ غَيْر الْمُضَاعَف عَلَى الْكَسْر نَحْو دَحْرَجْته دِحْرَاجًا . وَقِرَاءَة الْعَامَّة بِكَسْرِ الزَّاي . وَقَرَأَ عَاصِم وَالْجَحْدَرِيّ &quot; زِلْزَالًا &quot; بِفَتْحِ الزَّاي . قَالَ اِبْن سَلَّام : أَيْ حُرِّكُوا بِالْخَوْفِ تَحْرِيكًا شَدِيدًا . وَقَالَ الضَّحَّاك : هُوَ إِزَاحَتهمْ عَنْ أَمَاكِنهمْ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِلَّا مَوْضِع الْخَنْدَق . وَقِيلَ : إِنَّهُ اِضْطِرَابهمْ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ ; فَمِنْهُمْ مَنْ اِضْطَرَبَ فِي نَفْسه وَمِنْهُمْ مَنْ اِضْطَرَبَ فِي دِينه . و &quot; هُنَالِكَ &quot; يَجُوز أَنْ يَكُون الْعَامِل فِيهِ &quot; اُبْتُلِيَ &quot; فَلَا يُوقَف عَلَى &quot; هُنَالِكَ &quot; . وَيَجُوز أَنْ يَكُون &quot; وَتَظُنُّونَ بِاَللَّهِ الظُّنُونَا &quot; فَيُوقَف عَلَى &quot; هُنَالِكَ &quot; .';
$TAFSEER['4']['33']['12'] = 'أَيْ شَكّ وَنِفَاق .

أَيْ بَاطِلًا مِنْ الْقَوْل . وَذَلِكَ أَنَّ طُعْمَة بْن أُبَيْرِق وَمُعَتِّب بْن قُشَيْر وَجَمَاعَة نَحْو مِنْ سَبْعِينَ رَجُلًا قَالُوا يَوْم الْخَنْدَق : كَيْف يَعِدنَا كُنُوز كِسْرَى وَقَيْصَر وَلَا يَسْتَطِيع أَحَدنَا أَنْ يَتَبَرَّز ؟ وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لَمَّا فَشَا فِي أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْله عِنْد ضَرْب الصَّخْرَة , عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيث النَّسَائِيّ ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة .';
$TAFSEER['4']['33']['13'] = 'الطَّائِفَة تَقَع عَلَى الْوَاحِد فَمَا فَوْقه . وَعُنِيَ بِهِ هُنَا أَوْس بْن قَيْظِيّ وَالِد عَرَابَة بْن أَوْس ; الَّذِي يَقُول فِيهِ الشماخ : إِذَا مَا رَايَة رُفِعَتْ لِمَجْدٍ تَلَقَّاهَا عَرَابَة بِالْيَمِينِ و &quot; يَثْرِب &quot; هِيَ الْمَدِينَة ; وَسَمَّاهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طِيبَة وَطَابَة . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : يَثْرِب اِسْم أَرْض , وَالْمَدِينَة نَاحِيَة مِنْهَا . السُّهَيْلِيّ : وَسُمِّيَتْ يَثْرِب لِأَنَّ الَّذِي نَزَلَهَا مِنْ الْعَمَالِيق اِسْمه يَثْرِب بْن عميل بْن مهلائيل بْن عوض بْن عِمْلَاق بْن لاوق بْن إرم . وَفِي بَعْض هَذِهِ الْأَسْمَاء اِخْتِلَاف . وَبَنُو عُمَيْل هُمْ الَّذِينَ سَكَنُوا الْجُحْفَة فَأَجْحَفَتْ بِهِمْ السُّيُول فِيهَا . وَبِهَا سُمِّيَتْ الْجُحْفَة . &quot; لَا مُقَام لَكُمْ &quot; بِفَتْحِ الْمِيم قِرَاءَة الْعَامَّة . وَقَرَأَ حَفْص وَالسُّلَمِيّ وَالْجَحْدَرِيّ وَأَبُو حَيْوَة : بِضَمِّ الْمِيم ; يَكُون مَصْدَرًا مِنْ أَقَامَ يُقِيم ; أَيْ لَا إِقَامَة , أَوْ مَوْضِعًا يُقِيمُونَ فِيهِ . وَمَنْ فَتَحَ فَهُوَ اِسْم مَكَان ; أَيْ لَا مَوْضِع لَكُمْ تُقِيمُونَ فِيهِ . &quot; فَارْجِعُوا &quot; أَيْ إِلَى مَنَازِلكُمْ . أَمَرُوهُمْ بِالْهُرُوبِ مِنْ عَسْكَر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَالَتْ الْيَهُود لِعَبْدِ اللَّه بْن أُبَيّ بْن سَلُول وَأَصْحَابه مِنْ الْمُنَافِقِينَ : مَا الَّذِي يَحْمِلكُمْ عَلَى قَتْل أَنْفُسكُمْ بِيَدِ أَبِي سُفْيَان وَأَصْحَابه ! فَارْجِعُوا إِلَى الْمَدِينَة فَإِنَّا مَعَ الْقَوْم فَأَنْتُمْ آمِنُونَ .

فِي الرُّجُوع إِلَى مَنَازِلهمْ بِالْمَدِينَةِ , وَهُمْ بَنُو حَارِثَة بْن الْحَارِث , فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ يَزِيد بْن رُومَان : قَالَ ذَلِكَ أَوْس بْن قَيْظِيّ عَنْ مَلَإٍ مِنْ قَوْمه .

أَيْ سَائِبَة ضَائِعَة لَيْسَتْ بِحَصِينَةٍ , وَهِيَ مِمَّا يَلِي الْعَدُوّ . وَقِيلَ : مُمْكِنَة لِلسُّرَّاقِ لِخُلُوِّهَا مِنْ الرِّجَال . يُقَال : دَار مُعْوِرَة وَذَات عَوْرَة إِذَا كَانَ يَسْهُل دُخُولهَا . يُقَال : عَوِرَ الْمَكَان عَوَرًا فَهُوَ عَوِر . وَبُيُوت عَوِرَة . وَأَعْوَرَ فَهُوَ مُعْوِر . وَقِيلَ : عَوِرَة ذَات عَوْرَة . وَكُلّ مَكَان لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ وَلَا مَسْتُور فَهُوَ عَوْرَة ; قَالَهُ الْهَرَوِيّ . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَمُجَاهِد وَأَبُو رَجَاء الْعُطَارِدِيّ : &quot; عَوِرَة &quot; بِكَسْرِ الْوَاو ; يَعْنِي قَصِيرَة الْجُدْرَانِ فِيهَا خَلَل . تَقُول الْعَرَب : دَار فُلَان عَوِرَة إِذَا لَمْ تَكُنْ حَصِينَة . وَقَدْ أَعْوَرَ الْفَارِس إِذَا بَدَا فِيهِ خَلَل لِلضَّرْبِ وَالطَّعْن ; قَالَ الشَّاعِر : مَتَى تَلْقَهُمْ لَمْ تَلْقَ فِي الْبَيْت مُعْوِرًا وَلَا الضَّيْف مَفْجُوعًا وَلَا الْجَار مُرْمِلَا الْجَوْهَرِيّ : وَالْعَوْرَة كُلّ خَلَل يُتَخَوَّف مِنْهُ فِي ثَغْر أَوْ حَرْب . النَّحَّاس : يُقَال أَعْوَرَ الْمَكَان إِذَا تُبُيِّنَتْ فِيهِ عَوْرَة , وَأَعْوَرَ الْفَارِس إِذَا تُبُيِّنَ فِيهِ مَوْضِع الْخَلَل . الْمَهْدَوِيّ : وَمَنْ كَسَرَ الْوَاو فِي &quot; عَوْرَة &quot; فَهُوَ شَاذّ ; وَمِثْله قَوْلهمْ : رَجُل عَوِر ; أَيْ لَا شَيْء لَهُ , وَكَانَ الْقِيَاس أَنْ يُعَلَّ فَيُقَال : عَارٍ ; كَيَوْمٍ رَاحٍ , وَرَجُلٍ مَالٍ ; أَصْلهمَا رَوْح وَمَوْل . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى

تَكْذِيبًا لَهُمْ وَرَدًّا عَلَيْهِمْ فِيمَا ذَكَرُوهُ .

أَيْ مَا يُرِيدُونَ إِلَّا الْهَرَب . قِيلَ : مِنْ الْقَتْل . وَقِيلَ : مِنْ الدِّين . وَحَكَى النَّقَّاش أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي قَبِيلَتَيْنِ مِنْ الْأَنْصَار : بَنِي حَارِثَة وَبَنِي سَلَمَة ; وَهَمُّوا أَنْ يَتْرُكُوا مَرَاكِزهمْ يَوْم الْخَنْدَق , وَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : &quot; إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا &quot; [ آل عِمْرَان : 122 ] الْآيَة . فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة قَالُوا : وَاَللَّه مَا سَاءَنَا مَا كُنَّا هَمَمْنَا بِهِ ; إِذْ اللَّه وَلِيّنَا . وَقَالَ السُّدِّيّ : الَّذِي اِسْتَأْذَنَهُ مِنْهُمْ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَار مِنْ بَنِي حَارِثَة أَحَدهمَا - أَبُو عَرَابَة بْن أَوْس , وَالْآخَر أَوْس بْن قَيْظِيّ . قَالَ الضَّحَّاك : وَرَجَعَ ثَمَانُونَ رَجُلًا بِغَيْرِ إِذْنه .';
$TAFSEER['4']['33']['14'] = 'وَهِيَ الْبُيُوت أَوْ الْمَدِينَة ; أَيْ مِنْ نَوَاحِيهَا وَجَوَانِبهَا , الْوَاحِد قُطْر , وَهُوَ الْجَانِب وَالنَّاحِيَة . وَكَذَلِكَ الْقُتْر لُغَة فِي الْقُطْر .

أَيْ لَجَاءُوهَا ; هَذَا عَلَى قِرَاءَة نَافِع وَابْن كَثِير بِالْقَصْرِ . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْمَدِّ ; أَيْ لَأَعْطَوْهَا مِنْ أَنْفُسهمْ , وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم . وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيث : أَنَّ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يُعَذَّبُونَ فِي اللَّه وَيُسْأَلُونَ الشِّرْك , فَكُلّ أَعْطَى مَا سَأَلُوهُ إِلَّا بِلَالًا . وَفِيهِ دَلِيل عَلَى قِرَاءَة الْمَدّ , مِنْ الْإِعْطَاء . وَيَدُلّ عَلَى قِرَاءَة الْقَصْر قَوْله : &quot; وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّه مِنْ قَبْل لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَار &quot; ; فَهَذَا يَدُلّ عَلَى &quot; لَآتَوْهَا &quot; مَقْصُورًا . وَفِي &quot; الْفِتْنَة &quot; هُنَا وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : سُئِلُوا الْقِتَال فِي الْعَصَبِيَّة لَأَسْرَعُوا إِلَيْهِ ; قَالَهُ الضَّحَّاك . الثَّانِي : ثُمَّ سُئِلُوا الشِّرْك لَأَجَابُوا إِلَيْهِ مُسْرِعِينَ ; قَالَهُ الْحَسَن .

أَيْ بِالْمَدِينَةِ بَعْد إِعْطَاء الْكُفْر إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى يَهْلِكُوا ; قَالَهُ السُّدِّيّ وَالْقُتَبِيّ وَالْحَسَن وَالْفَرَّاء . وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ : أَيْ وَمَا اِحْتَبَسُوا عَنْ فِتْنَة الشِّرْك إِلَّا قَلِيلًا وَلَأَجَابُوا بِالشِّرْكِ مُسْرِعِينَ ; وَذَلِكَ لِضَعْفِ نِيَّاتهمْ وَلِفَرْطِ نِفَاقهمْ ; فَلَوْ اِخْتَلَطَتْ بِهِمْ الْأَحْزَاب لَأَظْهَرُوا الْكُفْر .';
$TAFSEER['4']['33']['15'] = 'أَيْ مِنْ قَبْل غَزْوَة الْخَنْدَق وَبَعْد بَدْر . قَالَ قَتَادَة : وَذَلِكَ أَنَّهُمْ غَابُوا عَنْ بَدْر وَرَأَوْا مَا أَعْطَى اللَّه أَهْل بَدْر مِنْ الْكَرَامَة وَالنَّصْر , فَقَالُوا لَئِنْ أَشْهَدَنَا اللَّه قِتَالًا لَنُقَاتِلَنَّ . وَقَالَ يَزِيد بْن رُومَان : هُمْ بَنُو حَارِثَة , هَمُّوا يَوْم أُحُد أَنْ يَفْشَلُوا مَعَ بَنِي سَلَمَة , فَلَمَّا نَزَلَ فِيهِمْ مَا نَزَلَ عَاهَدُوا اللَّه أَلَّا يَعُودُوا لِمِثْلِهَا فَذَكَرَ اللَّه لَهُمْ الَّذِي أَعْطَوْهُ مِنْ أَنْفُسهمْ . &quot; وَكَانَ عَهْد اللَّه مَسْئُولًا &quot; أَيْ مَسْئُولًا عَنْهُ . قَالَ مُقَاتِل وَالْكَلْبِيّ : هُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا بَايَعُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْعَقَبَة وَقَالُوا : اِشْتَرِطْ لِنَفْسِك وَلِرَبِّك مَا شِئْت . فَقَالَ : ( أَشْتَرِط لِرَبِّي أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَشْتَرِط لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَأَوْلَادكُمْ ) فَقَالُوا : فَمَا لَنَا إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ يَا نَبِيّ اللَّه ؟ قَالَ : ( لَكُمْ النَّصْر فِي الدُّنْيَا وَالْجَنَّة فِي الْآخِرَة ) . فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :

أَيْ أَنَّ اللَّه لَيَسْأَلهُمْ عَنْهُ يَوْم الْقِيَامَة .';
$TAFSEER['4']['33']['16'] = 'أَيْ مَنْ حَضَرَ أَجَله مَاتَ أَوْ قُتِلَ ; فَلَا يَنْفَع الْفِرَار .

أَيْ فِي الدُّنْيَا بَعْد الْفِرَار إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ آجَالكُمْ ; وَكُلّ مَا هُوَ آتٍ فَقَرِيب . وَرَوَى السَّاجِيّ عَنْ يَعْقُوب الْحَضْرَمِيّ &quot; وَإِذًا لَا يُمَتَّعُونَ &quot; بِيَاءٍ . وَفِي بَعْض الرِّوَايَات &quot; وَإِذًا لَا تُمَتَّعُوا &quot; نُصِبَ ب &quot; إِذًا &quot; وَالرَّفْع بِمَعْنَى وَلَا تُمَتَّعُونَ . و &quot; إِذًا &quot; مُلْغَاة , وَيَجُوز إِعْمَالهَا . فَهَذَا حُكْمهَا إِذَا كَانَ قَبْلهَا الْوَاو وَالْفَاء . فَإِذَا كَانَتْ مُبْتَدَأَة نَصَبْت بِهَا فَقُلْت : إِذًا أُكْرِمَك .';
$TAFSEER['4']['33']['17'] = 'أَيْ يَمْنَعكُمْ مِنْهُ .

أَيْ هَلَاكًا .

أَيْ خَيْرًا وَنَصْرًا وَعَافِيَة .

أَيْ لَا قَرِيبًا يَنْفَعهُمْ وَلَا نَاصِرًا يَنْصُرهُمْ .';
$TAFSEER['4']['33']['18'] = 'أَيْ الْمُعْتَرِضِينَ مِنْكُمْ لِأَنْ يَصُدُّوا النَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْ عَاقَنِي عَنْ كَذَا أَيْ صَرَفَنِي عَنْهُ . وَعَوَّقَ , عَلَى التَّكْثِير

عَلَى لُغَة أَهْل الْحِجَاز . وَغَيْرهمْ يَقُولُونَ : &quot; هَلُمُّوا &quot; لِلْجَمَاعَةِ , وَهَلُمِّي لِلْمَرْأَةِ ; لِأَنَّ الْأَصْل : &quot; هَا &quot; الَّتِي لِلتَّنْبِيهِ ضُمَّتْ إِلَيْهَا &quot; لَمَّ &quot; ثُمَّ حُذِفَتْ الْأَلِف اِسْتِخْفَافًا وَبُنِيَتْ عَلَى الْفَتْح . وَلَمْ يَجُزْ فِيهَا الْكَسْر وَلَا الضَّمّ لِأَنَّهَا لَا تَنْصَرِف . وَمَعْنَى &quot; هَلُمَّ &quot; أَقْبِلْ ; وَهَؤُلَاءِ طَائِفَتَانِ ; أَيْ مِنْكُمْ مَنْ يُثَبِّط وَيُعَوِّق . وَالْعَوْق الْمَنْع وَالصَّرْف ; يُقَال : عَاقَهُ يَعُوقهُ عَوْقًا , وَعَوَّقَهُ وَاعْتَاقَهُ بِمَعْنًى وَاحِد . قَالَ مُقَاتِل : هُمْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ وَأَصْحَابه الْمُنَافِقُونَ . &quot; وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ &quot; فِيهِمْ ثَلَاثَة أَقْوَال : أَحَدهَا : أَنَّهُمْ الْمُنَافِقُونَ ; قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ : مَا مُحَمَّد وَأَصْحَابه إِلَّا أَكَلَة رَأْس , وَهُوَ هَالِك وَمَنْ مَعَهُ , فَهَلُمَّ إِلَيْنَا . الثَّانِي : أَنَّهُمْ الْيَهُود مِنْ بَنِي قُرَيْظَة ; قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ : هَلُمَّ إِلَيْنَا ; أَيْ تَعَالَوْا إِلَيْنَا وَفَارِقُوا مُحَمَّدًا فَإِنَّهُ هَالِك , وَإِنَّ أَبَا سُفْيَان إِنْ ظَفِرَ لَمْ يُبْقِ مِنْكُمْ أَحَدًا . وَالثَّالِث : مَا حَكَاهُ اِبْن زَيْد : أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن الرِّمَاح وَالسُّيُوف ; فَقَالَ أَخُوهُ - وَكَانَ مِنْ أُمّه وَأَبِيهِ - : هَلُمَّ إِلَيَّ , قَدْ تُبِعَ بِك وَبِصَاحِبِك ; أَيْ قَدْ أُحِيطَ بِك وَبِصَاحِبِك . فَقَالَ لَهُ : كَذَبْت , وَاَللَّه لَأُخْبِرَنَّهُ بِأَمْرِك ; وَذَهَبَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخْبِرهُ , فَوَجَدَهُ قَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; قَدْ يَعْلَم اللَّه الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا &quot; . ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ وَالثَّعْلَبِيّ أَيْضًا . وَلَفْظه : قَالَ اِبْن زَيْد هَذَا يَوْم الْأَحْزَاب , اِنْطَلَقَ رَجُل مِنْ عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ أَخَاهُ بَيْن يَدَيْهِ رَغِيف وَشِوَاء وَنَبِيذ ; فَقَالَ لَهُ : أَنْتَ فِي هَذَا وَنَحْنُ بَيْن الرِّمَاح وَالسُّيُوف ؟ فَقَالَ : هَلُمَّ إِلَى هَذَا فَقَدْ تُبِعَ لَك وَلِأَصْحَابِك , وَاَلَّذِي تَحْلِف بِهِ لَا يَسْتَقِلّ بِهَا مُحَمَّد أَبَدًا . فَقَالَ : كَذَبْت . فَذَهَبَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرهُ فَوَجَدَهُ قَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيل بِهَذِهِ الْآيَة .

خَوْفًا مِنْ الْمَوْت . وَقِيلَ : لَا يَحْضُرُونَ الْقِتَال إِلَّا رِيَاء وَسُمْعَة .';
$TAFSEER['4']['33']['19'] = 'أَيْ بُخَلَاء عَلَيْكُمْ ; أَيْ بِالْحَفْرِ فِي الْخَنْدَق وَالنَّفَقَة فِي سَبِيل اللَّه ; قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة . وَقِيلَ : بِالْقِتَالِ مَعَكُمْ . وَقِيلَ : بِالنَّفَقَةِ عَلَى فُقَرَائِكُمْ وَمَسَاكِينكُمْ . وَقِيلَ : أَشِحَّة بِالْغَنَائِمِ إِذَا أَصَابُوهَا ; قَالَهُ السُّدِّيّ . وَانْتَصَبَ عَلَى الْحَال . قَالَ الزَّجَّاج : وَنَصْبه عِنْد الْفَرَّاء مِنْ أَرْبَع جِهَات : إِحْدَاهَا : أَنْ يَكُون عَلَى الذَّمّ ; وَيَجُوز أَنْ يَكُون عِنْده نَصْبًا بِمَعْنَى يُعَوِّقُونَ أَشِحَّة . وَيَجُوز أَنْ يَكُون التَّقْدِير : وَالْقَائِلِينَ أَشِحَّة . وَيَجُوز عِنْده &quot; وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْس إِلَّا قَلِيلًا &quot; أَشِحَّة ; أَيْ أَنَّهُمْ يَأْتُونَهُ أَشِحَّة عَلَى الْفُقَرَاء بِالْغَنِيمَةِ . النَّحَّاس : وَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون الْعَامِل فِيهِ &quot; الْمُعَوِّقِينَ &quot; وَلَا &quot; الْقَائِلِينَ &quot; ; لِئَلَّا يُفَرَّق بَيْن الصِّلَة وَالْمَوْصُول . اِبْن الْأَنْبَارِيّ : &quot; إِلَّا قَلِيلًا &quot; غَيْر تَامّ ; لِأَنَّ &quot; أَشِحَّة &quot; مُتَعَلِّق بِالْأَوَّلِ , فَهُوَ يَنْتَصِب مِنْ أَرْبَعَة أَوْجُه : أَحَدهَا : أَنْ تَنْصِبهُ عَلَى الْقَطْع مِنْ &quot; الْمُعَوِّقِينَ &quot; كَأَنَّهُ قَالَ : قَدْ يَعْلَم اللَّه الَّذِينَ يُعَوِّقُونَ عَنْ الْقِتَال وَيَشِحُّونَ عَنْ الْإِنْفَاق عَلَى فُقَرَاء الْمُسْلِمِينَ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَنْصُوبًا عَلَى الْقَطْع مِنْ &quot; الْقَائِلِينَ &quot; أَيْ وَهُمْ أَشِحَّة . وَيَجُوز أَنْ تَنْصِبهُ عَلَى الْقَطْع مِمَّا فِي &quot; يَأْتُونَ &quot; ; كَأَنَّهُ قَالَ : وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْس إِلَّا جُبَنَاء بُخَلَاء . وَيَجُوز أَنْ تَنْصِب &quot; أَشِحَّة &quot; عَلَى الذَّمّ . فَمِنْ هَذَا الْوَجْه الرَّابِع يَحْسُن أَنْ تَقِف عَلَى قَوْله : &quot; إِلَّا قَلِيلًا &quot; . &quot; أَشِحَّة عَلَيْكُمْ &quot; وَقْف حَسَن . وَمِثْله &quot; أَشِحَّة عَلَى الْخَيْر &quot; حَال مِنْ الْمُضْمَر فِي &quot; سَلَقُوكُمْ &quot; وَهُوَ الْعَامِل فِيهِ .

وَصَفَهُمْ بِالْجُبْنِ ; وَكَذَا سَبِيل الْجَبَان يَنْظُر يَمِينًا وَشِمَالًا مُحَدِّدًا بَصَره , وَرُبَّمَا غُشِيَ عَلَيْهِ . وَفِي &quot; الْخَوْف &quot; وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : مِنْ قِتَال الْعَدُوّ إِذَا أَقْبَلَ ; قَالَ السُّدِّيّ . الثَّانِي : الْخَوْف مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَلَبَ ; قَالَهُ اِبْن شَجَرَة . &quot; رَأَيْتهمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْك &quot; خَوْفًا مِنْ الْقِتَال عَلَى الْقَوْل الْأَوَّل . وَمِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الثَّانِي . &quot; تَدُور أَعْيُنهمْ &quot; لِذَهَابِ عُقُولهمْ حَتَّى لَا يَصِحّ مِنْهُمْ النَّظَر إِلَى جِهَة . وَقِيلَ : لِشِدَّةِ خَوْفهمْ حَذَرًا أَنْ يَأْتِيَهُمْ الْقَتْل مِنْ كُلّ جِهَة .

وَحَكَى الْفَرَّاء &quot; صَلَقُوكُمْ &quot; بِالصَّادِ . وَخَطِيب مِسْلَاق وَمِصْلَاق إِذَا كَانَ بَلِيغًا . وَأَصْل الصَّلْق الصَّوْت ; وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَعَنَ اللَّه الصَّالِقَة وَالْحَالِقَة وَالشَّاقَّة ) . قَالَ الْأَعْشَى : فِيهِمُ الْمَجْد وَالسَّمَاحَة وَالنَّجـْ ـدَة فِيهِمْ وَالْخَاطِب السَّلَّاق قَالَ قَتَادَة : وَمَعْنَاهُ بَسَطُوا أَلْسِنَتهمْ فِيكُمْ فِي وَقْت قِسْمَة الْغَنِيمَة , يَقُولُونَ : أَعْطِنَا أَعْطِنَا , فَإِنَّا قَدْ شَهِدْنَا مَعَكُمْ . فَعِنْد الْغَنِيمَة أَشَحُّ قَوْم وَأَبْسَطُهُمْ لِسَانًا , وَوَقْت الْبَأْس أَجْبَنُ قَوْم وَأَخْوَفُهُمْ . قَالَ النَّحَّاس : هَذَا قَوْل حَسَن ; لِأَنَّ بَعْده

وَقِيلَ : الْمَعْنَى بَالَغُوا فِي مُخَاصَمَتكُمْ وَالِاحْتِجَاج عَلَيْكُمْ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : الْمَعْنَى آذَوْكُمْ بِالْكَلَامِ الشَّدِيد السَّلْق : الْأَذَى . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : وَلَقَدْ سَلَقْنَا هَوَازِنَا بِنَوَاهِلٍ حَتَّى اِنْحَنَيْنَا &quot; أَشِحَّة عَلَى الْخَيْر &quot; أَيْ عَلَى الْغَنِيمَة ; قَالَهُ يَحْيَى بْن سَلَّام . وَقِيلَ : عَلَى الْمَال أَنْ يُنْفِقُوهُ فِي سَبِيل اللَّه ; قَالَهُ السُّدِّيّ .

يَعْنِي بِقُلُوبِهِمْ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرهمْ الْإِيمَان ; وَالْمُنَافِق كَافِر عَلَى الْحَقِيقَة لِوَصْفِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ بِالْكُفْرِ .

أَيْ لَمْ يُثِبْهُمْ عَلَيْهَا ; إِذَا لَمْ يَقْصِدُوا وَجْه اللَّه تَعَالَى بِهَا .

يَحْتَمِل وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : وَكَانَ نِفَاقهمْ عَلَى اللَّه هَيِّنًا . الثَّانِي : وَكَانَ إِحْبَاط عَمَلهمْ عَلَى اللَّه هَيِّنًا .';
$TAFSEER['4']['33']['20'] = 'أَيْ لِجُبْنِهِمْ ; يَظُنُّونَ الْأَحْزَاب لَمْ يَنْصَرِفُوا وَكَانُوا اِنْصَرَفُوا , وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَبَاعَدُوا فِي السَّيْر .

أَيْ وَإِنْ يَرْجِع الْأَحْزَاب إِلَيْهِمْ لِلْقِتَالِ .

تَمَنَّوْا أَنْ يَكُونُوا مَعَ الْأَعْرَاب حَذَرًا مِنْ الْقَتْل وَتَرَبُّصًا لِلدَّوَائِرِ . وَقَرَأَ طَلْحَة بْن مُصَرِّف &quot; لَوْ أَنَّهُمْ بُدًّى فِي الْأَعْرَاب &quot; ; يُقَال : بَادٍ وَبُدًّى ; مِثْل غَازٍ وَغُزًّى . وَيُمَدّ مِثْل صَائِم وَصَوَّام . بَدَا فُلَان يَبْدُو إِذَا خَرَجَ إِلَى الْبَادِيَة . وَهِيَ الْبِدَاوَة وَالْبَدَاوَة ; بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح . وَأَصْل الْكَلِمَة مِنْ الْبَدْو وَهُوَ الظُّهُور . &quot; يَسْأَلُونَ &quot; وَقَرَأَ يَعْقُوب فِي رِوَايَة رُوَيْس

أَيْ عَنْ أَخْبَار النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . يَتَحَدَّثُونَ : أَمَا هَلَكَ مُحَمَّد وَأَصْحَابه , أَمَا غَلَبَ أَبُو سُفْيَان وَأَحْزَابه ! أَيْ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ سَائِلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ مِنْ غَيْر مُشَاهَدَة الْقِتَال لِفَرْطِ جُبْنهمْ . وَقِيلَ : أَيْ هُمْ أَبَدًا لِجُبْنِهِمْ يَسْأَلُونَ عَنْ أَخْبَار الْمُؤْمِنِينَ , وَهَلْ أُصِيبُوا . وَقِيلَ : كَانَ مِنْهُمْ فِي أَطْرَاف الْمَدِينَة مَنْ لَمْ يَحْضُر الْخَنْدَق , جَعَلُوا يَسْأَلُونَ عَنْ أَخْبَاركُمْ وَيَتَمَنَّوْنَ هَزِيمَة الْمُسْلِمِينَ .

أَيْ رَمْيًا بِالنَّبْلِ وَالْحِجَارَة عَلَى طَرِيق الرِّيَاء وَالسُّمْعَة ; وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ لَكَانَ قَلِيله كَثِيرًا .';
$TAFSEER['4']['33']['21'] = 'هَذَا عِتَاب لِلْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْقِتَال ; أَيْ كَانَ لَكُمْ قُدْوَة فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ بَذَلَ نَفْسه لِنُصْرَةِ دِين اللَّه فِي خُرُوجه إِلَى الْخَنْدَق . وَالْأُسْوَة الْقُدْوَة . وَقَرَأَ عَاصِم &quot; أُسْوَة &quot; بِضَمِّ الْهَمْزَة . الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ ; وَهُمَا لُغَتَانِ . وَالْجَمْع فِيهِمَا وَاحِد عِنْد الْفَرَّاء . وَالْعِلَّة عِنْده فِي الضَّمّ عَلَى لُغَة مَنْ كَسَرَ فِي الْوَاحِدَة : الْفَرْق بَيْن ذَوَات الْوَاو وَذَوَات الْيَاء ; فَيَقُولُونَ كِسْوَة وَكُسًا , وَلِحْيَة وَلُحًى . الْجَوْهَرِيّ : وَالْأُسْوَة وَالْإِسْوَة بِالضَّمِّ وَالْكَسْر لُغَتَانِ . وَالْجَمْع أُسًى وَإِسًى . وَرَوَى عُقْبَة بْن حَسَّان الْهَجَرِيّ عَنْ مَالِك بْن أَنَس عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر &quot; لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُول اللَّه أُسْوَة حَسَنَة &quot; قَالَ : فِي جُوع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; ذَكَرَهُ الْخَطِيب أَبُو بَكْر أَحْمَد وَقَالَ : تَفَرَّدَ بِهِ عُقْبَة بْن حَسَّان عَنْ مَالِك , وَلَمْ أَكْتُبهُ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد . 

قَوْله تَعَالَى &quot; أُسْوَة &quot; الْأُسْوَة الْقُدْوَة . وَالْأُسْوَة مَا يُتَأَسَّى بِهِ ; أَيْ يُتَعَزَّى بِهِ . فَيُقْتَدَى بِهِ فِي جَمِيع أَفْعَاله وَيُتَعَزَّى بِهِ فِي جَمِيع أَحْوَاله ; فَلَقَدْ شُجَّ وَجْهه , وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَته , وَقُتِلَ عَمّه حَمْزَة , وَجَاعَ بَطْنه , وَلَمْ يُلْفَ إِلَّا صَابِرًا مُحْتَسِبًا , وَشَاكِرًا رَاضِيًا . وَعَنْ أَنَس بْن مَالِك عَنْ أَبِي طَلْحَة قَالَ : شَكَوْنَا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُوع وَرَفَعْنَا عَنْ بُطُوننَا عَنْ حَجَر حَجَر ; فَرَفَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَجَرَيْنِ . خَرَّجَهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ وَقَالَ فِيهِ : حَدِيث غَرِيب . وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا شُجَّ : ( اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) وَقَدْ تَقَدَّمَ . 

وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْأُسْوَة بِالرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَام , هَلْ هِيَ عَلَى الْإِيجَاب أَوْ عَلَى الِاسْتِحْبَاب ; عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدهمَا : عَلَى الْإِيجَاب حَتَّى يَقُوم دَلِيل عَلَى الِاسْتِحْبَاب . الثَّانِي : عَلَى الِاسْتِحْبَاب حَتَّى يَقُوم دَلِيل عَلَى الْإِيجَاب . وَيَحْتَمِل أَنْ يُحْمَل عَلَى الْإِيجَاب فِي أُمُور الدِّين , وَعَلَى الِاسْتِحْبَاب فِي أُمُور الدُّنْيَا .

قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : الْمَعْنَى لِمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّه بِإِيمَانِهِ وَيُصَدِّق بِالْبَعْثِ الَّذِي فِيهِ جَزَاء الْأَفْعَال . وَقِيلَ : أَيْ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو ثَوَاب اللَّه فِي الْيَوْم الْآخِر . وَلَا يَجُوز عِنْد الْحُذَّاق مِنْ النَّحْوِيِّينَ أَنْ يَكْتُب &quot; يَرْجُو &quot; إِلَّا بِغَيْرِ أَلِف إِذَا كَانَ لِوَاحِدٍ ; لِأَنَّ الْعِلَّة الَّتِي فِي الْجَمْع لَيْسَتْ فِي الْوَاحِد . 

‎وَقِيلَ : إِنَّ &quot; لِمَنْ &quot; بَدَل مِنْ قَوْله : &quot; لَكُمْ &quot; وَلَا يُجِيزهُ الْبَصْرِيُّونَ ; لِأَنَّ الْغَائِب لَا يُبْدَل مِنْ الْمُخَاطَب , وَإِنَّمَا اللَّام مِنْ &quot; لِمَنْ &quot; مُتَعَلِّقَة ب &quot; حَسَنَة &quot; , و &quot; أُسْوَة &quot; اِسْم &quot; كَانَ &quot; و &quot; لَكُمْ &quot; الْخَبَر . وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ أُرِيدَ بِهَذَا الْخِطَاب عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدهمَا : الْمُنَافِقُونَ ; عَطْفًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ خِطَابهمْ . الثَّانِي : الْمُؤْمِنُونَ ; لِقَوْلِهِ : &quot; لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّه وَالْيَوْم الْآخِر &quot;

خَوْفًا مِنْ عِقَابه , وَرَجَاء لِثَوَابِهِ .';
$TAFSEER['4']['33']['22'] = 'وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول : &quot; رَاءٍ &quot; عَلَى الْقَلْب . &quot; قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّه &quot; يُرِيد قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْبَقَرَة : &quot; أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّة وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَل الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلكُمْ &quot; [ الْبَقَرَة : 214 ] الْآيَة . فَلَمَّا رَأَوْا الْأَحْزَاب يَوْم الْخَنْدَق فَقَالُوا : &quot; هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّه وَرَسُوله &quot; , قَالَهُ قَتَادَة . وَقَوْل ثَانٍ رَوَاهُ كُثَيْر بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه قَالَ : خَطَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام ذُكِرَتْ الْأَحْزَاب فَقَالَ : ( أَخْبَرَنِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَة عَلَيْهَا - يَعْنِي عَلَى قُصُور الْحِيرَة وَمَدَائِن كِسْرَى - فَأَبْشِرُوا بِالنَّصْرِ ) فَاسْتَبْشَرَ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا : الْحَمْد لِلَّهِ , مَوْعِد صَادِق , إِذْ وَعَدَنَا بِالنَّصْرِ بَعْد الْحَصْر . فَطَلَعَتْ الْأَحْزَاب فَقَالَ الْمُومِنُونَ : &quot; هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّه وَرَسُوله &quot; . ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . و &quot; مَا وَعَدَنَا &quot; إِنْ جَعَلْت &quot; مَا &quot; بِمَعْنَى الَّذِي فَالْهَاء مَحْذُوفَة . وَإِنْ جَعَلْتهَا مَصْدَرًا لَمْ تَحْتَجْ إِلَى عَائِد

قَالَ الْفَرَّاء : وَمَا زَادَهُمْ النَّظَر إِلَى الْأَحْزَاب . وَقَالَ عَلِيّ بْن سُلَيْمَان : &quot; رَأَى &quot; يَدُلّ عَلَى الرُّؤْيَة , وَتَأْنِيث الرُّؤْيَة غَيْر حَقِيقِيّ , وَالْمَعْنَى : مَا زَادَهُمْ الرُّؤْيَة إِلَّا إِيمَانًا بِالرَّبِّ وَتَسْلِيمًا , قَالَهُ الْحَسَن . وَلَوْ قَالَ : مَا زَادُوهُمْ لَجَازَ . وَلَمَّا اِشْتَدَّ الْأَمْر عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَطَالَ الْمُقَام فِي الْخَنْدَق , قَامَ عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى التَّلّ الَّذِي عَلَيْهِ مَسْجِد الْفَتْح فِي بَعْض اللَّيَالِي , وَتَوَقَّعَ مَا وَعَدَهُ اللَّه مِنْ النَّصْر وَقَالَ : ( مَنْ يَذْهَب لِيَأْتِيَنَا بِخَبَرِهِمْ وَلَهُ الْجَنَّة ) فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَد . وَقَالَ ثَانِيًا وَثَالِثًا فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَد , فَنَظَرَ إِلَى جَانِبه وَقَالَ : ( مَنْ هَذَا ) ؟ فَقَالَ حُذَيْفَة . فَقَالَ : ( أَلَمْ تَسْمَع كَلَامِي مُنْذُ اللَّيْلَة ) ؟ قَالَ حُذَيْفَة : فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه , مَنَعَنِي أَنْ أُجِيبك الضُّرّ وَالْقُرّ . قَالَ : ( اِنْطَلِقْ حَتَّى تَدْخُل فِي الْقَوْم فَتَسْمَع كَلَامهمْ وَتَأْتِينِي بِخَبَرِهِمْ . اللَّهُمَّ اِحْفَظْهُ مِنْ بَيْن يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفه وَعَنْ يَمِينه وَعَنْ شِمَاله حَتَّى تَرُدّهُ إِلَيَّ , اِنْطَلِقْ وَلَا تُحْدِث شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي ) . فَانْطَلَقَ حُذَيْفَة بِسِلَاحِهِ , وَرَفَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَده يَقُول : ( يَا صَرِيخ الْمَكْرُوبِينَ وَيَا مُجِيب الْمُضْطَرِّينَ اِكْشِفْ هَمِّي وَغَمِّي وَكَرْبِي فَقَدْ تَرَى حَالِي وَحَال أَصْحَابِي ) فَنَزَلَ جِبْرِيل وَقَالَ : ( إِنَّ اللَّه قَدْ سَمِعَ دَعْوَتك وَكَفَاك هَوْل عَدُوّك ) فَخَرَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَبَسَطَ يَدَيْهِ وَأَرْخَى عَيْنَيْهِ وَهُوَ يَقُول : ( شُكْرًا شُكْرًا كَمَا رَحِمْتنِي وَرَحِمْت أَصْحَابِي ) . وَأَخْبَرَهُ جِبْرِيل أَنَّ اللَّه تَعَالَى مُرْسِل عَلَيْهِمْ رِيحًا , فَبَشَّرَ أَصْحَابه بِذَلِكَ قَالَ حُذَيْفَة : فَانْتَهَيْت إِلَيْهِمْ وَإِذَا نِيرَانهمْ تَتَّقِد , فَأَقْبَلَتْ رِيح شَدِيدَة فِيهَا حَصْبَاء فَمَا تَرَكَتْ لَهُمْ نَارًا إِلَّا أَطْفَأَتْهَا وَلَا بِنَاء إِلَّا طَرَحَتْهُ , وَجَعَلُوا يَتَتَرَّسُونَ مِنْ الْحَصْبَاء . وَقَامَ أَبُو سُفْيَان إِلَى رَاحِلَته وَصَاحَ فِي قُرَيْش : النَّجَاء النَّجَاء ! وَفَعَلَ كَذَلِكَ عُيَيْنَة بْن حِصْن وَالْحَارِث بْن عَوْف وَالْأَقْرَع بْن حَابِس . وَتَفَرَّقَتْ الْأَحْزَاب , وَأَصْبَحَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَادَ إِلَى الْمَدِينَة وَبِهِ مِنْ الشَّعَث مَا شَاءَ اللَّه , فَجَاءَتْهُ فَاطِمَة بِغُسْلٍ فَكَانَتْ تَغْسِل رَأْسه , فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ : ( وَضَعْت السِّلَاح وَلَمْ تَضَعهُ أَهْل السَّمَاء , مَا زِلْت أَتْبَعهُمْ حَتَّى , جَاوَزْت بِهِمْ الرَّوْحَاء - ثُمَّ قَالَ - اِنْهَضْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَة ) . وَقَالَ أَبُو - سُفْيَان : مَا زِلْت أَسْمَع قَعْقَعَة السِّلَاح حَتَّى جَاوَزْت الرَّوْحَاء .';
$TAFSEER['4']['33']['23'] = 'رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ , وَصَلُحَ الِابْتِدَاء بِالنَّكِرَةِ لِأَنَّ &quot; صَدَقُوا &quot; فِي مَوْضِع النَّعْت .

&quot; مَنْ &quot; فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ . وَكَذَا &quot; وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر &quot; وَالْخَبَر فِي الْمَجْرُور . وَالنَّحْب : النَّذْر وَالْعَهْد , تَقُول مِنْهُ : نَحَبْت أَنْحُبُ , بِالضَّمِّ . قَالَ الشَّاعِر : وَإِذَا نَحَبَتْ كَلْبٌ عَلَى النَّاس إِنَّهُمْ أَحَقُّ بِتَاجِ الْمَاجِد الْمُتَكَرِّمِ وَقَالَ آخَر : قَدْ نَحَبَ الْمَجْدُ عَلَيْنَا نَحْبَا وَقَالَ آخَر : أَنَحْبٌ فَيُقْضَى أَمْ ضَلَالٌ وَبَاطِلٌ وَرَوَى الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ عَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ عَمِّي أَنَس بْن النَّضْر - سُمِّيت بِهِ - وَلَمْ يَشْهَد بَدْرًا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبُرَ عَلَيْهِ فَقَالَ : أَوَّل مَشْهَد شَهِدَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غِبْت عَنْهُ , أَمَا وَاَللَّه لَئِنْ أَرَانِي اللَّه مَشْهَدًا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَعْد لَيَرَيَنَّ اللَّه مَا أَصْنَعُ . قَالَ : فَهَابَ أَنْ يَقُول غَيْرهَا , فَشَهِدَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أُحُد مِنْ الْعَام الْقَابِل , فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْد بْن مَالِك فَقَالَ : يَا أَبَا عَمْرو أَيْنَ ؟ قَالَ : وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّة ! أَجِدهَا دُون أُحُد , فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ , فَوُجِدَ فِي جَسَده بِضْع وَثَمَانُونَ مَا بَيْن ضَرْبَة وَطَعْنَة وَرَمْيَة . فَقَالَتْ عَمَّتِي الرُّبَيِّع بِنْت النَّضْر : فَمَا عَرَفْت أَخِي إِلَّا بِبَنَانِهِ . وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة &quot; رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّه عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا &quot; لَفْظ التِّرْمِذِيّ , وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَقَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا فِي قَوْله تَعَالَى &quot; مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّه عَلَيْهِ &quot; الْآيَة : مِنْهُمْ طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه ثَبَتَ مَعَ رَسُول , اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُصِيبَتْ , يَده , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَوْجَبَ طَلْحَة الْجَنَّة ) . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْهُ : أَنَّ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لِأَعْرَابِيٍّ جَاهِل : سَلْهُ عَمَّنْ قَضَى نَحْبه مَنْ هُوَ ؟ وَكَانُوا لَا يَجْتَرِئُونَ عَلَى مَسْأَلَته , يُوَقِّرُونَهُ وَيَهَابُونَهُ , فَسَأَلَهُ الْأَعْرَابِيّ فَأَعْرَضَ عَنْهُ , ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ , ثُمَّ إِنِّي اِطَّلَعْت مِنْ بَاب الْمَسْجِد وَعَلَيَّ ثِيَاب خُضْر , فَلَمَّا رَآنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَيْنَ السَّائِل عَمَّنْ قَضَى نَحْبه ) ؟ قَالَ الْأَعْرَابِيّ : أَنَا يَا رَسُول اللَّه . قَالَ : ( هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبه ) قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن غَرِيب لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيث يُونُس بْن بُكَيْر . وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين اِنْصَرَفَ مِنْ أُحُد , مَرَّ عَلَى مُصْعَب بْن عُمَيْر وَهُوَ مَقْتُول عَلَى طَرِيقه , فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُ , ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : &quot; مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّه عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه - إِلَى - تَبْدِيلًا &quot; ثُمَّ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَشْهَد أَنَّ هَؤُلَاءِ شُهَدَاء عِنْد اللَّه يَوْم الْقِيَامَة فَأْتُوهُمْ وَزُورُوهُمْ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُسَلِّم عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا رَدُّوا عَلَيْهِ ) . وَقِيلَ : النَّحْب الْمَوْت , أَيْ مَاتَ عَلَى مَا عَاهَدَ عَلَيْهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَالنَّحْب أَيْضًا الْوَقْت وَالْمُدَّة يُقَال : قَضَى فُلَان نَحْبه إِذَا مَاتَ . وَقَالَ ذُو الرُّمَّة : عَشِيَّةَ فَرَّ الْحَارِثِيُّونَ بَعْد مَا قَضَى نَحْبَهُ فِي مُلْتَقَى الْخَيْلِ هَوْبَرُ وَالنَّحْب أَيْضًا الْحَاجَة وَالْهِمَّة , يَقُول قَائِلهمْ مَا لِي عِنْدهمْ نَحْب , وَلَيْسَ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ . وَالْمَعْنَى فِي هَذَا الْمَوْضِع بِالنَّحْبِ النَّذْر كَمَا قَدَّمْنَا أَوَّلًا , أَيْ مِنْهُمْ مَنْ بَذَلَ جُهْده عَلَى الْوَفَاء بِعَهْدِهِ حَتَّى قُتِلَ , مِثْل حَمْزَة وَسَعْد بْن مُعَاذ وَأَنَس بْن النَّضْر وَغَيْرهمْ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر الشَّهَادَة وَمَا بَدَّلُوا عَهْدهمْ وَنَذْرهمْ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَرَأَ &quot; فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر وَمِنْهُمْ مَنْ بَدَّلَ تَبْدِيلًا &quot; . قَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : وَهَذَا الْحَدِيث عِنْد أَهْل الْعِلْم مَرْدُود , لِخِلَافِهِ الْإِجْمَاعَ , وَلِأَنَّ فِيهِ طَعْنًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالرِّجَال الَّذِينَ مَدَحَهُمْ اللَّه وَشَرَّفَهُمْ بِالصِّدْقِ وَالْوَفَاء , فَمَا يُعْرَف فِيهِمْ مُغَيِّر وَمَا وُجِدَ مِنْ جَمَاعَتهمْ مُبَدِّل , رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ .';
$TAFSEER['4']['33']['24'] = 'أَيْ أَمَرَ اللَّه بِالْجِهَادِ لِيَجْزِيَ الصَّادِقِينَ فِي الْآخِرَة بِصِدْقِهِمْ .

فِي الْآخِرَة

أَيْ إِنْ شَاءَ أَنْ يُعَذِّبهُمْ لَمْ يُوَفِّقهُمْ لِلتَّوْبَةِ , وَإِنْ لَمْ يَشَأْ أَنْ يُعَذِّبهُمْ تَابَ عَلَيْهِمْ قَبْل الْمَوْت .';
$TAFSEER['4']['33']['25'] = 'قَالَ مُحَمَّد بْن عَمْرو يَرْفَعهُ إِلَى عَائِشَة : قَالَتْ &quot; الَّذِينَ كَفَرُوا &quot; هَاهُنَا أَبُو سُفْيَان وَعُيَيْنَة بْن بَدْر , رَجَعَ أَبُو سُفْيَان إِلَى تِهَامَة , وَرَجَعَ عُيَيْنَة إِلَى نَجْد

بِأَنْ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا حَتَّى رَجَعُوا وَرَجَعَتْ بَنُو قُرَيْظَة إِلَى صَيَاصِيهمْ , فَكُفِيَ أَمْر قُرَيْظَة - بِالرُّعْبِ .

أَمْره

لَا يُغْلَب .';
$TAFSEER['4']['33']['26'] = 'يَعْنِي الَّذِينَ عَاوَنُوا الْأَحْزَاب : قُرَيْشًا وَغَطَفَان وَهُمْ بَنُو قُرَيْظَة وَقَدْ مَضَى خَبَرهمْ

أَيْ حُصُونهمْ وَاحِدهَا صِيصَة . قَالَ الشَّاعِر : فَأَصْبَحَتْ الثِّيرَانُ صَرْعَى وَأَصْبَحَتْ نِسَاءُ تَمِيم يَبْتَدِرْنَ الصَّيَاصِيَا وَمِنْهُ قِيلَ لِشَوْكَةِ الْحَائِك الَّتِي بِهَا يُسَوِّي السَّدَاة وَاللُّحْمَة : صِيصَة . قَالَ , دُرَيْد بْن الصِّمَّة : فَجِئْت إِلَيْهِ وَالرِّمَاح تَنُوشهُ كَوَقْعِ الصَّيَاصِي فِي النَّسِيج الْمُمَدَّد وَمِنْهُ : صِيصَة الدِّيك الَّتِي فِي رِجْله . وَصَيَاصِي الْبَقَر قُرُونهَا , لِأَنَّهَا تَمْتَنِع بِهَا . وَرُبَّمَا كَانَتْ تُرَكَّب فِي الرِّمَاح مَكَان الْأَسِنَّة , وَيُقَال : جَذَّ اللَّه صِئْصِئَهُ , أَيْ أَصْله

وَهُمْ الرِّجَال .

وَهُمْ النِّسَاء وَالذُّرِّيَّة , عَلَى مَا تَقَدَّمَ .';
$TAFSEER['4']['33']['27'] = 'بَعْد . قَالَ يَزِيد بْن رُومَان وَابْن زَيْد وَمُقَاتِل : يَعْنِي حُنَيْن , وَلَمْ يَكُونُوا نَالُوهَا , فَوَعَدَهُمْ اللَّه إِيَّاهَا . وَقَالَ قَتَادَة : كُنَّا نَتَحَدَّث أَنَّهَا مَكَّة . وَقَالَ الْحَسَن : هِيَ فَارِس وَالرُّوم . وَقَالَ عِكْرِمَة : كُلّ أَرْض تُفْتَح إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . &quot; وَكَانَ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِيرًا &quot; فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : عَلَى مَا أَرَادَ بِعِبَادِهِ مِنْ نِقْمَة أَوْ عَفْوٍ قَدِيرٌ , قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق . الثَّانِي : عَلَى مَا أَرَادَ أَنْ يَفْتَحهُ مِنْ الْحُصُون وَالْقُرَى قَدِيرٌ , قَالَهُ النَّقَّاش . وَقِيلَ :

مِمَّا وَعَدَكُمُوهُ

لَا تُرَدّ قُدْرَته وَلَا يَجُوز عَلَيْهِ الْعَجْز تَعَالَى . وَيُقَال تَأْسِرُونَ وَتَأْسُرُونَ ( بِكَسْرِ السِّين وَضَمِّهَا ) حَكَاهُ الْفَرَّاء .';
$TAFSEER['4']['33']['28'] = 'قَالَ عُلَمَاؤُنَا : هَذِهِ الْآيَة مُتَّصِلَة : بِمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَنْع مِنْ إِيذَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ قَدْ تَأَذَّى بِبَعْضِ الزَّوْجَات . قِيلَ : سَأَلْنَهُ شَيْئًا مِنْ عَرَض الدُّنْيَا . وَقِيلَ : زِيَادَة فِي النَّفَقَة . وَقِيلَ : آذَيْنَهُ بِغَيْرَةِ بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْض . وَقِيلَ : أُمِرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتِلَاوَةِ هَذِهِ الْآيَة عَلَيْهِنَّ وَتَخْيِيرِهِنَّ بَيْن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . وَقَالَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى , : إِنَّ مَنْ مَلَكَ زَوْجَة فَلَيْسَ عَلَيْهِ تَخْيِيرهَا . أُمِرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخَيِّر نِسَاءَهُ فَاخْتَرْنَهُ . وَجُمْلَة ذَلِكَ أَنَّ اللَّه سُبْحَانه خَيَّرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن أَنْ يَكُون نَبِيًّا مَلَكًا وَعَرَضَ عَلَيْهِ مَفَاتِيح خَزَائِن الدُّنْيَا , وَبَيْن أَنْ يَكُون نَبِيًّا مِسْكِينًا , فَشَاوَرَ جِبْرِيل فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالْمَسْكَنَةِ فَاخْتَارَهَا , فَلَمَّا اِخْتَارَهَا وَهِيَ أَعْلَى الْمَنْزِلَتَيْنِ , أَمَرَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخَيِّر زَوْجَاته , فَرُبَّمَا كَانَ فِيهِنَّ مَنْ يَكْرَه الْمُقَام مَعَهُ عَلَى الشِّدَّة تَنْزِيهًا لَهُ . وَقِيلَ : إِنَّ السَّبَب الَّذِي أُوجِبَ التَّخْيِيرُ لِأَجْلِهِ , أَنَّ اِمْرَأَة مِنْ أَزْوَاجه سَأَلَتْهُ أَنْ يَصُوغ لَهَا حَلْقَة مِنْ ذَهَبٍ , فَصَاغَ لَهَا حَلْقَة مِنْ فِضَّة وَطَلَاهَا بِالذَّهَبِ - وَقِيلَ بِالزَّعْفَرَانِ - فَأَبَتْ إِلَّا أَنْ تَكُون مِنْ ذَهَب , فَنَزَلَتْ آيَة التَّخْيِير فَخَيَّرَهُنَّ , فَقُلْنَ اِخْتَرْنَا اللَّه وَرَسُوله . وَقِيلَ : إِنَّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ اِخْتَارَتْ الْفِرَاق . فَاَللَّه أَعْلَمُ . رَوَى الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَاللَّفْظ لِمُسْلِمٍ - عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : دَخَلَ أَبُو بَكْر يَسْتَأْذِن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَوَجَدَ النَّاس جُلُوسًا بِبَابِهِ لَمْ يُؤْذَن لِأَحَدٍ مِنْهُمْ , قَالَ : فَأُذِنَ لِأَبِي بَكْر فَدَخَلَ , ثُمَّ جَاءَ عُمَر فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ , فَوَجَدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا حَوْله نِسَاؤُهُ وَاجِمًا سَاكِتًا . قَالَ : - فَقَالَ وَاَللَّه لَأَقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِك رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , لَوْ رَأَيْت بِنْت خَارِجَة سَأَلَتْنِي النَّفَقَة فَقُمْت إِلَيْهَا فَوَجَأْت عُنُقهَا , فَضَحِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : &quot; هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَة ) فَقَامَ أَبُو بَكْر إِلَى عَائِشَة يَجَأُ عُنُقَهَا , وَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَة يَجَأُ عُنُقَهَا , كِلَاهُمَا يَقُول : تَسْأَلْنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَيْسَ عِنْده ! ! فَقُلْنَ : وَاَللَّه لَا نَسْأَل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْده . ثُمَّ اِعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة : &quot; يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك - حَتَّى بَلَغَ - لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا &quot; . قَالَ : فَبَدَأَ بِعَائِشَة فَقَالَ : ( يَا عَائِشَة , إِنِّي أُرِيد أَنْ أَعْرِض عَلَيْك أَمْرًا أُحِبّ أَلَّا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْك ) قَالَتْ : وَمَا هُوَ يَا رَسُول اللَّه ؟ فَتَلَا عَلَيْهَا الْآيَة . قَالَتْ : أَفِيك يَا رَسُول اللَّه أَسْتَشِير أَبَوَيَّ ! بَلْ أَخْتَار اللَّه وَرَسُوله وَالدَّار الْآخِرَة , وَأَسْأَلك أَلَّا تُخْبِر أَمْرَأَة مِنْ نِسَائِك بِاَلَّذِي قُلْت . قَالَ : ( لَا تَسْأَلنِي اِمْرَأَة مِنْهُنَّ إِلَّا أَخْبَرْتهَا , إِنَّ اللَّه لَمْ يَبْعَثنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا ) . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجه بَدَأَ بِي فَقَالَ : ( يَا عَائِشَة , إِنِّي ذَاكِر لَك أَمْرًا فَلَا عَلَيْك أَلَّا تَسْتَعْجِلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك ) قَالَتْ : وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ , قَالَتْ ثُمَّ قَالَ : ( إِنَّ اللَّه يَقُول : &quot; يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعكُنَّ وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا - حَتَّى بَلَغَ - لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا &quot; فَقُلْت : أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِر أَبَوَيَّ ! فَإِنِّي أُرِيد اللَّه وَرَسُوله وَالدَّار الْآخِرَة , وَفَعَلَ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فَعَلَتْ . قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح قَالَ الْعُلَمَاء : وَأَمَّا أَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَة أَنْ تُشَاوِر أَبَوَيْهَا لِأَنَّهُ كَانَ يُحِبّهَا , وَكَانَ يَخَاف أَنْ يَحْمِلهَا فَرْط الشَّبَاب عَلَى أَنْ تَخْتَار فِرَاقه , وَيَعْلَم مِنْ أَبَوَيْهَا أَنَّهُمَا لَا يُشِيرَانِ عَلَيْهَا بِفِرَاقِهِ .


كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاج , مِنْهُنَّ مَنْ دَخَلَ بِهَا , وَمِنْهُنَّ مَنْ عَقَدَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَدْخُل بِهَا , وَمِنْهُنَّ مَنْ خَطَبَهَا فَلَمْ يُتِمّ نِكَاحه مَعَهَا . فَأَوَّلهنَّ : خَدِيجَة بِنْت خُوَيْلِد بْن أَسَد بْن عَبْد الْعُزَّى بْن قُصَيّ بْن كِلَاب . وَكَانَتْ قَبْله عِنْد أَبِي هَالَة وَاسْمه زُرَارَة بْن النَّبَّاش الْأَسَدِيّ , وَكَانَتْ قَبْله عِنْد عَتِيق بْن عَائِذ , وَلَدَتْ مِنْهُ غُلَامًا اِسْمه عَبْد مَنَاف . وَوَلَدَتْ مِنْ أَبِي هَالَة هِنْد بْن أَبِي هَالَة , وَعَاشَ إِلَى زَمَن الطَّاعُون فَمَاتَ فِيهِ . وَيُقَال : إِنَّ الَّذِي عَاشَ إِلَى زَمَن الطَّاعُون هِنْد بْن هِنْد , وَسُمِعَتْ نَادِبَتُهُ تَقُول حِين مَاتَ : وَاهِنْدُ بْن هِنْدَاهُ , وَارَبِيبَ رَسُولِ اللَّه . وَلَمْ يَتَزَوَّج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَدِيجَة غَيْرهَا حَتَّى مَاتَتْ . وَكَانَتْ يَوْم تَزَوَّجَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنْت أَرْبَعِينَ سَنَة , وَتُوُفِّيَتْ بَعْد أَنْ مَضَى مِنْ النُّبُوَّة سَبْع سِنِينَ , وَقِيلَ : عَشْر . أَوْ كَانَ لَهَا حِين تُوُفِّيَتْ خَمْس وَسِتُّونَ سَنَة . وَهِيَ أَوَّل اِمْرَأَة آمَنَتْ بِهِ . وَجَمِيعُ أَوْلَادِهِ مِنْهَا غَيْرَ إِبْرَاهِيمَ . قَالَ حَكِيم بْن حِزَام : تُوُفِّيَتْ خَدِيجَة فَخَرَجْنَا بِهَا مِنْ مَنْزِلهَا حَتَّى دَفَنَّاهَا بِالْحَجُونِ , وَنَزَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُفْرَتهَا , وَلَمْ تَكُنْ يَوْمئِذٍ سُنَّة الْجِنَازَة الصَّلَاة عَلَيْهَا . 

وَمِنْهُنَّ : سَوْدَة بِنْت زَمْعَة بْن قَيْس بْن عَبْد شَمْس الْعَامِرِيَّة , أَسْلَمَتْ قَدِيمًا وَبَايَعَتْ , وَكَانَتْ عِنْد اِبْن عَمّ لَهَا يُقَال لَهُ السَّكْرَان بْن عَمْرو , وَأَسْلَمَ أَيْضًا , وَهَاجَرَا جَمِيعًا إِلَى أَرْض الْحَبَشَة فِي الْهِجْرَة الثَّانِيَة , فَلَمَّا قَدِمَا مَكَّة مَاتَ زَوْجهَا . وَقِيلَ : مَاتَ بِالْحَبَشَةِ , فَلَمَّا حَلَّتْ خَطَبَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ بِهَا بِمَكَّة , وَهَاجَرَ بِهَا إِلَى الْمَدِينَة , فَلَمَّا كَبِرَتْ أَرَادَ طَلَاقهَا فَسَأَلَتْهُ أَلَّا يَفْعَل وَأَنْ يَدَعهَا فِي نِسَائِهِ , وَجَعَلَتْ لَيْلَتهَا لِعَائِشَة حَسْبَمَا هُوَ مَذْكُور فِي الصَّحِيح فَأَمْسَكَهَا , وَتُوُفِّيَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي شَوَّال سَنَة أَرْبَع وَخَمْسِينَ . 

وَمِنْهُنَّ : عَائِشَة بِنْت أَبِي بَكْر الصِّدِّيق , وَكَانَتْ مُسَمَّاة لِجُبَيْرِ بْن مُطْعِم , فَخَطَبَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ أَبُو بَكْر : يَا رَسُول اللَّه , دَعْنِي أَسُلّهَا مِنْ جُبَيْر سَلًّا رَفِيقًا , فَتَزَوَّجَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة قَبْل الْهِجْرَة بِسَنَتَيْنِ , وَقِيلَ بِثَلَاثِ سِنِينَ , وَبَنَى بِهَا بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ بِنْت تِسْع , وَبَقِيَتْ عِنْده تِسْع سِنِينَ , وَمَاتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بِنْت ثَمَان عَشْرَة , وَلَمْ يَتَزَوَّج بِكْرًا غَيْرهَا . وَمَاتَتْ سَنَة تِسْع وَخَمْسِينَ , وَقِيلَ ثَمَان وَخَمْسِينَ . 

وَمِنْهُنَّ : حَفْصَة بِنْت عُمَر بْن الْخَطَّاب الْقُرَشِيَّة الْعَدَوِيَّة , تَزَوَّجَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ طَلَّقَهَا , فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ : ( إِنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تُرَاجِع حَفْصَة فَإِنَّهَا صَوَّامَة قَوَّامَة ) فَرَاجَعَهَا . قَالَ الْوَاقِدِيّ : وَتُوُفِّيَتْ فِي شَعْبَان سَنَة خَمْس وَأَرْبَعِينَ فِي خِلَافَة مُعَاوِيَة , وَهِيَ اِبْنَة سِتِّينَ سَنَة . وَقِيلَ : مَاتَتْ فِي خِلَافَة عُثْمَان بِالْمَدِينَةِ . 

وَمِنْهُنَّ : أُمّ سَلَمَة , وَاسْمهَا هِنْد بِنْت أَبِي أُمَيَّة الْمَخْزُومِيَّة - وَاسْم أَبِي أُمَيَّة سُهَيْل - تَزَوَّجَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّال سَنَة أَرْبَع , زَوَّجَهَا مِنْهُ اِبْنهَا سَلَمَة عَلَى الصَّحِيح , وَكَانَ عُمَر اِبْنهَا صَغِيرًا , وَتُوُفِّيَتْ فِي سَنَة تِسْع وَخَمْسِينَ . وَقِيلَ : سَنَة ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ , وَالْأَوَّل أَصَحُّ . وَصَلَّى عَلَيْهَا سَعِيد بْن زَيْد . وَقِيلَ أَبُو هُرَيْرَة . وَقُبِرَتْ بِالْبَقِيعِ وَهِيَ اِبْنَة أَرْبَع وَثَمَانِينَ سَنَة . 

وَمِنْهُنَّ , أُمّ حَبِيبَة , وَاسْمهَا رَمْلَة بِنْت أَبِي سُفْيَان . بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرو بْن أُمَيَّة الضَّمْرِيّ إِلَى النَّجَاشِيّ , لِيَخْطُب عَلَيْهِ أُمّ حَبِيبَة فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا , وَذَلِكَ سَنَة سَبْع مِنْ الْهِجْرَة , وَأَصْدَقَ النَّجَاشِيّ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعمِائَةِ دِينَار , وَبَعَثَ بِهَا مَعَ شُرَحْبِيل بْن حَسَنَة , وَتُوُفِّيَتْ سَنَة أَرْبَع وَأَرْبَعِينَ . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : كَانَتْ أُمّ حَبِيبَة تَحْت عُبَيْد اللَّه بْن جَحْش فَمَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَة عَلَى النَّصْرَانِيَّة , فَزَوَّجَهَا النَّجَاشِيّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ أَرْبَعَة آلَاف , وَبَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ مَعَ شُرَحْبِيل بْن حَسَنَة . 

وَمِنْهُنَّ : زَيْنَب بِنْت جَحْش بْن رِئَاب الْأَسَدِيَّة , وَكَانَ اِسْمهَا بَرَّة فَسَمَّاهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَب , وَكَانَ اِسْم أَبِيهَا بُرَّة , فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه , بَدِّلْ اِسْمَ أَبِي فَإِنَّ الْبُرَّة حَقِيرَةٌ , فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْ كَانَ أَبُوك مُؤْمِنًا سَمَّيْنَاهُ بِاسْمِ رَجُل مِنَّا أَهْل الْبَيْت وَلَكِنِّي قَدْ سَمَّيْته جَحْشًا وَالْجَحْش مِنْ الْبُرَّة ) ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيث الدَّارَقُطْنِيّ . تَزَوَّجَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فِي سَنَة خَمْس مِنْ الْهِجْرَة , وَتُوُفِّيَتْ سَنَة عِشْرِينَ , وَهِيَ بِنْت ثَلَاث وَخَمْسِينَ . 

وَمِنْهُنَّ : زَيْنَب بِنْت خُذَيْمَة بْن الْحَارِث بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن عَبْد مَنَاف بْن هِلَال بْن عَامِر بْن صَعْصَعَة الْهِلَالِيَّة , كَانَتْ تُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّة أُمّ الْمَسَاكِين , لِإِطْعَامِهَا إِيَّاهُمْ . تَزَوَّجَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَان عَلَى رَأْس وَاحِد وَثَلَاثِينَ شَهْرًا مِنْ الْهِجْرَة , فَمَكَثَتْ عِنْده ثَمَانِيَة أَشْهُر , وَتُوُفِّيَتْ فِي حَيَاته فِي آخِر رَبِيع الْأَوَّل عَلَى رَأْس تِسْعَة وَثَلَاثِينَ شَهْرًا , وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ . 

‎وَمِنْهُنَّ : جُوَيْرِيَة بِنْت الْحَارِث بْن أَبِي ضِرَار الْخُزَاعِيَّة الْمُصْطَلِقِيَّة , أَصَابَهَا فِي غَزْوَة بَنِي الْمُصْطَلِق فَوَقَعَتْ فِي سَهْم ثَابِت بْن قَيْس بْن شَمَّاس فَكَاتَبَهَا , فَقَضَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابَتهَا وَتَزَوَّجَهَا , وَذَلِكَ فِي شَعْبَان سَنَة سِتّ , وَكَانَ اِسْمهَا بَرَّة فَسَمَّاهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُوَيْرِيَة , وَتُوُفِّيَتْ فِي رَبِيع الْأَوَّل سَنَة سِتّ وَخَمْسِينَ . وَقِيلَ : سَنَة خَمْسِينَ وَهِيَ اِبْنَة خَمْس وَسِتِّينَ . 

وَمِنْهُنَّ : صَفِيَّة بِنْت حُيَيّ بْن أَخْطَبَ الْهَارُونِيَّة , سَبَاهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم خَيْبَر وَاصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ , وَأَسْلَمَتْ وَأَعْتَقَهَا , وَجَعَلَ عِتْقهَا صَدَاقهَا . وَفِي الصَّحِيح : أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي سَهْم دِحْيَة الْكَلْبِيّ فَاشْتَرَاهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُس , وَمَاتَتْ فِي سَنَة اِثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ . وَقِيلَ : سَنَة اِثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ , وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ . 

وَمِنْهُنَّ : رَيْحَانَة بِنْت زَيْد بْن عَمْرو بْن خُنَافَة مِنْ بَنِي النَّضِير , سَبَاهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْتَقَهَا , وَتَزَوَّجَهَا فِي سَنَة سِتّ , وَمَاتَتْ مَرْجِعه مِنْ حَجَّة الْوَدَاع , فَدَفَنَهَا بِالْبَقِيعِ . وَقَالَ الْوَاقِدِيّ : مَاتَتْ سَنَة سِتّ عَشْرَة وَصَلَّى عَلَيْهَا عُمَر . قَالَ أَبُو الْفَرَج الْجَوْزِيّ : وَقَدْ سَمِعْت مَنْ يَقُول : إِنَّهُ كَانَ يَطَؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِين وَلَمْ يُعْتِقهَا . 

قُلْت : وَلِهَذَا وَاَللَّه أَعْلَمُ لَمْ يَذْكُرهَا أَبُو الْقَاسِم عَبْد الرَّحْمَن السُّهَيْلِيّ فِي عِدَاد أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 

‎وَمِنْهُنَّ : مَيْمُونَة بِنْت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة , تَزَوَّجَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَرِفٍ عَلَى عَشَرَة أَمْيَال مِنْ مَكَّة , وَذَلِكَ فِي سَنَة سَبْع مِنْ الْهِجْرَة فِي عُمْرَة الْقَضِيَّة , وَهِيَ آخِر اِمْرَأَة تَزَوَّجَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدَّرَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهَا مَاتَتْ فِي الْمَكَان الَّذِي بَنَى فِيهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا , وَدُفِنَتْ هُنَالِكَ , وَذَلِكَ فِي سَنَة إِحْدَى وَسِتِّينَ . وَقِيلَ : ثَلَاث وَسِتِّينَ . وَقِيلَ ثَمَان وَسِتِّينَ . 

فَهَؤُلَاءِ الْمَشْهُورَات مِنْ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُنَّ اللَّاتِي دَخَلَ بِهِنَّ , رَضِيَ اللَّه عَنْهُنَّ . فَأَمَّا مَنْ تَزَوَّجَهُنَّ وَلَمْ يَدْخُل بِهِنَّ فَمِنْهُنَّ : الْكِلَابِيَّة . وَاخْتَلَفُوا فِي اِسْمهَا , فَقِيلَ فَاطِمَة . وَقِيلَ عَمْرَة . وَقِيلَ الْعَالِيَة . قَالَ الزُّهْرِيّ : تَزَوَّجَ فَاطِمَة بِنْت الضَّحَّاك الْكِلَابِيَّة فَاسْتَعَاذَتْ مِنْهُ فَطَلَّقَهَا , وَكَانَتْ تَقُول : أَنَا الشَّقِيَّة . تَزَوَّجَهَا فِي ذِي الْقَعْدَة سَنَة ثَمَان مِنْ الْهِجْرَة , وَتُوُفِّيَتْ سَنَة سِتِّينَ . 

وَمِنْهُنَّ : أَسْمَاء بِنْت النُّعْمَان بْن الْجَوْن بْن الْحَارِث الْكِنْدِيَّة , وَهِيَ الْجَوْنِيَّة . قَالَ قَتَادَة : لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا دَعَاهَا فَقَالَتْ : تَعَالَ أَنْتَ , فَطَلَّقَهَا . وَقَالَ غَيْره : هِيَ الَّتِي اِسْتَعَاذَتْ مِنْهُ . وَفِي الْبُخَارِيّ قَالَ : تَزَوَّجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَيْمَة بِنْت شَرَاحِيل , فَلَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ بَسَطَ يَده إِلَيْهَا فَكَأَنَّهَا كَرِهَتْ ذَلِكَ , فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْد أَنْ يُجَهِّزهَا وَيَكْسُوهَا ثَوْبَيْنِ . وَفِي لَفْظ آخَر قَالَ أَبُو أُسَيْد : أُتِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَوْنِيَّة , فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا قَالَ : ( هَبِي لِي نَفْسك ) فَقَالَتْ : وَهَلْ تَهَب الْمَلِكَةُ نَفْسهَا لِلسُّوقَةِ فَأَهْوَى بِيَدِهِ لِيَضَعهَا عَلَيْهَا لِتَسْكُن , فَقَالَتْ : أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْك فَقَالَ : ( قَدْ عُذْت بِمَعَاذٍ ) ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ : ( يَا أَبَا أُسَيْد , اُكْسُهَا رَازِقِيَّيْنِ وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا ) . 

وَمِنْهُنَّ : قُتَيْلَة بِنْت قَيْس , أُخْت الْأَشْعَث بْن قَيْس , زَوَّجَهَا إِيَّاهُ الْأَشْعَث , ثُمَّ اِنْصَرَفَ إِلَى حَضْرَمَوْت , فَحَمَلَهَا إِلَيْهِ فَبَلَغَهُ وَفَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّهَا إِلَى بِلَاده , فَارْتَدَّ وَارْتَدَّتْ مَعَهُ . ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عِكْرِمَة بْن أَبِي جَهْل , فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو بَكْر وَجْدًا شَدِيدًا . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : إِنَّهَا وَاَللَّه مَا هِيَ مِنْ أَزْوَاجه , مَا خَيَّرَهَا وَلَا حَجَّبَهَا . وَلَقَدْ بَرَّأَهَا اللَّه مِنْهُ بِالِارْتِدَادِ . وَكَانَ عُرْوَة يُنْكِر أَنْ يَكُون تَزَوَّجَهَا . 

وَمِنْهُنَّ : أُمّ شَرِيك الْأَزْدِيَّة , وَاسْمهَا غُزَيَّة بِنْت جَابِر بْن حَكِيم , وَكَانَتْ قَبْله عِنْد أَبِي بَكْر بْن أَبِي سَلْمَى , فَطَلَّقَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَدْخُل بِهَا . وَهِيَ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسهَا . وَقِيلَ : إِنَّ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَوْلَة بِنْت حَكِيم . 

وَمِنْهُنَّ : خَوْلَة بِنْت الْهُزَيْل بْن هُبَيْرَة , تَزَوَّجَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَهَلَكَتْ قَبْل أَنْ تَصِل إِلَيْهِ . 

وَمِنْهُنَّ : شَرَاف بِنْت خَلِيفَة , أُخْت دِحْيَة , تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَدْخُل بِهَا . 

‎وَمِنْهُنَّ لَيْلَى بِنْت الْخَطِيم , أُخْت قَيْس , تَزَوَّجَهَا وَكَانَتْ غَيُورًا فَاسْتَقَالَتْهُ فَأَقَالَهَا . 

وَمِنْهُنَّ : عَمْرَة بِنْت مُعَاوِيَة الْكِنْدِيَّة , تَزَوَّجَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّعْبِيّ : تَزَوَّجَ اِمْرَأَة مِنْ كِنْدَة فَجِيءَ بِهَا بَعْد مَا مَاتَ . 

وَمِنْهُنَّ : اِبْنَة جُنْدُب بْن ضَمْرَة الْجُنْدُعِيَّة . قَالَ بَعْضهمْ : تَزَوَّجَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ بَعْضهمْ وُجُود ذَلِكَ . 

‎وَمِنْهُنَّ : الْغِفَارِيَّة . قَالَ بَعْضهمْ : تَزَوَّجَ اِمْرَأَة مِنْ غِفَار , فَأَمَرَهَا فَنَزَعَتْ ثِيَابهَا فَرَأَى بَيَاضًا فَقَالَ : ( اِلْحَقِي بِأَهْلِك ) . وَيُقَال : إِنَّمَا رَأَى الْبَيَاض بِالْكِلَابِيَّة . فَهَؤُلَاءِ اللَّاتِي , عَقَدَ عَلَيْهِنَّ وَلَمْ يَدْخُل بِهِنَّ , صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 

فَأَمَّا مَنْ خَطَبَهُنَّ فَلَمْ يَتِمّ نِكَاحه مَعَهُنَّ , وَمَنْ وَهَبَتْ لَهُ نَفْسهَا : 

فَمِنْهُنَّ : أُمّ هَانِئ بِنْت أَبِي طَالِب , وَاسْمهَا فَاخِتَة . خَطَبَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : إِنِّي اِمْرَأَة مُصْبِيَة وَاعْتَذَرَتْ إِلَيْهِ فَعَذَرَهَا . 

وَمِنْهُنَّ : ضُبَاعَة بِنْت عَامِر . 

وَمِنْهُنَّ : صَفِيَّة بِنْت بَشَامَة بْن نَضْلَة , خَطَبَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَصَابَهَا سِبَاء , فَخَيَّرَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : ( إِنْ شِئْت أَنَا وَإِنْ شِئْت زَوْجك ) ؟ قَالَتْ : زَوْجِي . فَأَرْسَلَهَا , فَلَعَنَتْهَا بَنُو تَمِيم , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . 

وَمِنْهُنَّ : أُمّ شَرِيك . وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرهَا . 

وَمِنْهُنَّ : لَيْلَى بِنْت الْخَطِيم , وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرهَا . 

وَمِنْهُنَّ : خَوْلَة بِنْت حَكِيم بْن أُمَيَّة , وَهَبَتْ نَفْسهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْجَأَهَا , فَتَزَوَّجَهَا عُثْمَان بْن مَظْعُون . 

وَمِنْهُنَّ : جَمْرَة بِنْت الْحَارِث بْن عَوْف الْمُرِّيّ , خَطَبَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُوهَا : إِنَّ بِهَا سُوءًا وَلَمْ يَكُنْ بِهَا , فَرَجَعَ إِلَيْهَا أَبُوهَا وَقَدْ بَرِصَتْ , وَهِيَ أُمّ شَبِيب بْن الْبَرْصَاء الشَّاعِر . 

وَمِنْهُنَّ : سَوْدَة الْقُرَشِيَّة , خَطَبَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ مُصْبِيَة . فَقَالَتْ : أَخَاف أَنْ يَضْغُوَ صِبْيَتِي عِنْد رَأْسك . فَحَمِدَهَا وَدَعَا لَهَا . 

‎وَمِنْهُنَّ : اِمْرَأَة لَمْ يُذْكَر اِسْمهَا . قَالَ مُجَاهِد : خَطَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِمْرَأَة فَقَالَتْ : أَسْتَأْمِر أَبِي . فَلَقِيَتْ أَبَاهَا فَأَذِنَ لَهَا , فَلَقِيَتْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( قَدْ اِلْتَحَفْنَا لِحَافًا غَيْرَك ) . فَهَؤُلَاءِ جَمِيع أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَكَانَ لَهُ مِنْ السَّرَارِيّ سُرِّيَّتَانِ : مَارِيَة الْقِبْطِيَّة , وَرَيْحَانَة , فِي قَوْل قَتَادَة . وَقَالَ غَيْره : كَانَ لَهُ أَرْبَع : مَارِيَة , وَرَيْحَانَة , وَأُخْرَى جَمِيلَة أَصَابَهَا فِي السَّبْي , وَجَارِيَة وَهَبَتْهَا لَهُ زَيْنَب بِنْت جَحْش .

&quot; إِنْ &quot; شَرْط , وَجَوَابه &quot; فَتَعَالَيْنَ &quot; , فَعَلَّقَ التَّخْيِير عَلَى شَرْط . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ التَّخْيِير وَالطَّلَاق الْمُعَلَّقَيْنِ عَلَى شَرْط صَحِيحَانِ , فَيُنْفَذَانِ وَيَمْضِيَانِ , خِلَافًا لِلْجُهَّالِ الْمُبْتَدِعَة الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الرَّجُل إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ طَالِق إِنْ دَخَلْت الدَّار , أَنَّهُ لَا يَقَع الطَّلَاق إِنْ دَخَلَتْ الدَّار , لِأَنَّ الطَّلَاق الشَّرْعِيّ هُوَ الْمُنَجَّز فِي الْحَال لَا غَيْر .

هُوَ جَوَاب الشَّرْط , وَهُوَ فِعْل جَمَاعَة النِّسَاء , مِنْ قَوْلِكَ &quot; تَعَالَى &quot; , وَهُوَ دُعَاء إِلَى الْإِقْبَال إِلَيْهِ يُقَال : تَعَالَ بِمَعْنَى أَقْبِلْ , وُضِعَ لِمَنْ لَهُ جَلَالَة وَرِفْعَة , ثُمَّ صَارَ فِي الِاسْتِعْمَال لِكُلِّ دَاعٍ إِلَى الْإِقْبَال , وَأَمَّا فِي هَذَا الْمَوْضِع فَهُوَ عَلَى أَصْله , فَإِنَّ الدَّاعِي هُوَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

قُرِئَ &quot; أُمَتِّعُكُنَّ &quot; بِضَمِّ الْعَيْن . 

قَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن عُمَر وَجَابِر بْن زَيْد وَالْحَسَن وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَعَطَاء وَإِسْحَاق وَأَصْحَاب الرَّأْي : الْمُتْعَة وَاجِبَة لِلْمُطَلَّقَةِ قَبْل الْبِنَاء وَالْفَرْض , وَمَنْدُوبَة فِي حَقّ غَيْرهَا . وَقَالَ مَالِك وَأَصْحَابه : الْمُتْعَة مَنْدُوب إِلَيْهَا فِي كُلّ مُطَلَّقَة وَإِنْ دُخِلَ بِهَا , إِلَّا فِي الَّتِي لَمْ يُدْخَل بِهَا وَقَدْ فُرِضَ لَهَا فَحَسْبُهَا مَا فُرِضَ لَهَا وَلَا مُتْعَة لَهَا . قَالَ أَبُو ثَوْر : لَهَا الْمُتْعَة وَلِكُلِّ مُطَلَّقَة . وَأَجْمَعَ أَهْل الْعِلْم عَلَى أَنَّ الَّتِي لَمْ يُفْرَض لَهَا وَلَمْ يُدْخَل بِهَا لَا شَيْء لَهَا غَيْر الْمُتْعَة . قَالَ الزُّهْرِيّ : يَقْضِي لَهَا بِهَا الْقَاضِي . وَقَالَ جُمْهُور النَّاس : لَا يَقْضِي بِهَا لَهَا . 

قُلْت : هَذَا الْإِجْمَاع إِنَّمَا هُوَ فِي الْحُرَّة , فَأَمَّا الْأَمَة إِذَا طَلُقَتْ قَبْل الْفَرْض وَالْمَسِيس فَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّ لَهَا الْمُتْعَة . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْرِيّ : لَا مُتْعَة لَهَا لِأَنَّهَا تَكُون لِسَيِّدِهَا وَهُوَ لَا يَسْتَحِقّ مَالًا فِي مُقَابَلَة تَأَذِّي مَمْلُوكَته بِالطَّلَاقِ . وَأَمَّا رَبْط مَذْهَب مَالِك فَقَالَ اِبْن شَعْبَان : الْمُتْعَة بِإِزَاءِ غَمّ الطَّلَاق , وَلِذَلِكَ لَيْسَ لِلْمُخْتَلِعَةِ وَالْمُبَارِئَة وَالْمُلَاعِنَة مُتْعَة قَبْل الْبِنَاء وَلَا بَعْده ; لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي اِخْتَارَتْ الطَّلَاق . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ وَعَطَاء وَالنَّخَعِيّ : لِلْمُخْتَلِعَةِ مُتْعَة . وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي : لِلْمُلَاعِنَةِ مُتْعَة . قَالَ اِبْن الْقَاسِم : وَلَا مُتْعَة فِي نِكَاح مَفْسُوخ . قَالَ اِبْن الْمَوَّاز : وَلَا فِيمَا يَدْخُلهُ الْفَسْخ بَعْد صِحَّة الْعَقْد ; مِثْل مِلْك أَحَد الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ . قَالَ اِبْن الْقَاسِم : وَأَصْل ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : &quot; وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ &quot; فَكَانَ هَذَا الْحُكْم مُخْتَصًّا بِالطَّلَاقِ دُون الْفَسْخ . وَرَوَى اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك أَنَّ الْمُخَيَّرَة لَهَا الْمُتْعَة بِخِلَافِ الْأَمَة تَعْتِق تَحْت الْعَبْد فَتَخْتَار هِيَ نَفْسهَا , فَهَذِهِ لَا مُتْعَة لَهَا . وَأَمَّا الْحُرَّة تُخَيَّر أَوْ تُمَلَّك أَوْ يَتَزَوَّج عَلَيْهَا أَمَة فَتَخْتَار هِيَ نَفْسهَا فِي ذَلِكَ كُلّه فَلَهَا الْمُتْعَة ; لِأَنَّ الزَّوْج سَبَب لِلْفِرَاقِ . 

قَالَ مَالِك : لَيْسَ لِلْمُتْعَةِ عِنْدنَا حَدّ مَعْرُوف فِي قَلِيلهَا وَلَا كَثِيرهَا . وَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي هَذَا ; فَقَالَ اِبْن عُمَر : أَدْنَى مَا يُجْزِئ فِي الْمُتْعَة ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا أَوْ شَبَههَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَرْفَع الْمُتْعَة خَادِم ثُمَّ كِسْوَة ثُمَّ نَفَقَة . عَطَاء : أَوْسَطُهَا الدِّرْع وَالْخِمَار وَالْمِلْحَفَة . أَبُو حَنِيفَة : ذَلِكَ أَدْنَاهَا . وَقَالَ اِبْن مُحَيْرِيز : عَلَى صَاحِب الدِّيوَان ثَلَاثَة دَنَانِير , وَعَلَى الْعَبْد الْمُتْعَة . وَقَالَ الْحَسَن : يُمَتِّع كُلّ بِقَدَرِهِ , هَذَا بِخَادِمٍ وَهَذَا بِأَثْوَابٍ وَهَذَا بِثَوْبٍ وَهَذَا بِنَفَقَةٍ ; وَكَذَلِكَ يَقُول مَالِك بْن أَنَس , وَهُوَ مُقْتَضَى الْقُرْآن فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانه لَمْ يُقَدِّرهَا وَلَا حَدَّدَهَا وَإِنَّمَا قَالَ : &quot; عَلَى الْمُوسِع قَدَره وَعَلَى الْمُقْتِر قَدَره &quot; . وَمَتَّعَ الْحَسَن بْن عَلِيّ بِعِشْرِينَ أَلْفًا وَزِقَاق مِنْ عَسَل . وَمَتَّعَ شُرَيْح بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَم . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ حَالَة الْمَرْأَة مُعْتَبَرَة أَيْضًا ; قَالَهُ بَعْض الشَّافِعِيَّة , قَالُوا : لَوْ اِعْتَبَرْنَا حَال الرَّجُل وَحْده لَزِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ اِمْرَأَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا شَرِيفَة وَالْأُخْرَى دَنِيَّة ثُمَّ طَلَّقَهُمَا قَبْل الْمَسِيس وَلَمْ يُسَمِّ لَهُمَا أَنْ يَكُونَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ فِي الْمُتْعَة فَيَجِب لِلدَّنِيَّةِ مَا يَجِب لِلشَّرِيفَةِ وَهَذَا خِلَاف مَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ &quot; وَيَلْزَم مِنْهُ أَنَّ , الْمُوسِر الْعَظِيم الْيَسَار إِذَا تَزَوَّجَ اِمْرَأَة دَنِيَّة أَنْ يَكُون مِثْلهَا ; لِأَنَّهُ إِذَا طَلَّقَهَا قَبْل الدُّخُول وَالْفَرْض لَزِمَتْهُ الْمُتْعَة عَلَى قَدْر حَال وَمَهْر مِثْلهَا ; فَتَكُون الْمُتْعَة عَلَى هَذَا أَضْعَاف مَهْر مِثْلهَا ; فَتَكُون قَدْ اِسْتَحَقَّتْ قَبْل الدُّخُول أَضْعَاف مَا تَسْتَحِقّهُ بَعْد الدُّخُول مِنْ مَهْر الْمِثْل الَّذِي فِيهِ غَايَة الِابْتِذَال وَهُوَ الْوَطْء . وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي وَغَيْرهمْ : مُتْعَة الَّتِي تَطْلُق قَبْل الدُّخُول وَالْفَرْض نِصْف مَهْر مِثْلهَا لَا غَيْر ; لِأَنَّ مَهْر الْمِثْل مُسْتَحَقّ بِالْعَقْدِ , وَالْمُتْعَة هِيَ بَعْض مَهْر الْمِثْل ; فَيَجِب لَهَا كَمَا يَجِب نِصْف الْمُسَمَّى إِذَا طَلَّقَ قَبْل الدُّخُول , وَهَذَا يَرُدّهُ قَوْله تَعَالَى : &quot; عَلَى الْمُوسِع قَدَره وَعَلَى الْمُقْتِر قَدَره &quot; وَهَذَا دَلِيل عَلَى رَفْض التَّحْدِيد ; وَاَللَّه بِحَقَائِق الْأُمُور عَلِيم . 

مَنْ جَهِلَ الْمُتْعَة حَتَّى مَضَتْ أَعْوَام فَلْيَدْفَعْ ذَلِكَ إِلَيْهَا وَإِنْ تَزَوَّجَتْ , وَإِلَى وَرَثَتهَا إِنْ مَاتَتْ , رَوَاهُ اِبْن الْمَوَّاز عَنْ اِبْن الْقَاسِم . وَقَالَ أَصْبَغ : لَا شَيْء عَلَيْهِ إِنْ مَاتَتْ لِأَنَّهَا تَسْلِيَة لِلزَّوْجَةِ عَنْ الطَّلَاق وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ . وَوَجْه الْأَوَّل أَنَّهُ حَقّ ثَبَتَ عَلَيْهِ وَيَنْتَقِل عَنْهَا إِلَى وَرَثَتهَا كَسَائِرِ الْحُقُوق , وَهَذَا يُشْعِر بِوُجُوبِهَا فِي الْمَذْهَب , وَاَللَّه أَعْلَمُ .

بِضَمِّ الْحَاء عَلَى الِاسْتِئْنَاف . وَالسَّرَاح الْجَمِيل : هُوَ أَنْ يَكُون طَلَاقًا لِلسُّنَّةِ مِنْ غَيْر ضِرَار وَلَا مَنْع وَاجِب لَهَا 

اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي كَيْفِيَّة تَخْيِير النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجه عَلَى قَوْلَيْنِ : الْأَوَّل : أَنَّهُ خَيَّرَهُنَّ بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى فِي الْبَقَاء عَلَى الزَّوْجِيَّة أَوْ الطَّلَاق , فَاخْتَرْنَ الْبَقَاء , قَالَتْهُ عَائِشَة وَمُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَالشَّعْبِيّ وَابْن شِهَاب وَرَبِيعَة . وَمِنْهُنَّ مَنْ قَالَ : إِنَّمَا خَيَّرَهُنَّ بَيْن الدُّنْيَا فَيُفَارِقهُنَّ , وَبَيْن الْآخِرَة فَيُمْسِكهُنَّ , لِتَكُونَ لَهُنَّ الْمَنْزِلَة الْعُلْيَا كَمَا كَانَتْ لِزَوْجِهِنَّ , وَلَمْ يُخَيِّرهُنَّ فِي الطَّلَاق , ذَكَرَهُ الْحَسَن وَقَتَادَة . وَمِنْ الصَّحَابَة عَلِيّ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ أَحْمَد بْن حَنْبَل أَنَّهُ قَالَ : لَمْ يُخَيِّر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ إِلَّا بَيْن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . 

قُلْت : الْقَوْل الْأَوَّل أَصَحُّ , لِقَوْلِ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا لَمَّا سُئِلَتْ عَنْ الرَّجُل يُخَيِّر اِمْرَأَته فَقَالَتْ : قَدْ خَيَّرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَكَانَ طَلَاقًا فِي رِوَايَة : فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَعُدَّهُ طَلَاقًا وَلَمْ يَثْبُت عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا التَّخْيِير الْمَأْمُور بَيْن الْبَقَاء وَالطَّلَاق , لِذَلِكَ قَالَ : ( يَا عَائِشَة إِنِّي ذَاكِر لَك أَمْرًا فَلَا عَلَيْك أَلَّا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك ) الْحَدِيث . وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الِاسْتِئْمَار فِي اِخْتِيَار الدُّنْيَا وَزِينَتهَا عَلَى الْآخِرَة . فَثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِئْمَار إِنَّمَا وَقَعَ فِي الْفُرْقَة , أَوْ النِّكَاح . وَاَللَّه أَعْلَمُ . 

‎وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُخَيَّرَة إِذَا اِخْتَارَتْ زَوْجهَا , فَقَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَغَيْرهمْ وَأَئِمَّة الْفَتْوَى : إِنَّهُ لَا يَلْزَمهُ طَلَاق , لَا وَاحِدَة وَلَا أَكْثَر , هَذَا قَوْل عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَزَيْد بْن ثَابِت وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة . وَمِنْ التَّابِعِينَ عَطَاء وَمَسْرُوق وَسُلَيْمَان بْن يَسَار وَرَبِيعَة وَابْن شِهَاب . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَزَيْد أَيْضًا : إِنْ اِخْتَارَتْ زَوْجهَا فَوَاحِدَة بَائِنَة , وَهُوَ قَوْل الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَاللَّيْث , وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيّ وَالنَّقَّاش عَنْ مَالِك . وَتَعَلَّقُوا بِأَنَّ قَوْله : اِخْتَارِي , كِنَايَة عَنْ إِيقَاع الطَّلَاق , فَإِذَا أَضَافَهُ إِلَيْهَا وَقَعَتْ طَلْقَة , كَقَوْلِهِ : أَنْتِ بَائِن . وَالصَّحِيح الْأَوَّل , لِقَوْلِ عَائِشَة : خَيَّرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَعُدَّهُ عَلَيْنَا طَلَاقًا . أَخْرَجَهُ الصَّحِيحَانِ . قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَحَدِيث عَائِشَة دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُخَيَّرَة إِذَا اِخْتَارَتْ زَوْجهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا , وَيَدُلّ عَلَى أَنَّ اِخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا يُوجِب الطَّلَاق , وَيَدُلّ عَلَى مَعْنًى ثَالِث , وَهُوَ أَنَّ الْمُخَيَّرَة إِذَا اِخْتَارَتْ نَفْسهَا أَنَّهَا تَطْلِيقَة يَمْلِك زَوْجهَا رَجْعَتهَا , إِذْ غَيْر جَائِز أَنْ يُطَلِّق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَهُ اللَّه . وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَر وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس . وَبِهِ قَالَ اِبْن أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيّ وَالشَّافِعِيّ . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ أَنَّهَا إِذَا اِخْتَارَتْ نَفْسهَا أَنَّهَا وَاحِدَة بَائِنَة . وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه . وَرَوَاهُ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد عَنْ مَالِك . وَرُوِيَ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت أَنَّهَا إِذَا اِخْتَارَتْ نَفْسهَا أَنَّهَا ثَلَاث . وَهُوَ قَوْل الْحَسَن الْبَصْرِيّ , وَبِهِ قَالَ مَالِك وَاللَّيْث , لِأَنَّ الْمِلْك إِنَّمَا يَكُون بِذَلِكَ . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهَا إِذَا اِخْتَارَتْ نَفْسهَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ . وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا إِذَا اِخْتَارَتْ زَوْجهَا فَوَاحِدَة رَجْعِيَّة . 

ذَهَبَ جَمَاعَة مِنْ الْمَدَنِيِّينَ وَغَيْرهمْ إِلَى أَنَّ التَّمْلِيك وَالتَّخْيِير سَوَاء , وَالْقَضَاء مَا قَضَتْ فِيهِمَا جَمِيعًا , وَهُوَ قَوْل عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي سَلَمَة . قَالَ اِبْن شَعْبَان : وَقَدْ اِخْتَارَهُ كَثِير مِنْ أَصْحَابنَا , وَهُوَ قَوْل جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْمَدِينَة . قَالَ أَبُو عُمَر : وَعَلَى هَذَا الْقَوْل أَكْثَرُ الْفُقَهَاء . وَالْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب مَالِك الْفَرْق بَيْنهمَا , وَذَلِكَ أَنَّ التَّمْلِيك عِنْد مَالِك وَهُوَ قَوْل الرَّجُل لِامْرَأَتِهِ : قَدْ مَلَّكْتُك , أَيْ قَدْ مَلَّكْتُك مَا جَعَلَ اللَّه لِي مِنْ الطَّلَاق وَاحِدَة أَوْ اِثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا , فَلَمَّا جَازَ أَنْ يُمَلِّكهَا بَعْض ذَلِكَ دُون بَعْض وَادَّعَى ذَلِكَ , كَانَ الْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه إِذَا نَاكَرَهَا . وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْمَدِينَة : لَهُ الْمُنَاكَرَة فِي التَّمْلِيك وَفِي التَّخْيِير سَوَاء فِي الْمَدْخُول بِهَا . وَالْأَوَّل قَوْل مَالِك فِي الْمَشْهُور . وَرَوَى اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد . عَنْ مَالِك أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُنَاكِر الْمُخَيَّرَة فِي الثَّلَاث , وَتَكُون طَلْقَة بَائِنَة كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَة . وَبِهِ قَالَ أَبُو الْجَهْم . قَالَ سَحْنُون : وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابنَا . 

وَتَحْصِيل مَذْهَب مَالِك : أَنَّ الْمُخَيَّرَة إِذَا اِخْتَارَتْ نَفْسهَا وَهِيَ مَدْخُول بِهَا فَهُوَ الطَّلَاق كُلّه , وَإِنْ أَنْكَرَ زَوْجهَا فَلَا نُكْرَة لَهُ . وَإِنْ اِخْتَارَتْ وَاحِدَة فَلَيْسَ بِشَيْءٍ , وَإِنَّمَا الْخِيَار الْبَتَات , إِمَّا أَخَذَتْهُ وَإِمَّا تَرَكَتْهُ , لِأَنَّ مَعْنَى التَّخْيِير التَّسْرِيح , قَالَ اللَّه تَعَالَى فِي آيَة التَّخْيِير : &quot; فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعكُنَّ وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا &quot; فَمَعْنَى التَّسْرِيح الْبَتَات , قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; الطَّلَاق مَرَّتَانِ فَإِمْسَاك بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيح بِإِحْسَانٍ &quot; [ الْبَقَرَة : 229 ] . وَالتَّسْرِيح بِإِحْسَانٍ هُوَ الطَّلْقَة الثَّالِثَة , رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ . وَمِنْ جِهَة الْمَعْنَى أَنَّ قَوْلَهُ : اخْتَارِينِي أَوْ اخْتَارِي نَفْسك يَقْتَضِي أَلَّا يَكُون لَهُ عَلَيْهَا سَبِيل إِذَا اِخْتَارَتْ نَفْسهَا , وَلَا يَمْلِك مِنْهَا شَيْئًا , إِذْ قَدْ جَعَلَ إِلَيْهَا أَنْ تُخْرِج مَا يَمْلِكهُ مِنْهَا أَوْ تُقِيم مَعَهُ إِذَا اِخْتَارَتْهُ , فَإِذَا اِخْتَارَتْ الْبَعْض مِنْ الطَّلَاق لَمْ تَعْمَل بِمُقْتَضَى اللَّفْظ , وَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ خُيِّرَ بَيْن شَيْئَيْنِ فَاخْتَارَ غَيْرهمَا . وَأَمَّا الَّتِي لَمْ يُدْخَل بِهَا فَلَهُ مُنَاكَرَتهَا فِي التَّخْيِير وَالتَّمْلِيك إِذَا زَادَتْ عَلَى وَاحِدَة , لِأَنَّهَا تَبِين فِي الْحَال . 

‎وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة عَنْ مَالِك مَتَى يَكُون لَهَا الْخِيَار , فَقَالَ مَرَّة : لَهَا الْخِيَار مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِس قَبْل الْقِيَام أَوْ الِاشْتِغَال بِمَا يَدُلّ عَلَى الْإِعْرَاض . فَإِنْ لَمْ تَخْتَرْ وَلَمْ تَقْضِ شَيْئًا حَتَّى اِفْتَرَقَا مِنْ مَجْلِسهمَا بَطَلَ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ إِلَيْهَا , وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْفُقَهَاء . وَقَالَ مَرَّة : لَهَا الْخِيَار أَبَدًا مَا لَمْ يُعْلَم أَنَّهَا تَرَكَتْ , وَذَلِكَ يُعْلَم بِأَنْ تُمَكِّنهُ مِنْ نَفْسهَا بِوَطْءٍ أَوْ مُبَاشَرَة , فَعَلَى هَذَا إِنْ مَنَعَتْ نَفْسهَا وَلَمْ تَخْتَرْ شَيْئًا كَانَ لَهُ رَفْعهَا عَلَى الْحَاكِم لِتُوقِعَ أَوْ تُسْقِطَ , فَإِنْ أَبَتْ أَسْقَطَ الْحَاكِم تَمْلِيكهَا . وَعَلَى الْقَوْل الْأَوَّل إِذَا أَخَذَتْ فِي غَيْر ذَلِكَ مِنْ حَدِيث أَوْ عَمَل أَوْ مَشْي أَوْ مَا لَيْسَ فِي التَّخْيِير بِشَيْءٍ كَمَا ذَكَرْنَا سَقَطَ تَخْيِيرهَا . وَاحْتَجَّ بَعْض أَصْحَابنَا لِهَذَا الْقَوْل بِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيْره &quot; [ النِّسَاء : 140 ] . وَأَيْضًا فَإِنَّ الزَّوْج أَطْلَقَ لَهَا الْقَوْل لِيَعْرِف الْخِيَار مِنْهَا , فَصَارَ كَالْعَقْدِ بَيْنهمَا , فَإِنْ قَبِلَتْهُ وَإِلَّا سَقَطَ , كَاَلَّذِي يَقُول : قَدْ وَهَبْت لَك أَوْ بَايَعْتُك , فَإِنْ قَبِلَ وَإِلَّا كَانَ الْمِلْك بَاقِيًا بِحَالِهِ . هَذَا قَوْل الثَّوْرِيّ وَالْكُوفِيِّينَ وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَأَبِي ثَوْر , وَهُوَ اِخْتِيَار اِبْن الْقَاسِم وَوَجْه الرِّوَايَة الثَّانِيَة أَنَّ ذَلِكَ قَدْ صَارَ فِي يَدهَا مَلَكَتْهُ عَلَى زَوْجهَا بِتَمْلِيكِهِ إِيَّاهَا فَلَمَّا مَلَكَتْ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَبْقَى فِي يَدهَا كَبَقَائِهِ فِي يَد زَوْجهَا . 

قُلْت : وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام لِعَائِشَة : ( إِنِّي ذَاكِر لَك أَمْرًا فَلَا عَلَيْك أَلَّا تَسْتَعْجِلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك ) رَوَاهُ الصَّحِيح , وَخَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ , وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيّ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل الْبَاب . وَهُوَ حُجَّة لِمَنْ قَالَ : إِنَّهُ إِذَا خَيَّرَ الرَّجُل اِمْرَأَته أَوْ مَلَّكَهَا أَنَّ لَهَا أَنْ تَقْضِيَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ اِفْتَرَقَا مِنْ مَجْلِسهمَا , رُوِيَ هَذَا عَنْ الْحَسَن وَالزُّهْرِيّ , وَقَالَ مَالِك فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْهِ . قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَاَلَّذِي عِنْدنَا فِي هَذَا الْبَاب , اِتِّبَاع السُّنَّة فِي عَائِشَة فِي هَذَا الْحَدِيث , حِين جَعَلَ لَهَا التَّخْيِير إِلَى أَنْ تَسْتَأْمِر أَبَوَيْهَا , وَلَمْ يَجْعَل قِيَامهَا مِنْ مَجْلِسهَا خُرُوجًا مِنْ الْأَمْر . قَالَ الْمَرْوَزِيّ . هَذَا أَصَحُّ الْأَقَاوِيل عِنْدِي , وَقَالَهُ اِبْن الْمُنْذِر وَالطَّحَاوِيّ';
$TAFSEER['4']['33']['29'] = 'اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي كَيْفِيَّة تَخْيِير النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ : الْأَوَّل : أَنَّهُ خَيَّرَهُنَّ بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى فِي الْبَقَاء عَلَى الزَّوْجِيَّة أَوْ الطَّلَاق , فَاخْتَرْنَ الْبَقَاء , قَالَتْهُ عَائِشَة وَمُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَالشَّعْبِيّ وَابْن شِهَاب وَرَبِيعَة . وَمِنْهُنَّ مَنْ قَالَ : إِنَّمَا خَيَّرَهُنَّ بَيْن الدُّنْيَا فَيُفَارِقهُنَّ , وَبَيْن الْآخِرَة فَيُمْسِكهُنَّ , لِتَكُونَ لَهُنَّ الْمَنْزِلَة الْعُلْيَا كَمَا كَانَتْ لِزَوْجِهِنَّ , وَلَمْ يُخَيِّرهُنَّ فِي الطَّلَاق , ذَكَرَهُ الْحَسَن وَقَتَادَة . وَمِنْ الصَّحَابَة عَلِيّ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ أَحْمَد بْن حَنْبَل أَنَّهُ قَالَ : لَمْ يُخَيِّر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ إِلَّا بَيْن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . 

قُلْت : الْقَوْل الْأَوَّل أَصَحُّ , لِقَوْلِ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا لَمَّا سُئِلَتْ عَنْ الرَّجُل يُخَيِّر اِمْرَأَته فَقَالَتْ : قَدْ خَيَّرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَكَانَ طَلَاقًا فِي رِوَايَة : فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَعُدّهُ طَلَاقًا وَلَمْ يَثْبُت عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا التَّخْيِير الْمَأْمُور بَيْن الْبَقَاء وَالطَّلَاق , لِذَلِكَ قَالَ : ( يَا عَائِشَة إِنِّي ذَاكِر لَك أَمْرًا فَلَا عَلَيْك أَلَّا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك ) الْحَدِيث . وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الِاسْتِئْمَار فِي اِخْتِيَار الدُّنْيَا وَزِينَتهَا عَلَى الْآخِرَة . فَثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِئْمَار إِنَّمَا وَقَعَ فِي الْفُرْقَة , أَوْ النِّكَاح . وَاَللَّه أَعْلَمُ . 

اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُخَيَّرَة إِذَا اِخْتَارَتْ زَوْجهَا , فَقَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَغَيْرهمْ وَأَئِمَّة الْفَتْوَى : إِنَّهُ لَا يَلْزَمهُ طَلَاق , لَا وَاحِدَة وَلَا أَكْثَر , هَذَا قَوْل عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَزَيْد بْن ثَابِت وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة . وَمِنْ التَّابِعِينَ عَطَاء وَمَسْرُوق وَسُلَيْمَان بْن يَسَار وَرَبِيعَة وَابْن شِهَاب . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَزَيْد أَيْضًا : إِنْ اِخْتَارَتْ زَوْجهَا فَوَاحِدَة بَائِنَة , وَهُوَ قَوْل الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَاللَّيْث , وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيّ وَالنَّقَّاش عَنْ مَالِك . وَتَعَلَّقُوا بِأَنَّ قَوْله : اِخْتَارِي , كِنَايَة عَنْ إِيقَاع الطَّلَاق , فَإِذَا أَضَافَهُ إِلَيْهَا وَقَعَتْ طَلْقَة , كَقَوْلِهِ : أَنْتِ بَائِن . وَالصَّحِيح الْأَوَّل , لِقَوْلِ عَائِشَة : خَيَّرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَعُدّهُ عَلَيْنَا طَلَاقًا . أَخْرَجَهُ الصَّحِيحَانِ . قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَحَدِيث عَائِشَة يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمُخَيَّرَة إِذَا اِخْتَارَتْ زَوْجهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا , وَيَدُلّ عَلَى أَنَّ اِخْتِيَارهَا نَفْسَهَا يُوجِب الطَّلَاق , وَيَدُلّ عَلَى مَعْنًى ثَالِث , وَهُوَ أَنَّ الْمُخَيَّرَة إِذَا اِخْتَارَتْ نَفْسهَا أَنَّهَا تَطْلِيقَة يَمْلِك زَوْجهَا رَجْعَتهَا , إِذْ غَيْر جَائِز أَنْ يُطَلِّق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَهُ اللَّه . وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَر وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس . وَبِهِ قَالَ اِبْن أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيّ وَالشَّافِعِيّ . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ أَنَّهَا إِذَا اِخْتَارَتْ نَفْسهَا أَنَّهَا وَاحِدَة بَائِنَة . وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه . وَرَوَاهُ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد عَنْ مَالِك . وَرُوِيَ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت أَنَّهَا إِذَا اِخْتَارَتْ نَفْسهَا أَنَّهَا ثَلَاث . وَهُوَ قَوْل الْحَسَن الْبَصْرِيّ , وَبِهِ قَالَ مَالِك وَاللَّيْث , لِأَنَّ الْمِلْك إِنَّمَا يَكُون بِذَلِكَ . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهَا إِذَا اِخْتَارَتْ نَفْسهَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ . وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا إِذَا اِخْتَارَتْ زَوْجهَا فَوَاحِدَة رَجْعِيَّة . 

ذَهَبَ جَمَاعَة مِنْ الْمَدَنِيِّينَ وَغَيْرهمْ إِلَى أَنَّ التَّمْلِيك وَالتَّخْيِير سَوَاء , وَالْقَضَاء مَا قَضَتْ فِيهِمَا جَمِيعًا , وَهُوَ قَوْل عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي سَلَمَة . قَالَ اِبْن شَعْبَان : وَقَدْ اِخْتَارَهُ كَثِير مِنْ أَصْحَابنَا , وَهُوَ قَوْل جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْمَدِينَة . قَالَ أَبُو عُمَر : وَعَلَى هَذَا الْقَوْل أَكْثَرُ الْفُقَهَاء . وَالْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب مَالِك الْفَرْق بَيْنهمَا , وَذَلِكَ أَنَّ التَّمْلِيك عِنْد مَالِك وَهُوَ قَوْل الرَّجُل لِامْرَأَتِهِ : قَدْ مَلَّكْتُك , أَيْ قَدْ مَلَّكْتُك مَا جَعَلَ اللَّه لِي مِنْ الطَّلَاق وَاحِدَة أَوْ اِثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا , فَلَمَّا جَازَ أَنْ يُمَلِّكهَا بَعْض ذَلِكَ دُون بَعْض وَادَّعَى ذَلِكَ , كَانَ الْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه إِذَا نَاكَرَهَا . وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْمَدِينَة : لَهُ الْمُنَاكَرَة فِي التَّمْلِيك وَفِي التَّخْيِير سَوَاء فِي الْمَدْخُول بِهَا . وَالْأَوَّل قَوْل مَالِك فِي الْمَشْهُور . وَرَوَى اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد . عَنْ مَالِك أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُنَاكِر الْمُخَيَّرَة فِي الثَّلَاث , وَتَكُون طَلْقَة بَائِنَة كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَة . وَبِهِ قَالَ أَبُو الْجَهْم . قَالَ سَحْنُون : وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابنَا . 

وَتَحْصِيل مَذْهَب مَالِك : أَنَّ الْمُخَيَّرَة إِذَا اِخْتَارَتْ نَفْسهَا وَهِيَ مَدْخُول بِهَا فَهُوَ الطَّلَاق كُلّه , وَإِنْ أَنْكَرَ زَوْجهَا فَلَا نُكْرَة لَهُ . وَإِنْ اِخْتَارَتْ وَاحِدَة فَلَيْسَ بِشَيْءٍ , وَإِنَّمَا الْخِيَار الْبَتَات , إِمَّا أَخَذَتْهُ وَإِمَّا تَرَكَتْهُ , لِأَنَّ مَعْنَى التَّخْيِير التَّسْرِيح , قَالَ اللَّه تَعَالَى فِي آيَة التَّخْيِير : &quot; فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعكُنَّ وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا &quot; فَمَعْنَى التَّسْرِيح الْبَتَات , قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; الطَّلَاق مَرَّتَانِ فَإِمْسَاك بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيح بِإِحْسَانٍ &quot; [ الْبَقَرَة : 229 ] . وَالتَّسْرِيح بِإِحْسَانٍ هُوَ الطَّلْقَة الثَّالِثَة , رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ . وَمِنْ جِهَة الْمَعْنَى أَنَّ قَوْله : اِخْتَارِينِي أَوْ اِخْتَارِي نَفْسك يَقْتَضِي أَلَّا يَكُون لَهُ عَلَيْهَا سَبِيل إِذَا اِخْتَارَتْ نَفْسهَا , وَلَا يَمْلِك مِنْهَا شَيْئًا , إِذْ قَدْ جَعَلَ إِلَيْهَا أَنْ تُخْرِج مَا يَمْلِكهُ مِنْهَا أَوْ تُقِيم مَعَهُ إِذَا اِخْتَارَتْهُ , فَإِذَا اِخْتَارَتْ الْبَعْض مِنْ الطَّلَاق لَمْ تَعْمَل بِمُقْتَضَى اللَّفْظ , وَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ خُيِّرَ بَيْن شَيْئَيْنِ فَاخْتَارَ غَيْرهمَا . وَأَمَّا الَّتِي لَمْ يُدْخَل بِهَا فَلَهُ مُنَاكَرَتهَا فِي التَّخْيِير وَالتَّمْلِيك إِذَا زَادَتْ عَلَى وَاحِدَة , لِأَنَّهَا تَبِين فِي الْحَال . 

‎اِخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة عَنْ مَالِك مَتَى يَكُون لَهَا الْخِيَار , فَقَالَ مَرَّة : لَهَا الْخِيَار مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِس قَبْل الْقِيَام أَوْ الِاشْتِغَال بِمَا يَدُلّ عَلَى الْإِعْرَاض . فَإِنْ لَمْ تَخْتَرْ وَلَمْ تَقْضِ شَيْئًا حَتَّى اِفْتَرَقَا مِنْ مَجْلِسهمَا بَطَلَ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ إِلَيْهَا , وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْفُقَهَاء . وَقَالَ مَرَّة : لَهَا الْخِيَار أَبَدًا مَا لَمْ يُعْلَم أَنَّهَا تَرَكَتْ , وَذَلِكَ يُعْلَم بِأَنْ تُمَكِّنهُ مِنْ نَفْسهَا بِوَطْءٍ أَوْ مُبَاشَرَة , فَعَلَى هَذَا إِنْ مَنَعَتْ نَفْسهَا وَلَمْ تَخْتَرْ شَيْئًا كَانَ لَهُ رَفْعهَا عَلَى الْحَاكِم لِتُوقِع أَوْ تُسْقِط فَإِنْ أَبَتْ أَسْقَطَ الْحَاكِم تَمْلِيكهَا . وَعَلَى الْقَوْل الْأَوَّل إِذَا أَخَذَتْ فِي غَيْر ذَلِكَ مِنْ حَدِيث أَوْ عَمَل أَوْ مَشْي أَوْ مَا لَيْسَ فِي التَّخْيِير بِشَيْءٍ كَمَا ذَكَرْنَا سَقَطَ تَخْيِيرهَا . وَاحْتَجَّ بَعْض أَصْحَابنَا لِهَذَا الْقَوْل بِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيْره &quot; [ النِّسَاء : 140 ] . وَأَيْضًا فَإِنَّ الزَّوْج أَطْلَقَ لَهَا الْقَوْل لِيَعْرِف الْخِيَار مِنْهَا , فَصَارَ كَالْعَقْدِ بَيْنهمَا , فَإِنْ قَبِلَتْهُ وَإِلَّا سَقَطَ , كَاَلَّذِي يَقُول : قَدْ وَهَبْت لَك أَوْ بَايَعْتُك , فَإِنْ قَبِلَ وَإِلَّا كَانَ الْمِلْك بَاقِيًا بِحَالِهِ . هَذَا قَوْل الثَّوْرِيّ وَالْكُوفِيِّينَ وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَأَبِي ثَوْر , وَهُوَ اِخْتِيَار اِبْن الْقَاسِم وَوَجْه الرِّوَايَة الثَّانِيَة أَنَّ ذَلِكَ قَدْ صَارَ فِي يَدهَا مَلَكَتْهُ عَلَى زَوْجهَا بِتَمْلِيكِهِ إِيَّاهَا فَلَمَّا مَلَكَتْ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَبْقَى فِي يَدهَا كَبَقَائِهِ فِي يَد زَوْجهَا . 

قُلْت : وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام لِعَائِشَة : ( إِنِّي ذَاكِر لَك أَمْرًا فَلَا عَلَيْك أَلَّا تَسْتَعْجِلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك ) رَوَاهُ الصَّحِيح , وَخَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ , وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيّ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل الْبَاب . وَهُوَ حُجَّة لِمَنْ قَالَ : إِنَّهُ إِذَا خَيَّرَ الرَّجُل اِمْرَأَته أَوْ مَلَّكَهَا أَنَّ لَهَا أَنْ تَقْضِيَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ اِفْتَرَقَا مِنْ مَجْلِسهمَا , رُوِيَ هَذَا عَنْ الْحَسَن وَالزُّهْرِيّ , وَقَالَ مَالِك فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْهِ . قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَاَلَّذِي عِنْدنَا فِي هَذَا الْبَاب , اِتِّبَاع السُّنَّة فِي عَائِشَة فِي هَذَا الْحَدِيث , حِين جَعَلَ لَهَا التَّخْيِير إِلَى أَنْ تَسْتَأْمِر أَبَاهَا , وَلَمْ يَجْعَل قِيَامهَا مِنْ مَجْلِسهَا خُرُوجًا مِنْ الْأُمّ . قَالَ الْمَرْوَزِيّ . هَذَا أَصَحُّ الْأَقَاوِيل عِنْدِي , وَقَالَهُ اِبْن الْمُنْذِر وَالطَّحَاوِيّ .';
$TAFSEER['4']['33']['30'] = 'فِيهِ ثَلَاث مَسَائِل : الْأُولَى : قَالَ الْعُلَمَاء : لَمَّا اِخْتَارَ نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَرَهُنَّ اللَّه عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ تَكْرِمَة لَهُنَّ : &quot; لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاج &quot; [ الْأَحْزَاب : 52 ] الْآيَة . وَبَيَّنَ حُكْمهنَّ عَنْ غَيْرهنَّ فَقَالَ : &quot; وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُول اللَّه وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجه مِنْ بَعْده أَبَدًا &quot; [ الْأَحْزَاب : 53 ] وَجَعَلَ ثَوَاب طَاعَتهنَّ وَعِقَاب مَعْصِيَتهنَّ أَكْثَرَ مِمَّا لِغَيْرِهِنَّ فَقَالَ : &quot; يَا نِسَاء النَّبِيّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَة يُضَاعَف لَهَا الْعَذَاب ضِعْفَيْنِ &quot; فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْ نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَاحِشَةٍ - وَاَللَّه عَاصِم رَسُوله عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ فِي حَدِيث الْإِفْك - يُضَاعَف لَهَا الْعَذَاب ضِعْفَيْنِ , لِشَرَفِ مَنْزِلَتهنَّ وَفَضْل دَرَجَتهنَّ , وَتَقَدُّمهنَّ عَلَى سَائِر النِّسَاء أَجْمَع . وَكَذَلِكَ بَيَّنَتْ الشَّرِيعَة فِي غَيْر مَا مَوْضِع حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه غَيْر مَرَّة - أَنَّهُ كُلَّمَا تَضَاعَفَتْ الْحُرُمَات فَهُتِكَتْ تَضَاعَفَتْ الْعُقُوبَات , وَلِذَلِكَ ضُوعِفَ حَدّ الْحُرّ عَلَى الْعَبْد وَالثَّيِّب عَلَى الْبِكْر . وَقِيلَ : لَمَّا كَانَ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَهْبِط الْوَحْي وَفِي مَنْزِل أَوَامِر اللَّه وَنَوَاهِيه , قَوِيَ الْأَمْر عَلَيْهِنَّ وَلَزِمَهُنَّ بِسَبَبِ مَكَانَتهنَّ أَكْثَرَ مِمَّا يَلْزَم غَيْرهنَّ , فَضُوعِفَ لَهُنَّ الْأَجْر وَالْعَذَاب . وَقِيلَ , إِنَّمَا ذَلِكَ لِعِظَمِ الضَّرَر فِي جَرَائِمهنَّ بِإِيذَاءِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَانَتْ الْعُقُوبَة عَلَى قَدْر عِظَم الْجَرِيمَة فِي إِيذَاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالَ تَعَالَى : &quot; إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّه وَرَسُوله لَعَنَهُمْ اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة &quot; [ الْأَحْزَاب : 57 ] . وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل الْكِيَا الطَّبَرِيّ . 

الثَّانِيَة : قَالَ قَوْم : لَوْ قُدِّرَ الزِّنَى مِنْ وَاحِدَة مِنْهُنَّ - وَقَدْ أَعَاذَهُنَّ اللَّه مِنْ ذَلِكَ - لَكَانَتْ تُحَدّ حَدَّيْنِ لِعِظَمِ قَدْرهَا , كَمَا يُزَاد حَدّ الْحُرَّة عَلَى الْأَمَة . وَالْعَذَاب بِمَعْنَى الْحَدّ , قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنْ الْمُؤْمِنِينَ &quot; [ النُّور : 2 ] . وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى الضِّعْفَيْنِ مَعْنَى الْمِثْلَيْنِ أَوْ الْمَرَّتَيْنِ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : ضِعْف الشَّيْء شَيْئَانِ حَتَّى يَكُون ثَلَاثَة . وَقَالَهُ أَبُو عَمْرو فِيمَا حَكَى الطَّبَرِيّ عَنْهُ , فَيُضَاف إِلَيْهِ عَذَابَانِ مِثْله فَيَكُون ثَلَاثَة أَعْذِبَة . وَضَعَّفَهُ الطَّبَرِيّ . وَكَذَلِكَ هُوَ غَيْر صَحِيح وَإِنْ كَانَ لَهُ بِاللَّفْظِ تَعَلُّق الِاحْتِمَال . وَكَوْن الْأَجْر مَرَّتَيْنِ مِمَّا يُفْسِد هَذَا الْقَوْل , لِأَنَّ الْعَذَاب فِي الْفَاحِشَة بِإِزَاءِ الْأَجْر فِي الطَّاعَة , قَالَ اِبْن عَطِيَّة . وَقَالَ النَّحَّاس : فَرَّقَ أَبُو عَمْرو بَيْن &quot; يُضَاعَف وَيُضَعَّف &quot; قَالَ : &quot; يُضَاعَف &quot; لِلْمِرَارِ الْكَثِيرَة . و &quot; يُضَعَّف &quot; مَرَّتَيْنِ . وَقَرَأَ &quot; يُضَعَّف &quot; لِهَذَا . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : &quot; يُضَاعَف لَهَا الْعَذَاب &quot; يُجْعَل ثَلَاثَة أَعْذِبَة . قَالَ النَّحَّاس : التَّفْرِيق الَّذِي جَاءَ بِهِ أَبُو عَمْرو وَأَبُو عُبَيْدَة لَا يَعْرِفهُ أَحَد مِنْ أَهْل اللُّغَة عَلِمْته , وَالْمَعْنَى فِي &quot; يُضَاعَف وَيُضَعَّف &quot; وَاحِد , أَيْ يُجْعَل ضِعْفَيْنِ , كَمَا تَقُول : إِنْ دَفَعْت إِلَيَّ دِرْهَمًا دَفَعْت إِلَيْك ضِعْفَيْهِ , أَيْ مِثْلَيْهِ , يَعْنِي دِرْهَمَيْنِ . وَيَدُلّ عَلَى هَذَا &quot; نُؤْتِهَا أَجْرهَا مَرَّتَيْنِ &quot; وَلَا يَكُون الْعَذَاب أَكْثَرَ مِنْ الْأَجْر . وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر &quot; آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَاب &quot; [ الْأَحْزَاب : 68 ] أَيْ مِثْلَيْنِ . وَرَوَى مَعْمَر عَنْ قَتَادَة &quot; يُضَاعَف لَهَا الْعَذَاب ضِعْفَيْنِ &quot; قَالَ : عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة . قَالَ الْقُشَيْرِيّ أَبُو نَصْر : الظَّاهِر أَنَّهُ أَرَادَ بِالضِّعْفَيْنِ الْمِثْلَيْنِ , لِأَنَّهُ قَالَ : &quot; نُؤْتِهَا أَجْرهَا مَرَّتَيْنِ &quot; . فَأَمَّا فِي الْوَصَايَا , لَوْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِضِعْفَيْ نَصِيب وَلَده فَهُوَ وَصِيَّة بِأَنْ يُعْطَى مِثْل نَصِيبه ثَلَاث مَرَّات , فَإِنَّ الْوَصَايَا تَجْرِي عَلَى الْعُرْف فِيمَا بَيْن النَّاس , وَكَلَام اللَّه يُرَدّ تَفْسِيره إِلَى كَلَام الْعَرَب , وَالضِّعْف فِي كَلَام الْعَرَب الْمِثْل إِلَى مَا زَادَ , وَلَيْسَ بِمَقْصُورٍ عَلَى مِثْلَيْنِ . يُقَال : هَذَا ضِعْف هَذَا , أَيْ مِثْله . وَهَذَا ضِعْفَاهُ , أَيْ مِثْلَاهُ , فَالضِّعْف فِي الْأَصْل زِيَادَة غَيْر مَحْصُورَة , قَالَ , اللَّه تَعَالَى : &quot; فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْف &quot; [ سَبَأ : 37 ] وَلَمْ يُرِدْ مِثْلًا وَلَا مِثْلَيْنِ . كُلّ هَذَا قَوْل الْأَزْهَرِيّ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي &quot; النُّور &quot; الِاخْتِلَاف فِي حَدّ مَنْ قَذَفَ وَاحِدَة مِنْهُنَّ , وَالْحَمْد لِلَّهِ . 

الثَّالِثَة : قَالَ أَبُو رَافِع : كَانَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَثِيرًا مَا يَقْرَأ سُورَة يُوسُف وَسُورَة الْأَحْزَاب فِي الصُّبْح , وَكَانَ إِذَا بَلَغَ &quot; يَا نِسَاء النَّبِيّ &quot; رَفَعَ بِهَا صَوْته , فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : ( أُذَكِّرهُنَّ الْعَهْد ) . قَرَأَ الْجُمْهُور : &quot; مَنْ يَأْتِ &quot; بِالْيَاءِ . وَكَذَلِكَ &quot; مَنْ يَقْنُت &quot; حَمْلًا عَلَى لَفْظ &quot; مَنْ &quot; . وَالْقُنُوت الطَّاعَة , وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَقَرَأَ يَعْقُوب : &quot; مَنْ تَأْتِ &quot; و &quot; تَقْنُت &quot; بِالتَّاءِ مِنْ فَوْق , حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى . وَقَالَ قَوْم : الْفَاحِشَة إِذَا وَرَدَتْ مُعَرَّفَة فَهِيَ الزِّنَى وَاللِّوَاط . وَإِذَا وَرَدَتْ مُنَكَّرَة فَهِيَ سَائِر الْمَعَاصِي . وَإِذَا وَرَدَتْ مَنْعُوتَة فَهِيَ عُقُوق الزَّوْج وَفَسَاد عِشْرَته . وَقَالَتْ فِرْقَة : بَلْ قَوْله &quot; فَاحِشَة مُبَيِّنَة &quot; تَعُمّ جَمِيع الْمَعَاصِي . وَكَذَلِكَ الْفَاحِشَة كَيْف وَرَدَتْ . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير &quot; مُبَيِّنَة &quot; بِفَتْحِ الْيَاء . وَقَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو بِكَسْرِهَا . وَقَرَأَتْ فِرْقَة : &quot; يُضَاعِف &quot; بِكَسْرِ الْعَيْن عَلَى إِسْنَاد الْفِعْل إِلَى اللَّه تَعَالَى . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو فِيمَا رَوَى خَارِجَة &quot; نُضَاعِف &quot; بِالنُّونِ الْمَضْمُومَة وَنَصْب &quot; الْعَذَاب &quot; وَهَذِهِ قِرَاءَة اِبْن مُحَيْصِن . وَهَذِهِ مُفَاعَلَة مِنْ وَاحِد , كَطَارَقْت النَّعْل وَعَاقَبْت اللِّصّ . وَقَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ &quot; يُضَاعَف &quot; بِالْيَاءِ وَفَتْح الْعَيْن , &quot; الْعَذَاب &quot; رَفْعًا . وَهِيَ قِرَاءَة الْحَسَن وَابْن كَثِير وَعِيسَى . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن عَامِر &quot; نُضَعِّف &quot; بِالنُّونِ وَكَسْر الْعَيْن الْمُشَدَّدَة , &quot; الْعَذَاب &quot; نَصْبًا . قَالَ مُقَاتِل هَذَا التَّضْعِيف فِي الْعَذَاب إِنَّمَا هُوَ فِي الْآخِرَة , لِأَنَّ إِيتَاء الْأَجْر مَرَّتَيْنِ أَيْضًا فِي الْآخِرَة . وَهَذَا حَسَن , لِأَنَّ نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ تُوجِب حَدًّا . وَقَدْ قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَا بَغَتْ اِمْرَأَة نَبِيّ قَطُّ , وَإِنَّمَا خَانَتْ فِي الْإِيمَان وَالطَّاعَة . وَقَالَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ : الْعَذَاب الَّذِي تُوُعِّدْنَ بِهِ &quot; ضِعْفَيْنِ &quot; هُوَ عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة , فَكَذَلِكَ الْأَجْر . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا ضَعِيف , اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُون أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَرْفَع عَنْهُنَّ حُدُود الدُّنْيَا عَذَاب الْآخِرَة , عَلَى مَا هِيَ حَال النَّاس عَلَيْهِ , بِحُكْمِ حَدِيث عُبَادَة بْن الصَّامِت . وَهَذَا أَمْر لَمْ يُرْوَ فِي أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا حُفِظَ تَقَرُّره . وَأَهْل التَّفْسِير عَلَى أَنَّ الرِّزْق الْكَرِيم الْجَنَّة , ذَكَرَهُ النَّحَّاس .';
$TAFSEER['4']['33']['31'] = '';
$TAFSEER['4']['33']['32'] = 'يَعْنِي فِي الْفَضْل وَالشَّرَف . وَقَالَ : &quot; كَأَحَدٍ &quot; وَلَمْ يَقُلْ كَوَاحِدَةٍ , لِأَنَّ أَحَدًا نَفْي مِنْ الْمُذَكَّر وَالْمُؤَنَّث وَالْوَاحِد وَالْجَمَاعَة . وَقَدْ يُقَال عَلَى مَا لَيْسَ بِآدَمِيٍّ , يُقَال : لَيْسَ فِيهَا أَحَد , لَا شَاة وَلَا بَعِير . وَإِنَّمَا خُصِّصَ النِّسَاء بِالذِّكْرِ لِأَنَّ فِيمَنْ تَقَدَّمَ آسِيَة وَمَرْيَم . وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا قَتَادَة , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي &quot; آل عِمْرَان &quot; الِاخْتِلَاف فِي التَّفْضِيل بَيْنهنَّ , فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ .

أَيْ خِفْتُنَّ اللَّه . فَبَيَّنَ أَنَّ الْفَضِيلَة إِنَّمَا تَتِمّ لَهُنَّ بِشَرْطِ التَّقْوَى , لِمَا مَنَحَهُنَّ اللَّه مِنْ صُحْبَة الرَّسُول وَعَظِيم الْمَحَلّ مِنْهُ , وَنُزُول الْقُرْآن فِي حَقّهنَّ .

فِي مَوْضِع جَزْم بِالنَّهْيِ , إِلَّا أَنَّهُ مَبْنِيّ كَمَا بُنِيَ الْمَاضِي , هَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهِ , أَيْ لَا تُلِنَّ الْقَوْل . أَمَرَهُنَّ اللَّه أَنْ يَكُون قَوْلهنَّ جَزْلًا وَكَلَامهنَّ فَصْلًا , وَلَا يَكُون عَلَى وَجْه يُظْهِر فِي الْقَلْب عَلَاقَة بِمَا يَظْهَر عَلَيْهِ مِنْ اللِّين , كَمَا كَانَتْ الْحَال عَلَيْهِ فِي نِسَاء الْعَرَب مِنْ مُكَالَمَة الرِّجَال بِتَرْخِيمِ الصَّوْت وَلِينه , مِثْل كَلَام الْمُرِيبَات وَالْمُومِسَات . فَنَهَاهُنَّ عَنْ مِثْل هَذَا .

&quot; فَيَطْمَعَ &quot; بِالنَّصْبِ عَلَى جَوَاب النَّهْي . &quot; مَرْص &quot; أَيْ شَكّ وَنِفَاق , عَنْ قَتَادَة وَالسُّدِّيّ . وَقِيلَ : تَشَوُّف الْفُجُور , وَهُوَ الْفِسْق وَالْغَزَل , قَالَهُ عِكْرِمَة . وَهَذَا أَصْوَبُ , وَلَيْسَ لِلنِّفَاقِ مَدْخَل فِي هَذِهِ الْآيَة . وَحَكَى أَبُو حَاتِم أَنَّ الْأَعْرَج قَرَأَ &quot; فَيَطْمِع &quot; بِفَتْحِ الْيَاء وَكَسْر الْمِيم . النَّحَّاس : أَحْسَب هَذَا غَلَطًا , وَأَنْ يَكُون قَرَأَ &quot; فَيَطْمَعِ &quot; بِفَتْحِ الْمِيم وَكَسْر الْعَيْن بِعَطْفِهِ عَلَى &quot; تَخْضَعْنَ &quot; فَهَذَا وَجْه جَيِّد حَسَن . وَيَجُوز &quot; فَيُطْمِع &quot; بِمَعْنَى فَيُطْمِع الْخُضُوع أَوْ الْقَوْل .

قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَمَرَهُنَّ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر . وَالْمَرْأَة تُنْدَب إِذَا خَاطَبَتْ الْأَجَانِب وَكَذَا الْمُحَرَّمَات عَلَيْهَا بِالْمُصَاهَرَةِ إِلَى الْغِلْظَة فِي الْقَوْل , مِنْ غَيْر رَفْع صَوْت , فَإِنَّ الْمَرْأَة مَأْمُورَة بِخَفْضِ الْكَلَام . وَعَلَى الْجُمْلَة فَالْقَوْل الْمَعْرُوف : هُوَ الصَّوَاب الَّذِي لَا تُنْكِرهُ الشَّرِيعَة وَلَا النُّفُوس .';
$TAFSEER['4']['33']['33'] = 'فِيهِ أَرْبَع مَسَائِل : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى &quot; وَقَرْنَ &quot; قَرَأَ الْجُمْهُور &quot; وَقِرْنَ &quot; بِكَسْرِ الْقَاف . وَقَرَأَ عَاصِم وَنَافِع بِفَتْحِهَا . فَأَمَّا الْقِرَاءَة الْأُولَى فَتَحْتَمِل وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون مِنْ الْوَقَار , تَقُول : وَقَرَ يَقِر وَقَارًا أَيْ سَكَنَ , وَالْأَمْر قِرْ , وَلِلنِّسَاءِ قِرْنَ , مِثْل عِدْنَ وَزِنَّ . وَالْوَجْه الثَّانِي : وَهُوَ قَوْل الْمُبَرِّد , أَنْ يَكُون مِنْ الْقَرَار , تَقُول : قَرَرْت بِالْمَكَانِ ( بِفَتْحِ الرَّاء ) أَقِرّ , وَالْأَصْل أَقْرِرْنَ , بِكَسْرِ الرَّاء , فَحُذِفَتْ الرَّاء الْأُولَى تَخْفِيفًا , كَمَا قَالُوا فِي ظَلَلْت : ظِلْت , وَمَسَسْت : مِسْت , وَنَقَلُوا حَرَكَتهَا إِلَى الْقَاف , وَاسْتُغْنِيَ عَنْ أَلِف الْوَصْل لِتَحَرُّكِ الْقَاف . قَالَ أَبُو عَلِيّ : بَلْ عَلَى أَنْ أُبْدِلَتْ الرَّاء يَاء كَرَاهَة التَّضْعِيف , كَمَا أُبْدِلَتْ فِي قِيرَاط وَدِينَار , وَيَصِير لِلْيَاءِ حَرَكَة الْحَرْف الْمُبْدَل مِنْهُ , فَالتَّقْدِير : إِقْيِرْن , ثُمَّ تُلْقَى حَرَكَة الْيَاء عَلَى الْقَاف كَرَاهَة تَحَرُّك الْيَاء بِالْكَسْرِ , فَتَسْقُط الْيَاء لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ , وَتَسْقُط هَمْزَة الْوَصْل لِتَحَرُّكِ مَا بَعْدهَا فَيَصِير &quot; قِرْنَ &quot; . وَأَمَّا قِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة وَعَاصِم , فَعَلَى لُغَة الْعَرَب : قَرِرْت فِي الْمَكَان إِذَا أَقَمْت فِيهِ ( بِكَسْرِ الرَّاء ) أَقَرّ ( بِفَتْحِ الْقَاف ) , مِنْ بَاب حَمِدَ يَحْمَد , وَهِيَ لُغَة أَهْل الْحِجَاز ذَكَرَهَا أَبُو عُبَيْد فِي &quot; الْغَرِيب الْمُصَنَّف &quot; عَنْ الْكِسَائِيّ , وَهُوَ مِنْ أَجَلّ مَشَايِخه , وَذَكَرَهَا الزَّجَّاج وَغَيْره , وَالْأَصْل &quot; إِقْرَرْن &quot; حُذِفَتْ الرَّاء الْأُولَى لِثِقَلِ التَّضْعِيف , وَأُلْقِيَتْ حَرَكَتهَا عَلَى الْقَاف فَتَقُول : قَرْنَ . قَالَ الْفَرَّاء : هُوَ كَمَا تَقُول : أَحَسْت صَاحِبك , أَيْ هَلْ أَحْسَسْت . وَقَالَ أَبُو عُثْمَان الْمَازِنِيّ : قَرِرْت بِهِ عَيْنًا ( بِالْكَسْرِ لَا غَيْر ) , مِنْ قُرَّة الْعَيْن . وَلَا يَجُوز قَرِرْت فِي الْمَكَان ( بِالْكَسْرِ ) وَإِنَّمَا هُوَ قَرَرْت ( بِفَتْحِ الرَّاء ) , وَمَا أَنْكَرَهُ مِنْ هَذَا لَا يَقْدَح فِي الْقِرَاءَة إِذَا ثَبَتَتْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيُسْتَدَلّ بِمَا ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ الْقِرَاءَة عَلَى صِحَّة اللُّغَة . وَذَهَبَ أَبُو حَاتِم أَيْضًا أَنَّ &quot; قَرْنَ &quot; لَا مَذْهَب لَهُ فِي كَلَام الْعَرَب . قَالَ النَّحَّاس : وَأَمَّا قَوْل أَبِي حَاتِم : &quot; لَا مَذْهَب لَهُ &quot; فَقَدْ خُولِفَ فِيهِ , وَفِيهِ مَذْهَبَانِ : أَحَدهمَا مَا حَكَاهُ الْكِسَائِيّ , وَالْآخَر مَا سَمِعْت عَلِيّ بْن سُلَيْمَان يَقُول , قَالَ : وَهُوَ مِنْ قَرِرْت بِهِ عَيْنًا أَقَرّ , وَالْمَعْنَى : وَاقْرَرْنَ بِهِ عَيْنًا فِي بُيُوتكُنَّ . وَهُوَ وَجْه حَسَن , إِلَّا أَنَّ الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْأَوَّل . كَمَا رُوِيَ أَنَّ عَمَّارًا قَالَ لِعَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : إِنَّ اللَّه قَدْ أَمَرَك أَنْ تَقَرِّي فِي مَنْزِلك , فَقَالَتْ : يَا أَبَا الْيَقْظَان , مَا زِلْت قَوَّالًا بِالْحَقِّ ! فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي كَذَلِكَ عَلَى لِسَانك . وَقَرَأَ اِبْن أَبِي عَبْلَة &quot; وَاقْرِرْنَ &quot; بِأَلِفِ وَصْل وَرَاءَيْنِ , الْأُولَى مَكْسُورَة . 

الثَّانِيَة : مَعْنَى هَذِهِ الْآيَة الْأَمْر بِلُزُومِ الْبَيْت , وَإِنْ كَانَ الْخِطَاب لِنِسَاءِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ دَخَلَ غَيْرهنَّ فِيهِ بِالْمَعْنَى . هَذَا لَوْ لَمْ يَرِد دَلِيل يَخُصّ جَمِيع النِّسَاء , كَيْف وَالشَّرِيعَة طَافِحَة بِلُزُومِ النِّسَاء بُيُوتهنَّ , وَالِانْكِفَاف عَنْ الْخُرُوج مِنْهَا إِلَّا لِضَرُورَةٍ , عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي غَيْر مَوْضِع . فَأَمَرَ اللَّه تَعَالَى نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُلَازَمَةِ بُيُوتهنَّ , وَخَاطَبَهُنَّ بِذَلِكَ تَشْرِيفًا لَهُنَّ , وَنَهَاهُنَّ عَنْ التَّبَرُّج , وَأَعْلَمَ أَنَّهُ فِعْل الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى فَقَالَ : &quot; وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّج الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى &quot; . وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى التَّبَرُّج فِي &quot; النُّور &quot; . وَحَقِيقَته إِظْهَار مَا سَتْرُهُ أَحْسَنُ , وَهُوَ مَأْخُوذ مِنْ السَّعَة , يُقَال : فِي أَسْنَانه بَرَج إِذَا كَانَتْ مُتَفَرِّقَة , قَالَهُ الْمُبَرِّد . وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي &quot; الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى &quot; فَقِيلَ : هِيَ الزَّمَن الَّذِي وُلِدَ فِيهِ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام , كَانَتْ الْمَرْأَة تَلْبَس الدِّرْع مِنْ اللُّؤْلُؤ , فَتَمْشِي وَسَط الطَّرِيق تَعْرِض نَفْسهَا عَلَى الرِّجَال . وَقَالَ الْحَكَم بْن عُيَيْنَة : مَا بَيْن آدَم وَنُوح , وَهِيَ ثَمَانمِائَةِ سَنَة , وَحُكِيَتْ لَهُمْ سِيَر ذَمِيمَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : مَا بَيْن نُوح وَإِدْرِيس . الْكَلْبِيّ : مَا بَيْن نُوح وَإِبْرَاهِيم . قِيلَ : إِنَّ الْمَرْأَة كَانَتْ تَلْبَس الدِّرْع مِنْ اللُّؤْلُؤ غَيْر مَخِيط الْجَانِبَيْنِ , وَتَلْبَس الثِّيَاب الرِّقَاق وَلَا تُوَارِي بَدَنهَا . وَقَالَتْ فِرْقَة : مَا بَيْن مُوسَى وَعِيسَى . الشَّعْبِيّ : مَا بَيْن عِيسَى وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو الْعَالِيَة : هِيَ زَمَان دَاوُد وَسُلَيْمَان , كَانَ فِيهِ لِلْمَرْأَةِ قَمِيص مِنْ الدُّرّ غَيْر مَخِيط الْجَانِبَيْنِ . وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْمُبَرِّد : وَالْجَاهِلِيَّة الْأُولَى كَمَا تَقُول الْجَاهِلِيَّة الْجَهْلَاء , قَالَ : وَكَانَ النِّسَاء فِي الْجَاهِلِيَّة الْجَهْلَاء يُظْهِرْنَ مَا يَقْبُح إِظْهَاره , حَتَّى كَانَتْ الْمَرْأَة تَجْلِس مَعَ زَوْجهَا وَخِلّهَا , فَيَنْفَرِد خِلّهَا بِمَا فَوْق الْإِزَار إِلَى الْأَعْلَى , وَيَنْفَرِد زَوْجهَا بِمَا دُون الْإِزَار إِلَى الْأَسْفَل , وَرُبَّمَا سَأَلَ أَحَدهمَا صَاحِبه الْبَدَل . وَقَالَ مُجَاهِد : كَانَ النِّسَاء يَتَمَشَّيْنَ بَيْن الرِّجَال , فَذَلِكَ التَّبَرُّج . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَاَلَّذِي يَظْهَر عِنْدِي أَنَّهُ أَشَارَ لِلْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي لَحِقْنَهَا , فَأُمِرْنَ بِالنَّقْلَةِ عَنْ سِيرَتهنَّ فِيهَا , وَهِيَ مَا كَانَ قَبْل الشَّرْع مِنْ سِيرَة الْكَفَرَة , لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا غَيْرَة عِنْدهمْ وَكَانَ أَمْر النِّسَاء دُون حِجَاب , وَجَعْلُهَا أُولَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا كُنَّ عَلَيْهِ , وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ ثَمَّ جَاهِلِيَّة أُخْرَى وَقَدْ أُوقِعَ اِسْم الْجَاهِلِيَّة عَلَى تِلْكَ الْمُدَّة الَّتِي قَبْل الْإِسْلَام , فَقَالُوا : جَاهِلِيّ فِي الشُّعَرَاء وَقَالَ اِبْن عَبَّاس فِي الْبُخَارِيّ : سَمِعْت أَبِي فِي الْجَاهِلِيَّة يَقُول , إِلَى غَيْر هَذَا . 

قُلْت : وَهَذَا قَوْل حَسَن . وَيُعْتَرَض بِأَنَّ الْعَرَب كَانَتْ أَهْل قَشَف وَضَنْك فِي الْغَالِب , وَأَنَّ التَّنَعُّم وَإِظْهَار الزِّينَة إِنَّمَا جَرَى فِي الْأَزْمَان السَّابِقَة , وَهِيَ الْمُرَاد بِالْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى , وَأَنَّ الْمَقْصُود مِنْ الْآيَة مُخَالَفَة مَنْ قَبْلهنَّ مِنْ الْمِشْيَة عَلَى تَغْنِيج وَتَكْسِير وَإِظْهَار الْمَحَاسِن لِلرِّجَالِ , إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوز شَرْعًا . وَذَلِكَ يَشْمَل الْأَقْوَال كُلّهَا وَيَعُمّهَا فَيَلْزَمْنَ الْبُيُوت , فَإِنْ مَسَّتْ الْحَاجَة إِلَى الْخُرُوج فَلْيَكُنْ عَلَى تَبَذُّل وَتَسَتُّر تَامّ . وَاَللَّه الْمُوَفِّق . 

الثَّالِثَة : ذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ وَغَيْره : أَنَّ عَائِشَة - رَضِيَ اللَّه عَنْهَا - كَانَتْ إِذَا قَرَأَتْ هَذِهِ الْآيَة تَبْكِي حَتَّى تَبُلّ خِمَارهَا . وَذَكَرَ أَنَّ سَوْدَة قِيلَ لَهَا : لِمَ لَا تَحُجِّينَ وَلَا تَعْتَمِرِينَ كَمَا يَفْعَل أَخَوَاتك ؟ فَقَالَتْ : قَدْ حَجَجْت وَاعْتَمَرْت , وَأَمَرَنِي اللَّه أَنْ أَقِرَّ فِي بَيْتِي . قَالَ الرَّاوِي : فَوَاَللَّهِ مَا خَرَجَتْ مِنْ بَاب حُجْرَتهَا حَتَّى أُخْرِجَتْ جِنَازَتهَا . رِضْوَان اللَّه عَلَيْهَا قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : لَقَدْ دَخَلْت نَيِّفًا عَلَى أَلْف قَرْيَة فَمَا رَأَيْت نِسَاء أَصْوَن عِيَالًا وَلَا أَعَفّ نِسَاء مِنْ نِسَاء نَابُلُس , الَّتِي رُمِيَ بِهَا الْخَلِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّارِ , فَإِنِّي أَقَمْت فِيهَا فَمَا رَأَيْت اِمْرَأَة فِي طَرِيق نَهَارًا إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة فَإِنَّهُنَّ يَخْرُجْنَ إِلَيْهَا حَتَّى يَمْتَلِئ الْمَسْجِد مِنْهُنَّ , فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاة وَانْقَلَبْنَ إِلَى مَنَازِلهنَّ لَمْ تَقَع عَيْنَيَّ عَلَى وَاحِدَة مِنْهُنَّ إِلَى الْجُمُعَة الْأُخْرَى . وَقَدْ رَأَيْت بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى عَفَائِف مَا خَرَجْنَ مِنْ مُعْتَكَفهنَّ حَتَّى اُسْتُشْهِدْنَ فِيهِ . 

قَالَ اِبْن عَطِيَّة : بُكَاء عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا إِنَّمَا كَانَ بِسَبَبِ سَفَرهَا أَيَّام الْجَمَل , وَحِينَئِذٍ قَالَ لَهَا عَمَّار : إِنَّ اللَّه قَدْ أَمَرَك أَنْ تَقِرِّي فِي بَيْتك . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : تَعَلَّقَ الرَّافِضَة - لَعَنَهُمْ اللَّه - بِهَذِهِ الْآيَة عَلَى أُمّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا إِذْ قَالُوا : إِنَّهَا خَالَفَتْ أَمْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين خَرَجَتْ تَقُود الْجُيُوش , وَتُبَاشِر الْحُرُوب , وَتَقْتَحِم مَأْزِق الطَّعْن وَالضَّرْب فِيمَا لَمْ يُفْرَض عَلَيْهَا وَلَا يَجُوز لَهَا . قَالُوا : وَلَقَدْ حُصِرَ عُثْمَان , فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَمَرَتْ بِرَوَاحِلِهَا فَقُرِّبَتْ لِتَخْرُج إِلَى مَكَّة , فَقَالَ لَهَا مَرْوَان : أَقِيمِي هُنَا يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ , وَرُدِّي هَؤُلَاءِ الرَّعَاع , فَإِنَّ الْإِصْلَاح بَيْن النَّاس خَيْر مِنْ حَجّك . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ : إِنَّ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا , نَذَرَتْ الْحَجّ قَبْل الْفِتْنَة , فَلَمْ تَرَ التَّخَلُّف عَنْ نَذْرهَا , وَلَوْ خَرَجَتْ فِي تِلْكَ الثَّائِرَة لَكَانَ ذَلِكَ صَوَابًا لَهَا . وَأَمَّا خُرُوجهَا إِلَى حَرْب الْجَمَل فَمَا خَرَجَتْ لِحَرْبٍ , وَلَكِنْ تَعَلَّقَ النَّاس بِهَا , وَشَكَوْا إِلَيْهَا مَا صَارُوا إِلَيْهِ مِنْ عَظِيم الْفِتْنَة وَتَهَارُج النَّاس , وَرَجَوْا بَرَكَتهَا , وَطَمِعُوا فِي الِاسْتِحْيَاء مِنْهَا إِذَا وَقَفَتْ إِلَى الْخَلْق , وَظَنَّتْ هِيَ ذَلِكَ فَخَرَجَتْ مُقْتَدِيَة بِاَللَّهِ فِي قَوْله : &quot; لَا خَيْر فِي كَثِير مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوف أَوْ إِصْلَاح بَيْن النَّاس &quot; [ النِّسَاء : 114 ] , وَقَوْله : &quot; وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اِقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنهمَا &quot; [ الْحُجُرَات : 9 ] وَالْأَمْر بِالْإِصْلَاحِ مُخَاطَب بِهِ جَمِيع النَّاس مِنْ ذَكَر وَأُنْثَى ; حُرّ أَوْ عَبْد فَلَمْ يُرِدْ اللَّه تَعَالَى بِسَابِقِ قَضَائِهِ وَنَافِذ حُكْمه أَنْ يَقَع إِصْلَاح , وَلَكِنْ جَرَتْ مُطَاعَنَات وَجِرَاحَات حَتَّى كَادَ يَفْنَى الْفَرِيقَانِ , فَعَمَدَ بَعْضهمْ إِلَى الْجَمَل فَعَرْقَبَهُ , فَلَمَّا سَقَطَ الْجَمَل لِجَنْبِهِ أَدْرَكَ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر عَائِشَة رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا , فَاحْتَمَلَهَا إِلَى الْبَصْرَة , وَخَرَجَتْ فِي ثَلَاثِينَ اِمْرَأَة , قَرَنَهُنَّ عَلِيّ بِهَا حَتَّى أَوْصَلُوهَا إِلَى الْمَدِينَة بَرَّة تَقِيَّة مُجْتَهِدَة , مُصِيبَة مَثَابَة فِيمَا تَأَوَّلَتْ , مَأْجُورَة فِيمَا فَعَلَتْ , إِذْ كُلّ مُجْتَهِد فِي الْأَحْكَام مُصِيب . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي &quot; النَّحْل &quot; اِسْم هَذَا الْجَمَل , وَبِهِ يُعْرَف ذَلِكَ الْيَوْمُ .

أَيْ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى

قَالَ الزَّجَّاج : قِيلَ يُرَاد بِهِ نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ : يُرَاد بِهِ نِسَاؤُهُ وَأَهْله الَّذِينَ هُمْ أَهْل بَيْته , عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه بَعْد و &quot; أَهْل الْبَيْت &quot; نُصِبَ عَلَى الْمَدْح . قَالَ : وَإِنْ شِئْت عَلَى الْبَدَل . قَالَ : وَيَجُوز الرَّفْع وَالْخَفْض . قَالَ النَّحَّاس : إِنْ خُفِضَ عَلَى أَنَّهُ بَدَل مِنْ الْكَاف وَالْمِيم لَمْ يَجُزْ عِنْد أَبِي الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن يَزِيد , قَالَ لَا يُبْدَل مِنْ الْمُخَاطَبَة وَلَا مِنْ الْمُخَاطَب , لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَاجَانِ إِلَى تَبْيِين . &quot; وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرًا &quot; مَصْدَر فِيهِ مَعْنَى التَّوْكِيد .';
$TAFSEER['4']['33']['34'] = 'فِيهِ ثَلَاث مَسَائِل : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : &quot; وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتكُنَّ مِنْ آيَات اللَّه وَالْحِكْمَة &quot; هَذِهِ الْأَلْفَاظ تُعْطِي أَنَّ أَهْل الْبَيْت نِسَاؤُهُ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي أَهْل الْبَيْت , مَنْ هُمْ ؟ فَقَالَ عَطَاء وَعِكْرِمَة وَابْن عَبَّاس : هُمْ زَوْجَاته خَاصَّة , لَا رَجُل مَعَهُنَّ . وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْبَيْت أُرِيدَ بِهِ مَسَاكِن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتكُنَّ &quot; . وَقَالَتْ فِرْقَة مِنْهُمْ الْكَلْبِيّ : هُمْ عَلِيّ وَفَاطِمَة وَالْحَسَن وَالْحُسَيْن خَاصَّة , وَفِي هَذَا أَحَادِيث . عَنْ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام , وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; لِيُذْهِب عَنْكُمْ الرِّجْس أَهْل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ &quot; بِالْمِيمِ وَلَوْ كَانَ لِلنِّسَاءِ خَاصَّة لَكَانَ &quot; عَنْكُنَّ وَيُطَهِّركُنَّ &quot; , إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون خَرَجَ عَلَى لَفْظ الْأَهْل , كَمَا يَقُول الرَّجُل لِصَاحِبِهِ : كَيْف أَهْلك , أَيْ اِمْرَأَتك وَنِسَاؤُك , فَيَقُول : هُمْ بِخَيْرٍ , قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْر اللَّه رَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته عَلَيْكُمْ أَهْل الْبَيْت &quot; [ هُود : 73 ] . 

وَاَلَّذِي يَظْهَر مِنْ الْآيَة أَنَّهَا عَامَّة فِي جَمِيع أَهْل الْبَيْت مِنْ الْأَزْوَاج وَغَيْرهمْ . وَإِنَّمَا قَالَ : &quot; وَيُطَهِّركُمْ &quot; لِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيًّا وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا كَانَ فِيهِمْ , وَإِذَا اِجْتَمَعَ الْمُذَكَّر وَالْمُؤَنَّث غُلِّبَ الْمُذَكَّر , فَاقْتَضَتْ الْآيَة أَنَّ الزَّوْجَات مِنْ أَهْل الْبَيْت , لِأَنَّ الْآيَة فِيهِنَّ , وَالْمُخَاطَبَة لَهُنَّ يَدُلّ عَلَيْهِ سِيَاق الْكَلَام . وَاَللَّه أَعْلَمُ . أَمَّا إِنَّ أُمّ سَلَمَة قَالَتْ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي بَيْتِي , فَدَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَفَاطِمَة وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا , فَدَخَلَ مَعَهُمْ تَحْت كِسَاء خَيْبَرِيّ وَقَالَ : ( هَؤُلَاءِ أَهْل بَيْتِي ) - وَقَرَأَ الْآيَة - وَقَالَ : ( اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْس وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا ) فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَة : وَأَنَا مَعَهُمْ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : ( أَنْتِ عَلَى مَكَانك وَأَنْتِ عَلَى خَيْر ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيْره وَقَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب . وَقَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَقَالَتْ أُمّ سَلَمَة أَدْخَلْت رَأْسِي فِي الْكِسَاء وَقُلْت : أَنَا مِنْهُمْ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ) . وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ : هُمْ بَنُو هَاشِم , فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْبَيْت يُرَاد بِهِ بَيْت النَّسَب , فَيَكُون الْعَبَّاس وَأَعْمَامه وَبَنُو أَعْمَامه مِنْهُمْ . وَرُوِيَ نَحْوه عَنْ زَيْد بْن أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ . وَعَلَى قَوْل الْكَلْبِيّ يَكُون قَوْله : &quot; وَاذْكُرْنَ &quot; اِبْتِدَاء مُخَاطَبَة اللَّه تَعَالَى , أَيْ مُخَاطَبَة أَمْر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَزْوَاجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَلَى جِهَة الْمَوْعِظَة وَتَعْدِيد النِّعْمَة بِذِكْرِ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتهنَّ مِنْ آيَات اللَّه تَعَالَى وَالْحِكْمَة قَالَ أَهْل الْعِلْم بِالتَّأْوِيلِ : &quot; آيَات اللَّه &quot; الْقُرْآن . &quot; وَالْحِكْمَة &quot; السُّنَّة . وَالصَّحِيح أَنَّ قَوْله : &quot; وَاذْكُرْنَ &quot; مَنْسُوق عَلَى مَا قَبْله . وَقَالَ &quot; عَنْكُمْ &quot; لِقَوْلِهِ &quot; أَهْل &quot; فَالْأَهْل مُذَكَّر , فَسَمَّاهُنَّ - وَإِنْ كُنَّ إِنَاثًا - بِاسْمِ التَّذْكِير فَلِذَلِكَ صَارَ &quot; عَنْكُمْ &quot; . وَلَا اِعْتِبَار بِقَوْلِ الْكَلْبِيّ وَأَشْبَاهه , فَإِنَّهُ تُوجَد لَهُ أَشْيَاء فِي هَذَا التَّفْسِير مَا لَوْ كَانَ فِي زَمَن السَّلَف الصَّالِح لَمَنَعُوهُ مِنْ ذَلِكَ وَحَجَرُوا عَلَيْهِ . فَالْآيَات كُلّهَا مِنْ قَوْله : &quot; يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك - إِلَى قَوْله - إِنَّ اللَّه كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا &quot; مَنْسُوق بَعْضهَا عَلَى بَعْض , فَكَيْف صَارَ فِي الْوَسَط كَلَامًا مُنْفَصِلًا لِغَيْرِهِنَّ وَإِنَّمَا هَذَا شَيْء جَرَى فِي الْأَخْبَار أَنَّ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة دَعَا عَلِيًّا وَفَاطِمَة وَالْحَسَن وَالْحُسَيْن , فَعَمَدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كِسَاء فَلَفَّهَا عَلَيْهِمْ , ثُمَّ أَلْوَى بِيَدِهِ إِلَى السَّمَاء فَقَالَ : ( اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْل بَيْتِي اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْس وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا ) . فَهَذِهِ دَعْوَة مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ بَعْد نُزُول الْآيَة , أَحَبَّ أَنْ يُدْخِلهُمْ فِي الْآيَة الَّتِي خُوطِبَ بِهَا الْأَزْوَاج , فَذَهَبَ الْكَلْبِيّ وَمَنْ وَافَقَهُ فَصَيَّرَهَا لَهُمْ خَاصَّة , وَهِيَ دَعْوَة لَهُمْ خَارِجَة مِنْ التَّنْزِيل . 

الثَّانِيَة : لَفْظ الذِّكْر يَحْتَمِل ثَلَاثَة مَعَانٍ : أَحَدهَا : أَيْ اُذْكُرْنَ مَوْضِع النِّعْمَة , إِذْ صَيَّرَكُنَّ اللَّه فِي بُيُوت تُتْلَى فِيهَا آيَات اللَّه وَالْحِكْمَة . الثَّانِي : اُذْكُرْنَ آيَات اللَّه وَاقْدُرْنَ قَدْرهَا , وَفَكِّرْنَ فِيهَا حَتَّى تَكُون مِنْكُنَّ عَلَى بَال لِتَتَّعِظْنَ بِمَوَاعِظ اللَّه تَعَالَى , وَمَنْ كَانَ هَذَا حَالَهُ يَنْبَغِي أَنْ تَحْسُن أَفْعَاله . الثَّالِث : &quot; اُذْكُرْنَ &quot; بِمَعْنَى اِحْفَظْنَ وَاقْرَأْنَ وَأَلْزِمْنَهُ الْأَلْسِنَة , فَكَأَنَّهُ يَقُول : اِحْفَظْنَ أَوَامِر اللَّه تَعَالَى , وَنَوَاهِيَهُ , وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي يُتْلَى فِي بُيُوتكُنَّ مِنْ آيَات اللَّه . فَأَمَرَ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَنْ يُخْبِرْنَ بِمَا يُنَزَّل مِنْ الْقُرْآن فِي بُيُوتهنَّ , وَمَا يَرَيْنَ مِنْ أَفْعَال النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام , وَيَسْمَعْنَ مِنْ أَقْوَاله حَتَّى يُبَلِّغْنَ ذَلِكَ إِلَى النَّاس , فَيَعْمَلُوا وَيَقْتَدُوا . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى جَوَاز قَبُول خَبَر الْوَاحِد مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي الدِّين . 

الثَّالِثَة : قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فِي هَذِهِ الْآيَة مَسْأَلَة بَدِيعَة , وَهِيَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ نَبِيّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِتَبْلِيغِ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْآن , وَتَعْلِيم مَا عَلَّمَهُ مِنْ الدِّين , فَكَانَ إِذَا قَرَأَ عَلَى وَاحِد أَوْ مَا اِتَّفَقَ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْض , وَكَانَ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ أَنْ يُبَلِّغهُ إِلَى غَيْره , وَلَا يَلْزَمهُ أَنْ يَذْكُرهُ لِجَمِيعِ الصَّحَابَة , وَلَا كَانَ عَلَيْهِ إِذَا عَلَّمَ ذَلِكَ أَزْوَاجه أَنْ يَخْرُج إِلَى النَّاس فَيَقُول لَهُمْ نَزَلَ كَذَا وَلَا كَانَ كَذَا , وَلِهَذَا قُلْنَا : يَجُوز الْعَمَل بِخَبَرِ بُسْرَة فِي إِيجَاب الْوُضُوء مِنْ مَسّ الذَّكَر , لِأَنَّهَا رَوَتْ مَا سَمِعَتْ وَبَلَّغَتْ مَا وَعَتْ . وَلَا يَلْزَم أَنْ يُبَلِّغ ذَلِكَ الرِّجَال , كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَة , عَلَى أَنَّهُ قَدْ نُقِلَ عَنْ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَابْن عُمَر .';
$TAFSEER['4']['33']['35'] = 'ت وَالذَّاكِرِينَ اللَّه كَثِيرًا وَالذَّاكِرَات أَعَدَّ اللَّه لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْرًا عَظِيمًا &quot; فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : الْأُولَى : رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ أُمّ عُمَارَة الْأَنْصَارِيَّة أَنَّهَا أَتَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَتْ : مَا أَرَى كُلّ شَيْء إِلَّا لِلرِّجَالِ , وَمَا أَرَى النِّسَاء يُذْكَرْنَ بِشَيْءٍ ! فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : &quot; إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات &quot; الْآيَة . هَذَا حَدِيث حَسَن غَرِيب . و &quot; الْمُسْلِمِينَ &quot; اِسْم &quot; إِنَّ &quot; . &quot; وَالْمُسْلِمَات &quot; عَطْف عَلَيْهِ . وَيَجُوز رَفْعهنَّ عِنْد الْبَصْرِيِّينَ , فَأَمَّا الْفَرَّاء فَلَا يَجُوز عِنْده إِلَّا فِيمَا لَا يَتَبَيَّن فِيهِ الْإِعْرَاب . 

الثَّانِيَة : بَدَأَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة بِذِكْرِ الْإِسْلَام الَّذِي يَعُمّ الْإِيمَان وَعَمَل الْجَوَارِح , ثُمَّ ذَكَرَ الْإِيمَان تَخْصِيصًا لَهُ وَتَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ عُظْمُ الْإِسْلَامِ وَدِعَامَته . وَالْقَانِت : الْعَابِد الْمُطِيع . وَالصَّادِق : مَعْنَاهُ فِيمَا عُوهِدَ عَلَيْهِ أَنْ يَفِي بِهِ . وَالصَّابِر عَنْ الشَّهَوَات وَعَلَى الطَّاعَات فِي الْمَكْرَه وَالْمَنْشَط . وَالْخَاشِع : الْخَائِف لِلَّهِ . وَالْمُتَصَدِّق بِالْفَرْضِ وَالنَّفْل . وَقِيلَ . بِالْفَرْضِ خَاصَّة , وَالْأَوَّل أَمْدَحُ . وَالصَّائِم كَذَلِكَ . &quot; وَالْحَافِظِينَ فُرُوجهمْ وَالْحَافِظَات &quot; أَيْ عَمَّا لَا يَحِلّ مِنْ الزِّنَى وَغَيْره . وَفِي قَوْله : &quot; وَالْحَافِظَات &quot; حَذْف يَدُلّ عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّم , تَقْدِيره : وَالْحَافِظَاتِهَا , فَاكْتُفِيَ بِمَا تَقَدَّمَ . وَفِي &quot; الذَّاكِرَات &quot; أَيْضًا مِثْله , وَنَظِيره قَوْل الشَّاعِر : وَكُمْتًا مُدَمَّاة كَأَنَّ مُتُونهَا جَرَى فَوْقهَا وَاسْتَشْعَرَتْ لَوْنُ مُذْهَبِ وَرَوَى سِيبَوَيْهِ : &quot; لَوْنَ مُذْهَبِ &quot; بِالنَّصْبِ . وَإِنَّمَا يَجُوز الرَّفْع عَلَى حَذْف الْهَاء , كَأَنَّهُ قَالَ : وَاسْتَشْعَرَتْهُ , فِيمَنْ رَفَعَ لَوْنًا . وَالذَّاكِر قِيلَ فِي أَدْبَار الصَّلَوَات وَغُدُوًّا وَعَشِيًّا , وَفِي الْمَضَاجِع وَعِنْد الِانْتِبَاه مِنْ النَّوْم . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا كُلّه مُفَصَّلًا فِي مَوَاضِعه , وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِد وَالْأَحْكَام , فَأَغْنَى عَنْ الْإِعَادَة . وَالْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ . قَالَ مُجَاهِد : لَا يَكُون ذَاكِرًا لِلَّهِ تَعَالَى كَثِيرًا حَتَّى يَذْكُرهُ قَائِمًا وَجَالِسًا وَمُضْطَجِعًا . وَقَالَ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : مَنْ أَيْقَظَ أَهْله بِاللَّيْلِ وَصَلَّيَا أَرْبَع رَكَعَات كُتِبَا مِنْ الذَّاكِرِينَ اللَّه كَثِيرًا وَالذَّاكِرَات .';
$TAFSEER['4']['33']['36'] = 'فِيهِ أَرْبَع مَسَائِل : الْأُولَى : رَوَى قَتَادَة وَابْن عَبَّاس وَمُجَاهِد فِي سَبَب نُزُول هَذِهِ الْآيَة : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ زَيْنَب بِنْت جَحْش , وَكَانَتْ بِنْت عَمَّته , فَظَنَّتْ أَنَّ الْخِطْبَة لِنَفْسِهِ , فَلَمَّا تَبَيَّنَ أَنَّهُ يُرِيدهَا لِزَيْدٍ , كَرِهَتْ وَأَبَتْ وَامْتَنَعَتْ , فَنَزَلَتْ الْآيَة . فَأَذْعَنَتْ زَيْنَب حِينَئِذٍ وَتَزَوَّجَتْهُ . فِي رِوَايَة : فَامْتَنَعَتْ وَامْتَنَعَ أَخُوهَا عَبْد اللَّه لِنَسَبِهَا مِنْ قُرَيْش , وَأَنَّ زَيْدًا كَانَ بِالْأَمْسِ عَبْدًا , إِلَى أَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ لَهُ أَخُوهَا : مُرْنِي بِمَا شِئْت , فَزَوَّجَهَا مِنْ زَيْد . وَقِيلَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أُمّ كُلْثُوم بِنْت عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط , وَكَانَتْ وَهَبَتْ نَفْسهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَزَوَّجَهَا مِنْ زَيْد بْن حَارِثَة , فَكَرِهَتْ ذَلِكَ هِيَ وَأَخُوهَا وَقَالَا : إِنَّمَا أَرَدْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَوَّجَنَا غَيْرَهُ , فَنَزَلَتْ الْآيَة بِسَبَبِ ذَلِكَ , فَأَجَابَا إِلَى تَزْوِيج زَيْد , قَالَهُ اِبْن زَيْد . وَقَالَ الْحَسَن : لَيْسَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَة إِذَا أَمَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرٍ أَنْ يَعْصِيَاهُ . 

الثَّانِيَة : لَفْظَة &quot; مَا كَانَ , وَمَا يَنْبَغِي &quot; وَنَحْوهمَا , مَعْنَاهَا الْحَظْر وَالْمَنْع . فَتَجِيء لِحَظْرِ الشَّيْء وَالْحُكْم بِأَنَّهُ لَا يَكُون , كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَة . وَرُبَّمَا كَانَ اِمْتِنَاع ذَلِكَ الشَّيْء عَقْلًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرهَا &quot; [ النَّمْل : 60 ] وَرُبَّمَا كَانَ الْعِلْم بِامْتِنَاعِهِ شَرْعًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّه الْكِتَاب وَالْحُكْم وَالنُّبُوَّة &quot; [ آل عِمْرَان : 79 ] وَقَوْله تَعَالَى : &quot; وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمهُ اللَّه إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاء حِجَاب &quot; [ الشُّورَى : 51 ] . وَرُبَّمَا كَانَ فِي الْمَنْدُوبَات , كَمَا تَقُول : مَا كَانَ لَك يَا فُلَان أَنْ تَتْرُك النَّوَافِل , وَنَحْو هَذَا . 

الثَّالِثَة : فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل بَلْ نَصّ فِي أَنَّ الْكَفَاءَة لَا تُعْتَبَر فِي الْأَحْسَاب وَإِنَّمَا تُعْتَبَر فِي الْأَدْيَان , خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيّ وَالْمُغِيرَة وَسَحْنُون . وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوَالِيَ تَزَوَّجَتْ فِي قُرَيْش , تَزَوَّجَ زَيْد زَيْنَب بِنْت جَحْش . وَتَزَوَّجَ الْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد ضُبَاعَة بِنْت الزُّبَيْر . وَزَوَّجَ أَبُو حُذَيْفَة سَالِمًا مِنْ فَاطِمَة بِنْت الْوَلِيد بْن عُتْبَة . وَتَزَوَّجَ بِلَال أُخْت عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْر مَوْضِع . 

الرَّابِعَة : قَوْله تَعَالَى : &quot; أَنْ يَكُون لَهُمْ الْخِيَرَة مِنْ أَمْرهمْ &quot; قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ : &quot; أَنْ يَكُون &quot; بِالْيَاءِ . وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد , لِأَنَّهُ قَدْ فَرَّقَ بَيْن الْمُؤَنَّث وَبَيْن فِعْله . الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ , لِأَنَّ اللَّفْظ مُؤَنَّث فَتَأْنِيث فِعْله حَسَن . وَالتَّذْكِير عَلَى أَنَّ الْخِيَرَة بِمَعْنَى التَّخْيِير , فَالْخِيَرَة مَصْدَر بِمَعْنَى الِاخْتِيَار . وَقَرَأَ اِبْن السَّمَيْقَع &quot; الْخِيْرَة &quot; بِإِسْكَانِ الْيَاء . وَهَذِهِ الْآيَة فِي ضِمْن قَوْله تَعَالَى : &quot; النَّبِيّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسهمْ &quot; [ الْأَحْزَاب : 6 ] . ثُمَّ تَوَعَّدَ تَعَالَى وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ يَعْصِ اللَّه وَرَسُوله فَقَدْ ضَلَّ . وَهَذَا أَدَلُّ دَلِيل عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُور مِنْ فُقَهَائِنَا , وَفُقَهَاء أَصْحَاب الْإِمَام الشَّافِعِيّ وَبَعْض الْأُصُولِيِّينَ , مِنْ أَنَّ صِيغَة &quot; أَفْعِلْ &quot; لِلْوُجُوبِ فِي أَصْل وَضْعهَا , لِأَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَفَى خِيَرَة الْمُكَلَّف عِنْد سَمَاع أَمْره وَأَمْر رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ أَطْلَقَ عَلَى مَنْ بَقِيَتْ لَهُ خِيَرَة عِنْد صُدُور الْأَمْر اِسْم الْمَعْصِيَة , ثُمَّ عَلَّقَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِذَلِكَ الضَّلَالَ , فَلَزِمَ حَمْل الْأَمْر عَلَى الْوُجُوب . وَاَللَّه أَعْلَمُ .';
$TAFSEER['4']['33']['37'] = 'فِيهِ ثَلَاث مَسَائِل : الْأُولَى : رَوَى التِّرْمِذِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن حُجْر قَالَ حَدَّثَنَا دَاوُد بْن الزِّبْرِقَان عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ : لَوْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِمًا شَيْئًا مِنْ الْوَحْي لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَة : &quot; وَإِذْ تَقُول لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ &quot; يَعْنِي بِالْإِسْلَامِ &quot; وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ &quot; بِالْعِتْقِ فَأَعْتَقْته . &quot; أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجك وَاتَّقِ اللَّه وَتُخْفِي فِي نَفْسك مَا اللَّه مُبْدِيه وَتَخْشَى النَّاس وَاَللَّه أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ - إِلَى قَوْله - وَكَانَ أَمْر اللَّه مَفْعُولًا &quot; وَأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجَهَا قَالُوا : تَزَوَّجَ حَلِيلَة اِبْنه , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : &quot; مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أَحَد مِنْ رِجَالكُمْ وَلَكِنْ رَسُول اللَّه وَخَاتَم النَّبِيِّينَ &quot; [ الْأَحْزَاب : 40 ] . وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَنَّاهُ وَهُوَ صَغِير , فَلَبِثَ حَتَّى صَارَ رَجُلًا يُقَال لَهُ زَيْد بْن مُحَمَّد , فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى &quot; اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْد اللَّه فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانكُمْ فِي الدِّين وَمَوَالِيكُمْ &quot; [ الْأَحْزَاب : 5 ] فُلَان مَوْلَى فُلَان , وَفُلَان أَخُو فُلَان , هُوَ أَقْسَطُ عِنْد اللَّه يَعْنِي أَعْدَلُ . قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث غَرِيب قَدْ رُوِيَ عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ مَسْرُوق عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا . قَالَتْ : لَوْ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِمًا شَيْئًا مِنْ الْوَحْي لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَة &quot; وَإِذْ تَقُول لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ &quot; هَذَا الْحَرْف لَمْ يُرْوَ بِطُولِهِ . 

قُلْت : هَذَا الْقَدْر هُوَ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه , وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيّ فِي جَامِعه . وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ هَذِهِ الْآيَة &quot; وَتُخْفِي فِي نَفْسك مَا اللَّه مُبْدِيه &quot; نَزَلَتْ فِي شَأْن زَيْنَب بِنْت جَحْش وَزَيْد بْن حَارِثَة . وَقَالَ عَمْرو بْن مَسْعُود وَعَائِشَة وَالْحَسَن : مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى رَسُوله آيَة أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَة . وَقَالَ الْحَسَن وَعَائِشَة : لَوْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِمًا شَيْئًا مِنْ الْوَحْي لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَة لِشِدَّتِهَا عَلَيْهِ . وَرُوِيَ فِي الْخَبَر أَنَّهُ : أَمْسَى زَيْد فَأَوَى إِلَى فِرَاشه , قَالَتْ زَيْنَب : وَلَمْ يَسْتَطِعْنِي زَيْد , وَمَا أَمْتَنِع مِنْهُ غَيْر مَا مَنَعَهُ اللَّه مِنِّي , فَلَا يَقْدِر عَلَيَّ . هَذِهِ رِوَايَة أَبِي عِصْمَة نُوح بْن أَبِي مَرْيَم , رَفَعَ الْحَدِيث إِلَى زَيْنَب أَنَّهَا قَالَتْ ذَلِكَ . وَفِي بَعْض الرِّوَايَات : أَنَّ زَيْدًا تَوَرَّمَ ذَلِكَ مِنْهُ حِين أَرَادَ أَنْ يَقْرَبهَا , فَهَذَا قَرِيب مِنْ ذَلِكَ . وَجَاءَ زَيْد إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ زَيْنَب تُؤْذِينِي بِلِسَانِهَا وَتَفْعَل وَتَفْعَل ! وَإِنِّي أُرِيد أَنْ أُطَلِّقهَا , فَقَالَ لَهُ : ( أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجك وَاتَّقِ اللَّه ) الْآيَة . فَطَلَّقَهَا زَيْد فَنَزَلَتْ : &quot; وَإِذْ تَقُول لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ &quot; الْآيَة . 

وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة , فَذَهَبَ قَتَادَة وَابْن زَيْد وَجَمَاعَة مِنْ الْمُفَسِّرِينَ , مِنْهُمْ الطَّبَرِيّ وَغَيْره - إِلَى أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَ مِنْهُ اِسْتِحْسَان لِزَيْنَب بِنْت جَحْش , وَهِيَ فِي عِصْمَة زَيْد , وَكَانَ حَرِيصًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقهَا زَيْد فَيَتَزَوَّجهَا هُوَ ; ثُمَّ إِنَّ زَيْدًا لَمَّا أَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ يُرِيد فِرَاقهَا , وَيَشْكُو مِنْهَا غِلْظَة قَوْل وَعِصْيَان أَمْر , وَأَذًى بِاللِّسَانِ وَتَعَظُّمًا بِالشَّرَفِ , قَالَ لَهُ : ( اِتَّقِ اللَّه - أَيْ فِيمَا تَقُول عَنْهَا - وَأَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجك ) وَهُوَ يُخْفِي الْحِرْص عَلَى طَلَاق زَيْد إِيَّاهَا . وَهَذَا الَّذِي كَانَ يُخْفِي فِي نَفْسه , وَلَكِنَّهُ لَزِمَ مَا يَجِب مِنْ الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ . وَقَالَ مُقَاتِل : زَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ مِنْ زَيْد فَمَكَثَتْ عِنْده حِينًا , ثُمَّ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَتَى زَيْدًا يَوْمًا يَطْلُبهُ , فَأَبْصَرَ زَيْنَب قَائِمَة , كَانَتْ بَيْضَاء جَمِيلَة جَسِيمَة مِنْ أَتَمِّ نِسَاء قُرَيْش , فَهَوِيَهَا وَقَالَ : ( سُبْحَان اللَّه مُقَلِّب الْقُلُوب ) ! فَسَمِعَتْ زَيْنَب بِالتَّسْبِيحَةِ فَذَكَرَتْهَا لِزَيْدٍ , فَفَطِنَ زَيْد فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , اِئْذَنْ لِي فِي طَلَاقهَا , فَإِنَّ فِيهَا كِبْرًا , تَعْظُم عَلَيَّ وَتُؤْذِينِي بِلِسَانِهَا , فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجك وَاتَّقِ اللَّه ) . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه بَعَثَ رِيحًا فَرَفَعَتْ السِّتْر وَزَيْنَب مُتَفَضِّلَة فِي مَنْزِلهَا , فَرَأَى زَيْنَب فَوَقَعَتْ فِي نَفْسه , وَوَقَعَ فِي نَفْس زَيْنَب أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي نَفْس النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ لَمَّا جَاءَ يَطْلُب زَيْدًا , فَجَاءَ زَيْد فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ , فَوَقَعَ فِي نَفْس زَيْد أَنْ يُطَلِّقهَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : &quot; وَتُخْفِي فِي نَفْسك &quot; الْحُبّ لَهَا . &quot; وَتَخْشَى النَّاس &quot; أَيْ تَسْتَحْيِيهِمْ وَقِيلَ : تَخَاف وَتَكْرَه لَائِمَة الْمُسْلِمِينَ لَوْ قُلْت طَلِّقْهَا , وَيَقُولُونَ أَمَرَ رَجُلًا بِطَلَاقِ اِمْرَأَته ثُمَّ نَكَحَهَا حِين طَلَّقَهَا . &quot; وَاَللَّه أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ &quot; فِي كُلّ الْأَحْوَال . وَقِيلَ وَاَللَّه أَحَقُّ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنْهُ , وَلَا تَأْمُر زَيْدًا بِإِمْسَاكِ زَوْجَته بَعْد أَنْ أَعْلَمَك اللَّه أَنَّهَا سَتَكُونُ زَوْجَتك , فَعَاتَبَهُ اللَّه عَلَى جَمِيع هَذَا . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ أَوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ أَنَّ زَيْدًا يُطَلِّق زَيْنَب , وَأَنَّهُ يَتَزَوَّجهَا بِتَزْوِيجِ اللَّه إِيَّاهَا , فَلَمَّا تَشَكَّى زَيْد لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُلُقَ زَيْنَب , وَأَنَّهَا لَا تُطِيعهُ , وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ يُرِيد طَلَاقهَا , قَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِهَة الْأَدَب وَالْوَصِيَّة : ( اِتَّقِ اللَّه فِي قَوْلك وَأَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجك ) وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُ سَيُفَارِقُهَا وَيَتَزَوَّجهَا , وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَخْفَى فِي نَفْسه , وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَأْمُرهُ بِالطَّلَاقِ لِمَا عَلِمَ أَنَّهُ سَيَتَزَوَّجُهَا , وَخَشِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَلْحَقهُ قَوْل مِنْ النَّاس فِي أَنْ يَتَزَوَّج زَيْنَب بَعْد زَيْد , وَهُوَ مَوْلَاهُ , وَقَدْ أَمَرَهُ بِطَلَاقِهَا , فَعَاتَبَهُ اللَّه تَعَالَى عَلَى هَذَا الْقَدْر مِنْ أَنْ خَشِيَ النَّاس فِي شَيْء قَدْ أَبَاحَهُ اللَّه لَهُ , بِأَنْ قَالَ : &quot; أَمْسِكْ &quot; مَعَ عِلْمه بِأَنَّهُ يُطَلِّق . وَأَعْلَمَهُ أَنَّ اللَّه أَحَقُّ بِالْخَشْيَةِ , أَيْ فِي كُلّ حَال . قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ : وَهَذَا الْقَوْل أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة , وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْل التَّحْقِيق مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَالْعُلَمَاء الرَّاسِخِينَ , كَالزُّهْرِيِّ وَالْقَاضِي بَكْر بْن الْعَلَاء الْقُشَيْرِيّ , وَالْقَاضِي أَبِي بَكْر بْن الْعَرَبِيّ وَغَيْرهمْ . وَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; وَتَخْشَى النَّاس &quot; إِنَّمَا هُوَ إِرْجَاف الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّهُ نَهَى عَنْ تَزْوِيج نِسَاء الْأَبْنَاء وَتَزَوَّجَ بِزَوْجَةِ اِبْنه . فَأَمَّا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَوِيَ زَيْنَب اِمْرَأَة زَيْد - وَرُبَّمَا أَطْلَقَ بَعْض الْمُجَّان لَفْظ عَشِقَ - فَهَذَا إِنَّمَا يَصْدُر عَنْ جَاهِل بِعِصْمَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مِثْل هَذَا , أَوْ مُسْتَخِفّ بِحُرْمَتِهِ . قَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي نَوَادِر الْأُصُول , وَأَسْنَدَ إِلَى عَلِيّ بْن الْحُسَيْن قَوْلَهُ : فَعَلِيّ بْن الْحُسَيْن جَاءَ بِهَذَا مِنْ خِزَانَة الْعِلْم جَوْهَرًا مِنْ الْجَوَاهِر , وَدُرًّا مِنْ الدُّرَر , أَنَّهُ إِنَّمَا عَتَبَ اللَّه عَلَيْهِ فِي أَنَّهُ قَدْ أَعْلَمَهُ أَنْ سَتَكُونُ هَذِهِ مِنْ أَزْوَاجك , فَكَيْف قَالَ بَعْد ذَلِكَ لِزَيْدٍ : ( أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجك ) وَأَخَذَتْك خَشْيَة النَّاس أَنْ يَقُولُوا : تَزَوَّجَ اِمْرَأَة اِبْنه , وَاَللَّه أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ . وَقَالَ النَّحَّاس : قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : لَيْسَ هَذَا مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيئَة , أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يُؤْمَر بِالتَّوْبَةِ وَلَا بِالِاسْتِغْفَارِ مِنْهُ . وَقَدْ يَكُون الشَّيْء لَيْسَ بِخَطِيئَةٍ إِلَّا أَنَّ غَيْرَهُ أَحْسَنُ مِنْهُ , وَأَخْفَى ذَلِكَ فِي نَفْسه خَشْيَة أَنْ يُفْتَتَن النَّاسُ . 

الثَّانِيَة : قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فَإِنْ قِيلَ لِأَيِّ مَعْنًى قَالَ لَهُ : ( أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجك ) وَقَدْ أَخْبَرَهُ اللَّه أَنَّهَا زَوْجه . قُلْنَا : أَرَادَ أَنْ يَخْتَبِر مِنْهُ مَا لَمْ يُعْلِمْهُ اللَّهُ مِنْ رَغْبَتِهِ فِيهَا أَوْ رَغْبَتِهِ عَنْهَا , فَأَبْدَى لَهُ زَيْدٌ مِنْ النُّفْرَة عَنْهَا وَالْكَرَاهَة فِيهَا مَا لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ مِنْهُ فِي أَمْرهَا . فَإِنْ قِيلَ : كَيْف يَأْمُرهُ بِالتَّمَسُّكِ بِهَا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْفِرَاق لَا بُدّ مِنْهُ ؟ وَهَذَا تَنَاقُض . قُلْنَا : بَلْ هُوَ صَحِيح لِلْمَقَاصِدِ الصَّحِيحَة , لِإِقَامَةِ الْحُجَّة وَمَعْرِفَة الْعَاقِبَة , أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَأْمُر الْعَبْد بِالْإِيمَانِ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُؤْمِن , فَلَيْسَ فِي مُخَالَفَة مُتَعَلَّق الْأَمْر لِمُتَعَلَّقِ الْعِلْم مَا يَمْنَع مِنْ الْأَمْر بِهِ عَقْلًا وَحُكْمًا . وَهَذَا مِنْ نَفِيس الْعِلْم فَتَيَقَّنُوهُ وَتَقَبَّلُوهُ وَقَوْله : &quot; وَاتَّقِ اللَّه &quot; أَيْ فِي طَلَاقهَا , فَلَا تُطَلِّقهَا . وَأَرَادَ نَهْي تَنْزِيه لَا نَهْي تَحْرِيم , لِأَنَّ الْأَوْلَى أَلَّا يُطَلِّق . وَقِيلَ : &quot; اِتَّقِ اللَّه &quot; فَلَا تَذُمّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكِبْر وَأَذَى الزَّوْج . &quot; وَتُخْفِي فِي نَفْسك &quot; قِيلَ تَعَلُّق قَلْبِهِ . وَقِيلَ : مُفَارَقَة زَيْد إِيَّاهَا . وَقِيلَ : عِلْمُهُ بِأَنَّ زَيْدًا سَيُطَلِّقُهَا , لِأَنَّ اللَّه قَدْ أَعْلَمَهُ بِذَلِكَ . 

الثَّالِثَة : رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِزَيْدٍ : ( مَا أَجِد فِي نَفْسِي أَوْثَقَ مِنْك فَاخْطُبْ زَيْنَب عَلَيَّ ) قَالَ : فَذَهَبْت وَوَلَّيْتهَا ظَهْرِي تَوْقِيرًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَخَطَبْتهَا فَفَرِحَتْ وَقَالَتْ : مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُوَامِرَ رَبِّي , فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدهَا وَنَزَلَ الْقُرْآن , فَتَزَوَّجَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَخَلَ بِهَا . 

قُلْت : مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث ثَابِت فِي الصَّحِيح . وَتَرْجَمَ لَهُ النَّسَائِيّ ( صَلَاة الْمَرْأَة إِذَا خُطِبَتْ وَاسْتِخَارَتُهَا رَبَّهَا ) رَوَى الْأَئِمَّة - وَاللَّفْظ لِمُسْلِمٍ - عَنْ أَنَس قَالَ : لَمَّا اِنْقَضَتْ عِدَّة زَيْنَب قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدٍ : ( فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ ) قَالَ : فَانْطَلَقَ زَيْد حَتَّى أَتَاهَا وَهِيَ تُخَمِّر عَجِينَهَا . قَالَ : فَلَمَّا رَأَيْتهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي , حَتَّى مَا أَسْتَطِيع أَنْ أَنْظُر إِلَيْهَا , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهَا فَوَلَّيْتهَا ظَهْرِي , وَنَكَصْت عَلَى عَقِبِي , فَقُلْت : يَا زَيْنَب , أَرْسَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرك , قَالَتْ , : مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُوَامِرَ رَبِّي , فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدهَا وَنَزَلَ الْقُرْآن . وَجَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْن . قَالَ : فَقَالَ وَلَقَدْ رَأَيْتنَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْعَمَنَا الْخُبْز وَاللَّحْم حِين اِمْتَدَّ النَّهَار ... الْحَدِيث . فِي رِوَايَة ( حَتَّى تَرَكُوهُ ) . وَفِي رِوَايَة عَنْ أَنَس أَيْضًا قَالَ : مَا رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَمَ عَلَى اِمْرَأَة مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَب , فَإِنَّهُ ذَبَحَ شَاة . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : فَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لِزَيْدٍ : ( فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ ) أَيْ اُخْطُبْهَا , كَمَا بَيَّنَهُ الْحَدِيث الْأَوَّل . وَهَذَا اِمْتِحَان لِزَيْدٍ وَاخْتِبَار لَهُ , حَتَّى يُظْهِر صَبْره وَانْقِيَاده وَطَوْعه . 

قُلْت : وَقَدْ يُسْتَنْبَط مِنْ هَذَا أَنْ يَقُول الْإِنْسَان لِصَاحِبِهِ : اُخْطُبْ عَلَيَّ فُلَانَة , لِزَوْجِهِ الْمُطَلَّقَة مِنْهُ , وَلَا حَرَج فِي ذَلِكَ . وَاَللَّه أَعْلَمُ .

فِيهِ سِتّ مَسَائِل : الْأُولَى : لَمَّا وَكَّلَتْ أَمْرهَا إِلَى اللَّه وَصَحَّ تَفْوِيضهَا إِلَيْهِ تَوَلَّى اللَّه إِنْكَاحهَا , وَلِذَلِكَ قَالَ : &quot; فَلَمَّا قَضَى زَيْد مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكهَا &quot; . وَرَوَى الْإِمَام جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ آبَائِهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ &quot; وَطَرًا زَوَّجْتُكهَا &quot; . وَلَمَّا أَعْلَمَهُ اللَّه بِذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْن , وَلَا تَجْدِيد عَقْد وَلَا تَقْرِير صَدَاق , وَلَا شَيْء مِمَّا يَكُون شَرْطًا فِي حُقُوقنَا وَمَشْرُوعًا لَنَا . وَهَذَا مِنْ خُصُوصِيَّاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي لَا يُشَارِكهُ فِيهَا أَحَد بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . وَلِهَذَا كَانَتْ زَيْنَب تُفَاخِر نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُول : زَوَّجَكُنَّ آبَاؤُكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّه تَعَالَى . أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : كَانَتْ زَيْنَب تَفْخَر عَلَى نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُول . إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْكَحَنِي مِنْ السَّمَاء . وَفِيهَا نَزَلَتْ آيَة الْحِجَاب , وَسَيَأْتِي . 

الثَّانِيَة : الْمُنْعَم عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْآيَة هُوَ زَيْد بْن حَارِثَة , كَمَا بَيَّنَّاهُ , وَقَدْ تَقَدَّمَ خَبَره فِي أَوَّل السُّورَة . وَرُوِيَ أَنَّ عَمّه لَقِيَهُ يَوْمًا وَكَانَ قَدْ وَرَدَ مَكَّة فِي شُغْل لَهُ , فَقَالَ : مَا اِسْمك يَا غُلَام ؟ قَالَ : زَيْد , قَالَ : اِبْن مَنْ ؟ قَالَ : اِبْن حَارِثَة . قَالَ اِبْن مَنْ ؟ قَالَ : اِبْن شَرَاحِيل الْكَلْبِيّ . قَالَ : فَمَا اِسْم أُمّك ؟ قَالَ : سُعْدَى , وَكُنْت فِي أَخْوَالِي طَيّ , فَضَمَّهُ إِلَى صَدْره . وَأَرْسَلَ إِلَى أَخِيهِ وَقَوْمه فَحَضَرُوا , وَأَرَادُوا مِنْهُ أَنْ يُقِيم مَعَهُمْ , فَقَالُوا : لِمَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : لِمُحَمَّدِ بْن عَبْد اللَّه , فَأَتَوْهُ وَقَالُوا : هَذَا اِبْننَا فَرُدَّهُ عَلَيْنَا . فَقَالَ : ( أَعْرِض عَلَيْهِ فَإِنْ اِخْتَارَكُمْ فَخُذُوا بِيَدِهِ ) فَبَعَثَ إِلَى زَيْد وَقَالَ : ( هَلْ تَعْرِف هَؤُلَاءِ ) ؟ قَالَ نَعَمْ هَذَا أَبِي , وَهَذَا أَخِي , وَهَذَا عَمِّي . فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَأَيُّ صَاحِبٍ كُنْت لَك ) ؟ فَبَكَى وَقَالَ : لِمَ سَأَلْتنِي عَنْ ذَلِكَ ؟ قَالَ : ( أُخَيِّرك فَإِنْ أَحْبَبْت أَنْ تَلْحَق بِهِمْ فَالْحَقْ وَإِنْ أَرَدْت أَنْ تُقِيم فَأَنَا مَنْ قَدْ عَرَفْت ) فَقَالَ : مَا أَخْتَار عَلَيْك أَحَدًا . فَجَذَبَهُ عَمّه وَقَالَ : يَا زَيْد , اِخْتَرْت الْعُبُودِيَّة عَلَى أَبِيك وَعَمّك ! فَقَالَ : أَيْ وَاَللَّه الْعُبُودِيَّة عِنْد مُحَمَّد أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُون عِنْدكُمْ . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اِشْهَدُوا أَنِّي وَارِث وَمَوْرُوث ) . فَلَمْ يَزَلْ يُقَال : زَيْد بْن مُحَمَّد إِلَى أَنْ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى : &quot; اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ &quot; [ الْأَحْزَاب : 5 ] وَنَزَلَ &quot; مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أَحَد مِنْ رِجَالكُمْ &quot; [ الْأَحْزَاب : 40 ] . 

الثَّالِثَة : قَالَ الْإِمَام أَبُو الْقَاسِم عَبْد الرَّحْمَن السُّهَيْلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : كَانَ يُقَال زَيْد بْن مُحَمَّد حَتَّى نَزَلَ &quot; اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ &quot; [ الْأَحْزَاب : 5 ] فَقَالَ : أَنَا زَيْد بْن حَارِثَة . وَحُرِّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُول : أَنَا زَيْد بْن مُحَمَّد . فَلَمَّا نُزِعَ عَنْهُ هَذَا الشَّرَف وَهَذَا الْفَخْر , وَعَلِمَ اللَّه وَحْشَته مِنْ ذَلِكَ شَرَّفَهُ بِخِصِّيصَةٍ لَمْ يَكُنْ يَخُصّ بِهَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ أَنَّهُ سَمَّاهُ فِي الْقُرْآن , فَقَالَ تَعَالَى : &quot; فَلَمَّا قَضَى زَيْد مِنْهَا وَطَرًا &quot; يَعْنِي مِنْ زَيْنَب . وَمَنْ ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى بِاسْمِهِ فِي الذِّكْر الْحَكِيم حَتَّى صَارَ اِسْمه قُرْآنًا يُتْلَى فِي الْمَحَارِيب , نَوَّهَ بِهِ غَايَة التَّنْوِيه , فَكَانَ فِي هَذَا تَأْنِيس لَهُ وَعِوَض مِنْ الْفَخْر بِأُبُوَّةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ . أَلَا تَرَى إِلَى قَوْل أُبَيّ بْن كَعْب حِين قَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْك سُورَة كَذَا ) فَبَكَى وَقَالَ : أَوَذُكِرْت هُنَالِكَ ؟ وَكَانَ بُكَاؤُهُ مِنْ الْفَرَح حِين أُخْبِرَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذَكَرَهُ , فَكَيْف بِمَنْ صَارَ اِسْمه قُرْآنًا يُتْلَى مُخَلَّدًا لَا يَبِيد , يَتْلُوهُ أَهْل الدُّنْيَا إِذَا قَرَءُوا الْقُرْآن , وَأَهْل الْجَنَّة كَذَلِكَ أَبَدًا , لَا يَزَال عَلَى أَلْسِنَة الْمُؤْمِنِينَ , كَمَا لَمْ يَزَلْ مَذْكُورًا عَلَى الْخُصُوص عِنْد رَبّ الْعَالَمِينَ , إِذْ الْقُرْآن كَلَام اللَّه الْقَدِيم , وَهُوَ بَاقٍ لَا يَبِيد , فَاسْم زَيْد هَذَا فِي الصُّحُف الْمُكَرَّمَة الْمَرْفُوعَة الْمُطَهَّرَة , تَذْكُرهُ فِي التِّلَاوَة السَّفَرَة الْكِرَام الْبَرَرَة . وَلَيْسَ ذَلِكَ لِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاء الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا لِنَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاء , وَلِزَيْدِ بْن حَارِثَة تَعْوِيضًا مِنْ اللَّه تَعَالَى لَهُ مِمَّا نُزِعَ عَنْهُ . وَزَادَ فِي الْآيَة أَنْ قَالَ : &quot; وَإِذْ تَقُول لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ &quot; أَيْ بِالْإِيمَانِ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْل الْجَنَّة , عَلِمَ ذَلِكَ قَبْل أَنْ يَمُوت , وَهَذِهِ فَضِيلَة أُخْرَى . 

الرَّابِعَة : قَوْله تَعَالَى : &quot; وَطَرًا &quot; الْوَطَر كُلّ حَاجَة لِلْمَرْءِ لَهُ فِيهَا هِمَّة , وَالْجَمْع الْأَوْطَار . قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ بَلَغَ مَا أَرَادَ مِنْ حَاجَته , يَعْنِي الْجِمَاع . وَفِيهِ إِضْمَار , أَيْ لَمَّا قَضَى وَطَره مِنْهَا وَطَلَّقَهَا &quot; زَوَّجْنَاكهَا &quot; . وَقِرَاءَة أَهْل الْبَيْت &quot; زَوَّجْتُكهَا &quot; . وَقِيلَ : الْوَطَر عِبَارَة عَنْ الطَّلَاق , قَالَهُ قَتَادَة . 

الْخَامِسَة : ذَهَبَ بَعْض النَّاس مِنْ هَذِهِ الْآيَة , وَمِنْ قَوْل شُعَيْب : &quot; إِنِّي أُرِيد أَنْ أُنْكِحَك &quot; [ الْقَصَص : 27 ] إِلَى أَنَّ تَرْتِيب هَذَا الْمَعْنَى فِي الْمُهُور يَنْبَغِي أَنْ يَكُون : &quot; أَنْكَحَهُ إِيَّاهَا &quot; فَتَقَدَّمَ ضَمِير الزَّوْج كَمَا فِي الْآيَتَيْنِ . وَكَذَلِكَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لِصَاحِبِ الرِّدَاء ( اِذْهَبْ فَقَدْ أَنْكَحْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآن ) . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا غَيْر لَازِم , لِأَنَّ الزَّوْج فِي الْآيَة مُخَاطَب فَحَسُنَ تَقْدِيمه , وَفِي الْمُهُور الزَّوْجَانِ سَوَاء , فَقَدِّمْ مَنْ شِئْت , وَلَمْ يَبْقَ تَرْجِيح إِلَّا بِدَرَجَةِ الرِّجَال , وَأَنَّهُمْ الْقَوَّامُونَ . 

‎السَّادِسَة : قَوْله تَعَالَى : &quot; زَوَّجْنَاكهَا &quot; دَلِيل عَلَى ثُبُوت الْوَلِيّ فِي النِّكَاح , وَقَدْ : تَقَدَّمَ الْخِلَاف فِي ذَلِكَ . رُوِيَ أَنَّ عَائِشَة وَزَيْنَب تَفَاخَرَتَا , فَقَالَتْ عَائِشَة : أَنَا الَّتِي جَاءَ بِي الْمَلَك إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرَقَة مِنْ حَرِير فَيَقُول : ( هَذِهِ اِمْرَأَتُك ) خَرَّجَهُ الصَّحِيح . وَقَالَتْ زَيْنَب : أَنَا الَّتِي زَوَّجَنِي اللَّه مِنْ فَوْق سَبْع سَمَوَات . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : كَانَتْ زَيْنَب تَقُول لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَدِلّ عَلَيْك بِثَلَاثٍ , مَا مِنْ نِسَائِك اِمْرَأَة تَدِلّ بِهِنَّ : إِنَّ جَدِّي وَجَدّك وَاحِد , وَإِنَّ اللَّه أَنْكَحَك إِيَّايَ مِنْ السَّمَاء , وَإِنَّ السَّفِير فِي ذَلِكَ جِبْرِيل . وَرُوِيَ عَنْ زَيْنَب أَنَّهَا قَالَتْ : لَمَّا وَقَعْت فِي قَلْب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَطِعْنِي زَيْد , وَمَا أَمْتَنِعُ مِنْهُ غَيْرَ مَا يَمْنَعُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنِّي فَلَا يَقْدِر عَلَيَّ .';
$TAFSEER['4']['33']['38'] = 'هَذِهِ مُخَاطَبَة مِنْ اللَّه تَعَالَى لِجَمِيعِ الْأُمَّة . أَعْلَمَهُمْ أَنَّ هَذَا وَنَحْوه هُوَ السُّنَن الْأَقْدَم فِي الْأَنْبِيَاء أَنْ يَنَالُوا مَا أَحَلَّهُ لَهُمْ , أَيْ سُنَّ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّوْسِعَة عَلَيْهِ فِي النِّكَاح سُنَّة الْأَنْبِيَاء الْمَاضِيَة , كَدَاوُد وَسُلَيْمَان . فَكَانَ لِدَاوُد مِائَة اِمْرَأَة وَثَلَاثمِائَةِ سُرِّيَّة , وَلِسُلَيْمَان ثَلَاثمِائَةِ اِمْرَأَة وَسَبْعمِائَةِ سُرِّيَّة . وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ عَنْ مُقَاتِل وَابْن الْكَلْبِيّ أَنَّ الْإِشَارَة إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام , حَيْثُ جَمَعَ اللَّه بَيْنه وَبَيْن مَنْ فُتِنَ بِهَا . و &quot; سُنَّة &quot; نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَر , أَيْ سَنَّ اللَّه لَهُ سُنَّة وَاسِعَة و &quot; الَّذِينَ خَلَوْا &quot; هُمْ الْأَنْبِيَاء , بِدَلِيلِ وَصْفهمْ بَعْد بِقَوْلِهِ : &quot; الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَات اللَّه &quot; .';
$TAFSEER['4']['33']['39'] = '';
$TAFSEER['4']['33']['40'] = 'لَمَّا تَزَوَّجَ زَيْنَب قَالَ النَّاس : تَزَوَّجَ اِمْرَأَة اِبْنه , فَنَزَلَتْ الْآيَة , أَيْ لَيْسَ هُوَ بِابْنِهِ حَتَّى تُحَرَّم عَلَيْهِ حَلِيلَته , وَلَكِنَّهُ أَبُو أُمَّته فِي التَّبْجِيل وَالتَّعْظِيم , وَأَنَّ نِسَاءَهُ عَلَيْهِمْ حَرَام . فَأَذْهَبَ اللَّه بِهَذِهِ الْآيَة مَا وَقَعَ فِي نُفُوس الْمُنَافِقِينَ وَغَيْرهمْ , وَأَعْلَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَكُنْ أَبَا أَحَد مِنْ الرِّجَال الْمُعَاصِرِينَ لَهُ فِي الْحَقِيقَة . وَلَمْ يَقْصِد بِهَذِهِ الْآيَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَد , فَقَدْ وُلِدَ لَهُ ذُكُور . إِبْرَاهِيم , وَالْقَاسِم , وَالطَّيِّب , وَالْمُطَهَّر , وَلَكِنْ لَمْ يَعِشْ لَهُ اِبْن حَتَّى يَصِير رَجُلًا . وَأَمَّا الْحَسَن وَالْحُسَيْن فَكَانَا طِفْلَيْنِ , وَلَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ مُعَاصِرَيْنِ لَهُ .

&quot; وَلَكِنْ رَسُول اللَّه &quot; قَالَ الْأَخْفَش وَالْفَرَّاء : أَيْ وَلَكِنْ كَانَ رَسُول اللَّه . وَأَجَازَا &quot; وَلَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتَمُ &quot; بِالرَّفْعِ . وَكَذَلِكَ قَرَأَ اِبْن أَبِي عَبْلَة وَبَعْض النَّاس &quot; وَلَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ &quot; بِالرَّفْعِ , عَلَى مَعْنَى هُوَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ . وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ &quot; وَلَكِنَّ &quot; بِتَشْدِيدِ النُّون , وَنَصْب &quot; رَسُول اللَّه &quot; عَلَى أَنَّهُ اِسْم &quot; لَكِنَّ &quot; وَالْخَبَر مَحْذُوف &quot; وَخَاتَم &quot; قَرَأَ عَاصِم وَحْده بِفَتْحِ التَّاء , بِمَعْنَى أَنَّهُمْ بِهِ خُتِمُوا , فَهُوَ كَالْخَاتَمِ وَالطَّابَع لَهُمْ . وَقَرَأَ الْجُمْهُور بِكَسْرِ التَّاء بِمَعْنَى أَنَّهُ خَتَمَهُمْ , أَيْ جَاءَ آخِرهمْ . وَقِيلَ : الْخَاتَم وَالْخَاتِم لُغَتَانِ , مِثْل طَابَع وَطَابِع , وَدَانَق وَدَانِق , وَطَابَق مِنْ اللَّحْم وَطَابِق 

قَالَ اِبْن عَطِيَّة : هَذِهِ الْأَلْفَاظ عَنْهُ جَمَاعَة عُلَمَاء الْأُمَّة خَلَفًا وَسَلَفًا مُتَلَقَّاة عَلَى الْعُمُوم التَّامّ مُقْتَضِيَة نَصًّا أَنَّهُ لَا نَبِيّ بَعْده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّب فِي كِتَابه الْمُسَمَّى بِالْهِدَايَةِ : مِنْ تَجْوِيز الِاحْتِمَال فِي أَلْفَاظ هَذِهِ الْآيَة ضَعِيف . وَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيّ فِي هَذِهِ الْآيَة , وَهَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابه الَّذِي سَمَّاهُ بِالِاقْتِصَادِ , إِلْحَاد عِنْدِي , وَتَطَرُّق خَبِيث إِلَى تَشْوِيش عَقِيدَة الْمُسْلِمِينَ فِي خَتْم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النُّبُوَّةَ , فَالْحَذَر الْحَذَر مِنْهُ ! وَاَللَّه الْهَادِي بِرَحْمَتِهِ . 

قُلْت : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَا نُبُوَّة بَعْدِي إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه ) . قَالَ أَبُو عُمَر : يَعْنِي الرُّؤْيَا - وَاَللَّه أَعْلَمُ - الَّتِي هِيَ جُزْء مِنْهَا , كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( لَيْسَ يَبْقَى بَعْدِي مِنْ النُّبُوَّة إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَة ) . وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود &quot; مِنْ رِجَالكُمْ وَلَكِنْ نَبِيًّا خَتَمَ النَّبِيِّينَ &quot; . قَالَ الرُّمَّانِيّ : خُتِمَ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الِاسْتِصْلَاح , فَمَنْ لَمْ يَصْلُح بِهِ فَمَيْئُوس مِنْ صَلَاحه . 

‎قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( بُعِثْت لِأُتَمِّم مَكَارِم الْأَخْلَاق ) . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ جَابِر قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَثَلِي وَمَثَل الْأَنْبِيَاء كَمَثَلِ رَجُل بَنَى دَارًا فَأَتَمَّهَا وَأَكْمَلَهَا إِلَّا مَوْضِع لَبِنَة فَجَعَلَ النَّاس يَدْخُلُونَهَا وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهَا وَيَقُولُونَ لَوْلَا مَوْضِع اللَّبِنَة - قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنَا مَوْضِع اللَّبِنَة جِئْت فَخَتَمْت الْأَنْبِيَاء ) . وَنَحْوه عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : فَأَنَا اللَّبِنَة وَأَنَا خَاتَم النَّبِيِّينَ ) .';
$TAFSEER['4']['33']['41'] = 'أَمَرَ اللَّه تَعَالَى عِبَاده بِأَنْ يَذْكُرُوهُ وَيَشْكُرُوهُ , وَيُكْثِرُوا مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ . وَجَعَلَ تَعَالَى ذَلِكَ دُون حَدّ لِسُهُولَتِهِ عَلَى الْعَبْد . وَلِعِظَمِ الْأَجْر فِيهِ قَالَ اِبْن , عَبَّاس : لَمْ يُعْذَر أَحَد فِي تَرْك ذِكْر اللَّه إِلَّا مَنْ غُلِبَ عَلَى عَقْله . وَرَوَى أَبُو سَعِيد عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَكْثِرُوا ذِكْر اللَّه حَتَّى يَقُولُوا مَجْنُون ) . وَقِيلَ : الذِّكْر الْكَثِير مَا جَرَى عَلَى الْإِخْلَاص مِنْ الْقَلْب , وَالْقَلِيل مَا يَقَع عَلَى حُكْم النِّفَاق كَالذِّكْرِ بِاللِّسَانِ .';
$TAFSEER['4']['33']['42'] = 'أَيْ اِشْغَلُوا أَلْسِنَتكُمْ فِي مُعْظَم أَحْوَالكُمْ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيل وَالتَّحْمِيد وَالتَّكْبِير . قَالَ , مُجَاهِد : وَهَذِهِ كَلِمَات يَقُولهُنَّ الطَّاهِر وَالْمُحْدِث وَالْجُنُب . وَقِيلَ : اُدْعُوهُ . قَالَ جَرِير : فَلَا تَنْسَ تَسْبِيح الضُّحَى إِنَّ يُوسُفًا دَعَا رَبَّهُ فَاخْتَارَهُ حِين سَبَّحَا وَقِيلَ : الْمُرَاد صَلُّوا لِلَّهِ بُكْرَة وَأَصِيلًا , وَالصَّلَاة تُسَمَّى تَسْبِيحًا . وَخُصَّ الْفَجْر وَالْمَغْرِب وَالْعِشَاء بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالتَّحْرِيضِ عَلَيْهَا , لِاتِّصَالِهَا بِأَطْرَافِ اللَّيْل . وَقَالَ قَتَادَة وَالطَّبَرِيّ : الْإِشَارَة إِلَى صَلَاة الْغَدَاة وَصَلَاة الْعَصْر . وَالْأَصِيل : الْعَشِيّ وَجَمْعه أَصَائِل . وَالْأُصُل بِمَعْنَى الْأَصِيل , وَجَمْعه آصَال , قَالَهُ الْمُبَرِّد . وَقَالَ غَيْره : أُصُل جَمْع أَصِيل , كَرَغِيفٍ وَرُغُف . وَقَدْ تَقَدَّمَ . مَسْأَلَة : هَذِهِ الْآيَة مَدَنِيَّة , فَلَا تَعَلُّق بِهَا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الصَّلَاة إِنَّمَا فُرِضَتْ أَوَّلًا صَلَاتَيْنِ فِي طَرَفَيْ النَّهَار . وَالرِّوَايَة بِذَلِكَ ضَعِيفَة فَلَا اِلْتِفَات إِلَيْهَا وَلَا مُعَوَّل عَلَيْهَا . وَقَالَ مَضَى الْكَلَام فِي كَيْفِيَّة فَرْض الصَّلَاة وَمَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ فِي &quot; الْإِسْرَاء &quot; وَالْحَمْد لِلَّهِ .';
$TAFSEER['4']['33']['43'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمَّا نَزَلَ &quot; إِنَّ اللَّه وَمَلَائِكَته يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ &quot; [ الْأَحْزَاب : 56 ] قَالَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار : هَذَا لَك يَا رَسُول اللَّه خَاصَّة , وَلَيْسَ لَنَا فِيهِ شَيْء , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة . 

قُلْت : وَهَذِهِ نِعْمَة مِنْ اللَّه تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة مِنْ أَكْبَرِ النِّعَم , وَدَلِيل عَلَى فَضْلهَا عَلَى سَائِر الْأُمَم . وَقَدْ قَالَ : &quot; كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ &quot; [ آل عِمْرَان : 110 ] . وَالصَّلَاة مِنْ اللَّه عَلَى الْعَبْد هِيَ رَحْمَته لَهُ وَبَرَكَته لَدَيْهِ . وَصَلَاة الْمَلَائِكَة : دُعَاؤُهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَاسْتِغْفَارهمْ لَهُمْ , كَمَا قَالَ : &quot; وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا &quot; [ غَافِر : 7 ] وَسَيَأْتِي . وَفِي الْحَدِيث : أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيل سَأَلُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام : أَيُصَلِّي رَبّك جَلَّ وَعَزَّ ؟ فَأَعْظَمَ ذَلِكَ , فَأَوْحَى اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : &quot; إِنَّ صَلَاتِي بِأَنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي &quot; ذَكَرَهُ النَّحَّاس . وَقَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَرَوَتْ فِرْقَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ : يَا رَسُول اللَّه , كَيْف صَلَاة اللَّه عَلَى عِبَاده . قَالَ : ( سُبُّوح قُدُّوس - رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي ) . وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيل هَذَا الْقَوْل , فَقِيلَ : إِنَّهُ كَلِمَة مِنْ كَلَام اللَّه تَعَالَى وَهِيَ صَلَاته عَلَى عِبَاده . وَقِيلَ سُبُّوح قُدُّوس مِنْ كَلَام مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدَّمَهُ بَيْن يَدَيْ نُطْقه بِاللَّفْظِ الَّذِي هُوَ صَلَاة اللَّه وَهُوَ ( رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي ) مِنْ حَيْثُ فَهِمَ مِنْ السَّائِل أَنَّهُ تَوَهَّمَ فِي صَلَاة اللَّه عَلَى عِبَاده وَجْهًا لَا يَلِيق بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَقَدَّمَ التَّنْزِيه وَالتَّعْظِيم بَيْن يَدَيْ إِخْبَاره .

أَيْ مِنْ الضَّلَالَة إِلَى الْهُدَى . وَمَعْنَى هَذَا التَّثْبِيتُ عَلَى الْهِدَايَة , لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي وَقْت الْخِطَاب عَلَى الْهِدَايَة .

أَخْبَرَ تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ بِالْمُؤْمِنِينَ تَأْنِيسًا لَهُمْ';
$TAFSEER['4']['33']['44'] = 'اُخْتُلِفَ فِي الضَّمِير الَّذِي فِي &quot; يَلْقَوْنَهُ &quot; عَلَى مَنْ يَعُود , فَقِيلَ عَلَى اللَّه تَعَالَى , أَيْ كَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا , فَهُوَ يُؤَمِّنهُمْ مِنْ عَذَاب اللَّه يَوْم الْقِيَامَة . وَفِي ذَلِكَ الْيَوْم يَلْقَوْنَهُ . و &quot; تَحِيَّتهمْ &quot; أَيْ تَحِيَّة بَعْضهمْ لِبَعْضٍ . &quot; سَلَام &quot; أَيْ سَلَامَة لَنَا وَلَكُمْ مِنْ عَذَاب اللَّه . وَقِيلَ : هَذِهِ التَّحِيَّة مِنْ اللَّه تَعَالَى , الْمَعْنَى : فَيُسَلِّمهُمْ مِنْ الْآفَات , أَوْ يُبَشِّرهُمْ بِالْأَمْنِ مِنْ الْمُخَافَات &quot; يَوْم يَلْقَوْنَهُ &quot; أَيْ يَوْم الْقِيَامَة بَعْد دُخُول الْجَنَّة . قَالَ مَعْنَاهُ الزَّجَّاج , وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ : &quot; وَتَحِيَّتهمْ فِيهَا سَلَام &quot; [ يُونُس : 10 ] . وَقِيلَ : &quot; يَوْم يَلْقَوْنَهُ &quot; أَيْ يَوْم يَلْقَوْنَ مَلَك الْمَوْت , وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ لَا يَقْبِض رُوح مُؤْمِن إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ . رُوِيَ عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب قَالَ : &quot; تَحِيَّتهمْ يَوْم يَلْقَوْنَهُ سَلَام &quot; فَيُسَلِّم مَلَك الْمَوْت عَلَى الْمُؤْمِن عِنْد قَبْض رُوحه , لَا يَقْبِض رُوحه حَتَّى يُسَلِّم عَلَيْهِ .';
$TAFSEER['4']['33']['45'] = 'هَذِهِ الْآيَة فِيهَا تَأْنِيس لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ , وَتَكْرِيم لِجَمِيعِهِمْ . وَهَذِهِ الْآيَة تَضَمَّنَتْ مِنْ أَسْمَائِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتّ أَسْمَاء وَلِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَاء كَثِيرَة وَسِمَات جَلِيلَة , وَرَدَ ذِكْرهَا فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَالْكُتُب الْمُتَقَدِّمَة . وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّه فِي كِتَابه مُحَمَّدًا وَأَحْمَد . وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْهُ الثِّقَات الْعُدُول : ( لِي خَمْسَة أَسْمَاء أَنَا مُحَمَّد وَأَنَا أَحْمَد وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّه بِي الْكُفْر وَأَنَا الْحَاشِر الَّذِي يَحْشُر النَّاس عَلَى قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِب ) . وَفِي صَحِيح مُسْلِم حَدِيث جُبَيْر بْن مُطْعِم : وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّه &quot; رَءُوفًا رَحِيمًا &quot; . وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمِّي لَنَا نَفْسه أَسْمَاء , فَيَقُول : ( أَنَا مُحَمَّد وَأَحْمَد وَالْمُقَفِّي وَالْحَاشِر وَنَبِيّ التَّوْبَة وَنَبِيّ الرَّحْمَة ) . وَقَدْ تَتَبَّعَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْل عِيَاض فِي كِتَابه الْمُسَمَّى ( بِالشِّفَا ) مَا جَاءَ فِي كِتَاب اللَّه وَفِي سُنَّة رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِمَّا نُقِلَ فِي الْكُتُب الْمُتَقَدِّمَة , وَإِطْلَاق الْأُمَّة أَسْمَاء كَثِيرَة وَصِفَات عَدِيدَة , قَدْ صَدَقَتْ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَمَّيَاتهَا , وَوُجِدَتْ فِيهِ مَعَانِيهَا . وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ فِي أَحْكَامه فِي هَذِهِ الْآيَة مِنْ أَسْمَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَة وَسِتِّينَ اِسْمًا وَذَكَرَ صَاحِب ( وَسِيلَة الْمُتَعَبِّدِينَ إِلَى مُتَابَعَة سَيِّد الْمُرْسَلِينَ ) عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَة وَثَمَانِينَ اِسْمًا , مَنْ أَرَادَهَا وَجَدَهَا هُنَاكَ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة دَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَمُعَاذًا , فَبَعَثَهُمَا إِلَى الْيَمَن , وَقَالَ : ( اِذْهَبَا فَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا , وَيَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا فَإِنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيَّ ... ) وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة .

قَالَ سَعِيد عَنْ قَتَادَة : &quot; شَاهِدًا &quot; عَلَى أُمَّته بِالتَّبْلِيغِ إِلَيْهِمْ , وَعَلَى سَائِر الْأُمَم بِتَبْلِيغِ أَنْبِيَائِهِمْ , وَنَحْو ذَلِكَ

مَعْنَاهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِرَحْمَةِ اللَّه وَبِالْجَنَّةِ

مَعْنَاهُ لِلْعُصَاةِ وَالْمُكَذِّبِينَ مِنْ النَّار وَعَذَاب الْخُلْد .';
$TAFSEER['4']['33']['46'] = 'الدُّعَاء إِلَى اللَّه هُوَ تَبْلِيغ التَّوْحِيد وَالْأَخْذ بِهِ , وَمُكَافَحَة الْكَفَرَة .

هُنَا مَعْنَاهُ : بِأَمْرِهِ إِيَّاكَ , وَتَقْدِيره ذَلِكَ فِي وَقْته وَأَوَانه .

هُنَا اِسْتِعَارَة لِلنُّورِ الَّذِي يَتَضَمَّنهُ شَرْعه . وَقِيلَ : &quot; وَسِرَاجًا &quot; أَيْ هَادِيًا مِنْ ظُلْم الضَّلَالَة , وَأَنْتَ كَالْمِصْبَاحِ الْمُضِيء . وَوَصَفَهُ بِالْإِنَارَةِ لِأَنَّ مِنْ السُّرُج مَا لَا يُضِيء , إِذَا قَلَّ سَلِيطه وَدَقَّتْ فَتِيلَته . وَفِي كَلَام بَعْضهمْ : ثَلَاثَة تُضْنِي : رَسُول بَطِيء , وَسِرَاج لَا يُضِيء , وَمَائِدَة يُنْتَظَر لَهَا مَنْ يَجِيء . وَسُئِلَ بَعْضهمْ عَنْ الْمُوحِشَيْنِ فَقَالَ : ظَلَام سَاتِر وَسِرَاج فَاتِر , وَأَسْنَدَ النَّحَّاس قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الرَّازِيّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن صَالِح الْأَزْدِيّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ عَنْ شَيْبَان النَّحْوِيّ قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَة عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ &quot; يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا . وَدَاعِيًا إِلَى اللَّه بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا &quot; دَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَمُعَاذًا فَقَالَ : ( اِنْطَلِقَا فَبَشِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا فَإِنَّهُ قَدْ نَزَلَ عَلَيَّ اللَّيْلَة آيَة &quot; يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِدًا . وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا - مِنْ النَّار - وَدَاعِيًا إِلَى اللَّه - قَالَ - شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه - بِإِذْنِهِ - بِأَمْرِهِ - وَسِرَاجًا مُنِيرًا - قَالَ - بِالْقُرْآنِ &quot; . وَقَالَ الزَّجَّاج : &quot; وَسِرَاجًا &quot; أَيْ وَذَا سِرَاج مُنِير , أَيْ كِتَاب نَيِّر . وَأَجَازَ أَيْضًا أَنْ يَكُون بِمَعْنَى : وَتَالِيًا كِتَاب اللَّه .';
$TAFSEER['4']['33']['47'] = 'قَوْله تَعَالَى : &quot; وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ &quot; الْوَاو عَاطِفَة جُمْلَة عَلَى جُمْلَة , وَالْمَعْنَى مُنْقَطِع مِنْ الَّذِي قَبْله . أَمَرَهُ تَعَالَى أَنْ يُبَشِّر الْمُؤْمِنِينَ بِالْفَضْلِ الْكَبِير مِنْ اللَّه تَعَالَى . وَعَلَى قَوْل الزَّجَّاج : ذَا سِرَاج مُنِير , أَوْ وَتَالِيًا سِرَاجًا مُنِيرًا , يَكُون مَعْطُوفًا عَلَى الْكَاف لَا فِي &quot; أَرْسَلْنَاك &quot; . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : قَالَ لَنَا أَبِي رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : هَذِهِ مِنْ أَرْجَى آيَة عِنْدِي فِي كِتَاب اللَّه تَعَالَى , لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَمَرَ نَبِيّه أَنْ يُبَشِّر الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عِنْده فَضْلًا كَبِيرًا , وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى الْفَضْل الْكَبِير فِي قَوْله تَعَالَى : &quot; وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات فِي رَوْضَات الْجَنَّات لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْد رَبّهمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْل الْكَبِير &quot; [ الشُّورَى : 22 ] . فَالْآيَة الَّتِي فِي هَذِهِ السُّورَة خَبَر , وَاَلَّتِي فِي &quot; حم . عسق &quot; تَفْسِير لَهَا';
$TAFSEER['4']['33']['48'] = 'أَيْ لَا تُطِعْهُمْ فِيمَا يُشِيرُونَ عَلَيْك مِنْ الْمُدَاهَنَة فِي الدِّين وَلَا تُمَالِئْهُمْ . &quot; الْكَافِرِينَ &quot; : أَبِي سُفْيَان وَعِكْرِمَة وَأَبِي الْأَعْوَر السُّلَمِيّ , قَالُوا : يَا مُحَمَّد , لَا تَذْكُر آلِهَتنَا بِسُوءٍ نَتَّبِعك . &quot; وَالْمُنَافِقِينَ &quot; : عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ وَعَبْد اللَّه بْن سَعْد وَطُعْمَة بْن أُبَيْرِق , حَثُّوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِجَابَتهمْ بِتَعِلَّةِ الْمَصْلَحَة .

أَيْ دَعْ أَنْ تُؤْذِيَهُمْ مُجَازَاة عَلَى إِذَايَتِهِمْ إِيَّاكَ . فَأَمَرَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِتَرْكِ مُعَاقَبَتهمْ , وَالصَّفْح عَنْ زَلَلهمْ ; فَالْمَصْدَر عَلَى هَذَا مُضَاف إِلَى الْمَفْعُول . وَنُسِخَ مِنْ الْآيَة عَلَى هَذَا التَّأْوِيل مَا يَخُصّ الْكَافِرِينَ , وَنَاسِخه آيَة السَّيْف . وَفِيهِ مَعْنًى ثَانٍ : أَيْ أَعْرِضْ عَنْ أَقْوَالهمْ وَمَا يُؤْذُونَك , وَلَا تَشْتَغِل بِهِ , فَالْمَصْدَر عَلَى هَذَا التَّأْوِيل مُضَاف إِلَى الْفَاعِل . وَهَذَا تَأْوِيل مُجَاهِد , وَالْآيَة مَنْسُوخَة بِآيَةِ السَّيْف .

أَمَرَهُ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَآنَسَهُ بِقَوْلِهِ &quot; وَكَفَى بِاَللَّهِ وَكِيلًا &quot; وَفِي قُوَّة الْكَلَام وَعْد بِنَصْرٍ . 

وَالْوَكِيل : الْحَافِظ الْقَاسِم عَلَى الْأَمْر .';
$TAFSEER['4']['33']['49'] = 'فِيهِ سِتّ مَسَائِل : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : &quot; يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَات ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ &quot; لَمَّا جَرَتْ قِصَّة زَيْد وَتَطْلِيقه زَيْنَب , وَكَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا , وَخَطَبَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد اِنْقِضَاء عِدَّتهَا - كَمَا بَيَّنَّاهُ - خَاطَبَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ بِحُكْمِ الزَّوْجَة تَطْلُق قَبْل الْبِنَاء , وَبَيَّنَ ذَلِكَ الْحُكْم لِلْأَمَةِ , فَالْمُطَلَّقَة إِذَا لَمْ تَكُنْ مَمْسُوسَة لَا عِدَّة عَلَيْهَا بِنَصِّ الْكِتَاب وَإِجْمَاع الْأُمَّة عَلَى ذَلِكَ . فَإِنْ دُخِلَ بِهَا فَعَلَيْهَا الْعِدَّة إِجْمَاعًا . 

الثَّانِيَة : النِّكَاح حَقِيقَة فِي الْوَطْء , وَتَسْمِيَة الْعَقْد نِكَاحًا لِمُلَابَسَتِهِ لَهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ طَرِيق إِلَيْهِ . وَنَظِيره تَسْمِيَتهمْ الْخَمْر إِثْمًا لِأَنَّهُ سَبَب فِي اِقْتِرَاف الْإِثْم . وَلَمْ يَرِد لَفْظ النِّكَاح فِي كِتَاب اللَّه إِلَّا فِي مَعْنَى الْعَقْد , لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْوَطْء , وَهُوَ مِنْ آدَاب الْقُرْآن , الْكِنَايَة عَنْهُ بِلَفْظِ : الْمُلَامَسَة وَالْمُمَاسَّة وَالْقُرْبَان وَالتَّغَشِّي وَالْإِتْيَان . 

‎الثَّالِثَة : اِسْتَدَلَّ بَعْض الْعُلَمَاء بِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ &quot; وَبِمُهْلَةِ &quot; ثُمَّ &quot; عَلَى أَنَّ الطَّلَاق لَا يَكُون إِلَّا بَعْد نِكَاح وَأَنَّ مَنْ طَلَّقَ الْمَرْأَة قَبْل نِكَاحهَا وَإِنْ عَيَّنَهَا , فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمهُ . وَقَالَ هَذَا نَيِّف عَلَى ثَلَاثِينَ مِنْ صَاحِب وَتَابِع وَإِمَام . سَمَّى الْبُخَارِيّ مِنْهُمْ اِثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا طَلَاق قَبْل نِكَاح ) وَمَعْنَاهُ : أَنَّ الطَّلَاق لَا يَقَع حَتَّى يَحْصُل النِّكَاح . قَالَ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت : سُئِلَ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا عَنْ رَجُل قَالَ لِامْرَأَةٍ : إِنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِق ؟ فَقَالَ : لَيْسَ بِشَيْءٍ , ذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ النِّكَاح قَبْل الطَّلَاق . وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْعِلْم : إِنَّ طَلَاق الْمُعَيَّنَة الشَّخْص أَوْ الْقَبِيلَة أَوْ الْبَلَد لَازِم قَبْل النِّكَاح , مِنْهُمْ مَالِك وَجَمِيع أَصْحَابه , وَجَمْع عَظِيم مِنْ عُلَمَاء الْأُمَّة . وَقَدْ مَضَى فِي &quot; التَّوْبَة &quot; الْكَلَام فِيهَا وَدَلِيل الْفَرِيقَيْنِ . وَالْحَمْد لِلَّهِ . فَإِذَا قَالَ : كُلّ اِمْرَأَة أَتَزَوَّجهَا طَالِق وَكُلّ عَبْد أَشْتَرِيه حُرّ , لَمْ يَلْزَمهُ شَيْء . وَإِنْ قَالَ كُلّ اِمْرَأَة أَتَزَوَّجهَا إِلَى عِشْرِينَ سَنَة , أَوْ إِنْ تَزَوَّجْت مِنْ بَلَد فُلَان أَوْ مِنْ بَنِي فُلَان فَهِيَ طَالِق , لَزِمَهُ الطَّلَاق مَا لَمْ يَخَفْ الْعَنَت عَلَى نَفْسه فِي طُول السِّنِينَ , أَوْ يَكُون عُمُره فِي الْغَالِب لَا يَبْلُغ ذَلِكَ , فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّج . وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمهُ الطَّلَاق إِذَا عَمَّمَ لِأَنَّهُ ضَيَّقَ عَلَى نَفْسه الْمَنَاكِح , فَلَوْ مَنَعْنَاهُ أَلَّا يَتَزَوَّج لَحَرِجَ وَخِيفَ عَلَيْهِ الْعَنَت . وَقَدْ قَالَ بَعْض أَصْحَابنَا : إِنَّهُ إِنْ وَجَدَ مَا يَتَسَرَّر بِهِ لَمْ يَنْكِح , وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَذَلِكَ أَنَّ الضَّرُورَات وَالْأَعْذَار تَرْفَع الْأَحْكَام , فَيَصِير هَذَا مِنْ حَيْثُ الضَّرُورَة كَمَنْ لَمْ يَحْلِف , قَالَهُ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد . 

الرَّابِعَة : اِسْتَدَلَّ دَاوُد - وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ - إِنَّ الْمُطَلَّقَة الرَّجْعِيَّة إِذَا رَاجَعَهَا زَوْجهَا قَبْل أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتهَا ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْل أَنْ يَمَسّهَا , أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تُتِمّ عِدَّتهَا وَلَا عِدَّة مُسْتَقْبَلَة , لِأَنَّهَا مُطَلَّقَة قَبْل الدُّخُول بِهَا . وَقَالَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَفِرْقَة : تَمْضِي فِي عِدَّتهَا مِنْ طَلَاقهَا الْأَوَّل - وَهُوَ أَحَد قَوْلَيْ , الشَّافِعِيّ - ; لِأَنَّ طَلَاقه لَهَا إِذَا لَمْ يَمَسّهَا فِي حُكْم مَنْ طَلَّقَهَا فِي عِدَّتهَا قَبْل أَنْ يُرَاجِعهَا . وَمَنْ طَلَّقَ , اِمْرَأَته فِي كُلّ طُهْر مَرَّة بَنَتْ وَلَمْ تَسْتَأْنِف . وَقَالَ مَالِك : إِذَا فَارَقَهَا قَبْل أَنْ يَمَسّهَا إِنَّهَا لَا تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتهَا , وَإِنَّهَا تُنْشِئ مِنْ يَوْم طَلَّقَهَا عِدَّة مُسْتَقْبَلَة . وَقَدْ ظَلَمَ زَوْجهَا نَفْسه وَأَخْطَأَ إِنْ كَانَ اِرْتَجَعَهَا وَلَا حَاجَة لَهُ بِهَا . وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ أَهْل الْعِلْم , لِأَنَّهَا فِي حُكْم الزَّوْجَات الْمَدْخُول بِهِنَّ فِي النَّفَقَة وَالسُّكْنَى وَغَيْر ذَلِكَ , وَلِذَلِكَ تَسْتَأْنِف الْعِدَّة مِنْ يَوْم طَلُقَتْ , وَهُوَ قَوْل جُمْهُور فُقَهَاء الْبَصْرَة وَالْكُوفَة وَمَكَّة وَالْمَدِينَة وَالشَّام . وَقَالَ الثَّوْرِيّ : أَجْمَعَ الْفُقَهَاء عِنْدنَا عَلَى ذَلِكَ . 

الْخَامِسَة : فَلَوْ كَانَتْ بَائِنَة غَيْر مَبْتُوتَة فَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّة ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْل الدُّخُول فَقَدْ اِخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ أَيْضًا , فَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَزُفَر وَعُثْمَان الْبَتِّيّ : لَهَا نِصْف الصَّدَاق وَتُتِمّ بَقِيَّة الْعِدَّة الْأُولَى . وَهُوَ قَوْل الْحَسَن وَعَطَاء وَعِكْرِمَة وَابْن شِهَاب . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَبُو يُوسُف وَالثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ , : لَهَا مَهْر كَامِل لِلنِّكَاحِ الثَّانِي وَعِدَّة مُسْتَقْبَلَة . جَعَلُوهَا فِي حُكْم الْمَدْخُول بِهَا لِاعْتِدَادِهَا مِنْ مَائِهِ . وَقَالَ دَاوُد : لَهَا نِصْف الصَّدَاق , وَلَيْسَ عَلَيْهَا بَقِيَّة الْعِدَّة الْأُولَى وَلَا عِدَّة مُسْتَقْبَلَة . وَالْأَوْلَى مَا قَالَهُ مَالِك وَالشَّافِعِيّ , وَاَللَّه أَعْلَمُ . 

السَّادِسَة : هَذِهِ الْآيَة مُخَصَّصَة لِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; وَالْمُطَلَّقَات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء &quot; [ الْبَقَرَة : 228 ] , وَلِقَوْلِهِ : &quot; وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيض مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ اِرْتَبْتُمْ فَعِدَّتهنَّ ثَلَاثَة أَشْهُر &quot; [ الطَّلَاق : 4 ] . وَقَدْ مَضَى فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; , وَمَضَى فِيهَا الْكَلَام فِي الْمُتْعَة , فَأَغْنَى عَنْ الْإِعَادَة هُنَا . &quot; وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا &quot; فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ دَفْع الْمُتْعَة بِحَسَبِ الْمَيْسَرَة وَالْعُسْرَة , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . الثَّانِي : أَنَّهُ طَلَاقهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْر جِمَاع , قَالَهُ قَتَادَة . وَقِيلَ : فَسَرِّحُوهُنَّ بَعْد الطَّلَاق إِلَى أَهْلهنَّ , فَلَا يَجْتَمِع الرَّجُل وَالْمُطَلَّقَة فِي مَوْضِع وَاحِد .

قَالَ سَعِيد : هِيَ مَنْسُوخَة بِالْآيَةِ الَّتِي فِي الْبَقَرَة , وَهِيَ قَوْله : &quot; وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَة فَنِصْف مَا فَرَضْتُمْ &quot; [ الْبَقَرَة : 237 ] أَيْ فَلَمْ يَذْكُر الْمُتْعَة . 

قَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن عُمَر وَجَابِر بْن زَيْد وَالْحَسَن وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَعَطَاء وَإِسْحَاق وَأَصْحَاب الرَّأْي : الْمُتْعَة وَاجِبَة لِلْمُطَلَّقَةِ قَبْل الْبِنَاء وَالْفَرْض , وَمَنْدُوبَة فِي حَقّ غَيْرهَا . وَقَالَ مَالِك وَأَصْحَابه : الْمُتْعَة مَنْدُوب إِلَيْهَا فِي كُلّ مُطَلَّقَة وَإِنْ دُخِلَ بِهَا , إِلَّا فِي الَّتِي لَمْ يُدْخَل بِهَا وَقَدْ فُرِضَ لَهَا فَحَسْبهَا مَا فُرِضَ لَهَا وَلَا مُتْعَة لَهَا . قَالَ أَبُو ثَوْر : لَهَا الْمُتْعَة وَلِكُلِّ مُطَلَّقَة . وَأَجْمَعَ أَهْل الْعِلْم عَلَى أَنَّ الَّتِي لَمْ يُفْرَض لَهَا وَلَمْ يُدْخَل بِهَا لَا شَيْء لَهَا غَيْر الْمُتْعَة . قَالَ الزُّهْرِيّ : يَقْضِي لَهَا بِهَا الْقَاضِي . وَقَالَ جُمْهُور النَّاس : لَا يَقْضِي بِهَا لَهَا . 

قُلْت : هَذَا الْإِجْمَاع إِنَّمَا هُوَ فِي الْحُرَّة , فَأَمَّا الْأَمَة إِذَا طَلُقَتْ قَبْل الْفَرْض وَالْمَسِيس فَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّ لَهَا الْمُتْعَة . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْرِيّ : لَا مُتْعَة لَهَا لِأَنَّهَا تَكُون لِسَيِّدِهَا وَهُوَ لَا يَسْتَحِقّ مَالًا فِي مُقَابَلَة تَأَذِّي مَمْلُوكَته بِالطَّلَاقِ . وَأَمَّا رَبْط مَذْهَب مَالِك فَقَالَ اِبْن شَعْبَان : الْمُتْعَة بِإِزَاءِ غَمّ الطَّلَاق , وَلِذَلِكَ لَيْسَ لِلْمُخْتَلِعَةِ وَالْمُبَارِئَة وَالْمُلَاعَنَة مُتْعَة قَبْل الْبِنَاء وَلَا بَعْده ; لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي اِخْتَارَتْ الطَّلَاق . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ وَعَطَاء وَالنَّخَعِيّ : لِلْمُخْتَلِعَةِ مُتْعَة . وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي : لِلْمُلَاعَنَةِ مُتْعَة . قَالَ اِبْن الْقَاسِم : وَلَا مُتْعَة فِي نِكَاح مَفْسُوخ . قَالَ اِبْن الْمَوَّاز : وَلَا فِيمَا يَدْخُلهُ الْفَسْخ بَعْد صِحَّة الْعَقْد ; مِثْل مِلْك أَحَد الزَّوْجَيْنِ صَاحِبه . قَالَ اِبْن الْقَاسِم : وَأَصْل ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : &quot; وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ &quot; فَكَانَ هَذَا الْحُكْم مُخْتَصًّا بِالطَّلَاقِ دُون الْفَسْخ . وَرَوَى اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك أَنَّ الْمُخَيَّرَة لَهَا الْمُتْعَة بِخِلَافِ الْأَمَة تَعْتِق تَحْت الْعَبْد فَتَخْتَار هِيَ نَفْسهَا , فَهَذِهِ لَا مُتْعَة لَهَا . وَأَمَّا الْحُرَّة تُخَيَّر أَوْ تُمْلَك أَوْ يُتَزَوَّج عَلَيْهَا أَمَة فَتَخْتَار هِيَ نَفْسهَا فِي ذَلِكَ كُلّه فَلَهَا الْمُتْعَة ; لِأَنَّ الزَّوْج سَبَب لِلْفِرَاقِ . 

قَالَ مَالِك : لَيْسَ لِلْمُتْعَةِ عِنْدنَا حَدّ مَعْرُوف فِي قَلِيلهَا وَلَا كَثِيرهَا . وَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي هَذَا ; فَقَالَ اِبْن عُمَر : أَدْنَى مَا يُجْزِئ فِي الْمُتْعَة ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا أَوْ شِبْههَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَرْفَعُ الْمُتْعَة خَادِم ثُمَّ كِسْوَة ثُمَّ نَفَقَة . عَطَاء : أَوْسَطُهَا الدِّرْع وَالْخِمَار وَالْمِلْحَفَة . أَبُو حَنِيفَة : ذَلِكَ أَدْنَاهَا . وَقَالَ اِبْن مُحَيْرِيز : عَلَى صَاحِب الدِّيوَان ثَلَاثَة دَنَانِير , وَعَلَى عَبْد الْمُتْعَة . وَقَالَ الْحَسَن : يُمَتِّع كُلّ بِقَدَرِهِ , هَذَا بِخَادِمٍ وَهَذَا بِأَثْوَابٍ وَهَذَا بِثَوْبٍ وَهَذَا بِنَفَقَةٍ ; وَكَذَلِكَ يَقُول مَالِك بْن أَنَس , وَهُوَ مُقْتَضَى الْقُرْآن فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانه لَمْ يُقَدِّرهَا وَلَا حَدَّدَهَا وَإِنَّمَا قَالَ : &quot; عَلَى الْمُوسِع قَدَره وَعَلَى الْمُقْتِر قَدَره &quot; . وَمَتَّعَ الْحَسَن بْن عَلِيّ بِعِشْرِينَ أَلْفًا وَزِقَاق مِنْ عَسَل . وَمَتَّعَ شُرَيْح بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَم . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ حَالَة الْمَرْأَة مُعْتَبَرَة أَيْضًا ; قَالَهُ بَعْض الشَّافِعِيَّة , قَالُوا : لَوْ اِعْتَبَرْنَا حَال الرَّجُل وَحْده لَزِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ اِمْرَأَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا شَرِيفَة وَالْأُخْرَى دَنِيَّة ثُمَّ طَلَّقَهُمَا قَبْل الْمَسِيس وَلَمْ يُسَمِّ لَهُمَا أَنْ يَكُونَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ فِي الْمُتْعَة فَيَجِب لِلدَّنِيَّةِ مَا يَجِب لِلشَّرِيفَةِ وَهَذَا خِلَاف مَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ &quot; وَيَلْزَم مِنْهُ أَنَّ الْمُوسِر الْعَظِيم الْيَسَار إِذَا تَزَوَّجَ اِمْرَأَة دَنِيَّة أَنْ يَكُون مِثْلهَا ; لِأَنَّهُ إِذَا طَلَّقَهَا قَبْل الدُّخُول وَالْفَرْض لَزِمَتْهُ الْمُتْعَة عَلَى قَدْر حَال وَمَهْر مِثْلهَا ; فَتَكُون الْمُتْعَة عَلَى هَذَا أَضْعَاف مَهْر مِثْلهَا ; فَتَكُون قَدْ اِسْتَحَقَّتْ قَبْل الدُّخُول أَضْعَاف مَا تَسْتَحِقّهُ بَعْد الدُّخُول مِنْ مَهْر الْمِثْل الَّذِي فِيهِ غَايَة الِابْتِذَال وَهُوَ الْوَطْء . وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي وَغَيْرهمْ : مُتْعَة الَّتِي تَطْلُق قَبْل الدُّخُول وَالْفَرْض نِصْف مَهْر مِثْلهَا لَا غَيْر ; لِأَنَّ مَهْر الْمِثْل مُسْتَحَقّ بِالْعَقْدِ , وَالْمُتْعَة هِيَ بَعْض مَهْر الْمِثْل ; فَيَجِب لَهَا كَمَا يَجِب نِصْف الْمُسَمَّى إِذَا طَلَّقَ قَبْل الدُّخُول , وَهَذَا يَرُدّهُ قَوْله تَعَالَى : &quot; عَلَى الْمُوسِع قَدَره وَعَلَى الْمُقْتِر قَدَره &quot; وَهَذَا دَلِيل عَلَى رَفْض التَّحْدِيد ; وَاَللَّه بِحَقَائِق الْأُمُور عَلِيم . 

مَنْ جَهِلَ الْمُتْعَة حَتَّى مَضَتْ أَعْوَام فَلْيَدْفَعْ ذَلِكَ إِلَيْهَا وَإِنْ تَزَوَّجَتْ , وَإِلَى وَرَثَتهَا إِنْ مَاتَتْ , رَوَاهُ اِبْن الْمَوَّاز عَنْ اِبْن الْقَاسِم . وَقَالَ أَصْبَغ : لَا شَيْء عَلَيْهِ إِنْ مَاتَتْ لِأَنَّهَا تَسْلِيَة لِلزَّوْجَةِ عَنْ الطَّلَاق وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ . وَوَجْه الْأَوَّل أَنَّهُ حَقّ ثَبَتَ عَلَيْهِ وَيَنْتَقِل عَنْهَا إِلَى وَرَثَتهَا كَسَائِرِ الْحُقُوق , وَهَذَا يُشْعِر بِوُجُوبِهَا فِي الْمَذْهَب , وَاَللَّه أَعْلَمُ .

طَلِّقُوهُنَّ . وَالتَّسْرِيح كِنَايَة عَنْ الطَّلَاق عِنْد أَبِي حَنِيفَة , لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَل فِي غَيْره فَيَحْتَاج إِلَى النِّيَّة . وَعِنْد الشَّافِعِيّ صَرِيح . وَقَدْ مَضَى فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; الْقَوْل فِيهِ فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ . 

&quot; جَمِيلًا &quot; سُنَّة , غَيْر بِدْعَة .';
$TAFSEER['4']['33']['50'] = 'رَوَى السُّدِّيّ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أُمّ هَانِئ بِنْت أَبِي طَالِب قَالَتْ : خَطَبَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَذَرْت إِلَيْهِ فَعَذَرَنِي , ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : &quot; إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورهنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينك مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَيْك وَبَنَات عَمّك وَبَنَات عَمَّاتك وَبَنَات خَالك وَبَنَات خَالَاتك اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك &quot; قَالَتْ : فَلَمْ أَكُنْ أَحِلّ لَهُ ; لِأَنِّي لَمْ أُهَاجِر , كُنْت مِنْ الطُّلَقَاء . خَرَّجَهُ أَبُو عِيسَى وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْه . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهُوَ ضَعِيف جِدًّا وَلَمْ يَأْتِ هَذَا الْحَدِيث مِنْ طَرِيق صَحِيح يُحْتَجّ بِهَا . 

لَمَّا خَيَّرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ فَاخْتَرْنَهُ , حُرِّمَ عَلَيْهِ التَّزَوُّج بِغَيْرِهِنَّ وَالِاسْتِبْدَال بِهِنَّ , مُكَافَأَة لَهُنَّ عَلَى فِعْلهنَّ . وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : &quot; لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد &quot; الْآيَة . وَهَلْ كَانَ يَحِلّ لَهُ أَنْ يُطَلِّق وَاحِدَة مِنْهُنَّ بَعْد ذَلِكَ ؟ فَقِيلَ : لَا يَحِلّ لَهُ ذَلِكَ عَزَاء لَهُنَّ عَلَى اِخْتِيَارهنَّ لَهُ . وَقِيلَ : كَانَ يَحِلّ لَهُ ذَلِكَ كَغَيْرِهِ مِنْ النِّسَاء وَلَكِنْ لَا يَتَزَوَّج بَدَلهَا . ثُمَّ نُسِخَ هَذَا التَّحْرِيم فَأَبَاحَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج بِمَنْ شَاءَ عَلَيْهِنَّ مِنْ النِّسَاء , وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْل تَعَالَى : &quot; إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجك &quot; وَالْإِحْلَال يَقْتَضِي تَقَدُّم حَظْر . وَزَوْجَاته اللَّاتِي فِي حَيَاته لَمْ يَكُنَّ مُحَرَّمَات عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا كَانَ حُرِّمَ عَلَيْهِ التَّزْوِيج بِالْأَجْنَبِيَّاتِ فَانْصَرَفَ الْإِحْلَال إِلَيْهِنَّ , وَلِأَنَّهُ قَالَ فِي سِيَاق الْآيَة &quot; وَبَنَات عَمّك وَبَنَات عَمَّاتك &quot; الْآيَة . وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَحْته أَحَد مِنْ بَنَات عَمّه وَلَا مِنْ بَنَات عَمَّاته وَلَا مِنْ بَنَات خَاله وَلَا مِنْ بَنَات خَالَاته , فَثَبَتَ أَنَّهُ أُحِلَّ لَهُ التَّزْوِيج بِهَذَا اِبْتِدَاء . وَهَذِهِ الْآيَة وَإِنْ كَانَتْ مُقَدَّمَة فِي التِّلَاوَة فَهِيَ مُتَأَخِّرَة النُّزُول عَلَى الْآيَة الْمَنْسُوخَة بِهَا , كَآيَتَيْ الْوَفَاة فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; . 

وَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : &quot; إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجك &quot; فَقِيلَ : الْمُرَاد بِهَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَحَلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج كُلّ اِمْرَأَة يُؤْتِيهَا مَهْرهَا , قَالَ اِبْن زَيْد وَالضَّحَّاك . فَعَلَى هَذَا تَكُون الْآيَة مُبِيحَة جَمِيع النِّسَاء حَاشَا ذَوَات الْمَحَارِم . وَقِيلَ : الْمُرَاد أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجك , أَيْ الْكَائِنَات عِنْدك , لِأَنَّهُنَّ قَدْ اِخْتَرْنَك عَلَى الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , قَالَ الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء . وَهُوَ الظَّاهِر , لِأَنَّ قَوْله : &quot; آتَيْت أُجُورهنَّ &quot; مَاضٍ , وَلَا يَكُون الْفِعْل الْمَاضِي بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَال إِلَّا بِشُرُوطٍ . وَيَجِيءُ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل ضَيِّقًا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَيُؤَيِّد هَذَا التَّأْوِيل مَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَزَوَّج فِي أَيّ النَّاس شَاءَ , وَكَانَ يَشُقّ ذَلِكَ عَلَى نِسَائِهِ , فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة وَحُرِّمَ عَلَيْهِ بِهَا النِّسَاء إِلَّا مَنْ سُمِّيَ , سُرَّ نِسَاؤُهُ بِذَلِكَ . 

قُلْت : وَالْقَوْل الْأَوَّل أَصَحُّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَيَدُلّ أَيْضًا عَلَى صِحَّته مَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ عَطَاء قَالَ : قَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : مَا مَاتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحَلَّ اللَّه تَعَالَى لَهُ النِّسَاء . قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح .

أَحَلَّ اللَّه تَعَالَى السَّرَارِيّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأُمَّتِهِ مُطْلَقًا , وَأَحَلَّ الْأَزْوَاج لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُطْلَقًا , وَأَحَلَّهُ لِلْخَلْقِ بِعَدَدٍ .

أَيْ رَدَّهُ عَلَيْك مِنْ الْكُفَّار . وَالْغَنِيمَة قَدْ تُسَمَّى فَيْئًا , أَيْ مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَيْك مِنْ النِّسَاء بِالْمَأْخُوذِ عَلَى وَجْه الْقَهْر وَالْغَلَبَة .

أَيْ أَحْلَلْنَا لَك ذَلِكَ زَائِدًا مِنْ الْأَزْوَاج اللَّاتِي آتَيْت أُجُورهنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينك , عَلَى قَوْل الْجُمْهُور , لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَحْلَلْنَا لَك كُلّ اِمْرَأَة تَزَوَّجْت وَآتَيْت أَجْرهَا , لَمَا قَالَ بَعْد ذَلِكَ : &quot; وَبَنَات عَمّك وَبَنَات عَمَّاتك &quot; لِأَنَّ ذَلِكَ دَاخِل فِيمَا تَقَدَّمَ . 

قُلْت : وَهَذَا لَا يَلْزَم , وَإِنَّمَا خُصَّ هَؤُلَاءِ بِالذِّكْرِ تَشْرِيفًا , كَمَا قَالَ تَعَالَى : &quot; فِيهِمَا فَاكِهَة وَنَخْل وَرُمَّان &quot; [ الرَّحْمَن : 68 ] . وَاَللَّه أَعْلَمُ . 

ذَكَرَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْعَمّ فَرْدًا وَالْعَمَّات جَمْعًا . وَكَذَلِكَ قَالَ : &quot; خَالك &quot; , &quot; وَخَالَاتك &quot; وَالْحِكْمَة فِي ذَلِكَ : أَنَّ الْعَمّ وَالْخَال فِي الْإِطْلَاق اِسْم جِنْس كَالشَّاعِرِ وَالرَّاجِز , وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَمَّة وَالْخَالَة . وَهَذَا عُرْف لُغَوِيّ , فَجَاءَ الْكَلَام عَلَيْهِ بِغَايَةِ الْبَيَان لِرَفْعِ الْإِشْكَال , وَهَذَا دَقِيق فَتَأَمَّلُوهُ , قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ .

فِيهِ قَوْلَانِ : الْأَوَّل : لَا يَحِلّ لَك مِنْ قَرَابَتك كَبَنَاتِ عَمّك الْعَبَّاس وَغَيْره مِنْ أَوْلَاد عَبْد الْمُطَّلِب , وَبَنَات أَوْلَاد بَنَات عَبْد الْمُطَّلِب , وَبَنَات الْخَال مِنْ وَلَد بَنَات عَبْد مَنَاف بْن زُهْرَة إِلَّا مَنْ أَسْلَمَ , لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمُسْلِم مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانه وَيَده وَالْمُهَاجِر مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّه تَعَالَى عَنْهُ ) . الثَّانِي : لَا يَحِلّ لَك مِنْهُنَّ إِلَّا مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَة , لِقَوْلِهِ تَعَالَى . &quot; وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا &quot; وَمَنْ لَمْ يُهَاجِر لَمْ يَكْمُل , وَمَنْ لَمْ يَكْمُل لَمْ يَصْلُح لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَمُلَ وَشَرُفَ وَعَظُمَ , صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 

‎قَوْله تَعَالَى &quot; مَعَك &quot; الْمَعِيَّة هُنَا الِاشْتِرَاك فِي الْهِجْرَة لَا فِي الصُّحْبَة فِيهَا , فَمَنْ هَاجَرَ حَلَّ لَهُ , كَانَ فِي صُحْبَته إِذْ هَاجَرَ أَوْ لَمْ يَكُنْ . يُقَال : دَخَلَ فُلَان مَعِي وَخَرَجَ مَعِي , أَيْ كَانَ عَمَله كَعَمَلِي وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِن فِيهِ عَمَلكُمَا . وَلَوْ قُلْت : خَرَجْنَا مَعًا لَاقْتَضَى ذَلِكَ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا : الِاشْتِرَاك فِي الْفِعْل , وَالِاقْتِرَان فِيهِ .

عَطْف عَلَى &quot; أَحْلَلْنَا &quot; الْمَعْنَى وَأَحْلَلْنَا كُلّ اِمْرَأَة تَهَب نَفْسهَا مِنْ غَيْر صَدَاق . وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الْمَعْنَى , فَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : لَمْ تَكُنْ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِمْرَأَة إِلَّا بِعَقْدِ نِكَاح أَوْ مِلْك يَمِين . فَأَمَّا الْهِبَة فَلَمْ يَكُنْ عِنْده مِنْهُنَّ أَحَد . وَقَالَ قَوْم : كَانَتْ عِنْده مَوْهُوبَة . 

قُلْت : وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ يُقَوِّي هَذَا الْقَوْل وَيَعْضُدهُ , رَوَى مُسْلِم عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : كُنْت أَغَار عَلَى اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسهنَّ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقُول : أَمَا تَسْتَحِي اِمْرَأَة تَهَب نَفْسهَا لِرَجُلٍ ! حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى &quot; تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك مَنْ تَشَاء &quot; [ الْأَحْزَاب : 51 ] فَقُلْت : وَاَللَّه مَا أَرَى رَبّك إِلَّا يُسَارِع فِي هَوَاك . وَرَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا قَالَتْ : كَانَتْ خَوْلَة بِنْت حَكِيم مِنْ اللَّائِي وَهَبْنَ أَنْفُسهنَّ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُنَّ كُنَّ غَيْر وَاحِدَة . وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَمُ . الزَّمَخْشَرِيّ : وَقِيلَ الْمُوهِبَات أَرْبَع : مَيْمُونَة بِنْت الْحَارِث , وَزَيْنَب بِنْت خُزَيْمَة أُمّ الْمَسَاكِين الْأَنْصَارِيَّة , وَأُمّ شَرِيك بِنْت جَابِر , وَخَوْلَة بِنْت حَكِيم . 

قُلْت : وَفِي بَعْض هَذَا اِخْتِلَاف . قَالَ قَتَادَة : هِيَ مَيْمُونَة بِنْت الْحَارِث . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : هِيَ زَيْنَب بِنْت خُزَيْمَة أُمّ الْمَسَاكِين اِمْرَأَة مِنْ الْأَنْصَار . وَقَالَ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن وَالضَّحَّاك وَمُقَاتِل : هِيَ أُمّ شَرِيك بِنْت جَابِر الْأَسَدِيَّة . وَقَالَ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر : أُمّ حَكِيم بِنْت الْأَوْقَص السَّلَمِيَّة . 

وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي اِسْم الْوَاهِبَة نَفْسهَا , فَقِيلَ هِيَ أُمّ شُرَيْح الْأَنْصَارِيَّة , اِسْمهَا غُزَيَّة . وَقِيلَ غُزَيْلَة . وَقِيلَ لَيْلَى بِنْت حَكِيم . وَقِيلَ : هِيَ مَيْمُونَة بِنْت الْحَارِث حِين خَطَبَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجَاءَهَا الْخَاطِب وَهِيَ عَلَى بَعِيرهَا فَقَالَتْ : الْبَعِير وَمَا عَلَيْهِ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : هِيَ أُمّ شَرِيك الْعَامِرِيَّة , وَكَانَتْ عِنْد أَبِي الْعُكْر الْأَزْدِيّ . وَقِيلَ عِنْد الطُّفَيْل بْن الْحَارِث فَوَلَدَتْ لَهُ شَرِيكًا . وَقِيلَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا , وَلَمْ يَثْبُت ذَلِكَ . وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَمُ , ذَكَرَهُ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ . وَقَالَ الشَّعْبِيّ وَعُرْوَة : وَهِيَ زَيْنَب بِنْت خُزَيْمَة أُمّ الْمَسَاكِين . وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَمُ . 

قَرَأَ جُمْهُور النَّاس &quot; إِنْ وَهَبَتْ &quot; بِكَسْرِ الْأَلِف , وَهَذَا يَقْتَضِي اِسْتِئْنَاف الْأَمْر , أَيْ إِنْ وَقَعَ فَهُوَ حَلَال لَهُ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد أَنَّهُمَا قَالَا : لَمْ يَكُنْ عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِمْرَأَة مَوْهُوبَة , وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى خِلَافه . وَرَوَى الْأَئِمَّة مِنْ طَرِيق سَهْل وَغَيْره فِي الصِّحَاح : أَنَّ اِمْرَأَة قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : جِئْت أَهَب لَك نَفْسِي , فَسَكَتَ حَتَّى قَامَ رَجُل فَقَالَ : زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَك بِهَا حَاجَة . فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْهِبَة غَيْر جَائِزَة لَمَا سَكَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ لَا يَقِرّ عَلَى الْبَاطِل إِذَا سَمِعَهُ , غَيْر أَنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون سُكُوته مُنْتَظِرًا بَيَانًا , فَنَزَلَتْ الْآيَة بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّخْيِير , فَاخْتَارَ تَرْكهَا وَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْره . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون سَكَتَ نَاظِرًا فِي ذَلِكَ حَتَّى قَامَ الرَّجُل لَهَا طَالِبًا . وَقَرَأَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَأُبَيّ بْن كَعْب وَالشَّعْبِيّ &quot; أَنْ &quot; بِفَتْحِ الْأَلِف . وَقَرَأَ الْأَعْمَش &quot; وَامْرَأَة مُؤْمِنَة وَهَبَتْ &quot; . قَالَ النَّحَّاس : وَكَسْر &quot; إِنْ &quot; أَجْمَعُ لِلْمَعَانِي , لِأَنَّهُ قِيلَ إِنَّهُنَّ نِسَاء . وَإِذَا فُتِحَ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى وَاحِدَة بِعَيْنِهَا , لِأَنَّ الْفَتْح عَلَى الْبَدَل مِنْ اِمْرَأَة , أَوْ بِمَعْنَى لِأَنَّ . 

قَوْله تَعَالَى : &quot; مُؤْمِنَة &quot; يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَة لَا تَحِلّ لَهُ . قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ : وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَحْرِيم الْحُرَّة الْكَافِرَة عَلَيْهِ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَالصَّحِيح عِنْدِي تَحْرِيمهَا عَلَيْهِ . وَبِهَذَا يَتَمَيَّز عَلَيْنَا , فَإِنَّهُ مَا كَانَ مِنْ جَانِب الْفَضَائِل وَالْكَرَامَة فَحَظّه فِيهِ أَكْثَرُ , وَمَا كَانَ جَانِب النَّقَائِص فَجَانِبه عَنْهَا أَطْهَرُ ; فَجُوِّزَ لَنَا نِكَاح الْحَرَائِر الْكِتَابِيَّات , وَقُصِرَ هُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَلَالَتِهِ عَلَى الْمُؤْمِنَات . وَإِذَا كَانَ لَا يَحِلّ لَهُ مَنْ لَمْ تُهَاجِر لِنُقْصَانِ فَضْل الْهِجْرَة فَأَحْرَى أَلَّا تَحِلّ لَهُ الْكَافِرَة الْكِتَابِيَّة لِنُقْصَانِ الْكُفْر . 

&quot; إِنْ وَهَبَتْ نَفْسهَا &quot; دَلِيل عَلَى أَنَّ النِّكَاح عَقْد مُعَاوَضَة عَلَى صِفَات مَخْصُوصَة , قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي &quot; النِّسَاء &quot; وَغَيْرهَا . وَقَالَ الزَّجَّاج : مَعْنَى &quot; إِنْ وَهَبَتْ نَفْسهَا لِلنَّبِيِّ &quot; حَلَّتْ . وَقَرَأَ الْحَسَن : &quot; أَنْ وَهَبَتْ &quot; بِفَتْحِ الْهَمْزَة . و &quot; أَنْ &quot; فِي مَوْضِع نَصْب . قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ لِأَنْ . وَقَالَ غَيْره : &quot; أَنْ وَهَبَتْ &quot; بَدَل اِشْتِمَال مِنْ &quot; اِمْرَأَة &quot; .

أَيْ إِذَا وَهَبَتْ الْمَرْأَة نَفْسهَا وَقَبِلَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَّتْ لَهُ , وَإِنْ لَمْ يَقْبَلهَا لَمْ يَلْزَم ذَلِكَ . كَمَا إِذَا وَهَبْت لِرَجُلٍ شَيْئًا فَلَا يَجِب عَلَيْهِ الْقَبُول , بَيْد أَنَّ مِنْ مَكَارِم أَخْلَاق نَبِيّنَا أَنْ يَقْبَل مِنْ الْوَاهِب هِبَته . وَيَرَى الْأَكَارِم أَنَّ رَدَّهَا هُجْنَة فِي الْعَادَة , وَوَصْمَة عَلَى الْوَاهِب وَأَذِيَّة لِقَلْبِهِ , فَبَيَّنَ اللَّه ذَلِكَ فِي حَقّ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَهُ قُرْآنًا يُتْلَى , لِيَرْفَع عَنْهُ الْحَرَج , وَيُبْطِل بُطْل النَّاس فِي عَادَتهمْ وَقَوْلهمْ . 

&quot; أَنْ يَسْتَنْكِحهَا &quot; أَيْ يَنْكِحهَا , يُقَال : نَكَحَ وَاسْتَنْكَحَ , مِثْل عَجِبَ وَاسْتَعْجَبَ , وَعَجِلَ وَاسْتَعْجَلَ . وَيَجُوز أَنْ يَرِد الِاسْتِنْكَاح بِمَعْنَى طَلَب النِّكَاح , أَوْ طَلَب الْوَطْء . و &quot; خَالِصَة &quot; نُصِبَ عَلَى الْحَال , قَالَ الزَّجَّاج . وَقِيلَ : حَال مِنْ ضَمِير مُتَّصِل بِفِعْلٍ مُضْمَر دَلَّ عَلَيْهِ الْمُضْمَر , تَقْدِيره : أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجك , وَأَحْلَلْنَا لَك اِمْرَأَة مُؤْمِنَة أَحْلَلْنَاهَا خَالِصَة , بِلَفْظِ الْهِبَة وَبِغَيْرِ صَدَاق وَبِغَيْرِ وَلِيّ 

‎قَوْله تَعَالَى &quot; خَالِصَة لَك &quot; أَيْ هِبَة النِّسَاء أَنْفُسَهُنَّ خَالِصَة وَمَزِيَّة لَا تَجُوز , فَلَا يَجُوز أَنْ تَهَب الْمَرْأَة نَفْسهَا لِرَجُلٍ . وَوَجْه الْخَاصِّيَّة أَنَّهَا لَوْ طَلَبَتْ فَرْض الْمَهْر قَبْل الدُّخُول لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ . فَأَمَّا فِيمَا بَيْننَا فَلِلْمُفَوِّضَةِ طَلَبُ الْمَهْر قَبْل الدُّخُول , وَمَهْر الْمِثْل بَعْد الدُّخُول . 

أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ هِبَة الْمَرْأَة نَفْسَهَا غَيْر جَائِز , وَأَنَّ هَذَا اللَّفْظ مِنْ الْهِبَة لَا يَتِمّ عَلَيْهِ نِكَاح , إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَة وَصَاحِبَيْهِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا : إِذَا وَهَبَتْ فَأَشْهَدَ هُوَ عَلَى نَفْسه بِمَهْرٍ فَذَلِكَ جَائِز . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : فَلَيْسَ فِي قَوْلهمْ إِلَّا تَجْوِيز الْعِبَارَة وَلَفْظَة الْهِبَة , وَإِلَّا فَالْأَفْعَال الَّتِي اِشْتَرَطُوهَا هِيَ أَفْعَال النِّكَاح بِعَيْنِهِ , وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي &quot; الْقَصَص &quot; مُسْتَوْفَاة . وَالْحَمْد لِلَّهِ . 

‎خَصَّ اللَّه تَعَالَى رَسُوله فِي أَحْكَام الشَّرِيعَة بِمَعَانٍ لَمْ يُشَارِكهُ فِيهَا أَحَد - فِي بَاب الْفَرْض وَالتَّحْرِيم وَالتَّحْلِيل - مَزِيَّة عَلَى الْأُمَّة وُهِبَتْ لَهُ , وَمَرْتَبَة خُصَّ بِهَا , فَفُرِضَتْ عَلَيْهِ أَشْيَاء مَا فُرِضَتْ عَلَى غَيْره , وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أَفْعَال لَمْ تُحَرَّم عَلَيْهِمْ , وَحُلِّلَتْ لَهُ أَشْيَاء لَمْ تُحَلَّل لَهُمْ , مِنْهَا مُتَّفَق عَلَيْهِ وَمُخْتَلَف فِيهِ . 

فَأَمَّا مَا فُرِضَ عَلَيْهِ فَتِسْعَة : الْأَوَّل - التَّهَجُّد بِاللَّيْلِ , يُقَال : إِنَّ قِيَام اللَّيْل كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ إِلَى أَنْ مَاتَ , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; يَا أَيّهَا الْمُزَّمِّل قُمْ اللَّيْل &quot; [ الْمُزَّمِّل : 1 - 2 ] الْآيَة . وَالْمَنْصُوص أَنَّهُ كَانَ , وَاجِبًا عَلَيْهِ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; وَمِنْ اللَّيْل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَة لَك &quot; [ الْإِسْرَاء : 79 ] وَسَيَأْتِي . الثَّانِي : الضُّحَى . الثَّالِث : الْأَضْحَى . الرَّابِع : الْوِتْر , وَهُوَ يَدْخُل فِي قِسْم التَّهَجُّد . الْخَامِس : السِّوَاك . السَّادِس : قَضَاء دَيْن مَنْ مَاتَ مُعْسِرًا . السَّابِع : مُشَاوَرَة ذَوِي الْأَحْلَام فِي غَيْر الشَّرَائِع . الثَّامِن : تَخْيِير النِّسَاء . التَّاسِع : إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ . زَادَ غَيْره : وَكَانَ يَجِب عَلَيْهِ إِذَا رَأَى مُنْكَرًا أَنْكَرَهُ وَأَظْهَرَهُ , لِأَنَّ إِقْرَاره لِغَيْرِهِ عَلَى ذَلِكَ يَدُلّ عَلَى جَوَازه , ذَكَرَهُ صَاحِب الْبَيَان . 

وَأَمَّا مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ فَجُمْلَته عَشَرَة : الْأَوَّل : تَحْرِيم الزَّكَاة عَلَيْهِ وَعَلَى آله . الثَّانِي : صَدَقَة التَّطَوُّع عَلَيْهِ , وَفِي آلِه تَفْصِيل بِاخْتِلَافٍ . الثَّالِث : خَائِنَة الْأَعْيُن , وَهُوَ أَنْ يُظْهِر خِلَاف مَا يُضْمِر , أَوْ يَنْخَدِع عَمَّا يَجِب . وَقَدْ ذَمَّ بَعْض الْكُفَّار عِنْد إِذْنه ثُمَّ أَلَانَ لَهُ الْقَوْل عِنْد دُخُوله . الرَّابِع : حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَخْلَعهَا عَنْهُ أَوْ يَحْكُم اللَّه بَيْنه وَبَيْن مُحَارِبه . الْخَامِس : الْأَكْل مُتَّكِئًا . السَّادِس : أَكْل الْأَطْعِمَة الْكَرِيهَة الرَّائِحَة . السَّابِع : التَّبَدُّل بِأَزْوَاجِهِ , وَسَيَأْتِي . الثَّامِن : نِكَاح اِمْرَأَة تَكْرَه صُحْبَته . التَّاسِع : نِكَاح الْحُرَّة الْكِتَابِيَّة . الْعَاشِر : نِكَاح الْأَمَة . 

وَحَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ أَشْيَاء لَمْ يُحَرِّمهَا عَلَى غَيْره تَنْزِيهًا لَهُ وَتَطْهِيرًا . فَحَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ الْكِتَابَة وَقَوْل الشِّعْر وَتَعْلِيمه , تَأْكِيدًا لِحُجَّتِهِ وَبَيَانًا لِمُعْجِزَتِهِ قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَمَا كُنْت تَتْلُو مِنْ قَبْله مِنْ كِتَاب وَلَا تَخُطّهُ بِيَمِينِك &quot; [ الْعَنْكَبُوت : 48 ] . وَذَكَرَ النَّقَّاش أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مَاتَ حَتَّى كَتَبَ , وَالْأَوَّل هُوَ الْمَشْهُور . وَحُرِّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَمُدّ عَيْنَيْهِ إِلَى مَا مُتِّعَ بِهِ النَّاس , قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ &quot; [ الْحِجْر : 88 ] الْآيَة . 

وَأَمَّا مَا أُحِلَّ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجُمْلَته سِتَّة عَشَرَ : الْأَوَّل : صَفِيّ الْمَغْنَم . الثَّانِي : الِاسْتِبْدَاد بِخُمُسِ الْخُمُس أَوْ الْخُمُس . الثَّالِث : الْوِصَال . الرَّابِع : الزِّيَادَة عَلَى أَرْبَع نِسْوَة . الْخَامِس : النِّكَاح بِلَفْظِ الْهِبَة . السَّادِس : النِّكَاح بِغَيْرِ وَلِيّ . السَّابِع : النِّكَاح بِغَيْرِ صَدَاق . الثَّامِن : نِكَاحه فِي حَالَة الْإِحْرَام . التَّاسِع : سُقُوط الْقَسْم بَيْن الْأَزْوَاج عَنْهُ , وَسَيَأْتِي . الْعَاشِر : إِذَا وَقَعَ بَصَره عَلَى اِمْرَأَة وَجَبَ عَلَى زَوْجهَا طَلَاقهَا , وَحَلَّ لَهُ نِكَاحهَا . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : هَكَذَا قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ , وَقَدْ مَضَى مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي قِصَّة زَيْد مِنْ هَذَا الْمَعْنَى . الْحَادِيَ عَشَرَ : أَنَّهُ أَعْتَقَ صَفِيَّة وَجَعَلَ عِتْقهَا صَدَاقهَا . الثَّانِي عَشَرَ : دُخُول مَكَّة بِغَيْرِ إِحْرَام , وَفِي حَقّنَا فِيهِ اِخْتِلَاف . الثَّالِث عَشَر : الْقِتَال بِمَكَّة . الرَّابِع عَشَر : أَنَّهُ لَا يُورَث . وَإِنَّمَا ذُكِرَ هَذَا فِي قِسْم التَّحْلِيل لِأَنَّ الرَّجُل إِذَا قَارَبَ الْمَوْت بِالْمَرَضِ زَالَ عَنْهُ أَكْثَرُ مِلْكه , وَلَمْ يَبْقَ لَهُ إِلَّا الثُّلُث خَالِصًا , وَبَقِيَ مِلْك رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا تَقَرَّرَ بَيَانه فِي آيَة الْمَوَارِيث , وَسُورَة &quot; مَرْيَم &quot; بَيَانه أَيْضًا . الْخَامِسَة عَشَر : بَقَاء زَوْجِيَّته مِنْ بَعْد الْمَوْت . السَّادِس عَشَر : إِذَا طَلَّقَ اِمْرَأَة تَبْقَى حُرْمَته عَلَيْهَا فَلَا تُنْكَح . وَهَذِهِ الْأَقْسَام الثَّلَاثَة تَقَدَّمَ مُعْظَمُهَا مُفَصَّلًا فِي مَوَاضِعهَا . وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَأُبِيحَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَخْذ الطَّعَام وَالشَّرَاب مِنْ الْجَائِع وَالْعَطْشَان , وَإِنْ كَانَ مَنْ هُوَ مَعَهُ يَخَاف عَلَى نَفْسه الْهَلَاك , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; النَّبِيّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسهمْ &quot; [ الْأَحْزَاب : 6 ] . وَعَلَى كُلّ أَحَد مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ . وَأُبِيحَ لَهُ أَنْ يَحْمِيَ لِنَفْسِهِ . وَأَكْرَمَهُ اللَّه بِتَحْلِيلِ الْغَنَائِم . وَجُعِلَتْ الْأَرْض لَهُ وَلِأُمَّتِهِ مَسْجِدًا وَطَهُورًا . وَكَانَ مِنْ الْأَنْبِيَاء مَنْ لَا تَصِحّ صَلَاتهمْ إِلَّا فِي الْمَسَاجِد . وَنُصِرَ بِالرُّعْبِ , فَكَانَ يَخَافهُ الْعَدُوّ مِنْ مَسِيرَة شَهْر . وَبُعِثَ إِلَى كَافَّة الْخَلْق , وَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْله مِنْ الْأَنْبِيَاء يُبْعَث الْوَاحِد إِلَى بَعْض النَّاس دُون بَعْض . وَجُعِلَتْ مُعْجِزَاته . كَمُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاء قَبْله وَزِيَادَة . وَكَانَتْ مُعْجِزَة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام الْعَصَا وَانْفِجَار الْمَاء مِنْ الصَّخْرَة . وَقَدْ اِنْشَقَّ الْقَمَر لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ الْمَاء مِنْ بَيْن أَصَابِعه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ مُعْجِزَة عِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْيَاء الْمَوْتَى وَإِبْرَاء الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص . وَقَدْ سَبَّحَ الْحَصَى فِي يَد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَحَنَّ الْجِذْع إِلَيْهِ , وَهَذَا أَبْلَغُ . وَفَضَّلَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ بِأَنْ جَعَلَ الْقُرْآن مُعْجِزَة لَهُ , وَجَعَلَ مُعْجِزَته فِيهِ بَاقِيَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَلِهَذَا جُعِلَتْ نُبُوَّته مُؤَبَّدَة لَا تُنْسَخ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . 

قَوْله تَعَالَى &quot; مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ &quot; فَائِدَته أَنَّ الْكُفَّار وَإِنْ كَانُوا مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَة عِنْدنَا فَلَيْسَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ دُخُول لِأَنَّ تَصْرِيف الْأَحْكَام إِنَّمَا يَكُون فِيهِمْ عَلَى تَقْدِير الْإِسْلَام .

فَائِدَته أَنَّ الْكُفَّار وَإِنْ كَانُوا مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَة عِنْدنَا فَلَيْسَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ دُخُول , لِأَنَّ تَصْرِيف الْأَحْكَام إِنَّمَا يَكُون فِيهِمْ عَلَى تَقْدِير الْإِسْلَام . أَيْ مَا أَوْجَبْنَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , وَهُوَ أَلَّا يَتَزَوَّجُوا إِلَّا أَرْبَع نِسْوَة بِمَهْرٍ وَبَيِّنَة وَوَلِيّ . قَالَ مَعْنَاهُ أُبَيّ بْن كَعْب وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا .

أَيْ ضِيق فِي أَمْر أَنْتَ فِيهِ مُحْتَاج إِلَى السَّعَة , أَيْ بَيَّنَّا هَذَا الْبَيَان وَشَرَحْنَا هَذَا الشَّرْح &quot; لِكَيْلَا يَكُون عَلَيْك حَرَج &quot; . ف &quot; لِكَيْلَا &quot; مُتَعَلِّق بِقَوْلِهِ : &quot; إِنَّا أَحْلَلْنَا أَزْوَاجك &quot; أَيْ فَلَا يَضِيق قَلْبك حَتَّى يَظْهَر مِنْك أَنَّك قَدْ أَثِمْت عِنْد رَبّك فِي شَيْء .

ثُمَّ آنَسَ تَعَالَى جَمِيع الْمُؤْمِنِينَ بِغُفْرَانِهِ وَرَحْمَته فَقَالَ تَعَالَى : &quot; وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا &quot;';
$TAFSEER['4']['33']['51'] = '&quot; تُرْجِي مَنْ تَشَاء &quot; قُرِئَ مَهْمُوزًا وَغَيْر مَهْمُوز , وَهُمَا لُغَتَانِ , يُقَال : أَرْجَيْت الْأَمْر وَأَرْجَأْته إِذَا أَخَّرْته . &quot; وَتُؤْوِي &quot; تَضُمّ , يُقَال : آوَى إِلَيْهِ . ( مَمْدُودَة الْأَلِف ) ضَمَّ إِلَيْهِ . وَأَوَى ( مَقْصُورَة الْأَلِف ) اِنْضَمَّ إِلَيْهِ . 

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة , وَأَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهَا . التَّوْسِعَة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَرْك الْقَسْم , فَكَانَ لَا يَجِب عَلَيْهِ الْقَسْم بَيْن زَوْجَاته . وَهَذَا الْقَوْل هُوَ الَّذِي يُنَاسِب مَا مَضَى , وَهُوَ الَّذِي ثَبَتَ مَعْنَاهُ فِي الصَّحِيح عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا , قَالَتْ : كُنْت , أَغَار عَلَى اللَّائِي وَهَبْنَ أَنْفُسهنَّ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقُول : أَوَ تَهَب الْمَرْأَة نَفْسهَا لِرَجُلٍ ؟ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ &quot; تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك مَنْ تَشَاء وَمَنْ اِبْتَغَيْت مِمَّنْ عَزَلْت &quot; قَالَتْ : قُلْت وَاَللَّه مَا أَرَى رَبّك إِلَّا يُسَارِع فِي هَوَاك . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : هَذَا الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيح هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّل عَلَيْهِ . وَالْمَعْنَى الْمُرَاد : هُوَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُخَيَّرًا فِي أَزْوَاجه , إِنْ شَاءَ أَنْ يَقْسِم قَسَمَ , وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُك الْقَسْم تَرَكَ . فَخُصَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ جُعِلَ الْأَمْر إِلَيْهِ فِيهِ , لَكِنَّهُ كَانَ يَقْسِم مِنْ قِبَل نَفْسه دُون أَنْ يُفْرَض ذَلِكَ عَلَيْهِ , تَطْيِيبًا لِنُفُوسِهِنَّ , وَصَوْنًا لَهُنَّ عَنْ أَقْوَال الْغَيْرَة الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى مَا لَا يَنْبَغِي . وَقِيلَ : كَانَ الْقَسْم وَاجِبًا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نُسِخَ الْوُجُوب عَنْهُ بِهَذِهِ الْآيَة . قَالَ أَبُو رَزِين : كَانَ رَسُول اللَّه قَدْ هَمَّ بِطَلَاقِ بَعْض نِسَائِهِ فَقُلْنَ لَهُ : اِقْسِمْ لَنَا مَا شِئْت . فَكَانَ مِمَّنْ آوَى عَائِشَة وَحَفْصَة وَأُمّ سَلَمَة وَزَيْنَب , فَكَانَ قِسْمَتهنَّ مِنْ نَفْسه وَمَاله سَوَاء بَيْنهنَّ . وَكَانَ مِمَّنْ أَرْجَى سَوْدَة وَجُوَيْرِيَة وَأُمّ حَبِيبَة وَمَيْمُونَة وَصَفِيَّة , فَكَانَ يَقْسِم لَهُنَّ مَا شَاءَ . وَقِيلَ : الْمُرَاد الْوَاهِبَات . رَوَى هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة فِي قَوْله : &quot; تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ &quot; قَالَتْ : هَذَا فِي الْوَاهِبَات أَنْفُسهنَّ . قَالَ الشَّعْبِيّ : هُنَّ الْوَاهِبَات أَنْفُسَهُنَّ , تَزَوَّجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُنَّ وَتَرَكَ مِنْهُنَّ . وَقَالَ الزُّهْرِيّ : مَا عَلِمْنَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْجَأَ أَحَدًا مِنْ أَزْوَاجه , بَلْ آوَاهُنَّ كُلّهنَّ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : الْمَعْنَى فِي طَلَاق مَنْ شَاءَ مِمَّنْ حَصَلَ فِي عِصْمَته , وَإِمْسَاك مَنْ شَاءَ . وَقِيلَ غَيْر هَذَا . وَعَلَى كُلّ مَعْنًى فَالْآيَة مَعْنَاهَا التَّوْسِعَة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِبَاحَة . وَمَا اِخْتَرْنَاهُ أَصَحُّ وَاَللَّه أَعْلَمُ . 

ذَهَبَ هِبَة اللَّه فِي النَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ إِلَى أَنَّ قَوْله : &quot; تُرْجِي مَنْ تَشَاء &quot; الْآيَة , نَاسِخ لِقَوْلِهِ : &quot; لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد &quot; [ الْأَحْزَاب : 52 ] الْآيَة . وَقَالَ : لَيْسَ فِي كِتَاب اللَّه نَاسِخ تَقَدَّمَ الْمَنْسُوخ سِوَى هَذَا . وَكَلَامه يُضَعَّف مِنْ جِهَات . وَفِي &quot; الْبَقَرَة &quot; عِدَّة الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَرْبَعَة أَشْهُر وَعَشْر , وَهُوَ نَاسِخ لِلْحَوْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ .

&quot; اِبْتَغَيْت &quot; طَلَبْت , وَالِابْتِغَاء الطَّلَب . و &quot; عَزَلْت &quot; أَزَلْت , وَالْعُزْلَة الْإِزَالَة , أَيْ إِنْ أَرَدْت أَنْ تُؤْوِيَ إِلَيْك اِمْرَأَة مِمَّنْ عَزَلْتهنَّ مِنْ الْقِسْمَة وَتَضُمّهَا إِلَيْك فَلَا بَأْس عَلَيْك فِي ذَلِكَ . كَذَلِكَ حُكْم الْإِرْجَاء , فَدَلَّ أَحَد الطَّرَفَيْنِ عَلَى الثَّانِي .

أَيْ لَا مَيْل , يُقَال : جَنَحَتْ السَّفِينَة أَيْ مَالَتْ إِلَى الْأَرْض . أَيْ لَا مَيْل عَلَيْك بِاللَّوْمِ وَالتَّوْبِيخ .

قَالَ قَتَادَة وَغَيْره : أَيْ ذَلِكَ التَّخْيِير الَّذِي خَيَّرْنَاك فِي صُحْبَتهنَّ أَدْنَى إِلَى رِضَاهُنَّ إِذْ كَانَ مِنْ عِنْدنَا , لِأَنَّهُنَّ إِذَا عَلِمْنَ أَنَّ الْفِعْل مِنْ اللَّه قَرَّتْ أَعْيُنهنَّ بِذَلِكَ وَرَضِينَ , لِأَنَّ الْمَرْء إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا حَقّ لَهُ فِي شَيْء كَانَ رَاضِيًا بِمَا أُوتِيَ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ . وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ لَهُ حَقًّا لَمْ يَقْنَعْهُ مَا أُوتِيَ مِنْهُ , وَاشْتَدَّتْ غَيْرَته عَلَيْهِ وَعَظُمَ حِرْصه فِيهِ . فَكَانَ مَا فَعَلَ اللَّه لِرَسُولِهِ مِنْ تَفْوِيض الْأَمْر إِلَيْهِ فِي أَحْوَال أَزْوَاجه أَقْرَبَ إِلَى رِضَاهُنَّ مَعَهُ , وَإِلَى اِسْتِقْرَار أَعْيُنهنَّ بِمَا يَسْمَح بِهِ لَهُنَّ , دُون أَنْ تَتَعَلَّق قُلُوبهنَّ بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَقُرِئَ : &quot; تُقِرّ أَعْيُنَهُنَّ &quot; بِضَمِّ التَّاء وَنَصْب الْأَعْيُن . &quot; وَتُقَرّ أَعْيُنُهُنَّ &quot; عَلَى الْبِنَاء لِلْمَفْعُولِ . وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام مَعَ هَذَا يُشَدِّد عَلَى نَفْسه فِي رِعَايَة التَّسْوِيَة بَيْنهنَّ , تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِنَّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَيَقُول : ( اللَّهُمَّ هَذِهِ قُدْرَتِي فِيمَا أَمْلِك فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِك وَلَا أَمْلِك ) يَعْنِي قَلْبه , لِإِيثَارِهِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا دُون أَنْ يَكُون يَظْهَر ذَلِكَ فِي شَيْء مِنْ فِعْله . وَكَانَ فِي مَرَضه الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ يُطَاف بِهِ مَحْمُولًا عَلَى بُيُوت أَزْوَاجه , إِلَى أَنْ اِسْتَأْذَنَهُنَّ أَنْ يُقِيم فِي بَيْت عَائِشَة . قَالَتْ عَائِشَة : أَوَّل مَا اِشْتَكَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْت مَيْمُونَة , فَاسْتَأْذَنَ أَزْوَاجه أَنْ يُمَرَّض فِي بَيْتهَا - يَعْنِي فِي بَيْت عَائِشَة - فَأُذِنَ لَهُ ... الْحَدِيث , خَرَّجَهُ الصَّحِيح . وَفِي الصَّحِيح أَيْضًا عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : إِنْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَتَفَقَّد , يَقُول : ( أَيْنَ أَنَا الْيَوْم أَيْنَ أَنَا غَدًا ) اِسْتِبْطَاء لِيَوْمِ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا . قَالَتْ : فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللَّه تَعَالَى بَيْن سَحْرِي وَنَحْرِي , صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 

عَلَى الرَّجُل أَنْ يَعْدِل بَيْن نِسَائِهِ لِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ يَوْمًا وَلَيْلَة , هَذَا قَوْل عَامَّة الْعُلَمَاء . وَذَهَبَ بَعْضهمْ إِلَى وُجُوب ذَلِكَ فِي اللَّيْل دُون النَّهَار . وَلَا يُسْقِط حَقَّ الزَّوْجَةِ مَرَضُهَا وَلَا حَيْضُهَا , وَيَلْزَمهُ الْمُقَام عِنْدهَا فِي يَوْمهَا وَلَيْلَتهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يَعْدِل بَيْنهنَّ فِي مَرَضه كَمَا يَفْعَل فِي صِحَّته , إِلَّا أَنْ يَعْجِز عَنْ الْحَرَكَة فَيُقِيم حَيْثُ غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَرَض , فَإِذَا صَحَّ اِسْتَأْنَفَ الْقَسْم . وَالْإِمَاء وَالْحَرَائِر وَالْكِتَابِيَّات وَالْمُسْلِمَات فِي ذَلِكَ سَوَاء . قَالَ عَبْد الْمَلِك : لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَانِ وَلِلْأَمَةِ لَيْلَة . وَأَمَّا السَّرَارِيّ فَلَا قَسْم بَيْنهنَّ وَبَيْن الْحَرَائِر , وَلَا حَظّ لَهُنَّ فِيهِ . 

وَلَا يَجْمَع بَيْنهنَّ فِي مَنْزِل وَاحِد إِلَّا بِرِضَاهُنَّ , وَلَا يَدْخُل لِإِحْدَاهُنَّ فِي يَوْم الْأُخْرَى وَلَيْلَتهَا لِغَيْرِ حَاجَة . وَاخْتُلِفَ فِي دُخُوله لِحَاجَةٍ وَضَرُورَة , فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى جَوَازه , مَالِك وَغَيْره . وَفِي كِتَاب اِبْن حَبِيب مَنْعه . وَرَوَى اِبْن بُكَيْر عَنْ مَالِك عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد أَنَّ مُعَاذ بْن جَبَل كَانَتْ لَهُ اِمْرَأَتَانِ , فَإِذَا كَانَ يَوْم هَذِهِ لَمْ يَشْرَب مِنْ بَيْت الْأُخْرَى الْمَاء . قَالَ اِبْن بُكَيْر : وَحَدَّثَنَا مَالِك عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد أَنَّ مُعَاذ بْن جَبَل كَانَتْ لَهُ اِمْرَأَتَانِ مَاتَتَا فِي الطَّاعُون . فَأَسْهَمَ بَيْنهمَا أَيّهمَا تُدْلَى أَوَّلًا . 

قَالَ مَالِك : وَيَعْدِل بَيْنهنَّ فِي النَّفَقَة وَالْكِسْوَة إِذَا كُنَّ مُعْتَدِلَات الْحَال , وَلَا يَلْزَم ذَلِكَ فِي الْمُخْتَلِفَات الْمَنَاصِب . وَأَجَازَ مَالِك أَنْ يُفَضِّل إِحْدَاهُمَا فِي الْكِسْوَة عَلَى غَيْر وَجْه الْمَيْل . فَأَمَّا الْحُبّ وَالْبُغْض فَخَارِجَانِ عَنْ الْكَسْب فَلَا يَتَأَتَّى الْعَدْل فِيهِمَا , وَهُوَ الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَسْمه ( اللَّهُمَّ هَذَا فِعْلِي فِيمَا أَمْلِك فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِك وَلَا أَمْلِك ) . أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا . وَفِي كِتَاب أَبِي دَاوُد &quot; يَعْنِي الْقَلْب &quot; , وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْن النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ &quot; [ النِّسَاء : 129 ] وَقَوْله تَعَالَى : &quot; وَاَللَّه يَعْلَم مَا فِي قُلُوبكُمْ &quot; . وَهَذَا هُوَ وَجْه تَخْصِيصه بِالذِّكْرِ هُنَا , تَنْبِيهًا مِنْهُ لَنَا عَلَى أَنَّهُ يَعْلَم مَا فِي قُلُوبنَا مِنْ مَيْل بَعْضنَا إِلَى بَعْض مَنْ عِنْدنَا مِنْ النِّسَاء دُون بَعْض , وَهُوَ الْعَالِم بِكُلِّ شَيْء &quot; لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء فِي الْأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء &quot; [ آل عِمْرَان : 5 ] &quot; يَعْلَم السِّرّ وَأَخْفَى &quot; [ طَه : 7 ] لَكِنَّهُ سَمَحَ فِي ذَلِكَ , إِذْ لَا يَسْتَطِيع الْعَبْد أَنْ يَصْرِف قَلْبه عَنْ ذَلِكَ الْمَيْل , وَإِلَى ذَلِكَ يَعُود قَوْله : &quot; وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا &quot; . 

وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله : &quot; ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرّ أَعْيُنهنَّ &quot; أَيْ ذَلِكَ أَقْرَبُ أَلَّا يَحْزَنَّ إِذَا لَمْ يَجْمَع إِحْدَاهُنَّ مَعَ الْأُخْرَى وَيُعَايِن الْأَثَرَة وَالْمَيْل . وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ اِمْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وَشِقّه مَائِل )

تَوْكِيد لِلضَّمِيرِ , أَيْ وَيَرْضَيْنَ كُلّهنَّ . وَأَجَازَ أَبُو حَاتِم وَالزَّجَّاج &quot; وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتهنَّ كُلّهنَّ &quot; عَلَى التَّوْكِيد لِلْمُضْمَرِ الَّذِي فِي &quot; آتَيْتهنَّ &quot; . وَالْفَرَّاء لَا يُجِيزهُ , لِأَنَّ الْمَعْنَى لَيْسَ عَلَيْهِ , إِذْ كَانَ الْمَعْنَى وَتَرْضَى كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ , وَلَيْسَ الْمَعْنَى بِمَا أَعْطَيْتهنَّ كُلَّهُنَّ . النَّحَّاس : وَاَلَّذِي قَالَهُ حَسَن .

خَبَر عَامّ , وَالْإِشَارَة إِلَى مَا فِي قَلْب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَحَبَّة شَخْص دُون شَخْص . وَكَذَلِكَ يَدْخُل فِي الْمَعْنَى أَيْضًا الْمُؤْمِنُونَ . وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ عَمْرو بْن الْعَاص أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ عَلَى جَيْش ذَات السَّلَاسِل , فَأَتَيْته فَقُلْت : أَيّ النَّاس أَحَبُّ إِلَيْك ؟ فَقَالَ : ( عَائِشَة ) فَقُلْت : مِنْ الرِّجَال ؟ قَالَ : ( أَبُوهَا ) قُلْت : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ( عُمَر بْن الْخَطَّاب ... ) فَعَدَّ رِجَالًا . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي الْقَلْب بِمَا فِيهِ كِفَايَة فِي أَوَّل &quot; الْبَقَرَة &quot; , وَفِي أَوَّل هَذِهِ السُّورَة . يُرْوَى أَنَّ لُقْمَان الْحَكِيم كَانَ عَبْدًا نَجَّارًا قَالَ لَهُ سَيِّده : اِذْبَحْ شَاة وَائْتِنِي بِأَطْيَبِهَا بَضْعَتَيْنِ , فَأَتَاهُ بِاللِّسَانِ وَالْقَلْب . ثُمَّ أَمَرَهُ بِذَبْحِ شَاة أُخْرَى فَقَالَ لَهُ : أَلْقِ أَخْبَثَهَا بَضْعَتَيْنِ , فَأَلْقَى اللِّسَان وَالْقَلْب . فَقَالَ : أَمَرْتُك أَنْ تَأْتِيَنِي بِأَطْيَبِهَا بَضْعَتَيْنِ فَأَتَيْتنِي بِاللِّسَانِ وَالْقَلْب , وَأَمَرْتُك أَنْ تُلْقِيَ بِأَخْبَثِهَا بَضْعَتَيْنِ فَأَلْقَيْت اللِّسَان وَالْقَلْب ؟ فَقَالَ : لَيْسَ شَيْء أَطْيَبَ مِنْهُمَا إِذَا طَابَا , وَلَا أَخْبَثَ مِنْهُمَا إِذَا خَبُثَا .';
$TAFSEER['4']['33']['52'] = 'اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيل قَوْله : &quot; لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد &quot; عَلَى أَقْوَال سَبْعَة : الْأُولَى : أَنَّهَا مَنْسُوخَة بِالسُّنَّةِ , وَالنَّاسِخ لَهَا حَدِيث عَائِشَة , قَالَتْ : مَا مَاتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاء . وَقَدْ تَقَدَّمَ . 

الثَّانِي : أَنَّهَا مَنْسُوخَة بِآيَةٍ أُخْرَى , رَوَى الطَّحَاوِيّ عَنْ أُمّ سَلَمَة قَالَتْ : لَمْ يَمُتْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحَلَّ اللَّه لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج مِنْ النِّسَاء مَنْ شَاءَ , إِلَّا ذَات مَحْرَم , وَذَلِكَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : &quot; تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك مَنْ تَشَاء &quot; . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا وَاَللَّه أَعْلَمُ أَوْلَى مَا قِيلَ فِي الْآيَة , وَهُوَ وَقَوْل عَائِشَة وَاحِد فِي النَّسْخ . وَقَدْ يَجُوز أَنْ تَكُون عَائِشَة أَرَادَتْ أُحِلَّ لَهُ ذَلِكَ بِالْقُرْآنِ . وَهُوَ مَعَ هَذَا قَوْل عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَابْن عَبَّاس وَعَلِيّ بْن الْحُسَيْن وَالضَّحَّاك . وَقَدْ عَارَضَ بَعْض فُقَهَاء الْكُوفِيِّينَ فَقَالَ : مُحَال أَنْ تُنْسَخ هَذِهِ الْآيَة يَعْنِي &quot; تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ &quot; &quot; لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد &quot; وَهِيَ قَبْلهَا فِي الْمُصْحَف الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَرُجِّحَ قَوْل مَنْ قَالَ نُسِخَتْ بِالسُّنَّةِ . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذِهِ الْمُعَاوَضَة لَا تَلْزَم وَقَائِلهَا غَالِط , لِأَنَّ الْقُرْآن بِمَنْزِلَةِ سُورَة وَاحِدَة , كَمَا صَحَّ عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنْزَلَ اللَّه الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فِي شَهْر رَمَضَان . وَيُبَيِّن لَك أَنَّ اِعْتِرَاض هَذَا الْمُعْتَرِض لَا يَلْزَم أَنَّ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : &quot; وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّة لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْل غَيْر إِخْرَاج &quot; [ الْبَقَرَة : 240 ] مَنْسُوخَة عَلَى قَوْل أَهْل التَّأْوِيل - لَا نَعْلَم بَيْنهمْ خِلَافًا - بِالْآيَةِ الَّتِي قَبْلهَا &quot; وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا &quot; [ الْبَقَرَة : 234 ] 

الثَّالِثَة : أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُظِرَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّج عَلَى نِسَائِهِ , لِأَنَّهُنَّ اِخْتَرْنَ اللَّه وَرَسُوله وَالدَّار الْآخِرَة , هَذَا قَوْل الْحَسَن وَابْن سِيرِينَ وَأَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث بْن هِشَام . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا الْقَوْل يَجُوز أَنْ يَكُون هَكَذَا ثُمَّ نُسِخَ . 

الرَّابِع : أَنَّهُ لَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَتَزَوَّجْنَ بَعْده حُرِّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّج غَيْرهنَّ , قَالَهُ أَبُو أُمَامَة بْن سَهْل اِبْن حُنَيْف . 

‎الْخَامِس : &quot; لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد &quot; أَيْ مِنْ بَعْد الْأَصْنَاف الَّتِي سُمِّيَتْ , قَالَهُ أُبَيّ بْن كَعْب وَعِكْرِمَة وَأَبُو رَزِين , وَهُوَ اِخْتِيَار مُحَمَّد بْن جَرِير . وَمَنْ قَالَ إِنَّ الْإِبَاحَة كَانَتْ لَهُ مُطْلَقَة قَالَ هُنَا : &quot; لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء &quot; مَعْنَاهُ لَا تَحِلّ لَك الْيَهُودِيَّات وَلَا النَّصْرَانِيَّات . وَهَذَا تَأْوِيل فِيهِ بُعْد . 

وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَعِكْرِمَة أَيْضًا . وَهُوَ الْقَوْل السَّادِس . قَالَ مُجَاهِد : لِئَلَّا تَكُون كَافِرَةٌ أُمًّا لِلْمُؤْمِنِينَ . وَهَذَا الْقَوْل يَبْعُد , لِأَنَّهُ يُقَدِّرهُ : مِنْ بَعْد الْمُسْلِمَات , وَلَمْ يَجْرِ لِلْمُسْلِمَاتِ ذِكْر . وَكَذَلِكَ قُدِّرَ &quot; وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ &quot; أَيْ وَلَا أَنْ تُطَلِّق مُسْلِمَة لِتَسْتَبْدِل بِهَا كِتَابِيَّة . 

السَّابِع : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ حَلَال أَنْ يَتَزَوَّج مَنْ شَاءَ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ . قَالَ : وَكَذَلِكَ كَانَتْ الْأَنْبِيَاء قَبْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; قَالَهُ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ .

قَالَ اِبْن زَيْد : هَذَا شَيْء كَانَتْ الْعَرَب تَفْعَلهُ , يَقُول أَحَدهمْ : خُذْ زَوْجَتِي وَأَعْطِنِي زَوْجَتك , رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : كَانَ الْبَدَل فِي الْجَاهِلِيَّة أَنْ يَقُول الرَّجُل لِلرَّجُلِ : اِنْزِلْ لِي عَنْ اِمْرَأَتك وَأَنْزِل لَك عَنْ اِمْرَأَتِي وَأَزِيدك , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ &quot; وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاج وَلَوْ أَعْجَبَك حُسْنُهُنَّ &quot; قَالَ : فَدَخَلَ عُيَيْنَة بْن حِصْن الْفَزَارِيّ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْده عَائِشَة , فَدَخَلَ بِغَيْرِ إِذْن , فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا عُيَيْنَة فَأَيْنَ الِاسْتِئْذَان ) ؟ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , مَا اِسْتَأْذَنْت عَلَى رَجُل مِنْ مُضَر مُنْذُ أَدْرَكْت . قَالَ : مَنْ هَذِهِ الْحُمَيْرَاء إِلَى جَنْبك ؟ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَذِهِ عَائِشَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ ) قَالَ : أَفَلَا أَنْزِل لَك عَنْ أَحْسَنِ الْخَلْقِ . فَقَالَ : ( يَا عُيَيْنَة , إِنَّ اللَّه قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ ) . قَالَ فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَة : يَا رَسُول اللَّه , مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : ( أَحْمَقُ مُطَاع وَإِنَّهُ عَلَى مَا تَرَيْنَ لَسَيِّد قَوْمه ) . وَقَدْ أَنْكَرَ الطَّبَرِيّ وَالنَّحَّاس وَغَيْرهمَا مَا حَكَاهُ اِبْن زَيْد عَنْ الْعَرَب , مِنْ أَنَّهَا كَانَتْ تُبَادِل بِأَزْوَاجِهَا . قَالَ الطَّبَرِيّ : وَمَا فَعَلَتْ الْعَرَب قَطُّ هَذَا . وَمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيث عُيَيْنَة بْن حِصْن مِنْ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْده عَائِشَة ... الْحَدِيث , فَلَيْسَ بِتَبْدِيلٍ , وَلَا أَرَادَ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا اِحْتَقَرَ عَائِشَة لِأَنَّهَا كَانَتْ صَبِيَّة فَقَالَ هَذَا الْقَوْل . 

قُلْت : وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيث زَيْد بْن أَسْلَمَ عَنْ عَطَاء بْن يَسَار عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مِنْ أَنَّ الْبَدَل كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة يَدُلّ عَلَى خِلَاف مَا أُنْكِرَ مِنْ ذَلِكَ , وَاَللَّه أَعْلَمُ . قَالَ الْمُبَرِّد : وَقُرِئَ &quot; لَا يَحِلّ &quot; بِالْيَاءِ وَالتَّاء . فَمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ فَعَلَى مَعْنَى جَمَاعَة النِّسَاء , وَبِالْيَاءِ مِنْ تَحْت عَلَى مَعْنَى جَمِيع النِّسَاء . وَزَعَمَ الْفَرَّاء قَالَ : اِجْتَمَعَتْ الْقُرَّاء عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَة بِالْيَاءِ , وَهَذَا غَلَط , وَكَيْف يُقَال : اِجْتَمَعَتْ الْقُرَّاء وَقَدْ قَرَأَ أَبُو عَمْرو بِالتَّاءِ بِلَا اِخْتِلَاف عَنْهُ .

قَالَ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَ ذَلِكَ بِسَبَبِ أَسْمَاء بِنْت عُمَيْس , أَعْجَبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين مَاتَ عَنْهَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ حُسْنُهَا , فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجهَا , فَنَزَلَتْ الْآيَة , وَهَذَا حَدِيث ضَعِيف قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ . 

فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى جَوَاز أَنْ يَنْظُر الرَّجُل إِلَى مَنْ يُرِيد زَوَاجهَا . وَقَدْ أَرَادَ الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة زَوَاج اِمْرَأَة , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اُنْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُؤْدَم بَيْنكُمَا ) . وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لِآخَرَ : ( اُنْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُن الْأَنْصَار شَيْئًا ) أَخْرَجَهُ الصَّحِيح . قَالَ الْحُمَيْدِيّ وَأَبُو الْفَرَج الْجَوْزِيّ . يَعْنِي صَفْرَاء أَوْ زَرْقَاء . وَقِيلَ رَمْصَاء . 

الْأَمْر بِالنَّظَرِ إِلَى الْمَخْطُوبَة إِنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَة الْإِرْشَاد إِلَى الْمَصْلَحَة , فَإِنَّهُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا فَلَعَلَّهُ يَرَى مِنْهَا مَا يُرَغِّبهُ فِي نِكَاحهَا . وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْأَمْر عَلَى جِهَة الْإِرْشَاد مَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيث جَابِر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( إِذَا خَطَبَ أَحَدكُمْ الْمَرْأَة فَإِنْ اِسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُر مِنْهَا إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحهَا فَلْيَفْعَلْ ) . فَقَوْله : ( فَإِنْ اِسْتَطَاعَ فَلْيَفْعَلْ ) لَا يُقَال مِثْله فِي الْوَاجِب . وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُور الْفُقَهَاء مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَالْكُوفِيُّونَ وَغَيْرهمْ وَأَهْل الظَّاهِر . وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ قَوْم لَا مُبَالَاة بِقَوْلِهِمْ , لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة , وَقَوْله تَعَالَى : &quot; وَلَوْ أَعْجَبَك حُسْنهنَّ &quot; . وَقَالَ سَهْل بْن أَبِي حَثْمَة : رَأَيْت مُحَمَّد بْن مَسْلَمَة يُطَارِد ثُبَيْتَة بِنْت الضَّحَّاك عَلَى إِجَّار مِنْ أَجَاجِير الْمَدِينَة فَقُلْت لَهُ : أَتَفْعَلُ هَذَا ؟ فَقَالَ نَعَمْ ! قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا أَلْقَى اللَّه فِي قَلْب أَحَدكُمْ خِطْبَة اِمْرَأَة فَلَا بَأْس أَنْ يَنْظُر إِلَيْهَا ) . الْإِجَّار : السَّطْح , بِلُغَةِ أَهْل الشَّام وَالْحِجَاز . قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَجَمَعَ الْإِجَّار أَجَاجِير وَأَجَاجِرَة . 

اُخْتُلِفَ فِيمَا يَجُوز أَنْ يَنْظُر مِنْهَا , فَقَالَ مَالِك : يَنْظُر إِلَى وَجْههَا وَكَفَّيْهَا , وَلَا يَنْظُر إِلَّا بِإِذْنِهَا . وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد : بِإِذْنِهَا وَبِغَيْرِ إِذْنهَا إِذَا كَانَتْ مُسْتَتِرَة . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ : يَنْظُر إِلَيْهَا وَيَجْتَهِد وَيَنْظُر مَوَاضِع اللَّحْم مِنْهَا . قَالَ دَاوُد : يَنْظُر إِلَى سَائِر جَسَدهَا , تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ اللَّفْظ . وَأُصُول الشَّرِيعَة تَرُدّ عَلَيْهِ فِي تَحْرِيم الِاطِّلَاع عَلَى الْعَوْرَة . وَاَللَّه أَعْلَمُ .

اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي إِحْلَال الْأَمَة الْكَافِرَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْلَيْنِ : تَحِلّ لِعُمُومِ قَوْل : &quot; إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينك &quot; , قَالَهُ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَعَطَاء وَالْحَكَم . قَالُوا : قَوْله تَعَالَى &quot; لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد &quot; أَيْ لَا تَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ غَيْر الْمُسْلِمَات , فَأَمَّا الْيَهُودِيَّات وَالنَّصْرَانِيَّات وَالْمُشْرِكَات فَحَرَام عَلَيْك , أَيْ لَا يَحِلّ لَك أَنْ تَتَزَوَّج كَافِرَة فَتَكُون أُمًّا لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَوْ أَعْجَبَك حُسْنهَا , إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينك , فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَتَسَرَّى بِهَا . الْقَوْل الثَّانِي : لَا تَحِلّ , تَنْزِيهًا لِقَدْرِهِ عَنْ مُبَاشَرَة الْكَافِرَة , وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِر &quot; [ الْمُمْتَحَنَة : 10 ] فَكَيْف بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . و &quot; مَا &quot; فِي قَوْله : &quot; إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينك &quot; فِي مَوْضِع رَفْع بَدَل مِنْ &quot; النِّسَاء &quot; . وَيَجُوز أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى اِسْتِثْنَاء , وَفِيهِ ضَعْف . وَيَجُوز أَنْ تَكُون مَصْدَرِيَّة , وَالتَّقْدِير : إِلَّا مِلْك يَمِينك , وَمِلْك بِمَعْنَى مَمْلُوك , وَهُوَ فِي مَوْضِع نَصْب لِأَنَّهُ اِسْتِثْنَاء مِنْ غَيْر الْجِنْس الْأَوَّل .';
$TAFSEER['4']['33']['53'] = '&quot; أَنْ &quot; فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى مَعْنَى : إِلَّا بِأَنْ يُؤْذَن لَكُمْ , وَيَكُون الِاسْتِثْنَاء . لَيْسَ مِنْ الْأَوَّل .

نُصِبَ عَلَى الْحَال , أَيْ لَا تَدْخُلُوا فِي هَذِهِ الْحَال . وَلَا يَجُوز فِي &quot; غَيْر &quot; الْخَفْض عَلَى النَّعْت لِلطَّعَامِ , لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَعْتًا لَمْ يَكُنْ بُدّ مِنْ إِظْهَار الْفَاعِلِينَ , وَكَانَ يَقُول : غَيْر نَاظِرِينَ إِنَاهُ أَنْتُمْ . وَنَظِير هَذَا مِنْ النَّحْو : هَذَا رَجُلٌ مَعَ رَجُلٍ مُلَازِمٌ لَهُ , وَإِنْ شِئْت قُلْت : هَذَا رَجُلٌ مَعَ رَجُلٍ مُلَازِمٍ لَهُ هُوَ . وَهَذِهِ الْآيَة تَضَمَّنَتْ قِصَّتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا : الْأَدَب فِي أَمْر الطَّعَام وَالْجُلُوس . وَالثَّانِيَة : أَمْر الْحِجَاب . وَقَالَ حَمَّاد بْن زَيْد : هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي الثُّقَلَاء . فَأَمَّا الْقِصَّة الْأُولَى فَالْجُمْهُور مِنْ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ : سَبَبهَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجَ زَيْنَب بِنْت جَحْش اِمْرَأَة زَيْد أَوْلَمَ عَلَيْهَا , فَدَعَا النَّاس , فَلَمَّا طَعِمُوا جَلَسَ طَوَائِف مِنْهُمْ يَتَحَدَّثُونَ فِي بَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوْجَته مُوَلِّيَة وَجْههَا إِلَى الْحَائِط , فَثَقُلُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ أَنَس : فَمَا أَدْرِي أَأَنَا أَخْبَرْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْقَوْم قَدْ خَرَجُوا أَوْ أَخْبَرَنِي . قَالَ : فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْت , فَذَهَبْت أَدْخُل مَعَهُ فَأَلْقَى السِّتْر بَيْنِي وَبَيْنه وَنَزَلَ الْحِجَاب . قَالَ : وَوُعِظَ الْقَوْم بِمَا وُعِظُوا بِهِ , وَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ &quot; يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوت النَّبِيّ - إِلَى قَوْله - إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْد اللَّه عَظِيمًا &quot; أَخْرَجَهُ الصَّحِيح . وَقَالَ قَتَادَة وَمُقَاتِل فِي كِتَاب الثَّعْلَبِيّ : إِنَّ هَذَا السَّبَب جَرَى فِي بَيْت أُمّ سَلَمَة . وَالْأَوَّل الصَّحِيح , كَمَا رَوَاهُ الصَّحِيح . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ فِي نَاس مِنْ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا يَتَحَيَّنُونَ طَعَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَدْخُلُونَ قَبْل أَنْ يُدْرِك الطَّعَام , فَيَقْعُدُونَ إِلَى أَنْ يُدْرِك , ثُمَّ يَأْكُلُونَ وَلَا يَخْرُجُونَ . وَقَالَ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي حَكِيم : وَهَذَا أَدَب أَدَّبَ اللَّه بِهِ الثُّقَلَاء . وَقَالَ اِبْن أَبِي عَائِشَة فِي كِتَاب الثَّعْلَبِيّ : حَسْبُك مِنْ الثُّقَلَاء أَنَّ الشَّرْع لَمْ يَحْتَمِلهُمْ . وَأَمَّا قِصَّة الْحِجَاب فَقَالَ أَنَس بْن مَالِك وَجَمَاعَة : سَبَبهَا أَمْر الْقُعُود فِي بَيْت زَيْنَب , الْقِصَّة الْمَذْكُورَة آنِفًا . وَقَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا وَجَمَاعَة : سَبَبهَا أَنَّ عُمَر قَالَ قُلْت : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّ نِسَاءَك يَدْخُل عَلَيْهِنَّ الْبَرّ وَالْفَاجِر , فَلَوْ أَمَرْتهنَّ أَنْ يَحْتَجِبْنَ , فَنَزَلَتْ الْآيَة . وَرَوَى الصَّحِيح عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : قَالَ عُمَر : وَافَقْت رَبِّي فِي ثَلَاث : فِي مَقَام إِبْرَاهِيم , وَفِي الْحِجَاب , وَفِي أُسَارَى بَدْر . هَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي أَمْر الْحِجَاب , وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ الْأَقْوَال وَالرِّوَايَات فَوَاهِيَة , لَا يَقُوم شَيْء مِنْهَا عَلَى سَاق , وَأَضْعَفُهَا مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود : أَنَّ عُمَر أَمَرَ نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجَابِ , فَقَالَتْ زَيْنَب بِنْت جَحْش : يَا بْن الْخَطَّاب , إِنَّك تَغَار عَلَيْنَا وَالْوَحْي يَنْزِل فِي بُيُوتنَا فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاء حِجَاب &quot; وَهَذَا بَاطِل , لِأَنَّ الْحِجَاب نَزَلَ يَوْم الْبِنَاء بِزَيْنَب , كَمَا بَيَّنَّاهُ . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيْرهمْ . وَقِيلَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطْعَم وَمَعَهُ بَعْض أَصْحَابه , فَأَصَابَ يَدُ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَدَ عَائِشَة , فَكَرِهَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ آيَة الْحِجَاب . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَكَانَتْ سِيرَة الْقَوْم إِذَا كَانَ لَهُمْ طَعَام وَلِيمَة أَوْ نَحْوه أَنْ يُبَكِّر مَنْ شَاءَ إِلَى الدَّعْوَة يَنْتَظِرُونَ طَبْخ الطَّعَام وَنُضْجه . وَكَذَلِكَ إِذَا فَرَغُوا مِنْهُ جَلَسُوا كَذَلِكَ , فَنَهَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَمْثَال ذَلِكَ فِي بَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَدَخَلَ فِي النَّهْي سَائِر الْمُؤْمِنِينَ , وَالْتَزَمَ النَّاس أَدَب اللَّه تَعَالَى لَهُمْ فِي ذَلِكَ , فَمَنَعَهُمْ مِنْ الدُّخُول إِلَّا بِإِذْنٍ عِنْد الْأَكْل , لَا قَبْله لِانْتِظَارِ نُضْج الطَّعَام . 

قَوْله تَعَالَى : &quot; بُيُوت النَّبِيّ &quot; دَلِيل عَلَى أَنَّ الْبَيْت لِلرَّجُلِ , وَيُحْكَم لَهُ بِهِ , فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى أَضَافَهُ إِلَيْهِ . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتكُنَّ مِنْ آيَات اللَّه وَالْحِكْمَة إِنَّ اللَّه كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا &quot; [ الْأَحْزَاب : 34 ] قُلْنَا : إِضَافَة الْبُيُوت إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِضَافَة مِلْك , وَإِضَافَة الْبُيُوت إِلَى الْأَزْوَاج إِضَافَة مَحَلّ , بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَعَلَ فِيهَا الْإِذْن لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِذْن إِنَّمَا يَكُون لِلْمَالِكِ . 

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي بُيُوت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ كَانَ يَسْكُن فِيهَا أَهْله بَعْد مَوْته , هَلْ هِيَ مِلْك لَهُنَّ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ : فَقَالَتْ طَائِفَة : كَانَتْ مِلْكًا لَهُنَّ , بِدَلِيلِ أَنَّهُنَّ سَكَنَّ فِيهَا بَعْد مَوْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَفَاتهنَّ , وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَبَ ذَلِكَ لَهُنَّ فِي حَيَاته . الثَّانِي : أَنَّ ذَلِكَ كَانَ إِسْكَانًا كَمَا يُسْكِن الرَّجُل أَهْله وَلَمْ يَكُنْ هِبَة , وَتَمَادَى سُكْنَاهُنَّ بِهَا إِلَى الْمَوْت . وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح , وَهُوَ الَّذِي اِرْتَضَاهُ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ وَابْن الْعَرَبِيّ وَغَيْرهمْ , فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ مَئُونَتهنَّ الَّتِي كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَثْنَاهَا لَهُنَّ , كَمَا اِسْتَثْنَى لَهُنَّ نَفَقَاتهنَّ حِين قَالَ : ( لَا تَقْتَسِم وَرَثَتِي دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا , مَا تَرَكْت بَعْد نَفَقَة أَهْلِي وَمَئُونَة عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَة ) . هَكَذَا قَالَ أَهْل الْعِلْم , قَالُوا : وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَسَاكِنهنَّ لَمْ يَرِثهَا عَنْهُنَّ وَرَثَتهنَّ . قَالُوا : وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِلْكًا لَهُنَّ كَانَ لَا شَكَّ قَدْ وَرِثَهُ عَنْهُنَّ وَرَثَتهنَّ . قَالُوا : وَفِي تَرْك وَرَثَتهنَّ ذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لَهُنَّ مِلْكًا . وَإِنَّمَا كَانَ لَهُنَّ سَكَن حَيَاتهنَّ , فَلَمَّا تُوُفِّينَ جُعِلَ ذَلِكَ زِيَادَة فِي الْمَسْجِد الَّذِي يَعُمّ الْمُسْلِمِينَ نَفْعه , كَمَا جُعِلَ ذَلِكَ الَّذِي كَانَ لَهُنَّ مِنْ النَّفَقَات فِي تَرِكَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَضَيْنَ لِسَبِيلِهِنَّ , فَزِيدَ إِلَى أَصْل الْمَال فَصُرِفَ فِي مَنَافِع الْمُسْلِمِينَ مِمَّا يَعُمّ جَمِيعهمْ نَفْعُهُ . وَاَللَّه الْمُوَفِّق . قَوْله تَعَالَى : &quot; غَيْر نَاظِرِينَ إِنَاهُ &quot; أَيْ غَيْر مُنْتَظِرِينَ وَقْت نُضْجه . و &quot; إِنَاهُ &quot; مَقْصُور , وَفِيهِ لُغَات : &quot; إِنَى &quot; بِكَسْرِ الْهَمْزَة . قَالَ الشَّيْبَانِيّ : وَكِسْرَى إِذْ تَقَسَّمَهُ بَنُوهُ بِأَسْيَافٍ كَمَا اُقْتُسِمَ اللِّحَام تَمَخَّضَتْ الْمَنُونُ لَهُ بِيَوْمٍ أَنَى وَلِكُلِّ حَامِلَةٍ تَمَامُ وَقَرَأَ اِبْن أَبِي عَبْلَة : &quot; غَيْرِ نَاظِرِينَ إِنَاهُ &quot; . مَجْرُورًا صِفَة لِـ &quot; ـطَعَام &quot; . الزَّمَخْشَرِيّ : وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ , لِأَنَّهُ جَرَى عَلَى غَيْر مَا هُوَ لَهُ , فَمِنْ حَقّ ضَمِير مَا هُوَ لَهُ أَنْ يَبْرُز إِلَى اللَّفْظ , فَيُقَال : غَيْر نَاظِرِينَ إِنَاهُ أَنْتُمْ , كَقَوْلِك : هِنْد زَيْد ضَارِبَته هِيَ . وَأَنَى ( بِفَتْحِهَا ) , وَأَنَاء ( بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَالْمَدّ ) قَالَ الْحُطَيْئَة : وَأَخَّرْت الْعَشَاء إِلَى سُهَيْل أَوْ الشِّعْرَى فَطَالَ بِيَ الْأَنَاء يَعْنِي إِلَى طُلُوع سُهَيْل . وَإِنَاه مَصْدَر أَنَى الشَّيْء يَأْنِي إِذَا فَرَغَ وَحَانَ وَأَدْرَكَ .

فَأَكَّدَ الْمَنْع , وَخَصَّ وَقْت الدُّخُول بِأَنْ يَكُون عِنْد الْإِذْن عَلَى جِهَة الْأَدَب , وَحِفْظ الْحَضْرَة الْكَرِيمَة مِنْ الْمُبَاسَطَة الْمَكْرُوهَة . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَتَقْدِير الْكَلَام : وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ وَأُذِنَ لَكُمْ فِي الدُّخُول فَادْخُلُوا , وَإِلَّا فَنَفْس الدَّعْوَة لَا تَكُون إِذْنًا كَافِيًا فِي الدُّخُول . وَالْفَاء فِي جَوَاب &quot; إِذَا &quot; لَازِمَة لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْمُجَازَاة .

أَمَرَ تَعَالَى بَعْد الْإِطْعَام بِأَنْ يَتَفَرَّق جَمِيعهمْ وَيَنْتَشِرُوا . وَالْمُرَاد إِلْزَام الْخُرُوج مِنْ الْمَنْزِل عِنْد اِنْقِضَاء الْمَقْصُود مِنْ الْأَكْل . وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الدُّخُول حَرَام , وَإِنَّمَا جَازَ لِأَجْلِ الْأَكْل , فَإِذَا اِنْقَضَى الْأَكْل زَالَ السَّبَب الْمُبِيح وَعَادَ التَّحْرِيم إِلَى أَصْله . 

فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ الضَّيْف يَأْكُل عَلَى مِلْك الْمُضِيف لَا عَلَى مِلْك نَفْسه , لِأَنَّهُ قَالَ : &quot; فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا &quot; فَلَمْ يَجْعَل لَهُ أَكْثَرَ مِنْ الْأَكْل , وَلَا أَضَافَ إِلَيْهِ سِوَاهُ , وَبَقِيَ الْمِلْك عَلَى أَصْله .

عَطْف عَلَى قَوْله : &quot; غَيْر نَاظِرِينَ &quot; و &quot; غَيْر &quot; مَنْصُوبَة عَلَى الْحَال مِنْ الْكَاف وَالْمِيم فِي &quot; لَكُمْ &quot; أَيْ غَيْر نَاظِرِينَ وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ , وَالْمَعْنَى الْمَقْصُود : لَا تَمْكُثُوا مُسْتَأْنِسِينَ بِالْحَدِيثِ كَمَا فَعَلَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَلِيمَة زَيْنَب .

أَيْ لَا يَمْتَنِع مِنْ بَيَانه وَإِظْهَاره . وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ يَقَع مِنْ الْبَشَر لِعِلَّةِ الِاسْتِحْيَاء نُفِيَ عَنْ اللَّه تَعَالَى الْعِلَّة الْمُوجِبَة لِذَلِكَ فِي الْبَشَر . وَفِي الصَّحِيح عَنْ أُمّ سَلَمَة قَالَتْ : جَاءَتْ أُمّ سُلَيْم إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّ اللَّه لَا يَسْتَحِي مِنْ الْحَقّ , فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَة مِنْ غُسْل إِذَا اِحْتَلَمَتْ ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا رَأَتْ الْمَاء ) .

رَوَى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ قَالَ عُمَر : وَافَقْت رَبِّي فِي أَرْبَع ... , الْحَدِيث . وَفِيهِ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه , لَوْ ضَرَبْت عَلَى نِسَائِك الْحِجَاب , فَإِنَّهُ يَدْخُل عَلَيْهِنَّ الْبَرّ وَالْفَاجِر , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ &quot; وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاء حِجَاب &quot; . 

وَاخْتُلِفَ فِي الْمَتَاع , فَقِيلَ : مَا يُتَمَتَّع بِهِ مِنْ الْعَوَارِيّ وَقِيلَ فَتْوَى . وَقِيلَ صُحُف الْقُرْآن . وَالصَّوَاب أَنَّهُ عَامّ فِي جَمِيع مَا يُمْكِن أَنْ يُطْلَب مِنْ الْمَوَاعِين وَسَائِر الْمَرَافِق لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا . 

فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَذِنَ فِي مَسْأَلَتهنَّ مِنْ وَرَاء حِجَاب فِي حَاجَة تَعْرِض , أَوْ مَسْأَلَة يُسْتَفْتَيْنَ فِيهَا , وَيَدْخُل فِي ذَلِكَ جَمِيع النِّسَاء بِالْمَعْنَى , وَبِمَا تَضَمَّنَتْهُ أُصُول الشَّرِيعَة مِنْ أَنَّ الْمَرْأَة كُلّهَا عَوْرَة , بَدَنهَا وَصَوْتهَا , كَمَا تَقَدَّمَ , فَلَا يَجُوز كَشْف ذَلِكَ إِلَّا لِحَاجَةٍ كَالشَّهَادَةِ عَلَيْهَا , أَوْ دَاء يَكُون بِبَدَنِهَا , أَوْ سُؤَالهَا عَمَّا يَعْرِض وَتَعَيَّنَ عِنْدهَا . 

اِسْتَدَلَّ بَعْض الْعُلَمَاء بِأَخْذِ النَّاس عَنْ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرَاء حِجَاب عَلَى جَوَاز شَهَادَة الْأَعْمَى , وَبِأَنَّ الْأَعْمَى يَطَأ زَوْجَته بِمَعْرِفَتِهِ بِكَلَامِهَا . وَعَلَى إِجَازَة شَهَادَته أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ , وَلَمْ يُجِزْهَا أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَغَيْرهمَا . قَالَ أَبُو حَنِيفَة : تَجُوز فِي الْأَنْسَاب . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : لَا تَجُوز إِلَّا فِيمَا رَآهُ قَبْل ذَهَاب بَصَره .

يُرِيد مِنْ الْخَوَاطِر الَّتِي تَعْرِض لِلرِّجَالِ فِي أَمْر النِّسَاء , وَلِلنِّسَاءِ فِي أَمْر الرِّجَال , أَيْ ذَلِكَ أَنْفَى لِلرِّيبَةِ وَأَبْعَدُ لِلتُّهْمَةِ وَأَقْوَى فِي الْحِمَايَة . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَثِق بِنَفْسِهِ فِي الْخَلْوَة مَعَ مَنْ لَا تَحِلّ لَهُ ; فَإِنَّ مُجَانَبَة ذَلِكَ أَحْسَنُ لِحَالِهِ وَأَحْصَنُ لِنَفْسِهِ وَأَتَمُّ لِعِصْمَتِهِ .

هَذَا تَكْرَار لِلْعِلَّةِ وَتَأْكِيد لِحُكْمِهَا , وَتَأْكِيد الْعِلَل أَقْوَى فِي الْأَحْكَام .

رَوَى إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر عَنْ مَعْمَر عَنْ قَتَادَة أَنَّ رَجُلًا قَالَ : لَوْ قُبِضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجْت عَائِشَة , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : &quot; وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُول اللَّه &quot; الْآيَة . وَنَزَلَتْ : &quot; وَأَزْوَاجه أُمَّهَاتهمْ &quot; [ الْأَحْزَاب 6 ] . وَقَالَ الْقُشَيْرِيّ أَبُو نَصْر عَبْد الرَّحْمَن : قَالَ اِبْن عَبَّاس قَالَ رَجُل مِنْ سَادَات قُرَيْش مِنْ الْعَشَرَة الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِرَاء - فِي نَفْسه - لَوْ تُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتَزَوَّجْت عَائِشَة , وَهِيَ بِنْت عَمِّي . قَالَ مُقَاتِل : هُوَ طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه . قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَنَدِمَ هَذَا الرَّجُل عَلَى مَا حَدَّثَ بِهِ فِي نَفْسه , فَمَشَى إِلَى مَكَّة عَلَى رِجْلَيْهِ وَحَمَلَ عَلَى عَشَرَة أَفْرَاس فِي سَبِيل اللَّه , وَأَعْتَقَ رَقِيقًا فَكَفَّرَ اللَّه عَنْهُ . وَقَالَ اِبْن عَطِيَّة : رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ أَنَّ بَعْض الصَّحَابَة قَالَ : لَوْ مَاتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتَزَوَّجْت عَائِشَة , فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَأَذَّى بِهِ , هَكَذَا كَنَّى عَنْهُ اِبْن عَبَّاس بِبَعْضِ الصَّحَابَة . وَحَكَى مَكِّيّ عَنْ مَعْمَر أَنَّهُ قَالَ : هُوَ طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه . 

قُلْت : وَكَذَا حَكَى النَّحَّاس عَنْ مَعْمَر أَنَّهُ طَلْحَة , وَلَا يَصِحّ . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : لِلَّهِ دَرّ اِبْن عَبَّاس ! وَهَذَا عِنْدِي لَا يَصِحّ عَلَى طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه . قَالَ شَيْخنَا الْإِمَام أَبُو الْعَبَّاس : وَقَدْ حُكِيَ هَذَا الْقَوْل عَنْ بَعْض فُضَلَاء الصَّحَابَة , وَحَاشَاهُمْ عَنْ مِثْله ! وَالْكَذِب فِي نَقْله , وَإِنَّمَا يَلِيق مِثْل هَذَا الْقَوْل بِالْمُنَافِقِينَ الْجُهَّال . يُرْوَى أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ قَالَ حِين تَزَوَّجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمّ سَلَمَة بَعْد أَبِي سَلَمَة , وَحَفْصَة بَعْد خُنَيْس بْن حُذَافَة : مَا بَال مُحَمَّد يَتَزَوَّج نِسَاءَنَا ! وَاَللَّه لَوْ قَدْ مَاتَ لَأَجَلْنَا السِّهَام عَلَى نِسَائِهِ , فَنَزَلَتْ الْآيَة فِي هَذَا , فَحَرَّمَ اللَّه نِكَاح أَزْوَاجه مِنْ بَعْده , وَجَعَلَ لَهُنَّ حُكْم الْأُمَّهَات . وَهَذَا مِنْ خَصَائِصه تَمْيِيزًا لِشَرَفِهِ وَتَنْبِيهًا عَلَى مَرْتَبَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه : وَأَزْوَاجه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُنَّ لَا يَحِلّ لِأَحَدٍ نِكَاحهنَّ , وَمَنْ اِسْتَحَلَّ ذَلِكَ كَانَ كَافِرًا , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُول اللَّه وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجه مِنْ بَعْده أَبَدًا &quot; . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّمَا مُنِعَ مِنْ التَّزَوُّج بِزَوْجَاتِهِ , لِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجه فِي الْجَنَّة , وَأَنَّ الْمَرْأَة فِي الْجَنَّة لِآخِرِ أَزْوَاجهَا . قَالَ حُذَيْفَة لِامْرَأَتِهِ : إِنْ سَرَّك أَنْ تَكُونِي زَوْجَتِي فِي الْجَنَّة إِنْ جَمَعَنَا اللَّه فِيهَا فَلَا تَزَوَّجِي مِنْ بَعْدِي , فَإِنَّ الْمَرْأَة لِآخِرِ أَزْوَاجهَا . وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا فِي ( كِتَاب التَّذْكِرَة ) مِنْ أَبْوَاب الْجَنَّة . 

اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد مَوْته , هَلْ بَقِينَ أَزْوَاجًا أَمْ زَالَ النِّكَاح بِالْمَوْتِ , وَإِذَا زَالَ النِّكَاح بِالْمَوْتِ فَهَلْ عَلَيْهِنَّ عِدَّة أَمْ لَا ؟ فَقِيلَ : عَلَيْهِنَّ الْعِدَّة , لِأَنَّهُ تُوُفِّيَ عَنْهُنَّ , وَالْعِدَّة عِبَادَة . وَقِيلَ : لَا عِدَّة عَلَيْهِنَّ , لِأَنَّهَا مُدَّة تَرَبُّص لَا يُنْتَظَر بِهَا الْإِبَاحَة . وَهُوَ الصَّحِيح , لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( مَا تَرَكْت بَعْد نَفَقَة عِيَالِي ) وَرُوِيَ ( أَهْلِي ) وَهَذَا اِسْم خَاصّ بِالزَّوْجِيَّةِ , فَأَبْقَى عَلَيْهِنَّ النَّفَقَة وَالسُّكْنَى مُدَّة حَيَاتهنَّ لِكَوْنِهِنَّ نِسَاءَهُ , وَحُرِّمْنَ عَلَى غَيْره , وَهَذَا هُوَ مَعْنَى بَقَاء النِّكَاح . وَإِنَّمَا جُعِلَ الْمَوْت فِي حَقّه عَلَيْهِ السَّلَام لَهُنَّ بِمَنْزِلَةِ الْمُغَيَّب فِي حَقّ غَيْره , لِكَوْنِهِنَّ أَزْوَاجًا لَهُ فِي الْآخِرَة قَطْعًا بِخِلَافِ سَائِر النَّاس , لِأَنَّ الرَّجُل لَا يُعْلَم كَوْنه مَعَ أَهْله فِي دَار وَاحِدَة , فَرُبَّمَا كَانَ أَحَدهمَا فِي الْجَنَّة وَالْآخَر فِي النَّار , فَبِهَذَا اِنْقَطَعَ السَّبَب فِي حَقّ الْخَلْق وَبَقِيَ فِي حَقّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( زَوْجَاتِي فِي الدُّنْيَا هُنَّ زَوْجَاتِي فِي الْآخِرَة ) . وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( كُلّ سَبَب وَنَسَب يَنْقَطِع إِلَّا سَبَبِي وَنَسَبِي فَإِنَّهُ بَاقٍ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ) . فَرْع - فَأَمَّا زَوْجَاته عَلَيْهِ السَّلَام اللَّاتِي فَارَقَهُنَّ فِي حَيَاته مِثْل الْكَلْبِيَّة وَغَيْرهَا , فَهَلْ كَانَ يَحِلّ لِغَيْرِهِ نِكَاحهنَّ ؟ فِيهِ خِلَاف . وَالصَّحِيح جَوَاز ذَلِكَ , لَمَّا رُوِيَ أَنَّ الْكَلْبِيَّة الَّتِي فَارَقَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا عِكْرِمَة بْن أَبِي جَهْل عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَقِيلَ : إِنَّ الَّذِي تَزَوَّجَهَا الْأَشْعَث بْن قَيْس الْكِنْدِيّ . قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّب : الَّذِي تَزَوَّجَهَا مُهَاجِر بْن أَبِي أُمَيَّة , وَلَمْ يُنْكِر ذَلِكَ أَحَد , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِجْمَاع . 

قَدْ بَيَّنَّا سَبَب نُزُول الْحِجَاب مِنْ حَدِيث أَنَس وَقَوْل عُمَر , وَكَانَ يَقُول لِسَوْدَةَ إِذَا خَرَجَتْ وَكَانَتْ اِمْرَأَة طَوِيلَة : قَدْ رَأَيْنَاك يَا سَوْدَة , حِرْصًا عَلَى أَنْ يَنْزِل الْحِجَاب , فَأَنْزَلَ اللَّه آيَة الْحِجَاب . وَلَا بُعْد فِي نُزُول الْآيَة عِنْد هَذِهِ الْأَسْبَاب كُلّهَا - وَاَللَّه أَعْلَمُ - بَيْد أَنَّهُ لَمَّا مَاتَتْ زَيْنَب بِنْت جَحْش قَالَ : لَا يَشْهَد جِنَازَتهَا إِلَّا ذُو مَحْرَم مِنْهَا , مُرَاعَاة لِلْحِجَابِ الَّذِي نَزَلَ بِسَبَبِهَا . فَدَلَّتْهُ أَسْمَاء بِنْت عُمَيْس عَلَى سِتْرهَا فِي النَّعْش فِي الْقُبَّة , وَأَعْلَمَتْهُ أَنَّهَا رَأَتْ ذَلِكَ فِي بِلَاد الْحَبَشَة فَصَنَعَهُ عُمَر . وَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ صُنِعَ فِي جِنَازَة فَاطِمَة بِنْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

يَعْنِي أَذِيَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ نِكَاح أَزْوَاجه , فَجُعِلَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَة الْكَبَائِر وَلَا ذَنْب أَعْظَمُ مِنْهُ .';
$TAFSEER['4']['33']['54'] = 'الْبَارِئ سُبْحَانه وَتَعَالَى عَالِم بِمَا بَدَا وَمَا خَفِيَ وَمَا كَانَ وَمَا لَمْ يَكُنْ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَاضٍ تَقَضَّى , وَلَا مُسْتَقْبَل يَأْتِي . وَهَذَا عَلَى الْعُمُوم تَمَدُّح بِهِ , وَهُوَ أَهْل الْمَدْح وَالْحَمْد . وَالْمُرَاد بِهِ هَاهُنَا التَّوْبِيخ وَالْوَعِيد لِمَنْ تَقَدَّمَ التَّعْرِيض بِهِ فِي الْآيَة قَبْلهَا , مِمَّنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ : &quot; ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبهنَّ &quot; , وَمَنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ فِي قَوْله : &quot; وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُول اللَّه وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجه مِنْ بَعْده أَبَدًا &quot; فَقِيلَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة : إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَعْلَم مَا تُخْفُونَهُ مِنْ هَذِهِ الْمُعْتَقَدَات وَالْخَوَاطِر الْمَكْرُوهَة وَيُجَازِيكُمْ عَلَيْهَا . فَصَارَتْ هَذِهِ الْآيَة مُنْعَطِفَة عَلَى مَا قَبْلهَا مُبَيِّنَة لَهَا . وَاَللَّه أَعْلَمُ .';
$TAFSEER['4']['33']['55'] = 'لَمَّا نَزَلَتْ آيَة الْحِجَاب قَالَ الْآبَاء وَالْأَبْنَاء وَالْأَقَارِب لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَنَحْنُ أَيْضًا نُكَلِّمهُنَّ مِنْ وَرَاء حِجَاب ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . 

ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة مَنْ يَحِلّ لِلْمَرْأَةِ الْبُرُوز لَهُ , وَلَمْ يَذْكُر الْعَمّ وَالْخَال لِأَنَّهُمَا يَجْرِيَانِ مَجْرَى الْوَالِدَيْنِ . وَقَدْ يُسَمَّى الْعَمُّ أَبًا , قَالَ اللَّه تَعَالَى : &quot; نَعْبُد إِلَهك وَإِلَه آبَائِك إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل &quot; [ الْبَقَرَة : 133 ] وَإِسْمَاعِيل كَانَ الْعَمّ . قَالَ الزَّجَّاج : الْعَمّ وَالْخَال رُبَّمَا يَصِفَانِ الْمَرْأَة لِوَلَدَيْهِمَا , فَإِنَّ الْمَرْأَة تَحِلّ لِابْنِ الْعَمّ وَابْن الْخَال فَكُرِهَ لَهُمَا الرُّؤْيَة . وَقَدْ كَرِهَ الشَّعْبِيّ وَعِكْرِمَة أَنْ تَضَع الْمَرْأَة خِمَارهَا عِنْد عَمّهَا أَوْ خَالهَا . وَقَدْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَة بَعْض الْمَحَارِم وَذُكِرَ الْجَمِيع فِي سُورَة &quot; النُّور &quot; , فَهَذِهِ الْآيَة بَعْض تِلْكَ , وَقَدْ مَضَى الْكَلَام هُنَاكَ مُسْتَوْفًى , وَالْحَمْد لِلَّهِ .

لَمَّا ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى الرُّخْصَة فِي هَذِهِ الْأَصْنَاف وَانْجَزَمَتْ الْإِبَاحَة , عَطَفَ بِأَمْرِهِنَّ بِالتَّقْوَى عَطْف جُمْلَة . وَهَذَا فِي غَايَة الْبَلَاغَة وَالْإِيجَاز , كَأَنَّهُ قَالَ : اِقْتَصِرْنَ عَلَى هَذَا وَاتَّقِينَ اللَّه فِيهِ أَنْ تَتَعَدَّيْنَهُ إِلَى غَيْره . وَخَصَّ النِّسَاء بِالذِّكْرِ وَعَيَّنَهُنَّ فِي هَذَا الْأَمْر , لِقِلَّةِ تَحَفُّظهنَّ وَكَثْرَة اِسْتِرْسَالهنَّ . وَاَللَّه أَعْلَمُ

تَوَعَّدَهُمْ تَعَالَى بِقَوْلِهِ : &quot; إِنَّ اللَّه كَانَ عَلَى كُلّ شَيْء شَهِيدًا &quot; .';
$TAFSEER['4']['33']['56'] = 'هَذِهِ الْآيَة شَرَّفَ اللَّه بِهَا رَسُوله عَلَيْهِ السَّلَام حَيَاته وَمَوْته , وَذَكَرَ مَنْزِلَته مِنْهُ , وَطَهَّرَ بِهَا سُوء فِعْل مَنْ اِسْتَصْحَبَ فِي جِهَته فِكْرَة سُوء , أَوْ فِي أَمْر زَوْجَاته وَنَحْو ذَلِكَ . وَالصَّلَاة مِنْ اللَّه رَحْمَته وَرِضْوَانه , وَمِنْ الْمَلَائِكَة الدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار , وَمِنْ الْأُمَّة الدُّعَاء وَالتَّعْظِيم لِأَمْرِهِ . مَسْأَلَة : 

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الضَّمِير فِي قَوْله : &quot; يُصَلُّونَ &quot; فَقَالَتْ فِرْقَة : الضَّمِير فِيهِ لِلَّهِ وَالْمَلَائِكَة , وَهَذَا قَوْل مِنْ اللَّه تَعَالَى شَرَّفَ بِهِ مَلَائِكَته , فَلَا يَصْحَبهُ الِاعْتِرَاض الَّذِي جَاءَ فِي قَوْل الْخَطِيب : مَنْ يُطِعْ اللَّه وَرَسُوله فَقَدْ رَشَدَ , وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى . فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بِئْسَ الْخَطِيب أَنْتَ , قُلْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّه وَرَسُوله ) أَخْرَجَهُ الصَّحِيح . قَالُوا : لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْمَع ذِكْر اللَّه تَعَالَى مَعَ غَيْره فِي ضَمِير , وَلِلَّهِ أَنْ يَفْعَل فِي ذَلِكَ مَا يَشَاء . وَقَالَتْ فِرْقَة : فِي الْكَلَام حَذْف , تَقْدِيره إِنَّ اللَّه يُصَلِّي وَمَلَائِكَته يُصَلُّونَ , وَلَيْسَ فِي الْآيَة اِجْتِمَاع فِي ضَمِير , وَذَلِكَ جَائِز لِلْبَشَرِ فِعْله . وَلَمْ يَقُلْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( بِئْسَ الْخَطِيب أَنْتَ ) لِهَذَا الْمَعْنَى , وَإِنَّمَا قَالَ لِأَنَّ الْخَطِيب وَقَفَ عَلَى وَمَنْ يَعْصِهِمَا , وَسَكَتَ سَكْتَة . وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم أَنَّ خَطِيبًا خَطَبَ عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَنْ يُطِعْ اللَّه وَرَسُوله وَمَنْ يَعْصِهِمَا . فَقَالَ : ( قُمْ - أَوْ اِذْهَبْ - بِئْسَ الْخَطِيب أَنْتَ ) . إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون لَمَّا خَطَّأَهُ فِي وَقْفه وَقَالَ لَهُ : ( بِئْسَ الْخَطِيب ) أَصْلَحَ لَهُ بَعْد ذَلِكَ جَمِيع كَلَامه , فَقَالَ : ( قُلْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّه وَرَسُوله ) كَمَا فِي كِتَاب مُسْلِم . وَهُوَ يُؤَيِّد الْقَوْل الْأَوَّل بِأَنَّهُ لَمْ يَقِف عَلَى &quot; وَمَنْ يَعْصِهِمَا &quot; . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس : &quot; وَمَلَائِكَتُهُ &quot; بِالرَّفْعِ عَلَى مَوْضِع اِسْم اللَّه قَبْل دُخُول &quot; إِنَّ &quot; . وَالْجُمْهُور بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْمَكْتُوبَة .

فِيهِ أَرْبَعَة مَسَائِل : الْأُولَى : أَمَرَ اللَّه تَعَالَى عِبَاده بِالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُون أَنْبِيَائِهِ تَشْرِيفًا لَهُ , وَلَا خِلَاف فِي أَنَّ الصَّلَاة عَلَيْهِ فَرْض فِي الْعُمُر مَرَّة , وَفِي كُلّ حِين مِنْ الْوَاجِبَات وُجُوب السُّنَن الْمُؤَكَّدَة الَّتِي لَا يَسَع تَرْكهَا وَلَا يَغْفُلهَا إِلَّا مَنْ لَا خَيْر فِيهِ . الزَّمَخْشَرِيّ : فَإِنْ قُلْت الصَّلَاة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبَة أَمْ مَنْدُوب إِلَيْهَا ؟ قُلْت : بَلْ وَاجِبَة . وَقَدْ اِخْتَلَفُوا فِي حَال وُجُوبهَا , فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهَا كُلَّمَا جَرَى ذِكْره . وَفِي الْحَدِيث : ( مَنْ ذُكِرْت عِنْده فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ فَدَخَلَ النَّار فَأَبْعَدَهُ اللَّه ) . وَيُرْوَى أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : يَا رَسُول اللَّه , أَرَأَيْت قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : &quot; إِنَّ اللَّه وَمَلَائِكَته يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ &quot; فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَذَا مِنْ الْعِلْم الْمَكْنُون وَلَوْلَا أَنَّكُمْ سَأَلْتُمُونِي عَنْهُ مَا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّه تَعَالَى وَكَّلَ بِي مَلَكَيْنِ فَلَا أُذْكَر عِنْد مُسْلِم فَيُصَلِّي عَلَيَّ إِلَّا قَالَ ذَلِكَ الْمَلَكَانِ غَفَرَ . اللَّه لَك وَقَالَ اللَّه تَعَالَى وَمَلَائِكَته جَوَابًا لِذَيْنِك الْمَلَكَيْنِ آمِينَ . وَلَا أُذْكَر عِنْد عَبْد مُسْلِم فَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ إِلَّا قَالَ ذَلِكَ الْمَلَكَانِ لَا غَفَرَ اللَّه لَك وَقَالَ اللَّه تَعَالَى وَمَلَائِكَته لِذَيْنِك الْمَلَكَيْنِ آمِينَ ) . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : تَجِب فِي كُلّ مَجْلِس مَرَّة وَإِنْ تَكَرَّرَ ذِكْره , كَمَا قَالَ فِي آيَة السَّجْدَة وَتَشْمِيت الْعَاطِس . وَكَذَلِكَ فِي كُلّ دُعَاء فِي أَوَّله وَآخِره وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهَا فِي الْعُمُر . وَكَذَلِكَ قَالَ فِي إِظْهَار الشَّهَادَتَيْنِ . وَاَلَّذِي يَقْتَضِيه الِاحْتِيَاط : الصَّلَاة عِنْد كُلّ ذِكْر , لِمَا وَرَدَ مِنْ الْأَخْبَار فِي ذَلِكَ . 

الثَّانِيَة : وَاخْتَلَفَتْ الْآثَار فِي صِفَة الصَّلَاة عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَوَى مَالِك عَنْ أَبِي مَسْعُود الْأَنْصَارِيّ قَالَ : أَتَانَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي مَجْلِس سَعْد بْن عُبَادَة , فَقَالَ لَهُ بَشِير بْن سَعْد : أَمَرَنَا اللَّه أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْك يَا رَسُول اللَّه , فَكَيْف نُصَلِّي عَلَيْك ؟ قَالَ : فَسَكَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلهُ , ثُمَّ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا صَلَّيْت عَلَى إِبْرَاهِيم وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا بَارَكْت عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آل إِبْرَاهِيم فِي الْعَالَمِينَ إِنَّك حَمِيد مَجِيد وَالسَّلَام كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ ) . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ طَلْحَة مِثْله , بِإِسْقَاطِ قَوْله : ( فِي الْعَالَمِينَ ) وَقَوْله : ( وَالسَّلَام كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ ) . وَفِي الْبَاب عَنْ كَعْب بْن عُجْرَة وَأَبِي حُمَيْد السَّاعِدِيّ وَأَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ وَعَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَأَبِي هُرَيْرَة وَبُرَيْدَة الْخُزَاعِيّ وَزَيْد بْن خَارِجَة , وَيُقَال اِبْن حَارِثَة أَخْرَجَهَا أَئِمَّة أَهْل الْحَدِيث فِي كُتُبهمْ . وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث كَعْب بْن عُجْرَة . خَرَّجَهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه مَعَ حَدِيث أَبِي حُمَيْد السَّاعِدِيّ . قَالَ أَبُو عُمَر : رَوَى شُعْبَة وَالثَّوْرِيّ عَنْ الْحَكَم بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْب بْن عُجْرَة قَالَ : لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى : &quot; يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا &quot; جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , هَذَا السَّلَام عَلَيْك قَدْ عَرَفْنَاهُ فَكَيْف الصَّلَاة ؟ فَقَالَ : ( قُلْ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا صَلَّيْت عَلَى إِبْرَاهِيم وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا بَارَكْت عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حَمِيد مَجِيد ) وَهَذَا لَفْظ حَدِيث الثَّوْرِيّ لَا حَدِيث شُعْبَة وَهُوَ يَدْخُل فِي التَّفْسِير الْمُسْنَد إِلَيْهِ لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : &quot; إِنَّ اللَّه وَمَلَائِكَته يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا &quot; فَبَيَّنَ كَيْف الصَّلَاة عَلَيْهِ وَعَلَّمَهُمْ فِي التَّحِيَّات كَيْف السَّلَام عَلَيْهِ , وَهُوَ قَوْله : ( السَّلَام عَلَيْك أَيّهَا النَّبِيّ وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته ) . وَرَوَى الْمَسْعُودِيّ عَنْ عَوْن بْن عَبْد اللَّه عَنْ أَبِي فَاخِتَة عَنْ الْأَسْوَد عَنْ عَبْد اللَّه أَنَّهُ قَالَ : إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْسِنُوا الصَّلَاة عَلَيْهِ , فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ لَعَلَّ ذَلِكَ يُعْرَض عَلَيْهِ . قَالُوا فَعَلَّمَنَا , قَالَ : ( قُولُوا اللَّهُمَّ اِجْعَلْ صَلَوَاتك وَرَحْمَتك وَبَرَكَاتك عَلَى سَيِّد الْمُرْسَلِينَ وَإِمَام الْمُتَّقِينَ وَخَاتَم النَّبِيِّينَ مُحَمَّد عَبْدك وَنَبِيّك وَرَسُولك إِمَام الْخَيْر وَقَائِد الْخَيْر وَرَسُول الرَّحْمَة . اللَّهُمَّ اِبْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَغْبِطهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ . اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا صَلَّيْت عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حَمِيد مَجِيد . اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا بَارَكْت عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حَمِيد مَجِيد ) . وَرَوَيْنَا بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِل فِي كِتَاب ( الشِّفَا ) لِلْقَاضِي عِيَاض عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : عَدَّهُنَّ فِي يَدِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : ( عَدَّهُنَّ فِي يَدِي جِبْرِيلُ وَقَالَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ مِنْ عِنْد رَبّ الْعِزَّة اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا صَلَّيْت عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حَمِيد مَجِيد . اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا بَارَكْت عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حَمِيد مَجِيد . اللَّهُمَّ وَتَرَحَّمْ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا تَرَحَّمْت عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حَمِيد مَجِيد . اللَّهُمَّ وَتَحَنَّنْ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا تَحَنَّنْت عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حَمِيد مَجِيد ) . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَات صَحِيح وَمِنْهَا سَقِيم , وَأَصَحُّهَا مَا رَوَاهُ مَالِك فَاعْتَمِدُوهُ . وَرِوَايَة غَيْر مَالِك مِنْ زِيَادَة الرَّحْمَة مَعَ الصَّلَاة وَغَيْرهَا لَا يَقْوَى , وَإِنَّمَا عَلَى النَّاس أَنْ يَنْظُرُوا فِي أَدْيَانهمْ نَظَرَهُمْ فِي أَمْوَالهمْ , وَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ فِي الْبَيْع دِينَارًا مَعِيبًا , وَإِنَّمَا يَخْتَارُونَ السَّالِم الطَّيِّب , كَذَلِكَ لَا يُؤْخَذ مِنْ الرِّوَايَات عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَدُهُ , لِئَلَّا يَدْخُل فِي حَيِّز الْكَذِب عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَمَا هُوَ يَطْلُب الْفَضْل إِذَا بِهِ قَدْ أَصَابَ النَّقْص , بَلْ رُبَّمَا أَصَابَ الْخُسْرَان الْمُبِين . 

الثَّالِثَة : فِي فَضْل الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاة صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ) . وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه : الصَّلَاة عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْعِبَادَات , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى تَوَلَّاهَا هُوَ وَمَلَائِكَته , ثُمَّ أَمَرَ بِهَا الْمُؤْمِنِينَ , وَسَائِر الْعِبَادَات لَيْسَ كَذَلِكَ . قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الدَّارَانِيّ : مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَل اللَّه حَاجَة فَلْيَبْدَأْ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ يَسْأَل اللَّه حَاجَته , ثُمَّ يَخْتِم بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقْبَل الصَّلَاتَيْنِ وَهُوَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَرُدّ مَا بَيْنهمَا . وَرَوَى سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : الدُّعَاء يُحْجَب دُون السَّمَاء حَتَّى يُصَلَّى عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِذَا جَاءَتْ الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعَ الدُّعَاء . وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَسَلَّمَ عَلَيَّ فِي كِتَاب لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَة يُصَلُّونَ عَلَيْهِ مَا دَامَ اِسْمِي فِي ذَلِكَ الْكِتَاب ) . 

الرَّابِعَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاة , فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجَمّ الْغَفِير وَالْجُمْهُور الْكَثِير : أَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَن الصَّلَاة وَمُسْتَحَبَّاتهَا . قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : يُسْتَحَبّ أَلَّا يُصَلِّي أَحَد صَلَاة إِلَّا صَلَّى فِيهَا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ تَارِك فَصَلَاته مُجْزِيَة فِي مَذَاهِب مَالِك وَأَهْل الْمَدِينَة وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَأَهْل الْكُوفَة مِنْ أَصْحَاب الرَّأْي وَغَيْرهمْ . وَهُوَ قَوْل جُلّ أَهْل الْعِلْم . وَحُكِيَ عَنْ مَالِك وَسُفْيَان أَنَّهَا فِي التَّشَهُّد الْأَخِير مُسْتَحَبَّة , وَأَنَّ تَارِكهَا فِي التَّشَهُّد مُسِيء وَشَذَّ الشَّافِعِيّ فَأَوْجَبَ عَلَى تَارِكهَا فِي الصَّلَاة الْإِعَادَةَ وَأَوْجَبَ إِسْحَاق الْإِعَادَة مَعَ تَعَمُّد تَرْكهَا دُون النِّسْيَان . وَقَالَ أَبُو عُمَر : قَالَ الشَّافِعِيّ إِذَا لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّد الْأَخِير بَعْد التَّشَهُّد وَقَبْل التَّسْلِيم أَعَادَ الصَّلَاة . قَالَ : وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ قَبْل ذَلِكَ لَمْ تُجْزِهِ . وَهَذَا قَوْل حَكَاهُ عَنْهُ حَرْمَلَة بْن يَحْيَى , لَا يَكَاد يُوجَد هَكَذَا عَنْ الشَّافِعِيّ إِلَّا مِنْ رِوَايَة حَرْمَلَة عَنْهُ , وَهُوَ مِنْ كِبَار أَصْحَابه الَّذِينَ كَتَبُوا كُتُبه . وَقَدْ تَقَلَّدَهُ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ وَمَالُوا إِلَيْهِ وَنَاظَرُوا عَلَيْهِ , وَهُوَ عِنْدهمْ تَحْصِيل مَذْهَبه . وَزَعَمَ الطَّحَاوِيّ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَد مِنْ أَهْل الْعِلْم غَيْره . وَقَالَ الْخَطَّابِيّ وَهُوَ مِنْ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ : وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فِي الصَّلَاة , وَهُوَ قَوْل جَمَاعَة الْفُقَهَاء إِلَّا الشَّافِعِيّ , وَلَا أَعْلَمُ لَهُ فِيهَا قُدْوَة . وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فُرُوض , الصَّلَاة عَمَل السَّلَف الصَّالِح قَبْل الشَّافِعِيّ وَإِجْمَاعهمْ عَلَيْهِ , وَقَدْ شُنِّعَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة جِدًّا . وَهَذَا تَشَهُّد اِبْن مَسْعُود الَّذِي اِخْتَارَهُ الشَّافِعِيّ وَهُوَ الَّذِي عَلَّمَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيهِ الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ كُلّ مَنْ رَوَى التَّشَهُّد عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ اِبْن عُمَر : كَانَ أَبُو بَكْر يُعَلِّمنَا التَّشَهُّد عَلَى الْمِنْبَر كَمَا تُعَلِّمُونَ الصِّبْيَان فِي الْكِتَاب . وَعَلَّمَهُ أَيْضًا عَلَى الْمِنْبَر عُمَر , وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْر الصَّلَاة عَلَى , النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 

قُلْت : قَدْ قَالَ بِوُجُوبِ الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاة مُحَمَّد بْن الْمَوَّاز مِنْ أَصْحَابنَا فِيمَا ذَكَرَ اِبْن الْقَصَّار وَعَبْد الْوَهَّاب , وَاخْتَارَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيح : إِنَّ اللَّه أَمَرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْك فَكَيْف نُصَلِّي عَلَيْك ؟ فَعَلَّمَ الصَّلَاةَ وَوَقْتَهَا فَتَعَيَّنَتْ كَيْفِيَّة وَوَقْتًا . وَذَكَر الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي جَعْفَر مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن أَنَّهُ قَالَ : لَوْ صَلَّيْت صَلَاة لَمْ أُصَلِّ فِيهَا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَلَى أَهْل بَيْته لَرَأَيْت أَنَّهَا لَا تَتِمّ . وَرُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْهُ عَنْ اِبْن مَسْعُود عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالصَّوَاب أَنَّهُ قَوْل أَبِي جَعْفَر , قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيّ .

قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن بُكَيْر : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ اللَّه أَصْحَابه أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَيْهِ . وَكَذَلِكَ مَنْ بَعْدهمْ أُمِرُوا أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَيْهِ عِنْد حُضُورهمْ قَبْره وَعِنْد ذِكْره . وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ ذَات يَوْم وَالْبِشْر يُرَى فِي وَجْهه , فَقُلْت : إِنَّا لَنَرَى الْبُشْرَى فِي وَجْهك ! فَقَالَ : ( إِنَّهُ أَتَانِي الْمَلَك فَقَالَ يَا مُحَمَّد إِنَّ رَبّك يَقُول أَمَا يُرْضِيك أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْك أَحَدٌ إِلَّا صَلَّيْت عَلَيْهِ عَشْرًا وَلَا يُسَلِّم عَلَيْك أَحَد إِلَّا سَلَّمْت عَلَيْهِ عَشْرًا ) . وَعَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد يُسَلِّم عَلَيَّ إِذَا مُتّ إِلَّا جَاءَنِي سَلَامه مَعَ جِبْرِيل يَقُول يَا مُحَمَّد هَذَا فُلَان بْن فُلَان يَقْرَأ عَلَيْك السَّلَام فَأَقُول وَعَلَيْهِ السَّلَام وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته ) وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَة سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْض يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَام ) . قَالَ الْقُشَيْرِيّ وَالتَّسْلِيم قَوْلك : سَلَام عَلَيْك .';
$TAFSEER['4']['33']['57'] = 'فِيهِ خَمْس مَسَائِل الْأُولَى : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي أَذِيَّة اللَّه بِمَاذَا تَكُون ؟ فَقَالَ الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ بِالْكُفْرِ وَنِسْبَة الصَّاحِبَة وَالْوَلَد وَالشَّرِيك إِلَيْهِ , وَوَصْفه بِمَا لَا يَلِيق بِهِ , كَقَوْلِ الْيَهُود لَعَنَهُمْ اللَّه : وَقَالَتْ الْيَهُود يَد اللَّه مَغْلُولَة . وَالنَّصَارَى : الْمَسِيح اِبْن اللَّه . وَالْمُشْرِكُونَ : الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه وَالْأَصْنَام شُرَكَاؤُهُ . وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ قَالَ اللَّه تَعَالَى : ( كَذَّبَنِي اِبْن آدَم وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ... ) الْحَدِيث . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَة &quot; مَرْيَم &quot; وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ( يُؤْذِينِي اِبْن آدَم يَقُول يَا خَيْبَة الدَّهْر فَلَا يَقُولَنَّ أَحَدكُمْ يَا خَيْبَة الدَّهْر فَإِنِّي أَنَا الدَّهْر أُقَلِّب لَيْله وَنَهَاره فَإِذَا شِئْت قَبَضْتهمَا ) . هَكَذَا جَاءَ هَذَا الْحَدِيث مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَة فِي هَذِهِ الرِّوَايَة . وَقَدْ جَاءَ مَرْفُوعًا عَنْهُ ( يُؤْذِينِي اِبْن آدَم يَسُبّ الدَّهْر وَأَنَا الدَّهْر أُقَلِّب اللَّيْل وَالنَّهَار ) أَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِم . وَقَالَ عِكْرِمَة : مَعْنَاهُ بِالتَّصْوِيرِ وَالتَّعَرُّض لِفِعْلِ مَا لَا يَفْعَلهُ إِلَّا اللَّه بِنَحْتِ الصُّوَر وَغَيْرهَا , وَقَدْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَعَنَ اللَّه الْمُصَوِّرِينَ ) . 

قُلْت : وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي قَوْل مُجَاهِد فِي الْمَنْع مِنْ تَصْوِير الشَّجَر وَغَيْرهَا ; إِذْ كُلّ ذَلِكَ صِفَة اِخْتِرَاع وَتَشَبُّه بِفِعْلِ اللَّه الَّذِي اِنْفَرَدَ بِهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي سُورَة &quot; النَّمْل &quot; وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَقَالَتْ فِرْقَة : ذَلِكَ عَلَى حَذْف مُضَاف , تَقْدِيره : يُؤْذُونَ أَوْلِيَاء اللَّه . وَأَمَّا أَذِيَّة رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ كُلّ مَا يُؤْذِيه مِنْ الْأَقْوَال فِي غَيْر مَعْنًى وَاحِد , وَمِنْ الْأَفْعَال أَيْضًا . أَمَّا قَوْلهمْ : &quot; فَسَاحِر . شَاعِر . كَاهِن مَجْنُون . وَأَمَّا فِعْلهمْ : فَكَسْر رَبَاعِيَته وَشَجّ وَجْهه يَوْم أُحُد , وَبِمَكَّة إِلْقَاء السَّلَى عَلَى ظَهْره وَهُوَ سَاجِد &quot; إِلَى غَيْر ذَلِكَ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ طَعَنُوا عَلَيْهِ حِين اِتَّخَذَ صَفِيَّة بِنْت أَبِي حُيَيّ . وَأَطْلَقَ إِيذَاء اللَّه وَرَسُوله وَقَيَّدَ إِيذَاء الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات , لِأَنَّ إِيذَاء اللَّه وَرَسُوله لَا يَكُون إِلَّا بِغَيْرِ حَقّ أَبَدًا . وَأَمَّا إِيذَاء الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات فَمِنْهُ , وَمِنْهُ . . 

الثَّانِيَة : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَالطَّعْن فِي تَأْمِير أُسَامَة بْن زَيْد أَذِيَّة لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام . رَوَى الصَّحِيح عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَة بْن زَيْد فَطَعَنَ النَّاس فِي إِمْرَته ; فَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمْرَته فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمْرَة أَبِيهِ مِنْ قَبْل وَأَيْمُ اللَّه إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاس إِلَيَّ بَعْده ) . وَهَذَا الْبَعْث - وَاَللَّه أَعْلَمُ - هُوَ الَّذِي جَهَّزَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أُسَامَة وَأَمَّرَهُ عَلَيْهِمْ وَأَمَرَهُ أَنْ يَغْزُوَ &quot; أُبْنَى &quot; وَهِيَ الْقَرْيَة الَّتِي عِنْد مُؤْتَة , الْمَوْضِع الَّذِي قُتِلَ فِيهِ زَيْد أَبُوهُ مَعَ جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب وَعَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة . فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذ بِثَأْرِ أَبِيهِ فَطَعَنَ مَنْ فِي قَلْبه رَيْب فِي إِمْرَته ; مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمَوَالِي , وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ كَانَ صَغِير السِّنّ ; لِأَنَّهُ كَانَ إِذْ ذَاكَ اِبْن ثَمَانِي عَشْرَة سَنَة ; فَمَاتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ بَرَزَ هَذَا الْبَعْث عَنْ الْمَدِينَة وَلَمْ يَنْفَصِل بَعْد عَنْهَا ; فَنَفَذَهُ أَبُو بَكْر بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 

الثَّالِثَة : فِي هَذَا الْحَدِيث أَوْضَحُ دَلِيل عَلَى جَوَاز إِمَامَة الْمَوْلَى وَالْمَفْضُول عَلَى غَيْرهمَا مَا عَدَا الْإِمَامَة الْكُبْرَى . وَقَدَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة عَلَى الصَّلَاة بِقُبَاء , فَكَانَ يَؤُمّهُمْ وَفِيهِمْ أَبُو بَكْر وَعُمَر وَغَيْرهمْ مِنْ كُبَرَاء قُرَيْش . وَرَوَى الصَّحِيح عَنْ عَامِر بْن وَاثِلَة أَنَّ نَافِع بْن عَبْد الْحَارِث لَقِيَ عُمَر بِعُسْفَان , وَكَانَ عُمَر يَسْتَعْمِلهُ عَلَى مَكَّة فَقَالَ : مَنْ اِسْتَعْمَلْت عَلَى هَذَا الْوَادِي ؟ قَالَ : اِبْن أَبْزَى . قَالَ : وَمَنْ اِبْن أَبْزَى ؟ قَالَ : مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا . قَالَ : فَاسْتَخْلَفْت عَلَيْهِمْ مَوْلًى ! قَالَ : إِنَّهُ لَقَارِئ لِكِتَابِ اللَّه وَإِنَّهُ لَعَالِم بِالْفَرَائِضِ - قَالَ - أَمَا إِنَّ نَبِيّكُمْ قَدْ قَالَ : ( إِنَّ اللَّه يَرْفَع بِهَذَا الْكِتَاب أَقْوَامًا وَيَضَع بِهِ آخَرِينَ ) . 

الرَّابِعَة : كَانَ أُسَامَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ الْحِبّ اِبْن الْحِبّ وَبِذَلِكَ كَانَ يُدْعَى , وَكَانَ أَسْوَد شَدِيد السَّوَاد , وَكَانَ زَيْد أَبُوهُ أَبْيَض مِنْ الْقُطْن . هَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَحْمَد بْن صَالِح . وَقَالَ غَيْر أَحْمَد : كَانَ زَيْد أَزْهَرَ اللَّوْن وَكَانَ أُسَامَة شَدِيد الْأُدْمَة . وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحَسِّن أُسَامَة وَهُوَ صَغِير وَيَمْسَح مُخَاطه , وَيُنَقِّي أَنْفه وَيَقُول : ( لَوْ كَانَ أُسَامَة جَارِيَة لَزَيَّنَّاهُ وَجَهَّزْنَاهُ وَحَبَّبْنَاهُ إِلَى الْأَزْوَاج ) . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ سَبَب اِرْتِدَاد الْعَرَب بَعْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَجَّة الْوَدَاع بِجَبَلِ عَرَفَة عَشِيَّة عَرَفَة عِنْد النَّفْر , اِحْتَبَسَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلِيلًا بِسَبَبِ أُسَامَة إِلَى أَنْ أَتَاهُ ; فَقَالُوا : مَا اِحْتَبَسَ إِلَّا لِأَجْلِ هَذَا ! تَحْقِيرًا لَهُ . فَكَانَ قَوْلهمْ هَذَا سَبَب اِرْتِدَادهمْ . ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ فِي التَّارِيخ بِمَعْنَاهُ . وَاَللَّه أَعْلَمُ . 

الْخَامِسَة : كَانَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَفْرِض لِأُسَامَة فِي الْعَطَاء خَمْسَة آلَاف , وَلِابْنِهِ عَبْد اللَّه أَلْفَيْنِ ; فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه : فَضَّلْت عَلَيَّ أُسَامَة وَقَدْ شَهِدْت مَا لَمْ يَشْهَد ! فَقَالَ : إِنَّ أُسَامَة كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْك , وَأَبَاهُ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبِيك , فَفَضَّلَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَحْبُوب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَحْبُوبه . وَهَكَذَا يَجِب أَنْ يُحَبّ مَا أَحَبَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُبْغَض مَنْ أَبْغَضَ . وَقَدْ قَابَلَ مَرْوَان هَذَا الْحُبّ بِنَقِيضِهِ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرَّ بِأُسَامَة بْن زَيْد وَهُوَ يُصَلِّي عِنْد بَاب بَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ مَرْوَان : إِنَّمَا أَرَدْنَا أَنْ نَرَى مَكَانَك , فَقَدْ رَأَيْنَا مَكَانك , فَعَلَ اللَّه بِك ! وَقَالَ قَوْلًا قَبِيحًا . فَقَالَ لَهُ أُسَامَة : إِنَّك آذَيْتنِي , وَإِنَّك فَاحِش مُتَفَحِّش , وَقَدْ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( إِنَّ اللَّه تَعَالَى يُبْغِض الْفَاحِش الْمُتَفَحِّش ) . فَانْظُرْ مَا بَيْن الْفِعْلَيْنِ وَقِسْ مَا بَيْن الرَّجُلَيْنِ , فَقَدْ آذَى بَنُو أُمَيَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحْبَابه , وَنَاقَضُوهُ فِي مَحَابِّهِ . 

&quot; لَعَنَهُمْ اللَّه &quot; مَعْنَاهُ أُبْعِدُوا مِنْ كُلّ خَيْر . وَاللَّعْن فِي اللُّغَة : الْإِبْعَاد , وَمِنْهُ اللِّعَان . 

&quot; وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا &quot; تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي غَيْر مَوْضِع . وَالْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ .';
$TAFSEER['4']['33']['58'] = 'أَذِيَّة الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات هِيَ أَيْضًا بِالْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَال الْقَبِيحَة , كَالْبُهْتَانِ وَالتَّكْذِيب الْفَاحِش الْمُخْتَلَق . وَهَذِهِ الْآيَة نَظِير الْآيَة الَّتِي فِي النِّسَاء : &quot; وَمَنْ يَكْسِب خَطِيئَة أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدْ اِحْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا &quot; [ النِّسَاء : 112 ] كَمَا قَالَ هُنَا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مِنْ الْأَذِيَّة تَعْيِيره بِحَسَبٍ مَذْمُوم , أَوْ حِرْفَة مَذْمُومَة , أَوْ شَيْء يَثْقُل عَلَيْهِ إِذَا سَمِعَهُ , لِأَنَّ أَذَاهُ فِي الْجُمْلَة حَرَام . وَقَدْ مَيَّزَ اللَّه تَعَالَى بَيْن أَذَاهُ وَأَذَى الرَّسُول وَأَذَى الْمُؤْمِنِينَ فَجَعَلَ الْأَوَّل كُفْرًا وَالثَّانِيَ كَبِيرَة , فَقَالَ فِي أَذَى الْمُؤْمِنِينَ : &quot; فَقَدْ اِحْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا &quot; وَقَدْ بَيَّنَّاهُ . وَرُوِيَ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب قَالَ لِأُبَيّ بْن كَعْب : قَرَأْت الْبَارِحَة هَذِهِ الْآيَة فَفَزِعْت مِنْهَا &quot; وَاَلَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات بِغَيْرِ مَا اِكْتَسَبُوا &quot; الْآيَة , وَاَللَّه إِنِّي لَأَضْرِبهُمْ وَأَنْهَرهُمْ . فَقَالَ لَهُ أُبَيّ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , لَسْت مِنْهُمْ , إِنَّمَا أَنْتَ مُعَلِّم وَمُقَوِّم . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ سَبَب نُزُول هَذِهِ الْآيَة أَنَّ عُمَر رَأَى جَارِيَة مِنْ الْأَنْصَار فَضَرَبَهَا وَكَرِهَ مَا رَأَى مِنْ زِينَتهَا , فَخَرَجَ أَهْلهَا فَآذَوْا عُمَر بِاللِّسَانِ ; فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي عَلِيّ , فَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يُؤْذُونَهُ وَيَكْذِبُونَ عَلَيْهِ . رَضِيَ اللَّه عَنْهُ .';
$TAFSEER['4']['33']['59'] = '&quot; قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك &quot; قَدْ مَضَى الْكَلَام فِي تَفْصِيل أَزْوَاجه وَاحِدَة وَاحِدَة . قَالَ قَتَادَة : مَاتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تِسْع . خَمْس مِنْ قُرَيْش : عَائِشَة , وَحَفْصَة , وَأُمّ حَبِيبَة , وَسَوْدَة , وَأُمّ سَلَمَة . وَثَلَاث مِنْ سَائِر الْعَرَب : مَيْمُونَة , وَزَيْنَب بِنْت جَحْش , وَجُوَيْرِيَة . وَوَاحِدَة مِنْ بَنِي هَارُون : صَفِيَّة . وَأَمَّا أَوْلَاده فَكَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَاد ذُكُور وَإِنَاث . فَالذُّكُور مِنْ أَوْلَاده : الْقَاسِم , أُمّه خَدِيجَة , وَبِهِ كَانَ يُكْنَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ أَوَّل مَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَاده , وَعَاشَ سَنَتَيْنِ . وَقَالَ عُرْوَة : وَلَدَتْ خَدِيجَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه لَيّه وَسَلَّمَ الْقَاسِم وَالطَّاهِر وَعَبْد اللَّه وَالطَّيِّب . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْبَرْقِيّ : وَيُقَال إِنَّ الطَّاهِر هُوَ الطَّيِّب وَهُوَ عَبْد اللَّه . وَإِبْرَاهِيم أُمّه مَارِيَة الْقِبْطِيَّة , وُلِدَ فِي ذِي الْحِجَّة سَنَة ثَمَان مِنْ الْهِجْرَة , وَتُوُفِّيَ اِبْن سِتَّة عَشَرَ شَهْرًا , وَقِيلَ ثَمَانِيَة عَشَر ; ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيّ . وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ . وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا تُتِمّ رَضَاعه فِي الْجَنَّة ) . وَجَمِيع أَوْلَاد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَدِيجَة سِوَى إِبْرَاهِيم . وَكُلّ أَوْلَاده مَاتُوا فِي حَيَاته غَيْر فَاطِمَة . 

وَأَمَّا الْإِنَاث مِنْ أَوْلَاده فَمِنْهُنَّ : فَاطِمَة الزَّهْرَاء بِنْت خَدِيجَة , وَلَدَتْهَا وَقُرَيْش تَبْنِي الْبَيْت قَبْل النُّبُوَّة بِخَمْسِ سِنِينَ , وَهِيَ أَصْغَرُ بَنَاته , وَتَزَوَّجَهَا عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فِي السَّنَة الثَّانِيَة مِنْ الْهِجْرَة فِي رَمَضَان , وَبَنَى بِهَا فِي ذِي الْحِجَّة . وَقِيلَ : تَزَوَّجَهَا فِي رَجَب , وَتُوُفِّيَتْ بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَسِيرٍ , وَهِيَ أَوَّل مَنْ لَحِقَهُ مِنْ أَهْل بَيْته . رَضِيَ اللَّه عَنْهَا . 

وَمِنْهُنَّ : زَيْنَب - أُمّهَا خَدِيجَة - تَزَوَّجَهَا اِبْن خَالَتهَا أَبُو الْعَاصِي بْن الرَّبِيع , وَكَانَتْ أُمّ الْعَاصِي هَالَة بِنْت خُوَيْلِد أُخْت خَدِيجَة . وَاسْم أَبِي الْعَاصِي لَقِيط . وَقِيلَ هَاشِم . وَقِيلَ هُشَيْم . وَقِيلَ مِقْسَم . وَكَانَتْ أَكْبَرَ بَنَات رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتُوُفِّيَتْ سَنَة ثَمَان مِنْ الْهِجْرَة , وَنَزَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبْرهَا . 

وَمِنْهُنَّ : رُقَيَّة - أُمّهَا خَدِيجَة - تَزَوَّجَهَا عُتْبَة بْن أَبِي لَهَب قَبْل النُّبُوَّة , فَلَمَّا بُعِثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ : &quot; تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَب &quot; [ الْمَسَد : 1 ] قَالَ أَبُو لَهَب لِابْنِهِ : رَأْسِي مِنْ رَأْسك حَرَام إِنْ لَمْ تُطَلِّق اِبْنَته ; فَفَارَقَهَا وَلَمْ يَكُنْ بَنَى بِهَا . وَأَسْلَمَتْ حِين أَسْلَمَتْ أُمّهَا خَدِيجَة , وَبَايَعَتْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ وَأَخَوَاتهَا حِين بَايَعَهُ النِّسَاء , وَتَزَوَّجَهَا عُثْمَان بْن عَفَّان , وَكَانَتْ نِسَاء قُرَيْش يَقُلْنَ حِين تَزَوَّجَهَا عُثْمَان : أَحْسَنُ شَخْصَيْنِ رَأَى إِنْسَانُ رُقَيَّةٌ وَبَعْلهَا عُثْمَان وَهَاجَرَتْ مَعَهُ إِلَى أَرْض الْحَبَشَة الْهِجْرَتَيْنِ , وَكَانَتْ قَدْ أَسْقَطَتْ مِنْ عُثْمَان سَقْطًا , ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْد ذَلِكَ عَبْد اللَّه , وَكَانَ عُثْمَان يُكْنَى بِهِ فِي الْإِسْلَام , وَبَلَغَ سِتّ سِنِينَ فَنَقَرَهُ دِيك فِي وَجْهه فَمَاتَ , وَلَمْ تَلِد لَهُ شَيْئًا بَعْد ذَلِكَ . وَهَاجَرَتْ إِلَى الْمَدِينَة وَمَرِضَتْ وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَجَهَّز إِلَى بَدْر فَخَلَّفَ عُثْمَان عَلَيْهَا , فَتُوُفِّيَتْ وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ , عَلَى رَأْس سَبْعَة عَشَرَ شَهْرًا مِنْ الْهِجْرَة . وَقَدِمَ زَيْد بْن حَارِثَة بَشِيرًا مِنْ بَدْر , فَدَخَلَ الْمَدِينَة حِين سَوَّى التُّرَاب عَلَى رُقَيَّة . وَلَمْ يَشْهَد دَفْنهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمِنْهُنَّ : أُمّ كُلْثُوم - أُمّهَا خَدِيجَة - تَزَوَّجَهَا عُتَيْبَة بْن أَبِي لَهَب - أَخُو عُتْبَة - قَبْل النُّبُوَّة , وَأَمَرَهُ أَبُوهُ أَنْ يُفَارِقهَا لِلسَّبَبِ الْمَذْكُور فِي أَمْر رُقَيَّة , وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا , فَلَمْ تَزَلْ بِمَكَّة مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْلَمَتْ حِين أَسْلَمَتْ أُمّهَا , وَبَايَعَتْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَخَوَاتهَا حِين بَايَعَهُ النِّسَاء , وَهَاجَرَتْ إِلَى الْمَدِينَة حِين هَاجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ رُقَيَّة تَزَوَّجَهَا عُثْمَان , وَبِذَلِكَ سُمِّيَ ذَا النُّورَيْنِ . وَتُوُفِّيَتْ فِي حَيَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَعْبَان سَنَة تِسْع مِنْ الْهِجْرَة . وَجَلَسَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرهَا , وَنَزَلَ فِي حُفْرَتهَا عَلِيّ وَالْفَضْل وَأُسَامَة . وَذَكَرَ الزُّبَيْر بْن بَكَّار أَنَّ أَكْبَرَ وَلَد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْقَاسِم , ثُمَّ زَيْنَب , ثُمَّ عَبْد اللَّه , وَكَانَ يُقَال لَهُ الطَّيِّب وَالطَّاهِر , وَوُلِدَ بَعْد النُّبُوَّة وَمَاتَ صَغِيرًا ثُمَّ أُمّ كُلْثُوم , ثُمَّ فَاطِمَة , ثُمَّ رُقَيَّة . فَمَاتَ الْقَاسِم بِمَكَّة ثُمَّ مَاتَ عَبْد اللَّه . 

لَمَّا كَانَتْ عَادَة الْعَرَبِيَّات التَّبَذُّل , وَكُنَّ يَكْشِفْنَ وُجُوههنَّ كَمَا يَفْعَل الْإِمَاء , وَكَانَ ذَلِكَ دَاعِيَة إِلَى نَظَر الرِّجَال إِلَيْهِنَّ , وَتَشَعُّب الْفِكْرَة فِيهِنَّ , أَمَرَ اللَّه رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْمُرهُنَّ بِإِرْخَاءِ الْجَلَابِيب عَلَيْهِنَّ إِذَا أَرَدْنَ الْخُرُوج إِلَى حَوَائِجهنَّ , وَكُنَّ يَتَبَرَّزْنَ فِي الصَّحْرَاء قَبْل أَنْ تُتَّخَذ الْكُنُف - فَيَقَع الْفَرْق بَيْنهنَّ وَبَيْن الْإِمَاء , فَتُعْرَف الْحَرَائِر بِسِتْرِهِنَّ , فَيَكُفّ عَنْ مُعَارَضَتهنَّ مَنْ كَانَ عَزَبًا أَوْ شَابًّا . وَكَانَتْ الْمَرْأَة مِنْ نِسَاء الْمُؤْمِنِينَ قَبْل نُزُول هَذِهِ الْآيَة تَتَبَرَّز لِلْحَاجَةِ فَيَتَعَرَّض لَهَا بَعْض الْفُجَّار يَظُنّ أَنَّهَا أَمَة , فَتَصِيح بِهِ فَيَذْهَب , فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَتْ الْآيَة بِسَبَبِ ذَلِكَ . قَالَ مَعْنَاهُ الْحَسَن وَغَيْره .

الْجَلَابِيب جَمْع جِلْبَاب , وَهُوَ ثَوْب أَكْبَرُ مِنْ الْخِمَار . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود أَنَّهُ الرِّدَاء . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ الْقِنَاع . وَالصَّحِيح أَنَّهُ الثَّوْب الَّذِي يَسْتُر جَمِيع الْبَدَن . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أُمّ عَطِيَّة : قُلْت : يَا رَسُول اللَّه . إِحْدَانَا لَا يَكُون لَهَا جِلْبَاب ؟ قَالَ : ( لِتُلْبِسْهَا أُخْتهَا مِنْ جِلْبَابهَا ) . 

وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي صُورَة إِرْخَائِهِ ; فَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَعَبِيدَة السَّلْمَانِيّ : ذَلِكَ أَنْ تَلْوِيَهُ الْمَرْأَة حَتَّى لَا يَظْهَر مِنْهَا إِلَّا عَيْن وَاحِدَة تُبْصِر بِهَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَقَتَادَة : ذَلِكَ أَنْ تَلْوِيه فَوْق الْجَبِين وَتَشُدّهُ , ثُمَّ تَعْطِفهُ عَلَى الْأَنْف , وَإِنْ ظَهَرَتْ عَيْنَاهَا لَكِنَّهُ يَسْتُر الصَّدْر وَمُعْظَم الْوَجْه . وَقَالَ الْحَسَن : تُغَطِّي نِصْف وَجْههَا . 

أَمَرَ اللَّه سُبْحَانه جَمِيع النِّسَاء بِالسَّتْرِ , وَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُون إِلَّا بِمَا لَا يَصِف جِلْدهَا , إِلَّا إِذَا كَانَتْ مَعَ زَوْجهَا فَلَهَا أَنْ تَلْبَس مَا شَاءَتْ ; لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِع بِهَا كَيْف شَاءَ . ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَيْقَظَ لَيْلَة فَقَالَ : ( سُبْحَان اللَّه مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَة مِنْ الْفِتَن وَمَاذَا فُتِحَ مِنْ الْخَزَائِن مَنْ يُوقِظ صَوَاحِب الْحُجَر رَبّ كَاسِيَة فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٌ فِي الْآخِرَة ) . وَرُوِيَ أَنَّ دِحْيَة الْكَلْبِيّ لَمَّا رَجَعَ مِنْ عِنْد هِرَقْل فَأَعْطَاهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبْطِيَّة ; فَقَالَ : ( اِجْعَلْ صَدِيعًا لَك قَمِيصًا وَأَعْطِ صَاحِبَتك صَدِيعًا تَخْتَمِر بِهِ ) . وَالصَّدِيع النِّصْف . ثُمَّ قَالَ لَهُ : ( مُرْهَا تَجْعَل تَحْتهَا شَيْئًا لِئَلَّا يَصِف ) . وَذَكَرَ أَبُو هُرَيْرَة رِقَّة الثِّيَاب لِلنِّسَاءِ فَقَالَ : الْكَاسِيَات الْعَارِيَات النَّاعِمَات الشَّقِيَّات . وَدَخَلَ نِسْوَة مِنْ بَنِي تَمِيم عَلَى عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا عَلَيْهِنَّ ثِيَاب رِقَاق , فَقَالَتْ عَائِشَة : إِنْ كُنْتُنَّ مُؤْمِنَات فَلَيْسَ هَذَا بِلِبَاسِ الْمُؤْمِنَات , وَإِنْ كُنْتُنَّ غَيْر مُؤْمِنَات فَتَمَتَّعْنَهُ . وَأُدْخِلَتْ اِمْرَأَة عَرُوس عَلَى عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا وَعَلَيْهَا خِمَار قُبْطِيّ مُعَصْفَر , فَلَمَّا رَأَتْهَا قَالَتْ : لَمْ تُؤْمِن بِسُورَةِ &quot; النُّور &quot; اِمْرَأَةٌ تَلْبَس هَذَا . وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( نِسَاء كَاسِيَات عَارِيَات مَائِلَات مُمِيلَات رُءُوسهنَّ مِثْل أَسْنِمَة الْبُخْت لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّة وَلَا يَجِدْنَ رِيحهَا ) . وَقَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : مَا يَمْنَع الْمَرْأَة الْمُسْلِمَة إِذْ كَانَتْ لَهَا حَاجَة أَنْ تَخْرُج فِي أَطْمَارهَا أَوْ أَطْمَار جَارَتهَا مُسْتَخْفِيَة , لَا يَعْلَم بِهَا أَحَد حَتَّى تَرْجِع إِلَى بَيْتهَا .

أَيْ الْحَرَائِر , حَتَّى لَا يَخْتَلِطْنَ بِالْإِمَاءِ ; فَإِذَا عُرِفْنَ لَمْ يُقَابَلْنَ بِأَدْنَى مِنْ الْمُعَارَضَة مُرَاقَبَة لِرُتْبَةِ الْحُرِّيَّة , فَتَنْقَطِع الْأَطْمَاع عَنْهُنَّ . وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنْ تُعْرَف الْمَرْأَة حَتَّى تُعْلَم مَنْ هِيَ . وَكَانَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِذَا رَأَى أَمَة قَدْ تَقَنَّعَتْ ضَرَبَهَا بِالدِّرَّةِ , مُحَافَظَة عَلَى زِيّ الْحَرَائِر . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ يَجِب السَّتْر وَالتَّقَنُّع الْآن فِي حَقّ الْجَمِيع مِنْ الْحَرَائِر وَالْإِمَاء . وَهَذَا كَمَا أَنَّ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَعُوا النِّسَاء الْمَسَاجِد بَعْد وَفَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْله : ( لَا تَمْنَعُوا إِمَاء اللَّه مَسَاجِد اللَّه ) حَتَّى قَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : لَوْ عَاشَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَقْتنَا هَذَا لَمَنَعَهُنَّ مِنْ الْخُرُوج إِلَى الْمَسَاجِد كَمَا مُنِعَتْ نِسَاء بَنِي إِسْرَائِيل .

تَأْنِيس لِلنِّسَاءِ فِي تَرْك الْجَلَابِيب قَبْل هَذَا الْأَمْر الْمَشْرُوع .';
$TAFSEER['4']['33']['60'] = 'أَهْل التَّفْسِير عَلَى أَنَّ الْأَوْصَاف الثَّلَاثَة لِشَيْءٍ وَاحِد ; كَمَا رَوَى سُفْيَان بْن سَعِيد عَنْ مَنْصُور عَنْ أَبِي رَزِين قَالَ : &quot; الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَة &quot; قَالَ : هُمْ شَيْء وَاحِد , يَعْنِي أَنَّهُمْ قَدْ جَمَعُوا هَذِهِ الْأَشْيَاء . وَالْوَاو مُقْحَمَة , كَمَا قَالَ : إِلَى الْمَلِك الْقَرْم وَابْن الْهُمَام وَلَيْث الْكَتِيبَة فِي الْمُزْدَحَم أَرَادَ إِلَى الْمَلِك الْقَرْم اِبْن الْهُمَام لَيْث الْكَتِيبَة , وَقَدْ مَضَى فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; . وَقِيلَ : كَانَ مِنْهُمْ قَوْم يُرْجِفُونَ , وَقَوْم يَتْبَعُونَ النِّسَاء لِلرِّيبَةِ , وَقَوْم يُشَكِّكُونَ الْمُسْلِمِينَ . قَالَ عِكْرِمَة وَشَهْر بْن حَوْشَب : &quot; الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض &quot; يَعْنِي الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ الزِّنَى . وَقَالَ طَاوُس : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي أَمْر النِّسَاء . وَقَالَ سَلَمَة بْن كُهَيْل : نَزَلَتْ فِي أَصْحَاب الْفَوَاحِش , وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . وَقِيلَ : الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض شَيْء وَاحِد , عُبِّرَ عَنْهُمْ بِلَفْظَيْنِ ; دَلِيله آيَة الْمُنَافِقِينَ فِي أَوَّل سُورَة &quot; الْبَقَرَة &quot; . وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَة قَوْم كَانُوا يُخْبِرُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا يَسُوءهُمْ مِنْ عَدُوّهُمْ , فَيَقُولُونَ إِذَا خَرَجَتْ سَرَايَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّهُمْ قَدْ قُتِلُوا أَوْ هُزِمُوا , وَإِنَّ الْعَدُوّ قَدْ أَتَاكُمْ , قَالَ قَتَادَة وَغَيْره . وَقِيلَ كَانُوا يَقُولُونَ : أَصْحَاب الصُّفَّة قَوْم عُزَّاب , فَهُمْ الَّذِينَ يَتَعَرَّضُونَ لِلنِّسَاءِ . وَقِيلَ : هُمْ قَوْم مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَنْطِقُونَ بِالْأَخْبَارِ الْكَاذِبَة حُبًّا لِلْفِتْنَةِ . وَقَدْ كَانَ فِي أَصْحَاب الْإِفْك قَوْم مُسْلِمُونَ وَلَكِنَّهُمْ خَاضُوا حُبًّا لِلْفِتْنَةِ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْإِرْجَاف اِلْتِمَاس الْفِتْنَة , وَالْإِرْجَاف : إِشَاعَة الْكَذِب وَالْبَاطِل لِلِاغْتِمَامِ بِهِ . وَقِيلَ : تَحْرِيك الْقُلُوب , يُقَال : رَجَفَتْ الْأَرْض - أَيْ تَحَرَّكَتْ وَتَزَلْزَلَتْ - تَرْجُف رَجْفًا . وَالرَّجَفَان : الِاضْطِرَاب الشَّدِيد . وَالرَّجَّاف : الْبَحْر , سُمِّيَ بِهِ لِاضْطِرَابِهِ . قَالَ الشَّاعِر : الْمُطْعِمُونَ اللَّحْمَ كُلَّ عَشِيَّةٍ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ فِي الرَّجَّافِ وَالْإِرْجَاف : وَاحِدُ أَرَاجِيفِ الْأَخْبَارِ . وَقَدْ أَرَجَفُوا فِي الشَّيْء , أَيْ خَاضُوا فِيهِ . قَالَ الشَّاعِر : فَإِنَّا وَإِنْ عَيَّرْتُمُونَا بِقَتْلِهِ وَأَرْجَفَ بِالْإِسْلَامِ بَاغٍ وَحَاسِد وَقَالَ آخَر : أَبَا الْأَرَاجِيفِ يَا بْنَ اللُّؤْمِ تُوعِدُنِي وَفِي الْأَرَاجِيفِ خِلْت اللُّؤْمَ وَالْخَوْرَ فَالْإِرْجَاف حَرَام , لِأَنَّ فِيهِ إِذَايَة . فَدَلَّتْ الْآيَة عَلَى تَحْرِيم الْإِيذَاء بِالْإِرْجَافِ .

أَيْ لَنُسَلِّطَنَّكَ عَلَيْهِمْ فَتَسْتَأْصِلهُمْ بِالْقَتْلِ , . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمْ يَنْتَهُوا عَنْ إِيذَاء النِّسَاء وَأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَغْرَاهُ بِهِمْ . ثُمَّ إِنَّهُ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : &quot; وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْره &quot; [ التَّوْبَة : 84 ] وَإِنَّهُ أَمَرَهُ بِلَعْنِهِمْ , وَهَذَا هُوَ الْإِغْرَاء ; وَقَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد : قَدْ أَغْرَاهُ بِهِمْ فِي الْآيَة الَّتِي تَلِي هَذِهِ مَعَ اِتِّصَال الْكَلَام بِهَا , وَهُوَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : &quot; أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا &quot; . فَهَذَا فِيهِ مَعْنَى الْأَمْر بِقَتْلِهِمْ وَأَخْذهمْ ; أَيْ هَذَا حُكْمهمْ إِذَا كَانُوا مُقِيمِينَ عَلَى النِّفَاق وَالْإِرْجَاف وَفِي الْحَدِيث عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَمْس يُقْتَلْنَ فِي الْحِلّ وَالْحَرَم ) . فَهَذَا فِيهِ مَعْنَى الْأَمْر كَالْآيَةِ سَوَاء . النَّحَّاس : وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي الْآيَة . وَقِيلَ : إِنَّهُمْ قَدْ اِنْتَهَوْا عَنْ الْإِرْجَاف فَلَمْ يُغْرَ بِهِمْ . وَلَام &quot; لَنُغْرِيَنَّكَ &quot; لَام الْقَسَم , وَالْيَمِين وَاقِعَة عَلَيْهَا , وَأُدْخِلَتْ اللَّام فِي &quot; إِنْ &quot; تَوْطِئَة لَهَا .

أَيْ فِي الْمَدِينَة . &quot; إِلَّا قَلِيلًا &quot; نُصِبَ عَلَى الْحَال مِنْ الضَّمِير فِي &quot; يُجَاوِرُونَك &quot; ; فَكَانَ الْأَمْر كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا إِلَّا أَقِلَّاء . فَهَذَا أَحَد جَوَابَيْ الْفَرَّاء , وَهُوَ الْأَوْلَى عِنْده , أَيْ لَا يُجَاوِرُونَك إِلَّا فِي حَال قِلَّتهمْ . وَالْجَوَاب الْآخَر : أَنْ يَكُون الْمَعْنَى إِلَّا وَقْتًا قَلِيلًا , أَيْ لَا يَبْقَوْنَ مَعَك إِلَّا مُدَّة يَسِيرَة , أَيْ لَا يُجَاوِرُونَك فِيهَا إِلَّا جِوَارًا قَلِيلًا حَتَّى يَهْلِكُوا , فَيَكُون نَعْتًا لِمَصْدَرٍ أَوْ ظَرْف مَحْذُوف . وَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مَعَك سَاكِنًا بِالْمَدِينَةِ فَهُوَ جَار . وَقَدْ مَضَى فِي &quot; النِّسَاء &quot; .';
$TAFSEER['4']['33']['61'] = 'هَذَا تَمَام الْكَلَام عِنْد مُحَمَّد بْن يَزِيد , وَهُوَ مَنْصُوب عَلَى الْحَال . وَقَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : &quot; قَلِيلًا مَلْعُونِينَ &quot; وَقْف حَسَن . النَّحَّاس : وَيَجُوز أَنْ يَكُون التَّمَام &quot; إِلَّا قَلِيلًا &quot; وَتُنْصَب &quot; مَلْعُونِينَ &quot; عَلَى الشَّتْم . كَمَا قَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر : &quot; وَامْرَأَته حَمَّالَةَ الْحَطَب &quot; . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْض النَّحْوِيِّينَ أَنَّهُ قَالَ : يَكُون الْمَعْنَى أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا مَلْعُونِينَ . وَهَذَا خَطَأ لَا يَعْمَل مَا كَانَ مَعَ الْمُجَازَاة فِيمَا قَبْله . وَقِيلَ : مَعْنَى الْآيَة إِنْ أَصَرُّوا عَلَى النِّفَاق لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مُقَام بِالْمَدِينَةِ إِلَّا وَهُمْ مَطْرُودُونَ مَلْعُونُونَ . وَقَدْ فُعِلَ بِهِمْ هَذَا , فَإِنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ سُورَة &quot; التَّوْبَة &quot; جُمِعُوا , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا فُلَان قُمْ فَاخْرُجْ فَإِنَّك مُنَافِق وَيَا فُلَان قُمْ ) فَقَامَ إِخْوَانهمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَتَوَلَّوْا إِخْرَاجهمْ مِنْ الْمَسْجِد .';
$TAFSEER['4']['33']['62'] = 'نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَر ; أَيْ سَنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ فِيمَنْ أَرْجَفَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَأَظْهَرَ نِفَاقه أَنْ يُؤْخَذ وَيُقْتَل .

أَيْ تَحْوِيلًا وَتَغْيِيرًا , حَكَاهُ النَّقَّاش . وَقَالَ السُّدِّيّ : يَعْنِي أَنَّ مَنْ قُتِلَ بِحَقٍّ فَلَا دِيَة عَلَى قَاتِله . الْمَهْدَوِيّ : وَفِي الْآيَة دَلِيل عَلَى جَوَاز تَرْك إِنْفَاذ الْوَعِيد , وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ بَقَاء الْمُنَافِقِينَ مَعَهُ حَتَّى مَاتَ . وَالْمَعْرُوف مِنْ أَهْل الْفَضْل إِتْمَام وَعْدهمْ وَتَأْخِير وَعِيدهمْ , وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي &quot; آل عِمْرَان &quot; وَغَيْرهَا .';
$TAFSEER['4']['33']['63'] = 'هَؤُلَاءِ الْمُؤْذُونَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تُوُعِّدُوا بِالْعَذَابِ سَأَلُوا عَنْ السَّاعَة , اِسْتِبْعَادًا وَتَكْذِيبًا , مُوهِمِينَ أَنَّهَا لَا تَكُون .

أَيْ أَجِبْهُمْ عَنْ سُؤَالهمْ وَقُلْ عِلْمهَا عِنْد اللَّه , وَلَيْسَ فِي إِخْفَاء اللَّه وَقْتَهَا عَنِّي مَا يُبْطِل نُبُوَّتِي , وَلَيْسَ مِنْ شَرْط النَّبِيّ أَنْ يَعْلَم الْغَيْب بِغَيْرِ تَعْلِيم مِنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ .

أَيْ مَا يُعْلِمك .

أَيْ فِي زَمَان قَرِيب . وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بُعِثْت أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ ) وَأَشَارَ إِلَى السَّبَّابَة وَالْوُسْطَى , خَرَّجَهُ أَهْل الصَّحِيح . وَقِيلَ : أَيْ لَيْتَ السَّاعَة تَكُون قَرِيبًا , فَحُذِفَ هَاء التَّأْنِيث ذَهَابًا بِالسَّاعَةِ إِلَى الْيَوْم ; كَقَوْلِهِ : &quot; إِنَّ رَحْمَة اللَّه قَرِيب مِنْ الْمُحْسِنِينَ &quot; [ الْأَعْرَاف : 56 ] وَلَمْ يَقُلْ قَرِيبَة ذَهَابًا بِالرَّحْمَةِ إِلَى الْعَفْو , إِذْ لَيْسَ تَأْنِيثهَا أَصْلِيًّا . وَقَدْ مَضَى هَذَا مُسْتَوْفًى . وَقِيلَ : إِنَّمَا أَخْفَى وَقْت السَّاعَة لِيَكُونَ الْعَبْد مُسْتَعِدًّا لَهَا فِي كُلّ وَقْت .';
$TAFSEER['4']['33']['64'] = 'أَيْ طَرَدَهُمْ وَأَبْعَدَهُمْ . وَاللَّعْن : الطَّرْد وَالْإِبْعَاد عَنْ الرَّحْمَة . وَقَدْ مَضَى فِي &quot; الْبَقَرَة &quot; بَيَانه .

أَنَّثَ السَّعِير لِأَنَّهَا بِمَعْنَى النَّار .';
$TAFSEER['4']['33']['65'] = 'خَالِدِينَ فِي السَّعِير لَا يَجِدُونَ مَنْ يُنَجِّيهِمْ مِنْ عَذَاب اللَّه وَالْخُلُود فِيهِ .';
$TAFSEER['4']['33']['66'] = 'قِرَاءَة الْعَامَّة بِضَمِّ التَّاء وَفَتْح اللَّام , عَلَى الْفِعْل الْمَجْهُول . وَقَرَأَ عِيسَى الْهَمْدَانِيّ وَابْن إِسْحَاق : &quot; نُقَلِّب &quot; بِنُونٍ وَكَسْر اللَّام . &quot; وُجُوهَهُمْ &quot; نَصْبًا . وَقَرَأَ عِيسَى أَيْضًا : &quot; تُقَلِّب &quot; بِضَمِّ التَّاء وَكَسْر اللَّام عَلَى مَعْنَى تُقَلِّب السَّعِير وُجُوههمْ . وَهَذَا التَّقْلِيب تَغْيِير أَلْوَانهمْ بِلَفْحِ النَّار , فَتَسْوَدّ مَرَّة وَتَخْضَرّ أُخْرَى . وَإِذَا بُدِّلَتْ جُلُودهمْ بِجُلُودٍ أُخَر فَحِينَئِذٍ يَتَمَنَّوْنَ أَنَّهُمْ مَا كَفَرُوا

وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : يَقُولُونَ يَوْم تُقَلَّب وُجُوههمْ فِي النَّار يَا لَيْتَنَا . 

أَيْ لَمْ نَكْفُر فَنَنْجُو مِنْ هَذَا الْعَذَاب كَمَا نَجَا الْمُؤْمِنُونَ . وَهَذِهِ الْأَلِف تَقَع فِي الْفَوَاصِل فَيُوقَف عَلَيْهَا وَلَا يُوصَل بِهَا . وَكَذَا &quot; السَّبِيلَا &quot; وَقَدْ مَضَى فِي أَوَّل السُّورَة .';
$TAFSEER['4']['33']['67'] = 'قَرَأَ الْحَسَن : &quot; سَادَاتِنَا &quot; بِكَسْرِ التَّاء , جَمْع سَادَة . وَكَانَ فِي هَذَا زَجْر عَنْ التَّقْلِيد . وَالسَّادَة جَمْع السَّيِّد , وَهُوَ فَعَلَة , مِثْل كَتَبَة وَفَجَرَة . وَسَادَاتنَا جَمْع الْجَمْع . وَالسَّادَة وَالْكُبَرَاء بِمَعْنًى . وَقَالَ قَتَادَة : هُمْ الْمُطْعِمُونَ فِي غَزْوَة بَدْر . وَالْأَظْهَر الْعُمُوم فِي الْقَادَة وَالرُّؤَسَاء فِي الشِّرْك وَالضَّلَالَة , أَيْ أَطَعْنَاهُمْ فِي مَعْصِيَتك وَمَا دَعَوْنَا إِلَيْهِ

أَيْ عَنْ السَّبِيل وَهُوَ التَّوْحِيد , فَلَمَّا حُذِفَ الْجَارّ وُصِلَ الْفِعْلُ فَنُصِبَ . وَالْإِضْلَال لَا يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ مِنْ غَيْر تَوَسُّط حَرْف الْجَرّ , كَقَوْلِهِ : &quot; لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْر &quot; [ الْفُرْقَان : 29 ]';
$TAFSEER['4']['33']['68'] = 'قَالَ قَتَادَة : عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة . وَقِيلَ : عَذَاب الْكُفْر وَعَذَاب الْإِضْلَال ; أَيْ عَذِّبْهُمْ مِثْلَيْ مَا تُعَذِّبنَا فَإِنَّهُمْ ضَلُّوا وَأَضَلُّوا .

قَرَأَ اِبْن مَسْعُود وَأَصْحَابه وَيَحْيَى وَعَاصِم بِالْبَاءِ . الْبَاقُونَ بِالثَّاءِ , وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم وَأَبُو عُبَيْد وَالنَّحَّاس , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : &quot; أُولَئِكَ يَلْعَنهُمْ اللَّه وَيَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ &quot; [ الْبَقَرَة : 159 ] وَهَذَا الْمَعْنَى كَثِير . وَقَالَ مُحَمَّد بْن أَبِي السَّرِيّ : رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَنِّي فِي مَسْجِد عَسْقَلَان وَكَأَنَّ رَجُلًا يُنَاظِرنِي فِيمَنْ يُبْغِض أَصْحَاب مُحَمَّد فَقَالَ : وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَثِيرًا , ثُمَّ كَرَّرَهَا حَتَّى غَابَ عَنِّي , لَا يَقُولهَا إِلَّا بِالثَّاءِ . وَقِرَاءَة الْبَاء تَرْجِع فِي الْمَعْنَى إِلَى الثَّاء ; لِأَنَّ مَا كَبُرَ كَانَ كَثِيرًا عَظِيم الْمِقْدَار .';
$TAFSEER['4']['33']['69'] = 'لَمَّا ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى الْمُنَافِقِينَ وَالْكُفَّار الَّذِينَ آذَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ , حَذَّرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ التَّعَرُّض لِلْإِيذَاءِ , وَنَهَاهُمْ عَنْ التَّشَبُّه بِبَنِي إِسْرَائِيل فِي أَذِيَّتهمْ نَبِيَّهُمْ مُوسَى . وَاخْتَلَفَ النَّاس فِيمَا أُوذِيَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُوسَى , فَحَكَى النَّقَّاش أَنَّ أَذِيَّتهمْ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَام قَوْلهمْ : زَيْد بْن مُحَمَّد . وَقَالَ أَبُو وَائِل : أَذِيَّته أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ قَسْمًا فَقَالَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار : إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَة مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْه اللَّه , فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ وَقَالَ : ( رَحِمَ اللَّه مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ ) وَأَمَّا أَذِيَّة مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَجَمَاعَة : هِيَ مَا تَضَمَّنَهُ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ : ( كَانَ بَنُو إِسْرَائِيل يَغْتَسِلُونَ عُرَاة وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَتَسَتَّر كَثِيرًا وَيُخْفِي بَدَنه فَقَالَ قَوْم هُوَ آدَرُ وَأَبْرَصُ أَوْ بِهِ آفَة , فَانْطَلَقَ ذَات يَوْم يَغْتَسِل فِي عَيْن بِأَرْضِ الشَّام وَجَعَلَ ثِيَابه عَلَى صَخْرَة فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثِيَابِهِ وَاتَّبَعَهُ مُوسَى عُرْيَانًا يَقُول ثَوْبِي حَجَرُ ثَوْبِي حَجَرُ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل فَنَظَرُوا إِلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِهِمْ خَلْقًا وَأَعْدَلِهِمْ صُورَة وَلَيْسَ بِهِ الَّذِي قَالُوا فَهُوَ قَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى &quot; فَبَرَّأَهُ اللَّه مِمَّا قَالُوا &quot; أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم بِمَعْنَاهُ . وَلَفْظ مُسْلِم : قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيل يَغْتَسِلُونَ عُرَاة يَنْظُر بَعْضهمْ إِلَى سَوْأَة بَعْض وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَغْتَسِل وَحْده فَقَالُوا وَاَللَّه مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِل مَعَنَا إِلَّا أَنَّهُ آدَر قَالَ فَذَهَبَ يَوْمًا يَغْتَسِل فَوَضَعَ ثَوْبه عَلَى حَجَر فَفَرَّ الْحَجَر بِثَوْبِهِ قَالَ فَجَمَحَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِإِثْرِهِ يَقُول ثَوْبِي حَجَر ثَوْبِي حَجَر حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيل إِلَى سَوْأَة مُوسَى وَقَالُوا وَاَللَّه مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْس فَقَامَ الْحَجَر حَتَّى نَظَر إِلَيْهِ قَالَ فَأَخَذَ ثَوْبه فَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا ) قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : وَاَللَّه إِنَّهُ بِالْحَجَرِ نَدَبٌ سِتَّة أَوْ سَبْعَة ضَرْبُ مُوسَى بِالْحَجَرِ . فَهَذَا قَوْل . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : آذَوْا مُوسَى بِأَنْ قَالُوا : قَتَلَ هَارُونَ ; وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى وَهَارُون خَرَجَا مِنْ فَحْص التِّيه إِلَى جَبَل فَمَاتَ هَارُون فِيهِ , فَجَاءَ مُوسَى فَقَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيل لِمُوسَى : أَنْتَ قَتَلْته وَكَانَ أَلْيَنَ لَنَا مِنْك وَأَشَدَّ حُبًّا . فَآذَوْهُ بِذَلِكَ فَأَمَرَ اللَّه تَعَالَى الْمَلَائِكَة فَحَمَلَتْهُ حَتَّى طَافُوا بِهِ فِي بَنِي إِسْرَائِيل , وَرَأَوْا آيَة عَظِيمَة دَلَّتْهُمْ عَلَى صِدْق مُوسَى , وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ أَثَر الْقَتْل . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْمَلَائِكَة تَكَلَّمَتْ بِمَوْتِهِ وَلَمْ يَعْرِف مَوْضِع قَبْره إِلَّا الرَّخَم , وَإِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ أَصَمَّ أَبْكَمَ . وَمَاتَ هَارُون قَبْل مُوسَى فِي التِّيه , وَمَاتَ مُوسَى قَبْل اِنْقِضَاء مُدَّة التِّيه بِشَهْرَيْنِ . وَحَكَى الْقُشَيْرِيّ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ : أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَحْيَا هَارُون فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلهُ , ثُمَّ مَاتَ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ أَذِيَّة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام رَمْيُهُمْ إِيَّاهُ بِالسِّحْرِ وَالْجُنُون . وَالصَّحِيح الْأَوَّل . وَيَحْتَمِل أَنْ فَعَلُوا كُلّ ذَلِكَ فَبَرَّأَهُ اللَّه مِنْ جَمِيع ذَلِكَ . مَسْأَلَة : فِي وَضْع مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ثَوْبَهُ عَلَى الْحَجَر وَدُخُول فِي الْمَاء عُرْيَانًا دَلِيل عَلَى جَوَاز ذَلِكَ , وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور . وَمَنَعَهُ اِبْن أَبِي لَيْلَى وَاحْتَجَّ بِحَدِيثٍ لَمْ يَصِحّ ; وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَدْخُلُوا الْمَاء إِلَّا بِمِئْزَرٍ فَإِنَّ لِلْمَاءِ عَامِرًا ) . قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : وَهُوَ ضَعِيف عِنْد أَهْل الْعِلْم . 

قُلْت : أَمَّا إِنَّهُ يُسْتَحَبّ التَّسَتُّر لَمَّا رَوَاهُ إِسْرَائِيل عَنْ عَبْد الْأَعْلَى أَنَّ الْحَسَن بْن عَلِيّ دَخَلَ غَدِيرًا وَعَلَيْهِ بُرْدٌ لَهُ مُتَوَشِّحًا بِهِ , فَلَمَّا خَرَجَ قِيلَ لَهُ , قَالَ : إِنَّمَا تَسَتَّرْت مِمَّنْ يَرَانِي وَلَا أَرَاهُ ; يَعْنِي مِنْ رَبِّي وَالْمَلَائِكَة . فَإِنْ قِيلَ : كَيْف نَادَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام الْحَجَر نِدَاء مَنْ يَعْقِل ؟ قِيلَ : لِأَنَّهُ صَدَرَ عَنْ الْحَجَر فِعْل مَنْ يَعْقِل . و &quot; حَجَرُ &quot; مُنَادًى مُفْرَدٌ مَحْذُوف حَرْف النِّدَاء , كَمَا قَالَ تَعَالَى : &quot; يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا &quot; [ يُوسُف : 29 ] . و &quot; ثَوْبِي &quot; مَنْصُوب بِفِعْلٍ مُضْمَر ; التَّقْدِير : أَعْطِنِي ثَوْبِي , أَوْ اُتْرُكْ ثَوْبِي , فَحُذِفَ الْفِعْل لِدَلَالَةِ الْحَال عَلَيْهِ .

أَيْ عَظِيمًا . وَالْوَجِيه عِنْد الْعَرَب : الْعَظِيم الْقَدْر الرَّفِيع الْمَنْزِلَة . وَيُرْوَى أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَأَلَ اللَّه شَيْئًا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ . وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود : &quot; وَكَانَ عَبْدًا لِلَّهِ &quot; . وَقِيلَ : مَعْنَى &quot; وَجِيهًا &quot; أَيْ كَلَّمَهُ تَكْلِيمًا . قَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ فِي ( كِتَاب الرَّدّ ) : زَعَمَ مَنْ طَعَنَ فِي الْقُرْآن أَنَّ الْمُسْلِمِينَ صَحَّفُوا &quot; وَكَانَ عِنْد اللَّه وَجِيهًا &quot; وَأَنَّ الصَّوَاب عِنْده &quot; وَكَانَ عَبْدًا لِلَّهِ وَجِيهًا &quot; وَذَلِكَ يَدُلّ عَلَى ضَعْف مَقْصِده وَنُقْصَان فَهْمه وَقِلَّة عِلْمه , وَذَلِكَ أَنَّ الْآيَة لَوْ حُمِلَتْ عَلَى قَوْله وَقُرِئَتْ : &quot; وَكَانَ عَبْدًا &quot; نَقَصَ الثَّنَاء عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ; وَذَلِكَ أَنَّ &quot; وَجِيهًا &quot; يَكُون عِنْد أَهْل الدُّنْيَا وَعِنْد أَهْل زَمَانه وَعِنْد أَهْل الْآخِرَة , فَلَا يُوقَف عَلَى مَكَان الْمَدْح , لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ وَجِيهًا عِنْد بَنِي الدُّنْيَا كَانَ ذَلِكَ إِنْعَامًا مِنْ اللَّه عَلَيْهِ لَا يَبِين عَلَيْهِ مَعَهُ ثَنَاء مِنْ اللَّه . فَلَمَّا أَوْضَحَ اللَّه تَعَالَى مَوْضِع الْمَدْح بِقَوْلِهِ : &quot; وَكَانَ عِنْد اللَّه وَجِيهًا &quot; اِسْتَحَقَّ الشَّرَف وَأَعْظَمَ الرِّفْعَة بِأَنَّ الْوَجَاهَة عِنْد اللَّه , فَمَنْ غَيَّرَ اللَّفْظَ صَرَفَ عَنْ نَبِيّ اللَّه أَفْخَرَ الثَّنَاء وَأَعْظَمَ الْمَدْح .';
$TAFSEER['4']['33']['70'] = 'أَيْ قَصْدًا وَحَقًّا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ صَوَابًا . وَقَالَ قَتَادَة وَمُقَاتِل : يَعْنِي قُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا فِي شَأْن زَيْنَب وَزَيْد , وَلَا تَنْسُبُوا النَّبِيّ إِلَى مَا لَا يَحِلّ . وَقَالَ عِكْرِمَة وَابْن عَبَّاس أَيْضًا : الْقَوْل السَّدَاد لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . وَقِيلَ : هُوَ الَّذِي يُوَافِق ظَاهِره بَاطِنه . وَقِيلَ : هُوَ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْه اللَّه دُون غَيْره . وَقِيلَ : هُوَ الْإِصْلَاح بَيْن الْمُتَشَاجِرِينَ . وَهُوَ مَأْخُوذ مِنْ تَسْدِيد السَّهْم لِيُصَابَ بِهِ الْغَرَضُ . وَالْقَوْل السَّدَاد يَعُمّ الْخَيْرَات , فَهُوَ عَامّ فِي جَمِيع مَا ذُكِرَ وَغَيْر ذَلِكَ . وَظَاهِر الْآيَة يُعْطِي أَنَّهُ إِنَّمَا أَشَارَ إِلَى مَا يَكُون خِلَافًا لِلْأَذَى الَّذِي قِيلَ فِي جِهَة الرَّسُول وَجِهَة الْمُؤْمِنِينَ .';
$TAFSEER['4']['33']['71'] = 'وَعَدَ جَلَّ وَعَزَّ بِأَنَّهُ يُجَازِي عَلَى الْقَوْل السَّدَاد بِإِصْلَاحِ الْأَعْمَال وَغُفْرَان الذُّنُوب ; وَحَسْبُك بِذَلِكَ دَرَجَة وَرِفْعَة وَمَنْزِلَة .

أَيْ فِيمَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ';
$TAFSEER['4']['33']['72'] = 'لَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَة مِنْ الْأَحْكَام مَا بَيَّنَ , أَمَرَ بِالْتِزَامِ أَوَامِره . وَالْأَمَانَة تَعُمّ جَمِيع وَظَائِف الدِّين عَلَى الصَّحِيح مِنْ الْأَقْوَال , وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور . رَوَى التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم أَبُو عَبْد اللَّه : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن نَصْر عَنْ صَالِح بْن عَبْد اللَّه عَنْ مُحَمَّد بْن يَزِيد بْن جَوْهَر عَنْ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَالَ اللَّه تَعَالَى لِآدَم يَا آدَم إِنِّي عَرَضْت الْأَمَانَة عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض فَلَمْ تُطِقْهَا فَهَلْ أَنْتَ حَامِلهَا بِمَا فِيهَا فَقَالَ وَمَا فِيهَا يَا رَبّ قَالَ إِنْ حَمَلْتهَا أُجِرْت وَإِنْ ضَيَّعْتهَا عُذِّبْت فَاحْتَمَلَهَا بِمَا فِيهَا فَلَمْ يَلْبَث فِي الْجَنَّة إِلَّا قَدْرَ مَا بَيْن صَلَاة الْأُولَى إِلَى الْعَصْر حَتَّى أَخْرَجَهُ الشَّيْطَان مِنْهَا ) . فَالْأَمَانَة هِيَ الْفَرَائِض الَّتِي اِئْتَمَنَ اللَّه عَلَيْهَا الْعِبَاد . وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَفَاصِيل بَعْضهَا عَلَى أَقْوَال ; فَقَالَ اِبْن مَسْعُود : هِيَ فِي أَمَانَات الْأَمْوَال كَالْوَدَائِعِ وَغَيْرهَا . وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا فِي كُلّ الْفَرَائِض , وَأَشَدُّهَا أَمَانَة الْمَال . وَقَالَ أُبَيّ بْن كَعْب : مِنْ الْأَمَانَة أَنْ اُؤْتُمِنَتْ الْمَرْأَة عَلَى فَرْجهَا . وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء : غُسْل الْجَنَابَة أَمَانَة , وَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يَأْمَن اِبْن آدَم عَلَى شَيْء مِنْ دِينه غَيْرهَا . وَفِي حَدِيث مَرْفُوع ( الْأَمَانَة الصَّلَاة ) إِنْ شِئْت قُلْت قَدْ صَلَّيْت وَإِنْ شِئْت قُلْت لَمْ أُصَلِّ . وَكَذَلِكَ الصِّيَام وَغُسْل الْجَنَابَة . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص : أَوَّل مَا خَلَقَ اللَّه تَعَالَى مِنْ الْإِنْسَان فَرْجه وَقَالَ هَذِهِ أَمَانَة اِسْتَوْدَعْتُكهَا , فَلَا تَلْبَسهَا إِلَّا بِحَقٍّ . فَإِنْ حَفِظْتهَا حَفِظْتك , فَالْفَرْج أَمَانَة , وَالْأُذُن أَمَانَة , وَالْعَيْن أَمَانَة , وَاللِّسَان أَمَانَة , وَالْبَطْن أَمَانَة , وَالْيَد أَمَانَة , وَالرِّجْل أَمَانَة , وَلَا إِيمَان لِمَنْ لَا أَمَانَة لَهُ . وَقَالَ السُّدِّيّ : هِيَ اِئْتِمَان آدَمَ اِبْنَهُ قَابِيلَ عَلَى وَلَدِهِ وَأَهْلِهِ , وَخِيَانَته إِيَّاهُ فِي قَتْل أَخِيهِ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لَهُ : ( يَا آدَم , هَلْ تَعْلَم أَنَّ لِي بَيْتًا فِي الْأَرْض ) قَالَ : ( اللَّهُمَّ لَا ) قَالَ : ( فَإِنَّ لِي بَيْتًا بِمَكَّة فَأْتِهِ ) فَقَالَ لِلسَّمَاءِ : اِحْفَظِي وَلَدِي بِالْأَمَانَةِ ؟ فَأَبَتْ , وَقَالَ لِلْأَرْضِ : اِحْفَظِي وَلَدِي بِالْأَمَانَةِ فَأَبَتْ , وَقَالَ لِلْجِبَالِ كَذَلِكَ فَأَبَتْ . فَقَالَ لِقَابِيلَ : اِحْفَظْ وَلَدِي بِالْأَمَانَةِ , فَقَالَ نَعَمْ , تَذْهَب وَتَرْجِع فَتَجِد وَلَدك كَمَا يَسُرّك . فَرَجَعَ فَوَجَدَهُ قَدْ قَتَلَ أَخَاهُ , فَذَلِكَ قَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى : &quot; إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَة عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا &quot; . الْآيَة . وَرَوَى مَعْمَر عَنْ الْحَسَن أَنَّ الْأَمَانَة عُرِضَتْ عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال , قَالَتْ : وَمَا فِيهَا ؟ قِيلَ لَهَا : إِنْ أَحْسَنْت جُوزِيت وَإِنْ أَسَأْت عُوقِبْت . فَقَالَتْ لَا . قَالَ مُجَاهِد : فَلَمَّا خَلَقَ اللَّه تَعَالَى آدَم عَرَضَهَا عَلَيْهِ , قَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ : إِنْ أَحْسَنْت أَجَرْتُك وَإِنْ أَسَأْت عَذَّبْتُك . قَالَ : فَقَدْ تَحَمَّلْتهَا يَا رَبّ . قَالَ مُجَاهِد : فَمَا كَانَ بَيْن أَنْ تَحَمَّلَهَا إِلَى أَنْ أُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّة إِلَّا قَدْر مَا بَيْن الظُّهْر وَالْعَصْر . وَرَوَى عَلِيّ بْن طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى : &quot; إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَة عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال &quot; قَالَ : الْأَمَانَة الْفَرَائِض , عَرَضَهَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال , إِنْ أَدَّوْهَا أَثَابَهُمْ , وَإِنْ ضَيَّعُوهَا عَذَّبَهُمْ . فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَأَشْفَقُوا مِنْ غَيْر مَعْصِيَة , وَلَكِنْ تَعْظِيمًا لِدِينِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَلَّا يَقُومُوا بِهِ . ثُمَّ عَرَضَهَا عَلَى آدَم فَقَبِلَهَا بِمَا فِيهَا . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا الْقَوْل هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْل التَّفْسِير . وَقِيلَ : لَمَّا حَضَرَتْ آدَمَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَفَاة أُمِرَ أَنْ يَعْرِض الْأَمَانَة عَلَى الْخَلْق , فَعَرَضَهَا فَلَمْ يَقْبَلهَا إِلَّا بَنُوهُ . وَقِيلَ : هَذِهِ الْأَمَانَة هِيَ مَا أَوْدَعَهُ اللَّه تَعَالَى فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال وَالْخَلْق , مِنْ الدَّلَائِل عَلَى رُبُوبِيَّته أَنْ يُظْهِرُوهَا فَأَظْهَرُوهَا , إِلَّا الْإِنْسَان فَإِنَّهُ كَتَمَهَا وَجَحَدَهَا ; قَالَهُ بَعْض الْمُتَكَلِّمِينَ . وَمَعْنَى &quot; عَرَضْنَا &quot; أَظْهَرْنَا , كَمَا تَقُول : عَرَضْت الْجَارِيَة عَلَى الْبَيْع . وَالْمَعْنَى إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَة وَتَضْيِيعهَا عَلَى أَهْل السَّمَوَات وَأَهْل الْأَرْض مِنْ الْمَلَائِكَة وَالْإِنْس وَالْجِنّ &quot; فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا &quot; أَيْ أَنْ يَحْمِلْنَ وِزْرهَا , كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ : &quot; وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالهمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالهمْ &quot; [ الْعَنْكَبُوت : 13 ] .

&quot; وَحَمَلَهَا الْإِنْسَان &quot; قَالَ الْحَسَن : الْمُرَاد الْكَافِر وَالْمُنَافِق . &quot; إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا &quot; لِنَفْسِهِ &quot; جَهُولًا &quot; بِرَبِّهِ . فَيَكُون عَلَى هَذَا الْجَوَاب مَجَازًا , مِثْل : &quot; وَاسْأَلْ الْقَرْيَة &quot; [ يُوسُف : 82 ] . وَفِيهِ جَوَاب آخَر عَلَى أَنْ يَكُون حَقِيقَة أَنَّهُ عَرَضَ عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال الْأَمَانَة وَتَضْيِيعهَا وَهِيَ الثَّوَاب وَالْعِقَاب , أَيْ أَظْهَرَ . لَهُنَّ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْمِلْنَ وِزْرهَا , وَأَشْفَقَتْ وَقَالَتْ : لَا أَبْتَغِي ثَوَابًا وَلَا عِقَابًا , وَكُلّ يَقُول : هَذَا أَمْر لَا نُطِيقهُ , وَنَحْنُ لَك سَامِعُونَ وَمُطِيعُونَ فِيمَا أُمِرْنَ بِهِ وَسُخِّرْنَ لَهُ , قَالَ الْحَسَن وَغَيْره . قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْلُوم أَنَّ الْجَمَاد لَا يَفْهَم وَلَا يُجِيب , فَلَا بُدّ مِنْ تَقْدِير الْحَيَاة عَلَى الْقَوْل الْأَخِير . وَهَذَا الْعَرْض عَرْض تَخْيِير لَا إِلْزَام . وَالْعَرْض عَلَى الْإِنْسَان إِلْزَام . وَقَالَ الْقَفَّال وَغَيْره : الْعَرْض فِي هَذِهِ الْآيَة ضَرْب مَثَل , أَيْ أَنَّ السَّمَوَات وَالْأَرْض عَلَى كِبَر أَجْرَامهَا , لَوْ كَانَتْ بِحَيْثُ يَجُوز تَكْلِيفهَا لَثَقُلَ عَلَيْهَا تَقَلُّد الشَّرَائِع , لِمَا فِيهَا مِنْ الثَّوَاب وَالْعِقَاب , أَيْ أَنَّ التَّكْلِيف أَمْر حَقّه أَنْ تَعْجِز عَنْهُ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال , وَقَدْ كُلِّفَهُ الْإِنْسَان وَهُوَ ظَلُوم جَهُول لَوْ عَقَلَ . وَهَذَا كَقَوْلِهِ : &quot; لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآن عَلَى جَبَل &quot; [ الْحَشْر : 21 ] - ثُمَّ قَالَ : - &quot; وَتِلْكَ الْأَمْثَال نَضْرِبهَا لِلنَّاسِ &quot; [ الْحَشْر : 21 ] . قَالَ الْقَفَّال : فَإِذَا تَقَرَّرَ فِي أَنَّهُ تَعَالَى يَضْرِب الْأَمْثَال , وَوَرَدَ عَلَيْنَا مِنْ الْخَبَر مَا لَا يَخْرُج إِلَّا عَلَى ضَرْب الْمَثَل , وَجَبَ حَمْله عَلَيْهِ . وَقَالَ قَوْم : إِنَّ الْآيَة مِنْ الْمَجَاز , أَيْ إِنَّا إِذَا قَايَسْنَا ثِقَل الْأَمَانَة بِقُوَّةِ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال , رَأَيْنَا أَنَّهَا لَا تُطِيقهَا , وَأَنَّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ لَأَبَتْ وَأَشْفَقَتْ , فَعَبَّرَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ . &quot; إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَة &quot; الْآيَة . وَهَذَا كَمَا تَقُول : عَرَضْت الْحِمْل عَلَى الْبَعِير فَأَبَاهُ , وَأَنْتَ تُرِيد قَايَسْت قُوَّته بِثِقَلِ الْحِمْل , فَرَأَيْت أَنَّهَا تَقْصُر عَنْهُ . وَقِيلَ : &quot; عَرَضْنَا &quot; بِمَعْنَى عَارَضْنَا الْأَمَانَة بِالسَّمَوَاتِ وَالْأَرْض وَالْجِبَال فَضَعُفَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء عَنْ الْأَمَانَة , وَرَجَحَتْ الْأَمَانَة بِثِقَلِهَا عَلَيْهَا . وَقِيلَ : إِنَّ عَرْض الْأَمَانَة عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال , إِنَّمَا كَانَ مِنْ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا اِسْتَخْلَفَهُ عَلَى ذُرِّيَّته , وَسَلَّطَهُ عَلَى جَمِيع مَا فِي الْأَرْض مِنْ الْأَنْعَام وَالطَّيْر وَالْوَحْش , وَعَهِدَ إِلَيْهِ عَهْدًا أَمَرَهُ فِيهِ وَنَهَاهُ وَحَرَّمَ وَأَحَلَّ , فَقَبِلَهُ وَلَمْ يَزَلْ عَامِلًا بِهِ . فَلَمَّا أَنْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاة سَأَلَ اللَّه أَنْ يُعْلِمهُ مَنْ يَسْتَخْلِف بَعْده , وَيُقَلِّدهُ مِنْ الْأَمَانَة مَا تَقَلَّدَهُ , فَأَمَرَهُ أَنْ يَعْرِض ذَلِكَ عَلَى السَّمَوَات بِالشَّرْطِ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِ مِنْ الثَّوَاب إِنْ أَطَاعَ وَمِنْ الْعِقَاب إِنْ عَصَى , فَأَبَيْنَ أَنْ يَقْبَلْنَهُ شَفَقًا مِنْ عَذَاب اللَّه . ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَعْرِض ذَلِكَ عَلَى الْأَرْض وَالْجِبَال كُلّهَا فَأَبَيَاهُ . ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَعْرِض ذَلِكَ عَلَى وَلَده فَعَرَضَهُ عَلَيْهِ فَقَبِلَهُ بِالشَّرْطِ , وَلَمْ يَهَبْ مِنْهُ مَا تَهَيَّبَتْ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال . &quot; إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا &quot; لِنَفْسِهِ &quot; جَهُولًا &quot; بِعَاقِبَةِ مَا تَقَلَّدَ لِرَبِّهِ . قَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَلِيّ : عَجِبْت مِنْ هَذَا الْقَائِل مِنْ أَيْنَ أَتَى بِهَذِهِ الْقِصَّة ! فَإِنْ نَظَرْنَا إِلَى الْآثَار وَجَدْنَاهَا بِخِلَافِ مَا قَالَ , وَإِنْ نَظَرْنَا إِلَى ظَاهِره وَجَدْنَاهُ بِخِلَافِ مَا قَالَ , وَإِنْ نَظَرْنَا إِلَى بَاطِنه وَجَدْنَاهُ بَعِيدًا مِمَّا قَالَ ! وَذَلِكَ أَنَّهُ رَدَّدَ ذِكْر الْأَمَانَة وَلَمْ يَذْكُر مَا الْأَمَانَة , إِلَّا أَنَّهُ يُومِئ فِي مَقَالَته إِلَى أَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى جَمِيع مَا فِي , الْأَرْض , وَعَهِدَ اللَّه إِلَيْهِ عَهْدًا فِيهِ أَمْره وَنَهْيه وَحِلّه وَحَرَامه , وَزَعَمَ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَعْرِض ذَلِكَ عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال ; فَمَا تَصْنَع السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال بِالْحَلَالِ وَالْحَرَام ؟ وَمَا التَّسْلِيط عَلَى الْأَنْعَام وَالطَّيْر وَالْوَحْش ! وَكَيْف إِذَا عَرَضَهُ عَلَى وَلَده فَقَبِلَهُ فِي أَعْنَاق ذُرِّيَّته مِنْ بَعْده . وَفِي مُبْتَدَأ الْخَبَر فِي التَّنْزِيل أَنَّهُ عَرَضَ الْأَمَانَة عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال حَتَّى ظَهَرَ الْإِبَاء مِنْهُمْ , ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْإِنْسَان حَمَلَهَا , أَيْ مِنْ قِبَلِ نَفْسه لَا أَنَّهُ حُمِّلَ ذَلِكَ , فَسَمَّاهُ &quot; ظَلُومًا &quot; أَيْ لِنَفْسِهِ , &quot; جَهُولًا &quot; بِمَا فِيهَا . وَأَمَّا الْآثَار الَّتِي هِيَ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ , فَحَدَّثَنِي أَبِي رَحِمَهُ اللَّه قَالَ حَدَّثَنَا الْفَيْض بْن الْفَضْل الْكُوفِيّ حَدَّثَنَا السَّرِيّ بْن إِسْمَاعِيل عَنْ عَامِر الشَّعْبِيّ عَنْ مَسْرُوق عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : لَمَّا خَلَقَ اللَّه الْأَمَانَة مَثَّلَهَا صَخْرَة , ثُمَّ وَضَعَهَا حَيْثُ شَاءَ , ثُمَّ دَعَا لَهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال لِيَحْمِلْنَهَا , وَقَالَ لَهُنَّ : إِنَّ هَذِهِ &quot; الْأَمَانَة &quot; , وَلَهَا ثَوَاب وَعَلَيْهَا عِقَاب ; قَالُوا : يَا رَبّ , لَا طَاقَة لَنَا بِهَا ; وَأَقْبَلَ الْإِنْسَان مِنْ قَبْل أَنْ يُدْعَى فَقَالَ لِلسَّمَوَاتِ وَالْأَرْض وَالْجِبَال : مَا وُقُوفكُمْ ؟ قَالُوا : دَعَانَا رَبّنَا أَنْ نَحْمِل هَذِهِ فَأَشْفَقْنَا مِنْهَا وَلَمْ نُطِقْهَا ; قَالَ : فَحَرَّكَهَا بِيَدِهِ وَقَالَ : وَاَللَّه لَوْ شِئْت أَنْ أَحْمِلهَا لَحَمَلْتهَا ; فَحَمَلَهَا حَتَّى بَلَغَ بِهَا إِلَى رُكْبَتَيْهِ , ثُمَّ وَضَعَهَا وَقَالَ : وَاَللَّه لَوْ شِئْت أَنْ أَزْدَاد لَازْدَدْت ; قَالُوا : دُونَك ! فَحَمَلَهَا حَتَّى بَلَغَ بِهَا حَقْوَيْهِ , ثُمَّ وَضَعَهَا وَقَالَ : وَاَللَّه لَوْ شِئْت أَنْ أَزْدَاد لَازْدَدْت ; قَالُوا : دُونك , فَحَمَلَهَا حَتَّى وَضَعَهَا عَلَى عَاتِقه , فَلَمَّا أَهْوَى لِيَضَعهَا , قَالُوا : مَكَانك ! إِنَّ هَذِهِ &quot; الْأَمَانَة &quot; وَلَهَا ثَوَاب وَعَلَيْهَا عِقَاب , وَأَمَرَنَا رَبّنَا أَنْ نَحْمِلهَا فَأَشْفَقْنَا مِنْهَا , وَحَمَلْتهَا أَنْتَ مِنْ غَيْر أَنْ تُدْعَى لَهَا , فَهِيَ فِي عُنُقك وَفِي أَعْنَاق ذُرِّيَّتك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , إِنَّك كُنْت ظَلُومًا جَهُولًا . وَذَكَرَ أَخْبَارًا عَنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ تَقَدَّمَ أَكْثَرُهَا . 

&quot; وَحَمَلَهَا الْإِنْسَان &quot; أَيْ اِلْتَزَمَ الْقِيَام بِحَقِّهَا , وَهُوَ فِي ذَلِكَ ظَلُوم لِنَفْسِهِ . وَقَالَ قَتَادَة : لِلْأَمَانَةِ , جَهُول بِقَدْرِ مَا دَخَلَ فِيهِ . وَهَذَا تَأْوِيل اِبْن عَبَّاس وَابْن جُبَيْر . وَقَالَ الْحَسَن : جَهُول بِرَبِّهِ . قَالَ : وَمَعْنَى &quot; حَمَلَهَا &quot; خَانَ فِيهَا . وَقَالَ الزَّجَّاج : وَالْآيَة فِي الْكَافِر وَالْمُنَافِق وَالْعُصَاة عَلَى قَدْرهمْ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَصْحَابه وَالضَّحَّاك وَغَيْره : &quot; الْإِنْسَان &quot; آدَم , تَحَمَّلَ الْأَمَانَة فَمَا تَمَّ لَهُ يَوْمٌ حَتَّى عَصَى الْمَعْصِيَة الَّتِي أَخْرَجَتْهُ مِنْ الْجَنَّة . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لَهُ : أَتَحْمِلُ هَذِهِ الْأَمَانَة بِمَا فِيهَا . قَالَ وَمَا فِيهَا ؟ قَالَ : إِنْ أَحْسَنْت جُزِيت وَإِنْ أَسَأْت عُوقِبْت . قَالَ : أَنَا أَحْمِلهَا بِمَا فِيهَا بَيْن أُذُنِي وَعَاتِقِي . فَقَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُ : إِنِّي سَأُعِينُك , قَدْ جَعَلْت لِبَصَرِك حِجَابًا فَأَغْلِقْهُ عَمَّا لَا يَحِلّ لَك , وَلِفَرْجِك لِبَاسًا فَلَا تَكْشِفهُ إِلَّا عَلَى مَا أَحْلَلْت لَك . وَقَالَ قَوْم : &quot; الْإِنْسَان &quot; النَّوْع كُلّه . وَهَذَا حَسَن مَعَ عُمُوم الْأَمَانَة كَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا . وَقَالَ السُّدِّيّ : الْإِنْسَان قَابِيل . فَاَللَّه أَعْلَمُ .';
$TAFSEER['4']['33']['73'] = 'اللَّام فِي &quot; لِيُعَذِّب &quot; مُتَعَلِّقَة ب &quot; حَمَلَ &quot; أَيْ حَمَلَهَا لِيُعَذِّب الْعَاصِيَ وَيُثِيب الْمُطِيع ; فَهِيَ لَام التَّعْلِيل ; لِأَنَّ الْعَذَاب نَتِيجَة حَمْل الْأَمَانَة . وَقِيلَ ب &quot; عَرَضْنَا &quot; ; أَيْ عَرَضْنَا الْأَمَانَة عَلَى الْجَمِيع ثُمَّ قَلَّدْنَاهَا الْإِنْسَان لِيَظْهَر شِرْك الْمُشْرِك وَنِفَاق الْمُنَافِقِينَ لِيُعَذِّبهُمْ اللَّه , وَإِيمَان الْمُؤْمِن لِيُثِيبَهُ اللَّه .

قِرَاءَة الْحَسَن بِالرَّفْعِ , يَقْطَعهُ مِنْ الْأَوَّل ; أَيْ يَتُوبُ اللَّه عَلَيْهِمْ بِكُلِّ حَال .

خَبَر بَعْد خَبَر ل &quot; كَانَ &quot; . وَيَجُوز أَنْ يَكُون نَعْتًا لِغَفُورٍ , وَيَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا مِنْ الْمُضْمَر . وَاَللَّه أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ';
?>