Current Path : /home/sudancam/.trash/quran/includes/tafseer/ |
Current File : /home/sudancam/.trash/quran/includes/tafseer/4-10.php |
<?php $TAFSEER['4']['44']['1'] = 'سُورَة الدُّخَان مَكِّيَّة بِاتِّفَاقٍ , إِلَّا قَوْله تَعَالَى : " إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَاب قَلِيلًا " [ الدُّخَان : 15 ] . وَهِيَ سَبْع وَخَمْسُونَ آيَة . وَقِيلَ تِسْع . وَفِي مُسْنَد الدَّارِمِيّ عَنْ أَبِي رَافِع قَالَ : ( مَنْ قَرَأَ الدُّخَان فِي لَيْلَة الْجُمْعَة أَصْبَحَ مَغْفُورًا لَهُ وَزُوِّجَ مِنْ الْحُور الْعِين ) رَفَعَهُ الثَّعْلَبِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَرَأَ الدُّخَان فِي لَيْلَة الْجُمْعَة أَصْبَحَ مَغْفُورًا لَهُ ) . وَفِي لَفْظ آخَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَرَأَ الدُّخَان فِي لَيْلَة أَصْبَحَ يَسْتَغْفِر لَهُ سَبْعُونَ أَلْف مَلَك ) . وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( مَنْ قَرَأَ حم الدُّخَان لَيْلَة الْجُمْعَة أَوْ يَوْم الْجُمْعَة بَنَى اللَّه لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّة ) . " حم " اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ ; فَقَالَ عِكْرِمَة : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( " حم " اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى وَهِيَ مَفَاتِيح خَزَائِن رَبّك ) قَالَ اِبْن عَبَّاس : " حم " اِسْم اللَّه الْأَعْظَم . وَعَنْهُ : " الر " و " حم " و " ن " حُرُوف الرَّحْمَن مُقَطَّعَة . وَعَنْهُ أَيْضًا : اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى أَقْسَمَ بِهِ . وَقَالَ قَتَادَة : إِنَّهُ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . مُجَاهِد : فَوَاتِح السُّوَر . وَقَالَ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ : الْحَاء اِفْتِتَاح اِسْمه حَمِيد وَحَنَّان وَحَلِيم وَحَكِيم , وَالْمِيم اِفْتِتَاح اِسْمه مَلِك وَمَجِيد وَمَنَّان وَمُتَكَبِّر وَمُصَوِّر ; يَدُلّ عَلَيْهِ مَا رَوَى أَنَس أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا " حم " فَإِنَّا لَا نَعْرِفهَا فِي لِسَاننَا ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَدْء أَسْمَاء وَفَوَاتِح سُوَر ) وَقَالَ الضَّحَّاك وَالْكِسَائِيّ : مَعْنَاهُ قُضِيَ مَا هُوَ كَائِن . كَأَنَّهُ أَرَادَ الْإِشَارَة إِلَى تَهَجِّي " حم " ; لِأَنَّهَا تَصِير حُمّ بِضَمِّ الْحَاء وَتَشْدِيد الْمِيم ; أَيْ قُضِيَ وَوَقَعَ . وَقَالَ كَعْب بْن مَالِك : فَلَمَّا تَلَاقَيْنَاهُمْ وَدَارَتْ بِنَا الرَّحَى وَلَيْسَ لِأَمْرٍ حَمَّهُ اللَّه مَدْفَعُ وَعَنْهُ أَيْضًا : إِنَّ الْمَعْنَى حم أَمْر اللَّه أَيْ قَرُبَ ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : قَدْ حُمَّ يَوْمِي فَسُرَّ قَوْم قَوْم بِهِمْ غَفْلَة وَنَوْمُ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْحُمَّى ; لِأَنَّهَا تُقَرِّب مِنْ الْمَنِيَّة . وَالْمَعْنَى الْمُرَاد قَرُبَ نَصْره لِأَوْلِيَائِهِ , وَانْتِقَامه مِنْ أَعْدَائِهِ كَيَوْمِ بَدْر . وَقِيلَ : حُرُوف هِجَاء ; قَالَ الْجَرْمِيّ : وَلِهَذَا تُقْرَأ سَاكِنَة الْحُرُوف فَخَرَجَتْ مَخْرَج التَّهَجِّي وَإِذَا سُمِّيَتْ سُورَة بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوف أُعْرِبَتْ ; فَتَقُول : قَرَأْت " حم " فَتُنْصَب ; قَالَ : يُذَكِّرنِي حَامِيم وَالرُّمْح شَاجِر فَهَلَّا تَلَا حَامِيم قَبْل التَّقَدُّم وَقَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر الثَّقَفِيّ : " حم " بِفَتْحِ الْمِيم عَلَى مَعْنَى اِقْرَأْ حم أَوْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ . اِبْن أَبِي إِسْحَاق وَأَبُو السَّمَّال بِكَسْرِهَا . وَالْإِمَالَة وَالْكَسْر لِلِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ , أَوْ عَلَى وَجْه الْقَسَم . وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر بِقَطْعِ الْحَاء مِنْ الْمِيم . الْبَاقُونَ بِالْوَصْلِ . وَكَذَلِكَ فِي " حم . عسق " . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَأَبُو بَكْر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَخَلَف وَابْن ذَكْوَان بِالْإِمَالَةِ فِي الْحَاء . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرو بَيْن اللَّفْظَيْنِ وَهِيَ قِرَاءَة نَافِع وَأَبِي جَعْفَر وَشَيْبَة . الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ مُشْبَعًا'; $TAFSEER['4']['44']['2'] = 'إِنْ جُعِلَتْ " حم " جَوَاب الْقَسَم تَمَّ الْكَلَام عِنْد قَوْله : " الْمُبِين " ثُمَّ تَبْتَدِئ " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ " . وَإِنْ جُعِلَتْ " إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ " جَوَاب الْقَسَم الَّذِي هُوَ " الْكِتَاب " وَقَفْت عَلَى " مُنْذِرِينَ " وَابْتَدَأْت " فِيهَا يُفْرَق كُلّ أَمْر حَكِيم " . وَقِيلَ : الْجَوَاب " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ " , وَأَنْكَرَهُ بَعْض النَّحْوِيِّينَ مِنْ حَيْثُ كَانَ صِفَة لِلْمُقْسَمِ بِهِ , وَلَا تَكُون صِفَة الْمُقْسَم بِهِ جَوَابًا لِلْقَسَمِ , وَالْهَاء فِي " أَنْزَلْنَاهُ " لِلْقُرْآنِ . وَمَنْ قَالَ : أَقْسَمَ بِسَائِرِ الْكُتُب فَقَوْله : " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ " كَنَّى بِهِ عَنْ غَيْر الْقُرْآن , عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي أَوَّل " الزُّخْرُف "'; $TAFSEER['4']['44']['3'] = 'وَاللَّيْلَة الْمُبَارَكَة لَيْلَة الْقَدْر . وَيُقَال : لَيْلَة النِّصْف مِنْ شَعْبَان , وَلَهَا أَرْبَعَة أَسْمَاء اللَّيْلَة الْمُبَارَكَة , وَلَيْلَة الْبَرَاءَة , وَلَيْلَة الصَّكّ , وَلَيْلَة الْقَدْر . وَوَصَفَهَا بِالْبَرَكَةِ لِمَا يَنْزِل اللَّه فِيهَا عَلَى عِبَاده مِنْ الْبَرَكَات وَالْخَيْرَات وَالثَّوَاب . وَرَوَى قَتَادَة عَنْ وَاثِلَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أُنْزِلَتْ صُحُف إِبْرَاهِيم فِي أَوَّل لَيْلَة مِنْ رَمَضَان وَأُنْزِلَتْ التَّوْرَاة لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَان وَأُنْزِلَتْ الزَّبُور لِاثْنَتَيْ عَشْرَة مِنْ رَمَضَان وَأُنْزِلَ الْإِنْجِيل لِثَمَانِ عَشْرَة خَلَتْ مِنْ رَمَضَان وَأُنْزِلَ الْقُرْآن لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَان ) . ثُمَّ قِيلَ : أُنْزِلَ الْقُرْآن كُلّه إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَة . ثُمَّ أُنْزِلَ نَجْمًا نَجْمًا فِي سَائِر الْأَيَّام عَلَى حَسَب اِتِّفَاق الْأَسْبَاب . وَقِيلَ : كَانَ يَنْزِل فِي كُلّ لَيْلَة الْقَدْر مَا يَنْزِل فِي سَائِر السَّنَة . وَقِيلَ : كَانَ اِبْتِدَاء الْإِنْزَال فِي هَذِهِ اللَّيْلَة . وَقَالَ عِكْرِمَة : اللَّيْلَة الْمُبَارَكَة هَاهُنَا لَيْلَة النِّصْف مِنْ شَعْبَان . وَالْأَوَّل أَصَحّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقَدْر " [ الْقَدْر : 1 ] . قَالَ قَتَادَة وَابْن زَيْد : أَنْزَلَ اللَّه الْقُرْآن كُلّه فِي لَيْلَة الْقَدْر مِنْ أُمّ الْكِتَاب إِلَى بَيْت الْعِزَّة فِي سَمَاء الدُّنْيَا , ثُمَّ أَنْزَلَهُ اللَّه عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيَالِي وَالْأَيَّام فِي ثَلَاث وَعِشْرِينَ سَنَة . وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " عِنْد قَوْله تَعَالَى : " شَهْر رَمَضَان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن " [ الْبَقَرَة : 185 ] , وَيَأْتِي آنِفًا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . قُلْت : وَقَدْ ذُكِرَ حَدِيث عَائِشَة مُطَوَّلًا صَاحِب كِتَاب الْعَرُوس , وَاخْتَارَ أَنَّ اللَّيْلَة الَّتِي يُفْرَق فِيهَا كُلّ أَمْر حَكِيم لَيْلَة النِّصْف مِنْ شَعْبَان , وَأَنَّهَا تُسَمَّى لَيْلَة الْبَرَاءَة . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْله وَالرَّدّ عَلَيْهِ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع , وَأَنَّ الصَّحِيح إِنَّمَا هِيَ لَيْلَة الْقَدْر عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ . رَوَى حَمَّاد بْن سَلَمَة قَالَ أَخْبَرَنَا رَبِيعَة بْن كُلْثُوم قَالَ : سَأَلَ رَجُل الْحَسَن وَأَنَا عِنْده فَقَالَ : يَا أَبَا سَعِيد , أَرَأَيْت لَيْلَة الْقَدْر أَفِي كُلّ رَمَضَان هِيَ ؟ قَالَ : أَيْ وَاَللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ , إِنَّهَا فِي كُلّ رَمَضَان , إِنَّهَا اللَّيْلَة الَّتِي يُفْرَق فِيهَا كُلّ أَمْر حَكِيم , فِيهَا يَقْضِي اللَّه كُلّ خَلْق وَأَجَل وَرِزْق وَعَمَل إِلَى مِثْلهَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : يَكْتُب مِنْ أُمّ الْكِتَاب فِي لَيْلَة الْقَدْر مَا يَكُون فِي السَّنَة مِنْ مَوْت وَحَيَاة وَرِزْق وَمَطَر حَتَّى الْحَجّ ; يُقَال : يَحُجّ فُلَان وَيَحُجّ فُلَان . وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : إِنَّك لَتَرَى الرَّجُل يَمْشِي فِي الْأَسْوَاق وَقَدْ وَقَعَ اِسْمه فِي الْمَوْتَى . وَهَذِهِ الْإِبَانَة لِإِحْكَامِ السُّنَّة إِنَّمَا هِيَ لِلْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِأَسْبَابِ الْخَلْق . وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْمَعْنَى آنِفًا . وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : وَجُمْهُور الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهَا لَيْلَة الْقَدْر . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّهَا لَيْلَة النِّصْف مِنْ شَعْبَان ; وَهُوَ بَاطِل لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابه الصَّادِق الْقَاطِع : " شَهْر رَمَضَان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن " [ الْبَقَرَة : 185 ] فَنُصَّ عَلَى أَنَّ مِيقَات نُزُوله رَمَضَان , ثُمَّ عُيِّنَ مِنْ زَمَانه اللَّيْل هَاهُنَا بِقَوْلِهِ : " فِي لَيْلَة مُبَارَكَة " فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي غَيْره فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَة عَلَى اللَّه , وَلَيْسَ فِي لَيْلَة النِّصْف مِنْ شَعْبَان حَدِيث يُعَوَّل عَلَيْهِ لَا فِي فَضْلهَا وَلَا فِي نَسْخ الْآجَال فِيهَا فَلَا تَلْتَفِتُوا إِلَيْهَا . الزَّمَخْشَرِيّ : " وَقِيلَ يَبْدَأ فِي اِسْتِنْسَاخ ذَلِكَ مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ فِي لَيْلَة الْبَرَاءَة وَيَقَع الْفَرَاغ فِي لَيْلَة الْقَدْر ; فَتَدْفَع نُسْخَة الْأَرْزَاق إِلَى مِيكَائِيل , وَنُسْخَة الْحُرُوب إِلَى جِبْرِيل , وَكَذَلِكَ الزَّلَازِل وَالصَّوَاعِق وَالْخَسْف ; وَنُسْخَة الْأَعْمَال إِلَى إِسْمَاعِيل صَاحِب سَمَاء الدُّنْيَا وَهُوَ مُلْك عَظِيم ; وَنُسْخَة الْمَصَائِب إِلَى مَلَك الْمَوْت . وَعَنْ بَعْضهمْ : يُعْطَى كُلّ عَامِل بَرَكَات أَعْمَاله ; فَيَلْقَى عَلَى أَلْسِنَة الْخَلْق مَدْحه , وَعَلَى قُلُوبهمْ هَيْبَته .'; $TAFSEER['4']['44']['4'] = 'وَقُرِئَ " نُفَرِّق " بِالتَّشْدِيدِ , و " يُفَرِّق " كُلّ عَلَى بِنَائِهِ لِلْفَاعِلِ وَنُصِبَ " كُلّ " , وَالْفَارِق اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَقَرَأَ زَيْد بْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " نُفَرَّق " بِالنُّونِ . " وَكُلّ أَمْر حَكِيم " كُلّ شَأْن ذِي حِكْمَة ; أَيْ مَفْعُول عَلَى مَا تَقْتَضِيه الْحِكْمَة " قَالَ اِبْن عَبَّاس : يَحْكُم اللَّه أَمْر الدُّنْيَا إِلَى قَابِل فِي لَيْلَة الْقَدْر مَا كَانَ مِنْ حَيَاة أَوْ مَوْت أَوْ رِزْق . وَقَالَهُ قَتَادَة وَمُجَاهِد وَالْحَسَن وَغَيْرهمْ . وَقِيلَ : إِلَّا الشَّقَاء وَالسَّعَادَة فَإِنَّهُمَا لَا يَتَغَيَّرَانِ , قَالَهُ اِبْن عُمَر . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَمَعْنَى هَذَا الْقَوْل أَمْر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْمَلَائِكَة بِمَا يَكُون فِي ذَلِكَ الْعَام وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ فِي عِلْمه عَزَّ وَجَلَّ . وَقَالَ عِكْرِمَة : هِيَ لَيْلَة النِّصْف مِنْ شَعْبَان يُبْرِم فِيهَا أَمْر السَّنَة وَيَنْسَخ الْأَحْيَاء مِنْ الْأَمْوَات , وَيَكْتُب الْحَاجّ فَلَا يُزَاد فِيهِمْ أَحَد وَلَا يَنْقُص مِنْهُمْ أَحَد . وَرَوَى عُثْمَان بْن الْمُغِيرَة قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تُقْطَع الْآجَال مِنْ شَعْبَان إِلَى شَعْبَان حَتَّى أَنَّ الرَّجُل لِيَنْكِح وَيُولَد لَهُ وَقَدْ خَرَجَ اِسْمه فِي الْمَوْتَى ) . وَعَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا كَانَتْ لَيْلَة النِّصْف مِنْ شَعْبَان فَقُومُوا لَيْلَتهَا وَصُومُوا نَهَارهَا فَإِنَّ اللَّه يَنْزِل لِغُرُوبِ الشَّمْس إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا يَقُول أَلَا مُسْتَغْفِر فَأَغْفِر لَهُ أَلَا مُبْتَلًى فَأُعَافِيه أَلَا مُسْتَرْزِق فَأَرْزُقهُ أَلَا كَذَا أَلَا كَذَا حَتَّى يَطْلُع الْفَجْر ) ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيّ بِمَعْنَاهُ عَنْ عَائِشَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِل لَيْلَة النِّصْف مِنْ شَعْبَان إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا فَيَغْفِر لِأَكْثَر مِنْ عَدَد شَعْر غَنَم كَلْب ) . وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق قَالَ أَبُو عِيسَى : حَدِيث عَائِشَة لَا نَعْرِفهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيث الْحَجَّاج بْن أَرْطَاة عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرَة عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة , وَسَمِعَتْ مُحَمَّدًا يُضَعِّف هَذَا الْحَدِيث , وَقَالَ : يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير لَمْ يَسْمَع مِنْ عُرْوَة , وَالْحَجَّاج بْن أَرْطَاة لَمْ يَسْمَع مِنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير . قُلْت : وَقَدْ ذَكَرَ حَدِيث عَائِشَة مُطَوَّلًا صَاحِب كِتَاب الْعَرُوس , وَاخْتَارَ أَنَّ اللَّيْلَة الَّتِي يُفْرَق فِيهَا كُلّ أَمْر حَكِيم لَيْلَة النِّصْف مِنْ شَعْبَان , وَأَنَّهَا تُسَمَّى لَيْلَة الْبَرَاءَة . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْله وَالرَّدّ عَلَيْهِ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع , وَأَنَّ الصَّحِيح إِنَّمَا هِيَ لَيْلَة الْقَدْر عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ . رَوَى حَمَّاد بْن سَلَمَة قَالَ أَخْبَرَنَا رَبِيعَة بْن كُلْثُوم قَالَ : سَأَلَ رَجُل الْحَسَن وَأَنَا عِنْده فَقَالَ : يَا أَبَا سَعِيد , أَرَأَيْت لَيْلَة الْقَدْر أَفِي كُلّ رَمَضَان هِيَ ؟ قَالَ : أَيْ وَاَللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ , إِنَّهَا فِي كُلّ رَمَضَان , إِنَّهَا اللَّيْلَة الَّتِي يُفْرَق فِيهَا كُلّ أَمْر حَكِيم , فِيهَا يَقْضِي اللَّه كُلّ خَلْق وَأَجَل وَرِزْق وَعَمَل إِلَى مِثْلهَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : يَكْتُب مِنْ أُمّ الْكِتَاب فِي لَيْلَة الْقَدْر مَا يَكُون فِي السَّنَة مِنْ مَوْت وَحَيَاة وَرِزْق وَمَطَر حَتَّى الْحَجّ ; يُقَال : يَحُجّ فُلَان وَيَحُجّ فُلَان . وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : إِنَّك لَتَرَى الرَّجُل يَمْشِي فِي الْأَسْوَاق وَقَدْ وَقَعَ اِسْمه فِي الْمَوْتَى . وَهَذِهِ الْإِبَانَة لِأَحْكَامِ السُّنَّة إِنَّمَا هِيَ لِلْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِأَسْبَابِ الْخَلْق . وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْمَعْنَى آنِفًا . وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : وَجُمْهُور الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهَا لَيْلَة الْقَدْر . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّهَا لَيْلَة النِّصْف مِنْ شَعْبَان ; وَهُوَ بَاطِل لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابه الصَّادِق الْقَاطِع : " شَهْر رَمَضَان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن " [ الْبَقَرَة : 185 ] فَنَصَّ عَلَى أَنَّ مِيقَات نُزُوله رَمَضَان , ثُمَّ عُيِّنَ مِنْ زَمَانه اللَّيْل هَاهُنَا بِقَوْلِهِ : " فِي لَيْلَة مُبَارَكَة " فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي غَيْره فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَة عَلَى اللَّه , وَلَيْسَ فِي لَيْلَة النِّصْف مِنْ شَعْبَان حَدِيث يُعَوَّل عَلَيْهِ لَا فِي فَضْلهَا وَلَا فِي نَسْخ الْآجَال فِيهَا فَلَا تَلْتَفِتُوا إِلَيْهَا . الزَّمَخْشَرِيّ : " وَقِيلَ يَبْدَأ فِي اِسْتِنْسَاخ ذَلِكَ مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ فِي لَيْلَة الْبَرَاءَة وَيَقَع الْفَرَاغ فِي لَيْلَة الْقَدْر ; فَتَدْفَع نُسْخَة الْأَرْزَاق إِلَى مِيكَائِيل , وَنُسْخَة الْحُرُوب إِلَى جِبْرِيل , وَكَذَلِكَ الزَّلَازِل وَالصَّوَاعِق وَالْخَسْف ; وَنُسْخَة الْأَعْمَال إِلَى إِسْمَاعِيل صَاحِب سَمَاء الدُّنْيَا وَهُوَ مُلْك عَظِيم ; وَنُسْخَة الْمَصَائِب إِلَى مَلَك الْمَوْت . وَعَنْ بَعْضهمْ : يُعْطَى كُلّ عَامِل بَرَكَات أَعْمَاله ; فَيَلْقَى عَلَى أَلْسِنَة الْخَلْق مَدْحه , وَعَلَى قُلُوبهمْ هَيْبَته . وَقُرِئَ " نُفَرِّق " بِالتَّشْدِيدِ , و " يُفَرِّق " كُلّ عَلَى بِنَائِهِ لِلْفَاعِلِ وَنُصِبَ " كُلّ " , وَالْفَارِق اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَقَرَأَ زَيْد بْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " نُفَرِّق " بِالنُّونِ . " وَكُلّ أَمْر حَكِيم " كُلّ شَأْن ذِي حِكْمَة ; أَيْ مَفْعُول عَلَى مَا تَقْتَضِيه الْحِكْمَة " .'; $TAFSEER['4']['44']['5'] = 'قَالَ النَّقَّاش : الْأَمْر هُوَ الْقُرْآن أَنْزَلَهُ اللَّه مِنْ عِنْده . وَقَالَ اِبْن عِيسَى : هُوَ مَا قَضَاهُ اللَّه فِي اللَّيْلَة الْمُبَارَكَة مِنْ أَحْوَال عِبَاده . وَهُوَ مَصْدَر فِي مَوْضِع الْحَال . وَكَذَلِكَ " رَحْمَة مِنْ رَبّك " وَهُمَا عِنْد الْأَخْفَش حَالَانِ ; تَقْدِيرهمَا : أَنْزَلْنَاهُ آمِرِينَ بِهِ وَرَاحِمِينَ . الْمُبَرِّد : " أَمْرًا " فِي مَوْضِع الْمَصْدَر , وَالتَّقْدِير : أَنْزَلْنَاهُ إِنْزَالًا . الْفَرَّاء وَالزَّجَّاج : " أَمْرًا " نُصِبَ ب " يُفْرَق " , مِثْل قَوْلك " يُفْرَق فَرْقًا " فَأَمْر بِمَعْنَى فَرْق فَهُوَ مَصْدَر , مِثْل قَوْلك : يَضْرِب ضَرْبًا . وَقِيلَ : " يُفْرَق " يَدُلّ عَلَى يُؤْمَر , فَهُوَ مَصْدَر عَمِلَ فِيهِ مَا قَبْله . " إِنَّا كُنَّا مُرْسَلِينَ . رَحْمَة مِنْ رَبّك "'; $TAFSEER['4']['44']['6'] = 'قَالَ الْفَرَّاء " رَحْمَة " مَفْعُول ب " مُرْسَلِينَ " . وَالرَّحْمَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ الزَّجَّاج : " رَحْمَة " مَفْعُول مِنْ أَجْله ; أَيْ أَرْسَلْنَاهُ لِلرَّحْمَةِ . وَقِيلَ : هِيَ بَدَل مِنْ قَوْله . " أَمْرًا " وَقِيلَ : هِيَ مَصْدَر . الزَّمَخْشَرِيّ : " أَمْرًا " نُصِبَ عَلَى الِاخْتِصَاص , جَعَلَ كُلّ أَمْر جَزْلًا فَخْمًا بِأَنْ وَصَفَهُ بِالْحَكِيمِ , ثُمَّ زَادَهُ جَزَالَة وَكَسَبَهُ فَخَامَة بِأَنْ قَالَ : أَعْنِي بِهَذَا الْأَمْر أَمْرًا حَاصِلًا مِنْ عِنْدنَا , كَائِنًا مِنْ لَدُنَّا , وَكَمَا اِقْتَضَاهُ عِلْمنَا وَتَدْبِيرنَا . وَفِي قِرَاءَة زَيْد بْن عَلِيّ " أَمْر مِنْ عِنْدنَا " عَلَى هُوَ أَمْر , وَهِيَ تَنْصُر اِنْتِصَابه عَلَى الِاخْتِصَاص . وَقَرَأَ الْحَسَن " رَحْمَة " عَلَى تِلْكَ هِيَ رَحْمَة , وَهِيَ تَنْصُر اِنْتِصَابهَا بِأَنَّهُ مَفْعُول لَهُ .'; $TAFSEER['4']['44']['7'] = 'قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ " رَبّ " بِالْجَرِّ . الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ ; رَدًّا عَلَى قَوْله : " إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم " . وَإِنْ شِئْت عَلَى الِابْتِدَاء , وَالْخَبَر لَا إِلَه إِلَّا هُوَ . أَوْ يَكُون خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف ; تَقْدِيره : هُوَ رَبّ السَّمَوَات وَالْأَرْض . وَالْجَرّ عَلَى الْبَدَل مِنْ " رَبّك " وَكَذَلِكَ : " رَبّكُمْ وَرَبّ آبَائِكُمْ الْأَوَّلِينَ " بِالْجَرِّ فِيهِمَا ; رَوَاهُ الشَّيْزَرِيّ عَنْ الْكِسَائِيّ . الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَاف . ثُمَّ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون هَذَا الْخِطَاب مَعَ الْمُعْتَرَف بِأَنَّ اللَّه خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض ; أَيْ إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ بِهِ فَاعْلَمُوا أَنَّ لَهُ أَنْ يُرْسِل الرُّسُل , وَيُنْزِل الْكُتُب . وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْخِطَاب مَعَ مَنْ لَا يَعْتَرِف أَنَّهُ الْخَالِق ; أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يَعْرِفُوا أَنَّهُ الْخَالِق ; وَأَنَّهُ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت . وَقِيلَ : الْمُوقِن هَاهُنَا هُوَ الَّذِي يُرِيد الْيَقِين وَيَطْلُبهُ ; كَمَا تَقُول : فُلَان يُنْجِد ; أَيْ يُرِيد نَجْدًا . وَيُتْهِم ; أَيْ يُرِيد تِهَامَة .'; $TAFSEER['4']['44']['8'] = 'أَيْ هُوَ خَالِق الْعَالَم ; فَلَا يَجُوز أَنْ يُشْرِك بِهِ غَيْره مِمَّنْ لَا يَقْدِر عَلَى خَلْق شَيْء . و " هُوَ يُحْيِي وَيُمِيت " أَيْ يُحْيِي الْأَمْوَات وَيُمِيت الْأَحْيَاء . أَيْ مَالِككُمْ وَمَالِك مَنْ تَقَدَّمَ مِنْكُمْ . وَاتَّقُوا تَكْذِيب مُحَمَّد لِئَلَّا يَنْزِل بِكُمْ الْعَذَاب .'; $TAFSEER['4']['44']['9'] = 'أَيْ لَيْسُوا عَلَى يَقِين فِيمَا يُظْهِرُونَهُ مِنْ الْإِيمَان وَالْإِقْرَار فِي قَوْلهمْ : إِنَّ اللَّه خَالِقهمْ ; وَإِنَّمَا يَقُولُونَهُ لِتَقْلِيدِ آبَائِهِمْ مِنْ غَيْر عِلْم فَهُمْ فِي شَكّ . وَإِنْ تَوَهَّمُوا أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ فَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي دِينهمْ بِمَا يَعِنّ لَهُمْ مِنْ غَيْر حُجَّة . وَقِيلَ : " يَلْعَبُونَ " يُضِيفُونَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِافْتِرَاء اِسْتِهْزَاء . وَيُقَال لِمَنْ أَعْرَضَ عَنْ الْمَوَاعِظ : لَاعِب ; وَهُوَ كَالصَّبِيِّ الَّذِي يَلْعَب فَيَفْعَل مَا لَا يَدْرِي عَاقِبَته .'; $TAFSEER['4']['44']['10'] = 'اِرْتَقِبْ مَعْنَاهُ اِنْتَظِرْ يَا مُحَمَّد بِهَؤُلَاءِ الْكُفَّار يَوْم تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُبِين ; قَالَهُ قَتَادَة . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ اِحْفَظْ قَوْلهمْ هَذَا لِتَشْهَد عَلَيْهِمْ يَوْم تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُبِين ; وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْحَافِظ رَقِيبًا . وَفِي الدُّخَان أَقْوَال ثَلَاثَة : الْأَوَّل : أَنَّهُ مِنْ أَشْرَاط السَّاعَة لَمْ يَجِيء بَعْد , وَأَنَّهُ يَمْكُث فِي الْأَرْض أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَمْلَأ مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض ; فَأَمَّا الْمُؤْمِن فَيُصِيبهُ مِثْل الزُّكَام , وَأَمَّا الْكَافِر وَالْفَاجِر فَيَدْخُل فِي أُنُوفهمْ فَيَثْقُب مَسَامِعهمْ , وَيُضَيِّق أَنْفَاسهمْ ; وَهُوَ مِنْ آثَار جَهَنَّم يَوْم الْقِيَامَة . وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّ الدُّخَان لَمْ يَأْتِ بَعْد : عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَابْن عَمْرو وَأَبُو هُرَيْرَة وَزَيْد بْن عَلِيّ وَالْحَسَن وَابْن أَبِي مُلَيْكَة وَغَيْرهمْ . وَرَوَى أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعًا أَنَّهُ دُخَان يَهِيج بِالنَّاسِ يَوْم الْقِيَامَة ; يَأْخُذ الْمُؤْمِن مِنْهُ كَالزُّكْمَةِ . وَيَنْفُخ الْكَافِر حَتَّى يَخْرُج مِنْ كُلّ مِسْمَع مِنْهُ ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي الطُّفَيْل عَنْ حُذَيْفَة بْن أُسَيْد الْغِفَارِيّ قَالَ : اِطَّلَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَر فَقَالَ : ( مَا تَذْكُرُونَ ) ؟ قَالُوا : نَذْكُر السَّاعَة ; قَالَ : ( إِنَّهَا لَنْ تَقُوم حَتَّى تَرَوْا قَبْلهَا عَشْر آيَات - فَذَكَرَ - الدُّخَان وَالدَّجَّال وَالدَّابَّة وَطُلُوع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا وَنُزُول عِيسَى اِبْن مَرْيَم وَخُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَثَلَاثَة خُسُوف خَسْف بِالْمَشْرِقِ وَخَسْف بِجَزِيرَةِ الْعَرَب وَآخَر ذَلِكَ نَار تَخْرُج مِنْ الْيَمَن تَطْرُد النَّاس إِلَى مَحْشَرهمْ ) . فِي رِوَايَة عَنْ حُذَيْفَة ( إِنَّ السَّاعَة لَا تَكُون حَتَّى تَكُون عَشْر آيَات : خَسْف بِالْمَشْرِقِ وَخَسْف بِالْمَغْرِبِ وَخَسْف فِي جَزِيرَة الْعَرَب وَالدُّخَان وَالدَّجَّال وَدَابَّة الْأَرْض وَيَأْجُوج وَمَأْجُوج وَطُلُوع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا وَنَار تَخْرُج مِنْ قَعْر عَدَن تُرَحِّل النَّاس ) . وَخَرَّجَهُ الثَّعْلَبِيّ أَيْضًا عَنْ حُذَيْفَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَوَّل الْآيَات خُرُوجًا الدَّجَّال وَنُزُول عِيسَى اِبْن مَرْيَم وَنَار تَخْرُج مِنْ قَعْر عَدَن أَبْيَن تَسُوق النَّاس إِلَى الْمَحْشَر تَبِيت مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا وَتَقِيل مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا وَتُصْبِح مَعَهُمْ إِذَا أَصْبَحُوا وَتُمْسِي مَعَهُمْ إِذَا أَمْسَوْا ) . قُلْت : يَا نَبِيّ اللَّه , وَمَا الدُّخَان ؟ قَالَ هَذِهِ الْآيَة : " فَارْتَقِبْ يَوْم تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُبِين " يَمْلَأ مَا بَيْن الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب يَمْكُث أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَيْلَة أَمَّا الْمُؤْمِن فَيُصِيبهُ مِنْهُ شِبْه الزُّكَام وَأَمَّا الْكَافِر فَيَكُون بِمَنْزِلَةِ السَّكْرَان يَخْرُج الدُّخَان مِنْ فَمه وَمَنْخِره وَعَيْنَيْهِ وَأُذُنه وَدُبُره ) . فَهَذَا قَوْل . الْقَوْل الثَّانِي : أَنَّ الدُّخَان هُوَ مَا أَصَابَ قُرَيْشًا مِنْ الْجُوع بِدُعَاءِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . حَتَّى كَانَ الرَّجُل يَرَى بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض دُخَانًا ; قَالَهُ اِبْن مَسْعُود . قَالَ وَقَدْ كَشَفَهُ اللَّه عَنْهُمْ , وَلَوْ كَانَ يَوْم الْقِيَامَة لَمْ يَكْشِفهُ عَنْهُمْ . وَالْحَدِيث عَنْهُ بِهَذَا فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ . قَالَ الْبُخَارِيّ : حَدَّثَنِي يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش عَنْ مُسْلِم عَنْ مَسْرُوق قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : إِنَّمَا كَانَ هَذَا لِأَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اِسْتَعْصَتْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُف , فَأَصَابَهُمْ قَحْط وَجَهْد حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَام , فَجَعَلَ الرَّجُل يَنْظُر إِلَى السَّمَاء فَيَرَى مَا بَيْنه وَبَيْنهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَان مِنْ الْجَهْد ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " فَارْتَقِبْ يَوْم تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُبِين . يَغْشَى النَّاس هَذَا عَذَاب أَلِيم " . قَالَ : فَأُتِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ : يَا رَسُول اللَّه , اِسْتَسْقِ اللَّه لِمُضَرَ فَإِنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ . قَالَ : ( لِمُضَرَ ! إِنَّك لَجَرِيء ) فَاسْتَسْقَى فَسُقُوا ; فَنَزَلَتْ " إِنَّكُمْ عَائِدُونَ " [ الدُّخَان : 15 ] . فَلَمَّا أَصَابَتْهُمْ الرَّفَاهِيَة عَادُوا إِلَى حَالهمْ حِين أَصَابَتْهُمْ الرَّفَاهِيَة ; فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " يَوْم نَبْطِش الْبَطْشَة الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ " [ الدُّخَان : 16 ] قَالَ : يَعْنِي يَوْم بَدْر . قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : وَالدُّخَان الْجَدْب . الْقُتَبِيّ سُمِّيَ دُخَانًا لِيُبْسِ الْأَرْض مِنْهُ حِين يَرْتَفِع مِنْهَا كَالدُّخَانِ . الْقَوْل الثَّالِث : إِنَّهُ يَوْم . فَتْح مَكَّة لَمَّا حَجَبَتْ السَّمَاء الْغَبَرَة ; قَالَهُ عَبْد الرَّحْمَن الْأَعْرَج .'; $TAFSEER['4']['44']['11'] = '" يَغْشَى النَّاس " فِي مَوْضِع الصِّفَة لِلدُّخَانِ , فَإِنْ كَانَ قَدْ مَضَى عَلَى مَا قَالَ اِبْن مَسْعُود فَهُوَ خَاصّ بِالْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْل مَكَّة , وَإِنْ كَانَ مِنْ أَشْرَاط السَّاعَة فَهُوَ عَامّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ . " هَذَا عَذَاب أَلِيم " أَيْ يَقُول اللَّه لَهُمْ : " هَذَا عَذَاب أَلِيم " . فَمَنْ قَالَ : إِنَّ الدُّخَان قَدْ مَضَى فَقَوْله : " هَذَا عَذَاب أَلِيم " حِكَايَة حَال مَاضِيَة , وَمَنْ جَعَلَهُ مُسْتَقْبَلًا . فَهُوَ حِكَايَة حَال آتِيَة . وَقِيلَ : " هَذَا " بِمَعْنَى ذَلِكَ . وَقِيلَ : أَيْ يَقُول النَّاس لِذَلِكَ الدُّخَان : " هَذَا عَذَاب أَلِيم " . وَقِيلَ : هُوَ إِخْبَار عَنْ دُنُوّ الْأَمْر ; كَمَا تَقُول : هَذَا الشِّتَاء فَأَعِدَّ لَهُ .'; $TAFSEER['4']['44']['12'] = 'أَيْ يَقُولُونَ ذَلِكَ : اِكْشِفْ عَنَّا الْعَذَاب ف " إِنَّا مُؤْمِنُونَ " ; أَيْ نُؤْمِن بِك إِنْ كَشَفْته عَنَّا . قِيلَ : إِنَّ قُرَيْشًا أَتَوْا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا : إِنْ كَشَفَ اللَّه عَنَّا هَذَا الْعَذَاب أَسْلَمْنَا , ثُمَّ نَقَضُوا هَذَا الْقَوْل . قَالَ قَتَادَة : " الْعَذَاب " هُنَا الدُّخَان . وَقِيلَ : الْجُوع ; حَكَاهُ النَّقَّاش . قُلْت : وَلَا تَنَاقُض ; فَإِنَّ الدُّخَان لَمْ يَكُنْ , إِلَّا مِنْ الْجُوع الَّذِي أَصَابَهُمْ ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَقَدْ يُقَال لِلْجُوعِ وَالْقَحْط : الدُّخَان ; لِيُبْسِ الْأَرْض فِي سَنَة الْجَدْب وَارْتِفَاع الْغُبَار بِسَبَبِ قِلَّة الْأَمْطَار ; وَلِهَذَا يُقَال لِسَنَةِ الْجَدْب : الْغَبْرَاء . وَقِيلَ : إِنَّ الْعَذَاب هُنَا الثَّلْج . قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَهَذَا لَا وَجْه لَهُ ; لِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَكُون فِي الْآخِرَة أَوْ فِي أَهْل مَكَّة , وَلَمْ تَكُنْ مَكَّة مِنْ بِلَاد الثَّلْج ; غَيْر أَنَّهُ مَقُول فَحَكَيْنَاهُ .'; $TAFSEER['4']['44']['13'] = 'أَيْ مِنْ أَيْنَ يَكُون لَهُمْ التَّذَكُّر وَالِاتِّعَاظ عِنْد حُلُول الْعَذَاب . يُبَيِّن لَهُمْ الْحَقّ , وَالذِّكْرَى وَالذِّكْر وَاحِد ; قَالَهُ الْبُخَارِيّ .'; $TAFSEER['4']['44']['14'] = 'أَيْ أَعْرَضُوا . قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ مَتَى يَتَّعِظُونَ وَاَللَّه أَبْعَدَهُمْ مِنْ الِاتِّعَاظ وَالتَّذَكُّر بَعْد تَوَلِّيهمْ عَنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَكْذِيبهمْ إِيَّاهُ . وَقِيلَ : أَيْ أَنَّى يَنْفَعهُمْ قَوْلهمْ : " إِنَّا مُؤْمِنُونَ " بَعْد ظُهُور الْعَذَاب غَدًا أَوْ بَعْد ظُهُور أَعْلَام السَّاعَة , فَقَدْ صَارَتْ الْمَعَارِف ضَرُورِيَّة . وَهَذَا إِذَا جُعِلَتْ الدُّخَان آيَة مُرْتَقِبَة . أَيْ عَلَّمَهُ بَشَر أَوْ عَلَّمَهُ الْكَهَنَة وَالشَّيَاطِين , ثُمَّ هُوَ مَجْنُون وَلَيْسَ بِرَسُولٍ .'; $TAFSEER['4']['44']['15'] = 'أَيْ وَقْتًا قَلِيلًا , وَعَدَ أَنْ يَكْشِف عَنْهُمْ ذَلِكَ الْعَذَاب قَلِيلًا ; أَيْ فِي زَمَان قَلِيل لِيَعْلَم أَنَّهُمْ لَا يَفُونَ بِقَوْلِهِمْ , بَلْ يَعُودُونَ إِلَى الْكُفْر بَعْد كَشْفه ; قَالَهُ اِبْن مَسْعُود . فَلَمَّا كَشَفَ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِاسْتِسْقَاءِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ عَادُوا إِلَى تَكْذِيبه . وَمَنْ قَالَ : إِنَّ الدُّخَان مُنْتَظِر قَالَ : أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا يَكُون مِنْ الْفُرْجَة بَيْن آيَة وَآيَة مِنْ آيَات قِيَام السَّاعَة . ثُمَّ مَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ يَسْتَمِرّ عَلَى كُفْره . وَمَنْ قَالَ هَذَا فِي الْقِيَامَة قَالَ : أَيْ لَوْ كَشَفْنَا عَنْكُمْ الْعَذَاب لَعُدْتُمْ إِلَى الْكُفْر . وَقِيلَ : مَعْنَى " إِنَّكُمْ عَائِدُونَ " إِلَيْنَا ; أَيْ مَبْعُوثُونَ بَعْد الْمَوْت . وَقِيلَ : الْمَعْنَى " إِنَّكُمْ عَائِدُونَ " إِلَى نَار جَهَنَّم إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا .'; $TAFSEER['4']['44']['16'] = '" يَوْم " مَحْمُول عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ " مُنْتَقِمُونَ " ; أَيْ نَنْتَقِم مِنْهُمْ يَوْم نَبْطِش . وَأَبْعَدَهُ بَعْض النَّحْوِيِّينَ بِسَبَبِ أَنَّ مَا بَعْد " إِنَّ " لَا يُفَسَّر مَا قَبْلهَا . وَقِيلَ : إِنَّ الْعَامِل فِيهِ " مُنْتَقِمُونَ " . وَهُوَ بَعِيد أَيْضًا ; لِأَنَّ مَا بَعْد " إِنَّ " لَا يَعْمَل فِيمَا قَبْلهَا . وَلَا يَحْسُن تَعَلُّقه بِقَوْلِهِ : " عَائِدُونَ " وَلَا بِقَوْلِهِ : " إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَاب " ; إِذْ لَيْسَ الْمَعْنَى عَلَيْهِ . وَيَجُوز نَصْبه بِإِضْمَارِ فِعْل ; كَأَنَّهُ قَالَ : ذَكِّرْهُمْ أَوْ اُذْكُرْ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى فَإِنَّهُمْ عَائِدُونَ , فَإِذَا عُدْتُمْ أَنْتَقِم مِنْكُمْ يَوْم نَبْطِش الْبَطْشَة الْكُبْرَى . وَلِهَذَا وَصَلَ هَذَا بِقِصَّةِ فِرْعَوْن , فَإِنَّهُمْ وَعَدُوا مُوسَى الْإِيمَان إِنْ كَشَفَ عَنْهُمْ الْعَذَاب , ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا حَتَّى غَرِقُوا . وَقِيلَ : " إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَاب قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ " كَلَام تَامّ . ثُمَّ اِبْتَدَأَ : " يَوْم نَبْطِش الْبَطْشَة الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ " أَيْ نَنْتَقِم مِنْ جَمِيع الْكُفَّار . وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَارْتَقِبْ الدُّخَان وَارْتَقِبْ يَوْم نَبْطِش , فَحَذَفَ وَاو الْعَطْف ; كَمَا تَقُول : اِتَّقِ النَّار اِتَّقِ الْعَذَاب . و " الْبَطْشَة الْكُبْرَى " فِي قَوْل اِبْن مَسْعُود : يَوْم بَدْر . وَهُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس وَأُبَيّ بْن كَعْب وَمُجَاهِد وَالضَّحَّاك . وَقِيلَ : عَذَاب جَهَنَّم يَوْم الْقِيَامَة ; قَالَ الْحَسَن وَعِكْرِمَة وَابْن عَبَّاس أَيْضًا , وَاخْتَارَهُ الزَّجَّاج . وَقِيلَ : دُخَان يَقَع فِي الدُّنْيَا , أَوْ جُوع أَوْ قَحْط يَقَع قَبْل يَوْم الْقِيَامَة . الْمَاوَرْدِيّ : وَيَحْتَمِل أَنَّهَا قِيَام السَّاعَة ; لِأَنَّهَا خَاتِمَة : بَطَشَاته فِي الدُّنْيَا . وَيُقَال : اِنْتَقَمَ اللَّه مِنْهُ ; أَيْ عَاقَبَهُ . وَالِاسْم مِنْهُ النِّقْمَة وَالْجَمْع النَّقِمَات . وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْن النِّقْمَة وَالْعُقُوبَة ; فَالْعُقُوبَة بَعْد الْمَعْصِيَة لِأَنَّهَا مِنْ الْعَاقِبَة . وَالنِّقْمَة قَدْ تَكُون قَبْلهَا ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقِيلَ : الْعُقُوبَة مَا تَقَدَّرَتْ وَالِانْتِقَام غَيْر مُقَدَّر .'; $TAFSEER['4']['44']['17'] = 'أَيْ اِبْتَلَيْنَاهُمْ . وَمَعْنَى هَذِهِ الْفِتْنَة وَالِابْتِلَاء الْأَمْر بِالطَّاعَةِ . وَالْمَعْنَى عَامَلْنَاهُمْ مُعَامَلَة الْمُخْتَبَر بِبَعْثَةِ مُوسَى إِلَيْهِمْ فَكَذَّبُوا فَأَهْلَكُوا ; فَهَكَذَا أَفْعَل بِأَعْدَائِك يَا مُحَمَّد إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا . وَقِيلَ : فَتَنَّاهُمْ عَذَّبْنَاهُمْ بِالْغَرَقِ . وَفِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير ; وَالتَّقْدِير : وَلَقَدْ جَاءَ آل فِرْعَوْن رَسُول كَرِيم وَفَتَنَّاهُمْ , أَيْ أَغْرَقْنَاهُمْ ; لِأَنَّ الْفِتْنَة كَانَتْ بَعْد مَجِيء الرَّسُول . وَالْوَاو لَا تُرَتِّب . وَمَعْنَى " كَرِيم " أَيْ كَرِيم فِي قَوْمه . وَقِيلَ : كَرِيم الْأَخْلَاق بِالتَّجَاوُزِ وَالصَّفْح . وَقَالَ الْفَرَّاء : كَرِيم عَلَى رَبّه إِذْ اِخْتَصَّهُ بِالنُّبُوَّةِ وَإِسْمَاع الْكَلَام .'; $TAFSEER['4']['44']['18'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمَعْنَى جَاءَهُمْ فَقَالَ : اِتَّبِعُونِي . ف " عِبَاد اللَّه " مُنَادًى . وَقَالَ مُجَاهِد : الْمَعْنَى أَرْسَلُوا مَعِيَ عِبَاد اللَّه وَأَطْلَقُوهُمْ مِنْ الْعَذَاب . ف " عِبَاد اللَّه " عَلَى هَذَا مَفْعُول . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَدُّوا إِلَيَّ سَمْعكُمْ حَتَّى أُبَلِّغكُمْ رِسَالَة رَبِّي . أَيْ أَمِين عَلَى الْوَحْي فَاقْبَلُوا نُصْحِي . وَقِيلَ : أَمِين عَلَى مَا أَسْتَأْدِيهِ مِنْكُمْ فَلَا أَخُون فِيهِ .'; $TAFSEER['4']['44']['19'] = 'أَيْ لَا تَتَكَبَّرُوا عَلَيْهِ وَلَا تَرْتَفِعُوا عَنْ طَاعَته . وَقَالَ قَتَادَة : لَا تَبْغُوا عَلَى اللَّه . اِبْن عَبَّاس : لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّه . وَالْفَرْق بَيْن الْبَغْي وَالِافْتِرَاء : أَنَّ الْبَغْي بِالْفِعْلِ وَالِافْتِرَاء بِالْقَوْلِ . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : لَا تَعْظُمُوا عَلَى اللَّه . يَحْيَى بْن سَلَّام : لَا تَسْتَكْبِرُوا عَلَى عِبَادَة اللَّه . وَالْفَرْق بَيْن التَّعْظِيم وَالِاسْتِكْبَار : أَنَّ التَّعْظِيم تَطَاوُل الْمُقْتَدِر , وَالِاسْتِكْبَار تَرَفُّع الْمُحْتَقَر ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ قَالَ قَتَادَة : بِعُذْرٍ بَيِّن . وَقَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام بِحُجَّةٍ بَيِّنَة . وَالْمَعْنَى وَاحِد ; أَيْ بُرْهَان بَيِّن .'; $TAFSEER['4']['44']['20'] = 'كَأَنَّهُمْ تَوَعَّدُوهُ بِالْقَتْلِ فَاسْتَجَارَ بِاَللَّهِ . قَالَ قَتَادَة : " تَرْجُمُونِ " بِالْحِجَارَةِ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : تَشْتُمُونَ ; فَتَقُولُوا سَاحِر كَذَّاب . وَأَظْهَر الذَّال مِنْ " عُذْت " نَافِع وَابْن كَثِير وَابْن عَامِر وَعَاصِم وَيَعْقُوب . وَأَدْغَمَ الْبَاقُونَ . وَالْإِدْغَام طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ , وَالْإِظْهَار عَلَى الْأَصْل . ثُمَّ قِيلَ : إِنِّي عُذْت بِاَللَّهِ فِيمَا مَضَى ; لِأَنَّ اللَّه وَعَدَهُ فَقَالَ : " فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا " [ الْقَصَص : 35 ] . وَقِيلَ : إِنِّي أَعُوذ ; كَمَا تَقُول نَشَدْتُك بِاَللَّهِ , وَأَقْسَمْت عَلَيْك بِاَللَّهِ ; أَيْ أَقْسَمَ .'; $TAFSEER['4']['44']['21'] = '" وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي " أَيْ إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي وَلَمْ تُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ لِأَجْلِ بُرْهَانِي ; فَاللَّام فِي " لِي " لَام أَجْل . وَقِيلَ : أَيْ وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي ; كَقَوْلِهِ : " فَآمَنَ لَهُ لُوط " [ الْعَنْكَبُوت : 26 ] أَيْ بِهِ . " فَاعْتَزِلُونِ " أَيْ دَعُونِي كَفَافًا لَا لِي وَلَا عَلَيَّ ; قَالَهُ مُقَاتِل . وَقِيلَ : أَيْ كُونُوا بِمَعْزِلٍ مِنِّي وَأَنَا بِمَعْزِلٍ مِنْكُمْ إِلَى أَنْ يَحْكُم اللَّه بَيْننَا . وَقِيلَ : فَخَلُّوا سَبِيلِي وَكُفُّوا عَنْ أَذَايَ . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب , وَاَللَّه أَعْلَم .'; $TAFSEER['4']['44']['22'] = '" فَدَعَا رَبّه " فِيهِ حَذْف ; أَيْ فَكَفَرُوا فَدَعَا رَبّه . " أَنَّ هَؤُلَاءِ " بِفَتْحِ " أَنْ " أَيْ بِأَنْ هَؤُلَاءِ . " قَوْم مُجْرِمُونَ " أَيْ مُشْرِكُونَ , قَدْ اِمْتَنَعُوا مِنْ إِطْلَاق بَنِي إِسْرَائِيل وَمِنْ الْإِيمَان .'; $TAFSEER['4']['44']['23'] = 'فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : الْأُولَى : " فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا " أَيْ فَأَجَبْنَا دُعَاءَهُ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي ; أَيْ بِمَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل . " لَيْلًا " أَيْ قَبْل الصَّبَاح " إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ " وَقَرَأَ أَهْل الْحِجَاز " فَاسْرِ " بِوَصْلِ الْأَلِف . وَكَذَلِكَ اِبْن كَثِير ; مِنْ سَرَى . الْبَاقُونَ " فَأَسْرِ " بِالْقَطْعِ ; مِنْ أَسْرَى . وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَتَقَدَّمَ خُرُوج فِرْعَوْن وَرَاء مُوسَى فِي " الْبَقَرَة وَالْأَعْرَاف وَطَه وَالشُّعَرَاء وَيُونُس " وَإِغْرَاقه وَإِنْجَاء مُوسَى " ; فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ . الثَّانِيَة : أُمِرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِالْخُرُوجِ لَيْلًا . وَسَيْر اللَّيْل فِي الْغَالِب إِنَّمَا يَكُون عَنْ خَوْف , وَالْخَوْف يَكُون بِوَجْهَيْنِ : إِمَّا مِنْ الْعَدُوّ فَيَتَّخِذ اللَّيْل سِتْرًا مُسْدِلًا ; فَهُوَ مِنْ أَسْتَار اللَّه تَعَالَى . وَإِمَّا مِنْ خَوْف الْمَشَقَّة عَلَى الدَّوَابّ وَالْأَبْدَان بِحَرٍّ أَوْ جَدْب , فَيُتَّخَذ السُّرَى مَصْلَحَة مِنْ ذَلِكَ . وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْرِي وَيُدْلِج وَمُتَرَفِّق وَيَسْتَعْجِل , بِحَسَبِ الْحَاجَة وَمَا تَقْتَضِيه الْمَصْلَحَة . وَفِي الصَّحِيح عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْب فَأَعْطُوا الْإِبِل حَظّهَا مِنْ الْأَرْض وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَة فَبَادِرُوا بِهَا نِقْيهَا ) . وَقَدْ مَضَى فِي أَوَّل " النَّحْل " ; وَالْحَمْد لِلَّهِ .'; $TAFSEER['4']['44']['24'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس : " رَهْوًا " أَيْ طَرِيقًا . وَقَالَ كَعْب وَالْحَسَن . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا سَمْتًا . الضَّحَّاك وَالرَّبِيع : سَهْلًا . عِكْرِمَة : يَبَسًا , لِقَوْلِهِ : " فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْر يَبَسًا " وَقِيلَ : مُفْتَرِقًا . مُجَاهِد : مُنْفَرِجًا . وَعَنْهُ يَابِسًا . وَعَنْهُ سَاكِنًا , وَهُوَ الْمَعْرُوف فِي اللُّغَة . وَقَالَهُ قَتَادَة وَالْهَرَوِيّ . وَقَالَ غَيْرهمَا : مُنْفَرِجًا . وَقَالَ اِبْن عَرَفَة : وَهُمَا يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنًى وَاحِد وَإِنْ اِخْتَلَفَ لَفْظَاهُمَا , لِأَنَّهُ إِذَا سَكَنَ جَرْيه اِنْفَرَجَ . وَكَذَلِكَ كَانَ الْبَحْر يَسْكُن جَرْيه وَانْفَرَجَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام . وَالرَّهْو عِنْد الْعَرَب : السَّاكِن , يُقَال : جَاءَتْ الْخَيْل رَهْوًا , أَيْ سَاكِنَة . قَالَ : وَالْخَيْل تَمْزَع رَهْوًا فِي أَعِنَّتهَا كَالطَّيْرِ تَنْجُو مِنْ الشُّؤْبُوبِ ذِي الْبَرْد الْجَوْهَرِيّ : وَيُقَال اِفْعَلْ ذَلِكَ رَهْوًا , أَيْ سَاكِنًا عَلَى هَيِّنَتك . وَعَيْش رَاهٍ , أَيْ سَاكِن رَافِه . وَخِمْس رَاهٍ , إِذَا كَانَ سَهْلًا . وَرَهَا الْبَحْر أَيْ سَكَنَ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْد : رَهَا بَيْن رِجْلَيْهِ يَرْهُو رَهْوًا أَيْ فَتَحَ , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَاتْرُكْ الْبَحْر رَهْوًا " وَالرَّهْو : السَّيْر السَّهْل , يُقَال : جَاءَتْ الْخَيْل رَهْوًا . قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : رَهَا يَرْهُو فِي السَّيْر أَيْ رَفَقَ . قَالَ الْقَطَامِيّ فِي نَعْت الرِّكَاب : يَمْشِينَ رَهْوًا فَلَا الْأَعْجَاز خَاذِلَة وَلَا الصُّدُور عَلَى الْأَعْجَاز تَتَّكِل وَالرَّهْو وَالرَّهْوَة : الْمَكَان الْمُرْتَفِع , وَالْمُنْخَفِض أَيْضًا يَجْتَمِع فِيهِ الْمَاء , وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَاد . وَقَالَ أَبُو عُبَيْد : الرَّهْو : الْجَوْبَة تَكُون فِي مَحَلَّة الْقَوْم يَسِيل فِيهَا مَاء الْمَطَر وَغَيْره . وَفِي الْحَدِيث أَنَّهُ قَضَى أَنْ ( لَا شُفْعَة فِي فِنَاء وَلَا طَرِيق وَلَا مَنْقَبَة وَلَا رُكْح وَلَا رَهْو ) . وَالْجَمْع رِهَاء . وَالرَّهْو : الْمَرْأَة الْوَاسِعَة الْهَنِ . حَكَاهُ النَّضْر بْن شُمَيْل . وَالرَّهْو : ضَرْب مِنْ الطَّيْر , وَيُقَال : هُوَ الْكُرْكِيّ . قَالَ الْهَرَوِيّ : وَيَجُوز أَنْ يَكُون " رَهْوًا " مِنْ نَعْت مُوسَى - وَقَالَهُ الْقُشَيْرِيّ - أَيْ سِرْ سَاكِنًا عَلَى هَيِّنَتك ; فَالرَّهْو مِنْ نَعْت مُوسَى وَقَوْمه لَا مِنْ نَعْت الْبَحْر , وَعَلَى الْأَوَّل هُوَ مِنْ نَعْت الْبَحْر ; أَيْ اُتْرُكْهُ سَاكِنًا كَمَا هُوَ قَدْ اِنْفَرَقَ فَلَا تَأْمُرهُ بِالِانْضِمَامِ . حَتَّى يَدْخُل فِرْعَوْن وَقَوْمه . قَالَ قَتَادَة : أَرَادَ مُوسَى أَنْ يَضْرِب الْبَحْر لَمَّا قَطَعَهُ بِعَصَاهُ حَتَّى يَلْتَئِم , وَخَافَ أَنْ يَتْبَعهُ فِرْعَوْن فَقِيلَ لَهُ هَذَا . وَقِيلَ : لَيْسَ الرَّهْو مِنْ السُّكُون بَلْ هُوَ الْفُرْجَة بَيْن الشَّيْئَيْنِ ; يُقَال : رَهَا مَا بَيْن الرِّجْلَيْنِ أَيْ فُرِجَ . فَقَوْله : " رَهْوًا " أَيْ مُنْفَرِجًا . وَقَالَ اللَّيْث : الرَّهْو مَشْي فِي سُكُون , يُقَال : رَهَا يَرْهُو رَهْوًا فَهُوَ رَاهٍ . وَعَيْش رَاهٍ : وَادِع خَافِض . وَافْعَلْ ذَلِكَ سَهْوًا رَهْوًا ; أَيْ سَاكِنًا بِغَيْرِ شِدَّة . وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ آنِفًا . " إِنَّهُمْ " أَيْ إِنَّ فِرْعَوْن وَقَوْمه . " جُنْد مُغْرَقُونَ " أُخْبِرَ مُوسَى بِذَلِكَ لِيَسْكُن قَلْبه .'; $TAFSEER['4']['44']['25'] = 'يَعْنِي مِنْ أَرْض مِصْر . وَعَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو قَالَ : كَانَتْ الْجَنَّات بِحَافَتَيْ النِّيل فِي الشُّقَّتَيْنِ جَمِيعًا مِنْ أَسْوَان إِلَى رَشِيد , وَبَيْن الْجَنَّات زُرُوع . وَالنِّيل سَبْعَة خُلْجَان : خَلِيج الْإِسْكَنْدَرِيَّة , وَخَلِيج سَخَا , وَخَلِيج دِمْيَاط , وَخَلِيج سَرْدُوس , وَخَلِيج مَنْف , وَخَلِيج الْفَيُّوم , وَخَلِيج الْمُنْهَى مُتَّصِلَة لَا يَنْقَطِع مِنْهَا شَيْء عَنْ شَيْء , وَالزُّرُوع مَا بَيْن الْخُلْجَان كُلّهَا . وَكَانَتْ أَرْض مِصْر كُلّهَا تُرْوَى مِنْ سِتَّة عَشَرَ ذِرَاعًا بِمَا دَبَّرُوا وَقَدَّرُوا مِنْ قَنَاطِرهَا وَجُسُورهَا وَخُلْجَانهَا ; وَلِذَلِكَ سُمِّيَ النِّيل إِذَا غُلِقَ سِتَّة عَشَرَ ذِرَاعًا نِيل السُّلْطَان , وَيُخْلَع عَلَى اِبْن أَبِي الرَّدَّاد ; وَهَذِهِ الْحَال مُسْتَمِرَّة إِلَى الْآن . وَإِنَّمَا قِيلَ نِيل السُّلْطَان لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجِب الْخَرَاج عَلَى النَّاس . وَكَانَتْ أَرْض مِصْر جَمِيعهَا تُرْوَى مِنْ إِصْبَع وَاحِدَة مِنْ سَبْعَة عَشَرَ ذِرَاعًا , وَكَانَتْ إِذَا غُلِقَ النِّيل سَبْعَة عَشَرَ ذِرَاعًا وَنُودِيَ عَلَيْهِ إِصْبَع وَاحِد مِنْ ثَمَانِيَة عَشَرَ ذِرَاعًا , اِزْدَادَ فِي خَرَاجهَا أَلْف أَلْف دِينَار . فَإِذَا خَرَجَ . عَنْ ذَلِكَ وَنُودِيَ عَلَيْهِ إِصْبَعًا وَاحِدًا مِنْ تِسْعَة عَشَرَ ذِرَاعًا نَقَصَ خَرَاجهَا أَلْف أَلْف دِينَار . وَسَبَب هَذَا مَا كَانَ يَنْصَرِف فِي الْمَصَالِح وَالْخُلْجَان وَالْجُسُور وَالِاهْتِمَام بِعِمَارَتِهَا . فَأَمَّا الْآن فَإِنَّ أَكْثَرهَا لَا يُرْوَى حَتَّى يُنَادَى إِصْبَع مِنْ تِسْعَة عَشَرَ ذِرَاعًا بِمِقْيَاسِ مِصْر . وَأَمَّا أَعْمَال الصَّعِيد الْأَعْلَى , فَإِنَّ بِهَا مَا لَا يَتَكَامَل رَيّه إِلَّا بَعْد دُخُول الْمَاء فِي الذِّرَاع الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ بِالصَّعِيدِ الْأَعْلَى . قُلْت : أَمَّا أَرْض مِصْر فَلَا تُرْوَى جَمِيعهَا الْآن إِلَّا مِنْ عِشْرِينَ ذِرَاعًا وَأَصَابِع ; لِعُلُوِّ الْأَرْض وَعَدَم الِاهْتِمَام بِعِمَارَةِ جُسُورهَا , وَهُوَ مِنْ عَجَائِب الدُّنْيَا ; وَذَلِكَ أَنَّهُ يَزِيد إِذَا اِنْصَبَّتْ الْمِيَاه فِي جَمِيع الْأَرْض حَتَّى يَسِيح عَلَى جَمِيع أَرْض مِصْر , وَتَبْقَى الْبِلَاد كَالْأَعْلَامِ لَا يُوصَل إِلَيْهَا إِلَّا بِالْمَرَاكِبِ وَالْقِيَاسَات . وَرُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص أَنَّهُ قَالَ : نِيل مِصْر سَيِّد الْأَنْهَار , سَخَّرَ اللَّه لَهُ كُلّ نَهَر بَيْن الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب , وَذَلَّلَ اللَّه لَهُ الْأَنْهَار ; فَإِذَا أَرَادَ اللَّه أَنْ يُجْرِي نِيل مِصْر أَمَرَ كُلّ نَهَر أَنْ يَمُدّهُ , فَأَمَدَّتْهُ الْأَنْهَار بِمَائِهَا , وَفَجَّرَ اللَّه لَهُ عُيُونًا , فَإِذَا اِنْتَهَى إِلَى مَا أَرَادَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , أَوْحَى اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى كُلّ مَاء أَنْ يَرْجِع إِلَى عُنْصُره . وَقَالَ قَيْس بْن الْحَجَّاج : لَمَّا اُفْتُتِحَتْ مِصْر أَتَى أَهْلهَا إِلَى عَمْرو بْن الْعَاص حِين دَخَلَ بَئُونَة مِنْ أَشْهُر الْقِبْط فَقَالُوا لَهُ : أَيّهَا الْأَمِير إِنَّ لِنِيلِنَا هَذَا سَنَة لَا يَجْرِي إِلَّا بِهَا , فَقَالَ لَهُمْ : وَمَا ذَاكَ ؟ فَقَالُوا : إِذَا كَانَ لِاثْنَتَيْ عَشْرَة لَيْلَة تَخْلُو مِنْ هَذَا الشَّهْر عَمَدْنَا إِلَى جَارِيَة بِكْر بَيْن أَبَوَيْهَا ; أَرْضَيْنَا أَبَوَيْهَا , وَحَمَلْنَا عَلَيْهَا مِنْ الْحُلِيّ وَالثِّيَاب أَفْضَل مَا يَكُون , ثُمَّ أَلْقَيْنَاهَا فِي هَذَا النِّيل ; فَقَالَ لَهُمْ عَمْرو : هَذَا لَا يَكُون فِي الْإِسْلَام ; وَإِنَّ الْإِسْلَام لِيَهْدِم مَا قَبْله . فَأَقَامُوا أَبِيب وَمَسْرَى لَا يَجْرِي قَلِيل وَلَا كَثِير , وَهَمُّوا بِالْجَلَاءِ . فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَمْرو بْن الْعَاص كَتَبَ إِلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا , فَأَعْلَمَهُ بِالْقِصَّةِ , فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَر بْن الْخَطَّاب : إِنَّك قَدْ أَصَبْت بِاَلَّذِي فَعَلْت , وَأَنَّ الْإِسْلَام يَهْدِم مَا قَبْله وَلَا يَكُون هَذَا . وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِبِطَاقَةٍ فِي دَاخِل كِتَابه . وَكَتَبَ إِلَى عَمْرو : إِنِّي قَدْ بَعَثْت إِلَيْك بِبِطَاقَةٍ دَاخِل كِتَابِي , فَأَلْقِهَا فِي النِّيل إِذَا أَتَاك كِتَابِي . فَلَمَّا قَدِمَ كِتَاب عُمَر إِلَى عَمْرو بْن الْعَاص أَخَذَ الْبِطَاقَة فَفَتَحَهَا فَإِذَا فِيهَا : مِنْ عَبْد اللَّه أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عُمَر إِلَى نِيل مِصْر - أَمَّا بَعْد - فَإِنْ كُنْت إِنَّمَا تَجْرِي مِنْ قِبَلِكَ فَلَا تَجْرِ وَإِنْ كَانَ اللَّه الْوَاحِد الْقَهَّار هُوَ الَّذِي يُجْرِيك فَنَسْأَل اللَّه الْوَاحِد الْقَهَّار أَنْ يُجْرِيك . قَالَ : فَأَلْقَى الْبِطَاقَة فِي النِّيل قَبْل الصَّلِيب بِيَوْمٍ وَقَدْ تَهَيَّأَ أَهْل مِصْر لِلْجَلَاءِ وَالْخُرُوج مِنْهَا ; لِأَنَّهُ لَا تَقُوم مَصْلَحَتهمْ فِيهَا إِلَّا بِالنِّيلِ . فَلَمَّا أَلْقَى الْبِطَاقَة فِي النِّيل , أَصْبَحُوا يَوْم الصَّلِيب وَقَدْ أَجْرَاهُ اللَّه فِي لَيْلَة وَاحِدَة سِتَّة عَشَرَ ذِرَاعًا , وَقَطَعَ اللَّه تِلْكَ السِّيرَة عَنْ أَهْل مِصْر مِنْ تِلْكَ السَّنَة . قَالَ كَعْب الْأَحْبَار : أَرْبَعَة أَنْهَار مِنْ الْجَنَّة وَضَعَهَا اللَّه فِي الدُّنْيَا سَيْحَان وَجَيْحَان وَالنِّيل وَالْفُرَات , فَسَيْحَان نَهَر الْمَاء فِي الْجَنَّة , وَجَيْحَان نَهَر اللَّبَن فِي الْجَنَّة , وَالنِّيل نَهَر الْعَسَل فِي الْجَنَّة , وَالْفُرَات نَهَر الْخَمْر فِي الْجَنَّة . وَقَالَ اِبْن لَهِيعَة : الدِّجْلَة نَهَر اللَّبَن فِي الْجَنَّة . قُلْت : الَّذِي فِي الصَّحِيح مِنْ هَذَا حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( سَيْحَان وَجَيْحَان وَالنِّيل وَالْفُرَات كُلّ مِنْ أَنْهَار الْجَنَّة ) لَفْظ مُسْلِم وَفِي حَدِيث الْإِسْرَاء مِنْ حَدِيث أَنَس بْن مَالِك عَنْ مَالِك بْن صَعْصَعَة رَجُل مِنْ قَوْمه قَالَ : ( وَحَدَّثَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى أَرْبَعَة أَنْهَار يَخْرُج مِنْ أَصْلهَا نَهَرَانِ ظَاهِرَانِ وَنَهَرَانِ بَاطِنَانِ فَقُلْت يَا جِبْرِيل مَا هَذِهِ الْأَنْهَار قَالَ أَمَّا النَّهَرَانِ الْبَاطِنَانِ فَنَهَرَانِ فِي الْجَنَّة وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيل وَالْفُرَات ) لَفْظ مُسْلِم . وَقَالَ الْبُخَارِيّ مِنْ طَرِيق شَرِيك عَنْ أَنَس ( فَإِذَا هُوَ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا بِنَهَرَيْنِ يَطْرُدَانِ فَقَالَ مَا هَذَانِ النَّهَرَانِ يَا جِبْرِيل قَالَ هَذَا النِّيل وَالْفُرَات عُنْصُرهمَا ثُمَّ مَضَى فِي السَّمَاء فَإِذَا هُوَ بِنَهَرٍ آخَر عَلَيْهِ قَصْر مِنْ اللُّؤْلُؤ وَالزَّبَرْجَد فَضَرَبَ بِيَدِهِ فَإِذَا هُوَ مِسْك أَذْفَر فَقَالَ مَا هَذَا يَا جِبْرِيل فَقَالَ هَذَا هُوَ الْكَوْثَر الَّذِي خَبَّأَ لَك رَبّك . ) وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْعُيُونِ عُيُون الْمَاء . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : الْمُرَاد عُيُون الذَّهَب . وَفِي الدُّخَان " كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّات وَعُيُون . وَزُرُوع " [ الدُّخَان : 25 - 26 ] . قِيلَ : إِنَّهُمْ كَانُوا يَزْرَعُونَ مَا بَيْن الْجَبَلَيْنِ مِنْ أَوَّل مِصْر إِلَى آخِرهَا .'; $TAFSEER['4']['44']['26'] = 'قَالَ اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس وَمُجَاهِد : الْمَقَام الْكَرِيم الْمَنَابِر ; وَكَانَتْ أَلْف مِنْبَر لِأَلْفِ جَبَّار يُعَظِّمُونَ عَلَيْهَا فِرْعَوْن وَمُلْكه . وَقِيلَ : مَجَالِس الرُّؤَسَاء وَالْأُمَرَاء ; حَكَاهُ اِبْن عِيسَى وَهُوَ قَرِيب مِنْ الْأَوَّل . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : الْمَسَاكِن الْحِسَان . وَقَالَ اِبْن لَهِيعَة : سَمِعْت أَنَّ الْمَقَام الْكَرِيم الْفَيُّوم . وَقِيلَ : كَانَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام قَدْ كَتَبَ عَلَى مَجْلِس مِنْ مَجَالِسه ( لَا إِلَه إِلَّا اللَّه إِبْرَاهِيم خَلِيل اللَّه ) فَسَمَّاهَا اللَّه كَرِيمَة بِهَذَا . وَقِيلَ : مَرَابِط الْخَيْل لِتَفَرُّدِ الزُّعَمَاء بِارْتِبَاطِهَا عِدَّة وَزِينَة ; فَصَارَ مَقَامهَا أَكْرَم مَنْزِل بِهَذَا ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَالْأَظْهَر أَنَّهَا الْمَسَاكِن الْحِسَان كَانَتْ تُكْرَم عَلَيْهِمْ . وَالْمَقَام فِي اللُّغَة يَكُون الْمَوْضِع وَيَكُون مَصْدَرًا . قَالَ النَّحَّاس : الْمَقَام فِي اللُّغَة الْمَوْضِع ; مِنْ قَوْلك قَامَ يَقُوم , وَكَذَا الْمَقَامَات وَاحِدهَا مَقَامَة ; كَمَا قَالَ : وَفِيهِمْ مَقَامَات حِسَان وُجُوههمْ وَأَنْدِيَة يَنْتَابهَا الْقَوْل وَالْفِعْل وَالْمَقَام أَيْضًا الْمَصْدَر مِنْ قَامَ يَقُوم . وَالْمُقَام ( بِالضَّمِّ ) الْمَوْضِع مِنْ أَقَامَ . وَالْمَصْدَر أَيْضًا مِنْ أَقَامَ يُقِيم .'; $TAFSEER['4']['44']['27'] = 'النَّعْمَة ( بِالْفَتْحِ ) : التَّنْعِيم , يُقَال : نَعَّمَهُ اللَّه وَنَاعَمَهُ فَتَنَعَّمَ . وَامْرَأَة مُنَعَّمَة وَمُنَاعَمَة , بِمَعْنًى . وَالنِّعْمَة ( بِالْكَسْرِ ) : الْيَد وَالصَّنِيعَة وَالْمِنَّة وَمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْك . وَكَذَلِكَ النُّعْمَى . فَإِنْ فَتَحْت النُّون مَدَدْت وَقُلْت : النَّعْمَاء . وَالنَّعِيم مِثْله . وَفُلَان وَاسِع النَّعْمَة , أَيْ وَاسِع الْمَال ; جَمِيعه عَنْ الْجَوْهَرِيّ . وَقَالَ اِبْن عُمَر : الْمُرَاد بِالنَّعْمَةِ نِيل مِصْر . اِبْن لَهِيعَة : الْفَيُّوم . اِبْن زِيَاد : أَرْض مِصْر لِكَثْرَةِ خَيْرهَا . وَقِيلَ : مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ السَّعَة وَالدَّعَة . وَقَدْ يُقَال : نِعْمَة وَنَعْمَة ( بِفَتْحِ النُّون وَكَسْرهَا ) , حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ . قَالَ : وَفِي الْفَرْق بَيْنهمَا وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهَا بِكَسْرِ النُّون فِي الْمُلْك , وَبِفَتْحِهَا فِي الْبَدَن وَالدِّين , قَالَهُ النَّضْر بْن شُمَيْل . الثَّانِي : أَنَّهَا بِالْكَسْرِ مِنْ الْمِنَّة وَهُوَ الْإِفْضَال وَالْعَطِيَّة ; وَبِالْفَتْحِ مِنْ التَّنْعِيم وَهُوَ سَعَة الْعَيْش وَالرَّاحَة ; قَالَهُ اِبْن زِيَاد . قُلْت : هَذَا الْفَرْق هُوَ الَّذِي وَقَعَ فِي الصِّحَاح وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ . وَقَرَأَ أَبُو رَجَاء وَالْحَسَن وَأَبُو الْأَشْهَب وَالْأَعْرَج وَأَبُو جَعْفَر وَشَيْبَة " فَكِهِينَ " بِغَيْرِ أَلِف , وَمَعْنَاهُ أَشِرِينَ بَطِرِينَ . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : فَكِهَ الرَّجُل ( بِالْكَسْرِ ) فَهُوَ فَكِه إِذَا كَانَ طَيِّب النَّفْس مَزَّاحًا . وَالْفَكِه أَيْضًا الْأَشِر الْبَطِر . وَقُرِئَ " وَنَعْمَة كَانُوا فِيهَا فَكِهِينَ " أَيْ أَشِرِينَ بَطِرِينَ . و " فَاكِهِينَ " أَيْ نَاعِمِينَ . الْقُشَيْرِيّ : " فَاكِهِينَ " لَاهِينَ مَازِحِينَ , يُقَال : إِنَّهُ لَفَاكِه أَيْ مِزَاج . وَفِيهِ فُكَاهَة أَيْ مَزْح . الثَّعْلَبِيّ : وَهُمَا لُغَتَانِ كَالْحَاذِرِ وَالْحَذِر , وَالْفَارِه وَالْفَرِه . وَقِيلَ : إِنَّ الْفَاكِه هُوَ الْمُسْتَمْتِع بِأَنْوَاعِ اللَّذَّة كَمَا يَتَمَتَّع الْآكِل بِأَنْوَاعِ الْفَاكِهَة . وَالْفَاكِهَة : فَضَل عَنْ الْقُوت الَّذِي لَا بُدّ مِنْهُ .'; $TAFSEER['4']['44']['28'] = 'قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ الْأَمْر كَذَلِكَ ; فَيُوقَف عَلَى " كَذَلِكَ " . وَقِيلَ : إِنَّ الْكَاف فِي مَوْضِع نَصْب , عَلَى تَقْدِير نَفْعَل فِعْلًا كَذَلِكَ بِمَنْ نُرِيد إِهْلَاكه . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : " كَذَلِكَ " أَفْعَل بِمَنْ عَصَانِي . وَقِيلَ : " كَذَلِكَ " كَانَ أَمْرهمْ فَأُهْلِكُوا . " وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ " يَعْنِي بَنَى إِسْرَائِيل , مَلَّكَهُمْ اللَّه تَعَالَى أَرْض مِصْر بَعْد أَنْ كَانُوا فِيهَا مُسْتَعْبَدِينَ , فَصَارُوا لَهَا وَارِثِينَ ; لِوُصُولِ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ كَوُصُولِ الْمِيرَاث . وَنَظِيره : " وَأَوْرَثْنَا الْقَوْم الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِق الْأَرْض وَمَغَارِبهَا " [ الْأَعْرَاف : 137 ] .'; $TAFSEER['4']['44']['29'] = 'أَيْ لِكُفْرِهِمْ . " وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ " أَيْ مُؤَخَّرِينَ بِالْغَرَقِ . وَكَانَتْ الْعَرَب تَقُول عِنْد مَوْت السَّيِّد مِنْهُمْ : بَكَتْ لَهُ السَّمَاء وَالْأَرْض ; أَيْ عَمَّتْ مُصِيبَته الْأَشْيَاء حَتَّى بَكَتْهُ السَّمَاء وَالْأَرْض وَالرِّيح وَالْبَرْق , وَبَكَتْهُ اللَّيَالِي الشَّاتِيَات . قَالَ الشَّاعِر : فَالرِّيح تَبْكِي شَجْوهَا وَالْبَرْق يَلْمَع فِي الْغَمَامَهْ وَقَالَ آخَر : وَالشَّمْس طَالِعَة لَيْسَتْ بِكَاسِفَةٍ تُبْكِي عَلَيْك نُجُوم اللَّيْل وَالْقَمَرَا وَقَالَتْ الْخَارِجِيَّة : أَيَا شَجَر الْخَابُور مَالِك مُورِقًا كَأَنَّك لَمْ تَجْزَع عَلَى اِبْن طَرِيف وَذَلِكَ عَلَى سَبِيل التَّمْثِيل وَالتَّخْيِيل مُبَالَغَة فِي وُجُوب الْجَزَع وَالْبُكَاء عَلَيْهِ . وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ هَلَكُوا فَلَمْ تَعْظُم مُصِيبَتهمْ وَلَمْ يُوجَد لَهُمْ فَقْد . وَقِيلَ : فِي الْكَلَام إِضْمَار , أَيْ مَا بَكَى عَلَيْهِمْ أَهْل السَّمَاء وَالْأَرْض مِنْ الْمَلَائِكَة ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَاسْأَلْ الْقَرْيَة " [ يُوسُف : 82 ] بَلْ سُرُّوا بِهَلَاكِهِمْ , قَالَهُ الْحَسَن . وَرَوَى يَزِيد الرُّقَاشِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ مُؤْمِن إِلَّا وَلَهُ فِي السَّمَاء بَابَانِ بَاب يَنْزِل مِنْهُ رِزْقه وَبَاب يَدْخُل مِنْهُ كَلَامه وَعَمَله فَإِذَا مَاتَ فَقَدَاهُ فَبَكَيَا عَلَيْهِ - ثُمَّ تَلَا - " فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاء وَالْأَرْض " . يَعْنِي أَنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا عَلَى الْأَرْض عَمَلًا صَالِحًا تَبْكِي عَلَيْهِمْ لِأَجْلِهِ , وَلَا صَعِدَ لَهُمْ إِلَى السَّمَاء عَمَل صَالِح فَتَبْكِي فَقْد ذَلِكَ . وَقَالَ مُجَاهِد : إِنَّ السَّمَاء وَالْأَرْض يَبْكِيَانِ عَلَى الْمُؤْمِن أَرْبَعِينَ صَبَاحًا . قَالَ أَبُو يَحْيَى : فَعَجِبْت مِنْ قَوْله فَقَالَ : أَتَعْجَبُ ! وَمَا لِلْأَرْضِ لَا تَبْكِي عَلَى عَبْد يَعْمُرهَا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود ! وَمَا لِلسَّمَاءِ لَا تَبْكِي عَلَى عَبْد كَانَ لِتَسْبِيحِهِ وَتَكْبِيره فِيهَا دَوِيّ كَدَوِيِّ النَّحْل ! . وَقَالَ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : إِنَّهُ يَبْكِي عَلَيْهِ مُصَلَّاهُ مِنْ الْأَرْض وَمَصْعَد عَمَله مِنْ السَّمَاء . وَتَقْدِير الْآيَة عَلَى هَذَا : فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ مَصَاعِد عَمَلهمْ مِنْ السَّمَاء وَلَا مَوَاضِع عِبَادَتهمْ مِنْ الْأَرْض . وَهُوَ مَعْنَى قَوْل سَعِيد بْن جُبَيْر . وَفِي بُكَاء السَّمَاء وَالْأَرْض ثَلَاثَة أَوْجُه : أَحَدهَا أَنَّهُ كَالْمَعْرُوفِ مِنْ بُكَاء الْحَيَوَان . وَيُشْبِه أَنْ يَكُون قَوْل مُجَاهِد . وَقَالَ شُرَيْح الْحَضْرَمِيّ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْإِسْلَام بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ يَوْم الْقِيَامَة قِيلَ : مَنْ هُمْ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ - هُمْ الَّذِينَ إِذَا فَسَدَ النَّاس صَلَحُوا - ثُمَّ قَالَ - أَلَا لَا غُرْبَة عَلَى مُؤْمِن وَمَا مَاتَ مُؤْمِن فِي غُرْبَة غَائِبًا عَنْهُ بِوَاكِيهِ إِلَّا بَكَتْ عَلَيْهِ السَّمَاء وَالْأَرْض - ثُمَّ قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاء وَالْأَرْض " ثُمَّ قَالَ : أَلَا إِنَّهُمَا لَا يَبْكِيَانِ عَلَى الْكَافِر ) قُلْت : وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْم مُحَمَّد بْن مَعْمَر قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو شُعَيْب الْحَرَّانِيّ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن عَبْد اللَّه قَالَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيّ قَالَ حَدَّثَنِي عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ قَالَ : مَا مِنْ عَبْد يَسْجُد لِلَّهِ سَجْدَة فِي بُقْعَة مِنْ بِقَاعِ الْأَرْض إِلَّا شَهِدَتْ لَهُ يَوْم الْقِيَامَة وَبَكَتْ عَلَيْهِ يَوْم يَمُوت . وَقِيلَ : بُكَاؤُهُمَا حُمْرَة أَطْرَافهمَا ; قَالَهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - وَعَطَاء وَالسُّدِّيّ وَالتِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ وَحَكَاهُ عَنْ الْحَسَن . قَالَ السُّدِّيّ : لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْن بْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا بَكَتْ عَلَيْهِ السَّمَاء ; وَبُكَاؤُهَا حُمْرَتهَا . وَحَكَى جَرِير عَنْ يَزِيد بْن أَبِي زِيَاد قَالَ : لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا اِحْمَرَّ لَهُ آفَاق السَّمَاء أَرْبَعَة أَشْهُر . قَالَ يَزِيد : وَاحْمِرَارهَا بُكَاؤُهَا . وَقَالَ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ : أَخْبَرُونَا أَنَّ الْحُمْرَة الَّتِي تَكُون مَعَ الشَّفَق لَمْ تَكُنْ حَتَّى قُتِلَ الْحُسَيْن بْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . وَقَالَ سُلَيْمَان الْقَاضِي : مُطِرْنَا دَمًا يَوْم قُتِلَ الْحُسَيْن . قُلْت : رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيث مَالِك بْن أَنَس عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الشَّفَق الْحُمْرَة ) . وَعَنْ عُبَادَة بْن الصَّامِت وَشَدَّاد بْن أَوْس قَالَا : الشَّفَق شَفَقَانِ : الْحُمْرَة وَالْبَيَاض ; فَإِذَا غَابَتْ الْحُمْرَة حَلَّتْ الصَّلَاة . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : الشَّفَق الْحُمْرَة . وَهَذَا يَرُدّ مَا حَكَاهُ اِبْن سِيرِينَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْإِسْرَاء " عَنْ قُرَّة بْن خَالِد قَالَ : مَا بَكَتْ السَّمَاء عَلَى أَحَد إِلَّا عَلَى يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا وَالْحُسَيْن بْن عَلِيّ , وَحُمْرَتهَا بُكَاؤُهَا . وَقَالَ مُحَمَّد بْن عَلِيّ التِّرْمِذِيّ : الْبُكَاء إِدْرَار الشَّيْء فَإِذَا أَدَرَّتْ الْعَيْن بِمَائِهَا قِيلَ بَكَتْ , وَإِذَا أَدَرَّتْ السَّمَاء بِحُمْرَتِهَا قِيلَ بَكَتْ , وَإِذَا أَدَرَّتْ الْأَرْض بِغَبَرَتِهَا قِيلَ بَكَتْ ; لِأَنَّ الْمُؤْمِن نُور وَمَعَهُ نُور اللَّه ; فَالْأَرْض مُضِيئَة بِنُورِهِ وَإِنْ غَابَ عَنْ عَيْنَيْك , فَإِنْ فَقَدَتْ نُور الْمُؤْمِن اِغْبَرَّتْ فَدَرَّتْ بِاغْبِرَارِهَا ; لِأَنَّهَا كَانَتْ غَبْرَاء بِخَطَايَا أَهْل الشِّرْك , وَإِنَّمَا صَارَتْ مُضِيئَة بِنُورِ الْمُؤْمِن ; فَإِذَا قُبِضَ الْمُؤْمِن مِنْهَا دَرَّتْ بِغَبَرَتِهَا . وَقَالَ أَنَس : لَمَّا كَانَ الْيَوْم الَّذِي دَخَلَ فِيهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة أَضَاءَ كُلّ شَيْء , فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الَّذِي قُبِضَ فِيهِ أَظْلَمَ كُلّ شَيْء , وَإِنَّا لَفِي دَفْنه مَا نَفَضْنَا الْأَيْدِي مِنْهُ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبنَا . وَأَمَّا بُكَاء السَّمَاء فَحُمْرَتهَا كَمَا قَالَ الْحَسَن . وَقَالَ نَصْر بْن عَاصِم : إِنَّ أَوَّل الْآيَات حُمْرَة تَظْهَر , وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِدُنُوِّ السَّاعَة , فَتُدِرّ بِالْبُكَاءِ لِخَلَائِهَا مِنْ أَنْوَار الْمُؤْمِنِينَ . وَقِيلَ : بُكَاؤُهَا أَمَارَة تَظْهَر مِنْهَا تَدُلّ عَلَى أَسَف وَحُزْن . قُلْت : وَالْقَوْل الْأَوَّل أَظْهَر ; إِذْ لَا اِسْتِحَالَة فِي ذَلِكَ . وَإِذَا كَانَتْ السَّمَوَات وَالْأَرْض تُسَبِّح وَتَسْمَع وَتَتَكَلَّم كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي " الْإِسْرَاء وَمَرْيَم وحم وَفُصِّلَتْ " فَكَذَلِكَ تَبْكِي , مَعَ مَا جَاءَ مِنْ الْخَبَر فِي ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم بِصَوَابِ هَذِهِ الْأَقْوَال .'; $TAFSEER['4']['44']['30'] = 'يَعْنِي مَا كَانَتْ الْقِبْط تَفْعَل بِهِمْ بِأَمْرِ فِرْعَوْن , مِنْ قَتْل الْأَبْنَاء وَاسْتِخْدَام النِّسَاء , وَاسْتِعْبَادهمْ إِيَّاهُمْ وَتَكَلُّفهمْ الْأَعْمَال الشَّاقَّة .'; $TAFSEER['4']['44']['31'] = '" مِنْ فِرْعَوْن " بَدَل مِنْ " الْعَذَاب الْمُهِين " فَلَا تَتَعَلَّق " مِنْ " بِقَوْلِهِ : " مِنْ الْعَذَاب " لِأَنَّهُ قَدْ وُصِفَ , وَهُوَ لَا يَعْمَل بَعْد الْوَصْف عَمَل الْفِعْل . وَقِيلَ : أَيْ أَنْجَيْنَاهُمْ مِنْ الْعَذَاب وَمِنْ فِرْعَوْن . " إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنْ الْمُسْرِفِينَ " أَيْ جَبَّارًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ . وَلَيْسَ هَذَا عُلُوّ مَدْح بَلْ هُوَ عُلُوّ فِي الْإِسْرَاف . كَقَوْلِهِ : " إِنَّ فِرْعَوْن عَلَا فِي الْأَرْض " [ الْقَصَص : 4 ] . وَقِيلَ : هَذَا الْعُلُوّ هُوَ التَّرَفُّع عَنْ عِبَادَة اللَّه .'; $TAFSEER['4']['44']['32'] = 'يَعْنِي بَنِي إِسْرَائِيل . أَيْ عَلَى عِلْم مِنَّا بِهِمْ لِكَثْرَةِ الْأَنْبِيَاء مِنْهُمْ . أَيْ عَالَمِي زَمَانهمْ , بِدَلِيلِ قَوْله لِهَذِهِ الْأُمَّة : " كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ " [ آل عِمْرَان : 110 ] . وَهَذَا قَوْل قَتَادَة وَغَيْره . وَقِيلَ : عَلَى كُلّ الْعَالَمِينَ بِمَا جَعَلَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْبِيَاء . وَهَذَا خَاصَّة لَهُمْ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ ; حَكَاهُ اِبْن عِيسَى وَالزَّمَخْشَرِيّ وَغَيْرهمَا . وَيَكُون قَوْله : " كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة " أَيْ بَعْد بَنِي إِسْرَائِيل . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقِيلَ : يَرْجِع هَذَا الِاخْتِيَار إِلَى تَخْلِيصهمْ مِنْ الْغَرَق وَإِيرَاثهمْ الْأَرْض بَعْد فِرْعَوْن .'; $TAFSEER['4']['44']['33'] = 'أَيْ مِنْ الْمُعْجِزَات لِمُوسَى . قَالَ قَتَادَة : الْآيَات إِنْجَاؤُهُمْ مِنْ فِرْعَوْن وَفَلْق الْبَحْر لَهُمْ , وَتَظْلِيل الْغَمَام عَلَيْهِمْ وَإِنْزَال الْمَنّ وَالسَّلْوَى . وَيَكُون هَذَا الْخِطَاب مُتَوَجِّهًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل . وَقِيلَ : إِنَّهَا الْعَصَا وَالْيَد . وَيُشْبِه أَنْ يَكُون قَوْل الْفَرَّاء . وَيَكُون الْخِطَاب مُتَوَجِّهًا إِلَى قَوْم فِرْعَوْن . وَقَوْل ثَالِث : إِنَّهُ الشَّرّ الَّذِي كَفَّهُمْ عَنْهُ وَالْخَبَر الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ ; قَالَهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد . وَيَكُون الْخِطَاب مُتَوَجِّهًا إِلَى الْفَرِيقَيْنِ مَعًا مِنْ قَوْم فِرْعَوْن وَبَنِي إِسْرَائِيل . وَفِي قَوْله : " بَلَاء مُبِين " أَرْبَعَة أَوْجُه : أَحَدهَا : نِعْمَة ظَاهِرَة ; قَالَهُ الْحَسَن وَقَتَادَة . كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاء حَسَنًا " [ الْأَنْفَال : 17 ] . وَقَالَ زُهَيْر : فَأَبْلَاهُمَا خَيْر الْبَلَاء الَّذِي يَبْلُو الثَّانِي : عَذَاب شَدِيد ; قَالَهُ الْفَرَّاء . الثَّالِث : اِخْتِبَار يَتَمَيَّز بِهِ الْمُؤْمِن مِنْ الْكَافِر ; قَالَهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد . وَعَنْهُ أَيْضًا : اِبْتِلَاؤُهُمْ بِالرَّخَاءِ وَالشِّدَّة ; ثُمَّ قَرَأَ " وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فِتْنَة " [ الْأَنْبِيَاء : 35 ] .'; $TAFSEER['4']['44']['34'] = 'يَعْنِي , كُفَّار قُرَيْش'; $TAFSEER['4']['44']['35'] = 'اِبْتِدَاء وَخَبَر ; مِثْل : " إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتك " [ الْأَعْرَاف : 155 ] , " إِنَّ هِيَ إِلَّا حَيَاتنَا الدُّنْيَا " [ الْمُؤْمِنُونَ : 37 ] أَيْ بِمَبْعُوثِينَ . وَالْمَنْشُورُونَ الْمَبْعُوثُونَ . أَنْشَرَ اللَّه الْمَوْتَى فَنُشِرُوا . وَقَدْ تَقَدَّمَ .'; $TAFSEER['4']['44']['36'] = 'قِيلَ : إِنَّ قَائِل هَذَا مِنْ كُفَّار قُرَيْش أَبُو جَهْل , قَالَ : يَا مُحَمَّد , إِنْ كُنْت صَادِقًا فِي قَوْلك فَابْعَثْ لَنَا رَجُلَيْنِ مِنْ آبَائِنَا : أَحَدهمَا : قُصَيّ بْن كِلَاب فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلًا صَادِقًا ; لِنَسْأَلهُ عَمَّا يَكُون بَعْد الْمَوْت . وَهَذَا الْقَوْل مِنْ أَبِي جَهْل مِنْ أَضْعَف الشُّبُهَات ; لِأَنَّ الْإِعَادَة إِنَّمَا هِيَ لِلْجَزَاءِ لَا لِلتَّكْلِيفِ ; فَكَأَنَّهُ قَالَ : إِنْ كُنْت صَادِقًا فِي إِعَادَتهمْ لِلْجَزَاءِ فَأَعِدْهُمْ لِلتَّكْلِيفِ . وَهُوَ كَقَوْلِ قَائِل : لَوْ قَالَ إِنْ كَانَ يَنْشَأ بَعْدنَا قَوْم مِنْ الْأَبْنَاء ; فَلِمَ لَا يَرْجِع مَنْ مَضَى مِنْ الْآبَاء ; حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ . ثُمَّ قِيلَ : " فَأْتُوا بِآبَائِنَا " مُخَاطَبَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْده ; كَقَوْلِهِ : " رَبّ اِرْجِعُونِ " [ الْمُؤْمِنُونَ : 99 ] قَالَهُ الْفَرَّاء . وَقِيلَ : مُخَاطَبَة لَهُ وَلِأَتْبَاعِهِ .'; $TAFSEER['4']['44']['37'] = 'هَذَا اِسْتِفْهَام إِنْكَار ; أَيْ إِنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ فِي هَذَا الْقَوْل الْعَذَاب ; إِذْ لَيْسُوا خَيْرًا مِنْ قَوْم تُبَّع وَالْأُمَم الْمُهْلِكَة , وَإِذَا أَهْلَكْنَا أُولَئِكَ فَكَذَا هَؤُلَاءِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَهُمْ أَظْهَر نِعْمَة وَأَكْثَر أَمْوَالًا أَمْ قَوْم تُبَّع . وَقِيلَ : أَهُمْ أَعَزّ وَأَشَدّ وَأَمْنَع أَمْ قَوْم تُبَّع . وَلَيْسَ الْمُرَاد بِتُبَّعٍ رَجُلًا وَاحِدًا بَلْ الْمُرَاد بِهِ مُلُوك الْيَمَن ; فَكَانُوا يُسَمُّونَ مُلُوكهمْ التَّبَابِعَة . فَتُبَّع لَقَب لِلْمَلِكِ مِنْهُمْ كَالْخَلِيفَةِ لِلْمُسْلِمِينَ , وَكِسْرَى لِلْفُرْسِ , وَقَيْصَر لِلرُّومِ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : سُمِّيَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ تُبَّاعًا لِأَنَّهُ يَتْبَع صَاحِبه . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَالتَّبَابِعَة مُلُوك الْيَمَن , وَاحِدهمْ تُبَّع . وَالتُّبَّع أَيْضًا الظِّلّ ; وَقَالَ : يَرِد الْمِيَاه حَضِيرَة وَنَفِيضَة وِرْد الْقَطَاة إِذَا اِسْمَأَلَّ التُّبَّع وَالتُّبَّع أَيْضًا ضَرْب مِنْ الطَّيْر . وَقَالَ السُّهَيْلِيّ : تُبَّع اِسْم لِكُلِّ مَلِك مَلَكَ الْيَمَن وَالشِّحْر وَحَضْرَمَوْت . وَإِنْ مَلَكَ الْيَمَن وَحْدهَا لَمْ يَقُلْ لَهُ تُبَّع ; قَالَهُ الْمَسْعُودِيّ . فَمِنْ التَّبَابِعَة : الْحَارِث الرَّائِش وَهُوَ اِبْن هَمَّال ذِي سُدَد . وَأَبْرَهَة ذُو الْمَنَار . وَعَمْرو ذُو الْأَذْعَار . وَشِمْر بْن مَالِك , الَّذِي تُنْسَب إِلَيْهِ سَمَرْقَنْد . وَأَفْرِيقِيس بْن قَيْس , الَّذِي سَاقَ الْبَرْبَر إِلَى أَفْرِيقِيَّة مِنْ أَرْض كَنْعَان , وَبِهِ سُمِّيَتْ إِفْرِيقِيَة . وَالظَّاهِر مِنْ الْآيَات : أَنَّ اللَّه سُبْحَانه إِنَّمَا أَرَادَ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ , وَكَانَتْ الْعَرَب تَعْرِفهُ بِهَذَا الِاسْم أَشَدّ مِنْ مَعْرِفَة غَيْره ; وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( وَلَا أَدْرِي أَتُبَّع لَعِين أَمْ لَا ) . ثُمَّ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : ( لَا تَسُبُّوا تُبَّعًا فَإِنَّهُ كَانَ مُؤْمِنًا ) فَهَذَا يَدُلّك عَلَى أَنَّهُ كَانَ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ ; وَهُوَ - وَاَللَّه أَعْلَم - أَبُو كَرْب الَّذِي كَسَا الْبَيْت بَعْدَمَا أَرَادَ غَزْوه , وَبَعْدَمَا غَزَا الْمَدِينَة وَأَرَادَ خَرَابهَا , ثُمَّ اِنْصَرَفَ عَنْهَا لَمَّا أُخْبِرَ أَنَّهَا مُهَاجَر نَبِيّ اِسْمه أَحْمَد . وَقَالَ شِعْرًا أَوْدَعَهُ عِنْد أَهْلهَا ; فَكَانُوا يَتَوَارَثُونَهُ كَابِرًا عَنْ كَابِر إِلَى أَنْ هَاجَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدَّوْهُ إِلَيْهِ . وَيُقَال : كَانَ الْكِتَاب وَالشِّعْر عِنْد أَبِي أَيُّوب خَالِد بْن زَيْد . وَفِيهِ : شَهِدْت عَلَى أَحْمَد أَنَّهُ رَسُول مِنْ اللَّه بَارِي النَّسَمْ فَلَوْ مُدَّ عُمْرِي إِلَى عُمْره لَكُنْت وَزِيرًا لَهُ وَابْن عَمْ وَذَكَرَ الزَّجَّاج وَابْن أَبِي الدُّنْيَا وَالزَّمَخْشَرِيّ وَغَيْرهمْ أَنَّهُ حُفِرَ قَبْر لَهُ بِصَنْعَاء - وَيُقَال بِنَاحِيَةِ حِمْيَر - فِي الْإِسْلَام , فَوُجِدَ فِيهِ اِمْرَأَتَانِ صَحِيحَتَانِ , وَعِنْد رُءُوسهمَا لَوْح مِنْ فِضَّة مَكْتُوب فِيهِ بِالذَّهَبِ " هَذَا قَبْر حُبَّى وَلَمِيس " وَيُرْوَى أَيْضًا : " حُبَّى وَتُمَاضِر " وَيُرْوَى أَيْضًا : " هَذَا قَبْر رَضْوَى وَقَبْر حُبَّى اِبْنَتَا تُبَّع , مَاتَتَا وَهُمَا يَشْهَدَانِ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَلَا يُشْرِكَانِ بِهِ شَيْئًا ; وَعَلَى ذَلِكَ مَاتَ الصَّالِحُونَ قَبْلهمَا " . قُلْت : وَرَوَى اِبْن إِسْحَاق وَغَيْره أَنَّهُ كَانَ فِي الْكِتَاب الَّذِي كَتَبَهُ : ( أَمَّا بَعْد , فَإِنِّي آمَنْت بِك وَبِكِتَابِك الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْك , وَأَنَا عَلَى دِينك وَسُنَّتك , وَآمَنْت بِرَبِّك وَرَبّ كُلّ شَيْء , وَآمَنْت بِكُلِّ مَا جَاءَ مِنْ رَبّك مِنْ شَرَائِع الْإِسْلَام ; فَإِنْ أَدْرَكْتُك فَبِهَا وَنِعْمَتْ , وَإِنْ لَمْ أُدْرِكك فَاشْفَعْ لِي وَلَا تَنْسَنِي يَوْم الْقِيَامَة , فَإِنِّي مِنْ أُمَّتك الْأَوَّلِينَ وَبَايَعْتُك قَبْل مَجِيئِك , وَأَنَا عَلَى مِلَّتك وَمِلَّة أَبِيك إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام " . ثُمَّ خَتَمَ الْكِتَاب وَنَقَشَ عَلَيْهِ : " لِلَّهِ الْأَمْر مِنْ قَبْل وَمِنْ بَعْد " [ الرُّوم : 4 ] . وَكَتَبَ عَلَى عِنْوَانه ( إِلَى مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه نَبِيّ اللَّه وَرَسُوله , خَاتَم النَّبِيِّينَ وَرَسُول رَبّ الْعَالَمِينَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . مِنْ تُبَّع الْأَوَّل . وَقَدْ ذَكَرْنَا بَقِيَّة خَبَره وَأَوَّله فِي " اللُّمَع اللُّؤْلُئِيَّة شَرْح الْعَشْر بَيِّنَات النَّبَوِيَّة " لِلْفَارَابِيِّ رَحِمَهُ اللَّه . وَكَانَ مِنْ الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ تُبَّع إِلَى الْيَوْم الَّذِي بُعِثَ فِيهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْف سَنَة لَا يَزِيد وَلَا يَنْقُص . وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ نَبِيًّا أَوْ مَلِكًا ; فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ تُبَّع نَبِيًّا . وَقَالَ كَعْب : كَانَ تُبَّع مَلِكًا مِنْ الْمُلُوك , وَكَانَ قَوْمه كُهَّانًا وَكَانَ مَعَهُمْ قَوْم مِنْ أَهْل الْكِتَاب , فَأَمَرَ الْفَرِيقَيْنِ أَنْ يُقَرِّب كُلّ فَرِيق مِنْهُمْ قُرْبَانًا فَفَعَلُوا , فَتُقُبِّلَ قُرْبَان أَهْل الْكِتَاب فَأَسْلَمَ , وَقَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : لَا تَسُبُّوا تُبَّعًا فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا . وَحَكَى قَتَادَة أَنَّ تُبَّعًا كَانَ رَجُلًا مِنْ حِمْيَر , سَارَ بِالْجُنُودِ حَتَّى عَبَرَ الْحِيرَة وَأَتَى سَمَرْقَنْد فَهَدَمَهَا ; حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَحَكَى الثَّعْلَبِيّ عَنْ قَتَادَة أَنَّهُ تُبَّع الْحِمْيَرِيّ , وَكَانَ سَارَ بِالْجُنُودِ حَتَّى عَبَرَ الْحِيرَة . وَبَنَى سَمَرْقَنْد وَقَتَلَ وَهَدَمَ الْبِلَاد . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : تُبَّع هُوَ أَبُو كَرْب أَسْعَد بْن مَلِك يَكْرِب , وَإِنَّمَا سُمِّيَ تُبَّعًا لِأَنَّهُ تَبِعَ مَنْ قَبْله . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : هُوَ الَّذِي كَسَا الْبَيْت الْحِبَرَات . وَقَالَ كَعْب : ذَمَّ اللَّه قَوْمه وَلَمْ يَذُمّهُ , وَضَرَبَ بِهِمْ لِقُرَيْشٍ مِثْلًا لِقُرْبِهِمْ مِنْ دَارهمْ وَعِظَمهمْ فِي نُفُوسهمْ ; فَلَمَّا أَهْلَكَهُمْ اللَّه تَعَالَى وَمَنْ قَبْلهمْ - لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ - كَانَ مَنْ أَجْرَمَ مَعَ ضَعْف الْيَد وَقِلَّة الْعَدَد أَحْرَى بِالْهَلَاكِ . وَافْتَخَرَ أَهْل الْيَمَن بِهَذِهِ الْآيَة , إِذْ جَعَلَ اللَّه قَوْم تُبَّع خَيْرًا مِنْ قُرَيْش . وَقِيلَ : سُمِّيَ أَوَّلهمْ تُبَّعًا لِأَنَّهُ اِتَّبَعَ قَرْن الشَّمْس وَسَافَرَ فِي الشَّرْق مَعَ الْعَسَاكِر . " الَّذِينَ " فِي مَوْضِع رَفْع عَطْف عَلَى " قَوْم تُبَّع " . " أَهْلَكْنَاهُمْ " صِلَته . وَيَكُون " مِنْ قَبْلهمْ " مُتَعَلِّقًا بِهِ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " مِنْ قَبْلهمْ " صِلَة " الَّذِينَ " وَيَكُون فِي الظَّرْف عَائِد إِلَى الْمَوْصُول . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ " أَهْلَكْنَاهُمْ " عَلَى أَحَد أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يُقَدَّر مَعَهُ " قَدْ " فَيَكُون فِي مَوْضِع الْحَال . أَوْ يُقَدَّر حَذْف مَوْصُوف ; كَأَنَّهُ قَالَ : قَوْم أَهْلَكْنَاهُمْ . وَالتَّقْدِير أَفَلَا تَعْتَبِرُونَ أَنَّا إِذَا قَدَرْنَا عَلَى إِهْلَاك هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ قَدَرْنَا عَلَى إِهْلَاك الْمُشْرِكِينَ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " وَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ " اِبْتِدَاء خَبَره " أَهْلَكْنَاهُمْ " . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " الَّذِينَ " فِي مَوْضِع جَرّ عَطْفًا عَلَى " تُبَّع " كَأَنَّهُ قَالَ : قَوْم تُبَّع الْمُهْلِكِينَ مِنْ قَبْلهمْ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " الَّذِينَ " فِي مَوْضِع نَصْب بِإِضْمَارِ فِعْل دَلَّ عَلَيْهِ " أَهْلَكْنَاهُمْ " . وَاَللَّه أَعْلَم .'; $TAFSEER['4']['44']['38'] = 'أَيْ غَافِلِينَ , قَالَهُ مُقَاتِل . وَقِيلَ : لَاهِينَ ; وَهُوَ قَوْل الْكَلْبِيّ .'; $TAFSEER['4']['44']['39'] = 'أَيْ إِلَّا بِالْأَمْرِ الْحَقّ ; قَالَهُ مُقَاتِل . وَقِيلَ : إِلَّا لِلْحَقِّ ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ وَالْحَسَن . وَقِيلَ : إِلَّا لِإِقَامَةِ الْحَقّ لِإِظْهَارِهِ مِنْ تَوْحِيد اللَّه وَالْتِزَام طَاعَته . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْأَنْبِيَاء " . " وَلَكِنَّ أَكْثَرهمْ " يَعْنِي أَكْثَر النَّاس " لَا يَعْلَمُونَ " ذَلِكَ .'; $TAFSEER['4']['44']['40'] = '" يَوْم الْفَصْل " هُوَ يَوْم الْقِيَامَة ; وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى يَفْصِل فِيهِ بَيْن خَلْقه دَلِيله قَوْله تَعَالَى " لَنْ تَنْفَعكُمْ أَرْحَامكُمْ وَلَا أَوْلَادكُمْ يَوْم الْقِيَامَة يَفْصِل بَيْنكُمْ " [ الْمُمْتَحِنَة : 3 ] . وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى : " وَيَوْم تَقُوم السَّاعَة يَوْمئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ " [ الرُّوم : 14 ] . ف " يَوْم الْفَصْل " مِيقَات الْكُلّ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : " إِنَّ يَوْم الْفَصْل كَانَ مِيقَاتًا " [ النَّبَأ : 17 ] أَيْ الْوَقْت الْمَجْعُول لِتَمْيِيزِ الْمُسِيء مِنْ الْمُحْسِن , وَالْفَصْل بَيْنهمَا : فَرِيق فِي الْجَنَّة وَفَرِيق فِي السَّعِير . وَهَذَا غَايَة فِي التَّحْذِير وَالْوَعِيد . وَلَا خِلَاف بَيْن الْقُرَّاء فِي رَفْع " مِيقَاتهمْ " عَلَى أَنَّهُ خَبَر " إِنَّ " وَاسْمهَا " يَوْم الْفَصْل " . وَأَجَازَ الْكِسَائِيّ , وَالْفَرَّاء نَصْب " مِيقَاتهمْ " . ب " إِنَّ " و " يَوْم الْفَصْل " ظَرْف فِي مَوْضِع خَبَر " إِنَّ " ; أَيْ إِنَّ مِيقَاتهمْ يَوْم الْفَصْل .'; $TAFSEER['4']['44']['41'] = '" يَوْم " بَدَل مِنْ " يَوْم " الْأَوَّل . وَالْمَوْلَى : الْوَلِيّ وَهُوَ اِبْن الْعَمّ وَالنَّاصِر . أَيْ لَا يَدْفَع اِبْن عَمّ عَنْ اِبْن عَمّه , وَلَا قَرِيب عَنْ قَرِيبه , وَلَا صَدِيق عَنْ صَدِيقه . أَيْ لَا يَنْصُر الْمُؤْمِن الْكَافِر لِقَرَابَتِهِ . وَنَظِير هَذِهِ الْآيَة : " وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا " [ الْبَقَرَة : 48 ] الْآيَة .'; $TAFSEER['4']['44']['42'] = '" مَنْ " رُفِعَ عَلَى الْبَدَل مِنْ الْمُضْمَر فِي " يُنْصَرُونَ " ; كَأَنَّك قُلْت : لَا يَقُوم أَحَد إِلَّا فُلَان . أَوْ عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر مُضْمَر ; كَأَنَّهُ قَالَ : إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّه فَمَغْفُور لَهُ ; أَوْ فَيُغْنِي عَنْهُ وَيَشْفَع وَيَنْصُر . أَوْ عَلَى الْبَدَل مِنْ " مَوْلًى " الْأَوَّل ; كَأَنَّهُ قَالَ : لَا يُغْنِي إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّه . وَهُوَ عِنْد الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء نُصِبَ عَلَى الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطِع ; أَيْ لَكِنْ مَنْ رَحِمَ اللَّه لَا يَنَالهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى مَنْ يُغْنِيهِمْ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون اِسْتِثْنَاء مُتَّصِلًا ; أَيْ لَا يُغْنِي قَرِيب عَنْ قَرِيب إِلَّا الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ يُؤْذَن لَهُمْ فِي شَفَاعَة بَعْضهمْ لِبَعْضٍ . أَيْ الْمُنْتَقِم مِنْ أَعْدَائِهِ الرَّحِيم بِأَوْلِيَائِهِ ; كَمَا قَالَ : " شَدِيد الْعِقَاب ذِي الطَّوْل " [ غَافِر : 3 ] فَقَرَنَ الْوَعْد بِالْوَعِيدِ .'; $TAFSEER['4']['44']['43'] = 'كُلّ مَا فِي كِتَاب اللَّه تَعَالَى مِنْ ذِكْر الشَّجَرَة فَالْوَقْف عَلَيْهِ بِالْهَاءِ ; إِلَّا حَرْفًا وَاحِدًا فِي سُورَة الدُّخَان " إِنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم . طَعَام الْأَثِيم " ; قَالَهُ اِبْن الْأَنْبَارِيّ . وَشَجَرَة الزَّقُّوم : الشَّجَرَة الَّتِي خَلَقَهَا اللَّه فِي جَهَنَّم وَسَمَّاهَا الشَّجَرَة الْمَلْعُونَة , فَإِذَا جَاعَ أَهْل النَّار اِلْتَجَئُوا إِلَيْهَا فَأَكَلُوا مِنْهَا , فَغَلِيَتْ فِي بُطُونهمْ كَمَا يَغْلِي الْمَاء الْحَارّ . وَشَبَّهَ مَا يَصِير مِنْهَا إِلَى بُطُونهمْ بِالْمُهْلِ , وَهُوَ النُّحَاس الْمُذَاب . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " تَغْلِي " بِالتَّاءِ حَمْلًا عَلَى الشَّجَرَة . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَحَفْص وَابْن مُحَيْصِن وَرُوَيْس عَنْ يَعْقُوب " يَغْلِي " بِالْيَاءِ حَمْلًا عَلَى الطَّعَام ; وَهُوَ فِي مَعْنَى الشَّجَرَة . وَلَا يُحْمَل عَلَى الْمُهْل لِأَنَّهُ ذُكِرَ لِلتَّشْبِيهِ .'; $TAFSEER['4']['44']['44'] = '" الْأَثِيم " الْفَاجِر ; قَالَهُ أَبُو الدَّرْدَاء . وَكَذَلِكَ قَرَأَ هُوَ وَابْن مَسْعُود . وَقَالَ هَمَّام بْن الْحَارِث : كَانَ أَبُو الدَّرْدَاء يُقْرِئ رَجُلًا " إِنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم طَعَام الْأَثِيم " وَالرَّجُل يَقُول : طَعَام الْيَتِيم , فَلَمَّا لَمْ يَفْهَم قَالَ لَهُ : " طَعَام الْفَاجِر " . قَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا نَصْر قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد قَالَ حَدَّثَنَا نُعَيْم بْن حَمَّاد عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد عَنْ اِبْن عَجْلَان عَنْ عَوْن بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة بْن مَسْعُود قَالَ : عَلَّمَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود رَجُلًا " إِنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم . طَعَام الْأَثِيم " فَقَالَ الرَّجُل : طَعَام الْيَتِيم , فَأَعَادَ عَلَيْهِ عَبْد اللَّه الصَّوَاب وَأَعَادَ الرَّجُل الْخَطَأ , فَلَمَّا رَأَى عَبْد اللَّه أَنَّ لِسَان الرَّجُل لَا يَسْتَقِيم عَلَى الصَّوَاب قَالَ لَهُ : أَمَا تُحْسِن أَنْ تَقُول طَعَام الْفَاجِر ؟ قَالَ بَلَى , قَالَ فَافْعَلْ . وَلَا حُجَّة فِي هَذَا لِلْجُهَّالِ مِنْ أَهْل الزَّيْغ , أَنَّهُ يَجُوز إِبْدَال الْحَرْف مِنْ الْقُرْآن بِغَيْرِهِ , لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ مِنْ عَبْد اللَّه تَقْرِيبًا لِلْمُتَعَلِّمِ , وَتَوْطِئَة مِنْهُ لَهُ لِلرُّجُوعِ إِلَى الصَّوَاب , وَاسْتِعْمَال الْحَقّ وَالتَّكَلُّم بِالْحَرْفِ عَلَى إِنْزَال اللَّه وَحِكَايَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ : " وَبِهَذَا يُسْتَدَلّ عَلَى أَنَّ إِبْدَال كَلِمَة مَكَان كَلِمَة جَائِز إِذَا كَانَتْ مُؤَدِّيَة مَعْنَاهَا . وَمِنْهُ أَجَازَ أَبُو حَنِيفَة الْقِرَاءَة بِالْفَارِسِيَّةِ عَلَى شَرِيطَة , وَهِيَ أَنْ يُؤَدِّي الْقَارِئ الْمَعَانِي عَلَى كَمَالِهَا مِنْ غَيْر أَنْ يَخْرِم مِنْهَا شَيْئًا . قَالُوا : وَهَذِهِ الشَّرِيطَة تَشْهَد أَنَّهَا إِجَازَة كَلَا إِجَازَة ; لِأَنَّ فِي كَلَام الْعَرَب خُصُوصًا فِي الْقُرْآن الَّذِي هُوَ مُعْجِز بِفَصَاحَتِهِ وَغَرَابَة نَظْمه وَأَسَالِيبه , مِنْ لَطَائِف الْمَعَانِي وَالْأَغْرَاض مَا لَا يَسْتَقِلّ بِأَدَائِهِ لِسَان مِنْ فَارِسِيَّة وَغَيْرهَا , وَمَا كَانَ أَبُو حَنِيفَة رَحِمَهُ اللَّه يُحْسِن الْفَارِسِيَّة , فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ عَنْ تَحَقُّق وَتَبَصُّر . وَرَوَى عَلِيّ بْن الْجَعْد عَنْ أَبِي يُوسُف عَنْ أَبِي حَنِيفَة مِثْل قَوْل صَاحِبَيْهِ فِي إِنْكَار الْقِرَاءَة بِالْفَارِسِيَّةِ " . و " الْأَثِيم " الْآثِم ; مِنْ أَثِمَ يَأْثَم إِثْمًا ; قَالَ الْقُشَيْرِيّ وَابْن عِيسَى . وَقِيلَ هُوَ الْمُشْرِك الْمُكْتَسِب لِلْإِثْمِ ; قَالَهُ يَحْيَى بْن سَلَّام . وَفِي الصِّحَاح : قَدْ أَثِمَ الرَّجُل ( بِالْكَسْرِ ) إِثْمًا وَمَأْثَمًا إِذَا وَقَعَ فِي الْإِثْم , فَهُوَ آثِم وَأَثِيم وَأَثُوم أَيْضًا . فَمَعْنَى " طَعَام الْأَثِيم " أَيْ ذِي الْإِثْم الْفَاجِر , وَهُوَ أَبُو جَهْل . وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ : يَعِدنَا مُحَمَّد أَنَّ فِي جَهَنَّم الزَّقُّوم , وَإِنَّمَا هُوَ الثَّرِيد بِالزُّبْدِ وَالتَّمْر , فَبَيَّنَ اللَّه خِلَاف مَا قَالَهُ . وَحَكَى النَّقَّاش عَنْ مُجَاهِد أَنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم أَبُو جَهْل . قُلْت : وَهَذَا لَا يَصِحّ عَنْ مُجَاهِد . وَهُوَ مَرْدُود بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذِهِ الشَّجَرَة فِي سُورَة " الصَّافَّات وَالْإِسْرَاء " أَيْضًا'; $TAFSEER['4']['44']['45'] = 'وَشَجَرَة الزَّقُّوم خَلَقَهَا اللَّه فِي جَهَنَّم وَسَمَّاهَا الشَّجَرَة الْمَلْعُونَة , فَإِذَا جَاعَ أَهْل النَّار اِلْتَجَئُوا إِلَيْهَا فَأَكَلُوا مِنْهَا , فَغَلِيَتْ فِي بُطُونهمْ كَمَا يَغْلِي الْمَاء الْحَارّ . وَشَبَّهَ مَا يَصِير مِنْهَا إِلَى بُطُونهمْ بِالْمُهْلِ , وَهُوَ النُّحَاس الْمُذَاب . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " تَغْلِي " بِالتَّاءِ حَمْلًا عَلَى الشَّجَرَة . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَحَفْص وَابْن مُحَيْصِن وَرُوَيْس عَنْ يَعْقُوب " يَغْلِي " بِالْيَاءِ حَمْلًا عَلَى الطَّعَام ; وَهُوَ فِي مَعْنَى الشَّجَرَة . وَلَا يُحْمَل عَلَى الْمَهْل لِأَنَّهُ ذُكِرَ لِلتَّشْبِيهِ .'; $TAFSEER['4']['44']['46'] = 'كَغَلْيِ الْمَاء الْحَارّ'; $TAFSEER['4']['44']['47'] = 'أَيْ يُقَال لِلزَّبَانِيَةِ خُذُوهُ ; يَعْنِي الْأَثِيم . أَيْ جُرُّوهُ وَسُوقُوهُ . وَالْعُتُلّ : أَنْ تَأْخُذ بِتَلَابِيب الرَّجُل فَتَعْتِلهُ , أَيْ تَجُرّهُ إِلَيْك لِتَذْهَب بِهِ إِلَى حَبْس أَوْ بَلِيَّة . عَتَلْت الرَّجُل أَعْتِلهُ وَأَعْتُلُهُ عَتْلًا إِذَا جَذَبْته جَذْبًا عَنِيفًا . وَرَجُل , مِعْتَل ( بِالْكَسْرِ ) . وَقَالَ يَصِف فَرَسًا : نَفْرَعهُ فَرْعًا وَلَسْنَا نَعْتِلهُ وَفِيهِ لُغَتَانِ ; عَتَلَهُ وَعَتَنَهُ ( بِاللَّامِ وَالنُّون جَمِيعًا ) , قَالَهُ اِبْن السِّكِّيت . وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ وَأَبُو عَمْرو " فَاعْتِلُوهُ " بِالْكَسْرِ . وَضَمَّ الْبَاقُونَ . وَسَط الْجَحِيم .'; $TAFSEER['4']['44']['48'] = 'قَالَ مُقَاتِل : يَضْرِب مَالِك خَازِن النَّار ضَرْبَة . عَلَى رَأْس أَبِي جَهْل بِمَقْمَعٍ مِنْ حَدِيد , فَيَتَفَتَّت رَأْسه عَنْ دِمَاغه , فَيَجْرِي دِمَاغه عَلَى جَسَده , ثُمَّ يَصُبّ الْمَلَك فِيهِ مَاء حَمِيمًا قَدْ اِنْتَهَى حَرّه فَيَقَع فِي بَطْنه ; فَيَقُول الْمَلَك : ذُقْ الْعَذَاب . وَنَظِيره " يُصَبّ مِنْ فَوْق رُءُوسهمْ الْحَمِيم " [ الْحَجّ : 19 ] .'; $TAFSEER['4']['44']['49'] = 'قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : أَجْمَعَتْ الْعَوَامّ عَلَى كَسْر " إِنَّ " وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن عَنْ عَلِيّ رَحِمَهُ اللَّه " ذُقْ أَنَّك " بِفَتْحِ " أَنَّ " , وَبِهَا قَرَأَ الْكِسَائِيّ . فَمَنْ كَسَرَ " إِنَّ " وَقَفَ عَلَى ذُقْ " . وَمَنْ فَتَحَهَا لَمْ يَقِف عَلَى " ذُقْ " ; لِأَنَّ الْمَعْنَى ذُقْ لِأَنَّك وَبِأَنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْكَرِيم . قَالَ قَتَادَة : نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْل وَكَانَ قَدْ قَالَ : مَا فِيهَا أَعَزّ مِنِّي وَلَا أَكْرَم ; فَلِذَلِكَ قِيلَ لَهُ : " ذُقْ إِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْكَرِيم " . وَقَالَ عِكْرِمَة : اِلْتَقَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو جَهْل فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه أَمَرَنِي أَنْ أَقُول لَك أَوْلَى لَك فَأَوْلَى ) فَقَالَ : بِأَيِّ شَيْء تُهَدِّدنِي ! وَاَللَّه مَا تَسْتَطِيع أَنْتَ وَلَا رَبّك أَنْ تَفْعَلَا بِي شَيْئًا , إِنِّي لَمِنْ أَعَزّ هَذَا الْوَادِي وَأَكْرَمه عَلَى قَوْمه ; فَقَتَلَهُ اللَّه يَوْم بَدْر وَأَذَلَّهُ وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . أَيْ يَقُول لَهُ الْمَلَك : ذُقْ إِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْكَرِيم بِزَعْمِك . وَقِيلَ : هُوَ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِخْفَاف وَالتَّوْبِيخ وَالِاسْتِهْزَاء وَالْإِهَانَة وَالتَّنْقِيص ; أَيْ قَالَ لَهُ : إِنَّك أَنْتَ الذَّلِيل الْمُهَان . وَهُوَ كَمَا قَالَ قَوْم شُعَيْب لِشُعَيْبٍ : " إِنَّك لَأَنْتَ الْحَلِيم الرَّشِيد " [ هُود : 87 ] يَعْنُونَ السَّفِيه الْجَاهِل فِي أَحَد التَّأْوِيلَات عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَهَذَا قَوْل سَعِيد بْن جُبَيْر .'; $TAFSEER['4']['44']['50'] = 'أَيْ تَقُول لَهُمْ الْمَلَائِكَة : إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ تَشُكُّونَ فِيهِ فِي الدُّنْيَا .'; $TAFSEER['4']['44']['51'] = 'لَمَّا ذَكَرَ مُسْتَقَرّ الْكَافِرِينَ وَعَذَابهمْ ذَكَرَ نُزُل الْمُؤْمِنِينَ وَنَعِيمهمْ . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامِر " فِي مُقَام " بِضَمِّ الْمِيم . الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ . قَالَ الْكِسَائِيّ : الْمُقَام الْمَكَان , وَالْمُقَام الْإِقَامَة , كَمَا قَالَ : عَفَتْ الدِّيَار مَحَلّهَا فَمُقَامهَا قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَأَمَّا الْمَقَام وَالْمُقَام فَقَدْ يَكُون كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا بِمَعْنَى الْإِقَامَة , وَقَدْ يَكُون بِمَعْنَى مَوْضِع الْقِيَام ; لِأَنَّك إِذَا جَعَلْته مِنْ قَامَ يَقُوم فَمَفْتُوح , وَإِنْ جَعَلْته مِنْ أَقَامَ يُقِيم فَمَضْمُوم , لِأَنَّ الْفِعْل إِذَا جَاوَزَ الثَّلَاث فَالْمَوْضِع مَضْمُوم الْمِيم , لِأَنَّهُ مُشَبَّه بِبَنَاتِ الْأَرْبَعَة , نَحْو دَحْرَجَ وَهَذَا مُدَحْرِجنَا . وَقِيلَ : الْمَقَام ( بِالْفَتْحِ ) الْمَشْهَد وَالْمَجْلِس , و ( بِالضَّمِّ ) يُمْكِن أَنْ يُرَاد بِهِ الْمَكَان , وَيُمْكِن أَنْ يَكُون مَصْدَرًا وَيُقَدَّر فِيهِ الْمُضَاف , أَيْ فِي مَوْضِع إِقَامَة . " أَمِين " يُؤْمِن فِيهِ مِنْ الْآفَات'; $TAFSEER['4']['44']['52'] = 'بَدَل " مِنْ مَقَام أَمِين " .'; $TAFSEER['4']['44']['53'] = 'لَا يَرَى بَعْضهمْ قَفَا بَعْض , مُتَوَاجِهِينَ يَدُور بِهِمْ مَجْلِسهمْ حَيْثُ دَارُوا . وَالسُّنْدُس : مَا رَقَّ مِنْ الدِّيبَاج . وَالْإِسْتَبْرَق : مَا غَلُظَ مِنْهُ . وَقَدْ مَضَى فِي " الْكَهْف " .'; $TAFSEER['4']['44']['54'] = 'أَيْ الْأَمْر كَذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ . فَيُوقَف عَلَى " كَذَلِكَ " . وَقِيلَ : أَيْ كَمَا أَدْخَلْنَاهُمْ الْجَنَّة وَفَعَلْنَا بِهِمْ مَا تَقَدَّمَ ذِكْره , كَذَلِكَ أَكْرَمْنَاهُمْ بِأَنْ وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي الْعِين فِي " وَالصَّافَّات " . وَالْحُور : الْبِيض ; فِي قَوْل قَتَادَة وَالْعَامَّة , جَمْع حَوْرَاء . وَالْحَوْرَاء : الْبَيْضَاء الَّتِي يُرَى سَاقهَا مِنْ وَرَاء ثِيَابهَا , وَيَرَى النَّاظِر وَجْهه فِي كَعْبهَا ; كَالْمِرْآةِ مِنْ دِقَّة الْجِلْد وَبَضَاضَة الْبَشَرَة وَصَفَاء اللَّوْن . وَدَلِيل , هَذَا التَّأْوِيل أَنَّهَا فِي حَرْف اِبْن مَسْعُود " بِعِيسٍ عِين " . وَذَكَرَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن الْحُسَيْن قَالَ حَدَّثَنَا حُسَيْن قَالَ حَدَّثَنَا عَمَّار بْن مُحَمَّد قَالَ : صَلَّيْت خَلْف مَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر فَقَرَأَ فِي " حم " الدُّخَان " بِعِيسٍ عِين . لَا يَذُوقُونَ طَعْم الْمَوْت إِلَّا الْمَوْتَة الْأُولَى " . وَالْعِيس : الْبِيض ; وَمِنْهُ قِيلَ لِلْإِبِلِ الْبِيض : عِيس , وَاحِدهَا بَعِير أَعْيَس وَنَاقَة عَيْسَاء . قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : يَرُعْنَ إِلَى صَوْتِي إِذَا مَا سَمِعْنَهُ كَمَا تَرْعَوِي عِيط إِلَى صَوْت أَعْيَسَا فَمَعْنَى الْحُور هُنَا : الْحِسَان الثَّاقِبَات الْبَيَاض بِحُسْنٍ . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون الْأَوْدِيّ عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : إِنَّ الْمَرْأَة مِنْ الْحُور الْعِين لَيُرَى مُخّ سَاقهَا مِنْ وَرَاء اللَّحْم وَالْعَظْم , وَمِنْ تَحْت سَبْعِينَ حُلَّة , كَمَا يُرَى الشَّرَاب الْأَحْمَر فِي الزُّجَاجَة الْبَيْضَاء . وَقَالَ مُجَاهِد : إِنَّمَا سُمِّيَتْ الْحُور حُورًا لِأَنَّهُنَّ يَحَار الطَّرْف فِي حُسْنهنَّ وَبَيَاضهنَّ وَصَفَاء لَوْنهنَّ . وَقِيلَ : إِنَّمَا قِيلَ لَهُنَّ حُور لِحُورِ أَعْيُنهنَّ . وَالْحُور : شِدَّة بَيَاض الْعَيْن فِي شِدَّة سَوَادهَا . اِمْرَأَة حَوْرَاء بَيِّنَة الْحُور . يُقَال : اِحْوَرَّتْ عَيْنه اِحْوِرَارًا , وَاحْوَرَّ الشَّيْء اِبْيَضَّ . قَالَ الْأَصْمَعِيّ : مَا أَدْرِي مَا الْحُور فِي الْعِين ؟ وَقَالَ أَبُو عَمْرو : الْحُور أَنْ تَسْوَدّ الْعَيْن كُلّهَا مِثْل أَعْيُن الظِّبَاء وَالْبَقَر . قَالَ : وَلَيْسَ فِي بَنِي آدَم حُور ; وَإِنَّمَا قِيلَ لِلنِّسَاءِ : حُور الْعِين لِأَنَّهُنَّ يُشْبِهْنَ بِالظِّبَاءِ وَالْبَقَر . وَقَالَ الْعَجَّاج : بِأَعْيُنٍ مُحَوَّرَات حُور يَعْنِي الْأَعْيُن النَّقِيَّات الْبَيَاض الشَّدِيدَات سَوَاد الْحَدْق . وَالْعِين جَمْع عَيْنَاء ; وَهِيَ الْوَاسِعَة الْعَظِيمَة الْعَيْنَيْنِ . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مُهُور الْحُور الْعِين قَبَضَات التَّمْر وَفِلَق الْخُبْز ) . وَعَنْ أَبِي قِرْصَافَة سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( إِخْرَاج الْقُمَامَة مِنْ الْمَسْجِد مُهُور الْحُور الْعِين ) . وَعَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كَنْس الْمَسَاجِد مُهُور الْحُور الْعِين ) ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ رَحِمَهُ اللَّه . وَقَدْ أَفْرَدْنَا لِهَذَا الْمَعْنَى بَابًا مُفْرَدًا فِي ( كِتَاب التَّذْكِرَة ) وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَاخْتُلِفَ أَيّمَا أَفْضَل فِي الْجَنَّة ; نِسَاء الْآدَمِيَّات أَمْ الْحُور ؟ فَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك قَالَ : وَأَخْبَرَنَا رِشْدِين عَنْ اِبْن أَنْعُم عَنْ حِبَّان بْن أَبِي جَبَلَة قَالَ : إِنَّ نِسَاء الْآدَمِيَّات مَنْ دَخَلَ مِنْهُنَّ الْجَنَّة فُضِّلْنَ عَلَى الْحُور الْعِين بِمَا عَمِلْنَ فِي الدُّنْيَا . وَرُوِيَ مَرْفُوعًا إِنَّ ( الْآدَمِيَّات أَفْضَل مِنْ الْحُور الْعِين بِسَبْعِينَ أَلْف ضِعْف ) . وَقِيلَ : إِنَّ الْحُور الْعِين أَفْضَل ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام فِي دُعَائِهِ : ( وَأَبْدِلْهُ زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجه ) . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَرَأَ عِكْرِمَة " بِحُورِ عِين " مُضَاف . وَالْإِضَافَة وَالتَّنْوِين فِي " بِحُورٍ عِين " سَوَاء .'; $TAFSEER['4']['44']['55'] = 'قَالَ قَتَادَة : " آمِنِينَ " مِنْ الْمَوْت وَالْوَصَب وَالشَّيْطَان . وَقِيلَ : آمِنِينَ مِنْ اِنْقِطَاع مَا هُمْ فِيهِ مِنْ النَّعِيم , أَوْ مِنْ أَنْ يَنَالهُمْ مِنْ أَكْلهَا أَذًى أَوْ مَكْرُوه .'; $TAFSEER['4']['44']['56'] = 'أَيْ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْت الْبَتَّة لِأَنَّهُمْ خَالِدُونَ فِيهَا . ثُمَّ قَالَ : " إِلَّا الْمَوْتَة الْأُولَى " عَلَى الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطِع ; أَيْ لَكِنَّ الْمَوْتَة الْأُولَى قَدْ ذَاقُوهَا فِي الدُّنْيَا . وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ : مَنْ كَانَ أَسْرَعَ فِي تَفَرُّق فَالِج فَلَبُونه جَرِبَتْ مَعًا وَأَغَدَّتِ ثُمَّ اِسْتَثْنَى بِمَا لَيْسَ مِنْ الْأَوَّل فَقَالَ : إِلَّا كَنَاشِرَةِ الَّذِي ضَيَّعْتُمْ كَالْغُصْنِ فِي غُلَوَائِهِ الْمُتَنَبَّت وَقِيلَ : إِنَّ " إِلَّا " بِمَعْنَى بَعْد ; كَقَوْلِك : مَا كَلَّمْت رَجُلًا الْيَوْم إِلَّا رَجُلًا عِنْدك , أَيْ بَعْد رَجُل عِنْدك . وَقِيلَ : " إِلَّا " بِمَعْنَى سِوَى , أَيْ سِوَى الْمَوْتَة الَّتِي مَاتُوهَا فِي الدُّنْيَا , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاء إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ " [ النِّسَاء : 22 ] . وَهُوَ كَمَا تَقُول : مَا ذُقْت الْيَوْم طَعَامًا سِوَى مَا أَكَلْت أَمْس . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : " إِلَّا الْمَوْتَة الْأُولَى " مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُؤْمِن إِذَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْت اِسْتَقْبَلَتْهُ مَلَائِكَة الرَّحْمَة وَيَلْقَى الرَّوْح وَالرَّيْحَان , وَكَانَ مَوْته فِي الْجَنَّة لِاتِّصَافِهِ بِأَسْبَابِهَا , فَهُوَ اِسْتِثْنَاء صَحِيح . وَالْمَوْت عَرَض لَا يُذَاق , وَلَكِنْ جُعِلَ كَالطَّعَامِ الَّذِي يُكْرَه ذَوْقه , فَاسْتُعِيرَ فِيهِ لَفْظ الذَّوْق . " وَوَقَاهُمْ عَذَاب الْجَحِيم . فَضْلًا مِنْ رَبّك " أَيْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ تَفَضُّلًا مِنْهُ عَلَيْهِمْ . ف " فَضْلًا " مَصْدَر عَمَل فِيهِ " يَدْعُونَ " . وَقِيلَ : الْعَامِل فِيهِ " وَوَقَاهُمْ " وَقِيلَ : فِعْل مُضْمَر . وَقِيلَ : مَعْنَى الْكَلَام الَّذِي قَبْله , لِأَنَّهُ تَفَضُّل مِنْهُ عَلَيْهِمْ , إِذْ وَفَّقَهُمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى أَعْمَال يَدْخُلُونَ بِهَا الْجَنَّة .'; $TAFSEER['4']['44']['57'] = 'أَيْ السَّعَادَة وَالرِّبْح الْعَظِيم وَالنَّجَاة الْعَظِيمَة . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْلك فَازَ بِكَذَا , أَيْ نَالَهُ وَظَفِرَ بِهِ .'; $TAFSEER['4']['44']['58'] = 'يَعْنِي الْقُرْآن , أَيْ سَهَّلْنَاهُ بِلُغَتِك عَلَيْك وَعَلَى مَنْ يَقْرَؤُهُ ( لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) أَيْ يَتَّعِظُونَ وَيَنْزَجِرُونَ . وَنَظِيره : " وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر " [ الْقَمَر : 17 ] فَخَتَمَ السُّورَة بِالْحَثِّ عَلَى اِتِّبَاع الْقُرْآن وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا , كَمَا قَالَ فِي مُفْتَتَح السُّورَة : " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مُبَارَكَة " [ الدُّخَان : 3 ] , " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقَدْر " [ الْقَدْر : 1 ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ .'; $TAFSEER['4']['44']['59'] = 'أَيْ اِنْتَظِرْ مَا وَعَدْتُك مِنْ النَّصْر عَلَيْهِمْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ لَك الْمَوْت ; حَكَاهُ النَّقَّاش . وَقِيلَ : اِنْتَظِرْ الْفَتْح مِنْ رَبّك إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ بِزَعْمِهِمْ قَهْرك . وَقِيلَ : اِنْتَظِرْ أَنْ يَحْكُم اللَّه بَيْنك وَبَيْنهمْ فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَ بِك رَيْب الْحَدَثَانِ . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . وَقِيلَ : اِرْتَقِبْ مَا وَعَدْتُك مِنْ الثَّوَاب فَإِنَّهُمْ كَالْمُنْتَظِرِينَ لِمَا وَعَدْتهمْ مِنْ الْعِقَاب . وَقِيلَ : اِرْتَقِبْ يَوْم الْقِيَامَة فَإِنَّهُ يَوْم الْفَصْل , وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدُوا وُقُوع الْقِيَامَة , جُعِلُوا كَالْمُرْتَقِبِينَ لِأَنَّ عَاقِبَتهمْ ذَلِكَ . وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم .'; $TAFSEER['4']['45']['1'] = 'سُورَة الْجَاثِيَة مَكِّيَّة كُلّهَا فِي قَوْل الْحَسَن وَجَابِر وَعِكْرِمَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة : إِلَّا آيَة , هِيَ " قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّام اللَّه " [ الْجَاثِيَة : 14 ] نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقَالَ الْمَهْدَوِيّ وَالنَّحَّاس عَنْ اِبْن عَبَّاس : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , شَتَمَهُ رَجُل مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّة قَبْل الْهِجْرَة . فَأَرَادَ أَنْ يَبْطِش بِهِ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّام اللَّه " [ الْجَاثِيَة : 14 ] ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ : " فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ " [ التَّوْبَة : 5 ] . فَالسُّورَة كُلّهَا مَكِّيَّة عَلَى هَذَا مِنْ غَيْر خِلَاف . وَهِيَ سَبْع وَثَلَاثُونَ آيَة . وَقِيلَ سِتّ . اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ ; فَقَالَ عِكْرِمَة : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( " حم " اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى وَهِيَ مَفَاتِيح خَزَائِن رَبّك ) قَالَ اِبْن عَبَّاس : " حم " اِسْم اللَّه الْأَعْظَم . وَعَنْهُ : " الر " و " حم " و " ن " حُرُوف الرَّحْمَن مُقَطَّعَة . وَعَنْهُ أَيْضًا : اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى أَقْسَمَ بِهِ . وَقَالَ قَتَادَة : إِنَّهُ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . مُجَاهِد : فَوَاتِح السُّوَر . وَقَالَ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ : الْحَاء اِفْتِتَاح اِسْمه حَمِيد وَحَنَّان وَحَلِيم وَحَكِيم , وَالْمِيم اِفْتِتَاح اِسْمه مَلِك وَمَجِيد وَمَنَّان وَمُتَكَبِّر وَمُصَوِّر ; يَدُلّ عَلَيْهِ مَا رَوَى أَنَس أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا " حم " فَإِنَّا لَا نَعْرِفهَا فِي لِسَاننَا ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَدْء أَسْمَاء وَفَوَاتِح سُوَر ) وَقَالَ الضَّحَّاك وَالْكِسَائِيّ : مَعْنَاهُ قُضِيَ مَا هُوَ كَائِن . كَأَنَّهُ أَرَادَ الْإِشَارَة إِلَى تَهَجِّي " حم " ; لِأَنَّهَا تَصِير حُمّ بِضَمِّ الْحَاء وَتَشْدِيد الْمِيم ; أَيْ قُضِيَ وَوَقَعَ . وَقَالَ كَعْب بْن مَالِك : فَلَمَّا تَلَاقَيْنَاهُمْ وَدَارَتْ بِنَا الرَّحَى وَلَيْسَ لِأَمْرٍ حَمَّهُ اللَّه مَدْفَعُ وَعَنْهُ أَيْضًا : إِنَّ الْمَعْنَى حم أَمْر اللَّه أَيْ قَرُبَ ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : قَدْ حُمَّ يَوْمِي فَسُرَّ قَوْم قَوْم بِهِمْ غَفْلَة وَنَوْمُ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْحُمَّى ; لِأَنَّهَا تُقَرِّب مِنْ الْمَنِيَّة . وَالْمَعْنَى الْمُرَاد قُرْب نَصْره لِأَوْلِيَائِهِ , وَانْتِقَامه مِنْ أَعْدَائِهِ كَيَوْمِ بَدْر . وَقِيلَ : حُرُوف هِجَاء ; قَالَ الْجَرْمِيّ : وَلِهَذَا تُقْرَأ سَاكِنَة الْحُرُوف فَخَرَجَتْ مَخْرَج التَّهَجِّي وَإِذَا سُمِّيَتْ سُورَة بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوف أُعْرِبَتْ ; فَتَقُول : قَرَأْت " حم " فَتَنْصِب ; قَالَ الشَّاعِر : يُذَكِّرنِي حَامِيم وَالرُّمْح شَاجِر فَهَلَّا تَلَا حَامِيم قَبْل التَّقَدُّم وَقَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر الثَّقَفِيّ : " حم " بِفَتْحِ الْمِيم عَلَى مَعْنَى اِقْرَأْ حم أَوْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ . اِبْن أَبِي إِسْحَاق وَأَبُو السَّمَّال بِكَسْرِهَا . وَالْإِمَالَة وَالْكَسْر لِلِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ , أَوْ عَلَى وَجْه الْقَسَم . وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر بِقَطْعِ الْحَاء مِنْ الْمِيم . الْبَاقُونَ بِالْوَصْلِ . وَكَذَلِكَ فِي " حم . عسق " . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَأَبُو بَكْر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَخَلَف وَابْن ذَكْوَان بِالْإِمَالَةِ فِي الْحَاء . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرو بَيْن اللَّفْظَيْنِ وَهِيَ قِرَاءَة نَافِع وَأَبِي جَعْفَر وَشَيْبَة . الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ مُشْبَعًا .'; $TAFSEER['4']['45']['2'] = '" حم " مُبْتَدَأ و " تَنْزِيل " خَبَره . وَقَالَ بَعْضهمْ : " حم " اِسْم السُّورَة . و " تَنْزِيل الْكِتَاب " مُبْتَدَأ . وَخَبَره " مِنْ اللَّه " . وَالْكِتَاب الْقُرْآن . الْمَنِيع . الْحَكِيم فِي فِعْله'; $TAFSEER['4']['45']['3'] = 'أَيْ فِي خَلْقهمَا'; $TAFSEER['4']['45']['4'] = '" وَمَا يَبُثّ مِنْ دَابَّة آيَات " وَتَصْرِيف الرِّيَاح آيَات " بِالرَّفْعِ فِيهِمَا . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ بِكَسْرِ التَّاء فِيهِمَا . وَلَا خِلَاف فِي الْأَوَّل أَنَّهُ بِالنَّصْبِ عَلَى اِسْم " إِنَّ " وَخَبَرهَا " فِي السَّمَوَات " . وَوَجْه الْكَسْر فِي " آيَات " الثَّانِي الْعَطْف عَلَى مَا عَمِلَتْ فِيهِ ; التَّقْدِير : إِنَّ فِي خَلْقكُمْ وَمَا يَبُثّ مِنْ دَابَّة آيَات . فَأَمَّا الثَّالِث فَقِيلَ : إِنَّ وَجْه النَّصْب فِيهِ تَكْرِير " آيَات " لَمَّا طَالَ الْكَلَام ; كَمَا تَقُول : ضَرَبَ زَيْدًا زَيْدًا . وَقِيلَ : إِنَّهُ عَلَى الْحَمْل عَلَى مَا عَمِلْت فِيهِ " إِنَّ " عَلَى تَقْدِير حَذْف " فِي " ; التَّقْدِير : وَفِي اِخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار آيَات . فَحُذِفَتْ " فِي " لِتَقَدُّمِ ذِكْرهَا . وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ فِي الْحَذْف : أَكُلّ اِمْرِئٍ تَحْسِبِينَ اِمْرَأً وَنَارًا تُوقِد بِاللَّيْلِ نَارَا فَحَذَفَ " كُلّ " الْمُضَاف إِلَى نَار الْمَجْرُورَة لِتَقَدُّمِ ذِكْرهَا . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ بَاب الْعَطْف عَلَى عَامِلَيْنِ . وَلَمْ يُجِزْهُ سِيبَوَيْهِ , وَأَجَازَهُ الْأَخْفَش وَجَمَاعَة مِنْ الْكُوفِيِّينَ ; فَعَطَفَ " وَاخْتِلَاف " عَلَى قَوْله : ( وَفِي خَلْقكُمْ ) ثُمَّ قَالَ : ( وَتَصْرِيف الرِّيَاح آيَات ) فَيَحْتَاج إِلَى الْعَطْف عَلَى عَامِلَيْنِ , وَالْعَطْف عَلَى عَامِلَيْنِ قَبِيح مِنْ أَجْل أَنَّ حُرُوف الْعَطْف تَنُوب مَنَاب الْعَامِل , فَلَمْ تَقْوَ أَنْ تَنُوب مَنَاب عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ; إِذْ لَوْ نَابَ مَنَاب رَافِع وَنَاصِب لَكَانَ رَافِعًا نَاصِبًا فِي حَال . وَأَمَّا قِرَاءَة الرَّفْع فَحَمْلًا عَلَى مَوْضِع " إِنَّ " مَعَ مَا عَمِلَتْ فِيهِ . وَقَدْ أَلْزَمَ النَّحْوِيُّونَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا الْعَطْف عَلَى عَامِلَيْنِ ; لِأَنَّهُ عَطْف " وَاخْتِلَاف " عَلَى " وَفِي خَلْقكُمْ " , وَعَطَفَ " آيَات " عَلَى مَوْضِع " آيَات " الْأَوَّل , وَلَكِنَّهُ يُقَدَّر عَلَى تَكْرِير " فِي " . وَيَجُوز أَنْ يُرْفَع عَلَى الْقَطْع مِمَّا قَبْله فَيُرْفَع بِالِابْتِدَاءِ , وَمَا قَبْله خَبَره , وَيَكُون عَطْف جُمْلَة عَلَى جُمْلَة . وَحَكَى الْفَرَّاء رَفْع " وَاخْتِلَاف " و " آيَات " جَمِيعًا , وَجَعَلَ الِاخْتِلَاف هُوَ الْآيَات .'; $TAFSEER['4']['45']['5'] = 'يَعْنِي الْمَطَر " وَتَصْرِيف الرِّيَاح آيَات " بِالرَّفْعِ وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ بِكَسْرِ التَّاء فِيهِمَا . وَلَا خِلَاف فِي الْأَوَّل أَنَّهُ بِالنَّصْبِ عَلَى اِسْم " إِنَّ " وَخَبَرهَا " فِي السَّمَوَات " . وَوَجْه الْكَسْر فِي " آيَات " الثَّانِي الْعَطْف عَلَى مَا عَمِلَتْ فِيهِ ; التَّقْدِير : إِنَّ فِي خَلْقكُمْ وَمَا يَبُثّ مِنْ دَابَّة آيَات . فَأَمَّا الثَّالِث فَقِيلَ : إِنَّ وَجْه النَّصْب فِيهِ تَكْرِير " آيَات " لَمَّا طَالَ الْكَلَام ; كَمَا تَقُول : ضَرَبَ زَيْدًا زَيْدًا . وَقِيلَ : إِنَّهُ عَلَى الْحَمْل عَلَى مَا عَمِلَتْ فِيهِ " إِنَّ " عَلَى تَقْدِير حَذْف " فِي " ; التَّقْدِير : وَفِي اِخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار آيَات . فَحُذِفَتْ " فِي " لِتَقَدُّمِ ذِكْرهَا . وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ فِي الْحَذْف : أَكُلّ اِمْرِئٍ تَحْسِبِينَ اِمْرَأً وَنَارًا تُوقِد بِاللَّيْلِ نَارَا فَحَذَفَ " كُلّ " الْمُضَاف إِلَى نَار الْمَجْرُورَة لِتَقَدُّمِ ذِكْرهَا . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ بَاب الْعَطْف عَلَى عَامِلَيْنِ . وَلَمْ يُجِزْهُ سِيبَوَيْهِ , وَأَجَازَهُ الْأَخْفَش وَجَمَاعَة مِنْ الْكُوفِيِّينَ ; فَعَطَفَ " وَاخْتِلَاف " عَلَى قَوْله : ( وَفِي خَلْقكُمْ ) ثُمَّ قَالَ : ( وَتَصْرِيف الرِّيَاح آيَات ) فَيَحْتَاج إِلَى الْعَطْف عَلَى عَامِلَيْنِ , وَالْعَطْف عَلَى عَامِلَيْنِ قَبِيح مِنْ أَجْل أَنَّ حُرُوف الْعَطْف تَنُوب مَنَاب الْعَامِل , فَلَمْ تَقْوَ أَنْ تَنُوب مَنَاب عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ; إِذْ لَوْ نَابَ مَنَاب رَافِع وَنَاصِب لَكَانَ رَافِعًا نَاصِبًا فِي حَال . وَأَمَّا قِرَاءَة الرَّفْع فَحَمْلًا عَلَى مَوْضِع " إِنَّ " مَعَ مَا عَمِلَتْ فِيهِ . وَقَدْ أَلْزَمَ النَّحْوِيُّونَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا الْعَطْف عَلَى عَامِلَيْنِ ; لِأَنَّهُ عَطْف " وَاخْتِلَاف " عَلَى " وَفِي خَلْقكُمْ " , وَعَطَفَ " آيَات " عَلَى مَوْضِع " آيَات " الْأَوَّل , وَلَكِنَّهُ يُقَدَّر عَلَى تَكْرِير " فِي " . وَيَجُوز أَنْ يُرْفَع عَلَى الْقَطْع مِمَّا قَبْله فَيُرْفَع بِالِابْتِدَاءِ , وَمَا قَبْله خَبَره , وَيَكُون عَطْف جُمْلَة عَلَى جُمْلَة . وَحَكَى الْفَرَّاء رَفْع " وَاخْتِلَاف " و " آيَات " جَمِيعًا , وَجَعَلَ الِاخْتِلَاف هُوَ الْآيَات .'; $TAFSEER['4']['45']['6'] = 'أَيْ هَذِهِ آيَات اللَّه أَيْ حُجَجه وَبَرَاهِينه الدَّالَّة عَلَى وَحْدَانِيّته وَقُدْرَته . أَيْ بِالصِّدْقِ الَّذِي لَا بَاطِل وَلَا كَذِب فِيهِ . وَقُرِئَ " يَتْلُوهَا " بِالْيَاءِ . أَيْ بَعْد حَدِيث اللَّه وَقِيلَ بَعْد قُرْآنه وَقِرَاءَة الْعَامَّة بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر . وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن وَأَبُو بَكْر عَنْ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " تُؤْمِنُونَ " بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب .'; $TAFSEER['4']['45']['7'] = '" وَيْل " وَادٍ فِي جَهَنَّم . تَوَعَّدَ مَنْ تَرَكَ الِاسْتِدْلَال بِآيَاتِهِ . وَالْأَفَّاك : الْكَذَّاب . وَالْإِفْك الْكَذِب . ( أَثِيم ) أَيْ مُرْتَكِب لِلْإِثْمِ . وَالْمُرَاد فِيمَا رُوِيَ : النَّضْر بْن الْحَارِث وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ الْحَارِث بْن كَلْدَة . وَحَكَى الثَّعْلَبِيّ أَنَّهُ أَبُو جَهْل وَأَصْحَابه .'; $TAFSEER['4']['45']['8'] = 'يَعْنِي آيَات الْقُرْآن . أَيْ يَتَمَادَى عَلَى كُفْره مُتَعَظِّمًا فِي نَفْسه عَنْ الِانْقِيَاد مَأْخُوذ مِنْ صَرَّ الصُّرَّة إِذَا شَدَّهَا . قَالَ مَعْنَاهُ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . وَقِيلَ : أَصْله مِنْ إِصْرَار الْحِمَار عَلَى الْعَانَة وَهُوَ أَنْ يَنْحَنِي عَلَيْهَا صَارًّا أُذُنَيْهِ . وَ " أَنْ " مِنْ " كَأَنْ " مُخَفَّفَة مِنْ الثَّقِيلَة ; كَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعهَا , وَالضَّمِير ضَمِير الشَّأْن ; كَمَا فِي قَوْله : كَأَنْ ظَبْيَة تَعْطُو إِلَى نَاضِر السَّلَمْ وَمَحَلّ الْجُمْلَة النَّصْب , أَيْ يُصِرّ مِثْل غَيْر السَّامِع . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل " لُقْمَان " الْقَوْل فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَة أَيْ مُؤْلِم .'; $TAFSEER['4']['45']['9'] = 'نَحْو قَوْله فِي الزَّقُّوم : إِنَّهُ الزُّبْد وَالتَّمْر وَقَوْله فِي خَزَنَة جَهَنَّم : إِنْ كَانُوا تِسْعَة عَشَرَ فَأَنَا أَلْقَاهُمْ وَحْدِي . مُذِلّ مُخْزٍ .'; $TAFSEER['4']['45']['10'] = 'أَيْ مِنْ وَرَاء مَا هُمْ فِيهِ مِنْ التَّعَزُّز فِي الدُّنْيَا وَالتَّكَبُّر عَنْ الْحَقّ جَهَنَّم . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : " مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّم " أَيْ أَمَامهمْ , نَظِيره : " مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّم وَيُسْقَى مِنْ مَاء صَدِيد " [ إِبْرَاهِيم : 16 ] أَيْ مِنْ أَمَامه . قَالَ : أَلَيْسَ وَرَائِي إِنْ تَرَاخَتْ مَنِيَّتِي أَدُبّ مَعَ الْوِلْدَان أَزْحَف كَالنَّسْرِ أَيْ مِنْ الْمَال وَالْوَلَد ; نَظِيره : " لَنْ تُغْنِي عَنْهُمْ أَمْوَالهمْ وَلَا أَوْلَادهمْ مِنْ اللَّه شَيْئًا " [ آل عِمْرَان : 10 ] أَيْ مِنْ الْمَال وَالْوَلَد . يَعْنِي الْأَصْنَام . أَيْ دَائِم مُؤْلِم .'; $TAFSEER['4']['45']['11'] = 'اِبْتِدَاء وَخَبَر ; يَعْنِي الْقُرْآن . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : يَعْنِي كُلّ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . أَيْ جَحَدُوا دَلَائِله . الرِّجْز الْعَذَاب ; أَيْ لَهُمْ عَذَاب مِنْ عَذَاب أَلِيم دَلِيله قَوْله تَعَالَى : " فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنْ السَّمَاء " [ الْبَقَرَة : 59 ] أَيْ عَذَابًا . وَقِيلَ : الرِّجْز الْقَذَر مِثْل الرِّجْس ; وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَيُسْقَى مِنْ مَاء صَدِيد " [ إِبْرَاهِيم : 16 ] أَيْ لَهُمْ عَذَاب مِنْ تَجَرُّع الشَّرَاب الْقَذِر . وَضَمَّ الرَّاء مِنْ الرِّجْز اِبْن مُحَيْصِن حَيْثُ وَقَعَ . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَحَفْص " أَلِيم " بِالرَّفْعِ ; عَلَى مَعْنَى لَهُمْ عَذَاب أَلِيم مِنْ رِجْز . الْبَاقُونَ بِالْخَفْضِ نَعْتًا لِلرِّجْزِ .'; $TAFSEER['4']['45']['12'] = 'إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " ذَكَرَ كَمَال قُدْرَته وَتَمَام نِعْمَته عَلَى عِبَاده , وَبَيَّنَ أَنَّهُ خَلَقَ مَا خَلَقَ لِمَنَافِعِهِمْ .'; $TAFSEER['4']['45']['13'] = 'يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ فِعْله وَخَلْقه وَإِحْسَان مِنْهُ وَإِنْعَام . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَالْجَحْدَرِيّ وَغَيْرهمَا " جَمِيعًا مِنَّهًا " بِكَسْرِ الْمِيم وَتَشْدِيد النُّون وَتَنْوِين الْهَاء , مَنْصُوبًا عَلَى الْمَصْدَر . قَالَ أَبُو عَمْرو : وَكَذَلِكَ سَمِعْت مَسْلَمَة يَقْرَؤُهَا " مِنْهُ " أَيْ تَفَضُّلًا وَكَرَمًا . وَعَنْ مَسْلَمَة بْن مُحَارِب أَيْضًا " جَمِيعًا مَنّه " عَلَى إِضَافَة الْمَنّ إِلَى هَاء الْكِنَايَة . وَهُوَ عِنْد أَبِي حَاتِم خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف , أَيْ ذَلِكَ , أَوْ هُوَ مِنْهُ . وَقِرَاءَة الْجَمَاعَة ظَاهِرَة .'; $TAFSEER['4']['45']['14'] = 'جُزِمَ عَلَى جَوَاب " قُلْ " تَشْبِيهًا بِالشَّرْطِ وَالْجَزَاء كَقَوْلِك : قُمْ تُصِبْ خَيْرًا . وَقِيلَ : هُوَ عَلَى حَذْف اللَّام . وَقِيلَ : عَلَى مَعْنَى قُلْ لَهُمْ اِغْفِرُوا يَغْفِرُوا ; فَهُوَ جَوَاب أَمْر مَحْذُوف دَلَّ الْكَلَام عَلَيْهِ ; قَالَهُ عَلِيّ بْن عِيسَى وَاخْتَارَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ . وَنَزَلَتْ الْآيَة بِسَبَبِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْش شَتَمَ عُمَر بْن الْخَطَّاب فَهَمَّ أَنْ يَبْطِش بِهِ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا لَمْ يَصِحّ . وَذَكَرَ الْوَاحِدِيّ وَالْقُشَيْرِيّ وَغَيْرهمَا عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ فِي عُمَر مَعَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ فِي غَزْوَة بَنِي الْمُصْطَلِق , فَإِنَّهُمْ نَزَلُوا عَلَى بِئْر يُقَال لَهَا " الْمُرَيْسِيع " فَأَرْسَلَ عَبْد اللَّه غُلَامه لِيَسْتَقِيَ , وَأَبْطَأَ عَلَيْهِ فَقَالَ : مَا حَبَسَك ؟ قَالَ : غُلَام عُمَر بْن الْخَطَّاب قَعَدَ عَلَى فَم الْبِئْر , فَمَا تَرَكَ أَحَدًا يَسْتَقِي حَتَّى مَلَأَ قِرَب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِرَب أَبِي بَكْر , وَمَلَأَ لِمَوْلَاهُ . فَقَالَ عَبْد اللَّه : مَا مَثَلنَا وَمَثَل هَؤُلَاءِ إِلَّا كَمَا قِيلَ : سَمِّنْ كَلْبك يَأْكُلك . فَبَلَغَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَوْل , فَاشْتَمَلَ عَلَى سَيْفه يُرِيد التَّوَجُّه إِلَيْهِ لِيَقْتُلهُ ; فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة . هَذِهِ رِوَايَة عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَرَوَى عَنْهُ مَيْمُون بْن مِهْرَان قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ " مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا " [ الْبَقَرَة : 245 ] قَالَ يَهُودِيّ بِالْمَدِينَةِ يُقَال لَهُ فِنْحَاص : اِحْتَاجَ رَبّ مُحَمَّد ! قَالَ : فَلَمَّا سَمِعَ عُمَر بِذَلِكَ اِشْتَمَلَ عَلَى سَيْفه وَخَرَجَ فِي طَلَبه ; فَجَاءَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( إِنَّ رَبّك يَقُول لَك قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّام اللَّه ) . وَاعْلَمْ أَنَّ عُمَر قَدْ اِشْتَمَلَ عَلَى سَيْفه وَخَرَجَ فِي طَلَب الْيَهُودِيّ , فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبه , فَلَمَّا جَاءَ قَالَ : ( يَا عُمَر , ضَعْ سَيْفك ) قَالَ : يَا رَسُول اللَّه , صَدَقْت . أَشْهَد أَنَّك أُرْسِلْت بِالْحَقِّ . قَالَ : ( فَإِنَّ رَبّك يَقُول : قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّام اللَّه ) قَالَ : لَا جَرَمَ ! وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا تَرَى الْغَضَب فِي وَجْهِي . قُلْت : وَمَا ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ وَالنَّحَّاس فَهُوَ رِوَايَة الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَهُوَ قَوْل الْقُرَظِيّ وَالسُّدِّيّ , وَعَلَيْهِ يَتَوَجَّه النَّسْخ فِي الْآيَة . وَعَلَى أَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ أَوْ فِي غَزْوَة بَنِي الْمُصْطَلِق فَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ . وَمَعْنَى " يَغْفِرُوا " يَعْفُوا وَيَتَجَاوَزُوا . وَمَعْنَى : " لَا يَرْجُونَ أَيَّام اللَّه " أَيْ لَا يَرْجُونَ ثَوَابه . وَقِيلَ : أَيْ لَا يَخَافُونَ بَأْس اللَّه وَنِقَمه . وَقِيلَ : الرَّجَاء بِمَعْنَى الْخَوْف ; كَقَوْلِهِ : " مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا " [ نُوح : 13 ] أَيْ لَا تَخَافُونَ لَهُ عَظَمَة . وَالْمَعْنَى : لَا تَخْشَوْنَ مِثْل عَذَاب الْأُمَم الْخَالِيَة . وَالْأَيَّام يُعَبَّر بِهَا عَنْ الْوَقَائِع . وَقِيلَ : لَا يَأْمُلُونَ نَصْر اللَّه لِأَوْلِيَائِهِ وَإِيقَاعه بِأَعْدَائِهِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَا يَخَافُونَ الْبَعْث . قِرَاءَة الْعَامَّة " لِيَجْزِيَ " بِالْيَاءِ عَلَى مَعْنَى لِيَجْزِيَ اللَّه . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَابْن عَامِر " لِنَجْزِيَ " بِالنُّونِ عَلَى التَّعْظِيم . وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَالْأَعْرَج وَشَيْبَة " لِيُجْزَى " بِيَاءٍ مَضْمُومَة وَفَتْح الزَّاي عَلَى الْفِعْل الْمَجْهُول , " قَوْمًا " بِالنَّصْبِ . قَالَ أَبُو عَمْرو : وَهَذَا لَحْن ظَاهِر . وَقَالَ الْكِسَائِيّ : مَعْنَاهُ لِيَجْزِيَ الْجَزَاء قَوْمًا , نَظِيره : " وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ " عَلَى قِرَاءَة اِبْن عَامِر وَأَبِي بَكْر فِي سُورَة " الْأَنْبِيَاء " . قَالَ الشَّاعِر : وَلَوْ وَلَدَتْ قَفِيرَة جَرْو كَلْب لَسَبَّ بِذَلِكَ الْجَرْو الْكِلَابَا أَيْ لَسُبَّ السَّبّ .'; $TAFSEER['4']['45']['15'] = '" مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ " شَرْط وَجَوَابه " وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا " شَرْط وَجَوَابه . وَاَللَّه جَلَّ وَعَزَّ مُسْتَغْنٍ عَنْ طَاعَة الْعِبَاد , فَمَنْ أَطَاعَ فَالثَّوَاب لَهُ , وَمَنْ أَسَاءَ فَالْعِقَاب عَلَيْهِ .'; $TAFSEER['4']['45']['16'] = 'يَعْنِي التَّوْرَاة . الْحُكْم : الْفَهْم فِي الْكِتَاب . وَقِيلَ : الْحُكْم عَلَى النَّاس وَالْقَضَاء . وَ " النُّبُوَّة " يَعْنِي الْأَنْبِيَاء مِنْ وَقْت يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى زَمَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام . أَيْ الْحَلَال مِنْ الْأَقْوَات وَالثِّمَار وَالْأَطْعِمَة الَّتِي كَانَتْ بِالشَّامِ . وَقِيلَ : يَعْنِي الْمَنّ وَالسَّلْوَى فِي التِّيه . أَيْ عَلَى عَالَمِي زَمَانهمْ . عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " الدُّخَان " بَيَانه'; $TAFSEER['4']['45']['17'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس : يَعْنِي أَمْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَشَوَاهِد نُبُوَّته بِأَنَّهُ يُهَاجِر مِنْ تِهَامَة إِلَى يَثْرِب , وَيَنْصُرهُ أَهْل يَثْرِب . وَقِيلَ : بَيِّنَات الْأَمْر شَرَائِع وَاضِحَات فِي الْحَلَال وَالْحَرَام وَمُعْجِزَات . يُرِيد يُوشَع بْن نُون ; فَآمَنَ بَعْضهمْ وَكَفَرَ بَعْضهمْ ; حَكَاهُ النَّقَّاش . وَقِيلَ : " إِلَّا مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ الْعِلْم " نُبُوَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا . أَيْ حَسَدًا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; قَالَ مَعْنَاهُ الضَّحَّاك . قِيلَ : مَعْنَى " بَغْيًا " أَيْ بَغَى بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَطْلُب الْفَضْل وَالرِّيَاسَة , وَقَتَلُوا الْأَنْبِيَاء ; فَكَذَا مُشْرِكُو عَصْرك يَا مُحَمَّد , قَدْ جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَات وَلَكِنْ أَعْرَضُوا عَنْهَا لِلْمُنَافَسَةِ فِي الرِّيَاسَة . أَيْ يَحْكُم وَيَفْصِل . فِي الدُّنْيَا .'; $TAFSEER['4']['45']['18'] = 'الشَّرِيعَة فِي اللُّغَة : الْمَذْهَب وَالْمِلَّة . وَيُقَال لِمَشْرَعَةِ الْمَاء - وَهِيَ مَوْرِد الشَّارِبَة - : شَرِيعَة . وَمِنْهُ الشَّارِع لِأَنَّهُ طَرِيق إِلَى الْمَقْصِد . فَالشَّرِيعَة : مَا شَرَعَ اللَّه لِعِبَادِهِ مِنْ الدِّين ; وَالْجَمْع الشَّرَائِع . وَالشَّرَائِع فِي الدِّين : الْمَذَاهِب الَّتِي شَرَعَهَا اللَّه لِخَلْقِهِ . فَمَعْنَى : " جَعَلْنَاك عَلَى شَرِيعَة مِنْ الْأَمْر " أَيْ عَلَى مِنْهَاج وَاضِح مِنْ أَمْر الدِّين يَشْرَع بِك إِلَى الْحَقّ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : " عَلَى شَرِيعَة " أَيْ عَلَى هُدًى مِنْ الْأَمْر . قَتَادَة : الشَّرِيعَة الْأَمْر وَالنَّهْي وَالْحُدُود وَالْفَرَائِض . مُقَاتِل : الْبَيِّنَة ; لِأَنَّهَا طَرِيق إِلَى الْحَقّ . الْكَلْبِيّ : السُّنَّة ; لِأَنَّهُ يَسْتَنّ بِطَرِيقَةِ مَنْ قَبْله مِنْ الْأَنْبِيَاء . اِبْن زَيْد : الدِّين ; لِأَنَّهُ طَرِيق النَّجَاة . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَالْأَمْر يُرَدّ فِي اللُّغَة بِمَعْنَيَيْنِ : أَحَدهمَا : بِمَعْنَى الشَّأْن كَقَوْلِهِ : " فَاتَّبَعُوا أَمْر فِرْعَوْن وَمَا أَمْر فِرْعَوْن بِرَشِيدٍ " [ هُود : 97 ] . وَالثَّانِي : أَحَد أَقْسَام الْكَلَام الَّذِي يُقَابِلهُ النَّهْي . وَكِلَاهُمَا يَصِحّ أَنْ يَكُون مُرَادًا هَاهُنَا ; وَتَقْدِيره : ثُمَّ جَعَلْنَاك عَلَى طَرِيقَة مِنْ الدِّين وَهِيَ مِلَّة الْإِسْلَام ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : " ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْك أَنْ اِتَّبِعْ مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ " [ النَّحْل : 123 ] . وَلَا خِلَاف أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يُغَايِر بَيْن الشَّرَائِع فِي التَّوْحِيد وَالْمَكَارِم وَالْمَصَالِح , وَإِنَّمَا خَالَفَ بَيْنهمَا فِي الْفُرُوع حَسْبَمَا عَلَّمَهُ سُبْحَانه . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : ظَنَّ بَعْض مَنْ يَتَكَلَّم فِي الْعِلْم أَنَّ هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ شَرْع مَنْ قَبْلنَا لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَفْرَدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّته فِي هَذِهِ الْآيَة بِشَرِيعَةٍ , وَلَا نُنْكِر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّته مُنْفَرِدَانِ بِشَرِيعَةٍ , وَإِنَّمَا الْخِلَاف فِيمَا أَخْبَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ مِنْ شَرْع مَنْ قَبْلنَا فِي مَعْرِض الْمَدْح وَالثَّنَاء هَلْ يَلْزَم اِتِّبَاعه أَمْ لَا . يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : قُرَيْظَة وَالنَّضِير . وَعَنْهُ : نَزَلَتْ لَمَّا دَعَتْهُ قُرَيْش إِلَى دِين آبَائِهِ .'; $TAFSEER['4']['45']['19'] = 'أَيْ إِنْ اِتَّبَعْت أَهْوَاءَهُمْ لَا يَدْفَعُونَ عَنْك مِنْ عَذَاب اللَّه شَيْئًا . أَيْ أَصْدِقَاء وَأَنْصَار وَأَحْبَاب . قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد أَنَّ الْمُنَافِقِينَ أَوْلِيَاء الْيَهُود . أَيْ نَاصِرهمْ وَمُعِينهمْ . وَالْمُتَّقُونَ هُنَا : الَّذِينَ اِتَّقَوْا الشِّرْك وَالْمَعَاصِي .'; $TAFSEER['4']['45']['20'] = 'اِبْتِدَاء وَخَبَر ; أَيْ هَذَا الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْك بَرَاهِين وَدَلَائِل وَمَعَالِم لِلنَّاسِ فِي الْحُدُود وَالْأَحْكَام . وَقُرِئَ " هَذِهِ بَصَائِر " أَيْ هَذِهِ الْآيَات . أَيْ رُشْد وَطَرِيق يُؤَدِّي إِلَى الْجَنَّة لِمَنْ أَخَذَ بِهِ . فِي الْآخِرَة'; $TAFSEER['4']['45']['21'] = 'أَنْ اِكْتَسَبُوهَا . وَالِاجْتِرَاح : الِاكْتِسَاب ; وَمِنْهُ الْجَوَارِح , قَالَ الْكَلْبِيّ : " الَّذِينَ اِجْتَرَحُوا " عُتْبَة وَشَيْبَة اِبْنَا رَبِيعَة وَالْوَلِيد بْن عُتْبَة . و " الَّذِينَ آمَنُوا " عَلِيّ وَحَمْزَة وَعُبَيْدَة بْن الْحَارِث - رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ - حِين بَرَزُوا إِلَيْهِمْ يَوْم بَدْر فَقَتَلُوهُمْ . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي قَوْم مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا : إِنَّهُمْ يُعْطَوْنَ فِي الْآخِرَة خَيْرًا مِمَّا يُعْطَاهُ الْمُؤْمِن ; كَمَا أَخْبَرَ الرَّبّ عَنْهُمْ فِي قَوْله : " وَلَئِنْ رَجَعْت إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْده لَلْحُسْنَى " [ فُصِّلَتْ : 50 ] . وَقَوْله : " أَمْ حَسِبَ " اِسْتِفْهَام مَعْطُوف مَعْنَاهُ الْإِنْكَار . وَأَهْل الْعَرَبِيَّة يُجَوِّزُونَ ذَلِكَ مِنْ غَيْر عَطْف إِذَا كَانَ مُتَوَسِّطًا لِلْخِطَابِ . وَقَوْم يَقُولُونَ : فِيهِ إِضْمَار ; أَيْ وَاَللَّه وَلِيّ الْمُتَّقِينَ أَفَيَعْلَم الْمُشْرِكُونَ ذَلِكَ أَمْ حَسِبُوا أَنَّا نُسَوِّي بَيْنهمْ . وَقِيلَ : هِيَ أَمْ الْمُنْقَطِعَة , وَمَعْنَى الْهَمْزَة فِيهَا إِنْكَار الْحُسْبَان . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك أَخْبَرَنَا شُعْبَة عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة عَنْ أَبِي الضُّحَى . عَنْ مَسْرُوق قَالَ : قَالَ رَجُل مِنْ أَهْل مَكَّة : هَذَا مَقَام تَمِيم الدَّارِيّ , لَقَدْ رَأَيْته ذَات لَيْلَة حَتَّى أَصْبَحَ أَوْ قَرُبَ أَنْ يُصْبِح يَقْرَأ آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه وَيَرْكَع وَيَسْجُد وَيَبْكِي " أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اِجْتَرَحُوا السَّيِّئَات أَنْ نَجْعَلهُمْ كَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات " الْآيَة كُلّهَا . وَقَالَ بَشِير : بِتّ عِنْد الرَّبِيع بْن خَيْثَم ذَات لَيْلَة فَقَامَ يُصَلِّي فَمَرَّ بِهَذِهِ الْآيَة فَمَكَثَ لَيْله حَتَّى أَصْبَحَ لَمْ يَعْدُهَا بِبُكَاءٍ شَدِيد . وَقَالَ إِبْرَاهِيم بْن الْأَشْعَث : كَثِيرًا مَا رَأَيْت الْفُضَيْل بْن عِيَاض يُرَدِّد مِنْ أَوَّل اللَّيْل إِلَى آخِره هَذِهِ الْآيَة وَنَظِيرهَا , ثُمَّ يَقُول : لَيْتَ شِعْرِي ! مِنْ أَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَنْتَ ؟ وَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَة تُسَمَّى مَبْكَاة الْعَابِدِينَ لِأَنَّهَا مُحْكَمَة . قَالَ الْكَلْبِيّ : " الَّذِينَ اِجْتَرَحُوا " عُتْبَة وَشَيْبَة اِبْنَا رَبِيعَة وَالْوَلِيد بْن عُتْبَة . و " الَّذِينَ آمَنُوا " عَلِيّ وَحَمْزَة وَعُبَيْدَة بْن الْحَارِث - رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ - حِين بَرَزُوا إِلَيْهِمْ يَوْم بَدْر فَقَتَلُوهُمْ . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي قَوْم مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا : إِنَّهُمْ يُعْطَوْنَ فِي الْآخِرَة خَيْرًا مِمَّا يُعْطَاهُ الْمُؤْمِن ; كَمَا أَخْبَرَ الرَّبّ عَنْهُمْ فِي قَوْله : " وَلَئِنْ رَجَعْت إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْده لَلْحُسْنَى " [ فُصِّلَتْ : 50 ] . وَقَوْله : " أَمْ حَسِبَ " اِسْتِفْهَام مَعْطُوف مَعْنَاهُ الْإِنْكَار . وَأَهْل الْعَرَبِيَّة يُجَوِّزُونَ ذَلِكَ مِنْ غَيْر عَطْف إِذَا كَانَ مُتَوَسِّطًا لِلْخِطَابِ . وَقَوْم يَقُولُونَ : فِيهِ إِضْمَار ; أَيْ وَاَللَّه وَلِيّ الْمُتَّقِينَ أَفَيَعْلَم الْمُشْرِكُونَ ذَلِكَ أَمْ حَسِبُوا أَنَّا نُسَوِّي بَيْنهمْ . وَقِيلَ : هِيَ أَمْ الْمُنْقَطِعَة , وَمَعْنَى الْهَمْزَة فِيهَا إِنْكَار الْحُسْبَان . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك أَخْبَرَنَا شُعْبَة عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة عَنْ أَبِي الضُّحَى . عَنْ مَسْرُوق قَالَ : قَالَ رَجُل مِنْ أَهْل مَكَّة : هَذَا مَقَام تَمِيم الدَّارِيّ , لَقَدْ رَأَيْته ذَات لَيْلَة حَتَّى أُصْبِح أَوْ قَرُبَ أَنْ يُصْبِح يَقْرَأ آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه وَيَرْكَع وَيَسْجُد وَيَبْكِي " أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اِجْتَرَحُوا السَّيِّئَات أَنْ نَجْعَلهُمْ كَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات " الْآيَة كُلّهَا . وَقَالَ بَشِير : بِتّ عِنْد الرَّبِيع بْن خَيْثَم ذَات لَيْلَة فَقَامَ يُصَلِّي فَمَرَّ بِهَذِهِ الْآيَة فَمَكَثَ لَيْله حَتَّى أَصْبَحَ لَمْ يَعْدُهَا بِبُكَاءٍ شَدِيد . وَقَالَ إِبْرَاهِيم بْن الْأَشْعَث : كَثِيرًا مَا رَأَيْت الْفُضَيْل بْن عِيَاض يُرَدِّد مِنْ أَوَّل اللَّيْل إِلَى آخِره هَذِهِ الْآيَة وَنَظِيرهَا , ثُمَّ يَقُول : لَيْتَ شِعْرِي ! مِنْ أَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَنْتَ ؟ وَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَة تُسَمَّى مَبْكَاة الْعَابِدِينَ لِأَنَّهَا مُحْكَمَة . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " سَوَاء " بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَر اِبْتِدَاء مُقَدَّم , أَيْ مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتهمْ سَوَاء . وَالضَّمِير فِي " مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتهمْ " يَعُود عَلَى الْكُفَّار , أَيْ مَحْيَاهُمْ مَحْيَا سُوء وَمَمَاتهمْ كَذَلِكَ . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَالْأَعْمَش " سَوَاء " بِالنَّصْبِ , وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد قَالَ : مَعْنَاهُ نَجْعَلهُمْ سَوَاء . وَقَرَأَ الْأَعْمَش أَيْضًا وَعِيسَى بْن عُمَر " وَمَمَاتهمْ " بِالنَّصْبِ ; عَلَى مَعْنَى سَوَاء فِي مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتهمْ ; فَلَمَّا أَسْقَطَ الْخَافِض اِنْتَصَبَ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون بَدَلًا مِنْ الْهَاء وَالْمِيم فِي نَجْعَلهُمْ ; الْمَعْنَى : أَنْ نَجْعَل مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتهمْ سَوَاء كَمَحْيَا الَّذِينَ آمَنُوا وَمَمَاتهمْ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون الضَّمِير فِي " مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتهمْ " لِلْكَفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا . قَالَ مُجَاهِد : الْمُؤْمِن يَمُوت مُؤْمِنًا وَيُبْعَث مُؤْمِنًا , وَالْكَافِر يَمُوت كَافِرًا وَيُبْعَث كَافِرًا . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك أَخْبَرَنَا شُعْبَة عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة عَنْ أَبِي الضُّحَى . عَنْ مَسْرُوق قَالَ : قَالَ رَجُل مِنْ أَهْل مَكَّة : هَذَا مَقَام تَمِيم الدَّارِيّ , لَقَدْ رَأَيْته ذَات لَيْلَة حَتَّى أَصْبَحَ أَوْ قَرُبَ أَنْ يُصْبِح يَقْرَأ آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه وَيَرْكَع وَيَسْجُد وَيَبْكِي " أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اِجْتَرَحُوا السَّيِّئَات أَنْ نَجْعَلهُمْ كَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات " الْآيَة كُلّهَا . وَقَالَ بَشِير : بِتّ عِنْد الرَّبِيع بْن خَيْثَم ذَات لَيْلَة فَقَامَ يُصَلِّي فَمَرَّ بِهَذِهِ الْآيَة فَمَكَثَ لَيْله حَتَّى أَصْبَحَ لَمْ يَعْدُهَا بِبُكَاءٍ شَدِيد . وَقَالَ إِبْرَاهِيم بْن الْأَشْعَث : كَثِيرًا مَا رَأَيْت الْفُضَيْل بْن عِيَاض يُرَدِّد مِنْ أَوَّل اللَّيْل إِلَى آخِره هَذِهِ الْآيَة وَنَظِيرهَا , ثُمَّ يَقُول : لَيْتَ شِعْرِي ! مِنْ أَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَنْتَ ؟ وَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَة تُسَمَّى مَبْكَاة الْعَابِدِينَ لِأَنَّهَا مُحْكَمَة .'; $TAFSEER['4']['45']['22'] = 'أَيْ بِالْأَمْرِ الْحَقّ . أَيْ وَلِكَيْ تُجْزَى . أَيْ فِي الْآخِرَة .'; $TAFSEER['4']['45']['23'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَقَتَادَة : ذَلِكَ الْكَافِر اِتَّخَذَ دِينه مَا يَهْوَاهُ ; فَلَا يَهْوَى شَيْئًا إِلَّا رَكِبَهُ . وَقَالَ عِكْرِمَة : أَفَرَأَيْت مَنْ جَعَلَ إِلَهه الَّذِي يَعْبُدهُ مَا يَهْوَاهُ أَوْ يَسْتَحْسِنهُ ; فَإِذَا اِسْتَحْسَنَ شَيْئًا وَهَوِيَهُ اِتَّخَذَهُ إِلَهًا . قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : كَانَ أَحَدهمْ يَعْبُد الْحَجَر ; فَإِذَا رَأَى مَا هُوَ أَحْسَن مِنْهُ رَمَى بِهِ وَعَبَدَ الْآخَر . وَقَالَ مُقَاتِل : نَزَلَتْ فِي الْحَارِث بْن قَيْس السَّهْمِيّ أَحَد الْمُسْتَهْزِئِينَ , لِأَنَّهُ كَانَ يَعْبُد مَا تَهْوَاهُ نَفْسه . وَقَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة : إِنَّمَا عَبَدُوا الْحِجَارَة لِأَنَّ الْبَيْت حِجَارَة . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَفَرَأَيْت مَنْ يَنْقَاد لِهَوَاهُ وَمَعْبُوده تَعْجِيبًا لِذَوِي الْعُقُول مِنْ هَذَا الْجَهْل . وَقَالَ الْحَسَن بْن الْفَضْل : فِي هَذِهِ الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير , مَجَازه : أَفَرَأَيْت مَنْ اِتَّخَذَ هَوَاهُ إِلَهه . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : إِنَّمَا سُمِّيَ الْهَوَى هَوًى لِأَنَّهُ يَهْوِي بِصَاحِبِهِ فِي النَّار . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : مَا ذَكَرَ اللَّه هَوًى فِي الْقُرْآن إِلَّا ذَمَّهُ , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَله كَمَثَلِ الْكَلْب " [ الْأَعْرَاف : 176 ] . وَقَالَ تَعَالَى : " وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْره فُرُطًا " [ الْكَهْف : 28 ] . وَقَالَ تَعَالَى : " بَلْ اِتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْم فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّه " [ الرُّوم : 29 ] . وَقَالَ تَعَالَى : " وَمَنْ أَضَلَّ مِمَّنْ اِتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّه " [ الْقَصَص : 50 ] . وَقَالَ تَعَالَى : " وَلَا تَتَّبِع الْهَوَى فَيُضِلّك عَنْ سَبِيل اللَّه " [ ص : 26 ] . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يُؤْمِن أَحَدكُمْ حَتَّى يَكُون هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْت بِهِ " . وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " مَا عُبِدَ تَحْت السَّمَاء إِلَه أَبْغَض إِلَى اللَّه مِنْ الْهَوَى " . وَقَالَ شَدَّاد بْن أَوْس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسه وَعَمِلَ لِمَا بَعْد الْمَوْت . وَالْفَاجِر مَنْ أَتْبَعَ نَفْسه هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّه " . وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : " إِذَا رَأَيْت شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَة وَإِعْجَاب كُلّ ذِي رَأْي بِرَأْيِهِ فَعَلَيْك بِخَاصَّةِ نَفْسك وَدَعْ عَنْك أَمْر الْعَامَّة " . وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ثَلَاث مُهْلِكَات وَثَلَاث مُنْجِيَات فَالْمُهْلِكَات شُحّ مُطَاع وَهَوًى مُتَّبَع وَإِعْجَاب الْمَرْء بِنَفْسِهِ . وَالْمُنْجِيَات خَشْيَة اللَّه فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وَالْقَصْد فِي الْغِنَى وَالْفَقْر وَالْعَدْل فِي الرِّضَا وَالْغَضَب " . وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : إِذَا أَصْبَحَ الرَّجُل اِجْتَمَعَ هَوَاهُ وَعَمَله وَعِلْمه ; فَإِنْ كَانَ عَمَله تَبَعًا لِهَوَاهُ فَيَوْمه يَوْم سُوء , وَإِنْ كَانَ عَمَله تَبَعًا لِعِلْمِهِ فَيَوْمه يَوْم صَالِح . وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ سَمِعْت رَجُلًا يَقُول : إِنَّ الْهَوَان هُوَ الْهَوَى قُلِبَ اِسْمه فَإِذَا هَوِيت فَقَدْ لَقِيت هَوَانَا وَسُئِلَ اِبْن الْمُقَفَّع عَنْ الْهَوَى فَقَالَ : هَوَان سُرِقَتْ نُونه , فَأَخَذَهُ شَاعِر فَنَظَمَهُ وَقَالَ : نُون الْهَوَان مِنْ الْهَوَى مَسْرُوقَة فَإِذَا هَوِيت فَقَدْ لَقِيت هَوَانَا وَقَالَ آخَر : إِنَّ الْهَوَى لَهْوَ الْهَوَان بِعَيْنِهِ فَإِذَا هَوِيت فَقَدْ كَسَبْت هَوَانَا وَإِذَا هَوَيْت فَقَدْ تَعَبَّدَك الْهَوَى فَاخْضَعْ لِحُبِّك كَائِنًا مَنْ كَانَا وَلِعَبْدِ اللَّه بْن الْمُبَارَك : وَمِنْ الْبَلَايَا لِلْبَلَاءِ عَلَامَة أَلَّا يُرَى لَك عَنْ هَوَاك نُزُوع الْعَبْد عَبْد النَّفْس فِي شَهَوَاتهَا وَالْحُرّ يَشْبَع تَارَة وَيَجُوع وَلِابْنِ دُرَيْد : إِذَا طَالَبَتْك النَّفْس يَوْمًا بِشَهْوَةٍ وَكَانَ إِلَيْهَا لِلْخِلَافِ طَرِيق فَدَعْهَا وَخَالِفْ مَا هَوِيت فَإِنَّمَا هَوَاك عَدُوّ وَالْخِلَاف صَدِيق وَلِأَبِي عُبَيْد الطُّوسِيّ : وَالنَّفْس إِنْ أَعْطَيْتهَا مُنَاهَا فَاغِرَة نَحْو هَوَاهَا فَاهَا وَقَالَ أَحْمَد بْن أَبِي الْحَوَارِيّ : مَرَرْت بِرَاهِبٍ فَوَجَدْته نَحِيفًا فَقُلْت لَهُ : أَنْتَ عَلِيل . قَالَ نَعَمْ . قُلْت مُذْ كَمْ ؟ قَالَ : مُذْ عَرَفْت نَفْسِي ! قُلْت فَتَدَاوِي ؟ قَالَ : قَدْ أَعْيَانِي الدَّوَاء وَقَدْ عَزَمْت عَلَى الْكَيّ . قُلْت وَمَا الْكَيّ ؟ قَالَ : مُخَالَفَة الْهَوَى . وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه التُّسْتَرِيّ : هَوَاك دَاؤُك . فَإِنْ خَالَفْته فَدَوَاؤُك . وَقَالَ وَهْب : إِذَا شَكَكْت فِي أَمْرَيْنِ وَلَمْ تَدْرِ خَيْرهمَا فَانْظُرْ أَبْعَدهمَا مِنْ هَوَاك فَأْتِهِ . وَلِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْبَاب فِي ذَمّ الْهَوَى وَمُخَالَفَته كُتُب وَأَبْوَاب أَشَرْنَا إِلَى مَا فِيهِ كِفَايَة مِنْهُ ; وَحَسْبك بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَام رَبّه وَنَهَى النَّفْس عَنْ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّة هِيَ الْمَأْوَى " [ النَّازِعَات : 40 - 41 ] . أَيْ عَلَى عِلْم قَدْ عَلِمَهُ مِنْهُ . وَقِيلَ : أَضَلَّهُ عَنْ الثَّوَاب عَلَى عِلْم مِنْهُ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقّهُ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ عَلَى عِلْم قَدْ سَبَقَ عِنْده أَنَّهُ سَيَضِلُّ . مُقَاتِل : عَلَى عِلْم مِنْهُ أَنَّهُ ضَالّ ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . وَقِيلَ : عَلَى عِلْم مِنْ عَابِد الصَّنَم أَنَّهُ لَا يَنْفَع وَلَا يَضُرّ . ثُمَّ قِيلَ : " عَلَى عِلْم " يَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا مِنْ الْفَاعِل ; الْمَعْنَى : أَضَلَّهُ عَلَى عِلْم مِنْهُ بِهِ , أَيْ أَضَلَّهُ عَالِمًا بِأَنَّهُ مِنْ أَهْل الضَّلَال فِي سَابِق عِلْمه . وَيَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا مِنْ الْمَفْعُول ; فَيَكُون الْمَعْنَى : أَضَلَّهُ فِي حَال عِلْم الْكَافِر بِأَنَّهُ ضَالّ . أَيْ طَبَعَ عَلَى سَمْعه حَتَّى لَا يَسْمَع الْوَعْظ , وَطُبِعَ عَلَى قَلْبه حَتَّى لَا يَفْقَه الْهُدَى . أَيْ غِطَاء حَتَّى لَا يُبْصِر الرُّشْد . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " غَشْوَة " بِفَتْحِ الْغَيْن مِنْ غَيْر أَلِف وَقَدْ مَضَى فِي الْبَقَرَة وَقَالَ الشَّاعِر : أَمَا وَاَلَّذِي أَنَا عَبْد لَهُ يَمِينًا وَمَا لَك أُبْدِي الْيَمِينَا لَئِنْ كُنْت أَلْبَسْتنِي غَشْوَة لَقَدْ كُنْت أَصْفَيْتُك الْوُدّ حِينَا أَيْ مِنْ بَعْد أَنْ أَضَلَّهُ . تَتَّعِظُونَ وَتَعْرِفُونَ أَنَّهُ قَادِر عَلَى مَا يَشَاء . وَهَذِهِ الْآيَة تَرُدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة وَالْإِمَامِيَّة وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلهمْ فِي الِاعْتِقَاد ; إِذْ هِيَ مُصَرِّحَة بِمَنْعِهِمْ مِنْ الْهِدَايَة . ثُمَّ قِيلَ : " وَخَتَمَ عَلَى سَمْعه وَقَلْبه " إِنَّهُ خَارِج مَخْرَج الْخَبَر عَنْ أَحْوَالهمْ . وَقِيلَ : إِنَّهُ خَارِج مَخْرَج الدُّعَاء بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ ; كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّل " الْبَقَرَة " . وَحَكَى اِبْن جُرَيْج أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْحَارِث بْن قَيْس مِنْ الْغَيَاطِلَة . وَحَكَى النَّقَّاش أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْحَارِث بْن نَوْفَل بْن عَبْد مَنَاف . وَقَالَ مُقَاتِل : نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْل , وَذَلِكَ أَنَّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ ذَات لَيْلَة وَمَعَهُ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة , فَتَحَدَّثَا فِي شَأْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ أَبُو جَهْل : وَاَللَّه إِنِّي لَأَعْلَم إِنَّهُ لَصَادِق ! فَقَالَ لَهُ مَهْ ! وَمَا دَلَّك عَلَى ذَلِكَ ! ؟ قَالَ : يَا أَبَا عَبْد شَمْس , كُنَّا نُسَمِّيه فِي صِبَاهُ الصَّادِق الْأَمِين ; فَلَمَّا تَمَّ عَقْله وَكَمُلَ رُشْده , نُسَمِّيه الْكَذَّاب الْخَائِن ! ! وَاَللَّه إِنِّي لَأَعْلَم إِنَّهُ لَصَادِق ! قَالَ : فَمَا يَمْنَعك أَنْ تُصَدِّقهُ وَتُؤْمِن بِهِ ؟ قَالَ : تَتَحَدَّث عَنِّي بَنَات قُرَيْش أَنِّي قَدْ اِتَّبَعْت يَتِيم أَبِي طَالِب مِنْ أَجْل كِسْرَة , وَاللَّات وَالْعُزَّى إِنْ اِتَّبَعْته أَبَدًا . فَنَزَلَتْ : " وَخَتَمَ عَلَى سَمْعه وَقَلْبه " .'; $TAFSEER['4']['45']['24'] = 'هَذَا إِنْكَار مِنْهُمْ لِلْآخِرَةِ وَتَكْذِيب لِلْبَعْثِ وَإِبْطَال لِلْجَزَاءِ . وَمَعْنَى : " نَمُوت وَنَحْيَا " أَيْ نَمُوت نَحْنُ وَتَحْيَا أَوْلَادنَا ; قَالَ الْكَلْبِيّ . وَقُرِئَ " وَنُحْيَا " بِضَمِّ النُّون . وَقِيلَ : يَمُوت بَعْضنَا وَيَحْيَا بَعْضنَا . وَقِيلَ : فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير ; أَيْ نَحْيَا وَنَمُوت ; وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود . قَالَ مُجَاهِد : يَعْنِي السِّنِينَ وَالْأَيَّام . وَقَالَ قَتَادَة : إِلَّا الْعُمْر , وَالْمَعْنَى وَاحِد . وَقُرِئَ " إِلَّا دَهْر يَمُرّ " . وَقَالَ اِبْن عُيَيْنَة : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَقُولُونَ : الدَّهْر هُوَ الَّذِي يُهْلِكنَا وَهُوَ الَّذِي يُحْيِينَا وَيُمِيتنَا ; فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . وَقَالَ قُطْرُب : وَمَا يُهْلِكنَا إِلَّا الْمَوْت ; وَأَنْشَدَ قَوْل أَبِي ذُؤَيْب : أَمِنْ الْمَنُون وَرَيْبهَا تَتَوَجَّع وَالدَّهْر لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَع وَقَالَ عِكْرِمَة : أَيْ وَمَا يُهْلِكنَا إِلَّا اللَّه . وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَقُولُونَ مَا يُهْلِكنَا إِلَّا اللَّيْل وَالنَّهَار وَهُوَ الَّذِي يُهْلِكنَا وَيُمِيتنَا وَيُحْيِينَا فَيَسُبُّونَ الدَّهْر قَالَ اللَّه تَعَالَى : يُؤْذِينِي اِبْن آدَم يَسُبّ الدَّهْر وَأَنَا الدَّهْر بِيَدِي الْأَمْر أُقَلِّب اللَّيْل وَالنَّهَار " . قُلْت : قَوْله " قَالَ اللَّه " إِلَى آخِره نَصَّ الْبُخَارِيّ وَلَفْظه . وَخَرَّجَهُ مُسْلِم أَيْضًا وَأَبُو دَاوُدَ . وَفِي الْمُوَطَّأ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَقُولَن أَحَدكُمْ يَا خَيْبَة الدَّهْر فَإِنَّ اللَّه هُوَ الدَّهْر ) . وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيث مَنْ قَالَ : إِنَّ الدَّهْر مِنْ أَسْمَاء اللَّه . وَقَالَ : مَنْ لَمْ يَجْعَلهُ مِنْ الْعُلَمَاء اِسْمًا إِنَّمَا خَرَجَ رَدًّا عَلَى الْعَرَب فِي جَاهِلِيَّتهَا ; فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الدَّهْر هُوَ الْفَاعِل كَمَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة ; فَكَانُوا إِذَا أَصَابَهُمْ ضُرّ أَوْ ضَيْم أَوْ مَكْرُوه نَسَبُوا ذَلِكَ إِلَى الدَّهْر فَقِيلَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ : لَا تَسُبُّوا الدَّهْر فَإِنَّ اللَّه هُوَ الدَّهْر ; أَيْ إِنَّ اللَّه هُوَ الْفَاعِل لِهَذِهِ الْأُمُور الَّتِي تُضِيفُونَهَا إِلَى الدَّهْر فَيَرْجِع السَّبّ إِلَيْهِ سُبْحَانه ; فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ . وَدَلَّ عَلَى صِحَّة هَذَا مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُؤْذِينِي , اِبْن آدَم ... ) الْحَدِيث . وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ , وَهُوَ أَبُو عَلِيّ الثَّقَفِيّ : يَا عَاتِب الدَّهْر إِذَا نَابَهُ لَا تَلُمْ الدَّهْر عَلَى غَدْره الدَّهْر مَأْمُور , لَهُ آمِر وَيَنْتَهِي الدَّهْر إِلَى أَمْره كَمْ كَافِر أَمْوَاله جَمَّة تَزْدَاد أَضْعَافًا عَلَى كُفْره وَمُؤْمِن لَيْسَ لَهُ دِرْهَم و يَزْدَاد إِيمَانًا عَلَى فَقْره وَرُوِيَ أَنَّ سَالِم بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر كَانَ كَثِيرًا مَا يَذْكُر الدَّهْر فَزَجَرَهُ أَبُوهُ وَقَالَ : إِيَّاكَ يَا بُنَيّ وَذِكْر الدَّهْر ! وَأَنْشَدَ : فَمَا الدَّهْر بِالْجَانِي لِشَيْءٍ لِحِينِهِ وَلَا جَالِب الْبَلْوَى فَلَا تَشْتُم الدَّهْرَا وَلَكِنْ مَتَى مَا يَبْعَث اللَّه بَاعِثًا عَلَى مَعْشَر يَجْعَل مَيَاسِيرهمْ عُسْرَا وَقَالَ أَبُو عُبَيْد : نَاظَرْت بَعْض الْمَلَاحِدَة فَقَالَ : أَلَا تَرَاهُ يَقُول : " فَإِنَّ اللَّه هُوَ الدَّهْر " ؟ فَقُلْت : وَهَلْ كَانَ أَحَد يَسُبّ اللَّه فِي آبَاد الدَّهْر , بَلْ كَانُوا يَقُولُونَ كَمَا قَالَ الْأَعْشَى : إِنْ مَحِلًّا وَإِنْ مُرْتَحِلًا وَإِنَّ فِي السَّفَر إِذْ مَضَوْا مَهَلَا اِسْتَأْثَرَ اللَّه بِالْوَفَاءِ وَبِالْعَدْ لِ وَوَلَّى الْمَلَامَة الرَّجُلَا قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَمِنْ شَأْن الْعَرَب أَنْ يَذُمُّوا الدَّهْر عِنْد الْمَصَائِب وَالنَّوَائِب ; حَتَّى ذَكَرُوهُ فِي أَشْعَارهمْ , وَنَسَبُوا الْأَحْدَاث إِلَيْهِ . قَالَ عَمْرو بْن قَمِيئَة : رَمَتْنِي بَنَات الدَّهْر مِنْ حَيْثُ لَا أَرَى فَكَيْف بِمَنْ يُرْمَى وَلَيْسَ بِرَامِ فَلَوْ أَنَّهَا نَبْل إِذًا لَاتَّقَيْتهَا وَلَكِنَّنِي أُرْمَى بِغَيْرِ سِهَام عَلَى الرَّاحَتَيْنِ مَرَّة وَعَلَى الْعَصَا أَنُوء ثَلَاثًا بَعْدهنَّ قِيَامِي وَمِثْله كَثِير فِي الشِّعْر . يُنْسَبُونَ ذَلِكَ إِلَى الدَّهْر وَيُضِيفُونَهُ إِلَيْهِ , وَاَللَّه سُبْحَانه الْفَاعِل لَا رَبّ سِوَاهُ . أَيْ عِلْم . و " مِنْ " زَائِدَة ; أَيْ قَالُوا مَا قَالُوا شَاكِّينَ . أَيْ مَا هُمْ إِلَّا يَتَكَلَّمُونَ بِالظَّنِّ . وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ أَصْنَافًا , مِنْهُمْ هَؤُلَاءِ , وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُثْبِت الصَّانِع وَيُنْكِر الْبَعْث , وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَشُكّ فِي الْبَعْث وَلَا يَقْطَع بِإِنْكَارِهِ . وَحَدَثَ فِي الْإِسْلَام أَقْوَام لَيْسَ يُمْكِنهُمْ إِنْكَار الْبَعْث خَوْفًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ; فَيَتَأَوَّلُونَ وَيَرَوْنَ الْقِيَامَة مَوْت الْبَدَن , وَيَرَوْنَ الثَّوَاب وَالْعِقَاب إِلَى خَيَالَات تَقَع لِلْأَرْوَاحِ بِزَعْمِهِمْ ; فَشَرّ هَؤُلَاءِ أَضَرّ مِنْ شَرّ جَمِيع الْكُفَّار ; لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يُلَبِّسُونَ عَلَى الْحَقّ , وَيَغْتَرّ بِتَلْبِيسِهِمْ الظَّاهِر . وَالْمُشْرِك الْمُجَاهِر بِشِرْكِهِ يَحْذَرهُ الْمُسْلِم . وَقِيلَ : نَمُوت وَتَحْيَا آثَارنَا ; فَهَذِهِ حَيَاة الذِّكْر . وَقِيلَ : أَشَارُوا إِلَى التَّنَاسُخ ; أَيْ يَمُوت الرَّجُل فَتُجْعَل رُوحه . فِي مَوَات فَتَحْيَا بِهِ .'; $TAFSEER['4']['45']['25'] = 'أَيْ وَإِذْ تُقْرَأ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ آيَاتنَا الْمُنَزَّلَة فِي جَوَاز الْبَعْث لَمْ يَكُنْ ثَمَّ دَفْع " مَا كَانَ حُجَّتهمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا اِئْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " " حُجَّتهمْ " خَبَر كَانَ وَالِاسْم " إِلَّا أَنْ قَالُوا اِئْتُوا بِآبَائِنَا " الْمَوْتَى نَسْأَلهُمْ عَنْ صِدْق مَا تَقُولُونَ .'; $TAFSEER['4']['45']['26'] = 'فَرَدَّ اللَّه عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ " قُلْ اللَّه يُحْيِيكُمْ " يَعْنِي بَعْد كَوْنكُمْ نُطَفًا أَمْوَاتًا كَمَا أَحْيَاكُمْ فِي الدُّنْيَا . أَنَّ اللَّه يُعِيدهُمْ كَمَا بَدَأَهُمْ . الزَّمَخْشَرِيّ : فَإِنْ قُلْت لِمَ سَمَّى قَوْلهمْ حُجَّة وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ ؟ قُلْت : لِأَنَّهُمْ أَدْلَوْا بِهِ كَمَا يُدْلِي الْمُحْتَجّ بِحُجَّتِهِ , وَسَاقُوهُ مَسَاقهَا فَسُمِّيَتْ حُجَّة عَلَى سَبِيل التَّهَكُّم . أَوْ لِأَنَّهُ فِي حُسْبَانهمْ وَتَقْدِيرهمْ حُجَّة . أَوْ لِأَنَّهُ فِي أُسْلُوب قَوْله : تَحِيَّة بَيْنهمْ ضَرْب وَجِيع كَأَنَّهُ قِيلَ : مَا كَانَ حُجَّتهمْ إِلَّا مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ . وَالْمُرَاد نَفْي أَنْ تَكُون لَهُمْ حُجَّة الْبَتَّة . فَإِنْ قُلْت : كَيْف وَقَعَ قَوْله : " قُلْ اللَّه يُحْيِيكُمْ " جَوَاب " اِئْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " ؟ قُلْت : لَمَّا أَنْكَرُوا الْبَعْث وَكَذَّبُوا الرُّسُل , وَحَسِبُوا أَنَّ مَا قَالُوهُ قَوْل مُبَكِّت أُلْزِمُوا مَا هُمْ مُقِرُّونَ بِهِ مِنْ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ الَّذِي يُحْيِيهِمْ ثُمَّ يُمِيتهُمْ , وَضَمَّ إِلَى إِلْزَام ذَلِكَ إِلْزَام مَا هُوَ وَاجِب الْإِقْرَار بِهِ إِنْ أَنْصَفُوا وَأَصْغَوْا إِلَى دَاعِي الْحَقّ وَهُوَ جَمْعهمْ يَوْم الْقِيَامَة , وَمَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْإِتْيَان بِآبَائِهِمْ , وَكَانَ أَهْوَن شَيْء عَلَيْهِ .'; $TAFSEER['4']['45']['27'] = 'خَلْقًا وَمِلْكًا . " يَوْم " الْأَوَّل مَنْصُوب ب " يَخْسَر " و " يَوْمئِذٍ " تَكْرِير لِلتَّأْكِيدِ أَوْ بَدَل . وَقِيلَ : إِنَّ التَّقْدِير وَلَهُ الْمُلْك يَوْم تَقُوم السَّاعَة . وَالْعَامِل فِي " يَوْمئِذٍ " " يَخْسَر " , وَمَفْعُول " يَخْسَر " مَحْذُوف , وَالْمَعْنَى يَخْسَرُونَ مَنَازِلهمْ فِي الْجَنَّة .'; $TAFSEER['4']['45']['28'] = 'أَيْ مِنْ هَوْل ذَلِكَ الْيَوْم . وَالْأُمَّة هُنَا : أَهْل كُلّ مِلَّة . وَفِي الْجَاثِيَة تَأْوِيلَات خَمْس : الْأَوَّل : قَالَ مُجَاهِد : مُسْتَوْفِزَة . وَقَالَ سُفْيَان : الْمُسْتَوْفِز الَّذِي لَا يُصِيب الْأَرْض مِنْهُ إِلَّا رُكْبَتَاهُ وَأَطْرَاف أَنَامِله . الضَّحَّاك : ذَلِكَ عِنْد الْحِسَاب . الثَّانِي : مُجْتَمِعَة قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . الْفَرَّاء : الْمَعْنَى وَتَرَى أَهْل كُلّ دِين مُجْتَمِعِينَ . الثَّالِث : مُتَمَيِّزَة , قَالَهُ عِكْرِمَة . الرَّابِع : خَاضِعَة بِلُغَةِ قُرَيْش , قَالَ مُؤَرِّج . الْخَامِس : بَارِكَة عَلَى الرُّكَب قَالَهُ الْحَسَن . وَالْجَثْو : الْجُلُوس عَلَى الرَّكْب . جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَجْثُو وَيُجْثِي جُثُوًّا وَجُثِيًّا , عَلَى فُعُول . مِنْهَا , وَقَدْ مَضَى فِي " مَرْيَم " : وَأَصْل الْجُثْوَة : الْجَمَاعَة مِنْ كُلّ شَيْء . قَالَ طَرَفَة يَصِف قَبْرَيْنِ : تَرَى جُثْوَتَيْنِ مِنْ تُرَاب عَلَيْهِمَا صَفَائِح صُمّ مِنْ صَفِيح مُنَضَّد ثُمَّ قِيلَ : هُوَ خَاصّ بِالْكُفَّارِ , قَالَهُ يَحْيَى بْن سَلَّام . وَقِيلَ : إِنَّهُ عَامّ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِر اِنْتِظَارًا لِلْحِسَابِ . وَقَدْ رَوَى سُفْيَان بْن عُيَيْنَة عَنْ عَمْرو عَنْ عَبْد اللَّه بْن بَابَاهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " كَأَنِّي أَرَاكُمْ بِالْكَوْمِ جَاثِينَ دُون جَهَنَّم " ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقَالَ سَلْمَان : إِنَّ فِي يَوْم الْقِيَامَة لَسَاعَة هِيَ عَشْر سِنِينَ يَخِرّ النَّاس فِيهَا جُثَاة عَلَى رُكَبهمْ حَتَّى إِنَّ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لِيُنَادِيَ " لَا أَسْأَلك الْيَوْم إِلَّا نَفْسِي " . قَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام : إِلَى حِسَابهَا . وَقِيلَ : إِلَى كِتَابهَا الَّذِي كَانَ يَسْتَنْسِخ لَهَا فِيهِ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر وَشَرّ , قَالَ مُقَاتِل . وَهُوَ مَعْنَى قَوْل مُجَاهِد . وَقِيلَ : " كِتَابهَا " مَا كَتَبَتْ الْمَلَائِكَة عَلَيْهَا . وَقِيلَ كِتَابهَا الْمُنَزَّل عَلَيْهَا لِيَنْظُر هَلْ عَمِلُوا بِمَا فِيهِ . وَقِيلَ : الْكِتَاب هَاهُنَا اللَّوْح الْمَحْفُوظ . وَقَرَأَ يَعْقُوب الْحَضْرَمِيّ " كُلّ أُمَّة " بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَل مِنْ " كُلّ " الْأُولَى لِمَا فِي الثَّانِيَة مِنْ الْإِيضَاح الَّذِي لَيْسَ فِي الْأُولَى , إِذْ لَيْسَ فِي جُثُوّهَا شَيْء مِنْ حَال شَرْح الْجَثْو كَمَا فِي الثَّانِيَة مِنْ ذِكْر السَّبَب الدَّاعِي إِلَيْهِ وَهُوَ اِسْتِدْعَاؤُهَا إِلَى كِتَابهَا . وَقِيلَ : اِنْتَصَبَ بِإِعْمَالِ " تَرَى " مُضْمَرًا . وَالرَّفْع عَلَى الِابْتِدَاء . مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ .'; $TAFSEER['4']['45']['29'] = 'قِيلَ مِنْ قَوْل اللَّه لَهُمْ . وَقِيلَ مِنْ قَوْل الْمَلَائِكَة . أَيْ يَشْهَد . وَهُوَ اِسْتِعَارَة يُقَال : نَطَقَ الْكِتَاب بِكَذَا أَيْ بَيَّنَ . وَقِيلَ : إِنَّهُمْ يَقْرَءُونَهُ فَيُذَكِّرهُمْ الْكِتَاب مَا عَمِلُوا , فَكَأَنَّهُ يَنْطِق عَلَيْهِمْ , دَلِيله قَوْله : " وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتنَا مَالِ هَذَا الْكِتَاب لَا يُغَادِر صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة إِلَّا أَحْصَاهَا " [ الْكَهْف : 49 ] . وَفِي الْمُؤْمِنِينَ : " وَلَدَيْنَا كِتَاب يَنْطِق بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ " وَقَدْ تَقَدَّمَ . و " يَنْطِق " فِي , مَوْضِع الْحَال مِنْ الْكِتَاب , أَوْ مِنْ ذَا , أَوْ خَبَر ثَانٍ لِذَا , أَوْ يَكُون " كِتَابنَا " بَدَلًا مِنْ " هَذَا " و " يَنْطِق " الْخَبَر . أَيْ نَأْمُر بِنَسْخِ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَة يَنْزِلُونَ كُلّ يَوْم بِشَيْءٍ يَكْتُبُونَ فِيهِ أَعْمَال بَنِي آدَم . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ اللَّه وَكُلّ مَلَائِكَة مُطَهَّرِينَ فَيَنْسَخُونَ مِنْ أُمّ الْكِتَاب فِي رَمَضَان كُلّ مَا يَكُون مِنْ أَعْمَال بَنِي آدَم فَيُعَارِضُونَ حَفَظَة اللَّه عَلَى الْعِبَاد كُلّ خَمِيس , فَيَجِدُونَ مَا جَاءَ بِهِ الْحَفَظَة مِنْ أَعْمَال الْعِبَاد مُوَافِقًا لِمَا فِي كِتَابهمْ الَّذِي اِسْتَنْسِخُوا مِنْ ذَلِكَ الْكِتَاب لَا زِيَادَة فِيهِ وَلَا نُقْصَان . قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَهَلْ يَكُون النَّسْخ إِلَّا مِنْ كِتَاب . الْحَسَن : نَسْتَنْسِخ مَا كَتَبَتْهُ الْحَفَظَة عَلَى بَنِي آدَم , لِأَنَّ الْحَفَظَة تَرْفَع إِلَى الْخَزَنَة صَحَائِف الْأَعْمَال . وَقِيلَ : تَحْمِل الْحَفَظَة كُلّ يَوْم مَا كَتَبُوا عَلَى الْعَبْد , ثُمَّ إِذَا عَادُوا إِلَى مَكَانهمْ نُسِخَ مِنْهُ الْحَسَنَات وَالسَّيِّئَات , وَلَا تُحَوَّل الْمُبَاحَات إِلَى النُّسْخَة الثَّانِيَة . وَقِيلَ : إِنَّ الْمَلَائِكَة إِذَا رَفَعَتْ أَعْمَال الْعِبَاد إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِأَنْ يُثْبَت عِنْده مِنْهَا مَا فِيهِ ثَوَاب وَعِقَاب , وَيَسْقُط مِنْ جُمْلَتهَا مَا لَا ثَوَاب فِيهِ وَلَا عِقَاب .'; $TAFSEER['4']['45']['30'] = 'أَيْ الْجَنَّة'; $TAFSEER['4']['45']['31'] = 'أَيْ فَيُقَال لَهُمْ ذَلِكَ . وَهُوَ اِسْتِفْهَام تَوْبِيخ . عَنْ قَبُولهَا . أَيْ مُشْرِكِينَ تَكْسِبُونَ الْمَعَاصِي . يُقَال : فُلَان جَرِيمَة أَهْله إِذَا كَانَ كَاسِبهمْ , فَالْمُجْرِم مَنْ أَكْسَبَ نَفْسه الْمَعَاصِي . وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : " أَفَنَجْعَل الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ " [ الْقَلَم : 35 ] فَالْمُجْرِم ضِدّ الْمُسْلِم فَهُوَ الْمُذْنِب بِالْكُفْرِ إِذَا .'; $TAFSEER['4']['45']['32'] = 'أَيْ الْبَعْث كَائِن . وَقَرَأَ حَمْزَة " وَالسَّاعَة " بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى " وَعْد " . الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاء , أَوْ الْعَطْف عَلَى مَوْضِع " إِنَّ وَعْد اللَّه " . وَلَا يَحْسُن عَلَى الضَّمِير الَّذِي فِي الْمَصْدَر , لِأَنَّهُ غَيْر مُؤَكِّد , وَالضَّمِير الْمَرْفُوع إِنَّمَا يُعْطَف عَلَيْهِ بِغَيْرِ تَأْكِيد فِي الشِّعْر . هَلْ هِيَ حَقّ أَمْ بَاطِل . تَقْدِيره عِنْد الْمُبَرِّد : إِنْ نَحْنُ إِلَّا نَظُنّ ظَنًّا . وَقِيلَ : التَّقْدِير : إِنْ نَظُنّ إِلَّا أَنَّكُمْ تَظُنُّونَ ظَنًّا . وَقِيلَ : أَيْ وَقُلْتُمْ إِنْ نَظُنّ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ السَّاعَة آتِيَة .'; $TAFSEER['4']['45']['33'] = 'أَيْ ظَهَرَ لَهُمْ جَزَاء سَيِّئَات مَا عَمِلُوا . أَيْ نَزَلَ بِهِمْ وَأَحَاطَ . مِنْ عَذَاب اللَّه .'; $TAFSEER['4']['45']['34'] = 'أَيْ نَتْرُككُمْ فِي النَّار كَمَا تَرَكْتُمْ لِقَاء يَوْمكُمْ هَذَا أَيْ تَرَكْتُمْ الْعَمَل لَهُ . أَيْ مَسْكَنكُمْ وَمُسْتَقَرّكُمْ . مَنْ يَنْصُركُمْ .'; $TAFSEER['4']['45']['35'] = 'يَعْنِي الْقُرْآن . لَعِبًا . أَيْ خَدَعَتْكُمْ بِأَبَاطِيلِهَا وَزَخَارِفهَا , فَظَنَنْتُمْ أَنْ لَيْسَ ثَمَّ غَيْرهَا , وَأَنْ لَا بَعْث . أَيْ مِنْ النَّار . يُسْتَرْضُونَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " فَالْيَوْم لَا يَخْرُجُونَ " بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمّ الرَّاء لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا " [ السَّجْدَة : 20 ] الْبَاقُونَ بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الرَّاء , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " رَبّنَا أَخْرِجْنَا " [ فَاطِر : 37 ] وَنَحْوه .'; $TAFSEER['4']['45']['36'] = 'قَرَأَ مُجَاهِد وَحُمَيْد وَابْن مُحَيْصِن " رَبّ السَّمَوَات وَرَبّ الْأَرْض رَبّ الْعَالَمِينَ " بِالرَّفْعِ فِيهَا كُلّهَا عَلَى مَعْنَى هُوَ رَبّ .'; $TAFSEER['4']['45']['37'] = 'أَيْ الْعَظَمَة وَالْجَلَال وَالْبَقَاء وَالسُّلْطَان وَالْقُدْرَة وَالْكَمَال . " فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم " وَاَللَّه أَعْلَم . خَتْم تَفْسِير سُورَة الْجَاثِيَة , وَالْحَمْد لِلَّهِ .'; $TAFSEER['4']['46']['1'] = 'مَكِّيَّة فِي قَوْل جَمِيعهمْ . وَهِيَ أَرْبَع وَثَلَاثُونَ آيَة , وَقِيلَ : خَمْس . " حم " مُبْتَدَأ وَ " تَنْزِيل " خَبَره . وَقَالَ بَعْضهمْ : " حم " اِسْم السُّورَة . وَ " تَنْزِيل الْكِتَاب " مُبْتَدَأ . وَخَبَره " مِنْ اللَّه " . وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ ; فَقَالَ عِكْرِمَة : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( " حم " اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى وَهِيَ مَفَاتِيح خَزَائِن رَبّك ) قَالَ اِبْن عَبَّاس : " حم " اِسْم اللَّه الْأَعْظَم . وَعَنْهُ : " الر " وَ " حم " وَ " ن " حُرُوف الرَّحْمَن مُقَطَّعَة . وَعَنْهُ أَيْضًا : اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى أَقْسَمَ بِهِ . وَقَالَ قَتَادَة : إِنَّهُ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . مُجَاهِد : فَوَاتِح السُّوَر . وَقَالَ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ : الْحَاء اِفْتِتَاح اِسْمه حَمِيد وَحَنَّان وَحَلِيم وَحَكِيم , وَالْمِيم اِفْتِتَاح اِسْمه مَلِك وَمَجِيد وَمَنَّان وَمُتَكَبِّر وَمُصَوِّر ; يَدُلّ عَلَيْهِ مَا رَوَى أَنَس أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا " حم " فَإِنَّا لَا نَعْرِفهَا فِي لِسَاننَا ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَدْء أَسْمَاء وَفَوَاتِح سُوَر ) وَقَالَ الضَّحَّاك وَالْكِسَائِيّ : مَعْنَاهُ قُضِيَ مَا هُوَ كَائِن . كَأَنَّهُ أَرَادَ الْإِشَارَة إِلَى تَهَجِّي " حم " ; لِأَنَّهَا تَصِير حُمَّ بِضَمِّ الْحَاء وَتَشْدِيد الْمِيم ; أَيْ قُضِيَ وَوَقَعَ . وَقَالَ كَعْب بْن مَالِك : فَلَمَّا تَلَاقَيْنَاهُمْ وَدَارَتْ بِنَا الرَّحَى وَلَيْسَ لِأَمْرٍ حَمَّهُ اللَّه مَدْفَع وَعَنْهُ أَيْضًا : إِنَّ الْمَعْنَى حُمَّ أَمْر اللَّه أَيْ قَرُبَ ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : قَدْ حُمَّ يَوْمِي فَسُرَّ قَوْم قَوْم بِهِمْ غَفْلَة وَنَوْم وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْحُمَّى ; لِأَنَّهَا تُقَرِّب مِنْ الْمَنِيَّة . وَالْمَعْنَى الْمُرَاد قَرُبَ نَصْره لِأَوْلِيَائِهِ , وَانْتِقَامه مِنْ أَعْدَائِهِ كَيَوْمِ بَدْر . وَقِيلَ : حُرُوف هِجَاء ; قَالَ الْجَرْمِيّ : وَلِهَذَا تُقْرَأ سَاكِنَة الْحُرُوف فَخَرَجَتْ مَخْرَج التَّهَجِّي وَإِذَا سُمِّيَتْ سُورَة بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوف أُعْرِبَتْ ; فَتَقُول : قَرَأْت " حم " فَتَنْصِب ; قَالَ الشَّاعِر : يُذَكِّرنِي حَامِيم وَالرُّمْح شَاجِر فَهَلَّا تَلَا حَامِيم قَبْل التَّقَدُّم وَقَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر الثَّقَفِيّ : " حم " بِفَتْحِ الْمِيم عَلَى مَعْنَى اِقْرَأْ حم أَوْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ . اِبْن أَبِي إِسْحَاق وَأَبُو السَّمَّال بِكَسْرِهَا . وَالْإِمَالَة وَالْكَسْر لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ , أَوْ عَلَى وَجْه الْقَسَم . وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر بِقَطْعِ الْحَاء مِنْ الْمِيم . الْبَاقُونَ بِالْوَصْلِ . وَكَذَلِكَ فِي " حم . عسق " . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَأَبُو بَكْر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَخَلَف وَابْن ذَكْوَان بِالْإِمَالَةِ فِي الْحَاء . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرو بَيْن اللَّفْظَيْنِ وَهِيَ قِرَاءَة نَافِع وَأَبِي جَعْفَر وَشَيْبَة . الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ مُشَبَّعًا .'; $TAFSEER['4']['46']['2'] = '" حم " مُبْتَدَأ وَ " تَنْزِيل " خَبَره . وَقَالَ بَعْضهمْ : " حم " اِسْم السُّورَة . وَ " تَنْزِيل الْكِتَاب " مُبْتَدَأ . وَخَبَره " مِنْ اللَّه " . وَالْكِتَاب الْقُرْآن . " الْعَزِيز " الْمَنِيع . الْحَكِيم فِي فِعْله'; $TAFSEER['4']['46']['3'] = 'أَيْ لِلزَّوَالِ وَالْفَنَاء . وَقِيلَ : أَيْ لِأُجَازِيَ الْمُحْسِن وَالْمُسِيء ; كَمَا قَالَ : " وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِي الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى " [ النَّجْم : 31 ] . " وَأَجَل مُسَمًّى " يَعْنِي الْقِيَامَة , فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . وَهُوَ الْأَجَل الَّذِي تَنْتَهِي إِلَيْهِ السَّمَاوَات وَالْأَرْض . وَقِيلَ : إِنَّهُ هُوَ الْأَجَل الْمَقْدُور لِكُلِّ مَخْلُوق . " وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا " خُوِّفُوهُ " مُعْرِضُونَ " مُوَلُّونَ لَاهُونَ غَيْر مُسْتَعِدِّينَ لَهُ . يَجُوز أَنْ تَكُون " مَا " مَصْدَرِيَّة , أَيْ عَنْ إِنْذَارهمْ ذَلِكَ الْيَوْم .'; $TAFSEER['4']['46']['4'] = 'أَيْ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ الْأَصْنَام وَالْأَنْدَاد مِنْ دُون اللَّه . وَفِيهِ بَيَان مَسَالِك الْأَدِلَّة بِأَسْرِهَا , فَأَوَّلهَا الْمَعْقُول , وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : " قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الْأَرْض أَمْ لَهُمْ شِرْك فِي السَّمَاوَات " وَهُوَ اِحْتِجَاج بِدَلِيلِ الْعَقْل فِي أَنَّ الْجَمَاد لَا يَصِحّ أَنْ يُدْعَى مِنْ دُون اللَّه فَإِنَّهُ لَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَع . ثُمَّ قَالَ : " اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْل هَذَا " فِيهِ بَيَان أَدِلَّة السَّمْع " أَوْ أَثَارَة مِنْ عِلْم " . أَيْ هَلْ خَلَقُوا شَيْئًا مِنْ الْأَرْض وَفِيهِ بَيَان مَسَالِك الْأَدِلَّة بِأَسْرِهَا , فَأَوَّلهَا الْمَعْقُول , وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : " قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الْأَرْض أَمْ لَهُمْ شِرْك فِي السَّمَاوَات " وَهُوَ اِحْتِجَاج بِدَلِيلِ الْعَقْل فِي أَنَّ الْجَمَاد لَا يَصِحّ أَنْ يُدْعَى مِنْ دُون اللَّه فَإِنَّهُ لَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَع . ثُمَّ قَالَ : " اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْل هَذَا " فِيهِ بَيَان أَدِلَّة السَّمْع " أَوْ أَثَارَة مِنْ عِلْم " . أَيْ نَصِيب وَفِيهِ بَيَان مَسَالِك الْأَدِلَّة بِأَسْرِهَا , فَأَوَّلهَا الْمَعْقُول , وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : " قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الْأَرْض أَمْ لَهُمْ شِرْك فِي السَّمَاوَات " وَهُوَ اِحْتِجَاج بِدَلِيلِ الْعَقْل فِي أَنَّ الْجَمَاد لَا يَصِحّ أَنْ يُدْعَى مِنْ دُون اللَّه فَإِنَّهُ لَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَع . ثُمَّ قَالَ : " اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْل هَذَا " فِيهِ بَيَان أَدِلَّة السَّمْع " أَوْ أَثَارَة مِنْ عِلْم " . أَيْ فِي خَلْق السَّمَاوَات مَعَ اللَّه . وَفِيهِ بَيَان مَسَالِك الْأَدِلَّة بِأَسْرِهَا , فَأَوَّلهَا الْمَعْقُول , وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : " قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الْأَرْض أَمْ لَهُمْ شِرْك فِي السَّمَاوَات " وَهُوَ اِحْتِجَاج بِدَلِيلِ الْعَقْل فِي أَنَّ الْجَمَاد لَا يَصِحّ أَنْ يُدْعَى مِنْ دُون اللَّه فَإِنَّهُ لَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَع . ثُمَّ قَالَ : " اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْل هَذَا " فِيهِ بَيَان أَدِلَّة السَّمْع " أَوْ أَثَارَة مِنْ عِلْم " . أَيْ مِنْ قَبْل هَذَا الْقُرْآن . وَفِيهِ بَيَان مَسَالِك الْأَدِلَّة بِأَسْرِهَا , فَأَوَّلهَا الْمَعْقُول , وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : " قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الْأَرْض أَمْ لَهُمْ شِرْك فِي السَّمَاوَات " وَهُوَ اِحْتِجَاج بِدَلِيلِ الْعَقْل فِي أَنَّ الْجَمَاد لَا يَصِحّ أَنْ يُدْعَى مِنْ دُون اللَّه فَإِنَّهُ لَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَع . ثُمَّ قَالَ : " اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْل هَذَا " فِيهِ بَيَان أَدِلَّة السَّمْع " أَوْ أَثَارَة مِنْ عِلْم " . قِرَاءَة الْعَامَّة " أَوْ أَثَارَة " بِأَلِفٍ بَعْد الثَّاء . قَالَ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ هُوَ خَطّ كَانَتْ تَخُطّهُ الْعَرَب فِي الْأَرْض ] , ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ وَالثَّعْلَبِيّ . وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَلَمْ يَصِحّ . وَفِي مَشْهُور الْحَدِيث عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : [ كَانَ نَبِيّ مِنْ الْأَنْبِيَاء يَخُطّ فَمَنْ وَافَقَ خَطّه فَذَاكَ ] وَلَمْ يَصِحّ أَيْضًا . قُلْت : هُوَ ثَابِت مِنْ حَدِيث مُعَاوِيَة بْن الْحَكَم السُّلَمِيّ , خَرَّجَهُ مُسْلِم . وَأَسْنَدَ النَّحَّاس : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد ( يُعْرَف بالجرايجي ) قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بُنْدَار قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ صَفْوَان بْن سُلَيْم عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : " أَوْ أَثَارَة مِنْ عِلْم " قَالَ : [ الْخَطّ ] وَهَذَا صَحِيح أَيْضًا . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : جَاءَ لِإِبَاحَةِ الضَّرْب لِأَنَّ بَعْض الْأَنْبِيَاء كَانَ يَفْعَلهُ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ جَاءَ لِلنَّهْيِ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : [ فَمَنْ وَافَقَ خَطّه فَذَاكَ ] . وَلَا سَبِيل إِلَى مَعْرِفَة طَرِيق النَّهْي الْمُتَقَدِّم فِيهِ , فَإِذًا لَا سَبِيل إِلَى الْعَمَل بِهِ . قَالَ : لَعَمْرك مَا تَدْرِي الضَّوَارِب بِالْحَصَا وَلَا زَاجِرَات الطَّيْر مَا اللَّه صَانِع وَحَقِيقَته عِنْد أَرْبَابه تَرْجِع إِلَى صُوَر الْكَوَاكِب , فَيَدُلّ مَا يَخْرُج مِنْهَا عَلَى مَا تَدُلّ عَلَيْهِ تِلْكَ الْكَوَاكِب مِنْ سَعْد أَوْ نَحْس يَحِلّ بِهِمْ , فَصَارَ ظَنًّا مَبْنِيًّا عَلَى ظَنّ , وَتَعَلُّقًا بِأَمْرٍ غَائِب قَدْ دُرِسَتْ طَرِيقه وَفَاتَ تَحْقِيقه , وَقَدْ نَهَتْ الشَّرِيعَة عَنْهُ , وَأَخْبَرَتْ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا اِخْتَصَّ اللَّه بِهِ , وَقَطَعَهُ عَنْ الْخَلْق , وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ قَبْل ذَلِكَ أَسْبَاب يَتَعَلَّقُونَ بِهَا فِي دَرْك الْأَشْيَاء الْمُغَيَّبَة , فَإِنَّ اللَّه قَدْ رَفَعَ تِلْكَ الْأَسْبَاب وَطَمَسَ تِلْكَ الْأَبْوَاب وَأَفْرَدَ نَفْسه بِعِلْمِ الْغَيْب , فَلَا يَجُوز مُزَاحَمَته فِي ذَلِكَ , وَلَا يَحِلّ لِأَحَدٍ دَعْوَاهُ . وَطَلَبه عَنَاء لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَهْي . فَإِذْ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْي فَطَلَبه مَعْصِيَة أَوْ كُفْر بِحَسَبِ قَصْد الطَّالِب . قُلْت : مَا اِخْتَارَهُ هُوَ قَوْل الْخَطَّابِيّ . قَالَ الْخَطَّابِيّ : قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : [ فَمَنْ وَافَقَ خَطّه فَذَاكَ ] هَذَا يَحْتَمِل الزَّجْر إِذْ كَانَ ذَلِكَ عَلَمًا لِنُبُوَّتِهِ وَقَدْ اِنْقَطَعَتْ , فَنُهِينَا عَنْ التَّعَاطِي لِذَلِكَ . قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : الْأَظْهَر مِنْ اللَّفْظ خِلَاف هَذَا , وَتَصْوِيب خَطّ مَنْ يُوَافِق خَطّه , لَكِنْ مِنْ أَيْنَ تُعْلَم الْمُوَافَقَة وَالشَّرْع مَنَعَ مِنْ التَّخَرُّص وَادِّعَاء الْغَيْب جُمْلَة - فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ وَافَقَ خَطّه فَذَاكَ الَّذِي يَجِدُونَ إِصَابَته , لَا أَنَّهُ يُرِيد إِبَاحَة ذَلِكَ لِفَاعِلِهِ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ بَعْضهمْ . وَحَكَى مَكِّيّ فِي تَفْسِير قَوْله : [ كَانَ نَبِيّ مِنْ الْأَنْبِيَاء يَخُطّ ] أَنَّهُ كَانَ يَخُطّ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَة وَالْوُسْطَى فِي الرَّمْل ثُمَّ يَزْجُر . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس فِي تَفْسِير قَوْله [ وَمِنَّا رِجَال يَخُطُّونَ ] : هُوَ الْخَطّ الَّذِي يَخُطّهُ الْحَازِي فَيُعْطَى حُلْوَانًا فَيَقُول : اُقْعُدْ حَتَّى أَخُطّ لَك , وَبَيْن يَدَيْ الْحَازِي غُلَام مَعَهُ مِيل ثُمَّ يَأْتِي إِلَى أَرْض رِخْوَة فَيَخُطّ الْأُسْتَاذ خُطُوطًا مُعَجَّلَة لِئَلَّا يَلْحَقهَا الْعَدَد , ثُمَّ يَرْجِع فَيَمْحُو عَلَى مَهْل خَطَّيْنِ خَطَّيْنِ , فَإِنْ بَقِيَ خَطَّانِ فَهُوَ عَلَامَة النَّجْح , وَإِنْ بَقِيَ خَطّ فَهُوَ عَلَامَة الْخَيْبَة . وَالْعَرَب تُسَمِّيه الْأَسْحَم وَهُوَ مَشْئُوم عِنْدهمْ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يُبْقِ مِنْ الْأَسْبَاب الدَّالَّة عَلَى الْغَيْب الَّتِي أَذِنَ فِي التَّعَلُّق بِهَا وَالِاسْتِدْلَال مِنْهَا إِلَّا الرُّؤْيَا , فَإِنَّهُ أَذِنَ فِيهَا , وَأَخْبَرَ أَنَّهَا جُزْء مِنْ النُّبُوَّة وَكَذَلِكَ الْفَأْل , وَأَمَّا الطِّيَرَة وَالزَّجْر فَإِنَّهُ نَهَى عَنْهُمَا . وَالْفَأْل : هُوَ الِاسْتِدْلَال بِمَا يَسْمَع مِنْ الْكَلَام عَلَى مَا يُرِيد مِنْ الْأَمْر إِذَا كَانَ حَسَنًا , فَإِذَا سَمِعَ مَكْرُوهًا فَهُوَ تَطَيُّر , أَمَرَهُ الشَّرْع بِأَنْ يَفْرَح بِالْفَأْلِ وَيَمْضِي عَلَى أَمْره مَسْرُورًا . وَإِذَا سَمِعَ الْمَكْرُوه أَعْرَضَ عَنْهُ وَلَمْ يَرْجِع لِأَجْلِهِ , وَقَدْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ اللَّهُمَّ لَا طَيْر إِلَّا طَيْرك وَلَا خَيْر إِلَّا خَيْرك وَلَا إِلَه غَيْرك ] . وَقَدْ رَوَى بَعْض الْأُدَبَاء : الْفَأْل وَالزَّجْر وَالْكُهَّان كُلّهمْ مُضَلِّلُونَ وَدُون الْغَيْب أَقْفَال وَهَذَا كَلَام صَحِيح , إِلَّا فِي الْفَأْل فَإِنَّ الشَّرْع اِسْتَثْنَاهُ وَأَمَرَ بِهِ , فَلَا يُقْبَل مِنْ هَذَا الشَّاعِر مَا نَظَمَهُ فِيهِ , فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ بِجَهْلٍ , وَصَاحِب الشَّرْع أَصْدَق وَأَعْلَم وَأَحْكَم . قُلْت : قَدْ مَضَى فِي الطِّيَرَة وَالْفَأْل وَفِي الْفَرْق بَيْنهمَا مَا يَكْفِي فِي ( الْمَائِدَة ) وَغَيْرهَا . وَمَضَى فِي ( الْأَنْعَام ) أَنَّ اللَّه سُبْحَانه مُنْفَرِد بِعِلْمِ الْغَيْب , وَأَنَّ أَحَدًا لَا يَعْلَم ذَلِكَ إِلَّا مَا أَعْلَمَهُ اللَّه , أَوْ يَجْعَل عَلَى ذَلِكَ دَلَالَة عَادِيَّة يُعْلَم بِهَا مَا يَكُون عَلَى جَرْي الْعَادَة , وَقَدْ يَخْتَلِف . مِثَاله إِذَا رَأَى نَخْلَة قَدْ أَطْلَعَتْ فَإِنَّهُ يَعْلَم أَنَّهَا سَتُثْمِرُ , وَإِذَا رَآهَا قَدْ تَنَاثَرَ طَلْعهَا عَلِمَ أَنَّهَا لَا تُثْمِر . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَأْتِي عَلَيْهَا آفَة تُهْلِك ثَمَرهَا فَلَا تُثْمِر , كَمَا أَنَّهُ جَائِز أَنْ تَكُون النَّخْلَة الَّتِي تَنَاثَرَ طَلْعهَا يُطْلِع اللَّه فِيهَا طَلْعًا ثَانِيًا فَتُثْمِر . وَكَمَا أَنَّهُ جَائِز أَيْضًا أَلَّا يَلِي شَهْره شَهْر وَلَا يَوْمه يَوْم إِذَا أَرَادَ اللَّه إِفْنَاء الْعَالَم ذَلِكَ الْوَقْت . إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي ( الْأَنْعَام ) بَيَانه . قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : قَوْله تَعَالَى : " أَوْ أَثَارَة مِنْ عِلْم " يُرِيد الْخَطّ . وَقَدْ كَانَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه يَحْكُم بِالْخَطِّ إِذَا عَرَفَ الشَّاهِد خَطّه . وَإِذَا عَرَفَ الْحَاكِم خَطّه أَوْ خَطّ مَنْ كَتَبَ إِلَيْهِ حَكَمَ بِهِ , ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ حِين ظَهَرَ فِي النَّاس مَا ظَهَرَ مِنْ الْحِيَل وَالتَّزْوِير . وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : [ يُحْدِث النَّاس فُجُورًا فَتَحْدُث لَهُمْ أَقْضِيَة ] . فَأَمَّا إِذَا شَهِدَ الشُّهُود عَلَى الْخَطّ الْمَحْكُوم بِهِ , مِثْل أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ هَذَا خَطّ الْحَاكِم وَكِتَابه , أَشْهَدَنَا عَلَى مَا فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا مَا فِي الْكِتَاب . وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّة أَوْ خَطّ الرَّجُل بِاعْتِرَافِهِ بِمَالٍ لِغَيْرِهِ يَشْهَدُونَ أَنَّهُ خَطّه وَنَحْو ذَلِكَ - فَلَا يَخْتَلِف مَذْهَبه أَنْ يَحْكُم بِهِ . وَقِيلَ : " أَوْ أَثَارَة مِنْ عِلْم " أَوْ بَقِيَّة مِنْ عِلْم , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَالْكَلْبِيّ وَأَبُو بَكْر بْن عَيَّاش وَغَيْرهمْ . وَفِي الصِّحَاح " أَوْ أَثَارَة مِنْ عِلْم " بَقِيَّة مِنْهُ . وَكَذَلِكَ الْأَثَرَة ( بِالتَّحْرِيكِ ) . وَيُقَال : سَمِنَتْ الْإِبِل عَلَى أَثَارَة , أَيْ بَقِيَّة شَحْم كَانَ قَبْل ذَلِكَ . وَأَنْشَدَ الْمَاوَرْدِيّ وَالثَّعْلَبِيّ قَوْل الرَّاعِي : وَذَات أَثَارَة أَكَلَتْ عَلَيْهَا نَبَاتًا فِي أَكِمَّته فَفَارَا وَقَالَ الْهَرَوِيّ : وَالْأَثَارَة وَالْأَثَر : الْبَقِيَّة , يُقَال : مَا ثَمَّ عَيْن وَلَا أَثَر . وَقَالَ مَيْمُون بْن مِهْرَان وَأَبُو سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن وَقَتَادَة : " أَوْ أَثَارَة مِنْ عِلْم " خَاصَّة مِنْ عِلْم . وَقَالَ مُجَاهِد : رِوَايَة تَأْثُرُونَهَا عَمَّنْ كَانَ قَبْلكُمْ . وَقَالَ عِكْرِمَة وَمُقَاتِل : رِوَايَة عَنْ الْأَنْبِيَاء . وَقَالَ الْقُرَظِيّ : هُوَ الْإِسْنَاد . الْحَسَن : الْمَعْنَى شَيْء يُثَار أَوْ يُسْتَخْرَج . وَقَالَ الزَّجَّاج : " أَوْ أَثَارَة " أَيْ عَلَامَة . وَالْأَثَارَة مَصْدَر كَالسَّمَاحَةِ وَالشَّجَاعَة . وَأَصْل الْكَلِمَة مِنْ الْأَثَر , وَهِيَ الرِّوَايَة , يُقَال : أَثَرْت الْحَدِيث آثُرهُ أَثْرًا وَأَثَارَة وَأُثْرَة فَأَنَا آثِر , إِذَا ذَكَرْته عَنْ غَيْرك . وَمِنْهُ قِيلَ : حَدِيث مَأْثُور , أَيْ نَقَلَهُ خَلَف عَنْ سَلَف . قَالَ الْأَعْشَى : إِنَّ الَّذِي فِيهِ تَمَارَيْتُمَا بُيِّنَ لِلسَّامِعِ وَالْآثِر وَيُرْوَى " بَيِّن " وَقُرِئَ " أَوْ أُثْرَة " بِضَمِّ الْهَمْزَة وَسُكُون الثَّاء . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ بَقِيَّة مِنْ عِلْم . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ شَيْئًا مَأْثُورًا مِنْ كُتُب الْأَوَّلِينَ . وَالْمَأْثُور : مَا يُتَحَدَّث بِهِ مِمَّا صَحَّ سَنَده عَمَّنْ تُحَدِّث بِهِ عَنْهُ . وَقَرَأَ السُّلَمِيّ وَالْحَسَن وَأَبُو رَجَاء بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَالثَّاء مِنْ غَيْر أَلِف , أَيْ خَاصَّة مِنْ عِلْم أُوتِيتُمُوهَا أَوْ أُوثِرْتُمْ بِهَا عَلَى غَيْركُمْ . وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن أَيْضًا وَطَائِفَة " أَثْرَة " مَفْتُوحَة الْأَلِف سَاكِنَة الثَّاء , ذَكَرَ الْأُولَى الثَّعْلَبِيّ وَالثَّانِيَة الْمَاوَرْدِيّ . وَحَكَى الثَّعْلَبِيّ عَنْ عِكْرِمَة : أَوْ مِيرَاث مِنْ عِلْم . " إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " . قَوْله تَعَالَى : " اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْل هَذَا أَوْ أَثَارَة مِنْ عِلْم " فِيهِ بَيَان مَسَالِك الْأَدِلَّة بِأَسْرِهَا , فَأَوَّلهَا الْمَعْقُول , وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : " قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الْأَرْض أَمْ لَهُمْ شِرْك فِي السَّمَاوَات " وَهُوَ اِحْتِجَاج بِدَلِيلِ الْعَقْل فِي أَنَّ الْجَمَاد لَا يَصِحّ أَنْ يُدْعَى مِنْ دُون اللَّه فَإِنَّهُ لَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَع . ثُمَّ قَالَ : " اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْل هَذَا " فِيهِ بَيَان أَدِلَّة السَّمْع " أَوْ أَثَارَة مِنْ عِلْم " .'; $TAFSEER['4']['46']['5'] = 'أَيْ لَا أَحَد أَضَلّ وَأَجْهَل وَهِيَ الْأَوْثَان . يَعْنِي لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَفْهَمُونَ , فَأَخْرَجَهَا وَهِيَ جَمَاد مَخْرَج ذُكُور بَنِي آدَم , إِذْ قَدْ مَثَّلَتْهَا عَبَدَتهَا بِالْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاء الَّتِي تُخْدَم .'; $TAFSEER['4']['46']['6'] = 'يُرِيد يَوْم الْقِيَامَة . أَيْ هَؤُلَاءِ الْمَعْبُودُونَ أَعْدَاء الْكُفَّار يَوْم الْقِيَامَة . فَالْمَلَائِكَة أَعْدَاء الْكُفَّار , وَالْجِنّ وَالشَّيَاطِين يَتَبَرَّءُونَ غَدًا مِنْ عَبَدَتهمْ , وَيَلْعَن بَعْضهمْ بَعْضًا . وَيَجُوز أَنْ تَكُون الْأَصْنَام لِلْكُفَّارِ الَّذِينَ عَبَدُوهَا أَعْدَاء , عَلَى تَقْدِير خَلْق الْحَيَاة لَهَا , دَلِيله قَوْله تَعَالَى : " تَبَرَّأْنَا إِلَيْك مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ " [ الْقَصَص : 63 ] وَقِيلَ : عَادَوْا مَعْبُودَاتهمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا سَبَب هَلَاكهمْ , وَجَحَدَ الْمَعْبُودُونَ عِبَادَتهمْ , وَهُوَ قَوْله : " وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ "'; $TAFSEER['4']['46']['7'] = '" وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتنَا بَيِّنَات " يَعْنِي الْقُرْآن . " قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْر مُبِين " .'; $TAFSEER['4']['46']['8'] = 'الْمِيم صِلَة , التَّقْدِير : أَيَقُولُونَ اِفْتَرَاهُ , أَيْ تَقَوَّلَهُ مُحَمَّد . وَهُوَ إِضْرَاب عَنْ ذِكْر تَسْمِيَتهمْ الْآيَات سِحْرًا . وَمَعْنَى الْهَمْزَة فِي " أَمْ " الْإِنْكَار وَالتَّعَجُّب , كَأَنَّهُ قَالَ : دَعْ هَذَا وَاسْمَعْ قَوْلهمْ الْمُسْتَنْكَر الْمَقْضِيّ مِنْهُ الْعَجَب . وَذَلِكَ أَنَّ مُحَمَّدًا كَانَ لَا يَقْدِر عَلَيْهِ حَتَّى يَقُولهُ وَيَفْتَرِيه عَلَى اللَّه , وَلَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ دُون أُمَّة الْعَرَب لَكَانَتْ قُدْرَته عَلَيْهِ مُعْجِزَة لِخَرْقِهَا الْعَادَة , وَإِذَا كَانَتْ مُعْجِزَة كَانَتْ تَصْدِيقًا مِنْ اللَّه لَهُ , وَالْحَكِيم لَا يُصَدِّق الْكَاذِب فَلَا يَكُون مُفْتَرِيًا , وَالضَّمِير لِلْحَقِّ , وَالْمُرَاد بِهِ الْآيَات . عَلَى سَبِيل الْفَرْض . أَيْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ تَرُدُّوا عَنِّي عَذَاب اللَّه , فَكَيْف أَفْتَرِي عَلَى اللَّه لِأَجْلِكُمْ . أَيْ تَقُولُونَهُ , عَنْ مُجَاهِد . وَقِيلَ : تَخُوضُونَ فِيهِ مِنْ التَّكْذِيب . وَالْإِفَاضَة فِي الشَّيْء : الْخَوْض فِيهِ وَالِانْدِفَاع . أَفَاضُوا فِي الْحَدِيث أَيْ اِنْدَفَعُوا فِيهِ . وَأَفَاضَ الْبَعِير أَيْ دَفَعَ جِرَّته مِنْ كِرْشه فَأَخْرَجَهَا , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : وَأَفَضْنَ بَعْد كُظُومهنَّ بِجِرَّةٍ وَأَفَاضَ النَّاس مِنْ عَرَفَات إِلَى مِنًى أَيْ دُفِعُوا , وَكُلّ دَفْعَة إِفَاضَة . " كَفَى بِهِ شَهِيدًا " نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيز . " بَيْنِي وَبَيْنكُمْ " أَيْ هُوَ يَعْلَم صِدْقِي وَأَنَّكُمْ مُبْطِلُونَ . لِمَنْ تَابَ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ .'; $TAFSEER['4']['46']['9'] = 'أَيْ أَوَّل مَنْ أُرْسِلَ , قَدْ كَانَ قَبْلِي رُسُل , عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . وَالْبِدْع : الْأَوَّل . وَقَرَأَ عِكْرِمَة وَغَيْره " بِدَعًا " بِفَتْحِ الدَّال , عَلَى تَقْدِير حَذْف الْمُضَاف , وَالْمَعْنَى : مَا كُنْت صَاحِب بِدَع . وَقِيلَ : بِدْع وَبَدِيع بِمَعْنًى , مِثْل نِصْف وَنَصِيف . وَأَبْدَعَ الشَّاعِر : جَاءَ بِالْبَدِيعِ . وَشَيْء بِدْع ( بِالْكَسْرِ ) أَيْ مُبْتَدَع . وَفُلَان بِدْع فِي هَذَا الْأَمْر أَيْ بَدِيع . وَقَوْم أَبْدَاع , عَنْ الْأَخْفَش . وَأَنْشَدَ قُطْرُب قَوْل عَدِيّ بْن زَيْد : فَلَا أَنَا بِدْع مِنْ حَوَادِث تَعْتَرِي رِجَالًا غَدَتْ مِنْ بَعْد بُؤْسِي بِأَسْعَد يُرِيد يَوْم الْقِيَامَة . وَلَمَّا نَزَلَتْ فَرِحَ الْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُود وَالْمُنَافِقُونَ وَقَالُوا : كَيْف نَتَّبِع نَبِيًّا لَا يَدْرِي مَا يُفْعَل بِهِ وَلَا بِنَا , وَأَنَّهُ لَا فَضْل لَهُ عَلَيْنَا , وَلَوْلَا أَنَّهُ اِبْتَدَعَ الَّذِي يَقُولهُ مِنْ تِلْقَاء نَفْسه لَأَخْبَرَهُ الَّذِي بَعَثَهُ بِمَا يَفْعَل بِهِ , فَنَزَلَتْ : " لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ " [ الْفَتْح : 2 ] فَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَة , وَأَرْغَمَ اللَّه أَنْف الْكُفَّار . وَقَالَتْ الصَّحَابَة : هَنِيئًا لَك يَا رَسُول اللَّه , لَقَدْ بَيَّنَ اللَّه لَك مَا يَفْعَل بِك يَا رَسُول اللَّه , فَلَيْتَ شِعْرنَا مَا هُوَ فَاعِل بِنَا ؟ فَنَزَلَتْ : " لِيُدْخِل الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار " [ الْفَتْح : 5 ] الْآيَة . وَنَزَلَتْ : " وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنْ اللَّه فَضْلًا كَبِيرًا " [ الْأَحْزَاب : 47 ] . قَالَهُ أَنَس وَابْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَالْحَسَن وَعِكْرِمَة وَالضَّحَّاك . وَقَالَتْ أُمّ الْعَلَاء اِمْرَأَة مِنْ الْأَنْصَار : اِقْتَسَمْنَا الْمُهَاجِرِينَ فَصَارَ لَنَا عُثْمَان بْن مَظْعُون بْن حُذَافَة بْن جُمَح , فَأَنْزَلْنَاهُ أَبْيَاتنَا فَتُوُفِّيَ , فَقُلْت : رَحْمَة اللَّه عَلَيْك أَبَا السَّائِب إِنَّ اللَّه أَكْرَمَك . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ وَمَا يُدْرِيك أَنَّ اللَّه أَكْرَمَهُ ] ؟ فَقُلْت : بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُول اللَّه فَمَنْ ؟ قَالَ : [ أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِين وَمَا رَأَيْنَا إِلَّا خَيْرًا فَوَاَللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْجَنَّة وَوَاللَّه إِنِّي لَرَسُول اللَّه وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَل بِي وَلَا بِكُمْ ] . قَالَتْ : فَوَاَللَّهِ لَا أُزَكِّي بَعْده أَحَدًا أَبَدًا . ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ , وَقَالَ : وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا حِين لَمْ يَعْلَم بِغُفْرَانِ ذَنْبه , وَإِنَّمَا غَفَرَ اللَّه لَهُ ذَنْبه فِي غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة قَبْل مَوْته بِأَرْبَعِ سِنِينَ . قُلْت : حَدِيث أُمّ الْعَلَاء خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ , وَرِوَايَتِي فِيهِ : " وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَل بِهِ " لَيْسَ فِيهِ " بِي وَلَا بِكُمْ " وَهُوَ الصَّحِيح إِنْ شَاءَ اللَّه , عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه . وَالْآيَة لَيْسَتْ مَنْسُوخَة ; لِأَنَّهَا خَبَر . قَالَ النَّحَّاس : مُحَال أَنْ يَكُون فِي هَذَا نَاسِخ وَلَا مَنْسُوخ مِنْ جِهَتَيْنِ : أَحَدهمَا أَنَّهُ خَبَر , وَالْآخَر أَنَّهُ مِنْ أَوَّل السُّورَة إِلَى هَذَا الْمَوْضِع خِطَاب لِلْمُشْرِكِينَ وَاحْتِجَاج عَلَيْهِمْ وَتَوْبِيخ لَهُمْ , فَوَجَبَ أَنْ يَكُون هَذَا أَيْضًا خِطَابًا لِلْمُشْرِكِينَ كَمَا كَانَ قَبْله وَمَا بَعْده , وَمُحَال أَنْ يَقُول النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُشْرِكِينَ " مَا أَدْرِي مَا يُفْعَل بِي وَلَا بِكُمْ " فِي الْآخِرَة , وَلَمْ يَزَلْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَوَّل مَبْعَثه إِلَى مَمَاته يُخْبِر أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْر مُخَلَّد فِي النَّار , وَمَنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَان وَاتَّبَعَهُ وَأَطَاعَهُ فَهُوَ فِي الْجَنَّة , فَقَدْ رَأَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُفْعَل بِهِ وَبِهِمْ فِي الْآخِرَة . وَلَيْسَ يَجُوز أَنْ يَقُول لَهُمْ مَا أَدْرِي مَا يُفْعَل بِي وَلَا بِكُمْ فِي الْآخِرَة , فَيَقُولُونَ كَيْف نَتَّبِعك وَأَنْتَ لَا تَدْرِي أَتَصِيرُ إِلَى خَفْض وَدَعَة أَمْ إِلَى عَذَاب وَعِقَاب . وَالصَّحِيح فِي الْآيَة قَوْل الْحَسَن , كَمَا قَرَأَ عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن حَفْص عَنْ يُوسُف بْن مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيع قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر الْهُذَلِيّ عَنْ الْحَسَن : " وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَل بِي وَلَا بِكُمْ فِي الدُّنْيَا " قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا أَصَحّ قَوْل وَأَحْسَنه , لَا يَدْرِي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَلْحَقهُ وَإِيَّاهُمْ مِنْ مَرَض وَصِحَّة وَرُخْص وَغَلَاء وَغِنًى وَفَقْر . وَمِثْله : " وَلَوْ كُنْت أَعْلَم الْغَيْب لَاسْتَكْثَرْت مِنْ الْخَيْر وَمَا مَسَّنِي السُّوء إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِير وَبَشِير " [ الْأَعْرَاف : 188 ] . وَذَكَرَ الْوَاحِدِيّ وَغَيْره عَنْ الْكَلْبِيّ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس : لَمَّا اِشْتَدَّ الْبَلَاء بِأَصْحَابِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي الْمَنَام أَنَّهُ يُهَاجِر إِلَى أَرْض ذَات نَخْل وَشَجَر وَمَاء , فَقَصَّهَا عَلَى أَصْحَابه فَاسْتَبْشَرُوا بِذَلِكَ , وَرَأَوْا فِيهَا فَرَجًا مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ , ثُمَّ إِنَّهُمْ مَكَثُوا بُرْهَة لَا يَرَوْنَ ذَلِكَ فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , مَتَى نُهَاجِر إِلَى الْأَرْض الَّتِي رَأَيْت ؟ فَسَكَتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَل بِي وَلَا بِكُمْ " أَيْ لَا أَدْرِي أَأَخْرُجُ إِلَى الْمَوْضِع الَّذِي رَأَيْته فِي مَنَامِي أَمْ لَا . ثُمَّ قَالَ : [ إِنَّمَا هُوَ شَيْء رَأَيْته فِي مَنَامِي مَا أَتَّبِع إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ] أَيْ لَمْ يُوحَ إِلَيَّ مَا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : فَعَلَى هَذَا لَا نَسْخ فِي الْآيَة . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَا أَدْرِي مَا يُفْرَض عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ مِنْ الْفَرَائِض . وَاخْتَارَ الطَّبَرِيّ أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : مَا أَدْرِي مَا يَصِير إِلَيْهِ أَمْرِي وَأَمْركُمْ فِي الدُّنْيَا , أَتُؤْمِنُونَ أَمْ تَكْفُرُونَ , أَمْ تُعَاجَلُونَ بِالْعَذَابِ أَمْ تُؤَخَّرُونَ . قُلْت : وَهُوَ مَعْنَى قَوْل الْحَسَن وَالسُّدِّيّ وَغَيْرهمَا . قَالَ الْحَسَن : مَا أَدْرِي مَا يُفْعَل بِي وَلَا بِكُمْ فِي الدُّنْيَا , أَمَّا فِي الْآخِرَة فَمَعَاذ اللَّه , قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ فِي الْجَنَّة حِين أَخَذَ مِيثَاقه فِي الرُّسُل , وَلَكِنْ قَالَ مَا أَدْرِي مَا يُفْعَل بِي فِي الدُّنْيَا أَأَخْرُجُ كَمَا أُخْرِجَتْ الْأَنْبِيَاء قَبْلِي , أَوْ أُقْتَل كَمَا قُتِلَتْ الْأَنْبِيَاء قَبْلِي , وَلَا أَدْرِي مَا يُفْعَل بِكُمْ , أَأُمَّتِي الْمُصَدِّقَة أَمْ الْمُكَذِّبَة , أَمْ أُمَّتِي الْمَرْمِيَّة بِالْحِجَارَةِ مِنْ السَّمَاء قَذْفًا , أَوْ مَخْسُوف بِهَا خَسْفًا , ثُمَّ نَزَلَتْ : " هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله بِالْهُدَى وَدِين الْحَقّ لِيُظْهِرهُ عَلَى الدِّين كُلّه " [ التَّوْبَة : 33 ] . يَقُول : سَيُظْهِرُ دِينه عَلَى الْأَدْيَان . ثُمَّ قَالَ فِي أُمَّته : " وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ " [ الْأَنْفَال : 33 ] فَأَخْبَرَهُ تَعَالَى بِمَا يَصْنَع بِهِ وَبِأُمَّتِهِ , وَلَا نَسْخ عَلَى هَذَا كُلّه , وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَقَالَ الضَّحَّاك أَيْضًا : " مَا أَدْرِي مَا يُفْعَل بِي وَلَا بِكُمْ " أَيْ مَا تُؤْمَرُونَ بِهِ وَتُنْهَوْنَ عَنْهُ . وَقِيلَ : أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُول لِلْمُؤْمِنِينَ مَا أَدْرِي مَا يُفْعَل بِي وَلَا بِكُمْ فِي الْقِيَامَة , ثُمَّ بَيَّنَ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ فِي قَوْله : " لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ " [ الْفَتْح : 2 ] وَبَيَّنَ فِيمَا بَعْد ذَلِكَ حَال الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ بَيَّنَ حَال الْكَافِرِينَ . قُلْت : وَهَذَا مَعْنَى الْقَوْل الْأَوَّل , إِلَّا أَنَّهُ أُطْلِقَ فِيهِ النَّسْخ بِمَعْنَى الْبَيَان , وَأَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَقُول ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ , وَالصَّحِيح مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْحَسَن وَغَيْره . وَ " مَا " فِي " مَا يُفْعَل " يَجُوز أَنْ تَكُون مَوْصُولَة , وَأَنْ تَكُون اِسْتِفْهَامِيَّة مَرْفُوعَة . أَيْ لَا أَتَّبِع إِلَّا مَا أَتْلُوهُ عَلَيْكُمْ مِنْ وَعْد وَوَعِيد , وَتَحْرِيم وَتَحْلِيل , وَأَمْر وَنَهْي . " وَقَدْ يَسْتَدِلّ بِهَذَا مَنْ يَمْنَع نَسْخ الْكِتَاب بِالسُّنَّةِ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : " قُلْ مَا يَكُون لِي أَنْ أُبَدِّلهُ مِنْ تِلْقَاء نَفْسِي " وَهَذَا فِيهِ بُعْد ; فَإِنَّ الْآيَة وَرَدَتْ فِي طَلَب الْمُشْرِكِينَ مِثْل الْقُرْآن نَظْمًا , وَلَمْ يَكُنْ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ , وَلَمْ يَسْأَلُوهُ تَبْدِيل الْحُكْم دُون اللَّفْظ ; وَلِأَنَّ الَّذِي يَقُولهُ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ وَحْيًا لَمْ يَكُنْ مِنْ تِلْقَاء نَفْسه , بَلْ كَانَ مِنْ عِنْد اللَّه تَعَالَى . وَقُرِئَ " يُوحِي " أَيْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ .'; $TAFSEER['4']['46']['10'] = 'يَعْنِي الْقُرْآن . وَجَوَاب " إِنْ كَانَ " مَحْذُوف تَقْدِيره : فَآمَنَ أَتُؤْمِنُونَ , قَالَ الزَّجَّاج . وَقِيلَ : " فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ " أَلَيْسَ قَدْ ظَلَمْتُمْ , يُبَيِّنهُ " إِنَّ اللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ " وَقِيلَ : " فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ " أَفَتَأْمَنُونَ عَذَاب اللَّه . وَ " أَرَأَيْتُمْ " لَفْظ مَوْضُوع لِلسُّؤَالِ وَالِاسْتِفْهَام , وَلِذَلِكَ لَا يَقْتَضِي مَفْعُولًا . وَحَكَى النَّقَّاش وَغَيْره : أَنَّ فِي الْآيَة تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا , وَتَقْدِيره : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْد اللَّه وَشَهِدَ شَاهِد مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل فَآمَنَ هُوَ وَكَفَرْتُمْ إِنَّ اللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ . قَالَ الشَّعْبِيّ : الْمُرَاد مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة وَمُجَاهِد : هُوَ عَبْد اللَّه بْن سَلَام , شَهِدَ عَلَى الْيَهُود أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه مَذْكُور فِي التَّوْرَاة , وَأَنَّهُ نَبِيّ مِنْ عِنْد اللَّه . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْهُ : وَنَزَلَتْ فِيَّ آيَات مِنْ كِتَاب اللَّه , نَزَلَتْ فِيَّ : " وَشَهِدَ شَاهِد مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى مِثْله فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ " . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِر سُورَة " الرَّعْد " . وَقَالَ مَسْرُوق : هُوَ مُوسَى وَالتَّوْرَاة , لَا اِبْن سَلَام ; لِأَنَّهُ أَسْلَمَ بِالْمَدِينَةِ وَالسُّورَة مَكِّيَّة . وَقَالَ : وَقَوْله : " وَكَفَرْتُمْ بِهِ " مُخَاطَبَة لِقُرَيْشٍ . الشَّعْبِيّ : هُوَ مَنْ آمَنَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل بِمُوسَى وَالتَّوْرَاة ; لِأَنَّ اِبْن سَلَام إِنَّمَا أَسْلَمَ قَبْل وَفَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَامَيْنِ , وَالسُّورَة مَكِّيَّة . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَمَنْ قَالَ الشَّاهِد مُوسَى قَالَ السُّورَة مَكِّيَّة , وَأَسْلَمَ اِبْن سَلَام قَبْل مَوْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَامَيْنِ . وَيَجُوز أَنْ تَكُون الْآيَة نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ وَتُوضَع فِي سُورَة مَكِّيَّة , فَإِنَّ الْآيَة كَانَتْ تَنْزِل فَيَقُول النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعُوهَا فِي سُورَة كَذَا . وَالْآيَة فِي مُحَاجَّة الْمُشْرِكِينَ , وَوَجْه الْحُجَّة أَنَّهُمْ كَانُوا يُرَاجِعُونَ الْيَهُود فِي أَشْيَاء , أَيْ شَهَادَتهمْ لَهُمْ وَشَهَادَة نَبِيّهمْ لِي مِنْ أَوْضَح الْحُجَج . وَلَا يَبْعُد أَنْ تَكُون السُّورَة فِي مُحَاجَّة الْيَهُود , وَلَمَّا جَاءَ اِبْن سَلَام مُسْلِمًا مِنْ قَبْل أَنْ تَعْلَم الْيَهُود بِإِسْلَامِهِ قَالَ : يَا رَسُول اللَّه , اِجْعَلْنِي حَكَمًا بَيْنك وَبَيْن الْيَهُود , فَسَأَلَهُمْ عَنْهُ : [ أَيّ رَجُل هُوَ فِيكُمْ ] قَالُوا : سَيِّدنَا وَعَالِمنَا . فَقَالَ : [ إِنَّهُ قَدْ آمَنَ بِي ] فَأَسَاءُوا الْقَوْل فِيهِ ... الْحَدِيث , وَقَدْ تَقَدَّمَ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : رَضِيَتْ الْيَهُود بِحُكْمِ اِبْن سَلَام , وَقَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ يَشْهَد لَك آمَنَّا بِك , فَسُئِلَ فَشَهِدَ ثُمَّ أَسْلَمَ . أَيْ عَلَى مِثْل مَا جِئْتُكُمْ بِهِ , فَشَهِدَ مُوسَى عَلَى التَّوْرَاة وَمُحَمَّد عَلَى الْقُرْآن . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ . " مِثْل " صِلَة , أَيْ وَشَهِدَ شَاهِد عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه . أَيْ هَذَا الشَّاهِد . أَنْتُمْ عَنْ الْإِيمَان . وَجَوَاب " إِنْ كَانَ " مَحْذُوف تَقْدِيره : فَآمَنَ أَتُؤْمِنُونَ , قَالَ الزَّجَّاج . وَقِيلَ : " فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ " أَلَيْسَ قَدْ ظَلَمْتُمْ , يُبَيِّنهُ " إِنَّ اللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ " وَقِيلَ : " فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ " أَفَتَأْمَنُونَ عَذَاب اللَّه . وَ " أَرَأَيْتُمْ " لَفْظ مَوْضُوع لِلسُّؤَالِ وَالِاسْتِفْهَام , وَلِذَلِكَ لَا يَقْتَضِي مَفْعُولًا . حَكَى النَّقَّاش وَغَيْره : أَنَّ فِي الْآيَة تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا , وَتَقْدِيره : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْد اللَّه وَشَهِدَ شَاهِد مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل فَآمَنَ هُوَ وَكَفَرْتُمْ إِنَّ اللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ .'; $TAFSEER['4']['46']['11'] = 'اُخْتُلِفَ فِي سَبَب نُزُولهَا عَلَى سِتَّة أَقْوَال : الْأَوَّل : أَنَّ أَبَا ذَرّ الْغِفَارِيّ دَعَاهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِسْلَام بِمَكَّة فَأَجَابَ , وَاسْتَجَارَ بِهِ قَوْمه فَأَتَاهُ زَعِيمهمْ فَأَسْلَمَ , ثُمَّ دَعَاهُمْ الزَّعِيم فَأَسْلَمُوا , فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا فَقَالُوا : غِفَار الْحُلَفَاء لَوْ كَانَ هَذَا خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , قَالَهُ أَبُو الْمُتَوَكِّل . الثَّانِي : أَنَّ زِنِّيرَة أَسْلَمَتْ فَأُصِيبَ بَصَرهَا فَقَالُوا لَهَا : أَصَابَك اللَّات وَالْعُزَّى , فَرَدَّ اللَّه عَلَيْهَا بَصَرهَا . فَقَالَ عُظَمَاء قُرَيْش : لَوْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد خَيْرًا مَا سَبَقَتْنَا إِلَيْهِ زِنِّيرَة , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة , قَالَهُ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر . الثَّالِث : أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا هُمْ بَنُو عَامِر وَغَطَفَان وَتَمِيم وَأَسَد وَحَنْظَلَة وَأَشْجَع قَالُوا لِمَنْ أَسْلَمَ مِنْ غِفَار وَأَسْلَم وَجُهَيْنَة وَمُزَيْنَة وَخُزَاعَة : لَوْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد خَيْرًا مَا سَبَقَتْنَا إِلَيْهِ رُعَاة الْبَهْم إِذْ نَحْنُ أَعَزّ مِنْهُمْ , قَالَهُ الْكَلْبِيّ وَالزَّجَّاج , وَحَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس . الرَّابِع : وَقَالَ قَتَادَة : نَزَلَتْ فِي مُشْرِكِي قُرَيْش , قَالُوا : لَوْ كَانَ مَا يَدْعُونَا إِلَيْهِ مُحَمَّد خَيْرًا مَا سَبَقَنَا إِلَيْهِ بِلَال وَصُهَيْب وَعَمَّار وَفُلَان وَفُلَان . الْخَامِس : أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ الْيَهُود قَالُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا يَعْنِي عَبْد اللَّه بْن سَلَام وَأَصْحَابه : لَوْ كَانَ دِين مُحَمَّد حَقًّا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ , قَالَهُ أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ , حَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ . وَقَالَ مَسْرُوق : إِنَّ الْكُفَّار قَالُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقَتْنَا إِلَيْهِ الْيَهُود , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . وَهَذِهِ الْمُعَارَضَة مِنْ الْكُفَّار فِي قَوْلهمْ : لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ مِنْ أَكْبَر الْمُعَارَضَات بِانْقِلَابِهَا عَلَيْهِمْ لِكُلِّ مَنْ خَالَفَهُمْ , حَتَّى يُقَال لَهُمْ : لَوْ كَانَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا مَا عَدَلْنَا عَنْهُ , وَلَوْ كَانَ تَكْذِيبكُمْ لِلرَّسُولِ خَيْرًا مَا سَبَقْتُمُونَا إِلَيْهِ , ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . ثُمَّ قِيلَ : قَوْله : " مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ " يَجُوز أَنْ يَكُون مِنْ قَوْل الْكُفَّار لِبَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ , وَيَجُوز أَنْ يَكُون عَلَى الْخُرُوج مِنْ الْخِطَاب إِلَى الْغَيْبَة , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْك وَجَرَيْنَ بِهِمْ " [ يُونُس : 22 ] . يَعْنِي الْإِيمَان . وَقِيلَ الْقُرْآن . وَقِيلَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . أَيْ لَمَّا لَمْ يُصِيبُوا الْهُدَى بِالْقُرْآنِ وَلَا بِمَنْ جَاءَ بِهِ عَادَوْهُ وَنَسَبُوهُ إِلَى الْكَذِب , وَقَالُوا هَذَا إِفْك قَدِيم , كَمَا قَالُوا : أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ وَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ : هَلْ فِي الْقُرْآن : مَنْ جَهِلَ شَيْئًا عَادَاهُ ؟ فَقَالَ نَعَمْ , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْك قَدِيم " وَمِثْله : " بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ " [ يُونُس : 39 ] .'; $TAFSEER['4']['46']['12'] = 'أَيْ وَمِنْ قَبْل الْقُرْآن أَيْ التَّوْرَاة يُقْتَدَى بِمَا فِيهِ . وَ " إِمَامًا " نُصِبَ عَلَى الْحَال ; لِأَنَّ الْمَعْنَى : وَتَقَدَّمَهُ كِتَاب مُوسَى إِمَامًا . " وَرَحْمَة " مَعْطُوف عَلَيْهِ . وَقِيلَ : اِنْتَصَبَ بِإِضْمَارِ فِعْل , أَيْ أَنْزَلْنَاهُ إِمَامًا وَرَحْمَة . وَقَالَ الْأَخْفَش : عَلَى الْقَطْع ; لِأَنَّ كِتَاب مُوسَى مَعْرِفَة بِالْإِضَافَةِ ; لِأَنَّ النَّكِرَة إِذَا أُعِيدَتْ أَوْ أُضِيفَتْ أَوْ أُدْخِلَ عَلَيْهَا أَلِف وَلَام صَارَتْ مَعْرِفَة . مِنْ اللَّه . وَفِي الْكَلَام حَذْف , أَيْ فَلَمْ تَهْتَدُوا بِهِ . وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِي التَّوْرَاة نَعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِيمَان بِهِ فَتَرَكُوا ذَلِكَ . وَ " إِمَامًا " نُصِبَ عَلَى الْحَال لِأَنَّ الْمَعْنَى : وَتَقَدَّمَهُ كِتَاب مُوسَى إِمَامًا . " وَرَحْمَة " مَعْطُوف عَلَيْهِ . وَقِيلَ : اِنْتَصَبَ بِإِضْمَارِ فِعْل , أَيْ أَنْزَلْنَاهُ إِمَامًا وَرَحْمَة . وَقَالَ الْأَخْفَش : عَلَى الْقَطْع ; لِأَنَّ كِتَاب مُوسَى مَعْرِفَة بِالْإِضَافَةِ ; لِأَنَّ النَّكِرَة إِذَا أُعِيدَتْ أَوْ أُضِيفَتْ أَوْ أُدْخِلَ عَلَيْهَا أَلِف وَلَام صَارَتْ مَعْرِفَة . يَعْنِي الْقُرْآن يَعْنِي لِلتَّوْرَاةِ وَلِمَا قَبْله مِنْ الْكُتُب . وَقِيلَ : مُصَدِّق لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . مَنْصُوب عَلَى الْحَال , أَيْ مُصَدِّق لِمَا قَبْله عَرَبِيًّا , وَ " لِسَانًا " تَوْطِئَة لِلْحَالِ أَيْ تَأْكِيد , كَقَوْلِهِمْ : جَاءَنِي زَيْد رَجُلًا صَالِحًا , فَتَذْكُر رَجُلًا تَوْكِيدًا . وَقِيلَ : نُصِبَ بِإِضْمَارِ فِعْل تَقْدِيره : وَهَذَا كِتَاب مُصَدِّق أَعْنِي لِسَانًا عَرَبِيًّا . وَقِيلَ : نُصِبَ بِإِسْقَاطِ حَرْف الْخَفْض تَقْدِيره : بِلِسَانٍ عَرَبِيّ . وَقِيلَ : إِنَّ لِسَانًا مَفْعُول وَالْمُرَاد بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَيْ وَهَذَا كِتَاب مُصَدِّق لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ مُعْجِزَته , وَالتَّقْدِير : مُصَدِّق ذَا لِسَان عَرَبِيّ . فَاللِّسَان مَنْصُوب بِمُصَدِّق , وَهُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَيَبْعُد أَنْ يَكُون اللِّسَان الْقُرْآن ; لِأَنَّ الْمَعْنَى يَكُون يُصَدِّق نَفْسه قِرَاءَة الْعَامَّة " لِيُنْذِر " بِالْيَاءِ خَبَر عَنْ الْكِتَاب , أَيْ لِيُنْذِر الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ بِالْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَة . وَقِيلَ : هُوَ خَبَر عَنْ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامِر وَالْبَزِّيّ بِالتَّاءِ , وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم , عَلَى خِطَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِر " [ الرَّعْد : 7 ] . " بُشْرَى " فِي مَوْضِع رَفْع , أَيْ وَهُوَ بُشْرَى . وَقِيلَ : عَطْفًا عَلَى الْكِتَاب , أَيْ وَهَذَا كِتَاب مُصَدِّق وَبُشْرَى . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَنْصُوبًا بِإِسْقَاطِ حَرْف الْخَفْض , أَيْ لِيُنْذِر الَّذِينَ ظَلَمُوا وَلِلْبُشْرَى , فَلَمَّا حُذِفَ الْخَافِض نُصِبَ . وَقِيلَ : عَلَى الْمَصْدَر , أَيْ وَتُبَشِّر الْمُحْسِنِينَ بُشْرَى , فَلَمَّا جُعِلَ مَكَان وَتُبَشِّر بُشْرَى أَوْ بِشَارَة نُصِبَ , كَمَا تَقُول : أَتَيْتُك لِأَزُورَك , وَكَرَامَة لَك وَقَضَاء لِحَقِّك , يَعْنِي لِأَزُورَك وَأُكْرِمك وَأَقْضِي حَقّك , فَنَصَبَ الْكَرَامَة بِفِعْلٍ مُضْمَر .'; $TAFSEER['4']['46']['13'] = 'قَالَ عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ; وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا رَبّنَا اللَّه وَالْمَلَائِكَة بَنَاته وَهَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْد اللَّه ; فَلَمْ يَسْتَقِيمُوا . وَقَالَ أَبُو بَكْر : رَبّنَا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْده وَرَسُوله ; فَاسْتَقَامَ . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللَّه ثُمَّ اِسْتَقَامُوا " قَالَ : ( قَدْ قَالَ النَّاس ثُمَّ كَفَرَ أَكْثَرهمْ فَمَنْ مَاتَ عَلَيْهَا فَهُوَ مِمَّنْ اِسْتَقَامَ ) قَالَ : حَدِيث غَرِيب . وَيُرْوَى فِي هَذِهِ الْآيَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ مَعْنَى " اِسْتَقَامُوا " ; فَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ سُفْيَان بْن عَبْد اللَّه الثَّقَفِيّ قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه قُلْ لِي فِي الْإِسْلَام قَوْلًا لَا أَسْأَل عَنْهُ أَحَدًا بَعْدك - وَفِي رِوَايَة - غَيْرك . قَالَ : ( قُلْ آمَنْت بِاَللَّهِ ثُمَّ اِسْتَقِمْ ) زَادَ التِّرْمِذِيّ قُلْت : يَا رَسُول اللَّه مَا أَخْوَف مَا تَخَاف عَلَيَّ ؟ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسه وَقَالَ : ( هَذَا ) . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : " ثُمَّ اِسْتَقَامُوا " لَمْ يُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا . وَرَوَى عَنْهُ الْأَسْوَد بْن هِلَال أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : مَا تَقُولُونَ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللَّه ثُمَّ اِسْتَقَامُوا " وَ " الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ " فَقَالُوا : اِسْتَقَامُوا فَلَمْ يُذْنِبُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِخَطِيئَةٍ ; فَقَالَ أَبُو بَكْر : لَقَدْ حَمَلْتُمُوهَا عَلَى غَيْر الْمَحْمَل " قَالُوا رَبّنَا اللَّه ثُمَّ اِسْتَقَامُوا " فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى إِلَه غَيْره " وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ " بِشِرْكٍ " أُولَئِكَ لَهُمْ الْأَمْن وَهُمْ مُهْتَدُونَ " . وَرُوِيَ عَنْ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَر وَهُوَ يَخْطُب : " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللَّه ثُمَّ اِسْتَقَامُوا " فَقَالَ : اِسْتَقَامُوا وَاَللَّه عَلَى الطَّرِيقَة لِطَاعَتِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْغُوا رَوَغَان الثَّعَالِب . وَقَالَ عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : ثُمَّ أَخْلَصُوا الْعَمَل لِلَّهِ . وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : ثُمَّ أَدَّوْا الْفَرَائِض . وَأَقْوَال التَّابِعِينَ بِمَعْنَاهَا . قَالَ اِبْن زَيْد وَقَتَادَة : اِسْتَقَامُوا عَلَى الطَّاعَة لِلَّهِ . الْحَسَن : اِسْتَقَامُوا عَلَى أَمْر اللَّه فَعَمِلُوا بِطَاعَتِهِ وَاجْتَنَبُوا مَعْصِيَته . وَقَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة : اِسْتَقَامُوا عَلَى شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه حَتَّى مَاتُوا . وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ : عَمِلُوا عَلَى وِفَاق مَا قَالُوا . وَقَالَ الرَّبِيع : أَعْرَضُوا عَمَّا سِوَى اللَّه . وَقَالَ الْفُضَيْل بْن عِيَاض : زَهِدُوا فِي الْفَانِيَة وَرَغِبُوا فِي الْبَاقِيَة . وَقِيلَ : اِسْتَقَامُوا إِسْرَارًا كَمَا اِسْتَقَامُوا إِقْرَارًا . وَقِيلَ : اِسْتَقَامُوا فِعْلًا كَمَا اِسْتَقَامُوا قَوْلًا . وَقَالَ أَنَس : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هُمْ أُمَّتِي وَرَبّ الْكَعْبَة ) . وَقَالَ الْإِمَام اِبْن فَوْرك : السِّين سِين الطَّلَب مِثْل اِسْتَسْقَى أَيْ سَأَلُوا مِنْ اللَّه أَنْ يُثَبِّتهُمْ عَلَى الدِّين . وَكَانَ الْحَسَن إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة قَالَ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبّنَا فَارْزُقْنَا الِاسْتِقَامَة . قُلْت : وَهَذِهِ الْأَقْوَال وَإِنْ تَدَاخَلَتْ فَتَلْخِيصهَا : اِعْتَدَلُوا عَلَى طَاعَة اللَّه عَقْدًا وَقَوْلًا وَفِعْلًا , وَدَامُوا عَلَى ذَلِكَ . قَالَ مُجَاهِد : لَا خَوْف عَلَيْهِمْ مِنْ الْمَوْت " وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " أَيْ لَا تَحْزَنُونَ عَلَى أَوْلَادكُمْ فَإِنَّ اللَّه خَلِيفَتكُمْ عَلَيْهِمْ . وَقَالَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح : لَا تَخَافُوا رَدّ ثَوَابكُمْ فَإِنَّهُ مَقْبُول , وَلَا تَحْزَنُوا عَلَى ذُنُوبكُمْ فَإِنِّي أَغْفِرهَا لَكُمْ . وَقَالَ عِكْرِمَة وَلَا تَخَافُوا أَمَامكُمْ , وَلَا تَحْزَنُوا عَلَى ذُنُوبكُمْ .'; $TAFSEER['4']['46']['14'] = '" جَزَاء " نَصْب عَلَى الْمَصْدَر .'; $TAFSEER['4']['46']['15'] = 'بَيَّنَ اِخْتِلَاف حَال الْإِنْسَان مَعَ أَبَوَيْهِ , فَقَدْ يُطِيعهُمَا وَقَدْ يُخَالِفهُمَا , أَيْ فَلَا يَبْعُد مِثْل هَذَا فِي حَقّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمه حَتَّى يَسْتَجِيب لَهُ الْبَعْض وَيَكْفُر الْبَعْض . فَهَذَا وَجْه اِتِّصَال الْكَلَام بَعْضه بِبَعْضٍ , قَالَهُ الْقُشَيْرِيّ . قِرَاءَة الْعَامَّة " حُسْنًا " وَكَذَا هُوَ فِي مَصَاحِف أَهْل الْحَرَمَيْنِ وَالْبَصْرَة وَالشَّام . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَالْكُوفِيُّونَ " إِحْسَانًا " وَحُجَّتهمْ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة ( الْأَنْعَام وَبَنِي إِسْرَائِيل ) : " وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا " [ الْأَنْعَام : 151 ] وَكَذَا هُوَ فِي مَصَاحِف الْكُوفَة . وَحُجَّة الْقِرَاءَة الْأُولَى قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْعَنْكَبُوت : " وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا " [ الْعَنْكَبُوت : 8 ] وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهَا . وَالْحُسْن خِلَاف الْقُبْح . وَالْإِحْسَان خِلَاف الْإِسَاءَة . وَالتَّوْصِيَة الْأَمْر . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي هَذَا وَفِيمَنْ نَزَلَتْ . أَيْ بِكُرْهٍ وَمَشَقَّة . وَقِرَاءَة الْعَامَّة بِفَتْحِ الْكَاف . وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد , قَالَ : وَكَذَلِكَ لَفْظ الْكَرْه فِي كُلّ الْقُرْآن بِالْفَتْحِ إِلَّا الَّتِي فِي سُورَة الْبَقَرَة : " كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَال وَهُوَ كُرْه لَكُمْ " [ الْبَقَرَة : 216 ] لِأَنَّ ذَلِكَ اِسْم وَهَذِهِ كُلّهَا مَصَادِر . وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ " كُرْهًا " بِالضَّمِّ . قِيلَ : هُمَا لُغَتَانِ مِثْل الضُّعْف وَالضَّعْف وَالشُّهْد وَالشَّهْد , قَالَهُ الْكِسَائِيّ , وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْد جَمِيع الْبَصْرِيِّينَ . وَقَالَ الْكِسَائِيّ أَيْضًا وَالْفَرَّاء فِي الْفَرْق بَيْنهمَا : إِنَّ الْكُرْه ( بِالضَّمِّ ) مَا حَمَلَ الْإِنْسَان عَلَى نَفْسه , وَبِالْفَتْحِ مَا حَمَلَ عَلَى غَيْره , أَيْ قَهْرًا وَغَضَبًا , وَلِهَذَا قَالَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة إِنَّ كَرْهًا ( بِفَتْحِ الْكَاف ) لَحْن . قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِذَا حَمَلَتْ تِسْعَة أَشْهُر أَرْضَعَتْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ شَهْرًا , وَإِنْ حَمَلَتْ سِتَّة أَشْهُر أَرْضَعَتْ أَرْبَعَة وَعِشْرِينَ شَهْرًا . وَرُوِيَ أَنَّ عُثْمَان قَدْ أُتِيَ بِامْرَأَةٍ قَدْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُر , فَأَرَادَ أَنْ يَقْضِي عَلَيْهَا بِالْحَدِّ , فَقَالَ لَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهَا , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَحَمْله وَفِصَاله ثَلَاثُونَ شَهْرًا " وَقَالَ تَعَالَى : " وَالْوَالِدَات يُرْضِعْنَ أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ " [ الْبَقَرَة : 233 ] فَالرَّضَاع أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ شَهْرًا وَالْحَمْل سِتَّة أَشْهُر , فَرَجَعَ عُثْمَان عَنْ قَوْله وَلَمْ يَحُدّهَا . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " . وَقِيلَ : لَمْ يَعُدّ ثَلَاثَة أَشْهُر فِي اِبْتِدَاء الْحَمْل ; لِأَنَّ الْوَلَد فِيهَا نُطْفَة وَعَلَقَة وَمُضْغَة فَلَا يَكُون لَهُ ثِقَل يُحَسّ بِهِ , وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى : " فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ " [ الْأَعْرَاف : 189 ] . وَالْفِصَال الْفِطَام . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " لُقْمَان " الْكَلَام فِيهِ . وَقَرَأَ الْحَسَن وَيَعْقُوب وَغَيْرهمَا " وَفَصْله " بِفَتْحِ الْفَاء وَسُكُون الصَّاد . وَرُوِيَ أَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْر الصِّدِّيق ; وَكَانَ حَمْله وَفِصَاله فِي ثَلَاثِينَ شَهْرًا , حَمَلَتْهُ أُمّه تِسْعَة أَشْهُر وَأَرْضَعَتْهُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ شَهْرًا . وَفِي الْكَلَام إِضْمَار , أَيْ وَمُدَّة حَمْله وَمُدَّة فِصَاله ثَلَاثُونَ شَهْرًا , وَلَوْلَا هَذَا الْإِضْمَار لَنُصِبَ ثَلَاثُونَ عَلَى الظَّرْف وَتَغَيَّرَ الْمَعْنَى . قَالَ اِبْن عَبَّاس : " أَشُدّهُ " ثَمَانِيَ عَشْرَة سَنَة . وَقَالَ فِي رِوَايَة عَطَاء عَنْهُ : إِنَّ أَبَا بَكْر صَحِبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ اِبْن ثَمَانِيَ عَشْرَة سَنَة وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِبْن عِشْرِينَ سَنَة , وَهُمْ يُرِيدُونَ الشَّام لِلتِّجَارَةِ , فَنَزَلُوا مَنْزِلًا فِيهِ سِدْرَة , فَقَعَدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ظِلّهَا , وَمَضَى أَبُو بَكْر إِلَى رَاهِب هُنَاكَ فَسَأَلَهُ عَنْ الدِّين . فَقَالَ الرَّاهِب : مَنْ الرَّجُل الَّذِي فِي ظِلّ الشَّجَرَة ؟ فَقَالَ : ذَاكَ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْمُطَّلِب . فَقَالَ : هَذَا وَاَللَّه نَبِيّ , وَمَا اِسْتَظَلَّ أَحَد تَحْتهَا بَعْد عِيسَى . فَوَقَعَ فِي قَلْب أَبِي بَكْر الْيَقِين وَالتَّصْدِيق , وَكَانَ لَا يَكَاد يُفَارِق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَسْفَاره وَحَضَره . فَلَمَّا نُبِّئَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ اِبْن أَرْبَعِينَ سَنَة , صَدَّقَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ اِبْن ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ سَنَة . فَلَمَّا بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَة قَالَ : " رَبّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُر نِعْمَتك الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ " الْآيَة . وَقَالَ الشَّعْبِيّ وَابْن زَيْد : الْأَشُدّ الْحُلُم . وَقَالَ الْحَسَن : هُوَ بُلُوغ الْأَرْبَعِينَ . وَعَنْهُ قِيَام الْحُجَّة عَلَيْهِ . وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَنْعَام " الْكَلَام فِي الْآيَة . وَقَالَ السُّدِّيّ وَالضَّحَّاك : نَزَلَتْ فِي سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص . وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَقَالَ الْحَسَن : هِيَ مُرْسَلَة نُزِلَتْ عَلَى الْعُمُوم . وَاَللَّه أَعْلَم . أَيْ أَلْهِمْنِي . فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْمَصْدَر , أَيْ شُكْر نِعْمَتك " عَلَيَّ " أَيْ مَا أَنْعَمْت بِهِ عَلَيَّ مِنْ الْهِدَايَة بِالتَّحَنُّنِ وَالشَّفَقَة حَتَّى رَبَّيَانِي صَغِيرًا . وَقِيلَ : أَنْعَمْت عَلَيَّ بِالصِّحَّةِ وَالْعَافِيَة وَعَلَى وَالِدَيَّ بِالْغِنَى وَالثَّرْوَة . وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , أَسْلَمَ أَبَوَاهُ جَمِيعًا وَلَمْ يَجْتَمِع لِأَحَدٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ أَنْ أَسْلَمَ أَبَوَاهُ غَيْره , فَأَوْصَاهُ اللَّه بِهِمَا وَلَزِمَ ذَلِكَ مَنْ بَعْده . وَوَالِده هُوَ قُحَافَة عُثْمَان بْن عَامِر بْن عَمْرو بْن كَعْب بْن سَعْد بْن تَيْم . وَأُمّه أُمّ الْخَيْر , وَاسْمهَا سَلْمَى بِنْت صَخْر بْن عَامِر بْن كَعْب بْن سَعْد . وَأُمّ أَبِيهِ أَبِي قُحَافَة " قَيْلَة " " بِالْيَاءِ الْمُعْجَمَة بِاثْنَتَيْنِ مِنْ تَحْتهَا " . وَامْرَأَة أَبِي بَكْر الصِّدِّيق اِسْمهَا " قُتَيْلَة " " بِالتَّاءِ الْمُعْجَمَة بِاثْنَتَيْنِ مِنْ فَوْقهَا " بِنْت عَبْد الْعُزَّى . قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَأَجَابَهُ اللَّه فَأَعْتَقَ تِسْعَة مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يُعَذَّبُونَ فِي اللَّه مِنْهُمْ بِلَال وَعَامِر بْن فُهَيْرَة , وَلَمْ يَدَع شَيْئًا مِنْ الْخَيْر إِلَّا أَعَانَهُ اللَّه عَلَيْهِ . وَفِي الصَّحِيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْم صَائِمًا ] ؟ قَالَ أَبُو بَكْر أَنَا . قَالَ : [ فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْم جَنَازَة ] ؟ قَالَ أَبُو بَكْر أَنَا . قَالَ : [ فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْم مِسْكِينًا ] ؟ قَالَ أَبُو بَكْر أَنَا . قَالَ : [ فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْم مَرِيضًا ] ؟ قَالَ أَبُو بَكْر أَنَا . قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ مَا اِجْتَمَعْنَ فِي اِمْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّة ] . أَيْ اِجْعَلْ ذُرِّيَّتِي صَالِحِينَ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَلَمْ يَبْقَ لَهُ وَلَد وَلَا وَالِد وَلَا وَالِدَة إِلَّا آمَنُوا بِاَللَّهِ وَحْده . وَلَمْ يَكُنْ أَحَد مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه أَسْلَمَ هُوَ وَأَبَوَاهُ وَأَوْلَاده وَبَنَاته كُلّهمْ إِلَّا أَبُو بَكْر . وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه : الْمَعْنَى اِجْعَلْهُمْ لِي خَلَف صِدْق , وَلَك عَبِيد حَقّ . وَقَالَ أَبُو عُثْمَان : اِجْعَلْهُمْ أَبْرَارًا لِي مُطِيعِينَ لَك . وَقَالَ اِبْن عَطَاء : وَفِّقْهُمْ لِصَالِحِ أَعْمَال تَرْضَى بِهَا عَنْهُمْ . وَقَالَ مُحَمَّد بْن عَلِيّ : لَا تَجْعَل لِلشَّيْطَانِ وَالنَّفْس وَالْهَوَى عَلَيْهِمْ سَبِيلًا . وَقَالَ مَالِك بْن مِغْوَل : اِشْتَكَى أَبُو مَعْشَر اِبْنه إِلَى طَلْحَة بْن مُصَرِّف , فَقَالَ : اِسْتَعِنْ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَة , وَتَلَا : " رَبّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُر نِعْمَتك الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَل صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْت إِلَيْك وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ " . قَالَ اِبْن عَبَّاس : رَجَعْت عَنْ الْأَمْر الَّذِي كُنْت عَلَيْهِ . أَيْ الْمُخْلِصِينَ بِالتَّوْحِيدِ .'; $TAFSEER['4']['46']['16'] = 'قِرَاءَة الْعَامَّة بِضَمِّ الْيَاء فِيهِمَا . وَقُرِئَ " يَتَقَبَّل , وَيَتَجَاوَز " بِفَتْحِ الْيَاء , وَالضَّمِير فِيهِمَا يَرْجِع لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَقَرَأَ حَفْص وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " نَتَقَبَّل , وَنَتَجَاوَز " النُّون فِيهِمَا , أَيْ نَغْفِرهَا وَنَصْفَح عَنْهَا . وَالتَّجَاوُز أَصْله مِنْ جُزْت الشَّيْء إِذَا لَمْ تَقِف عَلَيْهِ . وَهَذِهِ الْآيَة تَدُلّ عَلَى أَنَّ الْآيَة الَّتِي قَبْلهَا " وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان " إِلَى آخِرهَا مُرْسَلَة نَزَلَتْ عَلَى الْعُمُوم . وَهُوَ قَوْل الْحَسَن . وَمَعْنَى " نَتَقَبَّل عَنْهُمْ " أَيْ نَتَقَبَّل مِنْهُمْ الْحَسَنَات وَنَتَجَاوَز عَنْ السَّيِّئَات . قَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ - وَيَحْكِيه مَرْفُوعًا - : إِنَّهُمْ إِذَا أَسْلَمُوا قُبِلَتْ حَسَنَاتهمْ وَغُفِرَتْ سَيِّئَاتهمْ . وَقِيلَ : الْأَحْسَن مَا يَقْتَضِي الثَّوَاب مِنْ الطَّاعَات , وَلَيْسَ فِي الْحَسَن الْمُبَاح ثَوَاب وَلَا عِقَاب , حَكَاهُ اِبْن عِيسَى . " فِي " بِمَعْنَى مَعَ , أَيْ مَعَ أَصْحَاب الْجَنَّة , تَقُول : أَكْرَمَك وَأَحْسَنَ إِلَيْك فِي جَمِيع أَهْل الْبَلَد , أَيْ مَعَ جَمِيعهمْ . نُصِبَ لِأَنَّهُ مَصْدَر مُؤَكِّد لِمَا قَبْله , أَيْ وَعَدَ اللَّه أَهْل الْإِيمَان أَنْ يَتَقَبَّل مِنْ مُحْسِنهمْ وَيَتَجَاوَز عَنْ مُسِيئِهِمْ وَعْد الصِّدْق . وَهُوَ مِنْ بَاب إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفْسه لِأَنَّ الصِّدْق هُوَ ذَلِكَ الْوَعْد الَّذِي وَعَدَهُ اللَّه , وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَقّ الْيَقِين " [ الْوَاقِعَة : 95 ] . وَهَذَا عِنْد الْكُوفِيِّينَ , فَأَمَّا عِنْد الْبَصْرِيِّينَ فَتَقْدِيره : وَعْد الْكَلَام الصِّدْق أَوْ الْكِتَاب الصِّدْق , فَحَذَفَ الْمَوْصُوف . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي غَيْر مَوْضِع . فِي الدُّنْيَا عَلَى أَلْسِنَة الرُّسُل , وَذَلِكَ الْجَنَّة .'; $TAFSEER['4']['46']['17'] = '" وَاَلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَج " أَيْ أَنْ أُبْعَث . " وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُون مِنْ قَبْلِي " قِرَاءَة نَافِع وَحَفْص وَغَيْرهمَا " أُفّ " مَكْسُور مُنَوَّن . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَابْن عَامِر وَالْمُفَضَّل عَنْ عَاصِم " أَفَّ " بِالْفَتْحِ مِنْ غَيْر تَنْوِين . الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ غَيْر مُنَوَّن , وَكُلّهَا لُغَات , وَقَدْ مَضَى فِي " بَنِي إِسْرَائِيل " . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " أَتَعِدَانِنِي " بِنُونَيْنِ مُخَفَّفَتَيْنِ . وَفَتَحَ يَاءَه أَهْل الْمَدِينَة وَمَكَّة . وَأَسْكَنَ الْبَاقُونَ . وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة وَالْمُغِيرَة وَهِشَام " أَتَعِدَانِّي " بِنُونٍ وَاحِدَة مُشَدَّدَة , وَكَذَلِكَ هِيَ فِي مَصَاحِف أَهْل الشَّام . وَالْعَامَّة عَلَى ضَمّ الْأَلِف وَفَتْح الرَّاء مِنْ " أَنْ أُخْرَج " . وَقَرَأَ الْحَسَن وَنَصْر وَأَبُو الْعَالِيَة وَالْأَعْمَش وَأَبُو مَعْمَر بِفَتْحِ الْأَلِف وَضَمّ الرَّاء . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ وَأَبُو الْعَالِيَة وَمُجَاهِد : نَزَلَتْ فِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا , وَكَانَ يَدْعُوهُ أَبَوَاهُ إِلَى الْإِسْلَام فَيُجِيبهُمَا بِمَا أَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَقَالَ قَتَادَة وَالسُّدِّيّ أَيْضًا : هُوَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر قَبْل إِسْلَامه , وَكَانَ أَبُوهُ وَأُمّه أُمّ رُومَان يَدْعُوَانِهِ إِلَى الْإِسْلَام وَيَعِدَانِهِ بِالْبَعْثِ , فَيَرُدّ عَلَيْهِمَا بِمَا حَكَاهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ , وَكَانَ هَذَا مِنْهُ قَبْل إِسْلَامه . وَرُوِيَ أَنَّ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنْكَرَتْ أَنْ تَكُون نَزَلَتْ فِي عَبْد الرَّحْمَن . وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة أَيْضًا : هِيَ نَعْت عَبْد كَافِر عَاقّ لِوَالِدَيْهِ . وَقَالَ الزَّجَّاج : كَيْف يُقَال نَزَلَتْ فِي عَبْد الرَّحْمَن قَبْل إِسْلَامه وَاَللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول : " أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْل فِي أُمَم " أَيْ الْعَذَاب , وَمِنْ ضَرُورَته عَدَم الْإِيمَان , وَعَبْد الرَّحْمَن مِنْ أَفَاضِل الْمُؤْمِنِينَ , فَالصَّحِيح أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَبْد كَافِر عَاقّ لِوَالِدَيْهِ . وَقَالَ مُحَمَّد بْن زِيَاد : كَتَبَ مُعَاوِيَة إِلَى مَرْوَان بْن الْحَكَم حَتَّى يُبَايِع النَّاس لِيَزِيدَ , فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر : لَقَدْ جِئْتُمْ بِهَا هِرَقْلِيَّة , أَتُبَايِعُونَ لِأَبْنَائِكُمْ فَقَالَ مَرْوَان : هُوَ الَّذِي يَقُول اللَّه فِيهِ : " وَاَلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفّ لَكُمَا " الْآيَة . فَقَالَ : وَاَللَّه مَا هُوَ بِهِ . وَلَوْ شِئْت لَسَمَّيْت , وَلَكِنَّ اللَّه لَعَنَ أَبَاك وَأَنْتَ فِي صُلْبه , فَأَنْتَ فَضَض مِنْ لَعْنَة اللَّه . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَمَنْ جَعَلَ الْآيَة فِي عَبْد الرَّحْمَن كَانَ قَوْله بَعْد ذَلِكَ " أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْل " يُرَاد بِهِ مَنْ اِعْتَقَدَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْره , فَأَوَّل الْآيَة خَاصّ وَآخِرهَا عَامّ . وَقِيلَ إِنَّ عَبْد الرَّحْمَن لَمَّا قَالَ : " وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُون مِنْ قَبْلِي " قَالَ مَعَ ذَلِكَ : فَأَيْنَ عَبْد اللَّه بْن جُدْعَان , وَأَيْنَ عُثْمَان بْن عَمْرو , وَأَيْنَ عَامِر بْن كَعْب وَمَشَايِخ قُرَيْش حَتَّى أَسْأَلهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ . فَقَوْله : " أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْل " يَرْجِع إِلَى أُولَئِكَ الْأَقْوَام . قُلْت : قَدْ مَضَى مِنْ خَبَر عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر فِي سُورَة ( الْأَنْعَام ) عِنْد قَوْله : " لَهُ أَصْحَاب يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى " [ الْأَنْعَام : 71 ] مَا يَدُلّ عَلَى نُزُول هَذِهِ الْآيَة فِيهِ , إِذْ كَانَ كَافِرًا وَعِنْد إِسْلَامه وَفَضْله تَعَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ : " أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْل " . يَعْنِي وَالِدَيْهِ . أَيْ يَدْعُوَانِ اللَّه لَهُ بِالْهِدَايَةِ . أَوْ يَسْتَغِيثَانِ بِاَللَّهِ مِنْ كُفْره , فَلَمَّا حَذَفَ الْجَارّ وَصَلَ الْفِعْل فَنُصِبَ . وَقِيلَ : الِاسْتِغَاثَة الدُّعَاء , فَلَا حَاجَة إِلَى الْبَاء . قَالَ الْفَرَّاء : أَجَابَ اللَّه دُعَاءَهُ وَغُوَاثه . أَيْ صَدِّقْ بِالْبَعْثِ . أَيْ صِدْق لَا خُلْف فِيهِ . أَيْ مَا يَقُولهُ وَالِدَاهُ . أَيْ أَحَادِيثهمْ وَمَا سَطَرُوهُ مِمَّا لَا أَصْل لَهُ .'; $TAFSEER['4']['46']['18'] = 'يَعْنِي الَّذِينَ أَشَارَ إِلَيْهِمْ اِبْن أَبِي بَكْر فِي قَوْله أَحْيُوا لِي مَشَايِخ قُرَيْش , وَهُمْ الْمَعْنِيُّونَ بِقَوْلِهِ : " وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُون مِنْ قَبْلِي " . فَأَمَّا اِبْن أَبِي بَكْر عَبْد اللَّه أَوْ عَبْد الرَّحْمَن فَقَدْ أَجَابَ اللَّه فِيهِ دُعَاء أَبِيهِ فِي قَوْله : " وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي " [ الْأَحْقَاف : 15 ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ . أَيْ , وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْعَذَاب , وَهِيَ كَلِمَة اللَّه : [ هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّة وَلَا أُبَالِي وَهَؤُلَاءِ فِي النَّار وَلَا أُبَالِي ] . أَيْ مَعَ أُمَم تَقَدَّمَتْ وَمَضَتْ . الْكَافِرِينَ أَيْ تِلْكَ الْأُمَم الْكَافِرَة لِأَعْمَالِهِمْ , أَيْ ضَاعَ سَعْيهمْ وَخَسِرُوا الْجَنَّة .'; $TAFSEER['4']['46']['19'] = 'أَيْ وَلِكُلِّ وَاحِد مِنْ الْفَرِيقَيْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس مَرَاتِب عِنْد اللَّه يَوْم الْقِيَامَة بِأَعْمَالِهِمْ . قَالَ اِبْن زَيْد : دَرَجَات أَهْل النَّار فِي هَذِهِ الْآيَة تَذْهَب سَفَالًا , وَدَرَج أَهْل الْجَنَّة عُلُوًّا . قَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَعَاصِم وَأَبُو عَمْرو وَيَعْقُوب بِالْيَاءِ لِذِكْرِ اللَّه قَبْله , وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : " إِنَّ وَعْد اللَّه حَقّ " وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم . الْبَاقُونَ بِالنُّونِ رَدًّا عَلَى قَوْله تَعَالَى : " وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان بِوَالِدَيْهِ " وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد . أَيْ لَا يُزَاد عَلَى مُسِيء وَلَا يَنْقُص مِنْ مُحْسِن .'; $TAFSEER['4']['46']['20'] = 'أَيْ ذَكِّرْهُمْ يَا مُحَمَّد يَوْم يُعْرَض . أَيْ يُكْشَف الْغِطَاء فَيُقَرَّبُونَ مِنْ النَّار وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهَا . أَيْ يُقَال لَهُمْ أَذْهَبْتُمْ , فَالْقَوْل مُضْمَر . وَقَرَأَ الْحَسَن وَنَصْر وَأَبُو الْعَالِيَة وَيَعْقُوب وَابْن كَثِير " أَأَذْهَبْتُمْ " بِهَمْزَتَيْنِ مُخَفَّفَتَيْنِ , وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم . وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة وَهِشَام " آذْهَبْتُمْ " بِهَمْزَةٍ وَاحِدَة مُطَوَّلَة عَلَى الِاسْتِفْهَام . الْبَاقُونَ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَة مِنْ غَيْر مَدّ عَلَى الْخَبَر , وَكُلّهَا لُغَات فَصِيحَة وَمَعْنَاهَا التَّوْبِيخ , وَالْعَرَب تُوَبِّخ بِالِاسْتِفْهَامِ وَبِغَيْرِ الِاسْتِفْهَام , وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْد تَرْك الِاسْتِفْهَام لِأَنَّهُ قِرَاءَة أَكْثَر أَئِمَّة السَّبْعَة نَافِع وَعَاصِم وَأَبِي عَمْرو وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ , مَعَ مَنْ وَافَقَهُمْ شَيْبَة وَالزُّهْرِيّ وَابْن مُحَيْصِن وَالْمُغِيرَة بْن أَبِي شِهَاب وَيَحْيَى بْن الْحَارِث وَالْأَعْمَش وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَغَيْرهمْ , فَهَذِهِ عَلَيْهَا جِلَّة النَّاس . وَتَرْك الِاسْتِفْهَام أَحْسَن ; لِأَنَّ إِثْبَاته يُوهِم أَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ , كَمَا تَقُول : أَنَا ظَلَمْتُك ؟ تُرِيد أَنَا لَمْ أَظْلِمك . وَإِثْبَاته حَسَن أَيْضًا , يَقُول الْقَائِل : ذَهَبْت فَعَلْت كَذَا , يُوَبِّخ وَيَقُول : أَذَهَبْت فَعَلْت . كُلّ ذَلِكَ جَائِز . وَمَعْنَى " أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتكُمْ " أَيْ تَمَتَّعْتُمْ بِالطَّيِّبَاتِ فِي الدُّنْيَا وَاتَّبَعْتُمْ الشَّهَوَات وَاللَّذَّات , يَعْنِي الْمَعَاصِي . وَقِيلَ : " أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتكُمْ " أَيْ أَفْنَيْتُمْ شَبَابكُمْ فِي الْكُفْر وَالْمَعَاصِي . قَالَ اِبْن بَحْر : الطَّيِّبَات الشَّبَاب وَالْقُوَّة , مَأْخُوذ مِنْ قَوْلهمْ : ذَهَبَ أَطْيَبَاهُ , أَيْ شَبَابه وَقُوَّته . قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَوَجَدْت الضَّحَّاك قَالَهُ أَيْضًا . قُلْت : الْقَوْل الْأَوَّل أَظْهَر , رَوَى الْحَسَن عَنْ الْأَحْنَف بْن قَيْس أَنَّهُ سَمِعَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول : لَأَنَا أَعْلَم بِخَفْضِ الْعَيْش , وَلَوْ شِئْت لَجَعَلْت أَكْبَادًا وَصِلَاء وَصِنَابًا وَصَلَائِق ; وَلَكِنِّي أَسْتَبْقِي حَسَنَاتِي , فَإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَصَفَ أَقْوَامًا فَقَالَ : " أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا " وَقَالَ أَبُو عُبَيْد فِي حَدِيث عُمَر : لَوْ شِئْت لَدَعَوْت بِصَلَائِق وَصِنَاب وَكَرَاكِر وَأَسْنِمَة . وَفِي بَعْض الْحَدِيث : وَأَفْلَاذ . قَالَ أَبُو عَمْرو وَغَيْره : الصِّلَاء ( بِالْمَدِّ وَالْكَسْر ) : الشِّوَاء , سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُصْلَى بِالنَّارِ . وَالصِّلَاء أَيْضًا : صِلَاء النَّار , فَإِنْ فَتَحْت الصَّاد قَصَرْت وَقُلْت : صَلَى النَّار . وَالصِّنَاب : الْأَصْبِغَة الْمُتَّخَذَة مِنْ الْخَرْدَل وَالزَّبِيب . قَالَ أَبُو عَمْرو : وَلِهَذَا قِيلَ لِلْبِرْذَوْنِ : صِنَابِيّ , وَإِنَّمَا شُبِّهَ لَوْنه بِذَلِكَ . قَالَ : وَالسَّلَائِق ( بِالسِّينِ ) هُوَ مَا يُسْلَق مِنْ الْبُقُول وَغَيْرهَا . وَقَالَ غَيْره : هِيَ الصَّلَائِق بِالصَّادِ , قَالَ جَرِير : تُكَلِّفنِي مَعِيشَة آل زَيْد وَمَنْ لِي بِالصَّلَائِقِ وَالصِّنَاب وَالصَّلَائِق : الْخُبْز الرِّقَاق الْعَرِيض . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي ( الْأَعْرَاف ) . وَأَمَّا الْكَرَاكِر فَكَرَاكِر الْإِبِل , وَاحِدَتهَا كِرْكِرَة وَهِيَ مَعْرُوفَة , هَذَا قَوْل أَبِي عُبَيْد . وَفِي الصِّحَاح : وَالْكِرْكِرَة رَحَى زَوْر الْبَعِير , وَهِيَ إِحْدَى الثَّفِنَات الْخَمْس . وَالْكِرْكِرَة أَيْضًا الْجَمَاعَة مِنْ النَّاس . وَأَبُو مَالِك عَمْرو بْن كِرْكِرَة رَجُل مِنْ عُلَمَاء اللُّغَة . قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَأَمَّا الْأَفْلَاذ فَإِنَّ وَاحِدهَا فِلْذ , وَهِيَ الْقِطْعَة مِنْ الْكَبِد . قَالَ أَعْشَى بَاهِلَة : تَكْفِيه حُزَّة فِلْذ إِنْ أَلَمَّ بِهَا مِنْ الشِّوَاء وَيُرْوِي شُرْبه الْغُمَر وَقَالَ قَتَادَة : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : لَوْ شِئْت كُنْت أَطْيَبكُمْ طَعَامًا , وَأَلْيَنكُمْ لِبَاسًا ; وَلَكِنِّي أَسْتَبْقِي طَيِّبَاتِي لِلْآخِرَةِ . وَلَمَّا قَدِمَ عُمَر الشَّام صُنِعَ لَهُ طَعَام لَمْ يَرَ قَطُّ مِثْله قَالَ : هَذَا لَنَا ! فَمَا لِفُقَرَاء الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ مَاتُوا وَمَا شَبِعُوا مِنْ خُبْز الشَّعِير فَقَالَ خَالِد بْن الْوَلِيد : لَهُمْ الْجَنَّة , فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَا عُمَر بِالدُّمُوعِ وَقَالَ : لَئِنْ كَانَ حَظّنَا مِنْ الدُّنْيَا هَذَا الْحُطَام , وَذَهَبُوا هُمْ فِي حَظّهمْ بِالْجَنَّةِ فَلَقَدْ بَايَنُونَا بَوْنًا بَعِيدًا . وَفِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره أَنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ دَخَلَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَشْرُبَته حِين هَجَرَ نِسَاءَهُ قَالَ : فَالْتَفَتّ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا يَرُدّ الْبَصَر إِلَّا أُهُبًا جُلُودًا مَعْطُونَة قَدْ سَطَعَ رِيحهَا , فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه , أَنْتَ رَسُول اللَّه وَخِيرَته , وَهَذَا كِسْرَى وَقَيْصَر فِي الدِّيبَاج وَالْحَرِير ؟ قَالَ : فَاسْتَوَى جَالِسًا وَقَالَ : ( أَفِي شَكّ أَنْتَ يَا بْن الْخَطَّاب . أُولَئِكَ قَوْم عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتهمْ فِي حَيَاتهمْ الدُّنْيَا ) فَقُلْت : اِسْتَغْفِرْ لِي فَقَالَ : ( اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لَهُ ) . وَقَالَ حَفْص بْن أَبِي الْعَاصِ : كُنْت أَتَغَدَّى عِنْد عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ الْخُبْز وَالزَّيْت , وَالْخُبْز وَالْخَلّ , وَالْخُبْز وَاللَّبَن , وَالْخُبْز وَالْقَدِيد , وَأَقَلّ ذَلِكَ اللَّحْم الْغَرِيض . وَكَانَ يَقُول : لَا تَنْخُلُوا الدَّقِيق فَإِنَّهُ طَعَام كُلّه , فَجِيءَ بِخُبْزٍ مُتَفَلِّع غَلِيظ , فَجَعَلَ يَأْكُل وَيَقُول : كُلُوا , فَجَعَلْنَا لَا نَأْكُل , فَقَالَ : مَا لَكُمْ لَا تَأْكُلُونَ ؟ فَقُلْنَا : وَاَللَّه يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ نَرْجِع إِلَى طَعَام أَلْيَن مِنْ طَعَامك هَذَا , فَقَالَ : يَا بْن أَبِي الْعَاصِ أَمَا تَرَى بِأَنِّي عَالِم أَنْ لَوْ أَمَرْت بِعَنَاقٍ سَمِينَة فَيُلْقَى عَنْهَا شَعْرهَا ثُمَّ تُخْرَج مَصْلِيَّة كَأَنَّهَا كَذَا وَكَذَا , أَمَا تَرَى بِأَنِّي عَالِم أَنْ لَوْ أَمَرْت بِصَاعٍ أَوْ صَاعَيْنِ مِنْ زَبِيب فَأَجْعَلهُ فِي سِقَاء ثُمَّ أَشُنّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاء فَيُصْبِح كَأَنَّهُ دَم غَزَال , فَقُلْت : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , أَجَلْ مَا تَنْعَت الْعَيْش , قَالَ : أَجَلْ وَاَللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَوْلَا أَنِّي أَخَاف أَنْ تَنْقُص حَسَنَاتِي يَوْم الْقِيَامَة لَشَارَكْنَاكُمْ فِي الْعَيْش وَلَكِنِّي سَمِعْت اللَّه تَعَالَى يَقُول لِأَقْوَامٍ : " أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا " . " فَالْيَوْم تُجْزَوْنَ عَذَاب الْهُون " أَيْ الْهَوَان . " بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْض بِغَيْرِ الْحَقّ " أَيْ تَتَعَظَّمُونَ عَنْ طَاعَة اللَّه وَعَلَى عِبَاد اللَّه . " وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ " تَخْرُجُونَ عَنْ طَاعَة اللَّه . وَقَالَ جَابِر : اِشْتَهَى أَهْلِي لَحْمًا فَاشْتَرَيْته لَهُمْ فَمَرَرْت بِعُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ : مَا هَذَا يَا جَابِر ؟ فَأَخْبَرْته , فَقَالَ : أَوَكُلَّمَا اِشْتَهَى أَحَدكُمْ شَيْئًا جَعَلَهُ فِي بَطْنه أَمَا يَخْشَى أَنْ يَكُون مِنْ أَهْل هَذِهِ الْآيَة : " أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتكُمْ " الْآيَة . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا عِتَاب مِنْهُ لَهُ عَلَى التَّوَسُّع بِابْتِيَاعِ اللَّحْم وَالْخُرُوج عَنْ جِلْف الْخُبْز وَالْمَاء , فَإِنَّ تَعَاطِي الطَّيِّبَات مِنْ الْحَلَال تَسْتَشْرِهُ لَهَا الطِّبَاع وَتَسْتَمْرِئهَا الْعَادَة فَإِذَا فَقَدَتْهَا اِسْتَسْهَلَتْ فِي تَحْصِيلهَا بِالشُّبُهَاتِ حَتَّى تَقَع فِي الْحَرَام الْمَحْض بِغَلَبَةِ الْعَادَة وَاسْتِشْرَاه الْهَوَى عَلَى النَّفْس الْأَمَّارَة بِالسُّوءِ . فَأَخَذَ عُمَر الْأَمْر مِنْ أَوَّله وَحَمَاهُ مِنْ اِبْتِدَائِهِ كَمَا يَفْعَلهُ مِثْله . وَاَلَّذِي يَضْبِط هَذَا الْبَاب وَيَحْفَظ قَانُونه : عَلَى الْمَرْء أَنْ يَأْكُل مَا وَجَدَ , طَيِّبًا كَانَ أَوْ قَفَارًا , وَلَا يَتَكَلَّف الطَّيِّب وَيَتَّخِذهُ عَادَة , وَقَدْ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْبَع إِذَا وَجَدَ , وَيَصْبِر إِذَا عَدِمَ , وَيَأْكُل الْحَلْوَى إِذَا قَدَرَ عَلَيْهَا , وَيَشْرَب الْعَسَل إِذَا اِتَّفَقَ لَهُ , وَيَأْكُل اللَّحْم إِذَا تَيَسَّرَ , وَلَا يَعْتَمِد أَصْلًا , وَلَا يَجْعَلهُ دَيْدَنًا . وَمَعِيشَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْلُومَة , وَطَرِيقَة الصَّحَابَة مَنْقُولَة , فَأَمَّا الْيَوْم عِنْد اِسْتِيلَاء الْحَرَام وَفَسَاد الْحُطَام فَالْخَلَاص عَسِير , وَاَللَّه يَهَب الْإِخْلَاص , وَيُعِين عَلَى الْخَلَاص بِرَحْمَتِهِ . وَقِيلَ : إِنَّ التَّوْبِيخ وَاقِع عَلَى تَرْك الشُّكْر لَا عَلَى تَنَاوُل الطَّيِّبَات الْمُحَلَّلَة , وَهُوَ حَسَن , فَإِنَّ تَنَاوُل الطَّيِّب الْحَلَال مَأْذُون فِيهِ , فَإِذَا تَرَكَ الشُّكْر عَلَيْهِ وَاسْتَعَانَ بِهِ عَلَى مَا لَا يَحِلّ لَهُ فَقَدْ أَذْهَبَهُ . وَاَللَّه أَعْلَم . أَيْ عَذَاب الْخِزْي وَالْفَضِيحَة . قَالَ مُجَاهِد : الْهُون الْهَوَان . قَتَادَة : بِلُغَةِ قُرَيْش . أَيْ تَسْتَعْلُونَ عَلَى أَهْلهَا بِغَيْرِ اِسْتِحْقَاق . فِي أَفْعَالكُمْ بَغْيًا وَظُلْمًا .'; $TAFSEER['4']['46']['21'] = 'هُوَ هُود بْن عَبْد اللَّه بْن رَبَاح عَلَيْهِ السَّلَام , كَانَ أَخَاهُمْ فِي النَّسَب لَا فِي الدِّين . أَيْ اُذْكُرْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ قِصَّة عَاد لِيَعْتَبِرُوا بِهَا . وَقِيلَ : أَمَرَهُ بِأَنْ يَتَذَكَّر فِي نَفْسه قِصَّة هُود لِيَقْتَدِيَ بِهِ , وَيُهَوِّن عَلَيْهِ تَكْذِيب قَوْمه لَهُ . وَالْأَحْقَاف : دِيَار عَاد . وَهِيَ الرِّمَال الْعِظَام , فِي قَوْل الْخَلِيل وَغَيْره . وَكَانُوا قَهَرُوا أَهْل الْأَرْض بِفَضْلِ قُوَّتهمْ . وَالْأَحْقَاف جَمْع حِقْف , وَهُوَ مَا اِسْتَطَالَ مِنْ الرَّمْل الْعَظِيم وَاعْوَجَّ وَلَمْ يَبْلُغ أَنْ يَكُون جَبَلًا , وَالْجَمْع حِقَاف وَأَحْقَاف وَحُقُوف . وَاحْقَوْقَفَ الرَّمْل وَالْهِلَال أَيْ اِعْوَجَّ . وَقِيلَ : الْحِقْف جَمَعَ حِقَاف . وَالْأَحْقَاف جَمْع الْجَمْع . وَيُقَال : حِقْف أَحْقَف . قَالَ الْأَعْشَى : بَاتَ إِلَى أَرْطَاة حِقْف أَحْقَفَا أَيْ رَمْل مُسْتَطِيل مُشْرِف . وَالْفِعْل مِنْهُ اِحْقَوْقَفَ . قَالَ الْعَجَّاج : طَيّ اللَّيَالِي زُلَفًا فَزُلَفًا سَمَاوَة الْهِلَال حَتَّى اِحْقَوْقَفَا أَيْ اِنْحَنَى وَاسْتَدَارَ . وَقَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : كَحِقْفِ النَّقَا يَمْشِي الْوَلِيدَانِ فَوْقه بِمَا اِحْتَسَبَا مِنْ لِين مَسّ وَتَسْهَال وَفِيمَا أُرِيدَ بِالْأَحْقَافِ هَاهُنَا مُخْتَلَف فِيهِ . فَقَالَ اِبْن زَيْد : هِيَ رِمَال مُشْرِفَة مُسْتَطِيلَة كَهَيْئَةِ الْجِبَال , وَلَمْ تَبْلُغ أَنْ تَكُون جِبَالًا , وَشَاهِده مَا ذَكَرْنَاهُ . وَقَالَ قَتَادَة : هِيَ جِبَال مُشْرِفَة بِالشِّحْر , وَالشِّحْر قَرِيب مِنْ عَدَن , يُقَال : شِحْر عُمَان وَشِحْر عَمَّان , وَهُوَ سَاحِل الْبَحْر بَيْن عُمَان وَعَدَن . وَعَنْهُ أَيْضًا : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عَادًا كَانُوا أَحْيَاء بِالْيَمَنِ , أَهْل رَمْل مُشْرِفِينَ عَلَى الْبَحْر بِأَرْضٍ يُقَال لَهَا : الشِّحْر . وَقَالَ مُجَاهِد : هِيَ أَرْض مِنْ حِسْمَى تُسَمَّى بِالْأَحْقَافِ . وَحِسْمَى ( بِكَسْرِ الْحَاء ) اِسْم أَرْض بِالْبَادِيَةِ فِيهَا جِبَال شَوَاهِق مُلْس الْجَوَانِب لَا يَكَاد الْقَتَام يُفَارِقهَا . قَالَ النَّابِغَة : فَأَصْبَحَ عَاقِلًا بِجِبَالِ حِسْمَى دُقَاق التُّرْب مُحْتَزِم الْقَتَام قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك : الْأَحْقَاف جَبَل بِالشَّامِ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : وَادٍ بَيْن عُمَان وَمَهْرَة . وَقَالَ مُقَاتِل : كَانَتْ مَنَازِل عَاد بِالْيَمَنِ فِي حَضْرَمَوْت بِوَادٍ يُقَال لَهُ مَهْرَة , وَإِلَيْهِ تُنْسَب الْإِبِل الْمَهْرِيَّة , فَيُقَال : إِبِل مَهْرِيَّة وَمَهَارِيّ . وَكَانُوا أَهْل عُمُد سَيَّارَة فِي الرَّبِيع فَإِذَا هَاجَ الْعُود رَجَعُوا إِلَى مَنَازِلهمْ , وَكَانُوا مِنْ قَبِيلَة إِرَم . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : أَحْقَاف الْجَبَل مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاء زَمَان الْغَرَق , كَانَ يَنْضُب الْمَاء مِنْ الْأَرْض وَيَبْقَى أَثَره . وَرَوَى الطُّفَيْل عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : خَيْر وَادِيَيْنِ فِي النَّاس وَادٍ بِمَكَّة وَوَادٍ نَزَلَ بِهِ آدَم بِأَرْضِ الْهِنْد . وَشَرّ وَادِيَيْنِ فِي النَّاس وَادٍ بِالْأَحْقَافِ وَوَادٍ بِحَضْرَمَوْت يُدْعَى بَرَهُوت تُلْقَى فِيهِ أَرْوَاح الْكُفَّار . وَخَيْر بِئْر فِي النَّاس بِئْر زَمْزَم . وَشَرّ بِئْر فِي النَّاس بِئْر بَرَهُوت , وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْوَادِي الَّذِي بِحَضْرَمَوْت . أَيْ مَضَتْ الرُّسُل . أَيْ مِنْ قَبْل هُود . أَيْ وَمِنْ بَعْده , قَالَهُ الْفَرَّاء . وَفِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود " مِنْ بَيْن يَدَيْهِ وَمِنْ بَعْده " . هَذَا مِنْ قَوْل الْمُرْسَل , فَهُوَ كَلَام مُعْتَرِض . فَقَالَ هُود : " إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْم عَظِيم " وَقِيلَ : " أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّه " مِنْ كَلَام هُود , وَاَللَّه أَعْلَم .'; $TAFSEER['4']['46']['22'] = 'فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : لِتُزِيلَنَا عَنْ عِبَادَتهَا بِالْإِفْكِ . الثَّانِي : لِتَصْرِفنَا عَنْ آلِهَتنَا بِالْمَنْعِ , قَالَ الضَّحَّاك قَالَ عُرْوَة بْن أُذَيْنَة : إِنْ تَكُ عَنْ أَحْسَن الصَّنِيعَة مَأْ فُوكًا فَفِي آخَرِينَ قَدْ أُفِكُوا يَقُول : إِنْ لَمْ تُوَفَّق لِلْإِحْسَانِ فَأَنْتَ فِي قَوْم قَدْ صُرِفُوا . هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْوَعْد قَدْ يُوضَع مَوْضِع الْوَعِيد . أَنَّك نَبِيّ'; $TAFSEER['4']['46']['23'] = 'بِوَقْتِ مَجِيء الْعَذَاب . لَا عِنْدِي عَنْ رَبّكُمْ . فِي سُؤَالكُمْ اِسْتِعْجَال الْعَذَاب .'; $TAFSEER['4']['46']['24'] = 'قَالَ الْمُبَرِّد : الضَّمِير فِي " رَأَوْهُ " يَعُود إِلَى غَيْر مَذْكُور , وَبَيَّنَهُ قَوْله : " عَارِضًا " فَالضَّمِير يَعُود إِلَى السَّحَاب , أَيْ فَلَمَّا رَأَوْا السَّحَاب عَارِضًا . فَ " عَارِضًا " نُصِبَ عَلَى التَّكْرِير , سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَبْدُو فِي عَرْض السَّمَاء . وَقِيلَ : نُصِبَ عَلَى الْحَال . وَقِيلَ : يَرْجِع الضَّمِير إِلَى قَوْله : " فَأْتِنَا بِمَا تَعِدنَا " فَلَمَّا رَأَوْهُ حَسِبُوهُ سَحَابًا يُمْطِرهُمْ , وَكَانَ الْمَطَر قَدْ أَبْطَأَ عَنْهُمْ , فَلَمَّا رَأَوْهُ " مُسْتَقْبِل أَوْدِيَتهمْ " اِسْتَبْشَرُوا . وَكَانَ قَدْ جَاءَهُمْ مِنْ وَادٍ جَرَتْ الْعَادَة أَنَّ مَا جَاءَ مِنْهُ يَكُون غَيْثًا , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَالْعَارِض السَّحَاب يَعْتَرِض فِي الْأُفُق , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " هَذَا عَارِض مُمْطِرنَا " أَيْ مُمْطِر لَنَا ; لِأَنَّهُ مَعْرِفَة لَا يَجُوز أَنْ يَكُون صِفَة لِعَارِضٍ وَهُوَ نَكِرَة . وَالْعَرَب إِنَّمَا تَفْعَل مِثْل هَذَا فِي الْأَسْمَاء الْمُشْتَقَّة مِنْ الْأَفْعَال دُون غَيْرهَا . قَالَ جَرِير : يَا رُبَّ غَابِطنَا لَوْ كَانَ يَطْلُبكُمْ لَاقَى مُبَاعَدَة مِنْكُمْ وَحِرْمَانًا وَلَا يَجُوز أَنْ يُقَال : هَذَا رَجُل غُلَامنَا . وَقَالَ أَعْرَابِيّ بَعْد الْفِطْر : رُبَّ صَائِمَة لَنْ تَصُومهُ , وَقَائِمَة لَنْ تَقُومهُ , فَجَعَلَهُ نَعْتًا لِلنَّكِرَةِ وَأَضَافَهُ إِلَى الْمَعْرِفَة . قُلْت : قَوْله : ( لَا يَجُوز أَنْ يَكُون صِفَة لِعَارِضٍ ) خِلَاف قَوْل النَّحْوِيِّينَ , وَالْإِضَافَة فِي تَقْدِير الِانْفِصَال , فَهِيَ إِضَافَة لَفْظِيَّة لَا حَقِيقِيَّة ; لِأَنَّهَا لَمْ تَفِد الْأَوَّل تَعْرِيفًا , بَلْ الِاسْم نَكِرَة عَلَى حَاله , فَلِذَلِكَ جَرَى نَعْتًا عَلَى النَّكِرَة . هَذَا قَوْل النَّحْوِيِّينَ فِي الْآيَة وَالْبَيْت . وَنَعْت النَّكِرَة نَكِرَة . وَ " رُبَّ " لَا تَدْخُل إِلَّا عَلَى النَّكِرَة . أَيْ قَالَ هُود لَهُمْ . وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ " قَالَ هُود بَلْ هُوَ " وَقُرِئَ " قُلْ بَلْ مَا اِسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ هِيَ رِيح " أَيْ قَالَ اللَّه : قُلْ بَلْ هُوَ مَا اِسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ , وَيَعْنِي قَوْلهمْ : " فَأْتِنَا بِمَا تَعِدنَا " وَالرِّيح الَّتِي عُذِّبُوا بِهَا نَشَأَتْ مِنْ ذَلِكَ السَّحَاب الَّذِي رَأَوْهُ , وَخَرَجَ هُود مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ , فَجَعَلَتْ تَحْمِل الْفَسَاطِيط وَتَحْمِل الظَّعِينَة فَتَرْفَعهَا كَأَنَّهَا جَرَادَة , ثُمَّ تَضْرِب بِهَا الصُّخُور . قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَوَّل مَا رَأَوْا الْعَارِض قَامُوا فَمَدُّوا أَيْدِيهمْ , فَأَوَّل مَا عَرَفُوا أَنَّهُ عَذَاب رَأَوْا مَا كَانَ خَارِجًا مِنْ دِيَارهمْ مِنْ الرِّجَال وَالْمَوَاشِي تَطِير بِهِمْ الرِّيح مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض مِثْل الرِّيش , فَدَخَلُوا بُيُوتهمْ وَأَغْلَقُوا أَبْوَابهمْ , فَقَلَعَتْ الرِّيح الْأَبْوَاب وَصَرَعَتْهُمْ , وَأَمَرَ اللَّه الرِّيح فَأَمَالَتْ عَلَيْهِمْ الرِّمَال , فَكَانُوا تَحْت الرِّمَال سَبْع لَيَالٍ وَثَمَانِيَة أَيَّام حُسُومًا , وَلَهُمْ أَنِين , ثُمَّ أَمَرَ اللَّه الرِّيح فَكَشَفَ عَنْهُمْ الرِّمَال وَاحْتَمَلَتْهُمْ فَرَمَتْهُمْ فِي الْبَحْر , فَهِيَ الَّتِي قَالَ اللَّه تَعَالَى فِيهَا : " تُدَمِّر كُلّ شَيْء بِأَمْرِ رَبّهَا " أَيْ كُلّ شَيْء مَرَّتْ عَلَيْهِ مِنْ رِجَال عَاد وَأَمْوَالهَا . قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ كُلّ شَيْء بُعِثَتْ إِلَيْهِ .'; $TAFSEER['4']['46']['25'] = 'وَالتَّدْمِير : الْهَلَاك . وَكَذَلِكَ الدَّمَار . وَقُرِئَ " يَدْمُر كُلّ شَيْء " مِنْ دَمَرَ دَمَارًا . يُقَال : دَمَّرَهُ تَدْمِيرًا وَدَمَارًا وَدَمَّرَ عَلَيْهِ بِمَعْنًى . وَدَمَرَ يَدْمُر دُمُورًا دَخَلَ بِغَيْرِ إِذْن . وَفِي الْحَدِيث : [ مَنْ سَبَقَ طَرْفه اِسْتِئْذَانه فَقَدْ دَمَرَ ] مُخَفَّف الْمِيم . وَتَدْمُر : بَلَد بِالشَّامِ . وَيَرْبُوع تُدْمُرِيّ إِذَا كَانَ صَغِيرًا قَصِيرًا . " بِأَمْرِ رَبّهَا " بِإِذْنِ رَبّهَا . وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : مَا رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاته إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّم . قَالَتْ : وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ فِي وَجْهه . قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه , النَّاس إِذَا رَأَوْا الْغَيْم فَرِحُوا رَجَاء أَنْ يَكُون فِيهِ الْمَطَر , وَأَرَاك إِذَا رَأَيْته عُرِفَ فِي وَجْهك الْكَرَاهِيَة ؟ فَقَالَ : [ يَا عَائِشَة مَا يُؤَمِّننِي أَنْ يَكُون فِيهِ عَذَاب عُذِّبَ قَوْم بِالرِّيحِ وَقَدْ رَأَى قَوْم الْعَذَاب فَقَالُوا هَذَا عَارِض مُمْطِرنَا ] خَرَّجَهُ مُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ , وَقَالَ فِيهِ : حَدِيث حَسَن . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : [ نُصِرْت بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَاد بِالدَّبُورِ ] . وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ أَنَّ الْقَائِل " هَذَا عَارِض مُمْطِرنَا " مِنْ قَوْم عَاد : بَكْر بْن مُعَاوِيَة , وَلَمَّا رَأَى السَّحَاب قَالَ : إِنِّي لَأَرَى سَحَابًا مُرَمَّدًا , لَا تَدَع مِنْ عَاد أَحَدًا . فَذَكَرَ عَمْرو بْن مَيْمُون أَنَّهَا كَانَتْ تَأْتِيهِمْ بِالرَّجُلِ الْغَائِب حَتَّى تَقْذِفهُ فِي نَادِيهمْ . قَالَ اِبْن إِسْحَاق : وَاعْتَزَلَ هُود وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي حَظِيرَة , مَا يُصِيبهُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْهَا إِلَّا مَا يُلِين أَعْلَى ثِيَابهمْ . وَتَلْتَذّ الْأَنْفُس بِهِ , وَإِنَّهَا لَتَمُرّ مِنْ عَاد بِالظَّعْنِ بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض وَتَدْمَغهُمْ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى هَلَكُوا . وَحَكَى الْكَلْبِيّ أَنَّ شَاعِرهمْ قَالَ فِي ذَلِكَ : فَدَعَا هُود عَلَيْهِمْ دَعْوَة أَضْحَوْا هُمُودًا عَصَفَتْ رِيح عَلَيْهِمْ تَرَكَتْ عَادًا خُمُودًا سُخِّرَتْ سَبْع لَيَالٍ لَمْ تَدَع فِي الْأَرْض عُودًا وَعَمَّرَ هُود فِي قَوْمه بَعْدهمْ مِائَة وَخَمْسِينَ سَنَة . قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة " لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنهمْ " بِالْيَاءِ غَيْر مُسَمَّى الْفَاعِل . وَكَذَلِكَ رَوَى حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ اِبْن كَثِير إِلَّا أَنَّهُ قَرَأَ " تُرَى " بِالتَّاءِ . وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْر عَنْ عَاصِم . الْبَاقُونَ " تَرَى " بِتَاءٍ مَفْتُوحَة . " مَسَاكِنهمْ " بِالنَّصْبِ , أَيْ لَا تَرَى يَا مُحَمَّد إِلَّا مَسَاكِنهمْ . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ غَيْر مُسَمَّى الْفَاعِل فَعَلَى لَفْظ الظَّاهِر الَّذِي هُوَ الْمَسَاكِن الْمُؤَنَّثَة , وَهُوَ قَلِيل لَا يُسْتَعْمَل إِلَّا فِي الشِّعْر . وَقَالَ أَبُو حَاتِم : لَا يَسْتَقِيم هَذَا فِي اللُّغَة إِلَّا أَنْ يَكُون فِيهَا إِضْمَار , كَمَا تَقُول فِي الْكَلَام أَلَا تُرَى النِّسَاء إِلَّا زَيْنَب . وَلَا يَجُوز لَا تُرَى إِلَّا زَيْنَب . وَقَالَ سِيبَوَيْهِ : مَعْنَاهُ لَا تَرَى أَشْخَاصهمْ إِلَّا مَسَاكِنهمْ . وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم قِرَاءَة عَاصِم وَحَمْزَة . قَالَ الْكِسَائِيّ : مَعْنَاهُ لَا يُرَى شَيْء إِلَّا مَسَاكِنهمْ , فَهُوَ مَحْمُول عَلَى الْمَعْنَى , كَمَا تَقُول : مَا قَامَ إِلَّا هِنْد , وَالْمَعْنَى مَا قَامَ أَحَد إِلَّا هِنْد . وَقَالَ الْفَرَّاء : لَا يُرَى النَّاس لِأَنَّهُمْ كَانُوا تَحْت الرَّمْل , وَإِنَّمَا تُرَى مَسَاكِنهمْ لِأَنَّهَا قَائِمَة . أَيْ مِثْل هَذِهِ الْعُقُوبَة نُعَاقِب بِهَا الْمُشْرِكِينَ .'; $TAFSEER['4']['46']['26'] = 'قِيلَ : إِنَّ " إِنْ " زَائِدَة , تَقْدِيره وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِيمَا مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ . وَهَذَا قَوْل الْقُتَبِيّ . وَأَنْشَدَ الْأَخْفَش : يُرَجِّي الْمَرْء مَا إِنْ لَا يَرَاهُ وَتَعْرِض دُون أَدْنَاهُ الْخُطُوب وَقَالَ آخَر : فَمَا إِنْ طِبّنَا جُبْن وَلَكِنْ مَنَايَانَا وَدَوْلَة آخَرِينَا وَقِيلَ : إِنَّ " مَا " بِمَعْنَى الَّذِي . وَ " إِنْ " بِمَعْنَى مَا , وَالتَّقْدِير وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الَّذِي مَا مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ , قَالَهُ الْمُبَرِّد . وَقِيلَ : شَرْطِيَّة وَجَوَابهَا مُضْمَر مَحْذُوف , وَالتَّقْدِير وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِي مَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ كَانَ بَغْيكُمْ أَكْثَر وَعِنَادكُمْ أَشَدّ , وَتَمَّ الْكَلَام . يَعْنِي قُلُوبًا يَفْقَهُونَ بِهَا . مَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ " مِنْ عَذَاب اللَّه . يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه أَحَاطَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ .'; $TAFSEER['4']['46']['27'] = 'يُرِيد حِجْر ثَمُود وَقُرَى لُوط وَنَحْوهمَا مِمَّا كَانَ يُجَاوِر بِلَاد الْحِجَاز , وَكَانَتْ أَخْبَارهمْ مُتَوَاتِرَة عِنْدهمْ . يَعْنِي الْحُجَج وَالدَّلَالَات وَأَنْوَاع الْبَيِّنَات وَالْعِظَات , أَيْ بَيَّنَّاهَا لِأَهْلِ تِلْكَ الْقُرَى . فَلَمْ يَرْجِعُوا . وَقِيلَ : أَيْ صَرَّفْنَا آيَات الْقُرْآن فِي الْوَعْد وَالْوَعِيد وَالْقَصَص وَالْإِعْجَاز لَعَلَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَرْجِعُونَ .'; $TAFSEER['4']['46']['28'] = '" لَوْلَا " بِمَعْنَى هَلَّا , أَيْ هَلَّا نَصَرَهُمْ آلِهَتهمْ الَّتِي تَقَرَّبُوا بِهَا بِزَعْمِهِمْ إِلَى اللَّه لِتَشْفَع لَهُمْ حَيْثُ قَالُوا : " هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْد اللَّه " [ يُونُس : 18 ] وَمَنَعَتْهُمْ مِنْ الْهَلَاك الْوَاقِع بِهِمْ . قَالَ الْكِسَائِيّ : الْقُرْبَان كُلّ مَا يُتَقَرَّب بِهِ إِلَى اللَّه تَعَالَى مِنْ طَاعَة وَنَسِيكَة , وَالْجَمْع قَرَابِين , كَالرُّهْبَانِ وَالرَّهَابِين . وَأَحَد مَفْعُولَيْ اِتَّخَذَ الرَّاجِع إِلَى الَّذِينَ الْمَحْذُوف , وَالثَّانِي " آلِهَة " . وَ " قُرْبَانًا " حَال , وَلَا يَصِحّ أَنْ يَكُون " قُرْبَانًا " مَفْعُولًا ثَانِيًا . وَ " آلِهَة " بَدَل مِنْهُ لِفَسَادِ الْمَعْنَى , قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ . وَقُرِئَ " قُرُبَانًا " بِضَمِّ الرَّاء . أَيْ هَلَكُوا عَنْهُمْ . وَقِيلَ : " بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ " أَيْ ضَلَّتْ عَنْهُمْ آلِهَتهمْ لِأَنَّهَا لَمْ يُصِبْهَا مَا أَصَابَهُمْ , إِذْ هِيَ جَمَاد . وَقِيلَ : " ضَلُّوا عَنْهُمْ " , أَيْ تَرَكُوا الْأَصْنَام وَتَبَرَّءُوا مِنْهَا . أَيْ وَالْآلِهَة الَّتِي ضَلَّتْ عَنْهُمْ هِيَ إِفْكهمْ فِي قَوْلهمْ : إِنَّهَا تُقَرِّبهُمْ إِلَى اللَّه زُلْفَى . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " إِفْكهمْ " بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَسُكُون الْفَاء , أَيْ كَذِبهمْ . وَالْإِفْك : الْكَذِب , وَكَذَلِكَ الْأَفِيكَة , وَالْجَمْع الْأَفَائِك . وَرَجُل أَفَّاك أَيْ كَذَّاب . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَابْن الزُّبَيْر " وَذَلِكَ أَفَكَهُمْ " بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَالْفَاء وَالْكَاف , عَلَى الْفِعْل , أَيْ ذَلِكَ الْقَوْل صَرَفَهُمْ عَنْ التَّوْحِيد . وَالْأَفْك " بِالْفَتْحِ " مَصْدَر قَوْلك : أَفَكَهُ يَأْفِكهُ أَفْكًا , أَيْ قَلَبَهُ وَصَرَفَهُ عَنْ الشَّيْء . وَقَرَأَ عِكْرِمَة " أَفَّكَهُمْ " بِتَشْدِيدِ الْفَاء عَلَى التَّأْكِيد وَالتَّكْثِير . قَالَ أَبُو حَاتِم : يَعْنِي قَلَبَهُمْ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ النَّعِيم . وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا " آفِكهُمْ " بِالْمَدِّ وَكَسْر الْفَاء , بِمَعْنَى صَارِفهمْ . وَعَنْ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ " آفَكَهُمْ " بِالْمَدِّ , فَجَازَ أَنْ يَكُون أَفْعَلَهُمْ , أَيْ أَصَارَهُمْ إِلَى الْإِفْك . وَجَازَ أَنْ يَكُون فَاعَلَهُمْ كَخَادَعَهُمْ . وَدَلِيل قِرَاءَة الْعَامَّة " إِفْكهمْ " أَيْ يَكْذِبُونَ . وَقِيلَ " أَفْكهمْ " مِثْل " أَفَكَهُمْ " . الْإِفْك وَالْأَفَك كَالْحِذْرِ وَالْحَذَر , قَالَهُ الْمَهْدَوِيّ .'; $TAFSEER['4']['46']['29'] = 'الْقُرْآن " هَذَا تَوْبِيخ لِمُشْرِكِي قُرَيْش , أَيْ إِنَّ الْجِنّ سَمِعُوا الْقُرْآن فَآمَنُوا بِهِ وَعَلِمُوا أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ مُصِرُّونَ عَلَى الْكُفْر . وَمَعْنَى : " صَرَفْنَا " وَجَّهْنَا إِلَيْك وَبَعَثْنَا . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ صُرِفُوا عَنْ اِسْتِرَاق السَّمْع مِنْ السَّمَاء بِرُجُومِ الشُّهُب - عَلَى مَا يَأْتِي - وَلَمْ يَكُونُوا بَعْد عِيسَى قَدْ صُرِفُوا عَنْهُ إِلَّا عِنْد مَبْعَث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَمُجَاهِد وَغَيْرهمْ : لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِب خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْده إِلَى الطَّائِف يَلْتَمِس مِنْ ثَقِيف النُّصْرَة فَقَصَدَ عَبْد يَالِيل وَمَسْعُودًا وَحَبِيبًا وَهُمْ إِخْوَة - بَنُو عَمْرو بْن عُمَيْر - وَعِنْدهمْ اِمْرَأَة مِنْ قُرَيْش مِنْ بَنِي جُمَح , فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِيمَان وَسَأَلَهُمْ أَنْ يَنْصُرُوهُ عَلَى قَوْمه فَقَالَ أَحَدهمْ : هُوَ يَمْرُط ثِيَاب الْكَعْبَة إِنْ كَانَ اللَّه أَرْسَلَك وَقَالَ الْآخَر : مَا وَجَدَ اللَّه أَحَدًا يُرْسِلهُ غَيْرك وَقَالَ الثَّالِث : وَاَللَّه لَا أُكَلِّمك كَلِمَة أَبَدًا , إِنْ كَانَ اللَّه أَرْسَلَك كَمَا تَقُول فَأَنْتَ أَعْظَم خَطَرًا مِنْ أَنْ أَرُدّ عَلَيْك الْكَلَام , وَإِنْ كُنْت تَكْذِب فَمَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أُكَلِّمك . ثُمَّ أَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ وَعَبِيدهمْ يَسُبُّونَهُ وَيَضْحَكُونَ بِهِ , حَتَّى اِجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاس وَأَلْجَئُوهُ إِلَى حَائِط لِعُتْبَة وَشَيْبَة اِبْنَيْ رَبِيعَة . فَقَالَ لِلْجُمَحِيَّة : [ مَاذَا لَقِينَا مِنْ أَحْمَائِك ] ؟ ثُمَّ قَالَ : [ اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْك ضَعْف قُوَّتِي وَقِلَّة حِيلَتِي وَهَوَانِي عَلَى النَّاس , يَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ , أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ , وَأَنْتَ رَبِّي , لِمَنْ تَكِلنِي إِلَى عَبْد يَتَجَهَّمنِي , أَوْ إِلَى عَدُوّ مَلَّكْته أَمْرِي إِنْ لَمْ يَكُنْ بِك غَضَب عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي , وَلَكِنْ عَافِيَتك هِيَ أَوْسَع لِي , أَعُوذ بِنُورِ وَجْهك مِنْ أَنْ يَنْزِل بِي غَضَبك , أَوْ يَحِلّ عَلَيَّ سَخَطك , لَك الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى , وَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِك ] . فَرَحِمَهُ اِبْنَا رَبِيعَة وَقَالَا لِغُلَامٍ لَهُمَا نَصْرَانِيّ يُقَال لَهُ عَدَّاس : خُذْ قِطْفًا مِنْ الْعِنَب وَضَعْهُ فِي هَذَا الطَّبَق ثُمَّ ضَعْهُ بَيْن يَدَيْ هَذَا الرَّجُل , فَلَمَّا وَضَعَهُ بَيْن يَدَيْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( بِاسْمِ اللَّه ) ثُمَّ أَكَلَ , فَنَظَرَ عَدَّاس إِلَى وَجْهه ثُمَّ قَالَ : وَاَللَّه إِنَّ هَذَا الْكَلَام مَا يَقُولهُ أَهْل هَذِهِ الْبَلْدَة فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ مِنْ أَيّ الْبِلَاد أَنْتَ يَا عَدَّاس وَمَا دِينك ] قَالَ : أَنَا نَصْرَانِيّ مِنْ أَهْل نِينَوَى . فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ أَمِنْ قَرْيَة الرَّجُل الصَّالِح يُونُس بْن مَتَّى ] ؟ فَقَالَ : وَمَا يُدْرِيك مَا يُونُس بْن مَتَّى ؟ قَالَ : [ ذَاكَ أَخِي كَانَ نَبِيًّا وَأَنَا نَبِيّ ] فَانْكَبَّ عَدَّاس حَتَّى قَبَّلَ رَأْس النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ . فَقَالَ لَهُ اِبْنَا رَبِيعَة : لِمَ فَعَلْت هَكَذَا ؟ فَقَالَ : يَا سَيِّدِي مَا فِي الْأَرْض خَيْر مِنْ هَذَا , أَخْبَرَنِي بِأَمْرٍ مَا يَعْلَمهُ إِلَّا نَبِيّ . ثُمَّ اِنْصَرَفَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين يَئِسَ مِنْ خَيْر ثَقِيف , حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَطْنِ نَخْلَة قَامَ مِنْ اللَّيْل يُصَلِّي فَمَرَّ بِهِ نَفَر مِنْ جِنّ أَهْل نَصِيبِين . وَكَانَ سَبَب ذَلِكَ أَنَّ الْجِنّ كَانُوا يَسْتَرِقُونَ السَّمْع , فَلَمَّا حُرِسَتْ السَّمَاء وَرُمُوا بِالشُّهُبِ قَالَ إِبْلِيس : إِنَّ هَذَا الَّذِي حَدَثَ فِي السَّمَاء لَشَيْء حَدَثَ فِي الْأَرْض , فَبَعَثَ سَرَايَاهُ لِيَعْرِف الْخَبَر , أَوَّلهمْ رَكِبَ نَصِيبِين وَهُمْ أَشْرَاف الْجِنّ إِلَى تِهَامَة , فَلَمَّا بَلَغُوا بَطْن نَخْلَة سَمِعُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي صَلَاة الْغَدَاة بِبَطْنِ نَخْلَة وَيَتْلُو الْقُرْآن , فَاسْتَمَعُوا لَهُ وَقَالُوا : أَنْصِتُوا . وَقَالَتْ طَائِفَة : بَلْ أُمِرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنْذِر الْجِنّ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّه تَعَالَى وَيَقْرَأ عَلَيْهِمْ الْقُرْآن , فَصَرَفَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ نَفَرًا مِنْ الْجِنّ مِنْ نِينَوَى وَجَمَعَهُمْ لَهُ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ إِنِّي أُرِيد أَنْ أَقْرَأ الْقُرْآن عَلَى الْجِنّ اللَّيْلَة فَأَيّكُمْ يَتَّبِعنِي ] ؟ فَأَطْرَقُوا , ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَة فَأَطْرَقُوا , ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَة فَأَطْرَقُوا , فَقَالَ اِبْن مَسْعُود : أَنَا يَا رَسُول اللَّه , قَالَ اِبْن مَسْعُود : وَلَمْ يَحْضُر مَعَهُ أَحَد غَيْرِي , فَانْطَلَقْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَعْلَى مَكَّة دَخَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِعْبًا يُقَال لَهُ ( شِعْب الْحَجُون ) وَخَطَّ لِي خَطًّا وَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِس فِيهِ وَقَالَ : [ لَا تَخْرُج مِنْهُ حَتَّى أَعُود إِلَيْك ] . ثُمَّ اِنْطَلَقَ حَتَّى قَامَ فَافْتَتَحَ الْقُرْآن , فَجَعَلْت أَرَى أَمْثَال النُّسُور تَهْوِي وَتَمْشِي فِي رَفْرَفهَا , وَسَمِعْت لَغَطًا وَغَمْغَمَة حَتَّى خِفْت عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَغَشِيَتْهُ أَسْوِدَة كَثِيرَة حَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنه حَتَّى مَا أَسْمَع صَوْته , ثُمَّ طَفِقُوا يَتَقَطَّعُونَ مِثْل قِطَع السَّحَاب ذَاهِبِينَ , فَفَرَغَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْفَجْر فَقَالَ : [ أَنِمْت ] ؟ قُلْت : لَا وَاَللَّه , وَلَقَدْ هَمَمْت مِرَارًا أَنْ أَسْتَغِيث بِالنَّاسِ حَتَّى سَمِعْتُك تَقْرَعهُمْ بِعَصَاك تَقُول اِجْلِسُوا , فَقَالَ : [ لَوْ خَرَجْت لَمْ آمَن عَلَيْك أَنْ يَخْطَفك بَعْضهمْ ] ثُمَّ قَالَ : [ هَلْ رَأَيْت شَيْئًا ] ؟ قُلْت : نَعَمْ يَا رَسُول اللَّه , رَأَيْت رِجَالًا سُودًا مُسْتَثْفِرِي ثِيَابًا بِيضًا , فَقَالَ : [ أُولَئِكَ جِنّ نَصِيبِين سَأَلُونِي الْمَتَاع وَالزَّاد فَمَتَّعْتهمْ بِكُلِّ عَظْم حَائِل وَرَوْثَة وَبَعْرَة ] . فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه يَقْذَرهَا النَّاس عَلَيْنَا . فَنَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسْتَنْجَى بِالْعَظْمِ وَالرَّوْث . قُلْت : يَا نَبِيّ اللَّه , وَمَا يُغْنِي ذَلِكَ عَنْهُمْ قَالَ : [ إِنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ عَظْمًا إِلَّا وَجَدُوا عَلَيْهِ لَحْمه يَوْم أُكِلَ , وَلَا رَوْثَة إِلَّا وَجَدُوا فِيهَا حَبّهَا يَوْم أُكِلَ ] فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه , لَقَدْ سَمِعْت لَغَطًا شَدِيدًا ؟ فَقَالَ : [ إِنَّ الْجِنّ تَدَارَأَتْ فِي قَتِيل بَيْنهمْ فَتَحَاكَمُوا إِلَيَّ فَقَضَيْت بَيْنهمْ بِالْحَقِّ ] . ثُمَّ تَبَرَّزَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَتَانِي فَقَالَ : [ هَلْ مَعَك مَاء ] ؟ فَقُلْت يَا نَبِيّ اللَّه , مَعِي إِدَاوَة فِيهَا شَيْء مِنْ نَبِيذ التَّمْر فَصَبَبْت عَلَى يَدَيْهِ فَتَوَضَّأَ فَقَالَ : [ تَمْرَة طَيِّبَة وَمَاء طَهُور ] . رَوَى مَعْنَاهُ مَعْمَر عَنْ قَتَادَة وَشُعْبَة أَيْضًا عَنْ اِبْن مَسْعُود . وَلَيْسَ فِي حَدِيث مَعْمَر ذِكْر نَبِيذ التَّمْر . رُوِيَ عَنْ أَبِي عُثْمَان النَّهْدِيّ أَنَّ اِبْن مَسْعُود أَبْصَرَ زُطًّا فَقَالَ : مَا هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الزُّطّ . قَالَ : مَا رَأَيْت شَبَههمْ إِلَّا الْجِنّ لَيْلَة الْجِنّ فَكَانُوا مُسْتَفِزِّينَ يَتْبَع بَعْضهمْ بَعْضًا . وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن لَهِيعَة حَدَّثَنِي قَيْس بْن الْحَجَّاج عَنْ حَنَش عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ وَضَّأَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْجِنّ بِنَبِيذٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ وَقَالَ : [ شَرَاب وَطَهُور ] . اِبْن لَهِيعَة لَا يُحْتَجّ بِهِ . وَبِهَذَا السَّنَد عَنْ اِبْن مَسْعُود : أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْجِنّ , فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ أَمَعَك مَاء يَا بْن مَسْعُود ] ؟ فَقَالَ : مَعِي نَبِيذ فِي إِدَاوَة , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ صُبَّ عَلَيَّ مِنْهُ ] . فَتَوَضَّأَ وَقَالَ : [ هُوَ شَرَاب وَطَهُور ] تَفَرَّدَ بِهِ اِبْن لَهِيعَة وَهُوَ ضَعِيف الْحَدِيث . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : وَقِيلَ إِنَّ اِبْن مَسْعُود لَمْ يَشْهَد مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْجِنّ . كَذَلِكَ رَوَاهُ عَلْقَمَة بْن قَيْس وَأَبُو عُبَيْدَة بْن عَبْد اللَّه وَغَيْرهمَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : مَا شَهِدْت لَيْلَة الْجِنّ . حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّد بْن صَاعِد حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْعَث حَدَّثَنَا بِشْر بْن الْمُفَضَّل حَدَّثَنَا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد عَنْ عَامِر عَنْ عَلْقَمَة بْن قَيْس قَالَ قُلْت لِعَبْدِ اللَّه بْن مَسْعُود : أَشَهِدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَد مِنْكُمْ لَيْلَة أَتَاهُ دَاعِي الْجِنّ ؟ قَالَ لَا . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : هَذَا إِسْنَاد صَحِيح لَا يُخْتَلَف فِي عَدَالَة رَاوِيه . وَعَنْ عَمْرو بْن مُرَّة قَالَ قُلْت لِأَبِي عُبَيْدَة : حَضَرَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود لَيْلَة الْجِنّ ؟ فَقَالَ لَا . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ الْجِنّ سَبْعَة نَفَر مِنْ جِنّ نَصِيبِين فَجَعَلَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُسُلًا إِلَى قَوْمهمْ . وَقَالَ زِرّ بْن حُبَيْش : كَانُوا تِسْعَة أَحَدهمْ زَوْبَعَة . وَقَالَ قَتَادَة : إِنَّهُمْ مِنْ أَهْل نِينَوَى . وَقَالَ مُجَاهِد : مِنْ أَهْل حَرَّان . وَقَالَ عِكْرِمَة : مِنْ جَزِيرَة الْمَوْصِل . وَقِيلَ : إِنَّهُمْ كَانُوا سَبْعَة , ثَلَاثَة مِنْ أَهْل نَجْرَان وَأَرْبَعَة مِنْ أَهْل نَصِيبِين . وَرَوَى اِبْن أَبِي الدُّنْيَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيث وَذَكَرَ فِيهِ نَصِيبِين فَقَالَ : [ رُفِعَتْ إِلَيَّ حَتَّى رَأَيْتهَا فَدَعَوْت اللَّه أَنْ يُكْثِر مَطَرهَا وَيُنْضِر شَجَرهَا وَأَنْ يَغْزُو نَهَرهَا ] . وَقَالَ السُّهَيْلِيّ : وَيُقَال كَانُوا سَبْعَة , وَكَانُوا يَهُودًا فَأَسْلَمُوا , وَلِذَلِكَ قَالُوا : " أُنْزِلَ مِنْ بَعْد مُوسَى " . وَقِيلَ فِي أَسْمَائِهِمْ : شاصر وماصر ومنشى وماشي وَالْأَحْقَب , ذَكَرَ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَة اِبْن دُرَيْد . وَمِنْهُمْ عَمْرو بْن جَابِر , ذَكَرَهُ اِبْن سَلَّام مِنْ طَرِيق أَبِي إِسْحَاق السَّبِيعِيّ عَنْ أَشْيَاخه عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ كَانَ فِي نَفَر مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشُونَ فَرُفِعَ لَهُمْ إِعْصَار ثُمَّ جَاءَ إِعْصَار أَعْظَم مِنْهُ فَإِذَا حَيَّة قَتِيل , فَعَمَدَ رَجُل مِنَّا إِلَى رِدَائِهِ فَشَقَّهُ وَكَفَّنَ الْحَيَّة بِبَعْضِهِ وَدَفَنَهَا , فَلَمَّا جَنَّ اللَّيْل إِذَا اِمْرَأَتَانِ تَسْأَلَانِ : أَيّكُمْ دَفَنَ عَمْرو بْن جَابِر ؟ فَقُلْنَا : مَا نَدْرِي مَنْ عَمْرو بْن جَابِر فَقَالَتَا : إِنْ كُنْتُمْ اِبْتَغَيْتُمْ الْأَجْر فَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ , إِنَّ فَسَقَة الْجِنّ اِقْتَتَلُوا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ فَقُتِلَ عَمْرو , وَهُوَ الْحَيَّة الَّتِي رَأَيْتُمْ , وَهُوَ مِنْ النَّفَر الَّذِينَ اِسْتَمَعُوا الْقُرْآن مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَلَّوْا إِلَى قَوْمهمْ مُنْذِرِينَ . وَذَكَرَ اِبْن سَلَّام رِوَايَة أُخْرَى : أَنَّ الَّذِي كَفَّنَهُ هُوَ صَفْوَان بْن الْمُعَطَّل . قُلْت : وَذَكَرَ هَذَا الْخَبَر الثَّعْلَبِيّ بِنَحْوِهِ فَقَالَ : وَقَالَ ثَابِت بْن قُطْبَة جَاءَ أُنَاس إِلَى اِبْن مَسْعُود فَقَالُوا : إِنَّا كُنَّا فِي سَفَر فَرَأَيْنَا حَيَّة مُتَشَحِّطَة فِي دِمَائِهَا , فَأَخَذَهَا رَجُل مِنَّا فَوَارَيْنَاهَا , فَجَاءَ أُنَاس فَقَالُوا : أَيّكُمْ دَفَنَ عَمْرًا ؟ قُلْنَا وَمَا عَمْرو ؟ قَالُوا الْحَيَّة الَّتِي دَفَنْتُمْ فِي مَكَان كَذَا , أَمَا إِنَّهُ كَانَ مِنْ النَّفَر الَّذِينَ سَمِعُوا الْقُرْآن مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ بَيْن حَيَّيْنِ مِنْ الْجِنّ مُسْلِمِينَ وَكَافِرِينَ قِتَال فَقُتِلَ . فَفِي هَذَا الْخَبَر أَنَّ اِبْن مَسْعُود لَمْ يَكُنْ فِي سَفَر وَلَا حَضَرَ الدَّفْن , وَاَللَّه أَعْلَم . وَذَكَرَ اِبْن أَبِي الدُّنْيَا عَنْ رَجُل مِنْ التَّابِعِينَ سَمَّاهُ : أَنَّ حَيَّة دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي خِبَائِهِ تَلْهَث عَطَشًا فَسَقَاهَا ثُمَّ أَنَّهَا مَاتَتْ فَدَفَنَهَا , فَأُتِيَ مِنْ اللَّيْل فَسُلِّمَ عَلَيْهِ وَشُكِرَ , وَأُخْبِرَ أَنَّ تِلْكَ الْحَيَّة كَانَتْ رَجُلًا عَنْ جِنّ نَصِيبِين اِسْمه زَوْبَعَة . قَالَ السُّهَيْلِيّ : وَبَلَغَنَا فِي فَضَائِل عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِمَّا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو بَكْر بْن طَاهِر الْأَشْبِيلِيّ أَنَّ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز كَانَ يَمْشِي بِأَرْضٍ فَلَاة , فَإِذَا حَيَّة مَيِّتَة فَكَفَّنَهَا بِفَضْلَةٍ مِنْ رِدَائِهِ وَدَفَنَهَا , فَإِذَا قَائِل يَقُول : يَا سُرَّق , أَشْهَد لَسَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : [ سَتَمُوتُ بِأَرْضٍ فَلَاة فَيُكَفِّنك رَجُل صَالِح ] . فَقَالَ : وَمَنْ أَنْتَ يَرْحَمك اللَّه ؟ فَقَالَ : رَجُل مِنْ الْجِنّ الَّذِينَ اِسْتَمَعُوا الْقُرْآن مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا أَنَا وَسُرَّق , وَهَذَا سُرَّق قَدْ مَاتَ . وَقَدْ قَتَلَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا حَيَّة رَأَتْهَا فِي حُجْرَتهَا تَسْتَمِع وَعَائِشَة تَقْرَأ , فَأُتِيَتْ فِي الْمَنَام فَقِيلَ لَهَا : إِنَّك قَتَلْت رَجُلًا مُؤْمِنًا مِنْ الْجِنّ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَتْ : لَوْ كَانَ مُؤْمِنًا مَا دَخَلَ عَلَى حَرَم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقِيلَ لَهَا : مَا دَخَلَ عَلَيْك إِلَّا وَأَنْتِ مُتَقَنِّعَة , وَمَا جَاءَ إِلَّا لِيَسْتَمِع الذِّكْر . فَأَصْبَحَتْ عَائِشَة فَزِعَة , وَاشْتَرَتْ رِقَابًا فَأَعْتَقَتْهُمْ . قَالَ السُّهَيْلِيّ : وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ أَسْمَاء هَؤُلَاءِ الْجِنّ مَا حَضَرَنَا , فَإِنْ كَانُوا سَبْعَة فَالْأَحْقَب مِنْهُمْ وَصْف لِأَحَدِهِمْ , وَلَيْسَ بِاسْمِ عَلَم , فَإِنَّ الْأَسْمَاء الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا ثَمَانِيَة بِالْأَحْقَبِ . وَاَللَّه أَعْلَم . قُلْت : وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظ اِبْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه : هامة بْن الهيم بْن الْأَقْيَس بْن إِبْلِيس , قِيلَ : إِنَّهُ مِنْ مُؤْمِنِي الْجِنّ وَمِمَّنْ لَقِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَّمَهُ سُورَة " إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَة " [ الْوَاقِعَة : 1 ] وَ " الْمُرْسَلَات " [ الْمُرْسَلَات : 1 ] وَ " عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ " [ النَّبَأ : 1 ] وَ " إِذَا الشَّمْس كُوِّرَتْ " [ التَّكْوِير : 1 ] وَ " الْحَمْد " [ الْفَاتِحَة : 1 ] وَ " الْمُعَوِّذَتَيْنِ " [ الْفَلَق : 1 - وَالنَّاس : 1 ] . وَذُكِرَ أَنَّهُ حَضَرَ قَتْل هَابِيل وَشَرِكَ فِي دَمه وَهُوَ غُلَام اِبْن أَعْوَام , وَأَنَّهُ لَقِيَ نُوحًا وَتَابَ عَلَى يَدَيْهِ , وَهُودًا وَصَالِحًا وَيَعْقُوب وَيُوسُف وَإِلْيَاس وَمُوسَى بْن عِمْرَان وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَيْهِمْ السَّلَام . وَقَدْ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ أَسْمَاءَهُمْ عَنْ مُجَاهِد فَقَالَ : حسى ومسى ومنشى وشاصر وماصر والأرد وأنيان والأحقم . وَذَكَرَهَا أَبُو عَمْرو عُثْمَان بْن أَحْمَد الْمَعْرُوف بِابْنِ السَّمَّاك قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْبَرَاء قَالَ حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بْن بَكَّار قَالَ : كَانَ حَمْزَة بْن عُتْبَة بْن أَبِي لَهَب يُسَمِّي جِنّ نَصِيبِين الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُول : حسى ومسى وشاصر وماصر والأفخر والأرد وأنيال . أَيْ حَضَرُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ مِنْ بَاب تَلْوِين الْخِطَاب . وَقِيلَ : لَمَّا حَضَرُوا الْقُرْآن وَاسْتِمَاعه . أَيْ قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ اُسْكُتُوا لِاسْتِمَاعِ الْقُرْآن . قَالَ اِبْن مَسْعُود : هَبَطُوا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأ الْقُرْآن بِبَطْنِ نَخْلَة , فَلَمَّا سَمِعُوهُ " قَالُوا أَنْصِتُوا " قَالُوا صَهٍ . وَكَانُوا سَبْعَة : أَحَدهمْ زَوْبَعَة , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْك نَفَرًا مِنْ الْجِنّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآن فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا " الْآيَة إِلَى قَوْله : " فِي ضَلَال مُبِين " [ الْأَحْقَاف : 32 ] . وَقِيلَ : " أَنْصِتُوا " لِسَمَاعِ قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . وَقَرَأَ لَاحِق بْن حُمَيْد وَخُبَيْب بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر " فَلَمَّا قَضَى " بِفَتْحِ الْقَاف وَالضَّاد , يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل الصَّلَاة . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ خَرَجُوا حِين حُرِسَتْ السَّمَاء مِنْ اِسْتِرَاق السَّمْع لِيَسْتَخْبِرُوا مَا أَوْجَبَ ذَلِكَ ؟ فَجَاءُوا وَادِي نَخْلَة وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأ فِي صَلَاة الْفَجْر , وَكَانُوا سَبْعَة , فَسَمِعُوهُ وَانْصَرَفُوا إِلَى قَوْمهمْ مُنْذِرِينَ , وَلَمْ يَعْلَم بِهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : بَلْ أُمِرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنْذِر الْجِنّ وَيَقْرَأ عَلَيْهِمْ الْقُرْآن , فَصَرَفَ اللَّه إِلَيْهِ نَفَرًا مِنْ الْجِنّ لِيَسْتَمِعُوا مِنْهُ وَيُنْذِرُوا قَوْمهمْ , فَلَمَّا تَلَا عَلَيْهِمْ الْقُرْآن وَفَرَغَ اِنْصَرَفُوا بِأَمْرِهِ قَاصِدِينَ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ قَوْمهمْ مِنْ الْجِنّ , مُنْذِرِينَ لَهُمْ مُخَالَفَة الْقُرْآن وَمُحَذِّرِينَ إِيَّاهُمْ بَأْس اللَّه إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ آمَنُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنَّهُ أَرْسَلَهُمْ . وَيَدُلّ عَلَى هَذَا قَوْلهمْ : " يَا قَوْمنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّه وَآمِنُوا بِهِ " [ الْأَحْقَاف : 31 ] وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا أَنْذَرُوا قَوْمهمْ . وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهُمْ رُسُلًا إِلَى قَوْمهمْ , فَعَلَى هَذَا لَيْلَة الْجِنّ لَيْلَتَانِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى مُسْتَوْفًى . وَفِي صَحِيح مُسْلِم مَا يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي " قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ " [ الْجِنّ : 1 ] . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ مَعْن قَالَ : سَمِعْت أَبِي قَالَ سَأَلْت مَسْرُوقًا : مَنْ آذَنَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِنِّ لَيْلَة اِسْتَمَعُوا الْقُرْآن ؟ فَقَالَ : حَدَّثَنِي أَبُوك - يَعْنِي اِبْن مَسْعُود - أَنَّهُ آذَنَتْهُ بِهِمْ شَجَرَة .'; $TAFSEER['4']['46']['30'] = 'أَيْ الْقُرْآن , وَكَانُوا مُؤْمِنِينَ بِمُوسَى . قَالَ عَطَاء : كَانُوا يَهُودًا فَأَسْلَمُوا , وَلِذَلِكَ قَالُوا : " أُنْزِلَ مِنْ بَعْد مُوسَى " . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ الْجِنّ لَمْ تَكُنْ سَمِعَتْ بِأَمْرِ عِيسَى , فَلِذَلِكَ قَالَتْ : " أُنْزِلَ مِنْ بَعْد مُوسَى " . يَعْنِي مَا قَبْله مِنْ التَّوْرَاة . دِين الْحَقّ . دِين اللَّه الْقَوِيم .'; $TAFSEER['4']['46']['31'] = 'يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى الْجِنّ وَالْإِنْس . قَالَ مُقَاتِل : وَلَمْ يَبْعَث اللَّه نَبِيًّا إِلَى الْجِنّ وَالْإِنْس قَبْل مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قُلْت : يَدُلّ عَلَى قَوْله مَا فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ أُعْطِيت خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَد قَبْلِي كَانَ كُلّ نَبِيّ يُبْعَث إِلَى قَوْمه خَاصَّة وَبُعِثْت إِلَى كُلّ أَحْمَر وَأَسْوَد وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِم وَلَمْ تُحَلّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْض طَيِّبَة طَهُورًا وَمَسْجِدًا فَأَيّمَا رَجُل أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاة صَلَّى حَيْثُ كَانَ وَنُصِرْت بِالرُّعْبِ بَيْن يَدَيْ مَسِيرَة شَهْر وَأُعْطِيت الشَّفَاعَة ] . قَالَ مُجَاهِد : الْأَحْمَر وَالْأَسْوَد : الْجِنّ وَالْإِنْس . وَفِي رِوَايَة مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " وَبُعِثْت إِلَى الْخَلْق كَافَّة وَخُتِمَ بِي النَّبِيُّونَ " . أَيْ بِالدَّاعِي , وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : " بِهِ " أَيْ بِاَللَّهِ , لِقَوْلِهِ : " يَغْفِر لَكُمْ مِنْ ذُنُوبكُمْ " . قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَاسْتَجَابَ لَهُمْ مِنْ قَوْمهمْ سَبْعُونَ رَجُلًا , فَرَجَعُوا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَقُوهُ بِالْبَطْحَاءِ , فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآن وَأَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ . مَسْأَلَة : هَذِهِ الْآي تَدُلّ عَلَى أَنَّ الْجِنّ كَالْإِنْسِ فِي الْأَمْر وَالنَّهْي وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب . وَقَالَ الْحَسَن : لَيْسَ لِمُؤْمِنِي الْجِنّ ثَوَاب غَيْر نَجَاتهمْ مِنْ النَّار , يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : " يَغْفِر لَكُمْ مِنْ ذُنُوبكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَاب أَلِيم " . وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَة قَالَ : لَيْسَ ثَوَاب الْجِنّ إِلَّا أَنْ يُجَارُوا مِنْ النَّار , ثُمَّ يُقَال لَهُمْ : كُونُوا تُرَابًا مِثْل الْبَهَائِم . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّهُمْ كَمَا يُعَاقَبُونَ فِي الْإِسَاءَة يُجَازَوْنَ فِي الْإِحْسَان مِثْل الْإِنْس . وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَابْن أَبِي لَيْلَى . وَقَدْ قَالَ الضَّحَّاك : الْجِنّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة وَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَالصَّحِيح أَنَّ هَذَا مِمَّا لَمْ يُقْطَع فِيهِ بِشَيْءٍ , وَالْعِلْم عِنْد اللَّه . قُلْت : قَوْله تَعَالَى : " وَلِكُلٍّ دَرَجَات مِمَّا عَمِلُوا " [ الْأَنْعَام : 132 ] يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ يُثَابُونَ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّة ; لِأَنَّهُ قَالَ فِي أَوَّل الْآيَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُل مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي " إِلَى أَنْ قَالَ " وَلِكُلٍّ دَرَجَات مِمَّا عَمِلُوا " [ الْأَنْعَام : 130 - 132 ] . وَاَللَّه أَعْلَم , وَسَيَأْتِي لِهَذَا فِي سُورَة " الرَّحْمَن " مَزِيد بَيَان إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .'; $TAFSEER['4']['46']['32'] = 'أَيْ لَا يَفُوت اللَّه وَلَا يَسْبِقهُ أَيْ أَنْصَار يَمْنَعُونَهُ مِنْ عَذَاب اللَّه . " أُولَئِكَ فِي ضَلَال مُبِين " .'; $TAFSEER['4']['46']['33'] = 'الرُّؤْيَة هُنَا بِمَعْنَى الْعِلْم . وَ " أَنَّ " وَاسْمهَا وَخَبَرهَا سَدَّتْ مَسَدّ مَفْعُولَيْ الرُّؤْيَة . اِحْتِجَاج عَلَى مُنْكِرِي الْبَعْث . وَمَعْنَى " لَمْ يَعْيَ " يَعْجَز وَيَضْعُف عَنْ إِبْدَاعهنَّ . يُقَال : عَيَّ بِأَمْرِهِ وَعَيِيَ إِذَا لَمْ يَهْتَدِ لِوَجْهِهِ , وَالْإِدْغَام أَكْثَر . وَتَقُول فِي الْجَمْع عَيُوا , مُخَفَّفًا , وَعَيُّوا أَيْضًا بِالتَّشْدِيدِ . قَالَ عَيُّوا بِأَمْرِهِمْ كَمَا عَيَّتْ بِبَيْضَتِهَا الْحَمَامَة وَعَيِيت بِأَمْرِي إِذَا لَمْ تَهْتَدِ لِوَجْهِهِ . وَأَعْيَانِي هُوَ . وَقَرَأَ الْحَسَن " وَلَمْ يَعِي " بِكَسْرِ الْعَيْن وَإِسْكَان الْيَاء , وَهُوَ قَلِيل شَاذّ , لَمْ يَأْتِ إِعْلَال الْعَيْن وَتَصْحِيح اللَّام إِلَّا فِي أَسْمَاء قَلِيلَة , نَحْو غَايَة وَآيَة . وَلَمْ يَأْتِ فِي الْفِعْل سِوَى بَيْت أَنْشَدَهُ الْفَرَّاء , وَهُوَ قَوْل الشَّاعِر : فَكَأَنَّهَا بَيْن النِّسَاء سَبِيكَة تَمْشِي بِسُدَّةِ بَيْتهَا فَتُعِيّ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَالْأَخْفَش : الْبَاء زَائِدَة لِلتَّوْكِيدِ كَالْبَاءِ فِي قَوْله : " وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا " [ النِّسَاء : 166 ] , وَقَوْله : " تُنْبِت بِالدُّهْنِ " [ الْمُؤْمِنُونَ : 20 ] . وَقَالَ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء وَالزَّجَّاج : الْبَاء فِيهِ خَلَف الِاسْتِفْهَام وَالْجَحْد فِي أَوَّل الْكَلَام . قَالَ الزَّجَّاج : وَالْعَرَب تُدْخِلهَا مَعَ الْجَحْد تَقُول : مَا ظَنَنْت أَنَّ زَيْدًا بِقَائِمٍ . وَلَا تَقُول : ظَنَنْت أَنَّ زَيْدًا بِقَائِمٍ . وَهُوَ لِدُخُولِ " مَا " وَدُخُول " أَنَّ " لِلتَّوْكِيدِ . وَالتَّقْدِير : أَلَيْسَ اللَّه بِقَادِرٍ , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِقَادِرٍ " [ يس : 81 ] . وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود وَالْأَعْرَج وَالْجَحْدَرِيّ وَابْن أَبِي إِسْحَاق وَيَعْقُوب " يَقْدِر " وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم ; لِأَنَّ دُخُول الْبَاء فِي خَبَر " أَنَّ " قَبِيح . وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْد قِرَاءَة الْعَامَّة ; لِأَنَّهَا فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه " خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض قَادِر " بِغَيْرِ بَاء . وَاَللَّه أَعْلَم .'; $TAFSEER['4']['46']['34'] = 'أَيْ ذَكِّرْهُمْ يَوْم يُعْرَضُونَ فَيُقَال لَهُمْ : " أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبّنَا " أَيْ ذَكِّرْهُمْ يَوْم يُعْرَضُونَ فَيُقَال لَهُمْ : " أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبّنَا " أَيْ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِكُفْرِكُمْ .'; $TAFSEER['4']['46']['35'] = 'وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : ذَوُو الْحَزْم وَالصَّبْر , قَالَ مُجَاهِد : هُمْ خَمْسَة : نُوح , وَإِبْرَاهِيم , وَمُوسَى , وَعِيسَى , وَمُحَمَّد عَلَيْهِمْ الصَّلَاة وَالسَّلَام . وَهُمْ أَصْحَاب الشَّرَائِع . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة : إِنَّ أُولِي الْعَزْم : نُوح , وَهُود , وَإِبْرَاهِيم . فَأَمَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَبِيّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنْ يَكُون رَابِعهمْ . وَقَالَ السُّدِّيّ : هُمْ سِتَّة : إِبْرَاهِيم , وَمُوسَى , وَدَاوُد , وَسُلَيْمَان , وَعِيسَى , وَمُحَمَّد , صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . وَقِيلَ : نُوح , وَهُود , وَصَالِح , وَشُعَيْب , وَلُوط , وَمُوسَى , وَهُمْ الْمَذْكُورُونَ عَلَى النَّسَق فِي سُورَة " الْأَعْرَاف وَالشُّعَرَاء " . وَقَالَ مُقَاتِل : هُمْ سِتَّة : نُوح صَبَرَ عَلَى أَذَى قَوْمه مُدَّة . وَإِبْرَاهِيم صَبَرَ عَلَى النَّار . وَإِسْحَاق صَبَرَ عَلَى الذَّبْح . وَيَعْقُوب صَبَرَ عَلَى فَقْد الْوَلَد وَذَهَاب الْبَصَر . وَيُوسُف صَبَرَ عَلَى الْبِئْر وَالسِّجْن . وَأَيُّوب صَبَرَ عَلَى الضُّرّ . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : إِنَّ مِنْهُمْ إِسْمَاعِيل وَيَعْقُوب وَأَيُّوب , وَلَيْسَ مِنْهُمْ يُونُس وَلَا سُلَيْمَان وَلَا آدَم . وَقَالَ الشَّعْبِيّ وَالْكَلْبِيّ وَمُجَاهِد أَيْضًا : هُمْ الَّذِينَ أُمِرُوا بِالْقِتَالِ فَأَظْهَرُوا الْمُكَاشَفَة وَجَاهَدُوا الْكَفَرَة . وَقِيلَ : هُمْ نُجَبَاء الرُّسُل الْمَذْكُورُونَ فِي سُورَة " الْأَنْعَام " وَهُمْ ثَمَانِيَة عَشَر : إِبْرَاهِيم , وَإِسْحَاق , وَيَعْقُوب , وَنُوح , وَدَاوُد , وَسُلَيْمَان , وَأَيُّوب , وَيُوسُف , وَمُوسَى , وَهَارُون , وَزَكَرِيَّاء , وَيَحْيَى , وَعِيسَى , وَإِلْيَاس , وَإِسْمَاعِيل , وَاَلْيَسَع , وَيُونُس , وَلُوط . وَاخْتَارَهُ الْحَسَن بْن الْفَضْل لِقَوْلِهِ فِي عَقِبه : " أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّه فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهْ " [ الْأَنْعَام : 90 ] وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : كُلّ الرُّسُل كَانُوا أُولِي عَزْم . وَاخْتَارَهُ عَلِيّ بْن مَهْدِيّ الطَّبَرِيّ , قَالَ : وَإِنَّمَا دَخَلَتْ " مِنْ " لِلتَّجْنِيسِ لَا لِلتَّبْعِيضِ , كَمَا تَقُول : اِشْتَرَيْت أَرِدْيَة مِنْ الْبَزّ وَأَكْسِيَة مِنْ الْخَزّ . أَيْ اِصْبِرْ كَمَا صَبَرَ الرُّسُل . وَقِيلَ : كُلّ الْأَنْبِيَاء أُولُو عَزْم إِلَّا يُونُس بْن مَتَّى , أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَكُون مِثْله , لِخِفَّةٍ وَعَجَلَة ظَهَرَتْ مِنْهُ حِين وَلَّى مُغَاضِبًا لِقَوْمِهِ , فَابْتَلَاهُ اللَّه بِثَلَاثٍ : سَلَّطَ عَلَيْهِ الْعَمَالِقَة حَتَّى أَغَارُوا عَلَى أَهْله وَمَاله , وَسَلَّطَ الذِّئْب عَلَى وَلَده فَأَكَلَهُ , وَسَلَّطَ عَلَيْهِ الْحُوت فَابْتَلَعَهُ , قَالَ أَبُو الْقَاسِم الْحَكِيم . وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : أُولُو الْعَزْم اِثْنَا عَشَر نَبِيًّا أُرْسِلُوا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل بِالشَّامِ فَعَصَوْهُمْ , فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِمْ الْأَنْبِيَاء أَنِّي مُرْسِل عَذَابِي إِلَى عُصَاة بَنِي إِسْرَائِيل ; فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُرْسَلِينَ فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِمْ اِخْتَارُوا لِأَنْفُسِكُمْ , إِنْ شِئْتُمْ أَنْزَلْت بِكُمْ الْعَذَاب وَأَنْجَيْت بَنِي إِسْرَائِيل , وَإِنْ شِئْتُمْ نَجَّيْتُكُمْ وَأَنْزَلْت الْعَذَاب بِبَنِي إِسْرَائِيل , فَتَشَاوَرُوا بَيْنهمْ فَاجْتَمَعَ رَأْيهمْ عَلَى أَنْ يُنْزِل بِهِمْ الْعَذَاب وَيُنَجِّي اللَّه بَنِي إِسْرَائِيل , فَأَنْجَى اللَّه بَنِي إِسْرَائِيل وَأَنْزَلَ بِأُولَئِكَ الْعَذَاب . وَذَلِكَ أَنَّهُ سَلَّطَ عَلَيْهِمْ مُلُوك الْأَرْض , فَمِنْهُمْ مَنْ نُشِرَ بِالْمَنَاشِيرِ , وَمِنْهُمْ مَنْ سُلِخَ جِلْدَة رَأْسه وَوَجْهه , وَمِنْهُمْ مَنْ صُلِبَ عَلَى الْخَشَب حَتَّى مَاتَ , وَمِنْهُمْ مَنْ حُرِّقَ بِالنَّارِ . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ الْحَسَن : أُولُو الْعَزْم أَرْبَعَة : إِبْرَاهِيم , وَمُوسَى , وَدَاوُد , وَعِيسَى , فَأَمَّا إِبْرَاهِيم فَقِيلَ لَهُ : " أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْت لِرَبِّ الْعَالَمِينَ " [ الْبَقَرَة : 131 ] ثُمَّ اُبْتُلِيَ فِي مَاله وَوَلَده وَوَطَنه وَنَفْسه , فَوُجِدَ صَادِقًا وَافِيًا فِي جَمِيع مَا اُبْتُلِيَ بِهِ . وَأَمَّا مُوسَى فَعَزْمه حِين قَالَ لَهُ قَوْمه : " إِنَّا لَمُدْرَكُونَ . قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ " [ الشُّعَرَاء : 61 - 62 ] . وَأَمَّا دَاوُد فَأَخْطَأَ خَطِيئَته فَنُبِّهَ عَلَيْهَا , فَأَقَامَ يَبْكِي أَرْبَعِينَ سَنَة حَتَّى نَبَتَتْ مِنْ دُمُوعه شَجَرَة , فَقَعَدَ تَحْت ظِلّهَا . وَأَمَّا عِيسَى فَعَزْمه أَنَّهُ لَمْ يَضَع لَبِنَة عَلَى لَبِنَة وَقَالَ : " إِنَّهَا مَعْبَرَة فَاعْبُرُوهَا وَلَا تُعَمِّرُوهَا " . فَكَأَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اِصْبِرْ , أَيْ كُنْ صَادِقًا فِيمَا اُبْتُلِيت بِهِ مِثْل صِدْق إِبْرَاهِيم , وَاثِقًا بِنُصْرَةِ مَوْلَاك مِثْل ثِقَة مُوسَى , مُهْتَمًّا بِمَا سَلَفَ مِنْ هَفَوَاتك مِثْل اِهْتِمَام دَاوُد , زَاهِدًا فِي الدُّنْيَا مِثْل زُهْد عِيسَى . ثُمَّ قِيلَ هِيَ : مَنْسُوخَة بِآيَةِ السَّيْف . وَقِيلَ : مُحْكَمَة , وَالْأَظْهَر أَنَّهَا مَنْسُوخَة ; لِأَنَّ السُّورَة مَكِّيَّة . وَذَكَرَ مُقَاتِل : أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أُحُد , فَأَمَرَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَصْبِر عَلَى مَا أَصَابَهُ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْم مِنْ الرُّسُل , تَسْهِيلًا عَلَيْهِ وَتَثْبِيتًا لَهُ . وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ مُقَاتِل : بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ . وَقِيلَ : فِي إِحْلَال الْعَذَاب بِهِمْ , فَإِنَّ أَبْعَد غَايَاتهمْ يَوْم الْقِيَامَة . وَمَفْعُول الِاسْتِعْجَال مَحْذُوف , وَهُوَ الْعَذَاب . قَالَ يَحْيَى : مِنْ الْعَذَاب . النَّقَّاش : مِنْ الْآخِرَة . أَيْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى جَاءَهُمْ الْعَذَاب , وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْل يَحْيَى . وَقَالَ النَّقَّاش : فِي قُبُورهمْ حَتَّى بُعِثُوا لِلْحِسَابِ . يَعْنِي فِي جَنْب يَوْم الْقِيَامَة . وَقِيلَ : نَسَّاهُمْ هَوْل مَا عَايَنُوا مِنْ الْعَذَاب طُول لُبْثهمْ فِي الدُّنْيَا . أَيْ هَذَا الْقُرْآن بَلَاغ , قَالَهُ الْحَسَن . فَ " بَلَاغ " رُفِعَ عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَإ , دَلِيله قَوْله تَعَالَى : " هَذَا بَلَاغ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ " [ إِبْرَاهِيم : 52 ] , وَقَوْله : " إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ " [ الْأَنْبِيَاء : 106 ] . وَالْبَلَاغ بِمَعْنَى التَّبْلِيغ . وَقِيلَ : أَيْ إِنَّ ذَلِكَ اللُّبْث بَلَاغ , قَالَهُ اِبْن عِيسَى , فَيُوقَف عَلَى هَذَا عَلَى " بَلَاغ " وَعَلَى " نَهَار " . وَذَكَرَ أَبُو حَاتِم أَنَّ بَعْضهمْ وَقَفَ عَلَى " وَلَا تَسْتَعْجِل " ثُمَّ اِبْتَدَأَ " لَهُمْ " عَلَى مَعْنَى لَهُمْ بَلَاغ . قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَهَذَا خَطَأ ; لِأَنَّك قَدْ فَصَلْت بَيْن الْبَلَاغ وَبَيْن اللَّام , - وَهِيَ رَافِعَة - بِشَيْءٍ لَيْسَ مِنْهُمَا . وَيَجُوز فِي الْعَرَبِيَّة : بَلَاغًا وَبَلَاغ , النَّصْب عَلَى مَعْنَى إِلَّا سَاعَة بَلَاغًا , عَلَى الْمَصْدَر أَوْ عَلَى النَّعْت لِلسَّاعَةِ . وَالْخَفْض عَلَى مَعْنَى مِنْ نَهَار بَلَاغ . وَبِالنَّصْبِ قَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر وَالْحَسَن . وَرُوِيَ عَنْ بَعْض الْقُرَّاء " بَلِّغْ " عَلَى الْأَمْر , فَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة يَكُون الْوَقْف عَلَى " مِنْ نَهَار " ثُمَّ يَبْتَدِئ " بَلِّغْ " . أَيْ الْخَارِجُونَ عَنْ أَمْر اللَّه , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن " فَهَلْ يَهْلِك إِلَّا الْقَوْم " عَلَى إِسْنَاد الْفِعْل إِلَى الْقَوْم . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِذَا عَسِرَ عَلَى الْمَرْأَة وَلَدهَا تَكْتُب هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَالْكَلِمَتَيْنِ فِي صَحِيفَة ثُمَّ تُغَسَّل وَتُسْقَى مِنْهَا , وَهِيَ : بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم لَا إِلَه إِلَّا اللَّه الْعَظِيم الْحَلِيم الْكَرِيم , سُبْحَان اللَّه رَبّ السَّمَاوَات وَرَبّ الْأَرْض وَرَبّ الْعَرْش الْعَظِيم " كَأَنَّهُمْ يَوْم يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّة أَوْ ضُحَاهَا " [ النَّازِعَات : 46 ] . " كَأَنَّهُمْ يَوْم يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَة مِنْ نَهَار بَلَاغ فَهَلْ يُهْلَك إِلَّا الْقَوْم الْفَاسِقُونَ " صَدَقَ اللَّه الْعَظِيم . وَعَنْ قَتَادَة : لَا يُهْلِك اللَّه إِلَّا هَالِكًا مُشْرِكًا . وَقِيلَ : هَذِهِ أَقْوَى آيَة فِي الرَّجَاء .'; $TAFSEER['4']['47']['1'] = 'مَدَنِيَّة فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس , ذَكَرَهُ النَّحَّاس . وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ : فِي قَوْل الْجَمِيع إِلَّا اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة فَإِنَّهُمَا قَالَا : إِلَّا آيَة مِنْهَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ بَعْد حَجَّة الْوَدَاع حِين خَرَجَ مِنْ مَكَّة , وَجَعَلَ يَنْظُر إِلَى الْبَيْت وَهُوَ يَبْكِي حُزْنًا عَلَيْهِ , فَنَزَلَ عَلَيْهِ " وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَة هِيَ أَشَدّ قُوَّة مِنْ قَرْيَتك " [ مُحَمَّد : 13 ] . وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ : إِنَّهَا مَكِّيَّة , وَحَكَاهُ اِبْن هِبَة اللَّه عَنْ الضَّحَّاك وَسَعِيد بْن جُبَيْر . وَهِيَ تِسْع وَثَلَاثُونَ آيَة . وَقِيلَ ثَمَانٍ . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد : هُمْ أَهْل مَكَّة كَفَرُوا بِتَوْحِيدِ اللَّه , وَصَدُّوا أَنْفُسهمْ وَالْمُؤْمِنِينَ عَنْ دِين اللَّه وَهُوَ الْإِسْلَام بِنَهْيِهِمْ عَنْ الدُّخُول فِيهِ , وَقَالَهُ السُّدِّيّ . وَقَالَ الضَّحَّاك : " عَنْ سَبِيل اللَّه " عَنْ بَيْت اللَّه بِمَنْعِ قَاصِدِيهِ . وَمَعْنَى " أَضَلَّ أَعْمَالهمْ " : أَبْطَلَ كَيْدهمْ وَمَكْرهمْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَجَعَلَ الدَّائِرَة عَلَيْهِمْ , قَالَهُ الضَّحَّاك . وَقِيلَ : أَبْطَلَ مَا عَمِلُوهُ فِي كُفْرهمْ بِمَا كَانُوا يُسَمُّونَهُ مَكَارِم , مِنْ صِلَة الْأَرْحَام وَفَكّ الْأُسَارَى وَقِرَى الْأَضْيَاف وَحِفْظ الْجِوَار . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ فِي الْمُطْعِمِينَ بِبَدْرٍ , وَهُمْ اِثْنَا عَشَر رَجُلًا : أَبُو جَهْل , وَالْحَارِث بْن هِشَام , وَعُتْبَة وَشَيْبَة اِبْنَا رَبِيعَة , وَأُبَيّ وَأُمَيَّة اِبْنَا خَلَف , وَمُنَبِّه وَنَبِيه اِبْنَا الْحَجَّاج , وَأَبُو الْبُخْتَرِيّ بْن هِشَام , وَزَمْعَة بْن الْأَسْوَد , وَحَكِيم بْن حِزَام , وَالْحَارِث بْن عَامِر بْن نَوْفَل .'; $TAFSEER['4']['47']['2'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد : هُمْ الْأَنْصَار . وَقَالَ مُقَاتِل : إِنَّهَا نَزَلَتْ خَاصَّة فِي نَاس مِنْ قُرَيْش . وَقِيلَ : هُمَا عَامَّتَانِ فِيمَنْ كَفَرَ وَآمَنَ . وَمَعْنَى " أَضَلَّ أَعْمَالهمْ " : أَبْطَلَهَا . وَقِيلَ : أَضَلَّهُمْ عَنْ الْهُدَى بِمَا صَرَفَهُمْ عَنْهُ مِنْ التَّوْفِيق . مَنْ قَالَ إِنَّهُمْ الْأَنْصَار فَهِيَ الْمُوَاسَاة فِي مَسَاكِنهمْ وَأَمْوَالهمْ . وَمَنْ قَالَ إِنَّهُمْ مِنْ قُرَيْش فَهِيَ الْهِجْرَة . وَمَنْ قَالَ بِالْعُمُومِ فَالصَّالِحَات جَمِيع الْأَعْمَال الَّتِي تُرْضِي اللَّه تَعَالَى . لَمْ يُخَالِفُوهُ فِي شَيْء , قَالَهُ سُفْيَان الثَّوْرِيّ . وَقِيلَ : صَدَّقُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَاءَ بِهِ . يُرِيد أَنَّ إِيمَانهمْ هُوَ الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ . وَقِيلَ : أَيْ إِنَّ الْقُرْآن هُوَ الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ , نَسَخَ بِهِ مَا قَبْله أَيْ مَا مَضَى مِنْ سَيِّئَاتهمْ قَبْل الْإِيمَان . أَيْ شَأْنهمْ , عَنْ مُجَاهِد وَغَيْره . وَقَالَ قَتَادَة : حَالهمْ . اِبْن عَبَّاس : أُمُورهمْ . وَالثَّلَاثَة مُتَقَارِبَة وَهِيَ مُتَأَوَّلَة عَلَى إِصْلَاح مَا تَعَلَّقَ بِدُنْيَاهُمْ . وَحَكَى النَّقَّاش أَنَّ الْمَعْنَى أَصْلَحَ نِيَّاتهمْ , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : فَإِنْ تُقْبِلِي بِالْوُدِّ أُقْبِل بِمِثْلِهِ وَإِنْ تُدْبِرِي أَذْهَب إِلَى حَال بَالِيًا وَهُوَ عَلَى هَذَا التَّأَوُّل مَحْمُول عَلَى صَلَاح دِينهمْ . " وَالْبَال " كَالْمَصْدَرِ , وَلَا يُعْرَف مِنْهُ فِعْل , وَلَا تَجْمَعهُ الْعَرَب إِلَّا فِي ضَرُورَة الشِّعْر فَيَقُولُونَ فِيهِ : بَالَات . الْمُبَرِّد : قَدْ يَكُون الْبَال فِي مَوْضِع آخَر بِمَعْنَى الْقَلْب , يُقَال : مَا يَخْطِر فُلَان عَلَى بَالِي , أَيْ عَلَى قَلْبِي . الْجَوْهَرِيّ : وَالْبَال رَخَاء النَّفْس , يُقَال فُلَان رَخِيّ الْبَال . وَالْبَال : الْحَال ; يُقَال مَا بَالك . وَقَوْلهمْ : لَيْسَ هَذَا مِنْ بَالِي , أَيْ مِمَّا أُبَالِيه . وَالْبَال : الْحُوت الْعَظِيم مِنْ حِيتَان الْبَحْر , وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ . وَالْبَالَة : وِعَاء الطِّيب , فَارِسِيّ مُعَرَّب , وَأَصْله بِالْفَارِسِيَّةِ بيلة . قَالَ أَبُو ذُؤَيْب : كَأَنَّ عَلَيْهَا بَالَة لَطَمِيَّة لَهَا مِنْ خِلَال الدَّأْيَتَيْنِ أَرِيج'; $TAFSEER['4']['47']['3'] = '" ذَلِكَ " فِي مَوْضِع رَفْع , أَيْ الْأَمْر ذَلِكَ , أَوْ ذَلِكَ الْإِضْلَال وَالْهُدَى الْمُتَقَدِّم ذِكْرهمَا سَبَبه هَذَا . فَالْكَافِر اِتَّبَعَ الْبَاطِل , وَالْمُؤْمِن اِتَّبَعَ الْحَقّ . وَالْبَاطِل : الشِّرْك . وَالْحَقّ : التَّوْحِيد وَالْإِيمَان . أَيْ كَهَذَا الْبَيَان الَّذِي بُيِّنَ يُبَيِّن اللَّه لِلنَّاسِ أَمْر الْحَسَنَات وَالسَّيِّئَات . وَالضَّمِير فِي " أَمْثَالهمْ " يَرْجِع إِلَى الَّذِينَ كَفَرُوا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا .'; $TAFSEER['4']['47']['4'] = 'لَمَّا مَيَّزَ بَيْن الْفَرِيقَيْنِ أَمَرَ بِجِهَادِ الْكُفَّار . قَالَ اِبْن عَبَّاس : الْكُفَّار الْمُشْرِكُونَ عَبَدَة الْأَوْثَان . وَقِيلَ : كُلّ مَنْ خَالَفَ دِين الْإِسْلَام مِنْ مُشْرِك أَوْ كِتَابِيّ إِذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِب عَهْد وَلَا ذِمَّة , ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَاخْتَارَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ وَقَالَ : وَهُوَ الصَّحِيح لِعُمُومِ الْآيَة فِيهِ . مَصْدَر . قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ فَاضْرِبُوا الرِّقَاب ضَرْبًا . وَخَصَّ الرِّقَاب بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْقَتْل أَكْثَر مَا يَكُون بِهَا . وَقِيلَ : نُصِبَ عَلَى الْإِغْرَاء . قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : هُوَ كَقَوْلِك يَا نَفْس صَبْرًا . وَقِيلَ : التَّقْدِير اِقْصِدُوا ضَرْب الرِّقَاب . وَقَالَ : " فَضَرْب الرِّقَاب " وَلَمْ يَقُلْ فَاقْتُلُوهُمْ ; لِأَنَّ فِي الْعِبَارَة بِضَرْبِ الرِّقَاب مِنْ الْغِلْظَة وَالشِّدَّة مَا لَيْسَ فِي لَفْظ الْقَتْل , لِمَا فِيهِ مِنْ تَصْوِير الْقَتْل بِأَشْنَع صُوَره , وَهُوَ حَزّ الْعُنُق وَإِطَارَة الْعُضْو الَّذِي هُوَ رَأْس الْبَدَن وَعُلُوّهُ وَأَوْجَه أَعْضَائِهِ . أَيْ أَكْثَرْتُمْ الْقَتْل . وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَنْفَال " عِنْد قَوْله تَعَالَى : " حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض " [ الْأَنْفَال : 67 ] . أَيْ إِذَا أَسَرْتُمُوهُمْ . وَالْوَثَاق اِسْم مِنْ الْإِيثَاق , وَقَدْ يَكُون مَصْدَرًا , يُقَال : أَوْثَقْته إِيثَاقًا وَوَثَاقًا . وَأَمَّا الْوِثَاق ( بِالْكَسْرِ ) فَهُوَ اِسْم الشَّيْء الَّذِي يُوثَق بِهِ كَالرِّبَاطِ ; قَالَهُ الْقُشَيْرِيّ . وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَأَوْثَقَهُ فِي الْوَثَاق أَيْ شَدَّهُ , وَقَالَ تَعَالَى : " فَشُدُّوا الْوَثَاق " . وَالْوِثَاق ( بِكَسْرِ الْوَاو ) لُغَة فِيهِ . وَإِنَّمَا أَمَرَ بِشَدِّ الْوَثَاق لِئَلَّا يَفْلِتُوا . " فَإِمَّا مَنًّا " عَلَيْهِمْ بِالْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْر فِدْيَة " وَإِمَّا فِدَاء " . وَلَمْ يَذْكُر الْقَتْل هَاهُنَا اِكْتِفَاء بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَتْل فِي صَدْر الْكَلَام , وَ " مَنًّا " وَ " فِدَاء " نُصِبَ بِإِضْمَارِ فِعْل . وَقُرِئَ " فَدًى " بِالْقَصْرِ مَعَ فَتْح الْفَاء , أَيْ فَإِمَّا أَنْ تَمُنُّوا عَلَيْهِمْ مَنًّا , وَإِمَّا أَنْ تُفَادُوهُمْ فِدَاء . رُوِيَ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ قَالَ : كُنْت وَاقِفًا عَلَى رَأْس الْحَجَّاج حِين أُتِيَ بِالْأَسْرَى مِنْ أَصْحَاب عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَشْعَث وَهُمْ أَرْبَعَة آلَاف وَثَمَانمِائَةٍ فَقُتِلَ مِنْهُمْ نَحْو مِنْ ثَلَاثَة آلَاف حَتَّى قُدِّمَ إِلَيْهِ رَجُل مِنْ كِنْدَة فَقَالَ : يَا حَجَّاج , لَا جَازَاك اللَّه عَنْ السُّنَّة وَالْكَرَم خَيْرًا قَالَ : وَلِمَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ : " فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْب الرِّقَاب حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاق فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء " فِي حَقّ الَّذِينَ كَفَرُوا , فَوَاَللَّهِ مَا مَنَنْت وَلَا فَدَيْت ؟ وَقَدْ قَالَ شَاعِركُمْ فِيمَا وَصَفَ بِهِ قَوْمه مِنْ مَكَارِم الْأَخْلَاق : وَلَا نَقْتُل الْأَسْرَى وَلَكِنْ نَفُكّهُمْ إِذَا أَثْقَلَ الْأَعْنَاق حِمْل الْمَغَارِم فَقَالَ الْحَجَّاج : أُفّ لِهَذِهِ الْجِيَف أَمَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُحْسِن مِثْل هَذَا الْكَلَام ؟ خَلُّوا سَبِيل مَنْ بَقِيَ . فَخُلِّيَ يَوْمئِذٍ عَنْ بَقِيَّة الْأَسْرَى , وَهُمْ زُهَاء أَلْفَيْنِ , بِقَوْلِ ذَلِكَ الرَّجُل . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة عَلَى خَمْسَة أَقْوَال : الْأَوَّل : أَنَّهَا مَنْسُوخَة , وَهِيَ فِي أَهْل الْأَوْثَان , لَا يَجُوز أَنْ يُفَادُوا وَلَا يُمَنّ عَلَيْهِمْ . وَالنَّاسِخ لَهَا عِنْدهمْ قَوْله تَعَالَى : " فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ " [ التَّوْبَة : 5 ] وَقَوْله : " فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ " [ الْأَنْفَال : 57 ] وَقَوْله : " وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة " [ التَّوْبَة : 36 ] الْآيَة , قَالَ قَتَادَة وَالضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ وَابْن جُرَيْج وَالْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَقَالَهُ كَثِير مِنْ الْكُوفِيِّينَ . وَقَالَ عَبْد الْكَرِيم الْجَوْزِيّ : كُتِبَ إِلَى أَبِي بَكْر فِي أَسِير أُسِرَ , فَذَكَرُوا أَنَّهُمْ اِلْتَمَسُوهُ بِفِدَاءِ كَذَا وَكَذَا , فَقَالَ اُقْتُلُوهُ , لَقَتْل رَجُل مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا . الثَّانِي : أَنَّهَا فِي الْكُفَّار جَمِيعًا . وَهِيَ مَنْسُوخَة عَلَى قَوْل جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء وَأَهْل النَّظَر , مِنْهُمْ قَتَادَة وَمُجَاهِد . قَالُوا : إِذَا أُسِرَ الْمُشْرِك لَمْ يَجُزْ أَنْ يُمَنّ عَلَيْهِ , وَلَا أَنْ يُفَادَى بِهِ فَيُرَدّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ , وَلَا يَجُوز أَنْ يُفَادَى عِنْدهمْ إِلَّا بِالْمَرْأَةِ ; لِأَنَّهَا لَا تُقْتَل . وَالنَّاسِخ لَهَا : " فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ " [ التَّوْبَة : 5 ] إِذْ كَانَتْ بَرَاءَة آخِر مَا نَزَلَتْ بِالتَّوْقِيفِ , فَوَجَبَ أَنْ يُقْتَل كُلّ مُشْرِك إِلَّا مَنْ قَامَتْ الدَّلَالَة عَلَى تَرْكه مِنْ النِّسَاء وَالصِّبْيَان وَمَنْ يُؤْخَذ مِنْهُ الْجِزْيَة . وَهُوَ الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة , خِيفَة أَنْ يَعُودُوا حَرْبًا لِلْمُسْلِمِينَ . ذَكَرَ عَبْد الرَّزَّاق أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة " فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء " قَالَ : نَسَخَهَا " فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ " . وَقَالَ مُجَاهِد : نَسَخَهَا " فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ " [ التَّوْبَة : 5 ] . وَهُوَ قَوْل الْحَكَم . الثَّالِث : أَنَّهَا نَاسِخَة , قَالَ الضَّحَّاك وَغَيْره رَوَى الثَّوْرِيّ عَنْ جُوَيْبِر عَنْ الضَّحَّاك : " فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ " [ التَّوْبَة : 5 ] قَالَ : نَسَخَهَا " فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء " . وَقَالَ اِبْن الْمُبَارَك عَنْ اِبْن جُرَيْج عَنْ عَطَاء : " فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء " فَلَا يُقْتَل الْمُشْرِك وَلَكِنْ يُمَنّ عَلَيْهِ وَيُفَادَى , كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَقَالَ أَشْعَث : كَانَ الْحَسَن يَكْرَه أَنْ يُقْتَل الْأَسِير , وَيَتْلُو " فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء " . وَقَالَ الْحَسَن أَيْضًا : فِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير , فَكَأَنَّهُ قَالَ : فَضَرْب الرِّقَاب حَتَّى تَضَع الْحَرْب أَوْزَارهَا . ثُمَّ قَالَ : " حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاق " . وَزُعِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ إِذَا حَصَلَ الْأَسِير فِي يَدَيْهِ أَنْ يَقْتُلهُ ; لَكِنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي ثَلَاثَة مَنَازِل : إِمَّا أَنْ يَمُنّ , أَوْ يُفَادِي , أَوْ يَسْتَرِقّ . الرَّابِع : قَوْل سَعِيد بْن جُبَيْر : لَا يَكُون فِدَاء وَلَا أَسْر إِلَّا بَعْد الْإِثْخَان وَالْقَتْل بِالسَّيْفِ , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض " [ الْأَنْفَال : 67 ] . فَإِذَا أُسِرَ بَعْد ذَلِكَ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَحْكُم بِمَا رَآهُ مِنْ قَتْل أَوْ غَيْره . الْخَامِس : أَنَّ الْآيَة مُحْكَمَة , وَالْإِمَام مُخَيَّر فِي كُلّ حَال , رَوَاهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَقَالَهُ كَثِير مِنْ الْعُلَمَاء مِنْهُمْ اِبْن عُمَر وَالْحَسَن وَعَطَاء , وَهُوَ مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَالثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبِي عُبَيْد وَغَيْرهمْ . وَهُوَ الِاخْتِيَار ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ فَعَلُوا كُلّ ذَلِكَ , قَتَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط وَالنَّضْر بْن الْحَارِث يَوْم بَدْر صَبْرًا , وَفَادَى سَائِر أُسَارَى بَدْر , وَمَنَّ عَلَى ثُمَامَة بْن أُثَال الْحَنَفِيّ وَهُوَ أَسِير فِي يَده , وَأَخَذَ مِنْ سَلَمَة بْن الْأَكْوَع جَارِيَة فَفَدَى بِهَا أُنَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ , وَهَبَطَ عَلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَام قَوْم مِنْ أَهْل مَكَّة فَأَخَذَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ , وَقَدْ مَنَّ عَلَى سَبْي هَوَازِن . وَهَذَا كُلّه ثَابِت فِي الصَّحِيح , وَقَدْ مَضَى جَمِيعه فِي ( الْأَنْفَال ) وَغَيْرهَا . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْآيَتَيْنِ مُحْكَمَتَانِ مَعْمُول بِهِمَا , وَهُوَ قَوْل حَسَن ; لِأَنَّ النَّسْخ إِنَّمَا يَكُون لِشَيْءٍ قَاطِع , فَإِذَا أَمْكَنَ الْعَمَل بِالْآيَتَيْنِ فَلَا مَعْنَى لِلْقَوْلِ بِالنَّسْخِ , إِذَا كَانَ يَجُوز أَنْ يَقَع التَّعَبُّد إِذَا لَقِينَا الَّذِينَ كَفَرُوا قَتَلْنَاهُمْ , فَإِذَا كَانَ الْأَسْر جَازَ الْقَتْل وَالِاسْتِرْقَاق وَالْمُفَادَاة وَالْمَنّ , عَلَى مَا فِيهِ الصَّلَاح لِلْمُسْلِمِينَ . وَهَذَا الْقَوْل يُرْوَى عَنْ أَهْل الْمَدِينَة وَالشَّافِعِيّ وَأَبِي عُبَيْد , وَحَكَاهُ الطَّحَاوِيّ مَذْهَبًا عَنْ أَبِي حَنِيفَة , وَالْمَشْهُور عَنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ , وَبِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ التَّوْفِيق . قَالَ مُجَاهِد وَابْن جُبَيْر : هُوَ خُرُوج عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام . وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا : أَنَّ الْمَعْنَى حَتَّى لَا يَكُون دِين إِلَّا دِين الْإِسْلَام , فَيُسْلِم كُلّ يَهُودِيّ وَنَصْرَانِيّ وَصَاحِب مِلَّة , وَتَأْمَن الشَّاة مِنْ الذِّئْب . وَنَحْوه عَنْ الْحَسَن وَالْكَلْبِيّ وَالْفَرَّاء وَالْكِسَائِيّ . قَالَ الْكِسَائِيّ : حَتَّى يُسْلِم الْخَلْق . وَقَالَ الْفَرَّاء : حَتَّى يُؤْمِنُوا وَيَذْهَب الْكُفْر . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : حَتَّى يَظْهَر الْإِسْلَام عَلَى الدِّين كُلّه . وَقَالَ الْحَسَن : حَتَّى لَا يَعْبُدُوا إِلَّا اللَّه . وَقِيلَ : مَعْنَى الْأَوْزَار السِّلَاح , فَالْمَعْنَى شُدُّوا الْوَثَاق حَتَّى تَأْمَنُوا وَتَضَعُوا السِّلَاح . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ حَتَّى تَضَع الْحَرْب , أَيْ الْأَعْدَاء الْمُحَارَبُونَ أَوْزَارهمْ , وَهُوَ سِلَاحهمْ بِالْهَزِيمَةِ أَوْ الْمُوَادَعَة . وَيُقَال لِلْكُرَاعِ أَوْزَار . قَالَ الْأَعْشَى : وَأَعْدَدْت لِلْحَرْبِ أَوْزَارهَا رِمَاحًا طِوَالًا وَخَيْلًا ذُكُورَا وَمِنْ نَسْج دَاوُد يُحْدَى بِهَا عَلَى أَثَر الْحَيّ عِيرًا فَعِيرَا وَقِيلَ : " حَتَّى تَضَع الْحَرْب أَوْزَارهَا " أَيْ أَثْقَالهَا . وَالْوِزْر الثِّقَل , وَمِنْهُ وَزِير الْمَلِك لِأَنَّهُ يَتَحَمَّل عَنْهُ الْأَثْقَال . وَأَثْقَالهَا السِّلَاح لِثِقَلِ حَمْلهَا . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : قَالَ الْحَسَن وَعَطَاء : فِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير , الْمَعْنَى فَضَرْب الرِّقَاب حَتَّى تَضَع الْحَرْب أَوْزَارهَا فَإِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاق , وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُل الْأَسِير . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَجَّاج أَنَّهُ دَفَعَ أَسِيرًا إِلَى عَبْد اللَّه بْن عُمَر لِيَقْتُلهُ فَأَبَى وَقَالَ : لَيْسَ بِهَذَا أَمَرَنَا اللَّه , وَقَرَأَ " حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاق " . قُلْنَا : قَدْ قَالَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَعَلَهُ , وَلَيْسَ فِي تَفْسِير اللَّه لِلْمَنِّ وَالْفِدَاء مَنْع مِنْ غَيْره , فَقَدْ بَيَّنَ اللَّه فِي الزِّنَى حُكْم الْجَلْد , وَبَيَّنَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْم الرَّجْم , وَلَعَلَّ اِبْن عُمَر كَرِهَ ذَلِكَ مِنْ يَد الْحَجَّاج فَاعْتَذَرَ بِمَا قَالَ , وَرَبّك أَعْلَم . " ذَلِكَ " فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى مَا تَقَدَّمَ , أَيْ الْأَمْر ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْت وَبَيَّنْت . وَقِيلَ : هُوَ مَنْصُوب عَلَى مَعْنَى اِفْعَلُوا ذَلِكَ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مُبْتَدَأ , الْمَعْنَى ذَلِكَ حُكْم الْكُفَّار . وَهِيَ كَلِمَة يَسْتَعْمِلهَا الْفَصِيح عِنْد الْخُرُوج مِنْ كَلَام إِلَى كَلَام , وَهُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : " هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرّ مَآب " [ ص : 55 ] . أَيْ هَذَا حَقّ وَأَنَا أُعَرِّفكُمْ أَنَّ لِلظَّالِمِينَ كَذَا . وَمَعْنَى : " لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ " أَيْ أَهْلَكَهُمْ بِغَيْرِ قِتَال . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : لَأَهْلَكَهُمْ بِجُنْدٍ مِنْ الْمَلَائِكَة . أَيْ أَمَرَكُمْ بِالْحَرْبِ لِيَبْلُوَ وَيَخْتَبِر بَعْضكُمْ بِبَعْضٍ فَيَعْلَم الْمُجَاهِدِينَ وَالصَّابِرِينَ , كَمَا فِي السُّورَة نَفْسهَا . يُرِيد قَتْلَى أُحُد مِنْ الْمُؤْمِنِينَ قِرَاءَة الْعَامَّة " قَاتَلُوا " وَهِيَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَفْص " قُتِلُوا " بِضَمِّ الْقَاف وَكَسْر التَّاء , وَكَذَلِكَ قَرَأَ الْحَسَن إِلَّا أَنَّهُ شَدَّدَ التَّاء عَلَى التَّكْثِير . وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ وَعِيسَى بْن عُمَر وَأَبُو حَيْوَة " قَتَلُوا " بِفَتْحِ الْقَاف وَالتَّاء مِنْ غَيْر أَلِف , يَعْنِي الَّذِينَ قَتَلُوا الْمُشْرِكِينَ . قَالَ قَتَادَة : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ يَوْم أُحُد وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْب , وَقَدْ فَشَتْ فِيهِمْ الْجِرَاحَات وَالْقَتْل , وَقَدْ نَادَى الْمُشْرِكُونَ : اعْلُ هُبَل . وَنَادَى الْمُسْلِمُونَ : اللَّه أَعْلَى وَأَجَلّ . وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : يَوْم بِيَوْمِ بَدْر وَالْحَرْب سِجَال . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قُولُوا لَا سَوَاء . قَتْلَانَا أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّار يُعَذَّبُونَ ) . فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ . فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : اللَّه مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ . وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْر ذَلِكَ فِي ( آل عِمْرَان ) .'; $TAFSEER['4']['47']['5'] = 'قَالَ الْقُشَيْرِيّ : قِرَاءَة أَبِي عَمْرو " قُتِلُوا " بَعِيدَة , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِح بَالهمْ " وَالْمَقْتُول لَا يُوصَف بِهَذَا . قَالَ غَيْره : يَكُون الْمَعْنَى سَيَهْدِيهِمْ إِلَى الْجَنَّة , أَوْ سَيَهْدِي مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ , أَيْ يُحَقِّق لَهُمْ الْهِدَايَة . وَقَالَ اِبْن زِيَاد : سَيَهْدِيهِمْ إِلَى مُحَاجَّة مُنْكَر وَنَكِير فِي الْقَبْر . قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : وَقَدْ تَرِد الْهِدَايَة وَالْمُرَاد بِهَا إِرْشَاد الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَسَالِك الْجِنَان وَالطُّرُق الْمُفْضِيَة إِلَيْهَا , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي صِفَة الْمُجَاهِدِينَ : " فَلَنْ يُضِلّ أَعْمَالهمْ . سَيَهْدِيهِمْ " وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاط الْجَحِيم " [ الصَّافَّات : 23 ] مَعْنَاهُ فَاسْلُكُوا بِهِمْ إِلَيْهَا .'; $TAFSEER['4']['47']['6'] = 'أَيْ إِذَا دَخَلُوهَا يُقَال لَهُمْ تَفَرَّقُوا إِلَى مَنَازِلكُمْ ; فَهُمْ أَعْرَف بِمَنَازِلِهِمْ مِنْ أَهْل الْجُمُعَة إِذَا اِنْصَرَفُوا إِلَى مَنَازِلهمْ . قَالَ مَعْنَاهُ مُجَاهِد وَأَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ . وَفِي الْبُخَارِيّ مَا يَدُلّ عَلَى صِحَّة هَذَا الْقَوْل عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَخْلُص الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّار فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَة بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار فَيُقَصّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْض مَظَالِم كَانَ بَيْنهمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُول الْجَنَّة فَوَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَأَحَدهمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّة مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ فِي الدُّنْيَا ) . وَقِيلَ : " عَرَّفَهَا لَهُمْ " أَيْ بَيَّنَهَا لَهُمْ حَتَّى عَرَفُوهَا مِنْ غَيْر اِسْتِدْلَال . قَالَ الْحَسَن : وَصَفَ اللَّه تَعَالَى لَهُمْ الْجَنَّة فِي الدُّنْيَا , فَلَمَّا دَخَلُوهَا عَرَفُوهَا بِصِفَتِهَا . وَقِيلَ : فِيهِ حَذْف ; أَيْ عَرَّفَ طُرُقهَا وَمَسَاكِنهَا وَبُيُوتهَا لَهُمْ ; فَحَذَفَ الْمُضَاف . وَقِيلَ : هَذَا التَّعْرِيف بِدَلِيلٍ , وَهُوَ الْمَلَك الْمُوَكَّل بِعَمَلِ الْعَبْد يَمْشِي بَيْن يَدَيْهِ وَيَتْبَعهُ الْعَبْد حَتَّى يَأْتِي الْعَبْد مَنْزِله , وَيُعَرِّفهُ الْمَلَك جَمِيع مَا جُعِلَ لَهُ فِي الْجَنَّة . وَحَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ يَرُدّهُ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : " عَرَّفَهَا لَهُمْ " أَيْ طَيَّبَهَا لَهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمَلَاذّ ; مَأْخُوذ مِنْ الْعَرْف , وَهُوَ الرَّائِحَة الطَّيِّبَة . وَطَعَام مُعَرَّف أَيْ مُطَيَّب ; تَقُول الْعَرَب : عَرَّفْت الْقِدْر إِذَا طَيَّبْتهَا بِالْمِلْحِ وَالْأَبْزَار . وَقَالَ الشَّاعِر يُخَاطِب رَجُلًا وَيَمْدَحهُ : عَرُفْت كَإِتْبٍ عَرَّفَتْهُ اللَّطَائِم يَقُول : كَمَا عُرِّفَ الْإِتْب , وَهُوَ الْبَقِير وَالْبَقِيرَة , وَهُوَ قَمِيص لَا كُمَّيْنِ لَهُ تَلْبَسهُ النِّسَاء . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ وَضْع الطَّعَام بَعْضه عَلَى بَعْض مِنْ كَثْرَته , يُقَال حَرِير مُعَرَّف , أَيْ بَعْضه عَلَى بَعْض , وَهُوَ مِنْ الْعُرْف الْمُتَتَابِع كَعُرْفِ الْفَرَس . وَقِيلَ : " عَرَّفَهَا لَهُمْ " أَيْ وَفَّقَهُمْ لِلطَّاعَةِ حَتَّى اِسْتَوْجَبُوا الْجَنَّة . وَقِيلَ : عَرَّفَ أَهْل السَّمَاء أَنَّهَا لَهُمْ إِظْهَارًا لِكَرَامَتِهِمْ فِيهَا . وَقِيلَ : عَرَّفَ الْمُطِيعِينَ أَنَّهَا لَهُمْ .'; $TAFSEER['4']['47']['7'] = 'أَيْ إِنْ تَنْصُرُوا دِين اللَّه يَنْصُركُمْ عَلَى الْكُفَّار . نَظِيره : " وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّه مَنْ يَنْصُرهُ " [ الْحَجّ : 40 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَقَالَ قُطْرُب : إِنْ تَنْصُرُوا نَبِيّ اللَّه يَنْصُركُمْ اللَّه , وَالْمَعْنَى وَاحِد . أَيْ عِنْد الْقِتَال . وَقِيلَ عَلَى الْإِسْلَام . وَقِيلَ عَلَى الصِّرَاط . وَقِيلَ : الْمُرَاد تَثْبِيت الْقُلُوب بِالْأَمْنِ , فَيَكُون تَثْبِيت الْأَقْدَام عِبَارَة عَنْ النَّصْر وَالْمَعُونَة فِي مَوْطِن الْحَرْب . وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَنْفَال " هَذَا الْمَعْنَى . وَقَالَ هُنَاكَ : " إِذْ يُوحِي رَبّك إِلَى الْمَلَائِكَة أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا " [ الْأَنْفَال : 12 ] فَأَثْبَتَ هُنَاكَ وَاسِطَة وَنَفَاهَا هُنَا , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَك الْمَوْت " [ السَّجْدَة : 11 ] ثُمَّ نَفَاهَا بِقَوْلِهِ : " اللَّه الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتكُمْ " [ الرُّوم : 40 ] . " الَّذِي خَلَقَ الْمَوْت وَالْحَيَاة " [ الْمُلْك : 2 ] وَمَثَله كَثِير , فَلَا فَاعِل إِلَّا اللَّه وَحْده .'; $TAFSEER['4']['47']['8'] = 'يَحْتَمِل الرَّفْع عَلَى الِابْتِدَاء , وَالنَّصْب بِمَا يُفَسِّرهُ " فَتَعْسًا لَهُمْ " كَأَنَّهُ قَالَ : أَتْعَسَ الَّذِينَ كَفَرُوا . وَ " تَعْسًا لَهُمْ " نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَر بِسَبِيلِ الدُّعَاء , قَالَهُ الْفَرَّاء , مِثْل سَقْيًا لَهُ وَرَعْيًا . وَهُوَ نَقِيض لَعًا لَهُ . قَالَ الْأَعْشَى : فَالتَّعْس أَوْلَى لَهَا مِنْ أَنْ أَقُول لَعَا وَفِيهِ عَشَرَة أَقْوَال : الْأَوَّل : بُعْدًا لَهُمْ , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَابْن جُرَيْج . الثَّانِي : حُزْنًا لَهُمْ , قَالَهُ السُّدِّيّ . الثَّالِث : شَقَاء لَهُمْ , قَالَهُ اِبْن زَيْد . الرَّابِع : شَتْمًا لَهُمْ مِنْ اللَّه , قَالَهُ الْحَسَن . الْخَامِس : هَلَاكًا لَهُمْ , قَالَهُ ثَعْلَب . السَّادِس : خَيْبَة لَهُمْ , قَالَهُ الضَّحَّاك وَابْن زَيْد . السَّابِع : قُبْحًا لَهُمْ , حَكَاهُ النَّقَّاش . الثَّامِن : رَغْمًا لَهُمْ , قَالَهُ الضَّحَّاك أَيْضًا . التَّاسِع : شَرًّا لَهُمْ , قَالَهُ ثَعْلَب أَيْضًا . الْعَاشِر : شِقْوَة لَهُمْ , قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة . وَقِيلَ : إِنَّ التَّعْس الِانْحِطَاط وَالْعِثَار . قَالَ اِبْن السِّكِّيت : التَّعْس أَنْ يَخِرّ عَلَى وَجْهه . وَالنَّكْس أَنْ يَخِرّ عَلَى رَأْسه . قَالَ : وَالتَّعْس أَيْضًا الْهَلَاك . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَأَصْله الْكَبّ , وَهُوَ ضِدّ الِانْتِعَاش . وَقَدْ تَعَسَ ( بِفَتْحِ الْعَيْن ) يَتْعَس تَعْسًا , وَأَتْعَسَهُ اللَّه . قَالَ مُجَمِّع بْن هِلَال : تَقُول وَقَدْ أَفْرَدْتهَا مِنْ خَلِيلهَا تَعِسْتَ كَمَا أَتْعَسْتنِي يَا مُجَمِّع يُقَال : تَعْسًا لِفُلَانٍ , أَيْ أَلْزَمَهُ اللَّه هَلَاكًا . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَجَوَّزَ قَوْم تَعِسَ ( بِكَسْرِ الْعَيْن ) . قُلْت : وَمِنْهُ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَعِسَ عَبْد الدِّينَار وَالدِّرْهَم وَالْقَطِيفَة وَالْخَمِيصَة إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ " خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ . فِي بَعْض طُرُق هَذَا الْحَدِيث " تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا اِنْتَقَشَ " خَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ . أَيْ أَبْطَلَهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي طَاعَة الشَّيْطَان . وَدَخَلَتْ الْفَاء فِي قَوْله : " فَتَعْسًا " لِأَجْلِ الْإِبْهَام الَّذِي فِي " الَّذِينَ " , وَجَاءَ " وَأَضَلَّ أَعْمَالهمْ " عَلَى الْخَبَر حَمْلًا عَلَى لَفْظ الَّذِينَ ; لِأَنَّهُ خَبَر فِي اللَّفْظ , فَدُخُول الْفَاء حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى , " وَأَضَلَّ " حَمْلًا عَلَى اللَّفْظ .'; $TAFSEER['4']['47']['9'] = 'أَيْ ذَلِكَ الْإِضْلَال وَالْإِتْعَاس ; لِأَنَّهُمْ " كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه " مِنْ الْكُتُب وَالشَّرَائِع . أَيْ مَا لَهُمْ مِنْ صُوَر الْخَيْرَات , كَعِمَارَةِ الْمَسْجِد وَقِرَى الضَّيْف وَأَصْنَاف الْقُرَب , وَلَا يَقْبَل اللَّه الْعَمَل إِلَّا مِنْ مُؤْمِن . وَقِيلَ : أَحْبَطَ أَعْمَالهمْ أَيْ عِبَادَة الصَّنَم .'; $TAFSEER['4']['47']['10'] = 'بَيَّنَ أَحْوَال الْمُؤْمِن وَالْكَافِر تَنْبِيهًا عَلَى وُجُوب الْإِيمَان , ثُمَّ وَصَلَ هَذَا بِالنَّظَرِ , أَيْ أَلَمْ يَسِرْ هَؤُلَاءِ فِي أَرْض عَاد وَثَمُود وَقَوْم لُوط وَغَيْرهمْ لِيَعْتَبِرُوا بِهِمْ " فَيَنْظُرُوا " بِقُلُوبِهِمْ " كَيْف كَانَ " آخِر أَمْر الْكَافِرِينَ قَبْلهمْ . أَيْ أَهْلَكَهُمْ وَاسْتَأْصَلَهُمْ . يُقَال : دَمَّرَهُ تَدْمِيرًا , وَدَمَّرَ عَلَيْهِ بِمَعْنًى . ثُمَّ تَوَاعَدَ مُشْرِكِي مَكَّة فَقَالَ : " وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالهَا " أَيْ أَمْثَال هَذِهِ الْفَعْلَة , يَعْنِي التَّدْمِير . وَقَالَ الزَّجَّاج وَالطَّبَرِيّ : الْهَاء تَعُود عَلَى الْعَاقِبَة , أَيْ وَلِلْكَافِرِينَ مِنْ قُرَيْش أَمْثَال عَاقِبَة تَكْذِيب الْأُمَم السَّالِفَة إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا .'; $TAFSEER['4']['47']['11'] = 'أَيْ وَلِيّهمْ وَنَاصِرهمْ . وَفِي حَرْف اِبْن مَسْعُود " ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه وَلِيّ الَّذِينَ آمَنُوا " . فَالْمَوْلَى : النَّاصِر هَاهُنَا , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . قَالَ : فَغَدَتْ كِلَا الْفَرْجَيْنِ تَحْسِب أَنَّهُ مَوْلَى الْمَخَافَة خَلْفهَا وَأَمَامهَا قَالَ قَتَادَة : نَزَلَتْ يَوْم أُحُد وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْب , إِذْ صَاحَ الْمُشْرِكُونَ : يَوْم بِيَوْمٍ , لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ , قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ قُولُوا اللَّه مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ ] وَقَدْ تَقَدَّمَ . أَيْ لَا يَنْصُرهُمْ أَحَد مِنْ اللَّه'; $TAFSEER['4']['47']['12'] = 'لَمَّا ذَكَرَ حَال الْمُشْرِكِينَ وَحَال الْمُنَافِقِينَ وَالشَّيَاطِين ذَكَرَ حَال الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَة أَيْضًا . " وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ " فِي الدُّنْيَا كَأَنَّهُمْ أَنْعَام , لَيْسَ لَهُمْ هِمَّة إِلَّا بُطُونهمْ وَفُرُوجهمْ , سَاهُونَ عَمَّا فِي غَدِهِمْ . وَقِيلَ : الْمُؤْمِن فِي الدُّنْيَا يَتَزَوَّد , وَالْمُنَافِق يَتَزَيَّن , وَالْكَافِر يَتَمَتَّع . أَيْ مَقَام وَمَنْزِل .'; $TAFSEER['4']['47']['13'] = 'تَقَدَّمَ الْكَلَام فِي " كَأَيِّنْ " فِي ( آل عِمْرَان ) . وَهِيَ هَاهُنَا بِمَعْنَى كَمْ , أَيْ وَكَمْ مِنْ قَرْيَة . وَأَنْشَدَ الْأَخْفَش قَوْل لَبِيد : وَكَائِنْ رَأَيْنَا مِنْ مُلُوك وَسُوقَة وَمِفْتَاح قَيْد لِلْأَسِيرِ الْمُكَبَّل فَيَكُون مَعْنَاهُ : وَكَمْ مِنْ أَهْل قَرْيَة . أَيْ أَخْرَجَك أَهْلهَا . قَالَ قَتَادَة وَابْن عَبَّاس : لَمَّا خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّة إِلَى الْغَار اِلْتَفَتَ إِلَى مَكَّة وَقَالَ : [ اللَّهُمَّ أَنْتِ أَحَبّ الْبِلَاد إِلَى اللَّه وَأَنْتِ أَحَبّ الْبِلَاد إِلَيَّ وَلَوْلَا الْمُشْرِكُونَ أَهْلك أَخْرَجُونِي لَمَا خَرَجْت مِنْك ] . فَنَزَلَتْ الْآيَة , ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ , وَهُوَ حَدِيث صَحِيح .'; $TAFSEER['4']['47']['14'] = 'الْأَلِف أَلِف تَقْرِير . وَمَعْنَى " عَلَى بَيِّنَة " أَيْ عَلَى ثَبَات وَيَقِين , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . أَبُو الْعَالِيَة : وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْبَيِّنَة : الْوَحْي . أَيْ عِبَادَة الْأَصْنَام , وَهُوَ أَبُو جَهْل وَالْكُفَّار . أَيْ مَا اِشْتَهَوْا . وَهَذَا التَّزْيِين مِنْ جِهَة اللَّه خَلْقًا . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مِنْ الشَّيْطَان دُعَاء وَوَسْوَسَة . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مِنْ الْكَافِر , أَيْ زَيَّنَ لِنَفْسِهِ سُوء عَمَله وَأَصَرَّ عَلَى الْكُفْر . وَقَالَ : " سُوء " عَلَى لَفْظ " مَنْ " " وَاتَّبَعُوا " عَلَى مَعْنَاهُ .'; $TAFSEER['4']['47']['15'] = 'لَمَّا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : " إِنَّ اللَّه يُدْخِل الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جَنَّات " [ الْحَجّ : 14 ] وَصَفَ تِلْكَ الْجَنَّات , أَيْ صِفَة الْجَنَّة الْمُعَدَّة لِلْمُتَّقِينَ . وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي هَذَا فِي " الرَّعْد " . وَقَرَأَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب " مِثَال الْجَنَّة الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ " . أَيْ غَيْر مُتَغَيِّر الرَّائِحَة . وَالْآسِن مِنْ الْمَاء مِثْل الْآجِن . وَقَدْ أَسَنَ الْمَاء يَأْسُن وَيَأْسِن أَسْنًا وَأُسُونًا إِذَا تَغَيَّرَتْ رَائِحَته . وَكَذَلِكَ أَجَنَ الْمَاء يَأْجُن وَيَأْجِن أَجْنًا وَأُجُونًا . وَيُقَال بِالْكَسْرِ فِيهِمَا : أَجِنَ وَأَسِنَ يَأْسَن وَيَأْجَن أَسْنًا وَأَجْنًا , قَالَهُ الْيَزِيدِيّ . وَأَسِنَ الرَّجُل أَيْضًا يَأْسَن ( بِالْكَسْرِ لَا غَيْر ) إِذَا دَخَلَ الْبِئْر فَأَصَابَتْهُ رِيح مُنْتِنَة مِنْ رِيح الْبِئْر أَوْ غَيْر ذَلِكَ فَغُشِيَ عَلَيْهِ أَوْ دَارَ رَأْسه , قَالَ زُهَيْر : قَدْ أَتْرُك الْقَرْن مُصْفَرًّا أَنَامِله يَمِيد فِي الرُّمْح مَيْد الْمَائِح الْأَسِن وَيُرْوَى " الْوَسِن " . وَتَأَسَّنَ الْمَاء تَغَيَّرَ . أَبُو زَيْد : تَأَسَّنَ عَلَيَّ تَأَسُّنًا اِعْتَلَّ وَأَبْطَأَ . أَبُو عَمْرو : تَأَسَّنَ الرَّجُل أَبَاهُ أَخَذَ أَخْلَاقه . وَقَالَ اللِّحْيَانِيّ : إِذَا نَزَعَ إِلَيْهِ فِي الشَّبَه , وَقِرَاءَة الْعَامَّة " آسِن " بِالْمَدِّ . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَحُمَيْد " أَسِن " بِالْقَصْرِ , وَهُمَا لُغَتَانِ , مِثْل حَاذِر وَحَذِر . وَقَالَ الْأَخْفَش : أَسِن لِلْحَالِ , وَآسِن ( مِثْل فَاعِل ) يُرَاد بِهِ الِاسْتِقْبَال . أَيْ لَمْ يَحْمُض بِطُولِ الْمَقَام كَمَا تَتَغَيَّر أَلْبَان الدُّنْيَا إِلَى الْحُمُوضَة . أَيْ لَمْ تُدَنِّسهَا الْأَرْجُل وَلَمْ تُرَنِّقهَا الْأَيْدِي كَخَمْرِ الدُّنْيَا , فَهِيَ لَذِيذَة الطَّعْم طَيِّبَة الشُّرْب لَا يَتَكَرَّههَا الشَّارِبُونَ . يُقَال : شَرَاب لَذّ وَلَذِيذ بِمَعْنًى . وَاسْتَلَذَّهُ عَدَّهُ لَذِيذًا . الْعَسَل مَا يَسِيل مِنْ لُعَاب النَّحْل . " مُصَفًّى " أَيْ مِنْ الشَّمْع وَالْقَذَى , خَلَقَهُ اللَّه كَذَلِكَ لَمْ يُطْبَخ عَلَى نَار وَلَا دَنَّسَهُ النَّحْل . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ حَكِيم بْن مُعَاوِيَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : [ إِنَّ فِي الْجَنَّة بَحْر الْمَاء وَبَحْر الْعَسَل وَبَحْر اللَّبَن وَبَحْر الْخَمْر ثُمَّ تُشَقَّق الْأَنْهَار بَعْد ] . قَالَ : حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ سَيْحَان وَجَيْحَان وَالنِّيل وَالْفُرَات كُلّ مِنْ أَنْهَار الْجَنَّة ] . وَقَالَ كَعْب : نَهْر دِجْلَة نَهْر مَاء أَهْل الْجَنَّة , وَنَهْر الْفُرَات نَهْر لَبَنهمْ , وَنَهْر مِصْر نَهْر خَمْرهمْ , وَنَهْر سَيْحَان نَهْر عَسَلهمْ . وَهَذِهِ الْأَنْهَار الْأَرْبَعَة تَخْرُج مِنْ نَهْر الْكَوْثَر . وَالْعَسَل : يُذَكَّر وَيُؤَنَّث . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : " مِنْ عَسَل مُصَفًّى " أَيْ لَمْ يَخْرُج مِنْ بُطُون النَّحْل . " مِنْ " زَائِدَة لِلتَّأْكِيدِ . أَيْ لِذُنُوبِهِمْ . قَالَ الْفَرَّاء : الْمَعْنَى أَفَمَنْ يَخْلُد فِي هَذَا النَّعِيم كَمَنْ يَخْلُد فِي النَّار . وَقَالَ الزَّجَّاج : أَيْ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه وَأُعْطِيَ هَذِهِ الْأَشْيَاء كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوء عَمَله وَهُوَ خَالِد فِي النَّار . فَقَوْله : " كَمَنْ " بَدَل مِنْ قَوْله : " أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوء عَمَله " [ فَاطِر : 8 ] . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : مَثَل هَذِهِ الْجَنَّة الَّتِي فِيهَا الثِّمَار وَالْأَنْهَار كَمَثَلِ النَّار الَّتِي فِيهَا الْحَمِيم وَالزَّقُّوم . وَمَثَل أَهْل الْجَنَّة فِي النَّعِيم الْمُقِيم كَمَثَلِ أَهْل النَّار فِي الْعَذَاب الْمُقِيم . أَيْ حَارًّا شَدِيد الْغَلَيَان , إِذَا أُدْنِيَ مِنْهُمْ شَوَى وُجُوههمْ , وَوَقَعَتْ فَرْوَة رُءُوسهمْ , فَإِذَا شَرِبُوهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ وَأَخْرَجَهَا مِنْ دُبُورهمْ . وَالْأَمْعَاء : جَمْع مِعًى , وَالتَّثْنِيَة مِعَيَانِ , وَهُوَ جَمِيع مَا فِي الْبَطْن مِنْ الْحَوَايَا .'; $TAFSEER['4']['47']['16'] = 'أَيْ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُل الْأَنْعَام , وَزُيِّنَ لَهُمْ سُوء عَمَلهمْ قَوْم يَسْتَمِعُونَ إِلَيْك وَهُمْ الْمُنَافِقُونَ : عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول وَرِفَاعَة بْن التَّابُوت وَزَيْد بْن الصَّلِيت وَالْحَارِث بْن عَمْرو وَمَالِك بْن دَخْشَم , كَانُوا يَحْضُرُونَ الْخُطْبَة يَوْم الْجُمُعَة فَإِذَا سَمِعُوا ذِكْر الْمُنَافِقِينَ فِيهَا أَعْرَضُوا عَنْهُ , فَإِذَا خَرَجُوا سَأَلُوا عَنْهُ , قَالَهُ الْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل . وَقِيلَ : كَانُوا يَحْضُرُونَ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ , فَيَسْتَمِعُونَ مِنْهُ مَا يَقُول , فَيَعِيه الْمُؤْمِن وَلَا يَعِيه الْكَافِر . أَيْ إِذَا فَارَقُوا مَجْلِسك . قَالَ عِكْرِمَة : هُوَ عَبْد اللَّه بْن الْعَبَّاس . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كُنْت مِمَّنْ يُسْأَل , أَيْ كُنْت مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم . وَفِي رِوَايَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّهُ يُرِيد عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود . وَكَذَا قَالَ عَبْد اللَّه بْن بُرَيْدَة : هُوَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود . وَقَالَ الْقَاسِم بْن عَبْد الرَّحْمَن : هُوَ أَبُو الدَّرْدَاء . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهُمْ الصَّحَابَة . أَيْ الْآن , عَلَى جِهَة الِاسْتِهْزَاء . أَيْ أَنَا لَمْ أَلْتَفِت إِلَى قَوْله . وَ " آنِفًا " يُرَاد بِهِ السَّاعَة الَّتِي هِيَ أَقْرَب الْأَوْقَات إِلَيْك , مِنْ قَوْلك : اِسْتَأْنَفْت الشَّيْء إِذَا اِبْتَدَأْت بِهِ . وَمِنْهُ أَمْر أُنُف , وَرَوْضَة أُنُف , أَيْ لَمْ يَرْعَهَا أَحَد . وَكَأْس أُنُف : إِذَا لَمْ يُشْرَب مِنْهَا شَيْء , كَأَنَّهُ اُسْتُؤْنِفَ شُرْبهَا مِثْل رَوْضَة أُنُف . قَالَ الشَّاعِر : وَيَحْرُم سِرّ جَارَتهمْ عَلَيْهِمْ وَيَأْكُل جَارهمْ أُنُف الْقِصَاع وَقَالَ آخَر : إِنَّ الشِّوَاء وَالنَّشِيل وَالرُّغُف وَالْقَيْنَة الْحَسْنَاء وَالْكَأْس الْأُنُف لِلطَّاعِنِينَ الْخَيْل وَالْخَيْل قُطُف وَقَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : قَدْ غَدَا يَحْمِلنِي فِي أَنْفه أَيْ فِي أَوَّله . وَأَنْف كُلّ شَيْء أَوَّله . وَقَالَ قَتَادَة فِي هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ : النَّاس رَجُلَانِ : رَجُل عَقَلَ عَنْ اللَّه فَانْتَفَعَ بِمَا سَمِعَ , وَرَجُل لَمْ يَعْقِل وَلَمْ يَنْتَفِع بِمَا سَمِعَ . وَكَانَ يُقَال : النَّاس ثَلَاثَة : فَسَامِع عَامِل , وَسَامِع عَاقِل , وَسَامِع غَافِل تَارِك . فَلَمْ يُؤْمِنُوا . فِي الْكُفْر .'; $TAFSEER['4']['47']['17'] = 'أَيْ لِلْإِيمَانِ زَادَهُمْ اللَّه هُدًى . وَقِيلَ : زَادَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُدًى . وَقِيلَ : مَا يَسْتَمِعُونَهُ مِنْ الْقُرْآن هُدًى , أَيْ يَتَضَاعَف يَقِينهمْ . وَقَالَ الْفَرَّاء : زَادَهُمْ إِعْرَاض الْمُنَافِقِينَ وَاسْتِهْزَاؤُهُمْ هُدًى . وَقِيلَ : زَادَهُمْ نُزُول النَّاسِخ هُدًى . وَفِي الْهُدَى الَّذِي زَادَهُمْ أَرْبَعَة أَقَاوِيل : أَحَدهَا : زَادَهُمْ عِلْمًا , قَالَهُ الرَّبِيع بْن أَنَس . الثَّانِي : أَنَّهُمْ عَلِمُوا مَا سَمِعُوا وَعَمِلُوا بِمَا عَلِمُوا , قَالَهُ الضَّحَّاك . الثَّالِث : زَادَهُمْ بَصِيرَة فِي دِينهمْ وَتَصْدِيقًا لِنَبِيِّهِمْ , قَالَهُ الْكَلْبِيّ . الرَّابِع : شَرَحَ صُدُورهمْ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَان . أَيْ أَلْهَمَهُمْ إِيَّاهَا . وَقِيلَ : فِيهِ خَمْسَة أَوْجُه : أَحَدهَا : آتَاهُمْ الْخَشْيَة , قَالَهُ الرَّبِيع . الثَّانِي : ثَوَاب تَقْوَاهُمْ فِي الْآخِرَة , قَالَهُ السُّدِّيّ . الثَّالِث : وَفَّقَهُمْ لِلْعَمَلِ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْهِمْ , قَالَهُ مُقَاتِل . الرَّابِع : بَيَّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ , قَالَهُ اِبْن زِيَاد وَالسُّدِّيّ أَيْضًا . الْخَامِس : أَنَّهُ تَرَكَ الْمَنْسُوخ وَالْعَمَل بِالنَّاسِخِ , قَالَهُ عَطِيَّة . الْمَاوَرْدِيّ : وَيُحْتَمَل . سَادِسًا : أَنَّهُ تَرَكَ الرُّخَص وَالْأَخْذ بِالْعَزَائِمِ . وَقُرِئَ " وَأَعْطَاهُمْ " بَدَل " وَآتَاهُمْ " . وَقَالَ عِكْرِمَة : هَذِهِ نَزَلَتْ فِيمَنْ آمَنَ مِنْ أَهْل الْكِتَاب .'; $TAFSEER['4']['47']['18'] = 'أَيْ فَجْأَة . وَهَذَا وَعِيد لِلْكُفَّارِ . " أَنْ تَأْتِيهُمْ بَغْتَة " " أَنْ " بَدَل اِشْتِمَال مِنْ " السَّاعَة " , نَحْو قَوْله : " أَنْ تَطَئُوهُمْ " [ الْفَتْح : 25 ] مِنْ قَوْله : " رِجَال مُؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُؤْمِنَات " [ الْفَتْح : 25 ] . وَقُرِئَ " بَغَتَّة " بِوَزْنِ جَرَبَّة , وَهِيَ غَرِيبَة لَمْ تَرِد فِي الْمَصَادِر أُخْتهَا , وَهِيَ مَرْوِيَّة عَنْ أَبِي عَمْرو . الزَّمَخْشَرِيّ وَمَا أَخْوَفنِي أَنْ تَكُون غَلْطَة مِنْ الرَّاوِي عَنْ أَبِي عَمْرو , وَأَنْ يَكُون الصَّوَاب " بَغَتَة " بِفَتْحِ الْغَيْن مِنْ غَيْر تَشْدِيد , كَقِرَاءَةِ الْحَسَن . وَرَوَى أَبُو جَعْفَر الرُّؤَاسِيّ وَغَيْره مِنْ أَهْل مَكَّة " إِنْ تَأْتِهِمْ بَغْتَة " . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَمَنْ قَرَأَ " إِنْ تَأْتِهِمْ بَغْتَة " كَانَ الْوَقْف عَلَى " السَّاعَة " ثُمَّ اِسْتَأْنَفَ الشَّرْط . وَمَا يَحْتَمِلهُ الْكَلَام مِنْ الشَّكّ مَرْدُود إِلَى الْخَلْق , كَأَنَّهُ قَالَ : إِنْ شَكُّوا فِي مَجِيئِهَا " فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطهَا " . أَيْ أَمَارَاتهَا وَعَلَامَاتهَا . وَكَانُوا قَدْ قَرَءُوا فِي كُتُبهمْ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِر الْأَنْبِيَاء , فَبَعْثه مِنْ أَشْرَاطهَا وَأَدِلَّتهَا , قَالَهُ الضَّحَّاك وَالْحَسَن . وَفِي الصَّحِيح عَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ بُعِثْت أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ ] وَضَمَّ السَّبَّابَة وَالْوُسْطَى , لَفْظ مُسْلِم , وَخَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَهْ . وَيُرْوَى [ بُعِثْت وَالسَّاعَة كَفَرَسَيْ رِهَان ] . وَقِيلَ : أَشْرَاط السَّاعَة أَسْبَابهَا الَّتِي هِيَ دُون مُعْظَمهَا . وَمِنْهُ يُقَال لِلدُّونِ مِنْ النَّاس : الشَّرَط . وَقِيلَ : يَعْنِي عَلَامَات السَّاعَة اِنْشِقَاق الْقَمَر وَالدُّخَان , قَالَهُ الْحَسَن أَيْضًا . وَعَنْ الْكَلْبِيّ : كَثْرَة الْمَال وَالتِّجَارَة وَشَهَادَة الزُّور وَقَطْع الْأَرْحَام , وَقِلَّة الْكِرَام وَكَثْرَة اللِّئَام . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى هَذَا الْبَاب فِي كِتَاب " التَّذْكِرَة " مُسْتَوْفًى وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَوَاحِد الْأَشْرَاط شَرَط , وَأَصْله الْأَعْلَام . وَمِنْهُ قِيلَ الشُّرَط ; لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا لِأَنْفُسِهِمْ عَلَامَة يُعْرَفُونَ بِهَا . وَمِنْهُ الشَّرْط فِي الْبَيْع وَغَيْره . قَالَ أَبُو الْأَسْوَد : فَإِنْ كُنْت قَدْ أَزْمَعْت بِالصُّرْم بَيْننَا فَقَدْ جَعَلْت أَشْرَاط أَوَّله تَبْدُو وَيُقَال : أَشْرَطَ فُلَان نَفْسه فِي عَمَل كَذَا أَيْ أَعْلَمَهَا وَجَعَلَهَا لَهُ . قَالَ أَوْس بْن حَجَر يَصِف رَجُلًا تَدَلَّى بِحَبْلٍ مِنْ رَأْس جَبَل إِلَى نَبْعَة يَقْطَعهَا لِيَتَّخِذ مِنْهَا قَوْسًا : فَأَشْرَطَ نَفْسه فِيهَا وَهُوَ مُعْصِم وَأَلْقَى بِأَسْبَابٍ لَهُ وَتَوَكَّلَا " ذِكْرَاهُمْ " اِبْتِدَاء وَ " أَنَّى لَهُمْ " الْخَبَر . وَالضَّمِير الْمَرْفُوع فِي " جَاءَتْهُمْ " لِلسَّاعَةِ , التَّقْدِير : فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ التَّذَكُّر إِذَا جَاءَتْهُمْ السَّاعَة , قَالَ مَعْنَاهُ قَتَادَة وَغَيْره . وَقِيلَ : فَكَيْف لَهُمْ بِالنَّجَاةِ إِذَا جَاءَتْهُمْ الذِّكْرَى عِنْد مَجِيء السَّاعَة , قَالَهُ اِبْن زَيْد . وَفِي الذِّكْرَى وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : تَذْكِيرهمْ بِمَا عَمِلُوهُ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ . الثَّانِي : هُوَ دُعَاؤُهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ تَبْشِيرًا وَتَخْوِيفًا , رَوَى أَبَان عَنْ أَنَس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : [ أَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ فَإِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ بِهَا يَوْم الْقِيَامَة يَا فُلَان قُمْ إِلَى نُورك يَا فُلَان قُمْ لَا نُور لَك ] ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ .'; $TAFSEER['4']['47']['19'] = 'قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَفِيهِ - وَإِنْ كَانَ الرَّسُول عَالِمًا بِاَللَّهِ - ثَلَاثَة أَوْجُه : يَعْنِي اِعْلَمْ أَنَّ اللَّه أَعْلَمَك أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . الثَّانِي : مَا عَلِمْته اِسْتِدْلَالًا فَاعْلَمْهُ خَبَرًا يَقِينًا . الثَّالِث : يَعْنِي فَاذْكُرْ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , فَعَبَّرَ عَنْ الذِّكْر بِالْعِلْمِ لِحُدُوثِهِ عَنْهُ . وَعَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ فَضْل الْعِلْم فَقَالَ : أَلَمْ تَسْمَع قَوْله حِين بَدَأَ بِهِ " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك " فَأُمِرَ بِالْعَمَلِ بَعْد الْعِلْم وَقَالَ : " اِعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا لَعِب وَلَهْو " إِلَى قَوْله " سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَة مِنْ رَبّكُمْ " [ الْحَدِيد : 20 - 21 ] وَقَالَ : " وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالكُمْ وَأَوْلَادكُمْ فِتْنَة " [ الْأَنْفَال : 28 ] . ثُمَّ قَالَ بَعْد : " فَاحْذَرُوهُمْ " [ التَّغَابُن : 14 ] . وَقَالَ تَعَالَى : " وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه " [ الْأَنْفَال : 41 ] . ثُمَّ أَمَرَ بِالْعَمَلِ بَعْد . يَحْتَمِل وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : يَعْنِي اِسْتَغْفِرْ اللَّه أَنْ يَقَع مِنْك ذَنْب . الثَّانِي : اِسْتَغْفِرْ اللَّه لِيَعْصِمك مِنْ الذُّنُوب . وَقِيلَ : لَمَّا ذَكَرَ لَهُ حَال الْكَافِرِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ أَمَرَهُ بِالثَّبَاتِ عَلَى الْإِيمَان , أَيْ اُثْبُتْ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ التَّوْحِيد وَالْإِخْلَاص وَالْحَذَر عَمَّا تَحْتَاج مَعَهُ إِلَى اِسْتِغْفَار . وَقِيلَ : الْخِطَاب لَهُ وَالْمُرَاد بِهِ الْأُمَّة , وَعَلَى هَذَا الْقَوْل تُوجِب الْآيَة اِسْتِغْفَار الْإِنْسَان لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ . وَقِيلَ : كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يَضِيق صَدْره مِنْ كُفْر الْكُفَّار وَالْمُنَافِقِينَ , فَنَزَلَتْ الْآيَة أَيْ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا كَاشِف يَكْشِف مَا بِك إِلَّا اللَّه , فَلَا تُعَلِّق قَلْبك بِأَحَدٍ سِوَاهُ . وَقِيلَ : أُمِرَ بِالِاسْتِغْفَارِ لِتَقْتَدِي بِهِ الْأُمَّة . أَيْ وَلِذُنُوبِهِمْ . وَهَذَا أَمْر بِالشَّفَاعَةِ . وَرَوَى مُسْلِم عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَرْجِس الْمَخْزُومِيّ قَالَ : أَتَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلْت مِنْ طَعَامه فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه , غَفَرَ اللَّه لَك فَقَالَ لَهُ صَاحِبِي : هَلْ اِسْتَغْفَرَ لَك النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ , وَلَك . ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : " وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات " ثُمَّ تَحَوَّلْت فَنَظَرْت إِلَى خَاتَم النُّبُوَّة بَيْن كَتِفَيْهِ , جُمْعًا عَلَيْهِ خِيلَان كَأَنَّهُ الثَّآلِيل . فِيهِ خَمْسَة أَقْوَال : أَحَدهَا : يَعْلَم أَعْمَالكُمْ فِي تَصَرُّفكُمْ وَإِقَامَتكُمْ . الثَّانِي : " مُتَقَلَّبَكُمْ " فِي أَعْمَالكُمْ نَهَارًا " وَمَثْوَاكُمْ " فِي لَيْلكُمْ نِيَامًا . وَقِيلَ " مُتَقَلَّبَكُمْ " فِي الدُّنْيَا . " وَمَثْوَاكُمْ " فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك . وَقَالَ عِكْرِمَة : " مُتَقَلَّبَكُمْ " فِي أَصْلَاب الْآبَاء إِلَى أَرْحَام الْأُمَّهَات . " وَمَثْوَاكُمْ " مَقَامكُمْ فِي الْأَرْض . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : " مُتَقَلَّبَكُمْ " مِنْ ظَهْر إِلَى بَطْن الدُّنْيَا . " وَمَثْوَاكُمْ " فِي الْقُبُور . قُلْت : وَالْعُمُوم يَأْتِي عَلَى هَذَا كُلّه , فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ سُبْحَانه شَيْء مِنْ حَرَكَات بَنِي آدَم وَسَكَنَاتهمْ , وَكَذَا جَمِيع خَلْقه . فَهُوَ عَالِم بِجَمِيعِ ذَلِكَ قَبْل كَوْنه جُمْلَة وَتَفْصِيلًا أُولَى وَأُخْرَى . سُبْحَانه ! لَا إِلَه إِلَّا هُوَ .'; $TAFSEER['4']['47']['20'] = 'أَيْ الْمُؤْمِنُونَ الْمُخْلِصُونَ . اِشْتِيَاقًا لِلْوَحْيِ وَحِرْصًا عَلَى الْجِهَاد وَثَوَابه . وَمَعْنَى " لَوْلَا " هَلَّا . لَا نَسْخ فِيهَا . قَالَ قَتَادَة : كُلّ سُورَة ذُكِرَ فِيهَا الْجِهَاد فَهِيَ مُحْكَمَة , وَهِيَ أَشَدّ الْقُرْآن عَلَى الْمُنَافِقِينَ . وَفِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه " فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَة مُحْدَثَة " أَيْ مُحْدَثَة النُّزُول . أَيْ فُرِضَ فِيهَا الْجِهَاد . وَقُرِئَ " فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَة وَذَكَرَ فِيهَا الْقِتَال " عَلَى الْبِنَاء لِلْفَاعِلِ وَنَصْب الْقِتَال . أَيْ شَكّ وَنِفَاق . أَيْ نَظَر مَغْمُوصِينَ مُغْتَاظِينَ بِتَحْدِيدٍ وَتَحْدِيق , كَمَنْ يَشْخَص بَصَره عِنْد الْمَوْت , وَذَلِكَ لِجُبْنِهِمْ عَنْ الْقِتَال جَزَعًا وَهَلَعًا , وَلِمَيْلِهِمْ فِي السِّرّ إِلَى الْكُفَّار . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَقَوْلهمْ : أَوْلَى لَك , تَهْدِيد وَوَعِيد . قَالَ الشَّاعِر : فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى وَهَلْ لِلدَّرِّ يُحْلَب مِنْ مَرَدّ قَالَ الْأَصْمَعِيّ : مَعْنَاهُ قَارَبَهُ مَا يُهْلِكهُ , أَيْ نَزَلَ بِهِ . وَأَنْشَدَ : فَعَادَى بَيْن هَادِيَتَيْنِ مِنْهَا وَأَوْلَى أَنْ يَزِيد عَلَى الثَّلَاث أَيْ قَارَبَ أَنْ يَزِيد . قَالَ ثَعْلَب : وَلَمْ يَقُلْ أَحَد فِي " أَوْلَى " أَحْسَن مِمَّا قَالَ الْأَصْمَعِيّ . وَقَالَ الْمُبَرِّد : يُقَال لِمَنْ هَمَّ بِالْعَطَبِ ثُمَّ أَفْلَتَ : أَوْلَى لَك , أَيْ قَارَبْت الْعَطَب . كَمَا رُوِيَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا كَانَ يُوَالِي رَمْي الصَّيْد فَيَفْلِت مِنْهُ فَيَقُول : أَوْلَى لَك . ثُمَّ رَمَى صَيْدًا فَقَارَبَهُ ثُمَّ أَفْلَتَ مِنْهُ فَقَالَ : فَلَوْ كَانَ أَوْلَى يُطْعِم الْقَوْم صِدْتهمْ وَلَكِنَّ أَوْلَى يَتْرُك الْقَوْم جُوَّعَا وَقِيلَ : هُوَ كَقَوْلِ الرَّجُل لِصَاحِبِهِ : يَا مَحْرُوم , أَيّ شَيْء فَاتَك وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : هُوَ مَأْخُوذ مِنْ الْوَيْل , فَهُوَ أَفْعَل , وَلَكِنْ فِيهِ قَلْب , وَهُوَ أَنَّ عَيْن الْفِعْل وَقَعَ مَوْقِع اللَّام . وَقَدْ تَمَّ الْكَلَام عَلَى قَوْله : " فَأَوْلَى لَهُمْ " . قَالَ قَتَادَة : كَأَنَّهُ قَالَ الْعِقَاب أَوْلَى لَهُمْ . وَقِيلَ : أَيْ وَلِيَهُمْ الْمَكْرُوه .'; $TAFSEER['4']['47']['21'] = 'أَيْ طَاعَة وَقَوْل مَعْرُوف أَمْثَل وَأَحْسَن , وَهُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهِ وَالْخَلِيل . وَقِيلَ : إِنَّ التَّقْدِير أَمْرنَا طَاعَة وَقَوْل مَعْرُوف , فَحَذَفَ الْمُبْتَدَأ فَيُوقَف عَلَى " فَأَوْلَى لَهُمْ " . وَكَذَا مَنْ قَدَّرَ يَقُولُونَ مِنَّا طَاعَة . وَقِيلَ : إِنَّ الْآيَة الثَّانِيَة مُتَّصِلَة بِالْأُولَى . وَاللَّام فِي قَوْله : " لَهُمْ " بِمَعْنَى الْبَاء , أَيْ الطَّاعَة أَوْلَى وَأَلْيَق بِهِمْ , وَأَحَقّ لَهُمْ مِنْ تَرْك اِمْتِثَال أَمْر اللَّه . وَهِيَ قِرَاءَة أُبَيّ " يَقُولُونَ طَاعَة " . وَقِيلَ إِنَّ : " طَاعَة " نَعْت لِ " سُورَة " , عَلَى تَقْدِير : فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَة ذَات طَاعَة , فَلَا يُوقَف عَلَى هَذَا عَلَى " فَأَوْلَى لَهُمْ " . قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ قَوْلهمْ " طَاعَة " إِخْبَار مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ الْمُنَافِقِينَ . وَالْمَعْنَى لَهُمْ طَاعَة وَقَوْل مَعْرُوف , قِيلَ : وُجُوب الْفَرَائِض عَلَيْهِمْ , فَإِذَا أُنْزِلَتْ الْفَرَائِض شَقَّ عَلَيْهِمْ نُزُولهَا . فَيُوقَف عَلَى هَذَا عَلَى " فَأَوْلَى " . أَيْ جَدَّ الْقِتَال , أَوْ وَجَبَ فَرْض الْقِتَال , كَرِهُوهُ . فَكَرِهُوهُ جَوَاب " إِذَا " وَهُوَ مَحْذُوف . وَقِيلَ : الْمَعْنَى فَإِذَا عَزَمَ أَصْحَاب الْأَمْر . أَيْ فِي الْإِيمَان وَالْجِهَاد . مِنْ الْمَعْصِيَة وَالْمُخَالَفَة .'; $TAFSEER['4']['47']['22'] = 'اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى " إِنْ تَوَلَّيْتُمْ " فَقِيلَ : هُوَ مِنْ الْوِلَايَة . قَالَ أَبُو الْعَالِيَة : الْمَعْنَى فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ الْحُكْم فَجُعِلْتُمْ حُكَّامًا أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض بِأَخْذِ الرِّشَا . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : أَيْ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَمْر الْأُمَّة أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض بِالظُّلْمِ . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : الْمَعْنَى فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ عَنْ الطَّاعَة أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض بِالْمَعَاصِي وَقَطْع الْأَرْحَام . وَقَالَ كَعْب : الْمَعْنَى فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ الْأَمْر أَنْ يَقْتُل بَعْضكُمْ بَعْضًا . وَقِيلَ : مِنْ الْإِعْرَاض عَنْ الشَّيْء . قَالَ قَتَادَة : أَيْ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ عَنْ كِتَاب اللَّه أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض بِسَفْكِ الدِّمَاء الْحَرَام , وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامكُمْ . وَقِيلَ : " فَهَلْ عَسَيْتُمْ " أَيْ فَلَعَلَّكُمْ إِنْ أَعْرَضْتُمْ عَنْ الْقُرْآن وَفَارَقْتُمْ أَحْكَامه أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض فَتَعُودُوا إِلَى جَاهِلِيَّتكُمْ . وَقُرِئَ بِفَتْحِ السِّين وَكَسْرهَا . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " الْقَوْل فِيهِ مُسْتَوْفًى . وَقَالَ بَكْر الْمُزَنِيّ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْحَرُورِيَّة وَالْخَوَارِج , وَفِيهِ بُعْد . وَالْأَظْهَر أَنَّهُ إِنَّمَا عُنِيَ بِهَا الْمُنَافِقُونَ . وَقَالَ اِبْن حَيَّان : قُرَيْش . وَنَحْوه قَالَ الْمُسَيِّب بْن شَرِيك وَالْفَرَّاء , قَالَا : نَزَلَتْ فِي بَنِي أُمَيَّة وَبَنِي هَاشِم , وَدَلِيل هَذَا التَّأْوِيل مَا رَوَى عَبْد اللَّه بْن مُغَفَّل قَالَ سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : [ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض - ثُمَّ قَالَ - هُمْ هَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْش أَخَذَ اللَّه عَلَيْهِمْ إِنْ وَلُوا النَّاس أَلَّا يُفْسِدُوا فِي الْأَرْض وَلَا يَقْطَعُوا أَرْحَامهمْ ] . وَقَرَأَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب " إِنْ تُوُلِّيتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض " بِضَمِّ التَّاء وَالْوَاو وَكَسْر اللَّام . وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن أَبِي إِسْحَاق , وَرَوَاهَا رُوَيْس عَنْ يَعْقُوب . يَقُول : إِنْ وَلِيَتْكُمْ وُلَاة جَائِرَة خَرَجْتُمْ مَعَهُمْ فِي الْفِتْنَة وَحَارَبْتُمُوهُمْ . بِالْبَغْيِ وَالظُّلْم وَالْقَتْل . وَقَرَأَ يَعْقُوب وَسَلَّام وَعِيسَى وَأَبُو حَاتِم " وَتَقْطَعُوا " بِفَتْحِ التَّاء وَتَخْفِيف الْقَاف , مِنْ الْقَطْع , اِعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ أَنْ يُوصَل " [ الْبَقَرَة : 27 ] . وَرَوَى هَذِهِ الْقِرَاءَة هَارُون عَنْ أَبَى عَمْرو . وَقَرَأَ الْحَسَن " وَتَقَطَّعُوا " مَفْتُوحَة الْحُرُوف مُشَدَّدَة , اِعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَتَقَطَّعُوا أَمْرهمْ بَيْنهمْ " [ الْأَنْبِيَاء : 93 ] . الْبَاقُونَ " وَتُقَطِّعُوا " بِضَمِّ التَّاء مُشَدَّدَة الطَّاء , مِنْ التَّقْطِيع عَلَى التَّكْثِير , وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد . وَتَقَدَّمَ ذِكْر " عَسَيْتُمْ " [ الْبَقَرَة : 246 ] فِي ( الْبَقَرَة ) . وَقَالَ الزَّجَّاج فِي قِرَاءَة نَافِع : لَوْ جَازَ هَذَا لَجَازَ " عَسِيَ " بِالْكَسْرِ . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَيُقَال عَسَيْت أَنْ أَفْعَل ذَلِكَ , وَعَسِيت بِالْكَسْرِ . وَقُرِئَ " فَهَلْ عَسِيتُمْ " بِالْكَسْرِ . قُلْت : وَيَدُلّ قَوْله هَذَا عَلَى أَنَّهُمَا لُغَتَانِ . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِيهِ فِي " الْبَقَرَة " مُسْتَوْفًى . فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ إِنَّ اللَّه خَلَقَ الْخَلْق حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتْ الرَّحِم فَقَالَتْ هَذَا مَقَام الْعَائِذ مِنْ الْقَطِيعَة قَالَ نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِل مَنْ وَصَلَك وَأَقْطَع مَنْ قَطَعَك قَالَتْ بَلَى قَالَ فَذَاكَ لَك - ثُمَّ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اِقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ " فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامكُمْ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّه فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارهمْ . أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن أَمْ عَلَى قُلُوب أَقْفَالهَا " ] . وَظَاهِر الْآيَة أَنَّهَا خِطَاب لِجَمِيعِ الْكُفَّار . وَقَالَ قَتَادَة وَغَيْره : مَعْنَى الْآيَة فَلَعَلَّكُمْ , أَوْ يُخَاف عَلَيْكُمْ , إِنْ أَعْرَضْتُمْ عَنْ الْإِيمَان أَنْ تَعُودُوا إِلَى الْفَسَاد فِي الْأَرْض لِسَفْكِ الدِّمَاء . قَالَ قَتَادَة : كَيْف رَأَيْتُمْ الْقَوْم حِين تَوَلَّوْا عَنْ كِتَاب اللَّه تَعَالَى أَلَمْ يَسْفِكُوا الدِّمَاء الْحَرَام وَيَقْطَعُوا الْأَرْحَام وَعَصَوْا الرَّحْمَن . فَالرَّحِم عَلَى هَذَا رَحِم دِين الْإِسْلَام وَالْإِيمَان , الَّتِي قَدْ سَمَّاهَا اللَّه إِخْوَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة " [ الْحُجُرَات : 10 ] . وَعَلَى قَوْل الْفَرَّاء أَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ فِي بَنِي هَاشِم وَبَنِي أُمَيَّة , وَالْمُرَاد مَنْ أَضْمَرَ مِنْهُمْ نِفَاقًا , فَأَشَارَ بِقَطْعِ الرَّحِم إِلَى مَا كَانَ بَيْنهمْ وَبَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْقَرَابَة بِتَكْذِيبِهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَذَلِكَ يُوجِب الْقِتَال . وَبِالْجُمْلَةِ فَالرَّحِم عَلَى وَجْهَيْنِ : عَامَّة وَخَاصَّة , فَالْعَامَّة رَحِم الدِّين , وَيُوجَب مُوَاصَلَتهَا بِمُلَازَمَةِ الْإِيمَان وَالْمَحَبَّة لِأَهْلِهِ وَنُصْرَتهمْ , وَالنَّصِيحَة وَتَرْك مُضَارَّتهمْ وَالْعَدْل بَيْنهمْ , وَالنَّصَفَة فِي مُعَامَلَتهمْ وَالْقِيَام بِحُقُوقِهِمْ الْوَاجِبَة , كَتَمْرِيضِ الْمَرْضَى وَحُقُوق الْمَوْتَى مِنْ غُسْلهمْ وَالصَّلَاة عَلَيْهِمْ وَدَفْنهمْ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوق الْمُتَرَتِّبَة لَهُمْ . وَأَمَّا الرَّحِم الْخَاصَّة وَهِيَ رَحِم الْقَرَابَة مِنْ طَرَفَيْ الرَّجُل أَبِيهِ وَأُمّه , فَتَجِب لَهُمْ الْحُقُوق الْخَاصَّة وَزِيَادَة , كَالنَّفَقَةِ وَتَفَقُّد أَحْوَالهمْ , وَتَرْك . التَّغَافُل عَنْ تَعَاهُدهمْ فِي أَوْقَات ضَرُورَاتهمْ , وَتَتَأَكَّد فِي حَقّهمْ حُقُوق الرَّحِم الْعَامَّة , حَتَّى إِذَا تَزَاحَمَتْ الْحُقُوق بُدِئَ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَب . وَقَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم : إِنَّ الرَّحِم الَّتِي تَجِب صِلَتهَا هِيَ كُلّ رَحِم مَحْرَم وَعَلَيْهِ فَلَا تَجِب فِي بَنِي الْأَعْمَام وَبَنِي الْأَخْوَال . وَقِيلَ : بَلْ هَذَا فِي كُلّ رَحِم مِمَّنْ يَنْطَلِق عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَام فِي الْمَوَارِيث , مَحْرَمًا كَانَ أَوْ غَيْر مَحْرَم . فَيُخْرَج مِنْ هَذَا أَنَّ رَحِم الْأُمّ الَّتِي لَا يَتَوَارَث بِهَا لَا تَجِب صِلَتهمْ وَلَا يَحْرُم قَطْعهمْ . وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ , وَالصَّوَاب أَنَّ كُلّ مَا يَشْمَلهُ وَيَعُمّهُ الرَّحِم تَجِب صِلَته عَلَى كُلّ حَال , قُرْبَة وَدِينِيَّة , عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَاَللَّه أَعْلَم . قَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنَده قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَة قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْجَبَّار قَالَ سَمِعْت مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ يُحَدِّث عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : [ إِنَّ لِلرَّحِمِ لِسَانًا يَوْم الْقِيَامَة تَحْت الْعَرْش يَقُول يَا رَبّ قُطِعْت يَا رَبّ ظُلِمْت يَا رَبّ أُسِيءَ إِلَيَّ فَيُجِيبهَا رَبّهَا أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِل مَنْ وَصَلَك وَأَقْطَع مَنْ قَطَعَك ] . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ جُبَيْر بْن مُطْعِم عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : [ لَا يَدْخُل الْجَنَّة قَاطِع ] . قَالَ اِبْن أَبِي عُمَر قَالَ سُفْيَان : يَعْنِي قَاطِع رَحِم . وَرَوَاهُ الْبُخَارِيّ . قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : [ إِنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْق حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ ... ] [ خَلَقَ ] بِمَعْنَى اِخْتَرَعَ وَأَصْله التَّقْدِير , كَمَا تَقَدَّمَ . وَالْخَلْق هُنَا بِمَعْنَى الْمَخْلُوق . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " هَذَا خَلْق اللَّه " [ لُقْمَان : 11 ] أَيْ مَخْلُوقه . وَمَعْنَى [ فَرَغَ مِنْهُمْ ] كَمَّلَ خَلْقهمْ . لَا أَنَّهُ اِشْتَغَلَ بِهِمْ ثُمَّ فَرَغَ مِنْ شُغْله بِهِمْ , إِذْ لَيْسَ فِعْله بِمُبَاشَرَةٍ وَلَا مُنَاوَلَة , وَلَا خَلْقه بِآلَةٍ وَلَا مُحَاوَلَة , تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ . وَقَوْله : [ قَامَتْ الرَّحِم فَقَالَتْ ] يُحْمَل عَلَى أَحَد وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون اللَّه تَعَالَى أَقَامَ مَنْ يَتَكَلَّم عَنْ الرَّحِم مِنْ الْمَلَائِكَة فَيَقُول ذَلِكَ , وَكَأَنَّهُ وَكَّلَ بِهَذِهِ الْعِبَادَة مَنْ يُنَاضِل عَنْهَا وَيَكْتُب ثَوَاب مَنْ وَصَلَهَا وَوِزْر مَنْ قَطَعَهَا , كَمَا وَكَّلَ اللَّه بِسَائِرِ الْأَعْمَال كِرَامًا كَاتِبِينَ , وَبِمُشَاهَدَةِ أَوْقَات الصَّلَوَات مَلَائِكَة مُتَعَاقِبِينَ . وَثَانِيهمَا : أَنَّ ذَلِكَ عَلَى جِهَة التَّقْدِير وَالتَّمْثِيل الْمُفْهِم لِلْإِعْيَاءِ وَشِدَّة الِاعْتِنَاء . فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَوْ كَانَتْ الرَّحِم مِمَّنْ يَعْقِل وَيَتَكَلَّم لَقَالَتْ هَذَا الْكَلَام , كَمَا قَالَ تَعَالَى : " لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآن عَلَى جَبَل لَرَأَيْته خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَة اللَّه " ثُمَّ قَالَ " وَتِلْكَ الْأَمْثَال نَضْرِبهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ " [ الْحَشْر : 21 ] . وَقَوْله : ( فَقَالَتْ هَذَا مَقَام الْعَائِذ بِك مِنْ الْقَطِيعَة ) مَقْصُود هَذَا الْكَلَام الْإِخْبَار بِتَأَكُّدِ أَمْر صِلَة الرَّحِم , وَأَنَّ اللَّه سُبْحَانه قَدْ نَزَّلَهَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ اِسْتَجَارَ بِهِ فَأَجَارَهُ , وَأَدْخَلَهُ فِي ذِمَّته وَخِفَارَته . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَجَار اللَّه غَيْر مَخْذُول وَعَهْده غَيْر مَنْقُوض ; وَلِذَلِكَ قَالَ مُخَاطِبًا لِلرَّحِمِ : ( أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِل مَنْ وَصَلَك وَأَقْطَع مَنْ قَطَعَك ) . وَهَذَا كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : [ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْح فَهُوَ فِي ذِمَّة اللَّه تَعَالَى فَلَا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّه مِنْ ذِمَّته بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبهُ بِذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكهُ ثُمَّ يَكُبّهُ فِي النَّار عَلَى وَجْهه ] .'; $TAFSEER['4']['47']['23'] = 'أَيْ طَرَدَهُمْ وَأَبْعَدَهُمْ مِنْ رَحْمَته . عَنْ الْحَقّ . أَيْ قُلُوبهمْ عَنْ الْخَيْر . فَأَتْبَعَ الْأَخْبَار بِأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ حَقَّتْ عَلَيْهِ لَعْنَته , وَسَلَبَهُ الِانْتِفَاع بِسَمْعِهِ وَبَصَره حَتَّى لَا يَنْقَاد لِلْحَقِّ وَإِنْ سَمِعَهُ , فَجَعَلَهُ كَالْبَهِيمَةِ الَّتِي لَا تَعْقِل . وَقَالَ : " فَهَلْ عَسَيْتُمْ " ثُمَّ قَالَ : " أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّه " فَرَجَعَ مِنْ الْخِطَاب إِلَى الْغَيْبَة عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي ذَلِكَ .'; $TAFSEER['4']['47']['24'] = 'أَيْ يَتَفَهَّمُونَهُ فَيَعْلَمُونَ مَا أَعَدَّ اللَّه لِلَّذِينَ لَمْ يَتَوَلَّوْا عَنْ الْإِسْلَام . أَيْ بَلْ عَلَى قُلُوب أَقْفَال أَقْفَلَهَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ . وَهَذَا يَرُدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة وَالْإِمَامِيَّة مَذْهَبهمْ . وَفِي حَدِيث مَرْفُوع أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : [ إِنَّ عَلَيْهَا أَقْفَالًا كَأَقْفَالِ الْحَدِيد حَتَّى يَكُون اللَّه يَفْتَحهَا ] . وَأَصْل الْقَفْل الْيُبْس وَالصَّلَابَة . وَيُقَال لِمَا يَبِسَ مِنْ الشَّجَر : الْقَفْل . وَالْقَفِيل مِثْله . وَالْقَفِيل أَيْضًا نَبْت . وَالْقَفِيل : الصَّوْت . قَالَ الرَّاجِز : لَمَّا أَتَاك يَابِسًا قِرْشَبَّا قُمْت إِلَيْهِ بِالْقَفِيلِ ضَرْبَا كَيْف قَرَيْت شَيْخك الْأَزَبَّا الْقِرْشَبّ ( بِكَسْرِ الْقَاف ) الْمُسِنّ , عَنْ الْأَصْمَعِيّ . وَأَقْفَلَهُ الصَّوْم أَيْ أَيْبَسَهُ , قَالَهُ الْقُشَيْرِيّ وَالْجَوْهَرِيّ . فَالْأَقْفَال هَاهُنَا إِشَارَة إِلَى اِرْتِجَاج الْقَلْب وَخُلُوّهُ عَنْ الْإِيمَان . أَيْ لَا يَدْخُل قُلُوبهمْ الْإِيمَان وَلَا يَخْرُج مِنْهَا الْكُفْر ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى طَبَعَ عَلَى قُلُوبهمْ وَقَالَ : " عَلَى قُلُوب " لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَى قُلُوبهمْ لَمْ يَدْخُل قَلْب غَيْرهمْ فِي هَذِهِ الْجُمْلَة . وَالْمُرَاد أَمْ عَلَى قُلُوب هَؤُلَاءِ وَقُلُوب مَنْ كَانُوا بِهَذِهِ الصِّفَة أَقْفَالهَا .'; $TAFSEER['4']['47']['25'] = 'قَالَ قَتَادَة : هُمْ كُفَّار أَهْل الْكِتَاب , كَفَرُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا عَرَفُوا نَعْته عِنْدهمْ , قَالَهُ اِبْن جُرَيْج . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ : هُمْ الْمُنَافِقُونَ , قَعَدُوا عَنْ الْقِتَال بَعْدَمَا عَلِمُوهُ فِي الْقُرْآن . أَيْ زَيَّنَ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ , قَالَهُ الْحَسَن . أَيْ مَدَّ لَهُمْ الشَّيْطَان فِي الْأَمَل وَوَعَدَهُمْ طُول الْعُمُر , عَنْ الْحَسَن أَيْضًا . وَقَالَ : إِنَّ الَّذِي أَمْلَى لَهُمْ فِي الْأَمَل وَمَدَّ فِي آجَالهمْ هُوَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , قَالَهُ الْفَرَّاء وَالْمُفَضَّل . وَقَالَ الْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل : إِنَّ مَعْنَى " أَمْلَى لَهُمْ " أَمْهَلَهُمْ , فَعَلَى هَذَا يَكُون اللَّه تَعَالَى أَمْلَى لَهُمْ بِالْإِمْهَالِ فِي عَذَابهمْ . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن إِسْحَاق وَعِيسَى بْن عَمْرو أَبُو جَعْفَر وَشَيْبَة " وَأُمْلِيَ لَهُمْ " بِضَمِّ الْهَمْزَة وَكَسْر اللَّام وَفَتْح الْيَاء , عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله . وَكَذَلِكَ قَرَأَ اِبْن هُرْمُز وَمُجَاهِد وَالْجَحْدَرِيّ وَيَعْقُوب , إِلَّا أَنَّهُمْ سَكَّنُوا الْيَاء عَلَى وَجْه الْخَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى عَنْ نَفْسه أَنَّهُ يَفْعَل ذَلِكَ بِهِمْ , كَأَنَّهُ قَالَ : وَأَنَا أُمْلِي لَهُمْ . وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم , قَالَ : لِأَنَّ فَتْح الْهَمْزَة يُوهِم أَنَّ الشَّيْطَان يُمْلِي لَهُمْ , وَلَيْسَ كَذَلِكَ , فَلِهَذَا عَدَلَ إِلَى الضَّمّ . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَمَنْ قَرَأَ " وَأَمْلَى لَهُمْ " فَالْفَاعِل اِسْم اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ الشَّيْطَان . وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْد قِرَاءَة الْعَامَّة , قَالَ : لِأَنَّ الْمَعْنَى مَعْلُوم , لِقَوْلِهِ : " لِتُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ " [ الْفَتْح : 9 ] رَدَّ التَّسْبِيح عَلَى اِسْم اللَّه , وَالتَّوْقِير وَالتَّعْزِير عَلَى اِسْم الرَّسُول .'; $TAFSEER['4']['47']['26'] = 'أَيْ ذَلِكَ الْإِمْلَاء لَهُمْ حَتَّى يَتَمَادَوْا فِي الْكُفْر بِأَنَّهُمْ قَالُوا , يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُود . وَهُمْ الْمُشْرِكُونَ . أَيْ فِي مُخَالَفَة مُحَمَّد وَالتَّظَاهُر عَلَى عَدَاوَته , وَالْقُعُود عَنْ الْجِهَاد مَعَهُ وَتَوْهِين أَمْره فِي السِّرّ . وَهُمْ إِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ سِرًّا فَأَخْبَرَ اللَّه نَبِيّه . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " أَسْرَارهمْ " بِفَتْحِ الْهَمْزَة جَمْع سِرّ , وَهِيَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم . وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ وَابْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَحَفْص عَنْ عَاصِم " إِسْرَارهمْ " بِكَسْرِ الْهَمْزَة عَلَى الْمَصْدَر , نَحْو قَوْله تَعَالَى : " وَأَسْرَرْت لَهُمْ إِسْرَارًا " [ نُوح : 9 ] جُمِعَ لِاخْتِلَافِ ضُرُوب السِّرّ .'; $TAFSEER['4']['47']['27'] = 'أَيْ فَكَيْف تَكُون حَالهمْ . أَيْ ضَارِبِينَ , فَهُوَ فِي مَوْضِع الْحَال . وَمَعْنَى الْكَلَام التَّخْوِيف وَالتَّهْدِيد , أَيْ إِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ الْعَذَاب فَإِلَى اِنْقِضَاء الْعُمُر . وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَنْفَال وَالنَّحْل " . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : لَا يُتَوَفَّى أَحَد عَلَى مَعْصِيَة إِلَّا بِضَرْبٍ شَدِيد لِوَجْهِهِ وَقَفَاهُ . وَقِيلَ : ذَلِكَ عِنْد الْقِتَال نُصْرَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِضَرْبِ الْمَلَائِكَة وُجُوههمْ عِنْد الطَّلَب وَأَدْبَارهمْ عِنْد الْهَرَب . وَقِيلَ : ذَلِكَ فِي الْقِيَامَة عِنْد سَوْقهمْ إِلَى النَّار .'; $TAFSEER['4']['47']['28'] = 'أَيْ ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ كِتْمَانهمْ مَا فِي التَّوْرَاة مِنْ نَعْت مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَإِنْ حُمِلَتْ عَلَى الْمُنَافِقِينَ فَهُوَ إِشَارَة إِلَى مَا أَضْمَرُوا عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْر . يَعْنِي الْإِيمَان . أَيْ مَا عَمِلُوهُ مِنْ صَدَقَة وَصِلَة رَحِم وَغَيْر ذَلِكَ , عَلَى مَا تَقَدَّمَ .'; $TAFSEER['4']['47']['29'] = 'نِفَاق وَشَكّ , يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ . الْأَضْغَان مَا يُضْمَر مِنْ الْمَكْرُوه . وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ , فَقَالَ السُّدِّيّ : غِشّهمْ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : حَسَدهمْ . وَقَالَ قُطْرُب : عَدَاوَتهمْ , وَأَنْشَدَ قَوْل الشَّاعِر : قُلْ لِابْنِ هِنْد مَا أَرَدْت بِمَنْطِقٍ سَاءَ الصَّدِيق وَشَيَّدَ الْأَضْغَانَا وَقِيلَ : أَحْقَادهمْ . وَاحِدهَا ضِغْن . قَالَ : وَذِي ضِغْن كَفَفْت النَّفْس عَنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَقَالَ عَمْرو بْن كُلْثُوم : وَإِنَّ الضِّغْن بَعْد الضِّغْن يَفْشُو عَلَيْك وَيُخْرِج الدَّاء الدَّفِينَا قَالَ الْجَوْهَرِيّ : الضِّغْن وَالضَّغِينَة : الْحِقْد . وَقَدْ ضَغِنَ عَلَيْهِ ( بِالْكَسْرِ ) ضِغْنًا . وَتَضَاغَنَ الْقَوْم وَاضْطَغَنُوا : أَبْطَنُوا عَلَى الْأَحْقَاد . وَاضْطَغَنْت الصَّبِيّ إِذَا أَخَذْته تَحْت حِضْنك . وَأَنْشَدَ الْأَحْمَر : كَأَنَّهُ مُضْطَغِن صَبِيًّا أَيْ حَامِله فِي حَجْره . وَقَالَ اِبْن مُقْبِل : إِذَا اِضْطَغَنْت سِلَاحِي عِنْد مَغْرِضهَا وَمِرْفَق كَرِئَاسِ السَّيْف إِذْ شَسَفَا وَفَرَس ضَاغِن : لَا يُعْطِي مَا عِنْده مِنْ الْجَرْي إِلَّا بِالضَّرْبِ . وَالْمَعْنَى : أَمْ حَسِبُوا أَنْ لَنْ يُظْهِر اللَّه عَدَاوَتهمْ وَحِقْدهمْ لِأَهْلِ الْإِسْلَام .'; $TAFSEER['4']['47']['30'] = 'أَيْ لَعَرَّفْنَاكَهُمْ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَقَدْ عَرَّفَهُ إِيَّاهُمْ فِي سُورَة " التَّوْبَة " . تَقُول الْعَرَب : سَأُرِيك مَا أَصْنَع , أَيْ سَأُعْلِمُك , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " بِمَا أَرَاك اللَّه " [ النِّسَاء : 105 ] أَيْ بِمَا أَعْلَمَك . أَيْ بِعَلَامَاتِهِمْ . قَالَ أَنَس مَا خَفِيَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد هَذِهِ الْآيَة أَحَد مِنْ الْمُنَافِقِينَ , كَانَ يَعْرِفهُمْ بِسِيمَاهُمْ . وَقَدْ كُنَّا فِي غَزَاة وَفِيهَا سَبْعَة مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَشُكّ فِيهِمْ النَّاس , فَأَصْبَحُوا ذَات لَيْلَة وَعَلَى جَبْهَة كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ مَكْتُوب ( هَذَا مُنَافِق ) فَذَلِكَ سِيمَاهُمْ . وَقَالَ اِبْن زَيْد : قَدَّرَ اللَّه إِظْهَارهمْ وَأَمَرَ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ الْمَسْجِد فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه , فَحُقِنَتْ دِمَاؤُهُمْ وَنَكَحُوا وَأُنْكِحُوا بِهَا . أَيْ فِي فَحْوَاهُ وَمَعْنَاهُ . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : وَخَيْر الْكَلَام مَا كَانَ لَحْنًا أَيْ مَا عُرِفَ بِالْمَعْنَى وَلَمْ يُصَرَّح بِهِ . مَأْخُوذ مِنْ اللَّحْن فِي الْإِعْرَاب , وَهُوَ الذَّهَاب عَنْ الصَّوَاب , وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضكُمْ أَنْ يَكُون أَلْحَن بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْض ] أَيْ أَذْهَب بِهَا فِي الْجَوَاب لِقُوَّتِهِ عَلَى تَصْرِيف الْكَلَام . أَبُو زَيْد : لَحَنْت لَهُ ( بِالْفَتْحِ ) أَلْحَن لَحْنًا إِذَا قُلْت لَهُ قَوْلًا يَفْهَمهُ عَنْك وَيَخْفَى عَلَى غَيْره . وَلَحِنَهُ هُوَ عَنِّي ( بِالْكَسْرِ ) يَلْحَنهُ لَحْنًا أَيْ فَهِمَهُ . وَأَلْحَنْتُهُ أَنَا إِيَّاهُ , وَلَاحَنْت النَّاس فَاطَنْتُهُمْ , قَالَ الْفَزَارِيّ : وَحَدِيث أَلَذّه هُوَ مِمَّا يَنْعَت النَّاعِتُونَ يُوزَن وَزْنَا مَنْطِق رَائِع وَتَلْحَن أَحْيَا نًا وَخَيْر الْحَدِيث مَا كَانَ لَحْنًا يُرِيد أَنَّهَا تَتَكَلَّم بِشَيْءٍ وَهِيَ تُرِيد غَيْره , وَتُعَرِّض فِي حَدِيثهَا فَتُزِيلهُ عَنْ جِهَته مِنْ فِطْنَتهَا وَذَكَائِهَا . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : " وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْن الْقَوْل " . وَقَالَ الْقَتَّال الْكِلَابِيّ : وَلَقَدْ وَحَيْت لَكُمْ لِكَيْمَا تَفْهَمُوا وَلَحَنْت لَحْنًا لَيْسَ بِالْمُرْتَابِ وَقَالَ مَرَّار الْأَسَدِيّ : وَلَحَنْت لَحْنًا فِيهِ غِشّ وَرَابَنِي صُدُودك تُرْضِينَ الْوُشَاة الْأَعَادِيَا قَالَ الْكَلْبِيّ : فَلَمْ يَتَكَلَّم بَعْد نُزُولهَا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَافِق إِلَّا عَرَفَهُ . وَقِيلَ : كَانَ الْمُنَافِقُونَ يُخَاطِبُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلَامٍ تَوَاضَعُوهُ فِيمَا بَيْنهمْ , وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَع ذَلِكَ وَيَأْخُذ بِالظَّاهِرِ الْمُعْتَاد , فَنَبَّهَهُ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ , فَكَانَ بَعْد هَذَا يَعْرِف الْمُنَافِقِينَ إِذَا سَمِعَ كَلَامهمْ . قَالَ أَنَس : فَلَمْ يَخْفَ مُنَافِق بَعْد هَذِهِ الْآيَة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَرَّفَهُ اللَّه ذَلِكَ بِوَحْيٍ أَوْ عَلَامَة عَرَفَهَا بِتَعْرِيفِ اللَّه إِيَّاهُ . أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهَا .'; $TAFSEER['4']['47']['31'] = 'أَيْ نَتَعَبَّدكُمْ بِالشَّرَائِعِ وَإِنْ عَلِمْنَا عَوَاقِب الْأُمُور . وَقِيلَ : لَنُعَامِلَنَّكُمْ مُعَامَلَة الْمُخْتَبَرِينَ . عَلَيْهِ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : " حَتَّى نَعْلَم " حَتَّى نُمَيِّز . وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . " حَتَّى نَعْلَم " حَتَّى نَرَى . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " . وَقِرَاءَة الْعَامَّة بِالنُّونِ فِي " نَبْلُوَنَّكُمْ " و " نَعْلَم " " وَنَبْلُو " . وَقَرَأَ أَبُو بَكْر عَنْ عَاصِم بِالْيَاءِ فِيهِنَّ . وَرَوَى رُوَيْس عَنْ يَعْقُوب إِسْكَان الْوَاو مِنْ " نَبْلُو " عَلَى الْقَطْع مِمَّا قَبْل . وَنَصَبَ الْبَاقُونَ رَدًّا عَلَى قَوْله : " حَتَّى نَعْلَم " . وَهَذَا الْعِلْم هُوَ الْعِلْم الَّذِي يَقَع بِهِ الْجَزَاء ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ لَا بِعِلْمِهِ الْقَدِيم عَلَيْهِمْ . فَتَأْوِيله : حَتَّى نَعْلَم الْمُجَاهِدِينَ عِلْم شَهَادَة ; لِأَنَّهُمْ إِذَا أُمِرُوا بِالْعَمَلِ يَشْهَد مِنْهُمْ مَا عَمِلُوا , فَالْجَزَاء بِالثَّوَابِ وَالْعِقَاب يَقَع عَلَى عِلْم الشَّهَادَة . نَخْتَبِرهَا وَنُظْهِرهَا . قَالَ إِبْرَاهِيم بْن الْأَشْعَث : كَانَ الْفُضَيْل بْن عِيَاض إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة بَكَى وَقَالَ : اللَّهُمَّ لَا تَبْتَلِنَا فَإِنَّك إِذَا بَلَوْتنَا فَضَحْتنَا وَهَتَكْت أَسْتَارنَا .'; $TAFSEER['4']['47']['32'] = 'يَرْجِع إِلَى الْمُنَافِقِينَ أَوْ إِلَى الْيَهُود . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هُمْ الْمُطْعِمُونَ يَوْم بَدْر . نَظِيرهَا : " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه " [ الْأَنْفَال : 36 ] الْآيَة . أَيْ عَادُوهُ وَخَالَفُوهُ . أَيْ عَلِمُوا أَنَّهُ نَبِيّ بِالْحُجَجِ وَالْآيَات . بِكُفْرِهِمْ أَيْ ثَوَاب مَا عَمِلُوهُ .'; $TAFSEER['4']['47']['33'] = 'لَمَّا بَيَّنَ حَال الْكُفَّار أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِلُزُومِ الطَّاعَة فِي أَوَامِره وَالرَّسُول فِي سُنَنه . أَيْ حَسَنَاتكُمْ بِالْمَعَاصِي , قَالَهُ الْحَسَن . وَقَالَ الزُّهْرِيّ : بِالْكَبَائِرِ . اِبْن جُرَيْج : بِالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَة . وَقَالَ مُقَاتِل وَالثُّمَالِيّ : بِالْمَنِّ , وَهُوَ خِطَاب لِمَنْ كَانَ يَمُنّ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْلَامِهِ . وَكُلّه مُتَقَارِب , وَقَوْل الْحَسَن يَجْمَعهُ . وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْكَبَائِر تُحْبِط الطَّاعَات , وَالْمَعَاصِي تُخْرِج عَنْ الْإِيمَان . اِحْتَجَّ عُلَمَاؤُنَا وَغَيْرهمْ بِهَذِهِ الْآيَة عَلَى أَنَّ التَّحَلُّل مِنْ التَّطَوُّع - صَلَاة كَانَ أَوْ صَوْمًا - بَعْد التَّلَبُّس بِهِ لَا يَجُوز ; لِأَنَّ فِيهِ إِبْطَال الْعَمَل وَقَدْ نَهَى اللَّه عَنْهُ . وَقَالَ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ - وَهُوَ الْإِمَام الشَّافِعِيّ وَغَيْره - : الْمُرَاد بِذَلِكَ إِبْطَال ثَوَاب الْعَمَل الْمَفْرُوض , فَنَهَى الرَّجُل عَنْ إِحْبَاط ثَوَابه . فَأَمَّا مَا كَانَ نَفْلًا فَلَا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ . فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ اللَّفْظ عَامّ فَالْعَامّ يَجُوز تَخْصِيصه أَنَّ النَّفْل تَطَوُّع , وَالتَّطَوُّع يَقْتَضِي تَخْبِيرًا . وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَة كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ لَا يَضُرّ مَعَ الْإِسْلَام ذَنْب , حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فَخَافُوا الْكَبَائِر أَنْ تُحْبِط الْأَعْمَال . وَقَالَ مُقَاتِل : يَقُول اللَّه تَعَالَى إِذَا عَصَيْتُمْ الرَّسُول فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ أَعْمَالكُمْ'; $TAFSEER['4']['47']['34'] = 'بَيَّنَ أَنَّ الِاعْتِبَار بِالْوَفَاةِ عَلَى الْكُفْر يُوجِب الْخُلُود فِي النَّار . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " الْكَلَام فِيهِ . وَقِيلَ : إِنَّ الْمُرَاد بِالْآيَةِ أَصْحَاب الْقَلِيب . وَحُكْمهَا عَامّ .'; $TAFSEER['4']['47']['35'] = 'أَيْ تَضْعُفُوا عَنْ الْقِتَال . وَالْوَهْن : الضَّعْف وَقَدْ وَهَنَ الْإِنْسَان وَوَهَنَهُ غَيْره , يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى . قَالَ : إِنَّنِي لَسْت بِمَوْهُونٍ فَقِرْ وَوَهِنَ أَيْضًا ( بِالْكَسْرِ ) وَهْنًا أَيْ ضَعُفَ , وَقُرِئَ " فَمَا وَهِنُوا " بِضَمِّ الْهَاء وَكَسْرهَا . وَقَدْ مَضَى فِي ( آل عِمْرَان ) . أَيْ الصُّلْح . أَيْ وَأَنْتُمْ أَعْلَم بِاَللَّهِ مِنْهُمْ . وَقِيلَ : وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ فِي الْحُجَّة . وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَأَنْتُمْ الْغَالِبُونَ لِأَنَّكُمْ مُؤْمِنُونَ وَإِنْ غَلَبُوكُمْ فِي الظَّاهِر فِي بَعْض الْأَحْوَال . وَقَالَ قَتَادَة : لَا تَكُونُوا أَوَّل الطَّائِفَتَيْنِ ضَرَعَتْ إِلَى صَاحِبَتهَا . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي حُكْمهَا , فَقِيلَ : إِنَّهَا نَاسِخَة لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا " [ الْأَنْفَال : 61 ] ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى مَنَعَ مِنْ الْمَيْل إِلَى الصُّلْح إِذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَة إِلَى الصُّلْح . وَقِيلَ : مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا " . وَقِيلَ : هِيَ مُحْكَمَة . وَالْآيَتَانِ نَزَلَتَا فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْحَال . وَقِيلَ : إِنَّ قَوْله : " وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا " مَخْصُوص فِي قَوْم بِأَعْيَانِهِمْ , وَالْأُخْرَى عَامَّة . فَلَا يَجُوز مُهَادَنَة الْكُفَّار إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة , وَذَلِكَ إِذَا عَجَزْنَا عَنْ مُقَاوَمَتهمْ لِضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى مُسْتَوْفًى . أَيْ بِالنَّصْرِ وَالْمَعُونَة , مِثْل : " وَإِنَّ اللَّه لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ " [ الْعَنْكَبُوت : 69 ] أَيْ لَنْ يُنْقِصكُمْ , عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . وَمِنْهُ الْمَوْتُور الَّذِي قُتِلَ لَهُ قَتِيل فَلَمْ يُدْرَك بِدَمِهِ , تَقُول مِنْهُ : وَتَرَهُ يَتِرهُ وَتْرًا وَتِرَة . وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : [ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاة الْعَصْر فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْله وَمَاله ] أَيْ ذَهَبَ بِهِمَا . وَكَذَلِكَ وَتَرَهُ حَقّه أَيْ نَقَصَهُ . وَقَوْله تَعَالَى : " وَلَنْ يَتِركُمْ أَعْمَالكُمْ " أَيْ لَنْ يَنْتَقِصكُمْ فِي أَعْمَالكُمْ , كَمَا تَقُول : دَخَلْت الْبَيْت , وَأَنْتَ تُرِيد فِي الْبَيْت , قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ . الْفَرَّاء : " وَلَنْ يَتِركُمْ " هُوَ مُشْتَقّ مِنْ الْوَتْر وَهُوَ الْفَرْد , فَكَانَ الْمَعْنَى : وَلَنْ يُفْرِدكُمْ بِغَيْرِ ثَوَاب .'; $TAFSEER['4']['47']['36'] = 'أَيْ لِقِصَرِ مُدَّتهَا كَمَا قَالَ : أَلَا إِنَّمَا الدُّنْيَا كَأَحْلَامِ نَائِم وَمَا خَيْر عَيْش لَا يَكُون بِدَائِمِ تَأَمَّلْ إِذَا مَا نِلْت بِالْأَمْسِ لَذَّة فَأَفْنَيْتهَا هَلْ أَنْتَ إِلَّا كَحَالِمِ وَقَالَ آخَر : فَاعْمَلْ عَلَى مَهْل فَإِنَّك مَيِّت وَاكْدَحْ لِنَفْسِك أَيّهَا الْإِنْسَان فَكَأَنَّ مَا قَدْ كَانَ لَمْ يَكُ إِذْ مَضَى وَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِن قَدْ كَانَا وَقِيلَ : الْمَعْنَى مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا لَعِب وَلَهْو ; أَيْ الَّذِي يَشْتَهُوهُ فِي الدُّنْيَا لَا عَاقِبَة لَهُ , فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اللَّعِب وَاللَّهْو . وَنَظَرَ سُلَيْمَان بْن عَبْد اللَّه فِي الْمِرْآة فَقَالَ : أَنَا الْمَلِك الشَّابّ ; فَقَالَتْ لَهُ جَارِيَة لَهُ : أَنْتَ نِعْمَ الْمَتَاع لَوْ كُنْت تَبْقَى غَيْر أَنْ لَا بَقَاء لِلْإِنْسَانِ لَيْسَ فِيمَا بَدَا لَنَا مِنْك عَيْب كَانَ فِي النَّاس غَيْر أَنَّك فَانِي وَقِيلَ : مَعْنَى " لَعِب وَلَهْو " بَاطِل وَغُرُور , كَمَا قَالَ : " وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغُرُور " " آل عِمْرَان : 185 ] فَالْمَقْصِد بِالْآيَةِ تَكْذِيب الْكُفَّار فِي قَوْلهمْ : " إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتنَا الدُّنْيَا " وَاللَّعِب مَعْرُوف , وَالتِّلْعَابَة الْكَثِير اللَّعِب , وَالْمَلْعَب مَكَان اللَّعِب ; يُقَال : لَعِبَ يَلْعَب . وَاللَّهْو أَيْضًا مَعْرُوف , وَكُلّ مَا شَغَلَك فَقَدْ أَلْهَاك , وَلَهَوْت مِنْ اللَّهْو , وَقِيلَ : أَصْله الصَّرْف عَنْ الشَّيْء ; مِنْ قَوْلهمْ : لُهِيت عَنْهُ ; قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَفِيهِ بُعْد ; لِأَنَّ الَّذِي مَعْنَاهُ الصَّرْف لَامه يَاء بِدَلِيلِ قَوْلهمْ : لِهْيَان , وَلَام الْأَوَّل وَاو . لَيْسَ مِنْ اللَّهْو وَاللَّعِب مَا كَانَ مِنْ أُمُور الْآخِرَة , فَإِنَّ حَقِيقَة اللَّعِب مَا لَا يُنْتَفَع بِهِ وَاللَّهْو مَا يُلْتَهَى بِهِ , وَمَا كَانَ مُرَادًا لِلْآخِرَةِ خَارِج عَنْهُمَا , وَذَمَّ رَجُل الدُّنْيَا عِنْد عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ عَلِيّ : الدُّنْيَا دَار صِدْق لِمَنْ صَدَقَهَا , وَدَار نَجَاة لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا , وَدَار غِنًى لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا . وَقَالَ مَحْمُود الْوَرَّاق : لَا تُتْبِع الدُّنْيَا وَأَيَّامهَا ذَمًّا وَإِنْ دَارَتْ بِك الدَّائِرَه مِنْ شَرَف الدُّنْيَا وَمِنْ فَضْلهَا أَنَّ بِهَا تُسْتَدْرَك الْآخِرَه وَرَوَى أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ الدُّنْيَا مَلْعُونَة مَلْعُون مَا فِيهَا إِلَّا مَا كَانَ فِيهَا مِنْ ذِكْر اللَّه أَوْ أَدَّى إِلَى ذِكْر اللَّه وَالْعَالِم وَالْمُتَعَلِّم شَرِيكَانِ فِي الْأَجْر وَسَائِر النَّاس هَمَج لَا خَيْر فِيهِ ] وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَقَالَ : حَدِيث حَسَن غَرِيب . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ [ مِنْ هَوَان الدُّنْيَا عَلَى اللَّه أَلَّا يُعْصَى إِلَّا فِيهَا وَلَا يُنَال مَا عِنْده إِلَّا بِتَرْكِهَا ] . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ سَهْل بْن سَعْد قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِل عِنْد اللَّه جَنَاح بَعُوضَة مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَة مَاء ] . وَقَالَ الشَّاعِر : تَسَمَّعْ مِنْ الْأَيَّام إِنْ كُنْت حَازِمًا فَإِنَّك مِنْهَا بَيْن نَاهٍ وَآمِر إِذَا أَبْقَتْ الدُّنْيَا عَلَى الْمَرْء دِينه فَمَا فَاتَ مِنْ شَيْء فَلَيْسَ بِضَائِرِ وَلَنْ تَعْدِل الدُّنْيَا جَنَاح بَعُوضَة وَلَا وَزْن زَفّ مِنْ جَنَاح لِطَائِرِ فَمَا رَضِيَ الدُّنْيَا ثَوَابًا لِمُؤْمِنِ وَلَا رَضِيَ الدُّنْيَا جَزَاء لِكَافِرِ وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هَذِهِ حَيَاة الْكَافِر لِأَنَّهُ يُزْجِيهَا فِي غُرُور وَبَاطِل , فَأَمَّا حَيَاة الْمُؤْمِن فَتَنْطَوِي عَلَى أَعْمَال صَالِحَة , فَلَا تَكُون لَهْوًا وَلَعِبًا . شَرْط وَجَوَابه . أَيْ لَا يَأْمُركُمْ بِإِخْرَاجِ جَمِيعهَا فِي الزَّكَاة , بَلْ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ الْبَعْض , قَالَهُ ابْن عُيَيْنَة وَغَيْره . وَقِيلَ : " لَا يَسْأَلكُمْ أَمْوَالكُمْ " لِنَفْسِهِ أَوْ لِحَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْهَا , إِنَّمَا يَأْمُركُمْ بِالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيله لِيَرْجِع ثَوَابه إِلَيْكُمْ . وَقِيلَ : " لَا يَسْأَلكُمْ أَمْوَالكُمْ " إِنَّمَا يَسْأَلكُمْ أَمْوَاله ; لِأَنَّهُ الْمَالِك لَهَا وَهُوَ الْمُنْعِم بِإِعْطَائِهَا . وَقِيلَ : وَلَا يَسْأَلكُمْ مُحَمَّد أَمْوَالكُمْ أَجْرًا عَلَى تَبْلِيغ الرِّسَالَة . نَظِيره : " قُلْ مَا أَسْأَلكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر " [ الْفُرْقَان : 57 ] الْآيَة .'; $TAFSEER['4']['47']['37'] = 'يُلِحّ عَلَيْكُمْ , يُقَال : أَحْفَى بِالْمَسْأَلَةِ وَأَلْحَفَ وَأَلَحَّ بِمَعْنًى وَاحِد . وَالْحَفِيّ الْمُسْتَقْصِي فِي السُّؤَال , وَكَذَلِكَ الْإِحْفَاء الِاسْتِقْصَاء فِي الْكَلَام وَالْمُنَازَعَة . وَمِنْهُ أَحْفَى شَارِبه أَيْ اِسْتَقْصَى فِي أَخْذه . أَيْ يُخْرِج الْبُخْل أَضْغَانكُمْ . قَالَ قَتَادَة : قَدْ عَلِمَ اللَّه أَنَّ فِي سُؤَال الْمَال خُرُوج الْأَضْغَان . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَابْن مُحَيْصِن وَحُمَيْد " وَتَخْرُج " بِتَاءٍ مَفْتُوحَة وَرَاء مَضْمُومَة . " أَضْغَانكُمْ " بِالرَّفْعِ لِكَوْنِهِ الْفَاعِل . وَرَوَى الْوَلِيد عَنْ يَعْقُوب الْحَضْرَمِيّ " وَنُخْرِج " بِالنُّونِ . وَأَبُو مَعْمَر عَنْ عَبْد الْوَارِث عَنْ أَبِي عَمْرو " وَيُخْرِج " بِالرَّفْعِ فِي الْجِيم عَلَى الْقَطْع وَالِاسْتِئْنَاف وَالْمَشْهُور عَنْهُ " وَيُخْرِج " كَسَائِرِ الْقُرَّاء , عَطْف عَلَى مَا تَقَدَّمَ .'; $TAFSEER['4']['47']['38'] = 'أَيْ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ تُدْعَوْنَ أَيْ فِي الْجِهَاد وَطَرِيق الْخَيْر . أَيْ عَلَى نَفْسه , أَيْ يَمْنَعهَا الْأَجْر وَالثَّوَاب . أَيْ إِنَّهُ لَيْسَ بِمُحْتَاجٍ إِلَى أَمْوَالكُمْ . إِلَيْهَا . أَيْ أَطْوَع لِلَّهِ مِنْكُمْ . رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبَى هُرَيْرَة قَالَ : تَلَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَة " وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِل قَوْمًا غَيْركُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالكُمْ " قَالُوا : وَمَنْ يَسْتَبْدِل بِنَا ؟ قَالَ : فَضَرَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْكِب سَلْمَان ثُمَّ قَالَ : [ هَذَا وَقَوْمه . هَذَا وَقَوْمه ] قَالَ : حَدِيث غَرِيب فِي إِسْنَاده مَقَال . وَقَدْ رَوَى عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر بْن نَجِيح وَالِد عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ أَيْضًا هَذَا الْحَدِيث عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ أَنَس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُول اللَّه , مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّه إِنْ تَوَلَّيْنَا اُسْتُبْدِلُوا ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالنَا ؟ قَالَ : وَكَانَ سَلْمَان جَنْب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَضَرَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخِذ سَلْمَان , قَالَ : [ هَذَا وَأَصْحَابه . وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ الْإِيمَان مَنُوطًا بِالثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَال مِنْ فَارِس ] . وَقَالَ الْحَسَن : هُمْ الْعَجَم . وَقَالَ عِكْرِمَة : هُمْ فَارِس وَالرُّوم . قَالَ الْمُحَاسِبِيّ : فَلَا أَحَد بَعْد الْعَرَبِيّ مِنْ جَمِيع أَجْنَاس الْأَعَاجِم أَحْسَن دِينًا , وَلَا كَانَتْ الْعُلَمَاء مِنْهُمْ إِلَّا الْفُرْس . وَقِيلَ : إِنَّهُمْ الْيَمَن , وَهُمْ الْأَنْصَار , قَالَهُ شُرَيْح بْن عُبَيْد . وَكَذَا قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُمْ الْأَنْصَار . وَعَنْهُ أَنَّهُمْ الْمَلَائِكَة . وَعَنْهُ هُمْ التَّابِعُونَ . وَقَالَ مُجَاهِد : إِنَّهُمْ مَنْ شَاءَ مِنْ سَائِر النَّاس . قَالَ الطَّبَرِيّ : أَيْ فِي الْبُخْل بِالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيل اللَّه . وَحُكِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فَرِحَ بِهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : [ هِيَ أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا ] . وَاَللَّه أَعْلَم . خُتِمَتْ السُّورَة بِحَمْدِ اللَّه وَعَوْنه , وَصَلَّى اللَّه عَلَى سَيِّدنَا مُحَمَّد , وَعَلَى آله وَصَحْبه الْأَطْهَار .'; $TAFSEER['4']['48']['1'] = 'سُورَة الْفَتْح مَدَنِيَّة بِإِجْمَاعٍ , وَهِيَ تِسْع وَعِشْرُونَ آيَة . وَنَزَلَتْ لَيْلًا بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة فِي شَأْن الْحُدَيْبِيَة . رَوَى مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَة وَمَرْوَان بْن الْحَكَم , قَالَا : نَزَلَتْ سُورَة الْفَتْح بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة فِي شَأْن الْحُدَيْبِيَة مِنْ أَوَّلهَا إِلَى آخِرهَا . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسِير فِي بَعْض أَسْفَاره وَعُمَر بْن الْخَطَّاب يَسِير مَعَهُ لَيْلًا فَسَأَلَهُ عُمَر عَنْ شَيْء فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ , ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ , فَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : ثَكِلَتْ أُمّ عُمَر , نَزَرْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاث مَرَّات كُلّ ذَلِكَ لَمْ يُجِبْك , فَقَالَ عُمَر : فَحَرَّكْت بَعِيرِي ثُمَّ تَقَدَّمْت أَمَام النَّاس وَخَشِيت أَنْ يَنْزِل فِيَّ قُرْآن , فَمَا نَشِبْت أَنْ سَمِعْت صَارِخًا يَصْرُخ بِي , فَقُلْت : لَقَدْ خَشِيت أَنْ يَكُون نَزَلَ فِيَّ قُرْآن , فَجِئْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ , فَقَالَ : [ لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَة سُورَة لَهِيَ أَحَبّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْس - ثُمَّ قَرَأَ - " إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا " ] لَفْظ الْبُخَارِيّ . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ : حَدِيث حَسَن غَرِيب صَحِيح . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ قَتَادَة أَنَّ أَنَس بْن مَالِك حَدَّثَهُمْ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : " إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمّ نِعْمَته عَلَيْك وَيَهْدِيك صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا - إِلَى قَوْله - فَوْزًا عَظِيمًا " مَرْجِعه مِنْ الْحُدَيْبِيَة وَهُمْ يُخَالِطهُمْ الْحُزْن وَالْكَآبَة , وَقَدْ نَحَرَ الْهَدْي بِالْحُدَيْبِيَةِ , فَقَالَ : [ لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَة هِيَ أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا جَمِيعًا ] . وَقَالَ عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ الْيَهُود شَتَمُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى : " وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَل بِي وَلَا بِكُمْ " [ الْأَحْقَاف : 9 ] وَقَالُوا : كَيْف نَتَّبِع رَجُلًا لَا يَدْرِي مَا يُفْعَل بِهِ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ " . وَنَحْوه قَالَ مُقَاتِل بْن سُلَيْمَان : لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى : " وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَل بِي وَلَا بِكُمْ " [ الْأَحْقَاف : 9 ] فَرِحَ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُنَافِقُونَ وَقَالُوا : كَيْف نَتَّبِع رَجُلًا لَا يَدْرِي مَا يُفْعَل بِهِ وَلَا بِأَصْحَابِهِ , فَنَزَلَتْ بَعْدَمَا رَجَعَ مِنْ الْحُدَيْبِيَة : " إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا " أَيْ قَضَيْنَا لَك قَضَاء . فَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَة تِلْكَ . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ سُورَة مَا يَسُرّنِي بِهَا حُمْر النَّعَم ] . وَقَالَ الْمَسْعُودِيّ : بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ قَرَأَ سُورَة الْفَتْح فِي أَوَّل لَيْلَة مِنْ رَمَضَان فِي صَلَاة التَّطَوُّع حَفِظَهُ اللَّه ذَلِكَ الْعَام . اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الْفَتْح مَا هُوَ ؟ فَفِي الْبُخَارِيّ حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن بَشَّار قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَر قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَة قَالَ سَمِعْت قَتَادَة عَنْ أَنَس " إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا " قَالَ : الْحُدَيْبِيَة . وَقَالَ جَابِر : مَا كُنَّا نَعُدّ فَتْح مَكَّة إِلَّا يَوْم الْحُدَيْبِيَة . وَقَالَ الْفَرَّاء : تَعُدُّونَ أَنْتُمْ الْفَتْح فَتْح مَكَّة وَقَدْ كَانَ فَتْح مَكَّة فَتْحًا وَنَحْنُ نَعُدّ الْفَتْح بَيْعَة الرِّضْوَان يَوْم الْحُدَيْبِيَة , كُنَّا نُعَدّ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَع عَشْرَة مِائَة , وَالْحُدَيْبِيَة بِئْر . وَقَالَ الضَّحَّاك : " إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا " بِغَيْرِ قِتَال . وَكَانَ الصُّلْح مِنْ الْفَتْح . وَقَالَ مُجَاهِد : هُوَ مَنْحَره بِالْحُدَيْبِيَةِ وَحَلْقه رَأْسه . وَقَالَ : كَانَ فَتْح الْحُدَيْبِيَة آيَة عَظِيمَة , نُزِحَ مَاؤُهَا فَمَجَّ فِيهَا فَدَرَّتْ بِالْمَاءِ حَتَّى شَرِبَ جَمِيع مَنْ كَانَ مَعَهُ . وَقَالَ مُوسَى بْن عُقْبَة : قَالَ رَجُل عِنْد مُنْصَرَفهمْ مِنْ الْحُدَيْبِيَة : مَا هَذَا بِفَتْحٍ , لَقَدْ صَدُّونَا عَنْ الْبَيْت . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ بَلْ هُوَ أَعْظَم الْفُتُوح قَدْ رَضِيَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَدْفَعُوكُمْ عَنْ بِلَادهمْ بِالرَّاحِ وَيَسْأَلُوكُمْ الْقَضِيَّة وَيَرْغَبُوا إِلَيْكُمْ فِي الْأَمَان وَقَدْ رَأَوْا مِنْكُمْ مَا كَرِهُوا ] . وَقَالَ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله تَعَالَى : " إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا " قَالَ : هُوَ فَتْح الْحُدَيْبِيَة , لَقَدْ أَصَابَ بِهَا مَا لَمْ يُصِبْ فِي غَزْوَة , غَفَرَ اللَّه لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه وَمَا تَأَخَّرَ , وَبُويِعَ بَيْعَة الرِّضْوَان , وَأُطْعِمُوا نَخْل خَيْبَر , وَبَلَغَ الْهَدْي مَحِلّه , وَظَهَرَتْ الرُّوم عَلَى فَارِس , فَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِظُهُورِ أَهْل الْكِتَاب عَلَى الْمَجُوس . وَقَالَ الزُّهْرِيّ : لَقَدْ كَانَ الْحُدَيْبِيَة أَعْظَم الْفُتُوح , وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَيْهَا فِي أَلْف وَأَرْبَعمِائَةٍ , فَلَمَّا وَقَعَ الصُّلْح مَشَى النَّاس بَعْضهمْ فِي بَعْض وَعَلِمُوا وَسَمِعُوا عَنْ اللَّه , فَمَا أَرَادَ أَحَد الْإِسْلَام إِلَّا تَمَكَّنَ مِنْهُ , فَمَا مَضَتْ تِلْكَ السَّنَتَانِ إِلَّا وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ جَاءُوا إِلَى مَكَّة فِي عَشَرَة آلَاف . وَقَالَ مُجَاهِد أَيْضًا وَالْعَوْفِيّ : هُوَ فَتْح خَيْبَر . وَالْأَوَّل أَكْثَر , وَخَيْبَر إِنَّمَا كَانَتْ وَعْدًا وُعِدُوهُ , عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي قَوْله تَعَالَى : " سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا اِنْطَلَقْتُمْ " [ الْفَتْح : 10 ] وَقَوْله : " وَعَدَكُمْ اللَّه مَغَانِم كَثِيرَة تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ " [ الْفَتْح : 20 ] . وَقَالَ مُجَمِّع بْن جَارِيَة - وَكَانَ أَحَد الْقُرَّاء الَّذِينَ قَرَءُوا الْقُرْآن - : شَهِدْنَا الْحُدَيْبِيَة مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا اِنْصَرَفْنَا عَنْهَا إِذَا النَّاس يَهُزُّونَ الْأَبَاعِر , فَقَالَ بَعْض النَّاس لِبَعْضٍ : مَا بَال النَّاس ؟ قَالُوا : أَوْحَى اللَّه إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : فَخَرَجْنَا نُوجِف فَوَجَدْنَا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد كُرَاع الْغَمِيم , فَلَمَّا اِجْتَمَعَ النَّاس قَرَأَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا " فَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : أَوَفَتْح هُوَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : [ نَعَمْ , وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَفَتْح ] . فَقُسِّمَتْ خَيْبَر عَلَى أَهْل الْحُدَيْبِيَة , لَمْ يَدْخُل أَحَد إِلَّا مَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَة . وَقِيلَ : إِنَّ قَوْله تَعَالَى : " فَتْحًا " يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَكَّة فُتِحَتْ عَنْوَة ; لِأَنَّ اِسْم الْفَتْح لَا يَقَع مُطْلَقًا إِلَّا عَلَى مَا فُتِحَ عَنْوَة . هَذَا هُوَ حَقِيقَة الِاسْم . وَقَدْ يُقَال : فُتِحَ الْبَلَد صُلْحًا , فَلَا يُفْهَم الصُّلْح إِلَّا بِأَنْ يُقْرَن بِالْفَتْحِ , فَصَارَ الْفَتْح فِي الصُّلْح مَجَازًا . وَالْأَخْبَار دَالَّة عَلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَة , وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِيهَا , وَيَأْتِي .'; $TAFSEER['4']['48']['2'] = 'قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : " فَتْحًا مُبِينًا " غَيْر تَامّ ; لِأَنَّ قَوْله : " لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ " مُتَعَلِّق بِالْفَتْحِ . كَأَنَّهُ قَالَ : إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا لِكَيْ يَجْمَع اللَّه لَك مَعَ الْفَتْح الْمَغْفِرَة , فَيَجْمَع اللَّه لَك بِهِ مَا تَقَرّ بِهِ عَيْنك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . وَقَالَ أَبُو حَاتِم السِّجِسْتَانِيّ : هِيَ لَام الْقَسَم . وَهَذَا خَطَأ ; لِأَنَّ لَام الْقَسَم لَا تُكْسَر وَلَا يُنْصَب بِهَا , وَلَوْ جَازَ هَذَا لَجَازَ : لِيَقُومَ زَيْد , بِتَأْوِيلِ لَيَقُومَنَّ زَيْد . الزَّمَخْشَرِيّ : فَإِنْ قُلْت كَيْف جُعِلَ فَتْح مَكَّة عِلَّة لِلْمَغْفِرَةِ ؟ قُلْت : لَمْ يُجْعَل عِلَّة لِلْمَغْفِرَةِ , وَلَكِنْ لِاجْتِمَاعِ مَا عُدِّدَ مِنْ الْأُمُور الْأَرْبَعَة , وَهِيَ : الْمَغْفِرَة , وَإِتْمَام النِّعْمَة , وَهِدَايَة الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم , وَالنَّصْر الْعَزِيز . كَأَنَّهُ قَالَ يَسَّرْنَا لَك فَتْح مَكَّة وَنَصَرْنَاك عَلَى عَدُوّك لِيُجْمَع لَك عِزّ الدَّارَيْنِ وَأَعْرَاض الْعَاجِل وَالْآجِل . وَيَجُوز أَنْ يَكُون فَتْح مَكَّة مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ جِهَاد لِلْعَدُوِّ سَبَبًا لِلْغُفْرَانِ وَالثَّوَاب . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ أَنَس قَالَ : أُنْزِلَتْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ " مَرْجِعه مِنْ الْحُدَيْبِيَة , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَة أَحَبّ إِلَيَّ مِمَّا عَلَى وَجْه الْأَرْض ] . ثُمَّ قَرَأَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ , فَقَالُوا : هَنِيئًا مَرِيئًا يَا رَسُول اللَّه , لَقَدْ بَيَّنَ اللَّه لَك مَاذَا يَفْعَل بِك , فَمَاذَا يَفْعَل بِنَا , فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ : " لِيُدْخِل الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار - حَتَّى بَلَغَ - فَوْزًا عَظِيمًا " قَالَ حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَفِيهِ عَنْ مُجَمِّع بْن جَارِيَة . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى " لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ " فَقِيلَ : " مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك " قَبْل الرِّسَالَة . " وَمَا تَأَخَّرَ " بَعْدهَا , قَالَهُ مُجَاهِد . وَنَحْوه قَالَ الطَّبَرِيّ وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ , قَالَ الطَّبَرِيّ : هُوَ رَاجِع إِلَى قَوْله تَعَالَى : " إِذَا جَاءَ نَصْر اللَّه وَالْفَتْح " إِلَى قَوْله " تَوَّابًا " [ النَّصْر : 1 - 3 ] . " لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك " قَبْل الرِّسَالَة " وَمَا تَأَخَّرَ " إِلَى وَقْت نُزُول هَذِهِ الْآيَة . وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ : " لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك " ذَنْبك " مَا عَمِلْته فِي الْجَاهِلِيَّة مِنْ قَبْل أَنْ يُوحَى إِلَيْك . " وَمَا تَأَخَّرَ " كُلّ شَيْء لَمْ تَعْمَلهُ , وَقَالَهُ الْوَاحِدِيّ . وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي جَرَيَان الصَّغَائِر عَلَى الْأَنْبِيَاء فِي سُورَة " الْبَقَرَة " , فَهَذَا قَوْل . وَقِيلَ : " مَا تَقَدَّمَ " قَبْل الْفَتْح . " وَمَا تَأَخَّرَ " بَعْد الْفَتْح . وَقِيلَ : " مَا تَقَدَّمَ " قَبْل نُزُول هَذِهِ الْآيَة . " وَمَا تَأَخَّرَ " بَعْدهَا . وَقَالَ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ : " مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك " يَعْنِي مِنْ ذَنْب أَبَوَيْك آدَم وَحَوَّاء . " وَمَا تَأَخَّرَ " مِنْ ذُنُوب أُمَّتك . وَقِيلَ : مِنْ ذَنْب أَبِيك إِبْرَاهِيم . " وَمَا تَأَخَّرَ " مِنْ ذُنُوب النَّبِيِّينَ . وَقِيلَ : " مَا تَقَدَّمَ " مِنْ ذَنْب يَوْم بَدْر . " وَمَا تَأَخَّرَ " مِنْ ذَنْب يَوْم حُنَيْن . وَذَلِكَ أَنَّ الذَّنْب الْمُتَقَدِّم يَوْم بَدْر , أَنَّهُ جَعَلَ يَدْعُو وَيَقُول : " اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِك هَذِهِ الْعِصَابَة لَا تُعْبَد فِي الْأَرْض أَبَدًا " وَجَعَلَ يُرَدِّد هَذَا الْقَوْل دَفَعَات , فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ : مِنْ أَيْنَ تَعْلَم أَنِّي لَوْ أَهْلَكْت هَذِهِ الْعِصَابَة لَا أُعْبَد أَبَدًا , فَكَانَ هَذَا الذَّنْب الْمُتَقَدِّم . وَأَمَّا الذَّنْب الْمُتَأَخِّر فَيَوْم حُنَيْن , لَمَّا اِنْهَزَمَ النَّاس قَالَ لِعَمِّهِ الْعَبَّاس وَلِابْنِ عَمّه أَبِي سُفْيَان : [ نَاوِلَانِي كَفًّا مِنْ حَصْبَاء الْوَادِي ] فَنَاوَلَاهُ فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ وَرَمَى بِهِ فِي وُجُوه الْمُشْرِكِينَ وَقَالَ : [ شَاهَتْ الْوُجُوه . حم . لَا يُنْصَرُونَ ] فَانْهَزَمَ الْقَوْم عَنْ آخِرهمْ , فَلَمْ يَبْقَ أَحَد إِلَّا اِمْتَلَأَتْ عَيْنَاهُ رَمْلًا وَحَصْبَاء . ثُمَّ نَادَى فِي أَصْحَابه فَرَجَعُوا فَقَالَ لَهُمْ عِنْد رُجُوعهمْ : [ لَوْ لَمْ أَرْمِهِمْ لَمْ يَنْهَزِمُوا ] فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " وَمَا رَمَيْت إِذْ رَمَيْت وَلَكِنَّ اللَّه رَمَى " [ الْأَنْفَال : 17 ] فَكَانَ هَذَا هُوَ الذَّنْب الْمُتَأَخِّر . وَقَالَ أَبُو عَلِيّ الرُّوذَبَارِيّ : يَقُول لَوْ كَانَ لَك ذَنْب قَدِيم أَوْ حَدِيث لَغَفَرْنَاهُ لَك . قَالَ اِبْن عَبَّاس : فِي الْجَنَّة . وَقِيلَ : بِالنُّبُوَّةِ وَالْحِكْمَة . وَقِيلَ : بِفَتْحِ مَكَّة وَالطَّائِف وَخَيْبَر . وَقِيلَ : بِخُضُوعِ مَنْ اِسْتَكْبَرَ وَطَاعَة مَنْ تَجَبَّرَ . أَيْ يُثَبِّتك عَلَى الْهُدَى إِلَى أَنْ يَقْبِضك إِلَيْهِ .'; $TAFSEER['4']['48']['3'] = 'أَيْ غَالِبًا مَنِيعًا لَا يَتْبَعهُ ذُلّ .'; $TAFSEER['4']['48']['4'] = '" السَّكِينَة " : السُّكُون وَالطُّمَأْنِينَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كُلّ سَكِينَة فِي الْقُرْآن هِيَ الطُّمَأْنِينَة إِلَّا الَّتِي فِي " الْبَقَرَة " . وَتَقَدَّمَ مَعْنَى زِيَادَة الْإِيمَان فِي آل عِمْرَان قَالَ اِبْن عَبَّاس : بُعِثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , فَلَمَّا صَدَّقُوهُ فِيهَا زَادَهُمْ الصَّلَاة , فَلَمَّا صَدَّقُوهُ زَادَهُمْ الزَّكَاة , فَلَمَّا صَدَّقُوهُ زَادَهُمْ الصِّيَام , فَلَمَّا صَدَّقُوهُ زَادَهُمْ الْحَجّ , ثُمَّ أَكْمَلَ لَهُمْ دِينهمْ , فَذَلِكَ قَوْله : " لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانهمْ " أَيْ تَصْدِيقًا بِشَرَائِع الْإِيمَان مَعَ تَصْدِيقهمْ بِالْإِيمَانِ . وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : خَشْيَة مَعَ خَشْيَتهمْ . وَقَالَ الضَّحَّاك : يَقِينًا مَعَ يَقِينهمْ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ وَالشَّيَاطِين وَالْإِنْس بِأَحْوَالِ خَلْقه فِيمَا يُرِيدهُ .'; $TAFSEER['4']['48']['5'] = 'أَيْ أَنْزَلَ السَّكِينَة لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا . ثُمَّ تِلْكَ الزِّيَادَة بِسَبَبِ إِدْخَالهمْ الْجَنَّة . وَقِيلَ : اللَّام فِي " لِيُدْخِل " يَتَعَلَّق بِمَا يَتَعَلَّق بِهِ اللَّام فِي قَوْله : " لِيَغْفِر لَك اللَّه " وَقِيلَ : لَمَّا قَرَأَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابه " لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ " قَالُوا : هَنِيئًا لَك يَا رَسُول اللَّه , فَمَاذَا لَنَا ؟ فَنَزَلَ : " لِيُدْخِل الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات جَنَّات " وَلَمَّا قَرَأَ " وَيُتِمّ نِعْمَته عَلَيْك " قَالُوا : هَنِيئًا لَك , فَنَزَلَتْ : " وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي " [ الْمَائِدَة : 3 ] فَلَمَّا قَرَأَ " وَيَهْدِيك صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا " نَزَلَ فِي حَقّ الْأُمَّة : " وَيَهْدِيكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا " [ الْفَتْح : 2 ] . وَلَمَّا قَالَ : " وَيَنْصُرك اللَّه نَصْرًا عَزِيزًا " [ الْفَتْح : 3 ] نَزَلَ : " وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْر الْمُؤْمِنِينَ " [ الرُّوم : 47 ] . وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " إِنَّ اللَّه وَمَلَائِكَته يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " [ الْأَحْزَاب : 56 ] . ثُمَّ قَالَ : " هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ " [ الْأَحْزَاب : 43 ] ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ . أَيْ ذَلِكَ الْوَعْد مِنْ دُخُول مَكَّة وَغُفْرَان الذُّنُوب . أَيْ نَجَاة مِنْ كُلّ غَمّ , وَظَفَرًا بِكُلِّ مَطْلُوب .'; $TAFSEER['4']['48']['6'] = 'أَيْ بِإِيصَالِ الْهُمُوم إِلَيْهِمْ بِسَبَبِ عُلُوّ كَلِمَة الْمُسْلِمِينَ , وَبِأَنْ يُسَلِّط النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام قَتْلًا وَأَسْرًا وَاسْتِرْقَاقًا . يَعْنِي ظَنّهمْ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْجِع إِلَى الْمَدِينَة , وَلَا أَحَد مِنْ أَصْحَابه حِين خَرَجَ إِلَى الْحُدَيْبِيَة , وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَسْتَأْصِلُونَهُمْ . كَمَا قَالَ : " بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِب الرَّسُول وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا " [ الْفَتْح : 12 ] . وَقَالَ الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ : " السَّوْء " هُنَا الْفَسَاد . فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالسَّبْي وَالْأَسْر , وَفِي الْآخِرَة جَهَنَّم . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو " دَائِرَة السُّوء " بِالضَّمِّ . وَفَتَحَ الْبَاقُونَ . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : سَاءَهُ يَسُوءهُ سَوْءًا ( بِالْفَتْحِ ) وَمَسَاءَة وَمَسايَة , نَقِيض سَرَّهُ , وَالِاسْم السُّوء ( بِالضَّمِّ ) . وَقُرِئَ " عَلَيْهِمْ دَائِرَة السُّوء " يَعْنِي الْهَزِيمَة وَالشَّرّ . وَمَنْ فَتَحَ فَهُوَ مِنْ الْمَسَاءَة . دَلِيل عَلَى كُفْرهمْ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يَغْضَب إِلَّا عَلَى كَافِر خَارِج عَنْ الْإِيمَان'; $TAFSEER['4']['48']['7'] = 'قِيلَ : لَمَّا جَرَى صُلْح الْحُدَيْبِيَة قَالَ اِبْن أُبَيّ : أَيَظُنُّ مُحَمَّد أَنَّهُ إِذَا صَالَحَ أَهْل مَكَّة أَوْ فَتَحَهَا لَا يَبْقَى لَهُ عَدُوّ , فَأَيْنَ فَارِس وَالرُّوم فَبَيَّنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ جُنُود السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَكْثَر مِنْ فَارِس وَالرُّوم . وَقِيلَ : يَدْخُل فِيهِ جَمِيع الْمَخْلُوقَات . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : " وَلِلَّهِ جُنُود السَّمَاوَات " الْمَلَائِكَة . وَجُنُود الْأَرْض الْمُؤْمِنُونَ . وَأَعَادَ لِأَنَّ الَّذِي سَبَقَ عَقِيب ذِكْر الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْش , وَهَذَا عَقِيب ذِكْر الْمُنَافِقِينَ وَسَائِر الْمُشْرِكِينَ . وَالْمُرَاد فِي الْمَوْضِعَيْنِ التَّخْوِيف وَالتَّهْدِيد . فَلَوْ أَرَادَ إِهْلَاك الْمُنَافِقِينَ وَالْمُشْرِكِينَ لَمْ يُعْجِزهُ ذَلِكَ , وَلَكِنْ يُؤَخِّرهُمْ إِلَى أَجَل مُسَمًّى . أَيْ لَا يُعْجِزهُ شَيْء وَلَا يَفُوتهُ فِيمَا حَكَمَ وَأَبْرَمَ'; $TAFSEER['4']['48']['8'] = 'قَالَ قَتَادَة : عَلَى أُمَّتك بِالْبَلَاغِ . وَقِيلَ : شَاهِدًا عَلَيْهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ مِنْ طَاعَة أَوْ مَعْصِيَة . وَقِيلَ : مُبَيِّنًا لَهُمْ مَا أَرْسَلْنَاك بِهِ إِلَيْهِمْ . وَقِيلَ : شَاهِدًا عَلَيْهِمْ يَوْم الْقِيَامَة . فَهُوَ شَاهِد أَفْعَالهمْ الْيَوْم , وَالشَّهِيد عَلَيْهِمْ يَوْم الْقِيَامَة . وَقَدْ مَضَى فِي " النِّسَاء " عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر هَذَا الْمَعْنَى مُبَيَّنًا . لِمَنْ أَطَاعَهُ بِالْجَنَّةِ . مِنْ النَّار لِمَنْ عَصَى , قَالَهُ قَتَادَة وَغَيْره . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " اِشْتِقَاق الْبِشَارَة وَالنِّذَارَة وَمَعْنَاهُمَا . وَانْتَصَبَ " شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا " عَلَى الْحَال الْمُقَدَّرَة . حَكَى سِيبَوَيْهِ : مَرَرْت بِرَجُلٍ مَعَهُ صَقْر صَائِدًا بِهِ غَدًا , فَالْمَعْنَى : إِنَّا أَرْسَلْنَاك مُقَدِّرِينَ بِشَهَادَتِك يَوْم الْقِيَامَة . وَعَلَى هَذَا تَقُول : رَأَيْت عَمْرًا قَائِمًا غَدًا .'; $TAFSEER['4']['48']['9'] = 'قَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَأَبُو عَمْرو " لِيُؤْمِنُوا " بِالْيَاءِ , وَكَذَلِكَ " يُعَزِّرُوهُ وَيُوَقِّرُوهُ وَيُسَبِّحُوهُ " كُلّه بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر . وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد لِذِكْرِ الْمُؤْمِنِينَ قَبْله وَبَعْده , فَأَمَّا قَبْله فَقَوْله : " لِيُدْخِل " وَأَمَّا بَعْده فَقَوْله : " إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَك " [ الْفَتْح : 10 ] الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب , وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم . أَيْ تُعَظِّمُوهُ وَتُفَخِّمُوهُ , قَالَهُ الْحَسَن وَالْكَلْبِيّ , وَالتَّعْزِيز : التَّعْظِيم وَالتَّوْقِير . وَقَالَ قَتَادَة : تَنْصُرُوهُ وَتَمْنَعُوا مِنْهُ . وَمِنْهُ التَّعْزِير فِي الْحَدّ لِأَنَّهُ مَانِع . قَالَ الْقُطَامِيّ : أَلَا بَكَرَتْ مَيّ بِغَيْرِ سَفَاهَة تُعَاتِب وَالْمَوْدُود يَنْفَعهُ الْعَزْر وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة : تُقَاتِلُونَ مَعَهُ بِالسَّيْفِ . وَقَالَ بَعْض أَهْل اللُّغَة : تُطِيعُوهُ . أَيْ تُسَوِّدُوهُ , قَالَهُ السُّدِّيّ . وَقِيلَ تُعَظِّمُوهُ . وَالتَّوْقِير : التَّعْظِيم وَالتَّرْزِين أَيْضًا . وَالْهَاء فِيهِمَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهُنَا وَقْف تَامّ , ثُمَّ تَبْتَدِئ " وَتُسَبِّحُوهُ " أَيْ تُسَبِّحُوا اللَّه أَيْ عَشِيًّا . وَقِيلَ : الضَّمَائِر كُلّهَا لِلَّهِ تَعَالَى , فَعَلَى هَذَا يَكُون تَأْوِيل " تُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ " أَيْ تُثْبِتُوا لَهُ صِحَّة الرُّبُوبِيَّة وَتَنْفُوا عَنْهُ أَنْ يَكُون لَهُ وَلَد أَوْ شَرِيك . وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل الْقُشَيْرِيّ . وَالْأَوَّل قَوْل الضَّحَّاك , وَعَلَيْهِ يَكُون بَعْض الْكَلَام رَاجِعًا إِلَى اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى وَهُوَ " وَتُسَبِّحُوهُ " مِنْ غَيْر خِلَاف . وَبَعْضه رَاجِعًا إِلَى رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ " وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ " أَيْ تَدْعُوهُ بِالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّة لَا بِالِاسْمِ وَالْكُنْيَة . وَفِي " تُسَبِّحُوهُ " وَجْهَانِ : تَسْبِيحه بِالتَّنْزِيهِ لَهُ سُبْحَانه مِنْ كُلّ قَبِيح . وَالثَّانِي : هُوَ فِعْل الصَّلَاة الَّتِي فِيهَا التَّسْبِيح . " بُكْرَة وَأَصِيلًا " أَيْ غُدْوَة وَعَشِيًّا . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِيهِ . وَقَالَ الشَّاعِر : لَعَمْرِي لَأَنْتَ الْبَيْت أُكْرِم أَهْله وَأَجْلِس فِي أَفْيَائِهِ بِالْأَصَائِلِ'; $TAFSEER['4']['48']['10'] = 'بِالْحُدَيْبِيَةِ يَا مُحَمَّد . بَيَّنَ أَنَّ بَيْعَتهمْ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هِيَ بَيْعَة اللَّه , كَمَا قَالَ تَعَالَى : " مَنْ يُطِعْ الرَّسُول فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه " [ النِّسَاء : 80 ] . وَهَذِهِ الْمُبَايَعَة هِيَ بَيْعَة الرِّضْوَان , عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانهَا فِي هَذِهِ السُّورَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . قِيلَ : يَده فِي الثَّوَاب فَوْق أَيْدِيهمْ فِي الْوَفَاء , وَيَده فِي الْمِنَّة عَلَيْهِمْ بِالْهِدَايَةِ فَوْق أَيْدِيهمْ فِي الطَّاعَة . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : مَعْنَاهُ نِعْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ فَوْق مَا صَنَعُوا مِنْ الْبَيْعَة . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : قُوَّة اللَّه وَنُصْرَته فَوْق قُوَّتهمْ وَنُصْرَتهمْ . بَعْد الْبَيْعَة . أَيْ يَرْجِع ضَرَر النَّكْث عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ حَرَمَ نَفْسه الثَّوَاب وَأَلْزَمَهَا الْعِقَاب . قِيلَ فِي الْبَيْعَة . وَقِيلَ فِي إِيمَانه . وَقَرَأَ حَفْص وَالزُّهْرِيّ " عَلَيْهُ " بِضَمِّ الْهَاء . وَجَرَّهَا الْبَاقُونَ . يَعْنِي فِي الْجَنَّة . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كَثِير وَابْن عَامِر " فَسَنُؤْتِيهِ " بِالنُّونِ . وَاخْتَارَهُ الْفَرَّاء وَأَبُو مُعَاذ . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ . وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم , لِقُرْبِ اِسْم اللَّه مِنْهُ .'; $TAFSEER['4']['48']['11'] = 'قَالَ مُجَاهِد وَابْن عَبَّاس : يَعْنِي أَعْرَاب غِفَار وَمُزَيْنَة وَجُهَيْنَة وَأَسْلَم وَأَشْجَع وَالدِّيل , وَهُمْ الْأَعْرَاب الَّذِينَ كَانُوا حَوْل الْمَدِينَة , تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أَرَادَ السَّفَر إِلَى مَكَّة عَام الْفَتْح , بَعْد أَنْ كَانَ اِسْتَنْفَرَهُمْ لِيَخْرُجُوا مَعَهُ حَذَرًا مِنْ قُرَيْش , وَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْي , لِيَعْلَم النَّاس أَنَّهُ لَا يُرِيد حَرْبًا فَتَثَاقَلُوا عَنْهُ وَاعْتَلُّوا بِالشُّغْلِ , فَنَزَلَتْ . وَإِنَّمَا قَالَ : " الْمُخَلَّفُونَ " لِأَنَّ اللَّه خَلَّفَهُمْ عَنْ صُحْبَة نَبِيّه . وَالْمُخَلَّف الْمَتْرُوك . وَقَدْ مَضَى فِي " التَّوْبَة " . أَيْ لَيْسَ لَنَا مَنْ يَقُوم بِهِمَا . جَاءُوا يَطْلُبُونَ الِاسْتِغْفَار وَاعْتِقَادهمْ بِخِلَافِ ظَاهِرهمْ , فَضَحَهُمْ اللَّه تَعَالَى بِقَوْلِهِ : " يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبهمْ " وَهَذَا هُوَ النِّفَاق الْمَحْض . قَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " ضُرًّا " بِضَمِّ الضَّاد هُنَا فَقَطْ , أَيْ أَمْرًا يَضُرّكُمْ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْهَزِيمَة . الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ , وَهُوَ مَصْدَر ضَرَرْته ضَرًّا . وَبِالضَّمِّ اِسْم لِمَا يَنَال الْإِنْسَان مِنْ الْهُزَال وَسُوء الْحَال . وَالْمَصْدَر يُؤَدِّي عَنْ الْمَرَّة وَأَكْثَر . وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم , قَالَا : لِأَنَّهُ قَابَلَهُ بِالنَّفْعِ وَهُوَ ضِدّ الضَّرّ . وَقِيلَ : هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى , كَالْفَقْرِ وَالْفُقْر وَالضَّعْف وَالضُّعْف . أَيْ نَصْرًا وَغَنِيمَة . وَهَذَا رَدّ عَلَيْهِمْ حِين ظَنُّوا أَنَّ التَّخَلُّف عَنْ الرَّسُول يَدْفَع عَنْهُمْ الضَّرّ وَيُعَجِّل لَهُمْ النَّفْع . يَعْلَم سِرّكُمْ وَعَلَانِيَتكُمْ'; $TAFSEER['4']['48']['12'] = 'وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه أَكَلَة رَأْس لَا يَرْجِعُونَ . أَيْ النِّفَاق . وَهَذَا التَّزْيِين مِنْ الشَّيْطَان , أَوْ يَخْلُق اللَّه ذَلِكَ فِي قُلُوبهمْ . أَنَّ اللَّه لَا يَنْصُر رَسُوله . أَيْ هَلْكَى , قَالَهُ مُجَاهِد . وَقَالَ قَتَادَة : فَاسِدِينَ لَا يَصْلُحُونَ لِشَيْءٍ مِنْ الْخَيْر . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْبُور : الرَّجُل الْفَاسِد الْهَالِك الَّذِي لَا خَيْر فِيهِ . قَالَ عَبْد اللَّه بْن الزِّبَعْرَى السَّهْمِيّ : يَا رَسُول الْمَلِيك إِنَّ لِسَانِي رَاتِق مَا فَتَقْت إِذْ أَنَا بُور وَامْرَأَة بُور أَيْضًا , حَكَاهُ أَبُو عُبَيْد . وَقَوْم بُور هَلْكَى . قَالَ تَعَالَى : " وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا " وَهُوَ جَمْع بَائِر , مِثْل حَائِل وَحُول . وَقَدْ بَارَ فُلَان أَيْ هَلَكَ . وَأَبَارَهُ اللَّه أَيْ أَهْلَكَهُ . وَقِيلَ : " بُورًا " أَشْرَارًا , قَالَهُ اِبْن بَحْر . وَقَالَ حَسَّان بْن ثَابِت : لَا يَنْفَع الطُّول مِنْ نُوك الرِّجَال وَقَدْ يَهْدِي الْإِلَه سَبِيل الْمَعْشَر الْبُور أَيْ الْهَالِك .'; $TAFSEER['4']['48']['13'] = 'وَعِيد لَهُمْ , وَبَيَان أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِالنِّفَاقِ .'; $TAFSEER['4']['48']['14'] = 'أَيْ هُوَ غَنِيّ عَنْ عِبَاده , وَإِنَّمَا اِبْتَلَاهُمْ بِالتَّكْلِيفِ لِيُثِيبَ مَنْ آمَنَ وَيُعَاقِب مَنْ كَفَرَ وَعَصَى .'; $TAFSEER['4']['48']['15'] = 'يَعْنِي مَغَانِم خَيْبَر ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَ أَهْل الْحُدَيْبِيَة فَتْح خَيْبَر , وَأَنَّهَا لَهُمْ خَاصَّة مَنْ غَابَ مِنْهُمْ وَمَنْ حَضَرَ . وَلَمْ يَغِبْ مِنْهُمْ عَنْهَا غَيْر جَابِر بْن عَبْد اللَّه فَقَسَمَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسَهْمِ مَنْ حَضَرَ . قَالَ اِبْن إِسْحَاق : وَكَانَ الْمُتَوَلِّي لِلْقِسْمَةِ بِخَيْبَر جَبَّار بْن صَخْر الْأَنْصَارِيّ مِنْ بَنِي سَلَمَة , وَزَيْد بْن ثَابِت مِنْ بَنِي النَّجَّار , كَانَا حَاسِبَيْنِ قَاسِمَيْنِ . أَيْ دَعُونَا . تَقُول : ذَرْهُ , أَيْ دَعْهُ . وَهُوَ يَذَرهُ , أَيْ يَدَعهُ . وَأَصْله وَذِرَهُ يَذَرهُ مِثَال وَسِعَهُ يَسَعهُ . وَقَدْ أُمِيتَ صَدْره , لَا يُقَال : وَذَرَهُ وَلَا وَاذِر , وَلَكِنْ تَرَكَهُ وَهُوَ تَارِك . قَالَ مُجَاهِد : تَخَلَّفُوا عَنْ الْخُرُوج إِلَى مَكَّة , فَلَمَّا خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَ قَوْمًا وَوَجَّهَ بِهِمْ قَالُوا ذَرُونَا نَتَّبِعكُمْ فَنُقَاتِل مَعَكُمْ . أَيْ يُغَيِّرُوا . قَالَ اِبْن زَيْد : هُوَ قَوْله تَعَالَى : " فَاسْتَأْذَنُوك لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا " [ التَّوْبَة : 83 ] الْآيَة . وَأَنْكَرَ هَذَا الْقَوْل الطَّبَرِيّ وَغَيْره , بِسَبَبِ أَنَّ غَزْوَة تَبُوك كَانَتْ بَعْد فَتْح خَيْبَر وَبَعْد فَتْح مَكَّة . وَقِيلَ : الْمَعْنَى يُرِيدُونَ أَنْ يُغَيِّرُوا وَعْد اللَّه الَّذِي وَعَدَ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَة , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ لَهُمْ غَنَائِم خَيْبَر عِوَضًا عَنْ فَتْح مَكَّة إِذْ رَجَعُوا مِنْ الْحُدَيْبِيَة عَلَى صُلْح , قَالَهُ مُجَاهِد وَقَتَادَة , وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ وَعَلَيْهِ عَامَّة أَهْل التَّأْوِيل . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " كَلِم " بِإِسْقَاطِ الْأَلِف وَكَسْر اللَّام جَمْع كَلِمَة , نَحْو سَلِمَة وَسَلِم . الْبَاقُونَ " كَلَام " عَلَى الْمَصْدَر . وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم , وَاخْتَارَا بِقَوْلِهِ : " إِنِّي اِصْطَفَيْتُك عَلَى النَّاس بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي " [ الْأَعْرَاف : 144 ] . وَالْكَلَام : مَا اِسْتَقَلَّ بِنَفْسِهِ مِنْ الْجُمَل . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْكَلَام اِسْم جِنْس يَقَع عَلَى الْقَلِيل وَالْكَثِير . وَالْكَلِم لَا يَكُون أَقَلّ مِنْ ثَلَاث كَلِمَات لِأَنَّهُ جَمْع كَلِمَة , مِثْل نَبِقَة وَنَبِق . وَلِهَذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ : ( هَذَا بَاب عِلْم مَا الْكَلِم مِنْ الْعَرَبِيَّة ) وَلَمْ يَقُلْ مَا الْكَلَام ; لِأَنَّهُ أَرَادَ نَفْس ثَلَاثَة أَشْيَاء : الِاسْم وَالْفِعْل وَالْحَرْف , فَجَاءَ بِمَا لَا يَكُون إِلَّا جَمْعًا , وَتَرَكَ مَا يُمْكِن أَنْ يَقَع عَلَى الْوَاحِد وَالْجَمَاعَة . وَتَمِيم تَقُول : هِيَ كِلْمَة , بِكَسْرِ الْكَاف , وَقَدْ مَضَى فِي " التَّوْبَة " الْقَوْل فِيهَا . أَيْ مِنْ قَبْل رُجُوعنَا مِنْ الْحُدَيْبِيَة إِنَّ غَنِيمَة خَيْبَر لِمَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَة خَاصَّة . أَنْ نُصِيب مَعَكُمْ مِنْ الْغَنَائِم . وَقِيلَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , [ إِنْ خَرَجْتُمْ لَمْ أَمْنَعكُمْ إِلَّا أَنَّهُ لَا سَهْم لَكُمْ ] . فَقَالُوا : هَذَا حَسَد . فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : قَدْ أَخْبَرَنَا اللَّه فِي الْحُدَيْبِيَة بِمَا سَيَقُولُونَهُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : " فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا " يَعْنِي لَا يَعْلَمُونَ إِلَّا أَمْر الدُّنْيَا . وَقِيلَ : لَا يَفْقَهُونَ مِنْ أَمْر الدِّين إِلَّا قَلِيلًا , وَهُوَ تَرْك الْقِتَال .'; $TAFSEER['4']['48']['16'] = 'أَيْ قُلْ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ الْحُدَيْبِيَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَمُجَاهِد وَابْن أَبِي لَيْلَى وَعَطَاء الْخُرَاسَانِيّ : هُمْ فَارِس . وَقَالَ كَعْب وَالْحَسَن وَعَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى : الرُّوم . وَعَنْ الْحَسَن أَيْضًا : فَارِس وَالرُّوم . وَقَالَ اِبْن جُبَيْر : هَوَازِن وَثَقِيف . وَقَالَ عِكْرِمَة : هَوَازِن . وَقَالَ قَتَادَة : هَوَازِن وَغَطَفَان يَوْم حُنَيْن . وَقَالَ الزُّهْرِيّ وَمُقَاتِل : بَنُو حَنِيفَة أَهْل الْيَمَامَة أَصْحَاب مُسَيْلِمَة . وَقَالَ رَافِع بْن خَدِيج : وَاَللَّه لَقَدْ كُنَّا نَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة فِيمَا مَضَى " سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْم أُولِي بَأْس شَدِيد " فَلَا نَعْلَم مَنْ هُمْ حَتَّى دَعَانَا أَبُو بَكْر إِلَى قِتَال بَنِي حَنِيفَة فَعَلِمْنَا أَنَّهُمْ هُمْ . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : لَمْ تَأْتِ هَذِهِ الْآيَة بَعْد . وَظَاهِر الْآيَة يَرُدّهُ . فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى صِحَّة إِمَامَة أَبِي بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا ; لِأَنَّ أَبَا بَكْر دَعَاهُمْ إِلَى قِتَال بَنِي حَنِيفَة , وَعُمَر دَعَاهُمْ إِلَى قِتَال فَارِس وَالرُّوم . وَأَمَّا قَوْل عِكْرِمَة وَقَتَادَة إِنَّ ذَلِكَ فِي هَوَازِن وَغَطَفَان يَوْم حُنَيْن فَلَا ; لِأَنَّهُ يَمْتَنِع أَنْ يَكُون الدَّاعِي لَهُمْ الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام ; لِأَنَّهُ قَالَ : " لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالدَّاعِي غَيْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَمْ يَدْعُ هَؤُلَاءِ الْقَوْم بَعْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَبُو بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . الزَّمَخْشَرِيّ : فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ قَتَادَة فَالْمَعْنَى لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا مَا دُمْتُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ مَرَض الْقُلُوب وَالِاضْطِرَاب فِي الدِّين . أَوْ عَلَى قَوْل مُجَاهِد كَانَ الْمَوْعِد أَنَّهُمْ لَا يَتَّبِعُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مُتَطَوِّعِينَ لَا نَصِيب لَهُمْ فِي الْمَغْنَم . وَاَللَّه أَعْلَم . هَذَا حُكْم مَنْ لَا تُؤْخَذ مِنْهُمْ الْجِزْيَة , وَهُوَ مَعْطُوف عَلَى " تُقَاتِلُونَهُمْ " أَيْ يَكُون أَحَد الْأَمْرَيْنِ : إِمَّا الْمُقَاتَلَة وَإِمَّا الْإِسْلَام , لَا ثَالِث لَهُمَا . وَفِي حَرْف أُبَيّ " أَوْ يُسْلِمُوا " بِمَعْنَى حَتَّى يُسْلِمُوا , كَمَا تَقُول : كُلْ أَوْ تَشْبَع , أَيْ حَتَّى تَشْبَع . قَالَ : فَقُلْت لَهُ لَا تَبْكِ عَيْنك إِنَّمَا نُحَاوِل مُلْكًا أَوْ نَمُوت فَنُعْذَرَا وَقَالَ الزَّجَّاج : قَالَ " أَوْ يُسْلِمُونَ " لِأَنَّ الْمَعْنَى أَوْ هُمْ يُسْلِمُونَ مِنْ غَيْر قِتَال . وَهَذَا فِي قِتَال الْمُشْرِكِينَ لَا فِي أَهْل الْكِتَاب . الْغَنِيمَة وَالنَّصْر فِي الدُّنْيَا , وَالْجَنَّة فِي الْآخِرَة . عَام الْحُدَيْبِيَة . وَهُوَ عَذَاب النَّار . وَ " أَلِيمًا " فِي كَلَام الْعَرَب مَعْنَاهُ مُؤْلِم أَيْ مُوجِع , مِثْل السَّمِيع بِمَعْنَى الْمُسْمِع ; قَالَ ذُو الرُّمَّة يَصِف إِبِلًا : وَنَرْفَع مِنْ صُدُور شَمَرْدَلَات يَصُكّ وُجُوههَا وَهَج أَلِيم وَآلَمَ إِذَا أَوْجَعَ . وَالْإِيلَام : الْإِيجَاع . وَالْأَلَم : الْوَجَع , وَقَدْ أَلِمَ يَأْلَم أَلَمًا . وَالتَّأَلُّم : التَّوَجُّع . وَيُجْمَع أَلِيم عَلَى أُلَمَاء مِثْل كَرِيم وَكُرَمَاء , وَآلَام مِثْل أَشْرَاف .'; $TAFSEER['4']['48']['17'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمَّا نَزَلَتْ : " وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْل يُعَذِّبكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا " قَالَ أَهْل الزَّمَانَة : كَيْف بِنَا يَا رَسُول اللَّه ؟ فَنَزَلَتْ " لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَج وَلَا عَلَى الْأَعْرَج حَرَج وَلَا عَلَى الْمَرِيض حَرَج " أَيْ لَا إِثْم عَلَيْهِمْ فِي التَّخَلُّف عَنْ الْجِهَاد لِعَمَاهُمْ وَزَمَانَتهمْ وَضَعْفهمْ . وَقَدْ مَضَى فِي " التَّوْبَة " وَغَيْرهَا الْكَلَام فِيهِ مُبَيَّنًا . وَالْعَرَج : آفَة تَعْرِض لِرِجْلٍ وَاحِدَة , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُؤَثِّرًا فَخَلَل الرِّجْلَيْنِ أَوْلَى أَنْ يُؤَثِّر . وَقَالَ مُقَاتِل : هُمْ أَهْل الزَّمَانَة الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ الْحُدَيْبِيَة وَقَدْ عَذَرَهُمْ . أَيْ مَنْ شَاءَ أَنْ يَسِير مِنْهُمْ مَعَكُمْ إِلَى خَيْبَر فَلْيَفْعَلْ . فِيمَا أَمَرَهُ . قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامِر " نُدْخِلهُ " بِالنُّونِ عَلَى التَّعْظِيم . الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ , وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم لِتَقَدُّمِ اِسْم اللَّه أَوَّلًا . أَيْ مِنْ تَحْت أَشْجَارهَا , وَلَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْر ; لِأَنَّ الْجَنَّات دَالَّة عَلَيْهَا . " الْأَنْهَار " أَيْ مَاء الْأَنْهَار , فَنُسِبَ الْجَرْي إِلَى الْأَنْهَار تَوَسُّعًا , وَإِنَّمَا يَجْرِي الْمَاء وَحْده فَحُذِفَ اِخْتِصَارًا , كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَاسْأَلْ الْقَرْيَة " [ يُوسُف : 82 ] أَيْ أَهْلهَا . وَقَالَ الشَّاعِر : نُبِّئْت أَنَّ النَّار بَعْدك أُوقِدَتْ وَاسْتُبَّ بَعْدك يَا كُلَيْب الْمَجْلِس أَرَادَ : أَهْل الْمَجْلِس ; فَحَذَفَ . وَالنَّهْر : مَأْخُوذ مِنْ أَنَهَرْت , أَيْ وَسَّعْت , وَمِنْهُ قَوْل قَيْس بْن الْخَطِيم : مَلَكْت بِهَا كَفِّي فَأَنْهَرْت فَتْقهَا يَرَى قَائِم مِنْ دُونهَا مَا وَرَاءَهَا أَيْ وَسَّعْتهَا , يَصِف طَعْنَة . وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أَنْهَرَ الدَّم وَذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ فَكُلُوهُ ) . مَعْنَاهُ : مَا وَسَّعَ الذَّبْح حَتَّى يَجْرِي الدَّم كَالنَّهْرِ . وَجَمْع النَّهْر : نُهُر وَأَنْهَار . وَنَهْر نِهَر : كَثِير الْمَاء ; قَالَ أَبُو ذُؤَيْب : أَقَامَتْ بِهِ فَابْتَنَتْ خَيْمَة عَلَى قَصَب وَفُرَات نَهَر وَرُوِيَ : أَنَّ أَنْهَار الْجَنَّة لَيْسَتْ فِي أَخَادِيد , إِنَّمَا تَجْرِي عَلَى سَطْح الْجَنَّة مُنْضَبِطَة بِالْقُدْرَةِ حَيْثُ شَاءَ أَهْلهَا . وَالْوَقْف عَلَى " الْأَنْهَار " حَسَن وَلَيْسَ بِتَامٍّ وَهُوَ عَذَاب النَّار . وَ " أَلِيمًا " فِي كَلَام الْعَرَب مَعْنَاهُ مُؤْلِم أَيْ مُوجِع , مِثْل السَّمِيع بِمَعْنَى الْمُسْمِع ; قَالَ ذُو الرُّمَّة يَصِف إِبِلًا : وَنَرْفَع مِنْ صُدُور شَمَرْدَلَات يَصُكّ وُجُوههَا وَهَج أَلِيم وَآلَمَ إِذَا أَوْجَعَ . وَالْإِيلَام : الْإِيجَاع . وَالْأَلَم : الْوَجَع , وَقَدْ أَلِمَ يَأْلَم أَلَمًا . وَالتَّأَلُّم : التَّوَجُّع . وَيُجْمَع أَلِيم عَلَى أُلَمَاء مِثْل كَرِيم وَكُرَمَاء , وَآلَام مِثْل أَشْرَاف .'; $TAFSEER['4']['48']['18'] = 'هَذِهِ بَيْعَة الرِّضْوَان , وَكَانَتْ بِالْحُدَيْبِيَةِ , وَهَذَا خَبَر الْحُدَيْبِيَة عَلَى اِخْتِصَار : وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ مُنْصَرَفه مِنْ غَزْوَة بَنِي الْمُصْطَلِق فِي شَوَّال , وَخَرَجَ فِي ذِي الْقَعْدَة مُعْتَمِرًا , وَاسْتَنْفَرَ الْأَعْرَاب الَّذِينَ حَوْل الْمَدِينَة فَأَبْطَأَ عَنْهُ أَكْثَرهمْ , وَخَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار وَمَنْ اِتَّبَعَهُ مِنْ الْعَرَب , وَجَمِيعهمْ نَحْو أَلْف وَأَرْبَعمِائَةٍ . وَقِيلَ : أَلْف وَخَمْسمِائَةٍ . وَقِيلَ غَيْر هَذَا , عَلَى مَا يَأْتِي . وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْي , فَأَحْرَمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَعْلَم النَّاس أَنَّهُ لَمْ يَخْرُج لِحَرْبٍ , فَلَمَّا بَلَغَ خُرُوجه قُرَيْشًا خَرَجَ جَمْعهمْ صَادِّينَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام وَدُخُول مَكَّة , وَإِنَّهُ إِنْ قَاتَلَهُمْ قَاتَلُوهُ دُون ذَلِكَ , وَقَدَّمُوا خَالِد بْن الْوَلِيد فِي خَيْل إِلَى ( كُرَاع الْغَمِيم ) فَوَرَدَ الْخَبَر بِذَلِكَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ( بِعُسْفَان ) وَكَانَ الْمُخْبِر لَهُ بِشْر بْن سُفْيَان الْكَعْبِيّ , فَسَلَكَ طَرِيقًا يَخْرُج بِهِ فِي ظُهُورهمْ , وَخَرَجَ إِلَى الْحُدَيْبِيَة مِنْ أَسْفَل مَكَّة , وَكَانَ دَلِيله فِيهِمْ رَجُل مِنْ أَسْلَمَ , فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ خَيْل قُرَيْش الَّتِي مَعَ خَالِد جَرَتْ إِلَى قُرَيْش تُعْلِمهُمْ بِذَلِكَ , فَلَمَّا وَصَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُدَيْبِيَة بَرَكَتْ نَاقَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّاس : خَلَأَتْ خَلَأَتْ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ مَا خَلَأَتْ وَمَا هُوَ لَهَا بِخُلُقٍ وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِس الْفِيل عَنْ مَكَّة , لَا تَدْعُونِي قُرَيْش الْيَوْم إِلَى خُطَّة يَسْأَلُونِي فِيهَا صِلَة رَحِم إِلَّا أَعْطَيْتهمْ إِيَّاهَا ] . ثُمَّ نَزَلَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُنَاكَ , فَقِيلَ : يَا رَسُول اللَّه , لَيْسَ بِهَذَا الْوَادِي مَاء فَأَخْرَجَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سَهْمًا مِنْ كِنَانَته فَأَعْطَاهُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابه , فَنَزَلَ فِي قَلِيب مِنْ تِلْكَ الْقُلُب فَغَرَزَهُ فِي جَوْفه فَجَاشَ بِالْمَاءِ الرَّوَّاء حَتَّى كَفَى جَمِيع الْجَيْش . وَقِيلَ : إِنَّ الَّذِي نَزَلَ بِالسَّهْمِ فِي الْقَلِيب نَاجِيَة بْن جُنْدُب بْن عُمَيْر الْأَسْلَمِيّ وَهُوَ سَائِق بُدْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ . وَقِيلَ : نَزَلَ بِالسَّهْمِ فِي الْقَلِيب الْبَرَاء بْن عَازِب , ثُمَّ جَرَتْ السُّفَرَاء بَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن كُفَّار قُرَيْش , وَطَالَ التَّرَاجُع وَالتَّنَازُع إِلَى أَنْ جَاءَ سُهَيْل بْن عَمْرو الْعَامِرِيّ , فَقَاضَاهُ عَلَى أَنْ يَنْصَرِف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَامه ذَلِكَ , فَإِذَا كَانَ مِنْ قَابِل أَتَى مُعْتَمِرًا وَدَخَلَ هُوَ وَأَصْحَابه مَكَّة بِغَيْرِ سِلَاح , حَاشَا السُّيُوف فِي قُرُبهَا فَيُقِيم بِهَا ثَلَاثًا وَيَخْرُج , وَعَلَى أَنْ يَكُون بَيْنه وَبَيْنهمْ صُلْح عَشَرَة أَعْوَام , يَتَدَاخَل فِيهَا النَّاس وَيَأْمَن بَعْضهمْ بَعْضًا , وَعَلَى أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْ الْكُفَّار إِلَى الْمُسْلِمِينَ مُسْلِمًا مِنْ رَجُل أَوْ اِمْرَأَة رُدَّ إِلَى الْكُفَّار , وَمَنْ جَاءَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْكُفَّار مُرْتَدًّا لَمْ يَرُدُّوهُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ , فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِيهِ كَلَام , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَم بِمَا عَلَّمَهُ اللَّه مِنْ أَنَّهُ سَيَجْعَلُ لِلْمُسْلِمِينَ فَرَجًا , فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ [ اِصْبِرُوا فَإِنَّ اللَّه يَجْعَل هَذَا الصُّلْح سَبَبًا إِلَى ظُهُور دِينه ] فَأَنِسَ النَّاس إِلَى قَوْله هَذَا بَعْد نِفَار مِنْهُمْ , وَأَبَى سُهَيْل بْن عَمْرو أَنْ يَكْتُب فِي صَدْر صَحِيفَة الصُّلْح : مِنْ مُحَمَّد رَسُول اللَّه , وَقَالُوا لَهُ : لَوْ صَدَّقْنَاك بِذَلِكَ مَا دَفَعْنَاك عَمَّا تُرِيد فَلَا بُدّ أَنْ تَكْتُب : بِاسْمِك اللَّهُمَّ . فَقَالَ لِعَلِيٍّ وَكَانَ يَكْتُب صَحِيفَة الصُّلْح : [ اُمْحُ يَا عَلِيّ , وَاكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ ] فَأَبَى عَلِيّ أَنْ يَمْحُو بِيَدِهِ " مُحَمَّد رَسُول اللَّه " . فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ اِعْرِضْهُ عَلَيَّ ] فَأَشَارَ إِلَيْهِ فَمَحَاهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ , وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْتُب [ مِنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه ] . وَأَتَى أَبُو جَنْدَل بْن سُهَيْل يَوْمئِذٍ بِأَثَرِ كِتَاب الصُّلْح وَهُوَ يَرْسُف فِي قُيُوده , فَرَدَّهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِيهِ , فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , فَأَخْبَرَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرَ أَبَا جَنْدَل [ أَنَّ اللَّه سَيَجْعَلُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا ] . وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل الصُّلْح قَدْ بَعَثَ عُثْمَان بْن عَفَّان إِلَى مَكَّة رَسُولًا , فَجَاءَ خَبَر إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ أَهْل مَكَّة قَتَلُوهُ , فَدَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ إِلَى الْمُبَايَعَة لَهُ عَلَى الْحَرْب وَالْقِتَال لِأَهْلِ مَكَّة , فَرُوِيَ أَنَّهُ بَايَعَهُمْ عَلَى الْمَوْت . وَرُوِيَ أَنَّهُ بَايَعَهُمْ عَلَى أَلَّا يَفِرُّوا . وَهِيَ بَيْعَة الرِّضْوَان تَحْت الشَّجَرَة , الَّتِي أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ رَضِيَ عَنْ الْمُبَايِعِينَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتهَا . وَأَخْبَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ النَّار . وَضَرَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَمِينِهِ فِي شِمَاله لِعُثْمَان , فَهُوَ كَمَنْ شَهِدَهَا . وَذَكَرَ وَكِيع عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد عَنْ الشَّعْبِيّ قَالَ : أَوَّل مَنْ بَايَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة أَبُو سُفْيَان الْأَسَدِيّ . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر قَالَ : كُنَّا يَوْم الْحُدَيْبِيَة أَلْفًا وَأَرْبَعمِائَةٍ , فَبَايَعْنَاهُ وَعُمَر آخِذ بِيَدِهِ تَحْت الشَّجَرَة وَهِيَ سَمُرَة , وَقَالَ : بَايَعْنَاهُ عَلَى أَلَّا نَفِرّ وَلَمْ نُبَايِعهُ عَلَى الْمَوْت وَعَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَسْأَل : كَمْ كَانُوا يَوْم الْحُدَيْبِيَة ؟ قَالَ : كُنَّا أَرْبَع عَشْرَة مِائَة , فَبَايَعْنَاهُ وَعُمَر آخِذ بِيَدِهِ تَحْت الشَّجَرَة وَهِيَ سَمُرَة , فَبَايَعْنَاهُ , غَيْر جَدّ بْن قَيْس الْأَنْصَارِيّ اِخْتَبَأَ تَحْت بَطْن بَعِيره . وَعَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد قَالَ : سَأَلْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه عَنْ أَصْحَاب الشَّجَرَة . فَقَالَ : لَوْ كُنَّا مِائَة أَلْف لَكَفَانَا , كُنَّا أَلْفًا وَخَمْسمِائَةٍ . وَفِي رِوَايَة : كُنَّا خَمْس عَشْرَة مِائَة . وَعَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي أَوْفَى قَالَ : كَانَ أَصْحَاب الشَّجَرَة أَلْفًا وَثَلَاثمِائَةٍ , وَكَانَتْ أَسْلَم ثُمُن الْمُهَاجِرِينَ . وَعَنْ يَزِيد بْن أَبِي عُبَيْد قَالَ : قُلْت لِسَلَمَة : عَلَى أَيّ شَيْء بَايَعْتُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة ؟ قَالَ : عَلَى الْمَوْت . وَعَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب قَالَ : كَتَبَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ الصُّلْح بَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن الْمُشْرِكِينَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة , فَكَتَبَ : هَذَا مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : لَا تَكْتُب رَسُول اللَّه , فَلَوْ نَعْلَم أَنَّك رَسُول اللَّه لَمْ نُقَاتِلك . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ : [ اُمْحُهُ ] . فَقَالَ : مَا أَنَا بِاَلَّذِي أَمَحَاهُ , فَمَحَاهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ . وَكَانَ فِيمَا اِشْتَرَطُوا : أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّة فَيُقِيمُوا فِيهَا ثَلَاثًا , وَلَا يَدْخُلهَا بِسِلَاحٍ إِلَّا جُلُبَّان السِّلَاح . قُلْت لِأَبِي إِسْحَاق وَمَا جُلُبَّان السِّلَاح ؟ قَالَ : الْقِرَاب وَمَا فِيهِ . وَعَنْ أَنَس : أَنَّ قُرَيْشًا صَالَحُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ سُهَيْل بْن عَمْرو , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ : [ اُكْتُبْ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم ] فَقَالَ سُهَيْل بْن عَمْرو : أَمَّا بِسْمِ اللَّه , فَمَا نَدْرِي مَا بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم وَلَكِنْ اُكْتُبْ مَا نَعْرِف : بِاسْمِك اللَّهُمَّ . فَقَالَ : [ اُكْتُبْ مِنْ مُحَمَّد رَسُول اللَّه ] قَالُوا : لَوْ عَلِمْنَا أَنَّك رَسُوله لَاتَّبَعْنَاك وَلَكِنْ اُكْتُبْ اِسْمك وَاسْم أَبِيك . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ اُكْتُبْ مِنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه ] فَاشْتَرَطُوا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ لَمْ نَرُدّهُ عَلَيْكُمْ , وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا . فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , أَنَكْتُبُ هَذَا قَالَ : [ نَعَمْ إِنَّهُ مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إِلَيْهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللَّه وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ فَسَيَجْعَلُ اللَّه لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا ] . وَعَنْ أَبِي وَائِل قَالَ : قَامَ سَهْل بْن حُنَيْف يَوْم صِفِّين فَقَالَ يَا أَيّهَا النَّاس , اِتَّهِمُوا أَنْفُسكُمْ , لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا , وَذَلِكَ فِي الصُّلْح الَّذِي كَانَ بَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن الْمُشْرِكِينَ . فَجَاءَ عُمَر بْن الْخَطَّاب - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - فَأَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , أَلَسْنَا عَلَى حَقّ وَهُمْ عَلَى بَاطِل ؟ قَالَ [ بَلَى ] قَالَ : أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّة وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّار ؟ قَالَ [ بَلَى ] قَالَ فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّة فِي دِيننَا وَنَرْجِع وَلَمَّا يَحْكُم اللَّه بَيْننَا وَبَيْنهمْ ؟ فَقَالَ [ يَا بْن الْخَطَّاب إِنِّي رَسُول اللَّه وَلَنْ يُضَيِّعنِي اللَّه أَبَدًا ] قَالَ : فَانْطَلَقَ عُمَر , فَلَمْ يَصْبِر مُتَغَيِّظًا فَأَتَى أَبَا بَكْر فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْر , أَلَسْنَا عَلَى حَقّ وَهُمْ عَلَى بَاطِل ؟ قَالَ بَلَى , قَالَ : أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّة وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّار ؟ قَالَ بَلَى . قَالَ : فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّة فِي دِيننَا وَنَرْجِع وَلَمَّا يَحْكُم اللَّه بَيْننَا وَبَيْنهمْ ؟ فَقَالَ : يَا بْن الْخَطَّاب , إِنَّهُ رَسُول اللَّه وَلَنْ يُضَيِّعهُ اللَّه أَبَدًا . قَالَ : فَنَزَلَ الْقُرْآن عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَتْحِ , فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَر فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , أَوَفَتْح هُوَ ؟ قَالَ [ نَعَمْ ] . فَطَابَتْ نَفْسه وَرَجَعَ . مِنْ الصِّدْق وَالْوَفَاء , قَالَهُ الْفَرَّاء . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج وَقَتَادَة : مِنْ الرِّضَا بِأَمْرِ الْبَيْعَة عَلَى أَلَّا يَفِرُّوا . وَقَالَ مُقَاتِل : مِنْ كَرَاهَة الْبَيْعَة عَلَى أَنْ يُقَاتِلُوا مَعَهُ عَلَى الْمَوْت . وَقِيلَ : " فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبهمْ " مِنْ الْكَآبَة بِصَدِّ الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُمْ وَتَخَلُّف رُؤْيَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ , إِذْ رَأَى أَنَّهُ يَدْخُل الْكَعْبَة , حَتَّى قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ إِنَّمَا ذَلِكَ رُؤْيَا مَنَام ] . وَقَالَ الصِّدِّيق : لَمْ يَكُنْ فِيهَا الدُّخُول فِي هَذَا الْعَام . حَتَّى بَايَعُوا . وَالسَّكِينَة : الطُّمَأْنِينَة وَسُكُون النَّفْس إِلَى صِدْق الْوَعْد . وَقِيلَ الصَّبْر . قَالَ قَتَادَة وَابْن أَبِي لَيْلَى : فَتْح خَيْبَر . وَقِيلَ فَتْح مَكَّة . وَقُرِئَ " وَآتَاهُمْ "'; $TAFSEER['4']['48']['19'] = 'يَعْنِي أَمْوَال خَيْبَر , وَكَانَتْ خَيْبَر ذَات عَقَار وَأَمْوَال , وَكَانَتْ بَيْن الْحُدَيْبِيَة وَمَكَّة . فـ " مَغَانِم " عَلَى هَذَا بَدَل مِنْ " فَتْحًا قَرِيبًا " وَالْوَاو مُقْحَمَة . وَقِيلَ " وَمَغَانِم " فَارِس وَالرُّوم . أَيْ لَا يُعْجِزهُ شَيْء وَلَا يَفُوتهُ فِيمَا حَكَمَ وَأَبْرَمَ'; $TAFSEER['4']['48']['20'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد . إِنَّهَا الْمَغَانِم الَّتِي تَكُون إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ اِبْن زَيْد : هِيَ مَغَانِم خَيْبَر . أَيْ خَيْبَر , قَالَهُ مُجَاهِد . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : عَجَّلَ لَكُمْ صُلْح الْحُدَيْبِيَة . يَعْنِي أَهْل مَكَّة , كَفَّهُمْ عَنْكُمْ بِالصُّلْحِ . وَقَالَ قَتَادَة : كَفَّ أَيْدِي الْيَهُود عَنْ الْمَدِينَة بَعْد خُرُوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُدَيْبِيَة وَخَيْبَر . وَهُوَ اِخْتِيَار الطَّبَرِيّ ; لِأَنَّ كَفّ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ بِالْحُدَيْبِيَةِ مَذْكُور فِي قَوْله : " وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ " [ الْفَتْح : 24 ] . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : فِي " كَفَّ أَيْدِي النَّاس عَنْكُمْ " يَعْنِي عُيَيْنَة بْن حِصْن الْفَزَارِيّ وَعَوْف بْن مَالِك النَّضْرِيّ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا , إِذْ جَاءُوا لِيَنْصُرُوا أَهْل خَيْبَر وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَاصِر لَهُمْ , فَأَلْقَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي قُلُوبهمْ الرُّعْب وَكَفَّهُمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ أَيْ وَلِتَكُونَ هَزِيمَتهمْ وَسَلَامَتكُمْ آيَة لِلْمُؤْمِنِينَ , فَيَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه يَحْرُسهُمْ فِي مَشْهَدهمْ وَمَغِيبهمْ . وَقِيلَ : أَيْ لِتَكُونَ كَفّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ آيَة لِلْمُؤْمِنِينَ . وَقِيلَ : أَيْ وَلِتَكُونَ هَذِهِ الَّتِي عَجَّلَهَا لَكُمْ آيَة لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِدْقك حَيْثُ وَعَدْتهمْ أَنْ يُصِيبُوهَا . وَالْوَاو فِي " وَلِتَكُونَ " مُقْحَمَة عِنْد الْكُوفِيِّينَ . وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ : عَاطِفَة عَلَى مُضْمَر , أَيْ وَكَفَّ أَيْدِي النَّاس عَنْكُمْ لِتَشْكُرُوهُ وَلِتَكُونَ آيَة لِلْمُؤْمِنِينَ . أَيْ يَزِيدكُمْ هُدًى , أَوْ يُثَبِّتكُمْ عَلَى الْهِدَايَة .'; $TAFSEER['4']['48']['21'] = '" أُخْرَى " مَعْطُوفَة عَلَى " هَذِهِ " , أَيْ فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ الْمَغَانِم وَمَغَانِم أُخْرَى . قَالَ اِبْن عَبَّاس : هِيَ الْفُتُوح الَّتِي فُتِحَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , كَأَرْضِ فَارِس وَالرُّوم , وَجَمِيع مَا فَتَحَهُ الْمُسْلِمُونَ . وَهُوَ قَوْل الْحَسَن وَمُقَاتِل وَابْن أَبِي لَيْلَى . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَالضَّحَّاك وَابْن زَيْد وَابْن إِسْحَاق : هِيَ خَيْبَر , وَعَدَهَا اللَّه نَبِيّه قَبْل أَنْ يَفْتَحهَا , وَلَمْ يَكُونُوا يَرْجُونَهَا حَتَّى أَخْبَرَهُمْ اللَّه بِهَا . وَعَنْ الْحَسَن أَيْضًا وَقَتَادَة : هُوَ فَتْح مَكَّة . وَقَالَ عِكْرِمَة : حُنَيْن ; لِأَنَّهُ قَالَ : " لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا " . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى تَقَدُّم مُحَاوَلَة لَهَا وَفَوَات دَرْك الْمَطْلُوب فِي الْحَال كَمَا كَانَ فِي مَكَّة , قَالَهُ الْقُشَيْرِيّ . وَقَالَ مُجَاهِد : هِيَ مَا يَكُون إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . وَمَعْنَى " قَدْ أَحَاطَ اللَّه بِهَا " : أَيْ أَعَدَّهَا لَكُمْ . فَهِيَ كَالشَّيْءِ الَّذِي قَدْ أُحِيطَ بِهِ مِنْ جَوَانِبه , فَهُوَ مَحْصُور لَا يَفُوت , فَأَنْتُمْ وَإِنْ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا فِي الْحَال فَهِيَ مَحْبُوسَة عَلَيْكُمْ لَا تَفُوتكُمْ . وَقِيلَ : " أَحَاطَ اللَّه بِهَا " عَلِمَ أَنَّهَا سَتَكُونُ لَكُمْ , كَمَا قَالَ : " وَأَنَّ اللَّه قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْء عِلْمًا " [ الطَّلَاق : 12 ] . وَقِيلَ : حَفِظَهَا اللَّه عَلَيْكُمْ . لِيَكُونَ فَتْحهَا لَكُمْ . " وَكَانَ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِيرًا " .'; $TAFSEER['4']['48']['22'] = 'قَالَ قَتَادَة : يَعْنِي كُفَّار قُرَيْش فِي الْحُدَيْبِيَة . وَقِيلَ : " وَلَوْ قَاتَلَكُمْ " غَطَفَان وَأَسَد وَاَلَّذِينَ أَرَادُوا نُصْرَة أَهْل خَيْبَر , لَكَانَتْ الدَّائِرَة عَلَيْهِمْ . " ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا " .'; $TAFSEER['4']['48']['23'] = 'يَعْنِي طَرِيقَة اللَّه وَعَادَاته السَّالِفَة نَصْر أَوْلِيَائِهِ عَلَى أَعْدَائِهِ . وَانْتَصَبَ " سُنَّة " عَلَى الْمَصْدَر . وَقِيلَ : " سُنَّة اللَّه " أَيْ كَسُنَّةِ اللَّه . وَالسُّنَّة الطَّرِيقَة وَالسِّيرَة . قَالَ : فَلَا تَجْزَعَنَّ مِنْ سِيرَة أَنْتَ سِرْتهَا فَأَوَّل رَاضٍ سُنَّة مَنْ يَسِيرهَا وَالسُّنَّة أَيْضًا : ضَرْب مِنْ تَمْر الْمَدِينَة . " وَلَنْ تَجِد لِسُنَّةِ اللَّه تَبْدِيلًا " .'; $TAFSEER['4']['48']['24'] = 'وَهِيَ الْحُدَيْبِيَة . " مِنْ بَعْد أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ " رَوَى يَزِيد بْن هَارُون قَالَ : أَخْبَرَنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ ثَابِت عَنْ أَنَس أَنَّ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْل مَكَّة هَبَطُوا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَبَل التَّنْعِيم مُتَسَلِّحِينَ يُرِيدُونَ غِرَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , فَأَخَذْنَاهُمْ سِلْمًا فَاسْتَحْيَيْنَاهُمْ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّة مِنْ بَعْد أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ " . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مُغَفَّل الْمُزَنِيّ : كُنَّا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي أَصْل الشَّجَرَة الَّتِي قَالَ اللَّه فِي الْقُرْآن , فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا ثَلَاثُونَ شَابًّا عَلَيْهِمْ السِّلَاح فَثَارُوا فِي وُجُوهنَا فَدَعَا عَلَيْهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ اللَّه بِأَبْصَارِهِمْ , فَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ هَلْ جِئْتُمْ فِي عَهْد أَحَد أَوْ هَلْ جَعَلَ لَكُمْ أَحَد أَمَانًا ] . قَالُوا : اللَّهُمَّ لَا , فَخَلَّى سَبِيلهمْ . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ " الْآيَة . وَذَكَرَ اِبْن هِشَام عَنْ وَكِيع : وَكَانَتْ قُرَيْش قَدْ جَاءَ مِنْهُمْ نَحْو سَبْعِينَ رَجُلًا أَوْ ثَمَانِينَ رَجُلًا لِلْإِيقَاعِ بِالْمُسْلِمِينَ وَانْتِهَاز الْفُرْصَة فِي أَطْرَافهمْ , فَفَطِنَ الْمُسْلِمُونَ لَهُمْ فَأَخَذُوهُمْ أَسْرَى , وَكَانَ ذَلِكَ وَالسُّفَرَاء يَمْشُونَ بَيْنهمْ فِي الصُّلْح , فَأَطْلَقَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَهُمْ الَّذِينَ يُسَمَّوْنَ الْعُتَقَاء , وَمِنْهُمْ مُعَاوِيَة وَأَبُوهُ . وَقَالَ مُجَاهِد : أَقْبَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَمِرًا , إِذْ أَخَذَ أَصْحَابه نَاسًا مِنْ الْحَرَم غَافِلِينَ فَأَرْسَلَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَلِكَ الْإِظْفَار بِبَطْنِ مَكَّة . وَقَالَ قَتَادَة : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَال لَهُ زُنَيْم , اِطَّلَعَ الثَّنِيَّة مِنْ الْحُدَيْبِيَة فَرَمَاهُ الْمُشْرِكُونَ بِسَهْمٍ فَقَتَلُوهُ , فَبَعَثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا فَأَتَوْا بِاثْنَيْ عَشَر فَارِسًا مِنْ الْكُفَّار , فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ هَلْ لَكُمْ عَلَيَّ ذِمَّة ] قَالُوا لَا ؟ فَأَرْسَلَهُمْ فَنَزَلَتْ . وَقَالَ اِبْن أَبْزَى وَالْكَلْبِيّ : هُمْ أَهْل الْحُدَيْبِيَة , كَفَّ اللَّه أَيْدِيهمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى وَقَعَ الصُّلْح , وَكَانُوا خَرَجُوا بِأَجْمَعِهِمْ وَقَصَدُوا الْمُسْلِمِينَ , وَكَفَّ أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ خَالِد بْن الْوَلِيد كَانَ فِي خَيْل الْمُشْرِكِينَ . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : فَهَذِهِ رِوَايَة , وَالصَّحِيح أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْوَقْت . وَقَدْ قَالَ سَلَمَة بْن الْأَكْوَع : كَانُوا فِي أَمْر الصُّلْح إِذْ أَقْبَلَ أَبُو سُفْيَان , فَإِذَا الْوَادِي يَسِير بِالرِّجَالِ وَالسِّلَاح , قَالَ : فَجِئْت بِسِتَّةٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَسُوقهُمْ مُتَسَلِّحِينَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا , فَأَتَيْت بِهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَكَانَ عُمَر قَالَ فِي الطَّرِيق : يَا رَسُول اللَّه , نَأْتِي قَوْمًا حَرْبًا وَلَيْسَ مَعَنَا سِلَاح وَلَا كُرَاع ؟ فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة مِنْ الطَّرِيق فَأَتَوْهُ بِكُلِّ سِلَاح وَكُرَاع كَانَ فِيهَا , وَأُخْبِرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عِكْرِمَة بْن أَبِي جَهْل خَرَجَ إِلَيْك فِي خَمْسمِائَةِ فَارِس , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالِدِ بْن الْوَلِيد : [ هَذَا اِبْن عَمّك أَتَاك فِي خَمْسمِائَةٍ ] . فَقَالَ خَالِد : أَنَا سَيْف اللَّه وَسَيْف رَسُوله , فَيَوْمئِذٍ سُمِّيَ بِسَيْفِ اللَّه , فَخَرَجَ وَمَعَهُ خَيْل وَهَزَمَ الْكُفَّار وَدَفَعَهُمْ إِلَى حَوَائِط مَكَّة . وَهَذِهِ الرِّوَايَة أَصَحّ , وَكَانَ بَيْنهمْ قِتَال بِالْحِجَارَةِ , وَقِيلَ بِالنَّبْلِ وَالظُّفْر . وَقِيلَ : أَرَادَ بِكَفِّ الْيَد أَنَّهُ شَرَطَ فِي الْكِتَاب أَنَّ مَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ فَهُوَ رَدّ عَلَيْهِمْ , فَخَرَجَ أَقْوَام مِنْ مَكَّة مُسْلِمُونَ وَخَافُوا أَنْ يَرُدّهُمْ الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الْمُشْرِكِينَ لَحِقُوا بِالسَّاحِلِ , وَمِنْهُمْ أَبُو بَصِير , وَجَعَلُوا يُغِيرُونَ عَلَى الْكُفَّار وَيَأْخُذُونَ عِيرهمْ , حَتَّى جَاءَ كِبَار قُرَيْش إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا : اُضْمُمْهُمْ إِلَيْك حَتَّى نَأْمَن , فَفَعَلَ . وَقِيلَ : هَمَّتْ غَطَفَان وَأَسَد مَنْع الْمُسْلِمِينَ مِنْ يَهُود خَيْبَر لِأَنَّهُمْ كَانُوا حُلَفَاءَهُمْ فَمَنَعَهُمْ اللَّه عَنْ ذَلِكَ , فَهُوَ كَفّ الْيَد . " بِبَطْنِ مَكَّة " فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : يُرِيد بِهِ مَكَّة . الثَّانِي : الْحُدَيْبِيَة ; لِأَنَّ بَعْضهَا مُضَاف إِلَى الْحَرَم . قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَفِي قَوْله : " مِنْ بَعْد أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ " بِفَتْحِ مَكَّة . و تَكُون هَذِهِ نَزَلَتْ بَعْد فَتْح مَكَّة , وَفِيهَا دَلِيل عَلَى أَنَّ مَكَّة فُتِحَتْ صُلْحًا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : " كَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُمْ " . قُلْت : الصَّحِيح أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي الْحُدَيْبِيَة قَبْل فَتْح مَكَّة , حَسَب مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَهْل التَّأْوِيل مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد بْن حُمَيْد قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن حَرْب قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ ثَابِت عَنْ أَنَس : أَنَّ ثَمَانِينَ هَبَطُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه مِنْ جَبَل التَّنْعِيم عِنْد صَلَاة الصُّبْح وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ , فَأُخِذُوا أَخْذًا فَأَعْتَقَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُمْ " الْآيَة . قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح , وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَأَمَّا فَتْح مَكَّة فَاَلَّذِي تَدُلّ عَلَيْهِ الْأَخْبَار أَنَّهَا إِنَّمَا فُتِحَتْ عَنْوَة , وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي ذَلِكَ فِي " الْحَجّ " وَغَيْرهَا . " وَكَانَ اللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا "'; $TAFSEER['4']['48']['25'] = '" هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا " يَعْنِي قُرَيْشًا , مَنَعُوكُمْ دُخُول الْمَسْجِد الْحَرَام عَام الْحُدَيْبِيَة حِين أَحْرَمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابه بِعُمْرَةٍ , وَمَنَعُوا الْهَدْي وَحَبَسُوهُ عَنْ أَنْ يَبْلُغ مَحِلّه . وَهَذَا كَانُوا لَا يَعْتَقِدُونَهُ ; وَلَكِنَّهُ حَمَلَتْهُمْ الْأَنَفَة وَدَعَتْهُمْ حَمِيَّة الْجَاهِلِيَّة إِلَى أَنْ يَفْعَلُوا مَا لَا يَعْتَقِدُونَهُ دِينًا , فَوَبَّخَهُمْ اللَّه عَلَى ذَلِكَ وَتَوَعَّدَهُمْ عَلَيْهِ , وَأَدْخَلَ الْأُنْس عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيَانِهِ وَوَعْده . أَيْ مَحْبُوسًا . وَقِيلَ مَوْقُوفًا . وَقَالَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء : مَجْمُوعًا . الْجَوْهَرِيّ : عَكْفه أَيْ حَبْسه وَوَقْفه , يَعْكِفُهُ وَيَعْكُفهُ عَكْفًا , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَالْهَدْي مَعْكُوفًا " , يُقَال مَا عَكَفَك عَنْ كَذَا . وَمِنْهُ الِاعْتِكَاف فِي الْمَسْجِد وَهُوَ الِاحْتِبَاس . " وَالْهَدْي " الْهَدْي وَالْهَدِيّ لُغَتَانِ . وَقُرِئَ " حَتَّى يَبْلُغ الْهَدْي مَحِلّه " [ الْبَقَرَة : 196 ] بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد , الْوَاحِدَة هَدِيَّة . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " أَيْضًا . وَهُوَ مَعْطُوف عَلَى الْكَاف وَالْمِيم مِنْ " صَدُّوكُمْ " . وَ " مَعْكُوفًا " حَال , وَمَوْضِع " أَنْ " مِنْ قَوْله : " أَنْ يَبْلُغ مَحِلّه " نُصِبَ عَلَى تَقْدِير الْحَمْل عَلَى " صَدُّوكُمْ " أَيْ صَدُّوكُمْ وَصَدُّوا الْهَدْي عَنْ أَنْ يَبْلُغ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَفْعُولًا لَهُ , كَأَنَّهُ قَالَ : وَصَدُّوا الْهَدْي كَرَاهِيَة أَنْ يَبْلُغ مَحِلّه . أَبُو عَلِيّ : لَا يَصِحّ حَمْله عَلَى الْعَكْف ; لِأَنَّا لَا نَعْلَم " عَكَفَ " جَاءَ مُتَعَدِّيًا , وَمَجِيء " مَعْكُوفًا " فِي الْآيَة يَجُوز أَنْ يَكُون مَحْمُولًا عَلَى الْمَعْنَى , كَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ حَبْسًا حُمِلَ الْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ , كَمَا حُمِلَ الرَّفَث عَلَى مَعْنَى الْإِفْضَاء فَعُدِّيَ بِإِلَى , فَإِنْ حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ مَوْضِعه نَصْبًا عَلَى قِيَاس قَوْل سِيبَوَيْهِ , وَجَرًّا عَلَى قِيَاس قَوْل الْخَلِيل . أَوْ يَكُون مَفْعُولًا لَهُ , كَأَنَّهُ قَالَ : مَحْبُوسًا كَرَاهِيَة أَنْ يَبْلُغ مَحِلّه . وَيَجُوز تَقْدِير الْجَرّ فِي " أَنْ " لِأَنَّ عَنْ تَقَدَّمَتْ , فَكَأَنَّهُ قَالَ : وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام , وَصَدُّوا الْهَدْي " عَنْ " أَنْ يَبْلُغ مَحِلّه . وَمِثْله مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ عَنْ يُونُس : مَرَرْت بِرَجُلٍ إِنْ زَيْد وَإِنْ عَمْرو , فَأُضْمِرَ الْجَارّ لِتَقَدُّمِ ذِكْره . أَيْ مَنْحَره , قَالَهُ الْفَرَّاء . وَقَالَ الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : الْحَرَم . وَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , الْمُحْصَر مَحِلّ هَدْيه الْحَرَم . وَالْمَحِلّ ( بِكَسْرِ الْحَاء ) : غَايَة الشَّيْء . ( وَبِالْفَتْحِ ) : هُوَ الْمَوْضِع الَّذِي يَحِلّهُ النَّاس . وَكَانَ الْهَدْي سَبْعِينَ بَدَنَة ; وَلَكِنَّ اللَّه بِفَضْلِهِ جَعَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِع لَهُ مَحِلًّا . وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي " الْبَقَرَة " عِنْد قَوْله تَعَالَى : " فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ " وَالصَّحِيح مَا ذَكَرْنَاهُ . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : نَحَرْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام الْحُدَيْبِيَة الْبَدَنَة عَنْ سَبْعَة , وَالْبَقَرَة عَنْ سَبْعَة . وَعَنْهُ قَالَ : اِشْتَرَكْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة كُلّ سَبْعَة فِي بَدَنَة . فَقَالَ رَجُل لِجَابِرٍ : أَيَشْتَرِكُ فِي الْبَدَنَة مَا يَشْتَرِك فِي الْجَزُور ؟ قَالَ : مَا هِيَ إِلَّا مِنْ الْبُدْن . وَحَضَرَ جَابِر الْحُدَيْبِيَة قَالَ : وَنَحَرْنَا يَوْمئِذٍ سَبْعِينَ بَدَنَة , اِشْتَرَكْنَا كُلّ سَبْعَة فِي بَدَنَة . وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَمِرِينَ , فَحَالَ كُفَّار قُرَيْش دُون الْبَيْت , فَنَحَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَنَة وَحَلَقَ رَأْسه . قِيلَ : إِنَّ الَّذِي حَلَقَ رَأْسه يَوْمئِذٍ خِرَاش بْن أُمَيَّة بْن أَبِي الْعِيص الْخُزَاعِيّ , وَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْحَرُوا وَيَحِلُّوا , فَفَعَلُوا بَعْد تَوَقُّف كَانَ مِنْهُمْ أَغْضَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَتْ لَهُ أُمّ سَلَمَة : لَوْ نَحَرْت لَنَحَرُوا , فَنَحَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدْيه وَنَحَرُوا بِنَحْرِهِ , وَحَلَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسه وَدَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّة . وَرَأَى كَعْب بْن عُجْرَة وَالْقَمْل يَسْقُط عَلَى وَجْهه , فَقَالَ : [ أَيُؤْذِيك هَوَامّك ] ؟ قَالَ نَعَمْ , فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِق وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ . خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " . يَعْنِي الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِمَكَّة وَسَط الْكُفَّار , كَسَلَمَة بْن هِشَام وَعَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة وَأَبِي جَنْدَل بْن سُهَيْل , وَأَشْبَاههمْ . " لَمْ تَعْلَمُوهُمْ " أَيْ تَعْرِفُوهُمْ . وَقِيلَ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ . " أَنْ تَطَئُوهُمْ " بِالْقَتْلِ وَالْإِيقَاع بِهِمْ , يُقَال : وَطِئْت الْقَوْم , أَيْ أَوْقَعْت بِهِمْ . وَ " أَنْ " يَجُوز أَنْ يَكُون رَفْعًا عَلَى الْبَدَل مِنْ رِجَال , وَنِسَاء كَأَنَّهُ قَالَ وَلَوْلَا وَطْؤُكُمْ رِجَالًا مُؤْمِنِينَ وَنِسَاء مُؤْمِنَات . وَيَجُوز أَنْ يَكُون نَصْبًا عَلَى الْبَدَل مِنْ الْهَاء وَالْمِيم فِي " تَعْلَمُوهُمْ " , فَيَكُون التَّقْدِير : لَمْ تَعْلَمُوا وَطْأَهُمْ , وَهُوَ فِي الْوَجْهَيْنِ بَدَل الِاشْتِمَال . " لَمْ تَعْلَمُوهُمْ " نَعْت لِ " رِجَال " وَ " نِسَاء " . وَجَوَاب " لَوْلَا " مَحْذُوف , وَالتَّقْدِير : وَلَوْ أَنْ تَطَئُوا رِجَالًا مُؤْمِنِينَ وَنِسَاء مُؤْمِنَات لَمْ تَعْلَمُوهُمْ لَأَذِنَ اللَّه لَكُمْ فِي دُخُول مَكَّة , وَلَسَلَّطَكُمْ عَلَيْهِمْ ; وَلَكِنَّا صُنَّا مَنْ كَانَ فِيهَا يَكْتُم إِيمَانه . وَقَالَ الضَّحَّاك : لَوْلَا مَنْ فِي أَصْلَاب الْكُفَّار وَأَرْحَام نِسَائِهِمْ مِنْ رِجَال مُؤْمِنِينَ وَنِسَاء مُؤْمِنَات لَمْ تَعْلَمُوا أَنْ تَطَئُوا آبَاءَهُمْ فَتُهْلَك أَبْنَاؤُهُمْ . الْمَعَرَّة الْعَيْب , وَهِيَ مَفْعَلَة مِنْ الْعُرّ وَهُوَ الْجَرَب , أَيْ يَقُول الْمُشْرِكُونَ : قَدْ قَتَلُوا أَهْل دِينهمْ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى يُصِيبكُمْ مِنْ قَتْلهمْ مَا يَلْزَمكُمْ مِنْ أَجْله كَفَّارَة قَتْل الْخَطَأ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا أَوْجَبَ عَلَى قَاتِل الْمُؤْمِن فِي دَار الْحَرْب إِذَا لَمْ يَكُنْ هَاجَرَ مِنْهَا وَلَمْ يُعْلَم بِإِيمَانِهِ الْكَفَّارَة دُون الدِّيَة فِي قَوْله : " فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة " [ النِّسَاء : 92 ] قَالَهُ الْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل وَغَيْرهمَا . وَقَدْ مَضَى فِي " النِّسَاء " الْقَوْل فِيهِ . وَقَالَ اِبْن زَيْد : " مَعَرَّة " إِثْم . وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ وَابْن إِسْحَاق : غُرْم الدِّيَة . قُطْرُب : شِدَّة . وَقِيلَ غَمّ . تَفْضِيل لِلصَّحَابَةِ وَإِخْبَار عَنْ صِفَتهمْ الْكَرِيمَة مِنْ الْعِفَّة عَنْ الْمَعْصِيَة وَالْعِصْمَة عَنْ التَّعَدِّي , حَتَّى لَوْ أَنَّهُمْ أَصَابُوا مِنْ ذَلِكَ أَحَدًا لَكَانَ عَنْ غَيْر قَصْد . وَهَذَا كَمَا وَصَفَتْ النَّمْلَة عَنْ جُنْد سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فِي قَوْلهَا : " لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَان وَجُنُوده وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ " [ النَّمْل : 18 ] . اللَّام فِي " لِيُدْخِل " مُتَعَلِّقَة بِمَحْذُوفٍ , أَيْ لَوْ قَتَلْتُمُوهُمْ لَأَدْخَلَهُمْ اللَّه فِي رَحْمَته . وَيَجُوز أَنْ تَتَعَلَّق بِالْإِيمَانِ . وَلَا تُحْمَل عَلَى مُؤْمِنِينَ دُون مُؤْمِنَات وَلَا عَلَى مُؤْمِنَات دُون مُؤْمِنِينَ لِأَنَّ الْجَمِيع يَدْخُلُونَ فِي الرَّحْمَة . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَمْ يَأْذَن اللَّه لَكُمْ فِي قِتَال الْمُشْرِكِينَ لِيُسْلِم بَعْد الصُّلْح مَنْ قَضَى أَنْ يُسْلِم مِنْ أَهْل مَكَّة , وَكَذَلِكَ كَانَ أَسْلَمَ الْكَثِير مِنْهُمْ وَحَسُنَ إِسْلَامه , وَدَخَلُوا فِي رَحْمَته , أَيْ جَنَّته . أَيْ تَمَيَّزُوا , قَالَهُ الْقُتَبِيّ . وَقِيلَ : لَوْ تَفَرَّقُوا , قَالَهُ الْكَلْبِيّ . وَقِيلَ : لَوْ زَالَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ بَيْن أَظْهُر الْكُفَّار لَعُذِّبَ الْكُفَّار بِالسَّيْفِ , قَالَهُ الضَّحَّاك وَلَكِنَّ اللَّه يَدْفَع بِالْمُؤْمِنِينَ عَنْ الْكُفَّار . وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : سَأَلْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة " لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا " فَقَالَ : [ هُمْ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَجْدَاد نَبِيّ اللَّه وَمَنْ كَانَ بَعْدهمْ وَفِي عَصْرهمْ كَانَ فِي أَصْلَابهمْ قَوْم مُؤْمِنُونَ فَلَوْ تَزَيَّلَ الْمُؤْمِنُونَ عَنْ أَصْلَاب الْكَافِرِينَ لَعَذَّبَ اللَّه تَعَالَى الْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ] . هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى مُرَاعَاة الْكَافِر فِي حُرْمَة الْمُؤْمِن , إِذْ لَا يُمْكِن أَذِيَّة الْكَافِر إِلَّا بِأَذِيَّةِ الْمُؤْمِن . قَالَ أَبُو زَيْد قُلْت لِابْنِ الْقَاسِم : أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي حِصْن مِنْ حُصُونهمْ , حَصَرَهُمْ أَهْل الْإِسْلَام وَفِيهِمْ قَوْم مِنْ الْمُسْلِمِينَ أُسَارَى فِي أَيْدِيهمْ , أَيُحْرَقُ هَذَا الْحِصْن أَمْ لَا ؟ قَالَ : سَمِعْت مَالِكًا وَسُئِلَ عَنْ قَوْم مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي مَرَاكِبهمْ : أَنَرْمِي فِي مَرَاكِبهمْ بِالنَّارِ وَمَعَهُمْ الْأُسَارَى فِي مَرَاكِبهمْ ؟ قَالَ : فَقَالَ مَالِك لَا أَرَى ذَلِكَ , لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِأَهْلِ مَكَّة : " لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا " . وَكَذَلِكَ لَوْ تَتَرَّسَ كَافِر بِمُسْلِمٍ لَمْ يَجُزْ رَمْيه . وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَاعِل فَأَتْلَفَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِ الدِّيَة وَالْكَفَّارَة . فَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا فَلَا دِيَة وَلَا كَفَّارَة , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا عَلِمُوا فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْمُوا , فَإِذَا فَعَلُوهُ صَارُوا قَتَلَة خَطَأ وَالدِّيَة عَلَى عَوَاقِلهمْ . فَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا فَلَهُمْ أَنْ يَرْمُوا . وَإِذَا أُبِيحُوا الْفِعْل لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِمْ فِيهَا تِبَاعَة . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَقَدْ قَالَ جَمَاعَة إِنَّ مَعْنَاهُ لَوْ تَزَيَّلُوا عَنْ بُطُون النِّسَاء وَأَصْلَاب الرِّجَال . وَهَذَا ضَعِيف ; لِأَنَّ مَنْ فِي الصُّلْب أَوْ فِي الْبَطْن لَا يُوطَأ وَلَا تُصِيب مِنْهُ مَعَرَّة . وَهُوَ سُبْحَانه قَدْ صَرَّحَ فَقَالَ : " وَلَوْلَا رِجَال مُؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُؤْمِنَات لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ " وَذَلِكَ لَا يَنْطَلِق عَلَى مَنْ فِي بَطْن الْمَرْأَة وَصُلْب الرِّجَال , وَإِنَّمَا يَنْطَلِق عَلَى مِثْل الْوَلِيد بْن الْوَلِيد , وَسَلَمَة بْن هِشَام , وَعَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة , وَأَبِي جَنْدَل بْن سُهَيْل . وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِك : وَقَدْ حَاصَرْنَا مَدِينَة الرُّوم فَحُبِسَ عَنْهُمْ الْمَاء , فَكَانُوا يُنْزِلُونَ الْأُسَارَى يَسْتَقُونَ لَهُمْ الْمَاء , فَلَا يَقْدِر أَحَد عَلَى رَمْيهمْ بِالنَّبْلِ , فَيَحْصُل لَهُمْ الْمَاء بِغَيْرِ اِخْتِيَارنَا . وَقَدْ جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْرِيّ الرَّمْي فِي حُصُون الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ أُسَارَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَطْفَالهمْ . وَلَوْ تَتَرَّسَ كَافِر بِوَلَدِ مُسْلِم رُمِيَ الْمُشْرِك , وَإِنْ أُصِيبَ أَحَد مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا دِيَة فِيهِ وَلَا كَفَّارَة . وَقَالَ الثَّوْرِيّ : فِيهِ الْكَفَّارَة وَلَا دِيَة . وَقَالَ الشَّافِعِيّ بِقَوْلِنَا . وَهَذَا ظَاهِر , فَإِنَّ التَّوَصُّل إِلَى الْمُبَاح بِالْمَحْظُورِ لَا يَجُوز , سِيَّمَا بِرُوحِ الْمُسْلِم , فَلَا قَوْل إِلَّا مَا قَالَهُ مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَاَللَّه أَعْلَم . قُلْت : قَدْ يَجُوز قَتْل التُّرْس , وَلَا يَكُون فِيهِ اِخْتِلَاف إِنْ شَاءَ اللَّه , وَذَلِكَ إِذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَة ضَرُورِيَّة كُلِّيَّة قَطْعِيَّة . فَمَعْنَى كَوْنهَا ضَرُورِيَّة : أَنَّهَا لَا يَحْصُل الْوُصُول إِلَى الْكُفَّار إِلَّا بِقَتْلِ التُّرْس . وَمَعْنَى أَنَّهَا كُلِّيَّة : أَنَّهَا قَاطِعَة لِكُلِّ الْأُمَّة , حَتَّى يَحْصُل مِنْ قَتْل التُّرْس مَصْلَحَة كُلّ الْمُسْلِمِينَ , فَإِنْ لَمْ يُفْعَل قَتَلَ الْكُفَّار التُّرْس وَاسْتَوْلَوْا عَلَى كُلّ الْأُمَّة . وَمَعْنَى كَوْنهَا قَطْعِيَّة : أَنَّ تِلْكَ الْمَصْلَحَة حَاصِلَة مِنْ قَتْل التُّرْس قَطْعًا . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَهَذِهِ الْمَصْلَحَة بِهَذِهِ الْقُيُود لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَف فِي اِعْتِبَارهَا ; لِأَنَّ الْفَرْض أَنَّ التُّرْس مَقْتُول قَطْعًا , فَإِمَّا بِأَيْدِي الْعَدُوّ فَتَحْصُل الْمَفْسَدَة الْعَظِيمَة الَّتِي هِيَ اِسْتِيلَاء الْعَدُوّ عَلَى كُلّ الْمُسْلِمِينَ . وَإِمَّا بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَيَهْلِك الْعَدُوّ وَيَنْجُو الْمُسْلِمُونَ أَجْمَعُونَ . وَلَا يَتَأَتَّى لِعَاقِلٍ أَنْ يَقُول : لَا يُقْتَل التُّرْس فِي هَذِهِ الصُّورَة بِوَجْهٍ ; لِأَنَّهُ يَلْزَم مِنْهُ ذَهَاب التُّرْس وَالْإِسْلَام وَالْمُسْلِمِينَ , لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَصْلَحَة غَيْر خَالِيَة مِنْ الْمَفْسَدَة , نَفَرَتْ مِنْهَا نَفْس مَنْ لَمْ يُمْعِن النَّظَر فِيهَا , فَإِنَّ تِلْكَ الْمَفْسَدَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يَحْصُل مِنْهَا عَدَم أَوْ كَالْعَدَمِ . وَاَللَّه أَعْلَم . قِرَاءَة الْعَامَّة " لَوْ تَزَيَّلُوا " إِلَّا أَبَا حَيْوَة فَإِنَّهُ قَرَأَ " تَزَايَلُوا " وَهُوَ مِثْل " تَزَيَّلُوا " فِي الْمَعْنَى . وَالتَّزَايُل : التَّبَايُن . وَ " تَزَيَّلُوا " تَفَعَّلُوا , مِنْ زِلْت . وَقِيلَ : هِيَ تَفَيْعَلُوا . " لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا " قِيلَ : اللَّام جَوَاب لِكَلَامَيْنِ , أَحَدهمَا : " لَوْلَا رِجَال " وَالثَّانِي : " لَوْ تَزَيَّلُوا " . وَقِيلَ جَوَاب " لَوْلَا " مَحْذُوف , وَقَدْ تَقَدَّمَ . " وَلَوْ تَزَيَّلُوا " اِبْتِدَاء كَلَام .'; $TAFSEER['4']['48']['26'] = 'الْعَامِل فِي " إِذْ " قَوْله تَعَالَى : " لَعَذَّبْنَا " أَيْ لَعَذَّبْنَاهُمْ إِذْ جَعَلُوا هَذَا . أَوْ فِعْل مُضْمَر تَقْدِيره وَاذْكُرُوا . " الْحَمِيَّة " فَعِيلَة وَهِيَ الْأَنَفَة . يُقَال : حَمِيت عَنْ كَذَا حَمِيَّة ( بِالتَّشْدِيدِ ) وَمَحْمِيَّة إِذَا أَنِفْت مِنْهُ وَدَاخَلَك عَار وَأَنَفَة أَنْ تَفْعَلهُ . وَمِنْهُ قَوْل الْمُتَلَمِّس : أَلَا إِنَّنِي مِنْهُمْ وَعِرْضِي عِرْضهمْ كَذِي الْأَنْف يَحْمِي أَنْفه أَنْ يُكَشَّمَا أَيْ يَمْنَع . قَالَ الزُّهْرِيّ : حَمِيَّتهمْ أَنَفَتهمْ مِنْ الْإِقْرَار لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرِّسَالَةِ وَالِاسْتِفْتَاح بِبِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم , وَمَنْعهمْ مِنْ دُخُول مَكَّة . وَكَانَ الَّذِي اِمْتَنَعَ مِنْ كِتَابَة بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم وَمُحَمَّد رَسُول اللَّه : سُهَيْل بْن عَمْرو , عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَقَالَ اِبْن بَحْر : حَمِيَّتهمْ عَصَبِيَّتهمْ لِآلِهَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُون اللَّه تَعَالَى , وَالْأَنَفَة مِنْ أَنْ يَعْبُدُوا غَيْرهَا . وَقِيلَ : " حَمِيَّة الْجَاهِلِيَّة " إِنَّهُمْ قَالُوا : قَتَلُوا أَبْنَاءَنَا وَإِخْوَاننَا ثُمَّ يَدْخُلُونَ عَلَيْنَا فِي مَنَازِلنَا , وَاللَّات وَالْعُزَّى لَا يَدْخُلهَا أَبَدًا . أَيْ الطُّمَأْنِينَة وَالْوَقَار . وَقِيلَ : ثَبَّتَهُمْ عَلَى الرِّضَا وَالتَّسْلِيم , وَلَمْ يُدْخِل قُلُوبهمْ مَا أَدْخَلَ قُلُوب أُولَئِكَ مِنْ الْحَمِيَّة . قِيلَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . رُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيث أُبَيّ بْن كَعْب عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهُوَ قَوْل عَلِيّ وَابْن عُمَر وَابْن عَبَّاس , وَعَمْرو بْن مَيْمُون وَمُجَاهِد وَقَتَادَة وَعِكْرِمَة وَالضَّحَّاك , وَسَلَمَة بْن كُهَيْل وَعُبَيْد بْن عُمَيْر وَطَلْحَة بْن مُصَرِّف , وَالرَّبِيع وَالسُّدِّيّ وَابْن زَيْد . وَقَالَهُ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , وَزَادَ " مُحَمَّد رَسُول اللَّه " . وَعَنْ عَلِيّ وَابْن عُمَر أَيْضًا هِيَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَاَللَّه أَكْبَر . وَقَالَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَمُجَاهِد أَيْضًا : هِيَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ , لَهُ الْمُلْك وَلَهُ الْحَمْد وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير . وَقَالَ الزُّهْرِيّ : بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم . يَعْنِي أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يُقِرُّوا بِهَذِهِ الْكَلِمَة , فَخَصَّ اللَّه بِهَا الْمُؤْمِنِينَ . وَ " كَلِمَة التَّقْوَى " هِيَ الَّتِي يُتَّقَى بِهَا مِنْ الشِّرْك . وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا أَنَّ " كَلِمَة التَّقْوَى " الْإِخْلَاص . أَيْ أَحَقّ بِهَا مِنْ كُفَّار مَكَّة ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى اِخْتَارَهُمْ لِدِينِهِ وَصُحْبَة نَبِيّه . " وَكَانَ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيمًا " .'; $TAFSEER['4']['48']['27'] = 'قَالَ قَتَادَة : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي الْمَنَام أَنَّهُ يَدْخُل مَكَّة عَلَى هَذِهِ الصِّفَة , فَلَمَّا صَالَحَ قُرَيْشًا بِالْحُدَيْبِيَةِ اِرْتَابَ الْمُنَافِقُونَ حَتَّى قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ يَدْخُل مَكَّة , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ " فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ سَيَدْخُلُونَ فِي غَيْر ذَلِكَ الْعَام , وَأَنَّ رُؤْيَاهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقّ . وَقِيلَ : إِنَّ أَبَا بَكْر هُوَ الَّذِي قَالَ إِنَّ الْمَنَام لَمْ يَكُنْ مُؤَقَّتًا بِوَقْتٍ , وَأَنَّهُ سَيَدْخُلُ . وَرُوِيَ أَنَّ الرُّؤْيَا كَانَتْ بِالْحُدَيْبِيَةِ , وَأَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاء حَقّ . وَالرُّؤْيَا أَحَد وُجُوه الْوَحْي إِلَى الْأَنْبِيَاء . أَيْ فِي الْعَام الْقَابِل قَالَ اِبْن كَيْسَان : إِنَّهُ حِكَايَة مَا قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامه , خُوطِبَ فِي مَنَامه بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَة , فَأَخْبَرَ اللَّه عَنْ رَسُوله أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ وَلِهَذَا اِسْتَثْنَى , تَأَدَّبَ بِأَدَبِ اللَّه تَعَالَى حَيْثُ قَالَ تَعَالَى : " وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِل ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه " [ الْكَهْف : 23 - 24 ] . وَقِيلَ : خَاطَبَ اللَّه الْعِبَاد بِمَا يُحِبّ أَنْ يَقُولُوهُ , كَمَا قَالَ : " وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِل ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه " . وَقِيلَ : اِسْتَثْنَى فِيمَا يَعْلَم لِيَسْتَثْنِيَ الْخَلْق فِيمَا لَا يَعْلَمُونَ , قَالَهُ ثَعْلَب . وَقِيلَ : كَانَ اللَّه عَلِمَ أَنَّهُ يُمِيت بَعْض هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ فَوَقَعَ الِاسْتِثْنَاء لِهَذَا الْمَعْنَى , قَالَهُ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل . وَقِيلَ : الِاسْتِثْنَاء مِنْ " آمِنِينَ " , وَذَلِكَ رَاجِع إِلَى مُخَاطَبَة الْعِبَاد عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَة . وَقِيلَ : مَعْنَى " إِنْ شَاءَ اللَّه " إِنْ أَمَرَكُمْ اللَّه بِالدُّخُولِ . وَقِيلَ : أَيْ إِنْ سَهَّلَ اللَّه . وَقِيلَ : " إِنْ شَاءَ اللَّه " أَيْ كَمَا شَاءَ اللَّه . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : " إِنْ " بِمَعْنَى " إِذْ " , أَيْ إِذْ شَاءَ اللَّه , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " اِتَّقُوا اللَّه وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " [ الْبَقَرَة : 278 ] أَيْ إِذْ كُنْتُمْ . وَفِيهِ بُعْد ; لِأَنَّ " إِذْ " فِي الْمَاضِي مِنْ الْفِعْل , وَ " إِذَا " فِي الْمُسْتَقْبَل , وَهَذَا الدُّخُول فِي الْمُسْتَقْبَل , فَوَعَدَهُمْ دُخُول الْمَسْجِد الْحَرَام وَعَلَّقَهُ بِشَرْطِ الْمَشِيئَة , وَذَلِكَ عَام الْحُدَيْبِيَة , فَأَخْبَرَ أَصْحَابه بِذَلِكَ فَاسْتَبْشَرُوا , ثُمَّ تَأَخَّرَ ذَلِكَ عَنْ الْعَام الَّذِي طَمِعُوا فِيهِ فَسَاءَهُمْ ذَلِكَ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ وَصَالَحَهُمْ وَرَجَعَ , ثُمَّ أَذِنَ اللَّه فِي الْعَام الْمُقْبِل فَأَنْزَلَ اللَّه : " لَقَدْ صَدَقَ اللَّه رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ " . وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ فِي الْمَنَام : " لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِد الْحَرَام إِنْ شَاءَ اللَّه " فَحَكَى فِي التَّنْزِيل مَا قِيلَ لَهُ فِي الْمَنَام , فَلَيْسَ هُنَا شَكّ كَمَا زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاء يَدُلّ عَلَى الشَّكّ , وَاَللَّه تَعَالَى لَا يَشُكّ , وَ " لَتَدْخُلُنَّ " تَحْقِيق فَكَيْف يَكُون شَكّ . فَ " إِنْ " بِمَعْنَى " إِذَا " . أَيْ مِنْ الْعَدُوّ . وَالتَّحْلِيق وَالتَّقْصِير جَمِيعًا لِلرِّجَالِ , وَلِذَلِكَ غَلَّبَ الْمُذَكَّر عَلَى الْمُؤَنَّث . وَالْحَلْق أَفْضَل , وَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ إِلَّا التَّقْصِير . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي هَذَا فِي " الْبَقَرَة " . وَفِي الصَّحِيح أَنَّ مُعَاوِيَة أَخَذَ مِنْ شَعْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَرْوَة بِمِشْقَصٍ . وَهَذَا كَانَ فِي الْعُمْرَة لَا فِي الْحَجّ ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَ فِي حَجَّته . حَال مِنْ الْمُحَلِّقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ , وَالتَّقْدِير : غَيْر خَائِفِينَ . أَيْ عَلِمَ مَا فِي تَأْخِير الدُّخُول مِنْ الْخَيْر وَالصَّلَاح مَا لَمْ تَعْلَمُوهُ أَنْتُمْ . وَذَلِكَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا رَجَعَ مَضَى مِنْهَا إِلَى خَيْبَر فَافْتَتَحَهَا , وَرَجَعَ بِأَمْوَالِ خَيْبَر وَأَخَذَ مِنْ الْعُدَّة وَالْقُوَّة أَضْعَاف مَا كَانَ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْعَام , وَأَقْبَلَ إِلَى مَكَّة عَلَى أُهْبَة وَقُوَّة وَعُدَّة بِأَضْعَافِ ذَلِكَ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : أَيْ عَلِمَ أَنَّ دُخُولهَا إِلَى سَنَة وَلَمْ تَعْلَمُوهُ أَنْتُمْ . وَقِيلَ : عَلِمَ أَنَّ بِمَكَّة رِجَالًا مُؤْمِنِينَ وَنِسَاء مُؤْمِنَات لَمْ تَعْلَمُوهُمْ . أَيْ مِنْ دُون رُؤْيَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتْح خَيْبَر , قَالَهُ اِبْن زَيْد وَالضَّحَّاك . وَقِيلَ فَتْح مَكَّة . وَقَالَ مُجَاهِد : هُوَ صُلْح الْحُدَيْبِيَة , وَقَالَهُ أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ . قَالَ الزُّهْرِيّ : مَا فَتَحَ اللَّه فِي الْإِسْلَام كَانَ أَعْظَم مِنْ صُلْح الْحُدَيْبِيَة ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ الْقِتَال حِين تَلْتَقِي النَّاس , فَلَمَّا كَانَتْ الْهُدْنَة وَضَعَتْ الْحَرْب أَوْزَارهَا وَأَمِنَ النَّاس بَعْضهمْ بَعْضًا , فَالْتَقَوْا وَتَفَاوَضُوا الْحَدِيث وَالْمُنَاظَرَة . فَلَمْ يُكَلَّم أَحَد بِالْإِسْلَامِ يَعْقِل شَيْئًا إِلَّا دَخَلَ فِيهِ , فَلَقَدْ دَخَلَ فِي تَيْنِك السَّنَتَيْنِ فِي الْإِسْلَام مِثْل مَا كَانَ فِي الْإِسْلَام قَبْل ذَلِكَ وَأَكْثَر . يَدُلّك عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا سَنَة سِتّ يَوْم الْحُدَيْبِيَة أَلْفًا وَأَرْبَعمِائَةٍ , وَكَانُوا بَعْد عَام الْحُدَيْبِيَة سَنَة ثَمَانٍ فِي عَشَرَة آلَاف .'; $TAFSEER['4']['48']['28'] = 'يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ يُعْلِيه عَلَى كُلّ الْأَدْيَان . فَالدِّين اِسْم بِمَعْنَى الْمَصْدَر , وَيَسْتَوِي لَفْظ الْوَاحِد وَالْجَمْع فِيهِ . وَقِيلَ : أَيْ لِيُظْهِر رَسُوله عَلَى الدِّين كُلّه , أَيْ عَلَى الدِّين الَّذِي هُوَ شَرْعه بِالْحُجَّةِ ثُمَّ بِالْيَدِ وَالسَّيْف , وَنَسْخ مَا عَدَاهُ . " شَهِيدًا " نُصِبَ عَلَى التَّفْسِير , وَالْبَاء زَائِدَة , أَيْ كَفَى اللَّه شَهِيدًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَشَهَادَته لَهُ تُبَيِّن صِحَّة نُبُوَّته بِالْمُعْجِزَاتِ . وَقِيلَ : " شَهِيدًا " عَلَى مَا أُرْسِلَ بِهِ لِأَنَّ الْكُفَّار أَبَوْا أَنْ يَكْتُبُوا : هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول اللَّه .'; $TAFSEER['4']['48']['29'] = '" مُحَمَّد " مُبْتَدَأ وَ " رَسُول " خَبَره . وَقِيلَ : " مُحَمَّد " اِبْتِدَاء وَ " رَسُول اللَّه " نَعْته . عَطْف عَلَى الْمُبْتَدَأ , وَالْخَبَر فِيمَا بَعْده ; فَلَا يُوقَف عَلَى هَذَا التَّقْدِير عَلَى " رَسُول اللَّه " . وَعَلَى الْأَوَّل يُوقَف عَلَى " رَسُول اللَّه " ; لِأَنَّ صِفَاته عَلَيْهِ السَّلَام تَزِيد عَلَى مَا وَصَفَ أَصْحَابه ; فَيَكُون " مُحَمَّد " اِبْتِدَاء وَ " رَسُول اللَّه " الْخَبَر " وَاَلَّذِينَ مَعَهُ " اِبْتِدَاء ثَانٍ . وَ " أَشِدَّاء " خَبَره وَ " رُحَمَاء " خَبَر ثَانٍ . وَكَوْن الصِّفَات فِي جُمْلَة أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْأَشْبَه . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِ " الَّذِينَ مَعَهُ " جَمِيع الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَهْل الْحُدَيْبِيَة أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّار ; أَيْ غِلَاظ عَلَيْهِمْ كَالْأَسَدِ عَلَى فَرِيسَته . أَيْ يَرْحَم بَعْضهمْ بَعْضًا . وَقِيلَ : مُتَعَاطِفُونَ مُتَوَادُّونَ . وَقَرَأَ الْحَسَن " أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّار رُحَمَاء بَيْنهمْ " بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَال , كَأَنَّهُ قَالَ : وَاَلَّذِينَ مَعَهُ فِي حَال شِدَّتهمْ عَلَى الْكُفَّار وَتَرَاحُمهمْ بَيْنهمْ . إِخْبَار عَنْ كَثْرَة صَلَاتهمْ . أَيْ يَطْلُبُونَ الْجَنَّة وَرِضَا اللَّه تَعَالَى . السِّيمَا الْعَلَامَة , وَفِيهَا لُغَتَانِ : الْمَدّ وَالْقَصْر , أَيْ لَاحَتْ عَلَامَات التَّهَجُّد بِاللَّيْلِ وَأَمَارَات السَّهَر . وَفِي سُنَن اِبْن مَاجَهْ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد الطَّلْحِيّ قَالَ حَدَّثَنَا ثَابِت بْن مُوسَى أَبُو يَزِيد عَنْ شَرِيك عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي سُفْيَان عَنْ جَابِر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ مَنْ كَثُرَتْ صَلَاته بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهه بِالنَّهَارِ ] . وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَدَسَّهُ قَوْم فِي حَدِيث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْه الْغَلَط , وَلَيْسَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ ذِكْر بِحَرْفٍ . وَقَدْ رَوَى اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك " سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههمْ مِنْ أَثَر السُّجُود " ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّق بِجِبَاهِهِمْ مِنْ الْأَرْض عِنْد السُّجُود , وَبِهِ قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر . وَفِي الْحَدِيث الصَّحِيح عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صَلَّى صَبِيحَة إِحْدَى وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَان وَقَدْ وَكَفَ الْمَسْجِد وَكَانَ عَلَى عَرِيش , فَانْصَرَفَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَلَاته وَعَلَى جَبْهَته وَأَرْنَبَته أَثَر الْمَاء وَالطِّين . وَقَالَ الْحَسَن : هُوَ بَيَاض يَكُون فِي الْوَجْه يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر أَيْضًا , وَرَوَاهُ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس ; قَالَهُ الزُّهْرِيّ . وَفِي الصَّحِيح عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة , وَفِيهِ : [ حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّه مِنْ الْقَضَاء بَيْن الْعِبَاد وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِج بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْل النَّار أَمَرَ الْمَلَائِكَة أَنْ يُخْرِجُوا مِنْ النَّار مَنْ كَانَ لَا يُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا مِمَّنْ أَرَادَ اللَّه أَنْ يَرْحَمهُ مِمَّنْ يَقُول لَا إِلَه إِلَّا اللَّه فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّار بِأَثَرِ السُّجُود تَأْكُل النَّار اِبْن آدَم إِلَّا أَثَر السُّجُود حَرَّمَ اللَّه عَلَى النَّار أَنْ تَأْكُل أَثَر السُّجُود ] . وَقَالَ شَهْر بْن حَوْشَب : يَكُون مَوْضِع السُّجُود مِنْ وُجُوههمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد : السِّيمَا فِي الدُّنْيَا وَهُوَ السَّمْت الْحَسَن . وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا : هُوَ الْخُشُوع وَالتَّوَاضُع . قَالَ مَنْصُور : سَأَلْت مُجَاهِدًا عَنْ قَوْله تَعَالَى : " سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههمْ " أَهُوَ أَثَر يَكُون بَيْن عَيْنَيْ الرَّجُل ؟ قَالَ لَا , رُبَّمَا يَكُون بَيْن عَيْنَيْ الرَّجُل مِثْل رُكْبَة الْعَنْز وَهُوَ أَقْسَى قَلْبًا مِنْ الْحِجَارَة وَلَكِنَّهُ نُور فِي وُجُوههمْ مِنْ الْخُشُوع . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : هُوَ الْوَقَار وَالْبَهَاء . وَقَالَ شِمْر بْن عَطِيَّة : هُوَ صُفْرَة الْوَجْه مِنْ قِيَام اللَّيْل . قَالَ الْحَسَن : إِذَا رَأَيْتهمْ حَسِبْتهمْ مَرْضَى وَمَا هُمْ بِمَرْضَى . وَقَالَ الضَّحَّاك : أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بِالنَّدْبِ فِي وُجُوههمْ وَلَكِنَّهُ الصُّفْرَة . وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ : يُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ فَإِذَا أَصْبَحُوا رُئِيَ ذَلِكَ فِي وُجُوههمْ , بَيَانه قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ مَنْ كَثُرَتْ صَلَاته بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهه بِالنَّهَارِ ] . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِيهِ آنِفًا . وَقَالَ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ : دَخَلَ فِي هَذِهِ الْآيَة كُلّ مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَات الْخَمْس . قَالَ الْفَرَّاء : فِيهِ وَجْهَانِ , إِنْ شِئْت قُلْت الْمَعْنَى ذَلِكَ مَثَلهمْ فِي التَّوْرَاة وَفِي الْإِنْجِيل أَيْضًا , كَمَثَلِهِمْ فِي الْقُرْآن , فَيَكُون الْوَقْف عَلَى " الْإِنْجِيل " وَإِنْ شِئْت قُلْت : تَمَام الْكَلَام ذَلِكَ مَثَلهمْ فِي التَّوْرَاة , ثُمَّ اِبْتَدَأَ فَقَالَ : وَمَثَلهمْ فِي الْإِنْجِيل . وَكَذَا قَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : هُمَا مَثَلَانِ , أَحَدهمَا فِي التَّوْرَاة وَالْآخَر فِي الْإِنْجِيل , فَيُوقَف عَلَى هَذَا عَلَى " التَّوْرَاة " . وَقَالَ مُجَاهِد : هُوَ مَثَل وَاحِد , يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ صِفَتهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , فَلَا يُوقَف عَلَى " التَّوْرَاة " عَلَى هَذَا , وَيُوقَف عَلَى " الْإِنْجِيل " وَيَبْتَدِئ " كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ " . عَلَى مَعْنَى وَهُمْ كَزَرْعٍ . وَ " شَطْأَهُ " يَعْنِي فِرَاخه وَأَوْلَاده , قَالَهُ اِبْن زَيْد وَغَيْره . وَقَالَ مُقَاتِل : هُوَ نَبْت وَاحِد , فَإِذَا خَرَجَ مَا بَعْده فَقَدْ شَطَأَهُ . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : شَطْء الزَّرْع وَالنَّبَات فِرَاخه , وَالْجَمْع أَشْطَاء . وَقَدْ أَشْطَأَ الزَّرْع خَرَجَ شَطْؤُهُ . قَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله : " أَخْرَجَ شَطْأَهُ " أَيْ طَرَفه . وَحَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ عَنْ الْكِسَائِيّ . وَقَالَ الْفَرَّاء : أَشْطَأَ الزَّرْع فَهُوَ مُشْطِئ إِذَا خَرَجَ . قَالَ الشَّاعِر : أَخْرَجَ الشَّطْء عَلَى وَجْه الثَّرَى وَمِنْ الْأَشْجَار أَفْنَان الثَّمَر الزَّجَّاج : أَخْرَجَ شَطْأَهُ أَيْ نَبَاته . وَقِيلَ : إِنَّ الشَّطْء شَوْك السُّنْبُل , وَالْعَرَب أَيْضًا تُسَمِّيه : السَّفَا , وَهُوَ شَوْك الْبُهْمَى , قَالَهُ قُطْرُب . وَقِيلَ : إِنَّهُ السُّنْبُل , فَيَخْرُج مِنْ الْحَبَّة عَشْر سُنْبُلَات وَتِسْع وَثَمَانٍ , قَالَ الْفَرَّاء , حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن ذَكْوَان " شَطَأَهُ " بِفَتْحِ الطَّاء , وَأَسْكَنَ الْبَاقُونَ . وَقَرَأَ أَنَس وَنَصْر بْن عَاصِم وَابْن وَثَّاب " شَطَاه " مِثْل عَصَاهُ . وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ وَابْن أَبِي إِسْحَاق " شَطَهُ " بِغَيْرِ هَمْز , وَكُلّهَا لُغَات فِيهَا . وَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه تَعَالَى لِأَصْحَابِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَعْنِي أَنَّهُمْ يَكُونُونَ قَلِيلًا ثُمَّ يَزْدَادُونَ وَيَكْثُرُونَ , فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين بَدَأَ بِالدُّعَاءِ إِلَى دِينه ضَعِيفًا فَأَجَابَهُ الْوَاحِد بَعْد الْوَاحِد حَتَّى قَوِيَ أَمْره , كَالزَّرْعِ يَبْدُو بَعْد الْبَذْر ضَعِيفًا فَيَقْوَى حَالًا بَعْد حَال حَتَّى يَغْلُظ نَبَاته وَأَفْرَاخه . فَكَانَ هَذَا مِنْ أَصَحّ مَثَل وَأَقْوَى بَيَان . وَقَالَ قَتَادَة : مَثَل أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِنْجِيل مَكْتُوب أَنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ قَوْم يَنْبُتُونَ نَبَات الزَّرْع , يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر . أَيْ قَوَّاهُ وَأَعَانَهُ وَشَدَّهُ , أَيْ قَوَّى الشَّطْء الزَّرْع . وَقِيلَ بِالْعَكْسِ , أَيْ قَوَّى الزَّرْع الشَّطْء . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " آزَرَهُ " بِالْمَدِّ . وَقَرَأَ اِبْن ذَكْوَان وَأَبُو حَيْوَة وَحُمَيْد بْن قَيْس " فَأَزَرَهُ " مَقْصُورَة , مِثْل فَعَلَهُ . وَالْمَعْرُوف الْمَدّ . قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : بِمَحْنِيَة قَدْ آزَرَ الضَّالّ نَبْتهَا مَجَرّ جُيُوش غَانِمِينَ وَخُيَّب عَلَى عُوده الَّذِي يَقُوم عَلَيْهِ فَيَكُون سَاقًا لَهُ . وَالسُّوق : جَمْع السَّاق . أَيْ يُعْجِب هَذَا الزَّرْع زُرَّاعه . وَهُوَ مَثَل كَمَا بَيَّنَّا , فَالزَّرْع مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالشَّطْء أَصْحَابه , كَانُوا قَلِيلًا فَكَثُرُوا , وَضُعَفَاء فَقَوَوْا , قَالَهُ الضَّحَّاك وَغَيْره . اللَّام مُتَعَلِّقَة بِمَحْذُوفٍ , أَيْ فَعَلَ اللَّه هَذَا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّار . أَيْ وَعَدَ اللَّه هَؤُلَاءِ الَّذِينَ مَعَ مُحَمَّد , وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ أَعْمَالهمْ صَالِحَة . وَ " مِنْ " فِي قَوْله : " مِنْهُمْ " مُبَعِّضَة لِقَوْمٍ مِنْ الصَّحَابَة دُون قَوْم ; وَلَكِنَّهَا عَامَّة مُجَنِّسَة , مِثْل قَوْله تَعَالَى : " فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنْ الْأَوْثَان " [ الْحَجّ : 30 ] لَا يَقْصِد لِلتَّبْعِيضِ لَكِنَّهُ يَذْهَب إِلَى الْجِنْس , أَيْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنْ جِنْس الْأَوْثَان , إِذْ كَانَ الرِّجْس يَقَع مِنْ أَجْنَاس شَتَّى , مِنْهَا الزِّنَى وَالرِّبَا وَشُرْب الْخَمْر وَالْكَذِب , فَأَدْخَلَ " مِنْ " يُفِيد بِهَا الْجِنْس وَكَذَا " مِنْهُمْ " , أَيْ مِنْ هَذَا الْجِنْس , يَعْنِي جِنْس الصَّحَابَة . وَيُقَال : أَنْفِقْ نَفَقَتك مِنْ الدَّرَاهِم , أَيْ اِجْعَلْ نَفَقَتك هَذَا الْجِنْس . وَقَدْ يُخَصَّص أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَعْدِ الْمَغْفِرَة تَفْضِيلًا لَهُمْ , وَإِنْ وَعَدَ اللَّه جَمِيع الْمُؤْمِنِينَ الْمَغْفِرَة . وَفِي الْآيَة جَوَاب آخَر : وَهُوَ أَنَّ " مِنْ " مُؤَكِّدَة لِلْكَلَامِ , وَالْمَعْنَى وَعَدَهُمْ اللَّه كُلّهمْ مَغْفِرَة وَأَجْرًا عَظِيمًا . فَجَرَى مَجْرَى قَوْل الْعَرَبِيّ : قَطَعْت مِنْ الثَّوْب قَمِيصًا , يُرِيد قَطَعْت الثَّوْب كُلّه قَمِيصًا . وَ " مِنْ " لَمْ يُبَعِّض شَيْئًا . وَشَاهِد هَذَا مِنْ الْقُرْآن " وَنُنَزِّل مِنْ الْقُرْآن مَا هُوَ شِفَاء " [ الْإِسْرَاء : 82 ] مَعْنَاهُ وَنُنَزِّل الْقُرْآن شِفَاء ; لِأَنَّ كُلّ حَرْف مِنْهُ يَشْفِي , وَلَيْسَ الشِّفَاء مُخْتَصًّا بِهِ بَعْضه دُون بَعْض . عَلَى أَنَّ مِنْ اللُّغَوِيِّينَ مَنْ يَقُول : " مِنْ " مُجَنِّسَة , تَقْدِيرهَا نُنَزِّل الشِّفَاء مِنْ جِنْس الْقُرْآن , وَمِنْ جِهَة الْقُرْآن , وَمِنْ نَاحِيَة الْقُرْآن . قَالَ زُهَيْر : أَمِنْ أُمّ أَوْفَى دِمْنَة لَمْ تَكَلَّم أَرَادَ مِنْ نَاحِيَة أُمّ أَوْفَى دِمْنَة , أَمْ مِنْ مَنَازِلهَا دِمْنَة . وَقَالَ الْآخَر : أَخُو رَغَائِب يُعْطِيهَا وَيَسْأَلهَا يَأْبَى الظُّلَامَة مِنْهُ النَّوْفَل الزُّفَر فَ " مِنْ " لَمْ تُبَعِّض شَيْئًا , إِذْ كَانَ الْمَقْصِد يَأْبَى الظُّلَامَة لِأَنَّهُ نَوْفَل زُفَر . وَالنَّوْفَل : الْكَثِير الْعَطَاء . وَالزُّفَر : حَامِل الْأَثْقَال وَالْمُؤَن عَنْ النَّاس . رَوَى أَبُو عُرْوَة الزُّبَيْرِيّ مِنْ وَلَد الزُّبَيْر : كُنَّا عِنْد مَالِك بْن أَنَس , فَذَكَرُوا رَجُلًا يَنْتَقِص أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَرَأَ مَالِك هَذِهِ الْآيَة " مُحَمَّد رَسُول اللَّه وَاَلَّذِينَ مَعَهُ " حَتَّى بَلَغَ " يُعْجِب الزُّرَّاع لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّار " . فَقَالَ مَالِك : مَنْ أَصْبَحَ مِنْ النَّاس فِي قَلْبه غَيْظ عَلَى أَحَد مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ أَصَابَتْهُ هَذِهِ الْآيَة , ذَكَرَهُ الْخَطِيب أَبُو بَكْر . قُلْت : لَقَدْ أَحْسَنَ مَالِك فِي مَقَالَته وَأَصَابَ فِي تَأْوِيله . فَمَنْ نَقَّصَ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَوْ طَعَنَ عَلَيْهِ فِي رِوَايَته فَقَدْ رَدَّ عَلَى اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ , وَأَبْطَلَ شَرَائِع الْمُسْلِمِينَ , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " مُحَمَّد رَسُول اللَّه وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّار " الْآيَة . وَقَالَ : " لَقَدْ رَضِيَ اللَّه عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَك تَحْت الشَّجَرَة " [ الْفَتْح : 18 ] إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآي الَّتِي تَضَمَّنَتْ الثَّنَاء عَلَيْهِمْ , وَالشَّهَادَة لَهُمْ بِالصِّدْقِ وَالْفَلَاح , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّه عَلَيْهِ " [ الْأَحْزَاب : 23 ] . وَقَالَ : " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّه وَرِضْوَانًا " إِلَى قَوْله " أُولَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ " [ الْحَشْر : 8 ] , ثُمَّ قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِل : " وَاَلَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّار وَالْإِيمَان مِنْ قَبْلهمْ " إِلَى قَوْله " فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ " [ الْحَشْر : 9 ] . وَهَذَا كُلّه مَعَ عِلْمه تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِحَالِهِمْ وَمَآل أَمْرهمْ , وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ خَيْر النَّاس قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ] وَقَالَ : [ لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدكُمْ أَنْفَقَ مِثْل أُحُد ذَهَبًا لَمْ يُدْرِك مُدّ أَحَدهمْ وَلَا نَصِيفه ] خَرَّجَهُمَا الْبُخَارِيّ . وَفِي حَدِيث آخَر : [ فَلَوْ أَنَّ أَحَدكُمْ أَنْفَقَ مَا فِي الْأَرْض لَمْ يُدْرِك مُدَّ أَحَدهمْ وَلَا نَصِيفه ] . قَالَ أَبُو عُبَيْد : مَعْنَاهُ لَمْ يُدْرِك مُدَّ أَحَدهمْ إِذَا تَصَدَّقَ بِهِ وَلَا نِصْف الْمُدّ , فَالنَّصِيف هُوَ النِّصْف هُنَا . وَكَذَلِكَ يُقَال لِلْعُشْرِ عَشِير , وَلِلْخُمْسِ خَمِيس , وَلِلتُّسْعِ تَسِيع , وَلِلثُّمْنِ ثَمِين , وَلِلسُّبْعِ سَبِيع , وَلِلسُّدْسِ سَدِيس , وَلِلرُّبْعِ رَبِيع . وَلَمْ تَقُلْ الْعَرَب لِلثُّلُثِ ثَلِيث . وَفِي الْبَزَّار عَنْ جَابِر مَرْفُوعًا صَحِيحًا : [ إِنَّ اللَّه اِخْتَارَ أَصْحَابِي عَلَى الْعَالَمِينَ سِوَى النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَاخْتَارَ لِي مِنْ أَصْحَابِي أَرْبَعَة - يَعْنِي أَبَا بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيًّا - فَجَعَلَهُمْ أَصْحَابِي ] . وَقَالَ : [ فِي أَصْحَابِي كُلّهمْ خَيْر ] . وَرَوَى عُوَيْم بْن سَاعِدَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ اِخْتَارَنِي وَاخْتَارَ لِي أَصْحَابِي فَجَعَلَ لِي مِنْهُمْ وُزَرَاء وَأَخْتَانًا وَأَصْهَارًا فَمَنْ سَبَّهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَة اللَّه وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ وَلَا يَقْبَل اللَّه مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة صَرْفًا وَلَا عَدْلًا ] . وَالْأَحَادِيث بِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَة , فَحَذَارِ مِنْ الْوُقُوع فِي أَحَد مِنْهُمْ , كَمَا فَعَلَ مَنْ طَعَنَ فِي الدِّين فَقَالَ : إِنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ لَيْسَتَا مِنْ الْقُرْآن , وَمَا صَحَّ حَدِيث عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَثْبِيتهمَا وَدُخُولهمَا فِي جُمْلَة التَّنْزِيل إِلَّا عَنْ عُقْبَة بْن عَامِر , وَعُقْبَة بْن عَامِر ضَعِيف لَمْ يُوَافِقهُ غَيْره عَلَيْهَا , فَرِوَايَته مُطْرَحَة . وَهَذَا رَدّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْكِتَاب وَالسُّنَّة , وَإِبْطَال لِمَا نَقَلَتْهُ لَنَا الصَّحَابَة مِنْ الْمِلَّة . فَإِنَّ عُقْبَة بْن عَامِر بْن عِيسَى الْجُهَنِيّ مِمَّنْ رَوَى لَنَا الشَّرِيعَة فِي الصَّحِيحَيْنِ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَغَيْرهمَا , فَهُوَ مِمَّنْ مَدَحَهُمْ اللَّه وَوَصَفَهُمْ وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ وَوَعَدَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْرًا عَظِيمًا . فَمَنْ نَسَبَهُ أَوْ وَاحِدًا مِنْ الصَّحَابَة إِلَى كَذِب فَهُوَ خَارِج عَنْ الشَّرِيعَة , مُبْطِل لِلْقُرْآنِ طَاعِن عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمَتَى أُلْحِقَ وَاحِد مِنْهُمْ تَكْذِيبًا فَقَدْ سُبَّ ; لِأَنَّهُ لَا عَار وَلَا عَيْب بَعْد الْكُفْر بِاَللَّهِ أَعْظَم مِنْ الْكَذِب , وَقَدْ لَعَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَبَّ أَصْحَابه , فَالْمُكَذِّب لِأَصْغَرِهِمْ - وَلَا صَغِير فِيهِمْ - دَاخِل فِي لَعْنَة اللَّه الَّتِي شَهِدَ بِهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَلْزَمَهَا كُلّ مَنْ سَبَّ وَاحِدًا مِنْ أَصْحَابه أَوْ طَعَنَ عَلَيْهِ . وَعَنْ عُمَر بْن حَبِيب قَالَ : حَضَرْت مَجْلِس هَارُون الرَّشِيد فَجَرَتْ مَسْأَلَة تَنَازَعَهَا الْحُضُور وَعَلَتْ أَصْوَاتهمْ , فَاحْتَجَّ بَعْضهمْ بِحَدِيثٍ يَرْوِيه أَبُو هُرَيْرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرَفَعَ بَعْضهمْ الْحَدِيث وَزَادَتْ الْمُدَافَعَة وَالْخِصَام حَتَّى قَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ : لَا يُقْبَل هَذَا الْحَدِيث عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَة مُتَّهَم فِيمَا يَرْوِيه , وَصَرَّحُوا بِتَكْذِيبِهِ , وَرَأَيْت الرَّشِيد قَدْ نَحَا نَحْوهمْ وَنَصَرَ قَوْلهمْ فَقُلْت أَنَا : الْحَدِيث صَحِيح عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَبُو هُرَيْرَة صَحِيح النَّقْل صَدُوق فِيمَا يَرْوِيه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْره , فَنَظَرَ إِلَيَّ الرَّشِيد نَظَر مُغْضَب , وَقُمْت مِنْ الْمَجْلِس فَانْصَرَفْت إِلَى مَنْزِلِي , فَلَمْ أَلْبَث حَتَّى قِيلَ : صَاحِب الْبَرِيد بِالْبَابِ , فَدَخَلَ فَقَالَ لِي : أَجِبْ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إِجَابَة مَقْتُول , وَتَحَنَّطْ وَتَكَفَّنْ فَقُلْت : اللَّهُمَّ إِنَّك تَعْلَم أَنِّي دَافَعْت عَنْ صَاحِب نَبِيّك , وَأَجْلَلْت نَبِيّك أَنْ يُطْعَن عَلَى أَصْحَابه , فَسَلِّمْنِي مِنْهُ . فَأُدْخِلْت عَلَى الرَّشِيد وَهُوَ جَالِس عَلَى كُرْسِيّ مِنْ ذَهَب , حَاسِر عَنْ ذِرَاعَيْهِ , بِيَدِهِ السَّيْف وَبَيْن يَدَيْهِ النِّطْع , فَلَمَّا بَصُرَ بِي قَالَ لِي : يَا عُمَر بْن حَبِيب مَا تَلَقَّانِي أَحَد مِنْ الرَّدّ وَالدَّفْع لِقَوْلِي بِمِثْلِ مَا تَلَقَّيْتنِي بِهِ فَقُلْت : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , إِنَّ الَّذِي قُلْته وَجَادَلْت عَنْهُ فِيهِ اِزْدِرَاء عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى مَا جَاءَ بِهِ , إِذَا كَانَ أَصْحَابه كَذَّابِينَ فَالشَّرِيعَة بَاطِلَة , وَالْفَرَائِض وَالْأَحْكَام فِي الصِّيَام وَالصَّلَاة وَالطَّلَاق وَالنِّكَاح وَالْحُدُود كُلّه مَرْدُود غَيْر مَقْبُول فَرَجَعَ إِلَى نَفْسه ثُمَّ قَالَ : أَحْيَيْتنِي يَا عُمَر بْن حَبِيب أَحْيَاك اللَّه , وَأَمَرَ لِي بِعَشَرَةِ آلَاف دِرْهَم . قُلْت : فَالصَّحَابَة كُلّهمْ عُدُول , أَوْلِيَاء اللَّه تَعَالَى وَأَصْفِيَاؤُهُ , وَخِيرَته مِنْ خَلْقه بَعْد أَنْبِيَائِهِ وَرُسُله . هَذَا مَذْهَب أَهْل السُّنَّة , وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاعَة مِنْ أَئِمَّة هَذِهِ الْأُمَّة . وَقَدْ ذَهَبَتْ شِرْذِمَة لَا مُبَالَاة بِهِمْ إِلَى أَنَّ حَال الصَّحَابَة كَحَالِ غَيْرهمْ , فَيَلْزَم الْبَحْث عَنْ عَدَالَتهمْ . وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْن حَالهمْ فِي بُدَاءَة الْأَمْر فَقَالَ : إِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْعَدَالَة إِذْ ذَاكَ , ثُمَّ تَغَيَّرَتْ بِهِمْ الْأَحْوَال فَظَهَرَتْ فِيهِمْ الْحُرُوب وَسَفْك الدِّمَاء , فَلَا بُدّ مِنْ الْبَحْث . وَهَذَا مَرْدُود , فَإِنَّ خِيَار الصَّحَابَة وَفُضَلَاءَهُمْ كَعَلِيٍّ وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَغَيْرهمْ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ مِمَّنْ أَثْنَى اللَّه عَلَيْهِمْ وَزَكَّاهُمْ وَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ وَوَعَدَهُمْ الْجَنَّة بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " مَغْفِرَة وَأَجْرًا عَظِيمًا " . وَخَاصَّة الْعَشَرَة الْمَقْطُوع لَهُمْ بِالْجَنَّةِ بِإِخْبَارِ الرَّسُول هُمْ الْقُدْوَة مَعَ عِلْمهمْ بِكَثِيرٍ مِنْ الْفِتَن وَالْأُمُور الْجَارِيَة عَلَيْهِمْ بَعْد نَبِيّهمْ بِإِخْبَارِهِ لَهُمْ بِذَلِكَ . وَذَلِكَ غَيْر مُسْقِط مِنْ مَرْتَبَتهمْ وَفَضْلهمْ , إِذْ كَانَتْ تِلْكَ الْأُمُور مَبْنِيَّة عَلَى الِاجْتِهَاد , وَكُلّ مُجْتَهِد مُصِيب . وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِي تِلْكَ الْأُمُور فِي سُورَة " الْحُجُرَات " مُبَيَّنَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى : أَيْ ثَوَابًا لَا يَنْقَطِع'; $TAFSEER['4']['49']['1'] = 'قَالَ الْعُلَمَاء : كَانَ فِي الْعَرَبِيّ جَفَاء وَسُوء أَدَب فِي خِطَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَلْقِيب النَّاس . فَالسُّورَة فِي الْأَمْر بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاق وَرِعَايَة الْآدَاب . وَقَرَأَ الضَّحَّاك وَيَعْقُوب الْحَضْرَمِيّ : " لَا تَقَدَّمُوا " بِفَتْحِ التَّاء وَالدَّال مِنْ التَّقَدُّم . الْبَاقُونَ " تُقَدِّمُوا " بِضَمِّ التَّاء وَكَسْر الدَّال مِنْ التَّقْدِيم . وَمَعْنَاهُمَا ظَاهِر , أَيْ لَا تُقَدِّمُوا قَوْلًا وَلَا فِعْلًا بَيْن يَدَيْ اللَّه وَقَوْل رَسُوله وَفِعْله فِيمَا سَبِيله أَنْ تَأْخُذُوهُ عَنْهُ مِنْ أَمْر الدِّين وَالدُّنْيَا . وَمَنْ قَدَّمَ قَوْله أَوْ فِعْله عَلَى الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ قَدَّمَهُ عَلَى اللَّه تَعَالَى لِأَنَّ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا يَأْمُر عَنْ أَمْر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَاخْتُلِفَ فِي سَبَب نُزُولهَا عَلَى أَقْوَال سِتَّة : الْأَوَّل : مَا ذَكَرَهُ الْوَاحِدِيّ مِنْ حَدِيث اِبْن جُرَيْج قَالَ : حَدَّثَنِي اِبْن أَبِي مُلَيْكَة أَنَّ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدِمَ رَكْب مِنْ بَنِي تَمِيم عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ أَبُو بَكْر : أَمِّرْ الْقَعْقَاع بْن مَعْبَد . وَقَالَ عُمَر : أَمِّرْ الْأَقْرَع بْن حَابِس . فَقَالَ أَبُو بَكْر : مَا أَرَدْت إِلَّا خِلَافِي . وَقَالَ عُمَر : مَا أَرَدْت خِلَافك . فَتَمَادَيَا حَتَّى اِرْتَفَعَتْ أَصْوَاتهمَا , فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْن يَدَيْ اللَّه وَرَسُوله - إِلَى قَوْله - وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُج إِلَيْهِمْ " . رَوَاهُ الْبُخَارِيّ عَنْ الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الصَّبَّاح , ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ أَيْضًا . الثَّانِي : مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَسْتَخْلِف عَلَى الْمَدِينَة رَجُلًا إِذَا مَضَى إِلَى خَيْبَر , فَأَشَارَ عَلَيْهِ عُمَر بِرَجُلٍ آخَر , فَنَزَلَ : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْن يَدَيْ اللَّه وَرَسُوله " . ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ أَيْضًا . الثَّالِث : مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ عَنْ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْفَذَ أَرْبَعَة وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابه إِلَى بَنِي عَامِر فَقَتَلُوهُمْ , إِلَّا ثَلَاثَة تَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَسَلِمُوا وَانْكَفَئُوا إِلَى الْمَدِينَة , فَلَقَوْا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سُلَيْم فَسَأَلُوهُمَا عَنْ نَسَبهمَا فَقَالَا : مِنْ بَنِي عَامِر لِأَنَّهُمْ أَعَزّ مِنْ بَنِي سُلَيْم فَقَتَلُوهُمَا , فَجَاءَ نَفَر مِنْ بَنِي سُلَيْم إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى فَقَالُوا : إِنَّ بَيْننَا وَبَيْنك عَهْدًا , وَقَدْ قُتِلَ مِنَّا رَجُلَانِ , فَوَدَاهُمَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِائَةِ بَعِير , وَنَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة فِي قَتْلهمْ الرَّجُلَيْنِ . وَقَالَ قَتَادَة : إِنَّ نَاسًا كَانُوا يَقُولُونَ لَوْ أُنْزِلَ فِيَّ كَذَا , لَوْ أُنْزِلَ فِيَّ كَذَا ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . اِبْن عَبَّاس : نُهُوا أَنْ يَتَكَلَّمُوا بَيْن يَدَيْ كَلَامه . مُجَاهِد : لَا تَفْتَاتُوا عَلَى اللَّه وَرَسُوله حَتَّى يَقْضِي اللَّه عَلَى لِسَان رَسُوله , ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ أَيْضًا . الْحَسَن : نَزَلَتْ فِي قَوْم ذَبَحُوا قَبْل أَنْ يُصَلِّي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا الذَّبْح . اِبْن جُرَيْج : لَا تُقَدِّمُوا أَعْمَال الطَّاعَات قَبْل وَقْتهَا الَّذِي أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِهِ وَرَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قُلْت : هَذِهِ الْأَقْوَال الْخَمْسَة الْمُتَأَخِّرَة ذَكَرَهَا الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ , وَسَرَدَهَا قَبْله الْمَاوَرْدِيّ . قَالَ الْقَاضِي : وَهِيَ كُلّهَا صَحِيحَة تَدْخُل تَحْت الْعُمُوم , فَاَللَّه أَعْلَم مَا كَانَ السَّبَب الْمُثِير لِلْآيَةِ مِنْهَا , وَلَعَلَّهَا نَزَلَتْ دُون سَبَب , وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ الْقَاضِي : إِذَا قُلْنَا إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي تَقْدِيم الطَّاعَات عَلَى أَوْقَاتهَا فَهُوَ صَحِيح ; لِأَنَّ كُلّ عِبَادَة مُؤَقَّتَة بِمِيقَاتٍ لَا يَجُوز تَقْدِيمهَا عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم وَالْحَجّ , وَذَلِكَ بَيِّن . إِلَّا أَنَّ الْعُلَمَاء اِخْتَلَفُوا فِي الزَّكَاة , لَمَّا كَانَتْ عِبَادَة مَالِيَّة وَكَانَتْ مَطْلُوبَة لِمَعْنًى مَفْهُوم , وَهُوَ سَدّ خَلَّة الْفَقِير ; وَلِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَعْجَلَ مِنْ الْعَبَّاس صَدَقَة عَامَيْنِ , وَلِمَا جَاءَ مِنْ جَمْع صَدَقَة الْفِطْر قَبْل يَوْم الْفِطْر حَتَّى تُعْطَى لِمُسْتَحِقِّيهَا يَوْم الْوُجُوب وَهُوَ يَوْم الْفِطْر , فَاقْتَضَى ذَلِكَ كُلّه جَوَاز تَقْدِيمهَا الْعَام وَالِاثْنَيْنِ . فَإِنْ جَاءَ رَأْس الْعَام وَالنِّصَاب بِحَالِهِ وَقَعَتْ مَوْقِعهَا . وَإِنْ جَاءَ رَأْس الْعَام وَقَدْ تَغَيَّرَ النِّصَاب تَبَيَّنَ أَنَّهَا صَدَقَة تَطَوُّع . وَقَالَ أَشْهَب : لَا يَجُوز تَقْدِيمهَا عَلَى الْحَوْل لَحْظَة كَالصَّلَاةِ , وَكَأَنَّهُ طَرَدَ الْأَصْل فِي الْعِبَادَات فَرَأَى أَنَّهَا إِحْدَى دَعَائِم الْإِسْلَام فَوَفَّاهَا حَقّهَا فِي النِّظَام وَحُسْن التَّرْتِيب . وَرَأَى سَائِر عُلَمَائِنَا أَنَّ التَّقْدِيم الْيَسِير فِيهَا جَائِز ; لِأَنَّهُ مَعْفُوّ عَنْهُ فِي الشَّرْع بِخِلَافِ الْكَثِير . وَمَا قَالَهُ أَشْهَب أَصَحّ , فَإِنَّ مُفَارَقَة الْيَسِير الْكَثِير فِي أُصُول الشَّرِيعَة صَحِيح وَلَكِنَّهُ لِمَعَانٍ تَخْتَصّ بِالْيَسِيرِ دُون الْكَثِير . فَأَمَّا فِي مَسْأَلَتنَا فَالْيَوْم فِيهِ كَالشَّهْرِ , وَالشَّهْر كَالسَّنَةِ . فَإِمَّا تَقْدِيم كُلِّيّ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ , وَإِمَّا حِفْظ الْعِبَادَة عَلَى مِيقَاتهَا كَمَا قَالَ أَشْهَب . قَوْله تَعَالَى : " لَا تُقَدِّمُوا بَيْن يَدَيْ اللَّه " أَصْل فِي تَرْك التَّعَرُّض لِأَقْوَالِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِيجَاب اِتِّبَاعه وَالِاقْتِدَاء بِهِ , وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضه : ( مُرُوا أَبَا بَكْر فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ) . فَقَالَتْ عَائِشَة لِحَفْصَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْر رَجُل أَسِيف وَإِنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامك لَا يُسْمِع النَّاس مِنْ الْبُكَاء , فَمُرْ عُمَر فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ . فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِب يُوسُف . مُرُوا أَبَا بَكْر فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ) . فَمَعْنَى قَوْله ( صَوَاحِب يُوسُف ) الْفِتْنَة بِالرَّدِّ عَنْ الْجَائِز إِلَى غَيْر الْجَائِز . وَرُبَّمَا اِحْتَجَّ بُغَاةُ الْقِيَاس بِهَذِهِ الْآيَة . وَهُوَ بَاطِل مِنْهُمْ , فَإِنَّ مَا قَامَتْ دَلَالَته فَلَيْسَ فِي فِعْله تَقْدِيم بَيْن يَدَيْهِ . وَقَدْ قَامَتْ دَلَالَة الْكِتَاب وَالسُّنَّة عَلَى وُجُوب الْقَوْل بِالْقِيَاسِ فِي فُرُوع الشَّرْع , فَلَيْسَ إِذًا تَقَدُّم بَيْن يَدَيْهِ . يَعْنِي فِي التَّقَدُّم الْمَنْهِيّ عَنْهُ . لِقَوْلِكُمْ بِفِعْلِكُمْ .'; $TAFSEER['4']['49']['2'] = 'رَوَى الْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَة قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر أَنَّ الْأَقْرَع بْن حَابِس قَدِمَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ أَبُو بَكْر : يَا رَسُول اللَّه اِسْتَعْمِلْهُ عَلَى قَوْمه , فَقَالَ عُمَر : لَا تَسْتَعْمِلهُ يَا رَسُول اللَّه , فَتَكَلَّمَا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اِرْتَفَعَتْ أَصْوَاتهمَا , فَقَالَ أَبُو بَكْر لِعُمَر : مَا أَرَدْت إِلَّا خِلَافِي . فَقَالَ عُمَر : مَا أَرَدْت خِلَافك , قَالَ : فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتكُمْ فَوْق صَوْت النَّبِيّ " قَالَ : فَكَانَ عُمَر بَعْد ذَلِكَ إِذَا تَكَلَّمَ عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُسْمِع كَلَامه حَتَّى يَسْتَفْهِمهُ . قَالَ : وَمَا ذَكَرَ اِبْن الزُّبَيْر جَدّه يَعْنِي أَبَا بَكْر . قَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب حَسَن . وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضهمْ عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَة مُرْسَلًا , لَمْ يُذْكَر فِيهِ عَنْ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر . قُلْت : هُوَ الْبُخَارِيّ , قَالَ : عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَة كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْر وَعُمَر , رَفَعَا أَصْوَاتهمَا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْب بَنِي تَمِيم , فَأَشَارَ أَحَدهمَا بِالْأَقْرَعِ بْن حَابِس أَخِي بَنِي مُجَاشِع , وَأَشَارَ الْآخَر بِرَجُلٍ آخَر , فَقَالَ نَافِع : لَا أَحْفَظ اِسْمه , فَقَالَ أَبُو بَكْر لِعُمَر : مَا أَرَدْت إِلَّا خِلَافِي . فَقَالَ : مَا أَرَدْت خِلَافك . فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتهمَا فِي ذَلِكَ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتكُمْ فَوْق صَوْت النَّبِيّ " الْآيَة . فَقَالَ اِبْن الزُّبَيْر : فَمَا كَانَ عُمَر يُسْمِع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد هَذِهِ الْآيَة حَتَّى يَسْتَفْهِمهُ . وَلَمْ يَذْكُر ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ , يَعْنِي أَبَا بَكْر الصِّدِّيق . وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيّ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : نَزَلَ قَوْله : " لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتكُمْ فَوْق صَوْت النَّبِيّ " فِينَا لَمَّا اِرْتَفَعَتْ أَصْوَاتنَا أَنَا وَجَعْفَر وَزَيْد بْن حَارِثَة , نَتَنَازَع اِبْنَة حَمْزَة لَمَّا جَاءَ بِهَا زَيْد مِنْ مَكَّة , فَقَضَى بِهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَعْفَرٍ ; لِأَنَّ خَالَتهَا عِنْده . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيث فِي " آل عِمْرَان " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِفْتَقَدَ ثَابِت بْن قَيْس فَقَالَ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه , أَنَا أَعْلَم لَك عِلْمه , فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْته مُنَكِّسًا رَأْسه , فَقَالَ لَهُ : مَا شَأْنك ؟ فَقَالَ : شَرّ ! كَانَ يَرْفَع صَوْته فَوْق صَوْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ حَبِطَ عَمَله وَهُوَ مِنْ أَهْل النَّار . فَأَتَى الرَّجُل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا . فَقَالَ مُوسَى : فَرَجَعَ إِلَيْهِ الْمَرَّة الْآخِرَة بِبِشَارَةٍ عَظِيمَة , فَقَالَ : " اِذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ إِنَّك لَسْت مِنْ أَهْل النَّار وَلَكِنَّك مِنْ أَهْل الْجَنَّة ) ( لَفْظ الْبُخَارِيّ ) وَثَابِت هَذَا هُوَ ثَابِت بْن قَيْس بْن شَمَّاس الْخَزْرَجِيّ يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّد بِابْنِهِ مُحَمَّد . وَقِيلَ : أَبَا عَبْد الرَّحْمَن . قُتِلَ لَهُ يَوْم الْحَرَّة ثَلَاثَة مِنْ الْوَلَد : مُحَمَّد , وَيَحْيَى , وَعَبْد اللَّه . وَكَانَ خَطِيبًا بَلِيغًا مَعْرُوفًا بِذَلِكَ , كَانَ يُقَال لَهُ خَطِيب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَمَا يُقَال لِحَسَّان شَاعِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَلَمَّا قَدِمَ وَفْد تَمِيم عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَلَبُوا الْمُفَاخَرَة قَامَ خَطِيبهمْ فَافْتَخَرَ , ثُمَّ قَامَ ثَابِت بْن قَيْس فَخَطَبَ خُطْبَة بَلِيغَة جَزِلَة فَغَلَبَهُمْ , وَقَامَ شَاعِرهمْ وَهُوَ الْأَقْرَع بْن حَابِس فَأَنْشَدَ : أَتَيْنَاك كَيْمَا يَعْرِف النَّاس فَضْلنَا إِذَا خَالَفُونَا عِنْد ذِكْر الْمَكَارِم وَإِنَّا رُءُوس النَّاس مِنْ كُلّ مَعْشَر وَأَنْ لَيْسَ فِي أَرْض الْحِجَاز كَدَارِمِ وَإِنَّ لَنَا الْمِرْبَاع فِي كُلّ غَارَة تَكُون بِنَجْدٍ أَوْ بِأَرْضِ التَّهَائِم فَقَامَ حَسَّان فَقَالَ : بَنِي دَارِم لَا تَفْخَرُوا إِنَّ فَخْركُمْ يَعُود وَبَالًا عِنْد ذِكْر الْمَكَارِم هَبِلْتُمْ عَلَيْنَا تَفْخَرُونَ وَأَنْتُمْ لَنَا خَوَل مِنْ بَيْن ظِئْر وَخَادِم فِي أَبْيَات لَهُمَا . فَقَالُوا : خَطِيبهمْ أَخْطَب مِنْ خَطِيبنَا , وَشَاعِرهمْ أَشْعَر مِنْ شَاعِرنَا , فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتهمْ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتكُمْ فَوْق صَوْت النَّبِيّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ " . وَقَالَ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ : حَدَّثَتْنِي اِبْنَة ثَابِت بْن قَيْس قَالَتْ : لَمَّا نَزَلَتْ : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتكُمْ فَوْق صَوْت النَّبِيّ " الْآيَة , دَخَلَ أَبُوهَا بَيْته وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابه , فَفَقَدَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَسْأَلهُ مَا خَبَره , فَقَالَ : أَنَا رَجُل شَدِيد الصَّوْت , أَخَاف أَنْ يَكُون حَبِطَ عَمَلِي . فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( لَسْت مِنْهُمْ بَلْ تَعِيش بِخَيْرٍ وَتَمُوت بِخَيْرٍ ) . قَالَ : ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه : " إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ كُلّ مُخْتَال فَخُور " [ لُقْمَان : 18 ] فَأَغْلَقَ بَابه وَطَفِقَ يَبْكِي , فَفَقَدَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , إِنِّي أُحِبّ الْجَمَال وَأُحِبّ أَنْ أَسُود قَوْمِي . فَقَالَ : ( لَسْت مِنْهُمْ بَلْ تَعِيش حَمِيدًا وَتُقْتَل شَهِيدًا وَتَدْخُل الْجَنَّة ) . قَالَتْ : فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْيَمَامَة خَرَجَ مَعَ خَالِد بْن الْوَلِيد إِلَى مُسَيْلِمَة فَلَمَّا اِلْتَقَوْا اِنْكَشَفُوا , فَقَالَ ثَابِت وَسَالِم مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة : مَا هَكَذَا كُنَّا نُقَاتِل مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ حَفَرَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا لَهُ حُفْرَة فَثَبَتَا وَقَاتَلَا حَتَّى قُتِلَا , وَعَلَى ثَابِت يَوْمئِذٍ دِرْع لَهُ نَفِيسَة , فَمَرَّ بِهِ رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَخَذَهَا , فَبَيْنَا رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ نَائِم أَتَاهُ ثَابِت فِي مَنَامه فَقَالَ لَهُ : أُوصِيك بِوَصِيَّةٍ , فَإِيَّاكَ أَنْ تَقُول هَذَا حُلْم فَتُضَيِّعهُ , إِنِّي لَمَّا قُتِلْت أَمْس مَرَّ بِي رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَخَذَ دِرْعِي وَمَنْزِله فِي أَقْصَى النَّاس , وَعِنْد خِبَائِهِ فَرَس يَسْتَنّ فِي طِوَله , وَقَدْ كَفَأَ عَلَى الدِّرْع بُرْمَة , وَفَوْق الْبُرْمَة رَحْل , فَأْتِ خَالِدًا فَمُرْهُ أَنْ يَبْعَث إِلَى دِرْعِي فَيَأْخُذهَا , وَإِذَا قَدِمْت الْمَدِينَة عَلَى خَلِيفَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي أَبَا بَكْر - فَقُلْ لَهُ : إِنَّ عَلَيَّ مِنْ الدَّيْن كَذَا وَكَذَا , وَفُلَان مِنْ رَقِيقِي عَتِيق وَفُلَان , فَأَتَى الرَّجُل خَالِدًا فَأَخْبَرَهُ , فَبَعَثَ إِلَى الدِّرْع فَأُتِيَ بِهَا وَحَدَّثَ أَبَا بَكْر بِرُؤْيَاهُ فَأَجَازَ وَصِيَّته . قَالَ : وَلَا نَعْلَم أَحَدًا أُجِيزَتْ وَصِيَّته بَعْد مَوْته غَيْر ثَابِت , رَحِمَهُ اللَّه , ذَكَرَهُ أَبُو عُمَر فِي الِاسْتِيعَاب . مَعْنَى الْآيَة الْأَمْر بِتَعْظِيمِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوْقِيره , وَخَفْض الصَّوْت بِحَضْرَتِهِ وَعِنْد مُخَاطَبَته , أَيْ إِذَا نَطَقَ وَنَطَقْتُمْ فَعَلَيْكُمْ أَلَّا تَبْلُغُوا بِأَصْوَاتِكُمْ وَرَاء الْحَدّ الَّذِي يَبْلُغهُ بِصَوْتِهِ , وَأَنْ تَغُضُّوا مِنْهَا بِحَيْثُ يَكُون كَلَامه غَالِبًا لِكَلَامِكُمْ , وَجَهْره بَاهِرًا لِجَهْرِكُمْ , حَتَّى تَكُون مَزِيَّته عَلَيْكُمْ لَائِحَة , وَسَابِقَته وَاضِحَة , وَامْتِيَازه عَنْ جُمْهُوركُمْ كَشِيَةِ الْأَبْلَق . لَا أَنْ تَغْمُرُوا صَوْته بِلَغَطِكُمْ , وَتَبْهَرُوا مَنْطِقه بِصَخَبِكُمْ . وَفِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود " لَا تَرْفَعُوا بِأَصْوَاتِكُمْ " . وَقَدْ كَرِهَ بَعْض الْعُلَمَاء رَفْع الصَّوْت عِنْد قَبْره عَلَيْهِ السَّلَام . وَكَرِهَ بَعْض الْعُلَمَاء رَفْع الصَّوْت فِي مَجَالِس الْعُلَمَاء تَشْرِيفًا لَهُمْ , إِذْ هُمْ وَرَثَة الْأَنْبِيَاء . قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : حُرْمَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيِّتًا كَحُرْمَتِهِ حَيًّا , وَكَلَامه الْمَأْثُور بَعْد مَوْته فِي الرُّقْعَة مِثَال كَلَامه الْمَسْمُوع مِنْ لَفْظه , فَإِذَا قُرِئَ كَلَامه , وَجَبَ عَلَى كُلّ حَاضِر أَلَّا يَرْفَع صَوْته عَلَيْهِ , وَلَا يُعْرِض عَنْهُ , كَمَا كَانَ يَلْزَمهُ ذَلِكَ فِي مَجْلِسه عِنْد تَلَفُّظه بِهِ . وَقَدْ نَبَّهَ اللَّه سُبْحَانه عَلَى دَوَام الْحُرْمَة الْمَذْكُورَة عَلَى مُرُور الْأَزْمِنَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا " [ الْأَعْرَاف : 204 ] . وَكَلَامه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْي , وَلَهُ مِنْ الْحِكْمَة مِثْل مَا لِلْقُرْآنِ , إِلَّا مَعَانٍ مُسْتَثْنَاة , بَيَانهَا فِي كُتُب الْفِقْه . و لَيْسَ الْغَرَض بِرَفْعِ الصَّوْت وَلَا الْجَهْر مَا يُقْصَد بِهِ الِاسْتِخْفَاف وَالِاسْتِهَانَة ; لِأَنَّ ذَلِكَ كُفْر وَالْمُخَاطَبُونَ مُؤْمِنُونَ . وَإِنَّمَا الْغَرَض صَوْت هُوَ فِي نَفْسه وَالْمَسْمُوع مِنْ جَرْسه غَيْر مُنَاسِب لِمَا يُهَاب بِهِ الْعُظَمَاء وَيُوَقَّر الْكُبَرَاء , فَيَتَكَلَّف الْغَضّ مِنْهُ وَرَدّه إِلَى حَدّ يَمِيل بِهِ إِلَى مَا يَسْتَبِين فِيهِ الْمَأْمُور بِهِ مِنْ التَّعْزِير وَالتَّوْقِير . وَلَمْ يَتَنَاوَل النَّهْي أَيْضًا رَفْع الصَّوْت الَّذِي يَتَأَذَّى بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ مَا كَانَ مِنْهُمْ فِي حَرْب أَوْ مُجَادَلَة مُعَانِد أَوْ إِرْهَاب عَدُوّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , فَفِي الْحَدِيث أَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لِلْعَبَّاسِ بْن عَبْد الْمُطَّلِب لَمَّا اِنْهَزَمَ النَّاس يَوْم حُنَيْن : ( اُصْرُخْ بِالنَّاسِ ) , وَكَانَ الْعَبَّاس أَجْهَر النَّاس صَوْتًا . يُرْوَى أَنَّ غَارَة أَتَتْهُمْ يَوْمًا فَصَاحَ الْعَبَّاس : يَا صَاحِبَاهُ ! فَأُسْقِطَتْ الْحَوَامِل لِشِدَّةِ صَوْته , وَفِيهِ يَقُول نَابِغَة بَنِي جَعْدَة : زَجْر أَبِي عُرْوَة السِّبَاع إِذَا أَشْفَقَ أَنْ يَخْتَلِطْنَ بِالْغَنَمِ زَعَمَتْ الرُّوَاة أَنَّهُ كَانَ يَزْجُر السِّبَاع عَنْ الْغَنَم فَيُفْتِق مَرَارَة السَّبُع فِي جَوْفه . أَيْ لَا تُخَاطِبُوهُ : يَا مُحَمَّد , وَيَا أَحْمَد . وَلَكِنْ : يَا نَبِيّ اللَّه , وَيَا رَسُول اللَّه , تَوْقِيرًا لَهُ . وَقِيلَ : كَانَ الْمُنَافِقُونَ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتهمْ عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِيَقْتَدِيَ بِهِمْ ضَعَفَة الْمُسْلِمِينَ فَنُهِيَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ ذَلِكَ . وَقِيلَ : " لَا تَجْهَرُوا لَهُ " أَيْ لَا تَجْهَرُوا عَلَيْهِ , كَمَا يُقَال : سَقَطَ لِفِيهِ , أَيْ عَلَى فِيهِ . الْكَاف كَاف التَّشْبِيه فِي مَحَلّ النَّصْب , أَيْ لَا تَجْهَرُوا لَهُ جَهْرًا مِثْل جَهْر بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ . وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُنْهَوْا عَنْ الْجَهْر مُطْلَقًا حَتَّى لَا يَسُوغ لَهُمْ إِلَّا أَنْ يُكَلِّمُوهُ بِالْهَمْسِ وَالْمُخَافَتَة , وَإِنَّمَا نُهُوا عَنْ جَهْر مَخْصُوص مُقَيَّد بِصِفَةٍ , أَعْنِي الْجَهْر الْمَنْعُوت بِمُمَاثَلَةِ مَا قَدْ اِعْتَادُوهُ مِنْهُمْ فِيمَا بَيْنهمْ , وَهُوَ الْخُلُوّ مِنْ مُرَاعَاة أُبَّهَة النُّبُوَّة وَجَلَالَة مِقْدَارهَا وَانْحِطَاط سَائِر الرُّتَب وَإِنْ جَلَّتْ عَنْ رُتْبَتهَا . أَيْ مِنْ أَجْل أَنْ تَحْبَط , أَيْ تَبْطُل , هَذَا قَوْل الْبَصْرِيِّينَ . وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : أَيْ لِئَلَّا تَحْبَط أَعْمَالكُمْ . قَالَ الزَّجَّاج : " أَنْ تَحْبَط أَعْمَالكُمْ " التَّقْدِير لِأَنْ تَحْبَط , أَيْ فَتَحْبَط أَعْمَالكُمْ , فَاللَّام الْمُقَدَّرَة لَام الصَّيْرُورَة وَلَيْسَ قَوْله : " أَنْ تَحْبَط أَعْمَالكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ " بِمُوجِبٍ أَنْ يَكْفُر الْإِنْسَان وَهُوَ لَا يَعْلَم , فَكَمَا لَا يَكُون الْكَافِر مُؤْمِنًا إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ الْإِيمَان عَلَى الْكُفْر , كَذَلِكَ لَا يَكُون الْمُؤْمِن كَافِرًا مِنْ حَيْثُ لَا يَقْصِد إِلَى الْكُفْر وَلَا يَخْتَارهُ بِإِجْمَاعٍ . كَذَلِكَ لَا يَكُون الْكَافِر كَافِرًا مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَم .'; $TAFSEER['4']['49']['3'] = 'أَيْ يُخْفِضُونَ أَصْوَاتهمْ عِنْده إِذَا تَكَلَّمُوا إِجْلَالًا لَهُ , أَوْ كَلَّمُوا غَيْره بَيْن يَدَيْهِ إِجْلَالًا لَهُ . قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : لَمَّا نَزَلَتْ " لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتكُمْ " قَالَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : وَاَللَّه لَا أَرْفَع صَوْتِي إِلَّا كَأَخِي السِّرَار . وَذَكَرَ سُنَيْد قَالَ : حَدَّثَنَا عَبَّاد بْن الْعَوَّام عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو عَنْ أَبِي سَلَمَة قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : " لَا تُقَدِّمُوا بَيْن يَدَيْ اللَّه وَرَسُوله " [ الْحُجُرَات : 1 ] قَالَ أَبُو بَكْر : وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أُكَلِّمك بَعْد هَذَا إِلَّا كَأَخِي السِّرَار . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر : لَمَّا نَزَلَتْ : " لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتكُمْ " مَا حَدَّثَ عُمَر عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد ذَلِكَ فَسُمِعَ كَلَامه حَتَّى يَسْتَفْهِمهُ مِمَّا يُخْفِض , فَنَزَلَتْ : " إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتهمْ عِنْد رَسُول اللَّه أُولَئِكَ الَّذِينَ اِمْتَحَنَ اللَّه قُلُوبهمْ لِلتَّقْوَى " . قَالَ الْفَرَّاء : أَيْ أَخْلَصَهَا لِلتَّقْوَى . وَقَالَ الْأَخْفَش : أَيْ اِخْتَصَّهَا لِلتَّقْوَى . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : " اِمْتَحَنَ اللَّه قُلُوبهمْ لِلتَّقْوَى " طَهَّرَهُمْ مِنْ كُلّ قَبِيح , وَجَعَلَ فِي قُلُوبهمْ الْخَوْف مِنْ اللَّه وَالتَّقْوَى . وَقَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : أَذْهَبَ عَنْ قُلُوبهمْ الشَّهَوَات . وَالِامْتِحَان اِفْتِعَال مِنْ مَحَنْت الْأَدِيم مَحْنًا حَتَّى أَوْسَعْته . فَمَعْنَى اِمْتَحَنَ اللَّه قُلُوبهمْ لِلتَّقْوَى وَسَّعَهَا وَشَرَحَهَا لِلتَّقْوَى . وَعَلَى الْأَقْوَال الْمُتَقَدِّمَة : اِمْتَحَنَ قُلُوبهمْ فَأَخْلَصَهَا , كَقَوْلِك : اِمْتَحَنْت الْفِضَّة أَيْ اِخْتَبَرْتهَا حَتَّى خَلَصَتْ . فَفِي الْكَلَام حَذْف يَدُلّ عَلَيْهِ الْكَلَام , وَهُوَ الْإِخْلَاص . وَقَالَ أَبُو عَمْرو : كُلّ شَيْء جَهَدْته فَقَدْ مَحَنْته . وَأَنْشَدَ : أَتَتْ رَذَايَا بَادِيًا كَلَالهَا قَدْ مَحَنَتْ وَاضْطَرَبَتْ آطَالهَا'; $TAFSEER['4']['49']['4'] = 'قَالَ مُجَاهِد وَغَيْره : نَزَلَتْ فِي أَعْرَاب بَنِي تَمِيم , قَدِمَ الْوَفْد مِنْهُمْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَدَخَلُوا الْمَسْجِد وَنَادَوْا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرَاء حُجْرَته أَنْ اُخْرُجْ إِلَيْنَا , فَإِنَّ مَدْحنَا زَيْن وَذَمّنَا شَيْن . وَكَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا قَدَّمُوا الْفِدَاء ذَرَارِيّ لَهُمْ , وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ لِلْقَائِلَةِ . وَرُوِيَ أَنَّ الَّذِي نَادَى الْأَقْرَع بْن حَابِس , وَأَنَّهُ الْقَائِل : إِنَّ مَدْحِي زَيْن وَإِنْ ذَمِّي شَيْن , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ذَاكَ اللَّه ) . ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب أَيْضًا . وَرَوَى زَيْد بْن أَرْقَم فَقَالَ : أَتَى أُنَاس النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : اِنْطَلِقُوا بِنَا إِلَى هَذَا الرَّجُل , فَإِنْ يَكُنْ نَبِيًّا فَنَحْنُ أَسْعَد النَّاس بِاتِّبَاعِهِ , وَإِنْ يَكُنْ مَلِكًا نَعِشْ فِي جِنَابه . فَأَتَوْا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلُوا يُنَادُونَهُ وَهُوَ فِي حُجْرَته : يَا مُحَمَّد , يَا مُحَمَّد , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة . قِيلَ : إِنَّهُمْ كَانُوا مِنْ بَنِي تَمِيم . قَالَ مُقَاتِل كَانُوا تِسْعَة عَشَر : قَيْس بْن عَاصِم , وَالزِّبْرِقَان بْن بَدْر , وَالْأَقْرَع بْن حَابِس , وَسُوَيْد بْن هَاشِم , وَخَالِد بْن مَالِك , وَعَطَاء بْن حَابِس , وَالْقَعْقَاع بْن مَعْبَد , وَوَكِيع بْن وَكِيع , وَعُيَيْنَة بْن حِصْن وَهُوَ الْأَحْمَق الْمُطَاع , وَكَانَ مِنْ الْجَرَّارِينَ يَجُرّ عَشَرَة آلَاف قَنَاة , أَيْ يَتْبَعهُ , وَكَانَ اِسْمه حُذَيْفَة وَسُمِّيَ عُيَيْنَة لِشَتَرٍ كَانَ فِي عَيْنَيْهِ ذَكَرَ عَبْد الرَّزَّاق فِي عُيَيْنَة هَذَا : أَنَّهُ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ " وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبه عَنْ ذِكْرنَا " [ الْكَهْف : 28 ] . وَقَدْ مَضَى فِي آخِر " الْأَعْرَاف " مِنْ قَوْله لِعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَا فِيهِ كِفَايَة , ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ . وَرُوِيَ أَنَّهُمْ وَفَدُوا وَقْت الظَّهِيرَة وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاقِد , فَجَعَلُوا يُنَادُونَهُ : يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد , اُخْرُجْ إِلَيْنَا , فَاسْتَيْقَظَ وَخَرَجَ , وَنَزَلَتْ . وَسُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( هُمْ جُفَاة بَنِي تَمِيم لَوْلَا أَنَّهُمْ مِنْ أَشَدّ النَّاس قِتَالًا لِلْأَعْوَرِ الدَّجَّال لَدَعَوْت اللَّه عَلَيْهِمْ أَنْ يُهْلِكهُمْ ) . وَالْحُجُرَات جَمْع حُجْرَة , كَالْغُرُفَاتِ جَمْع غُرْفَة , وَالظُّلُمَات جَمْع ظُلْمَة . وَقِيلَ : الْحُجُرَات جَمْع الْحُجَر , وَالْحُجَر جَمْع حُجْرَة , فَهُوَ جَمْع الْجَمْع . وَفِيهِ لُغَتَانِ : ضَمّ الْجِيم وَفَتْحهَا . قَالَ : وَلَمَّا رَأَوْنَا بَادِيًا رُكَبَاتنَا عَلَى مَوْطِن لَا نَخْلِط الْجِدّ بِالْهَزْلِ وَالْحُجْرَة : الرُّقْعَة مِنْ الْأَرْض الْمَحْجُورَة بِحَائِطٍ يُحَوِّط عَلَيْهَا . وَحَظِيرَة الْإِبِل تُسَمَّى الْحُجْرَة , وَهِيَ فُعْلَة بِمَعْنَى مَفْعُولَة . وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر بْن الْقَعْقَاع " الْحُجَرَات " بِفَتْحِ الْجِيم اِسْتِثْقَالًا لِلضَّمَّتَيْنِ . وَقُرِئَ " الْحُجْرَات " بِسُكُونِ الْجِيم تَخْفِيفًا . وَأَصْل الْكَلِمَة الْمَنْع . وَكُلّ مَا مَنَعْت أَنْ يُوصَل إِلَيْهِ فَقَدْ حَجَرْت عَلَيْهِ . ثُمَّ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُنَادِي بَعْضًا مِنْ الْجُمْلَة فَلِهَذَا قَالَ : " أَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ أَيْ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَك مِنْ جُمْلَة قَوْم الْغَالِب عَلَيْهِمْ الْجَهْل .'; $TAFSEER['4']['49']['5'] = 'أَيْ لَوْ اِنْتَظَرُوا خُرُوجك لَكَانَ أَصْلَح فِي دِينهمْ وَدُنْيَاهُمْ . وَكَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْتَجِب عَنْ النَّاس إِلَّا فِي أَوْقَات يَشْتَغِل فِيهِمَا بِمُهِمَّاتِ نَفْسه , فَكَانَ إِزْعَاجه فِي تِلْكَ الْحَالَة مِنْ سُوء الْأَدَب وَقِيلَ : كَانُوا جَاءُوا شُفَعَاء فِي أُسَارَى بَنِي عَنْبَر فَأَعْتَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِصْفهمْ , وَفَادَى عَلَى النِّصْف . وَلَوْ صَبَرُوا لَأَعْتَقَ جَمِيعهمْ بِغَيْرِ فِدَاء .'; $TAFSEER['4']['49']['6'] = 'قِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي الْوَلِيد بْن عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط . وَسَبَب ذَلِكَ مَا رَوَاهُ سَعِيد عَنْ قَتَادَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ الْوَلِيد بْن عُقْبَة مُصَدِّقًا إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِق , فَلَمَّا أَبْصَرُوهُ أَقْبَلُوا نَحْوه فَهَابَهُمْ - فِي رِوَايَة : لِإِحْنَةٍ كَانَتْ بَيْنه وَبَيْنهمْ - , فَرَجَعَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ قَدْ اِرْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَام . فَبَعَثَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِد بْن الْوَلِيد وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَثَبَّت وَلَا يَعْجَل , فَانْطَلَقَ خَالِد حَتَّى أَتَاهُمْ لَيْلًا , فَبَعَثَ عُيُونه فَلَمَّا جَاءُوا أَخْبَرُوا خَالِدًا أَنَّهُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِالْإِسْلَامِ , وَسَمِعُوا أَذَانهمْ وَصَلَاتهمْ , فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَتَاهُمْ خَالِد وَرَأَى صِحَّة مَا ذَكَرُوهُ , فَعَادَ إِلَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , فَكَانَ يَقُول نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( التَّأَنِّي مِنْ اللَّه وَالْعَجَلَة مِنْ الشَّيْطَان ) . وَفِي رِوَايَة : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِق بَعْد إِسْلَامهمْ , فَلَمَّا سَمِعُوا بِهِ رَكِبُوا إِلَيْهِ , فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ خَافَهُمْ , فَرَجَعَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْقَوْم قَدْ هَمُّوا بِقَتْلِهِ , وَمَنَعُوا صَدَقَاتهمْ . فَهَمَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَزْوِهِمْ , فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ قَدِمَ وَفْدهمْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , سَمِعْنَا بِرَسُولِك فَخَرَجْنَا إِلَيْهِ لِنُكْرِمهُ , وَنُؤَدِّي إِلَيْهِ مَا قِبَلنَا مِنْ الصَّدَقَة , فَاسْتَمَرَّ رَاجِعًا , وَبَلَغَنَا أَنَّهُ يَزْعُم لِرَسُولِ اللَّه أَنَّا خَرَجْنَا لِنُقَاتِلهُ , وَاَللَّه مَا خَرَجْنَا لِذَلِكَ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة . وَسُمِّيَ الْوَلِيد فَاسِقًا أَيْ كَاذِبًا . قَالَ اِبْن زَيْد وَمُقَاتِل وَسَهْل بْن عَبْد اللَّه : الْفَاسِق الْكَذَّاب . وَقَالَ أَبُو الْحَسَن الْوَرَّاق : هُوَ الْمُعْلِن بِالذَّنْبِ . وَقَالَ اِبْن طَاهِر : الَّذِي لَا يَسْتَحِي مِنْ اللَّه . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " فَتَثَبَّتُوا " مِنْ التَّثَبُّت . الْبَاقُونَ " فَتَبَيَّنُوا " مِنْ التَّبْيِين فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى قَبُول خَبَر الْوَاحِد إِذَا كَانَ عَدْلًا ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ فِيهَا بِالتَّثَبُّتِ عِنْد نَقْل خَبَر الْفَاسِق . وَمَنْ ثَبَتَ فِسْقه بَطَلَ قَوْله فِي الْأَخْبَار إِجْمَاعًا ; لِأَنَّ الْخَبَر أَمَانَة وَالْفِسْق قَرِينَة يُبْطِلهَا . وَقَدْ اِسْتَثْنَى الْإِجْمَاع مِنْ جُمْلَة ذَلِكَ مَا يَتَعَلَّق بِالدَّعْوَى وَالْجُحُود , وَإِثْبَات حَقّ مَقْصُود عَلَى الْغَيْر , مِثْل أَنْ يَقُول : هَذَا عَبْدِي , فَإِنَّهُ يُقْبَل قَوْله . وَإِذَا قَالَ : قَدْ أَنْفَذَ فُلَان هَذَا لَك هَدِيَّة , فَإِنَّهُ يُقْبَل ذَلِكَ . وَكَذَلِكَ يُقْبَل فِي مِثْله خَبَر الْكَافِر . وَكَذَلِكَ إِذَا أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِحَقٍّ عَلَى نَفْسه فَلَا يَبْطُل إِجْمَاعًا . وَأَمَّا فِي الْإِنْشَاء عَلَى غَيْره فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَغَيْره : لَا يَكُون وَلِيًّا فِي النِّكَاح . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَمَالِك : يَكُون وَلِيًّا لِأَنَّهُ يَلِي مَالهَا فَيَلِي بُضْعهَا . كَالْعَدْلِ , وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا فِي دِينه إِلَّا أَنَّ غَيْرَته مُوَفَّرَة وَبِهَا يَحْمِي الْحَرِيم , وَقَدْ يَبْذُل الْمَال وَيَصُون الْحُرْمَة , وَإِذَا وَلِيَ الْمَال فَالنِّكَاح أَوْلَى . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَمِنْ الْعَجَب أَنْ يُجَوِّز الشَّافِعِيّ وَنُظَرَاؤُهُ إِمَامَة الْفَاسِق . وَمَنْ لَا يُؤْتَمَن عَلَى حَبَّة مَال كَيْف يَصِحّ أَنْ يُؤْتَمَن عَلَى قِنْطَار دِين . وَهَذَا إِنَّمَا كَانَ أَصْله أَنَّ الْوُلَاة الَّذِينَ كَانُوا يُصَلُّونَ بِالنَّاسِ لَمَّا فَسَدَتْ أَدْيَانهمْ وَلَمْ يُمْكِن تَرْك الصَّلَاة وَرَاءَهُمْ , وَلَا اُسْتُطِيعَتْ إِزَالَتهمْ صُلِّيَ مَعَهُمْ وَوَرَاءَهُمْ , كَمَا قَالَ عُثْمَان : الصَّلَاة أَحْسَن مَا يَفْعَل النَّاس , فَإِذَا أَحْسَنُوا فَأَحْسِنْ , وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتهمْ . ثُمَّ كَانَ مِنْ النَّاس مَنْ إِذَا صَلَّى مَعَهُمْ تَقِيَّة أَعَادُوا الصَّلَاة لِلَّهِ , وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَجْعَلهَا صَلَاته . وَبِوُجُوبِ الْإِعَادَة أَقُول , فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُك الصَّلَاة مَعَ مَنْ لَا يَرْضَى مِنْ الْأَئِمَّة , وَلَكِنْ يُعِيد سِرًّا فِي نَفْسه , وَلَا يُؤْثِر ذَلِكَ عِنْد غَيْره . وَأَمَّا أَحْكَامه إِنْ كَانَ وَالِيًا فَيُنَفَّذ مِنْهَا مَا وَافَقَ الْحَقّ وَيُرَدّ مَا خَالَفَهُ , وَلَا يُنْقَض حُكْمه الَّذِي أَمْضَاهُ بِحَالٍ , وَلَا تَلْتَفِتُوا إِلَى غَيْر هَذَا الْقَوْل مِنْ رِوَايَة تُؤْثَر أَوْ قَوْل يُحْكَى , فَإِنَّ الْكَلَام كَثِير وَالْحَقّ ظَاهِر . لَا خِلَاف فِي أَنَّهُ يَصِحّ أَنْ يَكُون رَسُولًا عَنْ غَيْره فِي قَوْل يُبَلِّغهُ أَوْ شَيْء يُوَصِّلهُ , أَوْ إِذْن يُعْلِمهُ , إِذَا لَمْ يَخْرُج عَنْ حَقّ الْمُرْسِل , وَالْمُبَلَّغ , فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقّ لِغَيْرِهِمَا لَمْ يُقْبَل قَوْله . وَهَذَا جَائِز لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَة إِلَيْهِ , فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَصَرَّف بَيْن الْخَلْق فِي هَذِهِ الْمَعَانِي إِلَّا الْعُدُول لَمْ يَحْصُل مِنْهَا شَيْء لِعَدَمِهِمْ فِي ذَلِكَ . وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِي الْآيَة دَلِيل عَلَى فَسَاد مَنْ قَالَ : إِنَّ الْمُسْلِمِينَ كُلّهمْ عُدُول حَتَّى تَثْبُت الْجُرْحَة ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ بِالتَّثَبُّتِ قَبْل الْقَبُول , وَلَا مَعْنَى لِلتَّثَبُّتِ بَعْد إِنْفَاذ الْحُكْم , فَإِنْ حَكَمَ الْحَاكِم قَبْل التَّثَبُّت فَقَدْ أَصَابَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بِجَهَالَةٍ . فَإِنْ قَضَى بِمَا يَغْلِب عَلَى الظَّنّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَمَلًا بِجَهَالَةٍ , كَالْقَضَاءِ بِالشَّاهِدَيْنِ الْعَدْلِيَّيْنِ , وَقَبُول قَوْل الْعَالِم الْمُجْتَهِد . وَإِنَّمَا الْعَمَل بِالْجَهَالَةِ قَبُول قَوْل مَنْ لَا يَحْصُل غَلَبَة الظَّنّ بِقَبُولِهِ . ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَة الْقُشَيْرِيّ , وَاَلَّذِي قَبْلهَا الْمَهْدَوِيّ . أَيْ لِئَلَّا تُصِيبُوا , فـ " أَنْ " فِي مَحَلّ نَصْب بِإِسْقَاطِ الْخَافِض . أَيْ بِخَطَإٍ . عَلَى الْعَجَلَة وَتَرْك التَّأَنِّي .'; $TAFSEER['4']['49']['7'] = 'فَلَا تُكَذِّبُوا , فَإِنَّ اللَّه يُعْلِمهُ أَنْبَاءَكُمْ فَتَفْتَضِحُونَ . أَيْ لَوْ تَسَارَعَ إِلَى مَا أَرَدْتُمْ قَبْل وُضُوح الْأَمْر لَنَالَكُمْ مَشَقَّة وَإِثْم , فَإِنَّهُ لَوْ قَتَلَ الْقَوْم الَّذِينَ سَعَى بِهِمْ الْوَلِيد بْن عُقْبَة إِلَيْهِ لَكَانَ خَطَأ , وَلَعَنِتَ مَنْ أَرَادَ إِيقَاع الْهَلَاك بِأُولَئِكَ الْقَوْم لِعَدَاوَةٍ كَانَتْ بَيْنه وَبَيْنهمْ . وَمَعْنَى طَاعَة الرَّسُول لَهُمْ : الِائْتِمَار بِمَا يَأْمُر بِهِ فِيمَا يُبَلِّغُونَهُ عَنْ النَّاس وَالسَّمَاع مِنْهُمْ . وَالْعَنَت الْإِثْم , يُقَال : عَنِتَ الرَّجُل . وَالْعَنَت أَيْضًا الْفُجُور وَالزِّنَى , كَمَا فِي سُورَة " النِّسَاء " . وَالْعَنَت أَيْضًا الْوُقُوع فِي أَمْر شَاقّ , وَقَدْ مَضَى فِي آخِر " التَّوْبَة " الْقَوْل فِي " عَنِتُّمْ " [ التَّوْبَة : 128 ] بِأَكْثَر مِنْ هَذَا . هَذَا خِطَاب لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُخْلِصِينَ الَّذِينَ لَا يُكَذِّبُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُخْبِرُونَ بِالْبَاطِلِ , أَيْ جَعَلَ الْإِيمَان أَحَبّ الْأَدْيَان إِلَيْكُمْ . " وَزَيَّنَهُ " بِتَوْفِيقِهِ . " فِي قُلُوبكُمْ " أَيْ حَسَّنَهُ إِلَيْكُمْ حَتَّى اِخْتَرْتُمُوهُ . وَفِي هَذَا رَدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة وَالْإِمَامِيَّة وَغَيْرهمْ , حَسَب مَا تَقَدَّمَ فِي غَيْر مَوْضِع . فَهُوَ سُبْحَانه الْمُنْفَرِد بِخَلْقِ ذَوَات الْخَلْق وَخَلْق أَفْعَالهمْ وَصِفَاتهمْ وَاخْتِلَاف أَلْسِنَتهمْ وَأَلْوَانهمْ , لَا شَرِيك لَهُ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد بِهِ الْكَذِب خَاصَّة . وَقَالَهُ اِبْن زَيْد . وَقِيلَ : كُلّ مَا خَرَّجَ عَنْ الطَّاعَة , مُشْتَقّ مِنْ فَسَقَتْ الرُّطَبَة خَرَجَتْ مِنْ قِشْرهَا . وَالْفَأْرَة مِنْ جُحْرهَا . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " الْقَوْل فِيهِ مُسْتَوْفًى . وَالْعِصْيَان جَمْع الْمَعَاصِي . ثُمَّ اِنْتَقَلَ مِنْ الْخِطَاب إِلَى الْخَبَر فَقَالَ : " أُولَئِكَ " يَعْنِي هُمْ الَّذِينَ وَفَّقَهُمْ اللَّه فَحَبَّبَ إِلَيْهِمْ الْإِيمَان وَكَرَّهَ إِلَيْهِمْ الْكُفْر أَيْ قَبَّحَهُ عِنْدهمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاة تُرِيدُونَ وَجْه اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ " [ الرُّوم : 39 ] . قَالَ النَّابِغَة : يَا دَار مَيَّة بِالْعَلْيَاءِ فَالسَّنَد أَقْوَتْ وَطَالَ عَلَيْهَا سَالِف الْأَمَد وَالرُّشْد الِاسْتِقَامَة عَلَى طَرِيق الْحَقّ مَعَ تَصَلُّب فِيهِ , مِنْ الرَّشَاد وَهِيَ الصَّخْرَة . قَالَ أَبُو الْوَازِع : كُلّ صَخْرَة رَشَادَة . وَأَنْشَدَ : وَغَيْر مُقَلَّد وَمُوَشَّمَات صَلِينَ الضَّوْء مِنْ صُمّ الرَّشَاد'; $TAFSEER['4']['49']['8'] = 'أَيْ فَعَلَ اللَّه ذَلِكَ بِكُمْ فَضْلًا , أَيْ الْفَضْل وَالنِّعْمَة , فَهُوَ مَفْعُول لَهُ . " عَلِيم " بِمَا يُصْلِحكُمْ " حَكِيم " فِي تَدْبِيركُمْ .'; $TAFSEER['4']['49']['9'] = 'رَوَى الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : قُلْت : يَا نَبِيّ اللَّه , لَوْ أَتَيْت عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ؟ فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرَكِبَ حِمَارًا وَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ يَمْشُونَ , وَهِيَ أَرْض سَبِخَة , فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِلَيْك عَنِّي ! فَوَاَللَّهِ لَقَدْ آذَانِي نَتْن حِمَارك . فَقَالَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار : وَاَللَّه لَحِمَار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْيَب رِيحًا مِنْك . فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللَّه رَجُل مِنْ قَوْمه , وَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا أَصْحَابه , فَكَانَ بَيْنهمْ حَرْب بِالْجَرِيدِ وَالْأَيْدِي وَالنِّعَال , فَبَلَغَنَا أَنَّهُ أُنْزِلَ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة . وَقَالَ مُجَاهِد : نَزَلَتْ فِي الْأَوْس وَالْخَزْرَج . قَالَ مُجَاهِد : تَقَاتَلَ حَيَّان مِنْ الْأَنْصَار بِالْعِصِيِّ وَالنِّعَال فَنَزَلَتْ الْآيَة . وَمِثْله عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : أَنَّ الْأَوْس وَالْخَزْرَج كَانَ بَيْنهمْ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِتَال بِالسَّعَفِ وَالنِّعَال وَنَحْوه , فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة فِيهِمْ . وَقَالَ قَتَادَة : نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ مِنْ الْأَنْصَار كَانَتْ بَيْنهمَا مُدَارَأَة فِي حَقّ بَيْنهمَا ! فَقَالَ أَحَدهمَا : لَآخُذَنَّ حَقِّي عَنْوَة ; لِكَثْرَةِ عَشِيرَته . وَدَعَاهُ الْآخَر إِلَى أَنْ يُحَاكِمهُ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبَى أَنْ يَتْبَعهُ , فَلَمْ يَزَلْ الْأَمْر بَيْنهمَا حَتَّى تَوَاقَعَا وَتَنَاوَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا بِالْأَيْدِي وَالنِّعَال وَالسُّيُوف , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : نَزَلَتْ فِي حَرْب سُمَيْر وَحَاطِب , وَكَانَ سُمَيْر قَتَلَ حَاطِبًا , فَاقْتَتَلَ الْأَوْس وَالْخَزْرَج حَتَّى أَتَاهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَزَلَتْ . وَأَمَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُصْلِحُوا بَيْنهمَا . وَقَالَ السُّدِّيّ : كَانَتْ اِمْرَأَة مِنْ الْأَنْصَار يُقَال لَهَا : أُمّ زَيْد تَحْت رَجُل مِنْ غَيْر الْأَنْصَار , فَتَخَاصَمَتْ مَعَ زَوْجهَا , أَرَادَتْ أَنْ تَزُور قَوْمهَا فَحَبَسَهَا زَوْجهَا وَجَعَلَهَا فِي عِلِّيَّة لَا يَدْخُل عَلَيْهَا أَحَد مِنْ أَهْلهَا , وَأَنَّ الْمَرْأَة بَعَثَتْ إِلَى قَوْمهَا , فَجَاءَ قَوْمهَا فَأَنْزَلُوهَا لِيَنْطَلِقُوا بِهَا , فَخَرَجَ الرَّجُل فَاسْتَغَاثَ أَهْله فَخَرَجَ بَنُو عَمّه لِيَحُولُوا بَيْن الْمَرْأَة وَأَهْلهَا , فَتَدَافَعُوا وَتَجَالَدُوا بِالنِّعَالِ , فَنَزَلَتْ الْآيَة . وَالطَّائِفَة تَتَنَاوَل الرَّجُل الْوَاحِد وَالْجَمْع وَالِاثْنَيْنِ , فَهُوَ مِمَّا حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى دُون اللَّفْظ ; لِأَنَّ الطَّائِفَتَيْنِ فِي مَعْنَى الْقَوْم وَالنَّاس . وَفِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه " حَتَّى يَفِيئُوا إِلَى أَمْر اللَّه فَإِنْ فَاءُوا فَخُذُوا بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ " . وَقَرَأَ اِبْن أَبِي عَبْلَة " اِقْتَتَلَتَا " عَلَى لَفْظ الطَّائِفَتَيْنِ . وَقَدْ مَضَى فِي آخِر " التَّوْبَة " الْقَوْل فِيهِ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : " وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنْ الْمُؤْمِنِينَ " [ الرُّوم : 2 ] قَالَ : الْوَاحِد فَمَا فَوْقه , وَالطَّائِفَة مِنْ الشَّيْء الْقِطْعَة مِنْهُ . قَالَ الْعُلَمَاء : لَا تَخْلُو الْفِئَتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي اِقْتِتَالهمَا , إِمَّا أَنْ يَقْتَتِلَا عَلَى سَبِيل الْبَغْي مِنْهُمَا جَمِيعًا أَوْ لَا . فَإِنْ كَانَ الْأَوَّل فَالْوَاجِب فِي ذَلِكَ أَنْ يُمْشَى بَيْنهمَا بِمَا يُصْلِح ذَات الْبَيْن وَيُثْمِر الْمُكَافَّة وَالْمُوَادَعَة . فَإِنْ لَمْ يَتَحَاجَزَا وَلَمْ يَصْطَلِحَا وَأَقَامَتَا عَلَى الْبَغْي صِيرَ إِلَى مُقَاتَلَتهمَا . وَأَمَّا إِنْ كَانَ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ تَكُون إِحْدَاهُمَا بَاغِيَة عَلَى الْأُخْرَى , فَالْوَاجِب أَنْ تُقَاتَل فِئَة الْبَغْي إِلَى أَنْ تَكُفّ وَتَتُوب , فَإِنْ فَعَلَتْ أُصْلِحَ بَيْنهَا وَبَيْن الْمَبْغِيّ عَلَيْهَا بِالْقِسْطِ وَالْعَدْل . فَإِنْ اِلْتَحَمَ الْقِتَال بَيْنهمَا لِشُبْهَةٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِمَا وَكِلْتَاهُمَا عِنْد أَنْفُسهمَا مُحِقَّة , فَالْوَاجِب إِزَالَة الشُّبْهَة بِالْحُجَّةِ النَّيِّرَة وَالْبَرَاهِين الْقَاطِعَة عَلَى مَرَاشِد الْحَقّ . فَإِنْ رَكِبَتَا مَتْن اللَّجَاج وَلَمْ تَعْمَلَا عَلَى شَاكِلَة مَا هُدِيَتَا إِلَيْهِ وَنُصِحَتَا بِهِ مِنْ اِتِّبَاع الْحَقّ بَعْد وُضُوحه لَهُمَا فَقَدْ لَحِقَتَا بِالْفِئَتَيْنِ الْبَاغِيَتَيْنِ . وَاَللَّه أَعْلَم . بِالدُّعَاءِ إِلَى كِتَاب اللَّه لَهُمَا أَوْ عَلَيْهِمَا . رَوَى الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : قُلْت : يَا نَبِيّ اللَّه , لَوْ أَتَيْت عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ؟ فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرَكِبَ حِمَارًا وَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ يَمْشُونَ , وَهِيَ أَرْض سَبِخَة , فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِلَيْك عَنِّي ! فَوَاَللَّهِ لَقَدْ آذَانِي نَتْن حِمَارك . فَقَالَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار : وَاَللَّه لَحِمَار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْيَب رِيحًا مِنْك . فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللَّه رَجُل مِنْ قَوْمه , وَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا أَصْحَابه , فَكَانَ بَيْنهمْ حَرْب بِالْجَرِيدِ وَالْأَيْدِي وَالنِّعَال , فَبَلَغَنَا أَنَّهُ أُنْزِلَ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة . وَقَالَ مُجَاهِد : نَزَلَتْ فِي الْأَوْس وَالْخَزْرَج . قَالَ مُجَاهِد : تَقَاتَلَ حَيَّان مِنْ الْأَنْصَار بِالْعِصِيِّ وَالنِّعَال فَنَزَلَتْ الْآيَة . وَمِثْله عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : أَنَّ الْأَوْس وَالْخَزْرَج كَانَ بَيْنهمْ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِتَال بِالسَّعَفِ وَالنِّعَال وَنَحْوه , فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة فِيهِمْ . وَقَالَ قَتَادَة : نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ مِنْ الْأَنْصَار كَانَتْ بَيْنهمَا مُدَارَأَة فِي حَقّ بَيْنهمَا ! فَقَالَ أَحَدهمَا : لَآخُذَنَّ حَقِّي عَنْوَة ; لِكَثْرَةِ عَشِيرَته . وَدَعَاهُ الْآخَر إِلَى أَنْ يُحَاكِمهُ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبَى أَنْ يَتْبَعهُ , فَلَمْ يَزَلْ الْأَمْر بَيْنهمَا حَتَّى تَوَاقَعَا وَتَنَاوَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا بِالْأَيْدِي وَالنِّعَال وَالسُّيُوف , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : نَزَلَتْ فِي حَرْب سُمَيْر وَحَاطِب , وَكَانَ سُمَيْر قَتَلَ حَاطِبًا , فَاقْتَتَلَ الْأَوْس وَالْخَزْرَج حَتَّى أَتَاهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَزَلَتْ . وَأَمَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُصْلِحُوا بَيْنهمَا . وَقَالَ السُّدِّيّ : كَانَتْ اِمْرَأَة مِنْ الْأَنْصَار يُقَال لَهَا : أُمّ زَيْد تَحْت رَجُل مِنْ غَيْر الْأَنْصَار , فَتَخَاصَمَتْ مَعَ زَوْجهَا , أَرَادَتْ أَنْ تَزُور قَوْمهَا فَحَبَسَهَا زَوْجهَا وَجَعَلَهَا فِي عِلِّيَّة لَا يَدْخُل عَلَيْهَا أَحَد مِنْ أَهْلهَا , وَأَنَّ الْمَرْأَة بَعَثَتْ إِلَى قَوْمهَا , فَجَاءَ قَوْمهَا فَأَنْزَلُوهَا لِيَنْطَلِقُوا بِهَا , فَخَرَجَ الرَّجُل فَاسْتَغَاثَ أَهْله فَخَرَجَ بَنُو عَمّه لِيَحُولُوا بَيْن الْمَرْأَة وَأَهْلهَا , فَتَدَافَعُوا وَتَجَالَدُوا بِالنِّعَالِ , فَنَزَلَتْ الْآيَة . وَالطَّائِفَة تَتَنَاوَل الرَّجُل الْوَاحِد وَالْجَمْع وَالِاثْنَيْنِ , فَهُوَ مِمَّا حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى دُون اللَّفْظ ; لِأَنَّ الطَّائِفَتَيْنِ فِي مَعْنَى الْقَوْم وَالنَّاس . وَفِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه " حَتَّى يَفِيئُوا إِلَى أَمْر اللَّه فَإِنْ فَاءُوا فَخُذُوا بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ " . وَقَرَأَ اِبْن أَبِي عَبْلَة " اِقْتَتَلَتَا " عَلَى لَفْظ الطَّائِفَتَيْنِ . وَقَدْ مَضَى فِي آخِر " التَّوْبَة " الْقَوْل فِيهِ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : " وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنْ الْمُؤْمِنِينَ " [ الرُّوم : 2 ] قَالَ : الْوَاحِد فَمَا فَوْقه , وَالطَّائِفَة مِنْ الشَّيْء الْقِطْعَة مِنْهُ . قَالَ الْعُلَمَاء : لَا تَخْلُو الْفِئَتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي اِقْتِتَالهمَا , إِمَّا أَنْ يَقْتَتِلَا عَلَى سَبِيل الْبَغْي مِنْهُمَا جَمِيعًا أَوْ لَا . فَإِنْ كَانَ الْأَوَّل فَالْوَاجِب فِي ذَلِكَ أَنْ يُمْشَى بَيْنهمَا بِمَا يُصْلِح ذَات الْبَيْن وَيُثْمِر الْمُكَافَّة وَالْمُوَادَعَة . فَإِنْ لَمْ يَتَحَاجَزَا وَلَمْ يَصْطَلِحَا وَأَقَامَتَا عَلَى الْبَغْي صِيرَ إِلَى مُقَاتَلَتهمَا . وَأَمَّا إِنْ كَانَ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ تَكُون إِحْدَاهُمَا بَاغِيَة عَلَى الْأُخْرَى , فَالْوَاجِب أَنْ تُقَاتَل فِئَة الْبَغْي إِلَى أَنْ تَكُفّ وَتَتُوب , فَإِنْ فَعَلَتْ أُصْلِحَ بَيْنهَا وَبَيْن الْمَبْغِيّ عَلَيْهَا بِالْقِسْطِ وَالْعَدْل . فَإِنْ اِلْتَحَمَ الْقِتَال بَيْنهمَا لِشُبْهَةٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِمَا وَكِلْتَاهُمَا عِنْد أَنْفُسهمَا مُحِقَّة , فَالْوَاجِب إِزَالَة الشُّبْهَة بِالْحُجَّةِ النَّيِّرَة وَالْبَرَاهِين الْقَاطِعَة عَلَى مَرَاشِد الْحَقّ . فَإِنْ رَكِبَتَا مَتْن اللَّجَاج وَلَمْ تَعْمَلَا عَلَى شَاكِلَة مَا هُدِيَتَا إِلَيْهِ وَنُصِحَتَا بِهِ مِنْ اِتِّبَاع الْحَقّ بَعْد وُضُوحه لَهُمَا فَقَدْ لَحِقَتَا بِالْفِئَتَيْنِ الْبَاغِيَتَيْنِ . وَاَللَّه أَعْلَم . {9} وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ بِالدُّعَاءِ إِلَى كِتَاب اللَّه لَهُمَا أَوْ عَلَيْهِمَا . {9} وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " بَغَتْ " تَعَدَّتْ وَلَمْ تُجِبْ إِلَى حُكْم اللَّه وَكِتَابه . وَالْبَغْي : التَّطَاوُل وَالْفَسَاد . وَقَوْله تَعَالَى : " فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي " أَمْر بِالْقِتَالِ . وَهُوَ فَرْض عَلَى الْكِفَايَة إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْض سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ ; وَلِذَلِكَ تَخَلَّفَ قَوْم مِنْ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ عَنْ هَذِهِ الْمَقَامَات , كَسَعْدِ بْن أَبِي وَقَّاص وَعَبْد اللَّه بْن عَمْرو وَمُحَمَّد بْن مَسْلَمَة وَغَيْرهمْ . وَصَوَّبَ ذَلِكَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب لَهُمْ , وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ بِعُذْرٍ قَبِلَهُ مِنْهُ . وَيُرْوَى أَنَّ مُعَاوِيَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَمَّا أُفْضِيَ إِلَيْهِ الْأَمْر , عَاتَبَ سَعْدًا عَلَى مَا فَعَلَ , وَقَالَ لَهُ : لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ أَصْلَحَ بَيْن الْفِئَتَيْنِ حِين اِقْتَتَلَا , وَلَا مِمَّنْ قَاتَلَ الْفِئَة الْبَاغِيَة . فَقَالَ لَهُ سَعْد : نَدِمْت عَلَى تَرْكِي قِتَال الْفِئَة الْبَاغِيَة . فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْكُلّ دَرَك فِيمَا فَعَلَ , وَإِنَّمَا كَانَ تَصَرُّفًا بِحُكْمِ الِاجْتِهَاد وَإِعْمَالًا بِمُقْتَضَى الشَّرْع . وَاَللَّه أَعْلَم . وَلَوْ تَغَلَّبُوا ( أَيْ الْبُغَاة ) عَلَى بَلَد فَأَخَذُوا الصَّدَقَات وَأَقَامُوا الْحُدُود وَحَكَمُوا فِيهِمْ بِالْأَحْكَامِ , لَمْ تُثَنَّ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَات وَلَا الْحُدُود , وَلَا يُنْقَض مِنْ أَحْكَامهمْ إِلَّا مَا كَانَ خِلَافًا لِلْكِتَابِ أَوْ السُّنَّة أَوْ الْإِجْمَاع , كَمَا تُنْقَض أَحْكَام أَهْل الْعَدْل وَالسُّنَّة , قَالَهُ مُطَّرِف وَابْن الْمَاجِشُونِ . وَقَالَ اِبْن الْقَاسِم : لَا تَجُوز بِحَالٍ . وَرُوِيَ عَنْ أَصْبَغ أَنَّهُ جَائِز . وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَجُوز كَقَوْلِ اِبْن الْقَاسِم . وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَة ; لِأَنَّهُ عَمَل بِغَيْرِ حَقّ مِمَّنْ لَا تَجُوز تَوْلِيَته . فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُونُوا بُغَاة . وَالْعُمْدَة لَنَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ , لَمَّا اِنْجَلَتْ الْفِتْنَة وَارْتَفَعَ الْخِلَاف بِالْهُدْنَةِ وَالصُّلْح , لَمْ يَعْرِضُوا لِأَحَدٍ مِنْهُمْ فِي حُكْم . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : الَّذِي عِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُح ; لِأَنَّ الْفِتْنَة لَمَّا اِنْجَلَتْ كَانَ الْإِمَام هُوَ الْبَاغِي , وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَعْتَرِضهُ وَاَللَّه أَعْلَم . فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى وُجُوب قِتَال الْفِئَة الْبَاغِيَة الْمَعْلُوم بَغْيهَا عَلَى الْإِمَام أَوْ عَلَى أَحَد مِنْ الْمُسْلِمِينَ , وَعَلَى فَسَاد قَوْل مَنْ مَنَعَ مِنْ قِتَال الْمُؤْمِنِينَ , وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( قِتَال الْمُؤْمِن كُفْر ) . وَلَوْ كَانَ قِتَال الْمُؤْمِن الْبَاغِي كُفْرًا لَكَانَ اللَّه تَعَالَى قَدْ أَمَرَ بِالْكُفْرِ , تَعَالَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ ! وَقَدْ قَاتَلَ الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : مَنْ تَمَسَّكَ بِالْإِسْلَامِ وَامْتَنَعَ مِنْ الزَّكَاة , وَأَمَرَ أَلَّا يُتْبَع مُوَلٍّ , وَلَا يُجْهَز عَلَى جَرِيح , وَلَمْ تُحَلّ أَمْوَالهمْ , بِخِلَافِ الْوَاجِب فِي الْكُفَّار . وَقَالَ الطَّبَرِيّ : لَوْ كَانَ الْوَاجِب فِي كُلّ اِخْتِلَاف يَكُون بَيْن الْفَرِيقَيْنِ الْهَرَب مِنْهُ وَلُزُوم الْمَنَازِل لَمَا أُقِيمَ حَدّ وَلَا أُبْطِلَ بَاطِل , وَلَوَجَدَ أَهْل النِّفَاق وَالْفُجُور سَبِيلًا إِلَى اِسْتِحْلَال كُلّ مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْوَال الْمُسْلِمِينَ وَسَبْي نِسَائِهِمْ وَسَفْك دِمَائِهِمْ , بِأَنْ يَتَحَزَّبُوا عَلَيْهِمْ , وَيَكُفّ الْمُسْلِمُونَ أَيْدِيهمْ عَنْهُمْ , وَذَلِكَ مُخَالِف لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( خُذُوا عَلَى أَيْدِي سُفَهَائِكُمْ ) . قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : هَذِهِ الْآيَة أَصْل فِي قِتَال الْمُسْلِمِينَ , وَالْعُمْدَة فِي حَرْب الْمُتَأَوِّلِينَ , وَعَلَيْهَا عَوْل الصَّحَابَة , وَإِلَيْهَا لَجَأَ الْأَعْيَان مِنْ أَهْل الْمِلَّة , وَإِيَّاهَا عَنَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : ( تَقْتُل عَمَّارًا الْفِئَة الْبَاغِيَة ) . وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي شَأْن الْخَوَارِج : ( يَخْرُجُونَ عَلَى خَيْر فُرْقَة أَوْ عَلَى حِين فُرْقَة ] , وَالرِّوَايَة الْأُولَى أَصَحّ ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( تَقْتُلهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحَقّ ) . وَكَانَ الَّذِي قَتَلَهُمْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَمَنْ كَانَ مَعَهُ . فَتَقَرَّرَ عِنْد عُلَمَاء الْمُسْلِمِينَ وَثَبَتَ بِدَلِيلِ الدِّين أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَ إِمَامًا , وَأَنَّ كُلّ مَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ بَاغٍ وَأَنَّ قِتَاله وَاجِب حَتَّى يَفِيء إِلَى الْحَقّ وَيَنْقَاد إِلَى الصُّلْح ; لِأَنَّ عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قُتِلَ وَالصَّحَابَة بُرَآء مِنْ دَمه ; لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْ قِتَال مَنْ ثَارَ عَلَيْهِ وَقَالَ : لَا أَكُون أَوَّل مَنْ خَلَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّته بِالْقَتْلِ , فَصَبَرَ عَلَى الْبَلَاء , وَاسْتَسْلَمَ لِلْمِحْنَةِ وَفَدَى بِنَفْسِهِ الْأُمَّة . ثُمَّ لَمْ يُمْكِن تَرْك النَّاس سُدًى , فَعُرِضَتْ عَلَى بَاقِي الصَّحَابَة الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ عُمَر فِي الشُّورَى , وَتَدَافَعُوهَا , وَكَانَ عَلِيّ كَرَّمَ اللَّه وَجْهه أَحَقّ بِهَا وَأَهْلهَا , فَقِبَلهَا حَوْطَة عَلَى الْأُمَّة أَنْ تُسْفَك دِمَاؤُهَا بِالتَّهَارُجِ وَالْبَاطِل , أَوْ يَتَخَرَّق أَمْرهَا إِلَى مَا لَا يَتَحَصَّل . فَرُبَّمَا تَغَيَّرَ الدِّين وَانْقَضَّ عَمُود الْإِسْلَام . فَلَمَّا بُويِعَ لَهُ طَلَبَ أَهْل الشَّام فِي شَرْط الْبَيْعَة التَّمَكُّن مِنْ قَتَلَة عُثْمَان وَأَخْذ الْقَوَد مِنْهُمْ , فَقَالَ لَهُمْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : اُدْخُلُوا فِي الْبَيْعَة وَاطْلُبُوا الْحَقّ تَصِلُوا إِلَيْهِ . فَقَالُوا : لَا تَسْتَحِقّ بَيْعَة وَقَتَلَة عُثْمَان مَعَك تَرَاهُمْ صَبَاحًا وَمَسَاء . فَكَانَ عَلِيّ فِي ذَلِكَ أَشَدّ رَأْيًا وَأَصْوَب قِيلًا ; لِأَنَّ عَلِيًّا لَوْ تَعَاطَى الْقَوَد مِنْهُمْ لَتَعَصَّبَتْ لَهُمْ قَبَائِل وَصَارَتْ حَرْبًا ثَالِثَة , فَانْتَظَرَ بِهِمْ أَنْ يَسْتَوْثِق الْأَمْر وَتَنْعَقِد الْبَيْعَة , وَيَقَع الطَّلَب مِنْ الْأَوْلِيَاء فِي مَجْلِس الْحُكْم , فَيَجْرِي الْقَضَاء بِالْحَقِّ . وَلَا خِلَاف بَيْن الْأُمَّة أَنَّهُ يَجُوز لِلْإِمَامِ تَأْخِير الْقِصَاص إِذَا أَدَّى ذَلِكَ إِلَى إِثَارَة الْفِتْنَة أَوْ تَشْتِيت الْكَلِمَة . وَكَذَلِكَ جَرَى لِطَلْحَة وَالزُّبَيْر , فَإِنَّهُمَا مَا خَلَعَا عَلِيًّا مِنْ وِلَايَة وَلَا اِعْتَرَضَا عَلَيْهِ فِي دِيَانَة , وَإِنَّمَا رَأَيَا أَنَّ الْبُدَاءَة بِقَتْلِ أَصْحَاب عُثْمَان أَوْلَى . قُلْت : فَهَذَا قَوْل فِي سَبَب الْحَرْب الْوَاقِع بَيْنهمْ . وَقَالَ جِلَّة مِنْ أَهْل الْعِلْم : إِنَّ الْوَقْعَة بِالْبَصْرَةِ بَيْنهمْ كَانَتْ عَلَى غَيْر عَزِيمَة مِنْهُمْ عَلَى الْحَرْب بَلْ فَجْأَة , وَعَلَى سَبِيل دَفْع كُلّ وَاحِد مِنْ الْفَرِيقَيْنِ عَنْ أَنْفُسهمْ لِظَنِّهِ أَنَّ الْفَرِيق الْآخَر قَدْ غَدَرَ بِهِ ; لِأَنَّ الْأَمْر كَانَ قَدْ اِنْتَظَمَ بَيْنهمْ , وَتَمَّ الصُّلْح وَالتَّفَرُّق عَلَى الرِّضَا . فَخَافَ قَتَلَة عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْ التَّمْكِين مِنْهُمْ وَالْإِحَاطَة بِهِمْ , فَاجْتَمَعُوا وَتَشَاوَرُوا وَاخْتَلَفُوا , ثُمَّ اِتَّفَقَتْ آرَاؤُهُمْ عَلَى أَنْ يَفْتَرِقُوا فَرِيقَيْنِ , وَيَبْدَءُوا بِالْحَرْبِ سُحْرَة فِي الْعَسْكَرَيْنِ , وَتَخْتَلِف السِّهَام بَيْنهمْ , وَيَصِيح الْفَرِيق الَّذِي فِي عَسْكَر عَلِيّ : غَدَرَ طَلْحَة وَالزُّبَيْر . وَالْفَرِيق الَّذِي فِي عَسْكَر طَلْحَة وَالزُّبَيْر : غَدَرَ عَلِيّ . فَتَمَّ لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى مَا دَبَّرُوهُ , وَنَشِبَتْ الْحَرْب , فَكَانَ كُلّ فَرِيق دَافِعًا لِمَكْرَتِهِ عِنْد نَفْسه , وَمَانِعًا مِنْ الْإِشَاطَة بِدَمِهِ . وَهَذَا صَوَاب مِنْ الْفَرِيقَيْنِ وَطَاعَة لِلَّهِ تَعَالَى , إِذْ وَقَعَ الْقِتَال وَالِامْتِنَاع مِنْهُمَا عَلَى هَذِهِ السَّبِيل . وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور . وَاَللَّه أَعْلَم . لَا يَجُوز أَنْ يُنْسَب إِلَى أَحَد مِنْ الصَّحَابَة خَطَأ مَقْطُوع بِهِ , إِذْ كَانُوا كُلّهمْ اِجْتَهَدُوا فِيمَا فَعَلُوهُ وَأَرَادُوا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَهُمْ كُلّهمْ لَنَا أَئِمَّة , وَقَدْ تَعَبَّدْنَا بِالْكَفِّ عَمَّا شَجَرَ بَيْنهمْ , وَأَلَّا نَذْكُرهُمْ إِلَّا بِأَحْسَن الذِّكْر , لِحُرْمَةِ الصُّحْبَة وَلِنَهْيِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبّهمْ , وَأَنَّ اللَّه غَفَرَ لَهُمْ , وَأَخْبَرَ بِالرِّضَا عَنْهُمْ . هَذَا مَعَ مَا قَدْ وَرَدَ مِنْ الْأَخْبَار مِنْ طُرُق مُخْتَلِفَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ طَلْحَة شَهِيد يَمْشِي عَلَى وَجْه الْأَرْض , فَلَوْ كَانَ مَا خَرَجَ إِلَيْهِ مِنْ الْحَرْب عِصْيَانًا لَمْ يَكُنْ بِالْقَتْلِ فِيهِ شَهِيدًا . وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَا خَرَجَ إِلَيْهِ خَطَأ فِي التَّأْوِيل وَتَقْصِيرًا فِي الْوَاجِب عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الشَّهَادَة لَا تَكُون إِلَّا بِقَتْلٍ فِي طَاعَة , فَوَجَبَ حَمْل أَمْرهمْ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ . وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ مَا قَدْ صَحَّ وَانْتَشَرَ مِنْ أَخْبَار عَلِيّ بِأَنَّ قَاتِل الزُّبَيْر فِي النَّار . وَقَوْله : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( بَشِّرْ قَاتِل اِبْن صَفِيَّة بِالنَّارِ ) . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ طَلْحَة وَالزُّبَيْر غَيْر عَاصِيَيْنِ وَلَا آثِمَيْنِ بِالْقِتَالِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَقُلْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلْحَة : ( شَهِيد ) . وَلَمْ يُخْبِر أَنَّ قَاتِل الزُّبَيْر فِي النَّار . وَكَذَلِكَ مَنْ قَعَدَ غَيْر مُخْطِئ فِي التَّأْوِيل . بَلْ صَوَاب أَرَاهُمْ اللَّه الِاجْتِهَاد . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُوجِب ذَلِكَ لَعْنهمْ وَالْبَرَاءَة مِنْهُمْ وَتَفْسِيقهمْ , وَإِبْطَال فَضَائِلهمْ وَجِهَادهمْ , وَعَظِيم غِنَائِهِمْ فِي الدِّين رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ . وَقَدْ سُئِلَ بَعْضهمْ عَنْ الدِّمَاء الَّتِي أُرِيقَتْ فِيمَا بَيْنهمْ فَقَالَ : " تِلْكَ أُمَّة قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ " [ الْبَقَرَة : 141 ] . وَسُئِلَ بَعْضهمْ عَنْهَا أَيْضًا فَقَالَ : تِلْكَ دِمَاء طَهَّرَ اللَّه مِنْهَا يَدِي , فَلَا أُخَضِّب بِهَا لِسَانِي . يَعْنِي فِي التَّحَرُّز مِنْ الْوُقُوع فِي خَطَأ , وَالْحُكْم عَلَى بَعْضهمْ بِمَا لَا يَكُون مُصِيبًا فِيهِ . قَالَ اِبْن فَوْرك : وَمِنْ أَصْحَابنَا مَنْ قَالَ : إِنَّ سَبِيل مَا جَرَتْ بَيْن الصَّحَابَة مِنْ الْمُنَازَعَات كَسَبِيلِ مَا جَرَى بَيْن إِخْوَة يُوسُف مَعَ يُوسُف , ثُمَّ إِنَّهُمْ لَمْ يَخْرُجُوا بِذَلِكَ عَنْ حَدّ الْوِلَايَة وَالنُّبُوَّة , فَكَذَلِكَ الْأَمْر فِيمَا جَرَى بَيْن الصَّحَابَة . وَقَالَ الْمُحَاسِبِيّ : فَأَمَّا الدِّمَاء فَقَدْ أَشْكَلَ عَلَيْنَا الْقَوْل فِيهَا بِاخْتِلَافِهِمْ . وَقَدْ سُئِلَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ عَنْ قِتَالهمْ فَقَالَ : قِتَال شَهِدَهُ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغِبْنَا , وَعَلِمُوا وَجَهِلْنَا , وَاجْتَمَعُوا فَاتَّبَعْنَا , وَاخْتَلَفُوا فَوَقَفْنَا . قَالَ الْمُحَاسِبِيّ : فَنَحْنُ نَقُول كَمَا قَالَ الْحَسَن , وَنَعْلَم أَنَّ الْقَوْم كَانُوا أَعْلَم بِمَا دَخَلُوا فِيهِ مِنَّا , وَنَتَّبِع مَا اِجْتَمَعُوا عَلَيْهِ , وَنَقِف عِنْد مَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ وَلَا نَبْتَدِع رَأْيًا مِنَّا , وَنَعْلَم أَنَّهُمْ اِجْتَهَدُوا وَأَرَادُوا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , إِذْ كَانُوا غَيْر مُتَّهَمِينَ فِي الدِّين , وَنَسْأَل اللَّه التَّوْفِيق . أَيْ تَرْجِع إِلَى كِتَابه . أَيْ فَإِنْ رَجَعَتْ أَيْ اِحْمِلُوهُمَا عَلَى الْإِنْصَاف . وَقَوْله تَعَالَى : " فَأَصْلِحُوا بَيْنهمَا بِالْعَدْلِ " وَمِنْ الْعَدْل فِي صُلْحهمْ أَلَّا يُطَالَبُوا بِمَا جَرَى بَيْنهمْ مِنْ دَم وَلَا مَال , فَإِنَّهُ تَلَف عَلَى تَأْوِيل . وَفِي طَلَبهمْ تَنْفِير لَهُمْ عَنْ الصُّلْح وَاسْتِشْرَاء فِي الْبَغْي . وَهَذَا أَصْل فِي الْمَصْلَحَة . وَقَدْ قَالَ لِسَان الْأُمَّة : إِنَّ حِكْمَة اللَّه تَعَالَى فِي حَرْب الصَّحَابَة التَّعْرِيف مِنْهُمْ لِأَحْكَامِ قِتَال أَهْل التَّأْوِيل , إِذْ كَانَ أَحْكَام قِتَال أَهْل الشِّرْك قَدْ عُرِفَتْ عَلَى لِسَان الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْله . إِذَا خَرَجَتْ عَلَى الْإِمَام الْعَدْل خَارِجَة بَاغِيَة وَلَا حُجَّة لَهَا , قَاتَلَهُمْ الْإِمَام بِالْمُسْلِمِينَ كَافَّة أَوْ مَنْ فِيهِ كِفَايَة , وَيَدْعُوهُمْ قَبْل ذَلِكَ إِلَى الطَّاعَة وَالدُّخُول فِي الْجَمَاعَة , فَإِنْ أَبَوْا مِنْ الرُّجُوع وَالصُّلْح قُوتِلُوا . وَلَا يُقْتَل أَسِيرهُمْ وَلَا يُتْبَع مُدْبِرهمْ وَلَا يُذَفَّف عَلَى جَرِيحهمْ , وَلَا تُسْبَى ذَرَارِيّهمْ وَلَا أَمْوَالهمْ . وَإِذَا قَتَلَ الْعَادِل الْبَاغِي , أَوْ الْبَاغِي الْعَادِل وَهُوَ وَلِيّه لَمْ يَتَوَارَثَا . وَلَا يَرِث قَاتِل عَمْدًا عَلَى حَال . وَقِيلَ : إِنَّ الْعَادِل يَرِث الْبَاغِي , قِيَاسًا عَلَى الْقِصَاص . وَمَا اِسْتَهْلَكَهُ الْبُغَاة وَالْخَوَارِج مِنْ دَم أَوْ مَال ثُمَّ تَابُوا لَمْ يُؤَاخَذُوا بِهِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يَضْمَنُونَ . وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ . وَجْه قَوْل أَبِي حَنِيفَة أَنَّهُ إِتْلَاف بِعُدْوَانٍ فَيَلْزَم الضَّمَان . وَالْمُعَوِّل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ فِي حُرُوبهمْ لَمْ يَتْبَعُوا مُدْبِرًا وَلَا ذَفَّفُوا عَلَى جَرِيح وَلَا قَتَلُوا أَسِيرًا وَلَا ضَمِنُوا نَفْسًا وَلَا مَالًا , وَهُمْ الْقُدْوَة . وَقَالَ اِبْن عُمَر : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا عَبْد اللَّه أَتَدْرِي كَيْف حُكْم اللَّه فِيمَنْ بَغَى مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة ) ؟ قَالَ : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم . فَقَالَ : ( لَا يُجْهَز عَلَى جَرِيحهَا وَلَا يُقْتَل أَسِيرهَا وَلَا يُطْلَب هَارِبهَا وَلَا يُقْسَم فَيْؤُهَا ) . فَأَمَّا مَا كَانَ قَائِمًا رُدَّ بِعَيْنِهِ . هَذَا كُلّه فِيمَنْ خَرَجَ بِتَأْوِيلٍ يُسَوِّغ لَهُ . وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَفْسِيره : إِنْ كَانَتْ الْبَاغِيَة مِنْ قِلَّة الْعَدَد بِحَيْثُ لَا مَنَعَة لَهَا ضَمِنَتْ بَعْد الْفَيْئَة مَا جَنَتْ , وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَة ذَات مَنَعَة وَشَوْكَة لَمْ تَضْمَن , إِلَّا عِنْد مُحَمَّد بْن الْحَسَن رَحِمَهُ اللَّه فَإِنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِأَنَّ الضَّمَان يَلْزَمهَا إِذَا فَاءَتْ . وَأَمَّا قَبْل التَّجَمُّع وَالتَّجَنُّد أَوْ حِين تَتَفَرَّق عِنْد وَضْع الْحَرْب أَوْزَارهَا , فَمَا جَنَتْهُ ضَمِنَتْهُ عِنْد الْجَمِيع . فَحَمْل الْإِصْلَاح بِالْعَدْلِ فِي قَوْله : " فَأَصْلِحُوا بَيْنهمَا بِالْعَدْلِ " عَلَى مَذْهَب مُحَمَّد وَاضِح مُنْطَبِق عَلَى لَفْظ التَّنْزِيل . وَعَلَى قَوْل غَيْره وَجْهه أَنْ يُحْمَل عَلَى كَوْن الْفِئَة الْبَاغِيَة قَلِيلَة الْعَدَد . وَاَلَّذِي ذَكَرُوا أَنَّ الْغَرَض إِمَاتَة الضَّغَائِن وَسَلّ الْأَحْقَاد دُون ضَمَان الْجِنَايَات لَيْسَ بِحُسْنِ الطِّبَاق الْمَأْمُور بِهِ مِنْ أَعْمَال الْعَدْل وَمُرَاعَاة الْقِسْط . قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ : فَإِنْ قُلْت : لِمَ قَرَنَ بِالْإِصْلَاحِ الثَّانِي الْعَدْل دُون الْأَوَّل ؟ قُلْت : لِأَنَّ الْمُرَاد بِالِاقْتِتَالِ فِي أَوَّل الْآيَة أَنْ يَقْتَتِلَا بَاغِيَتَيْنِ أَوْ رَاكِبَتَيْ شُبْهَة , وَأَيَّتهمَا كَانَتْ فَاَلَّذِي يَجِب عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْخُذُوا بِهِ فِي شَأْنهمَا إِصْلَاح ذَات الْبَيْن وَتَسْكِين الدَّهْمَاء بِإِرَاءَة الْحَقّ وَالْمَوَاعِظ الشَّافِيَة وَنَفْي الشُّبْهَة , إِلَّا إِذَا أَصَرَّتَا فَحِينَئِذٍ تَجِب الْمُقَاتَلَة , وَأَمَّا الضَّمَان فَلَا يَتَّجِه . وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِذَا بَغَتْ إِحْدَاهُمَا , فَإِنَّ الضَّمَان مُتَّجِه عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ . أَقْسِطُوا أَيّهَا النَّاس فَلَا تَقْتَتِلُوا . وَقِيلَ : أَقْسِطُوا أَيْ اِعْدِلُوا . أَيْ الْعَادِلِينَ الْمُحِقِّينَ .'; $TAFSEER['4']['49']['10'] = 'أَيْ فِي الدِّين وَالْحُرْمَة لَا فِي النَّسَب , وَلِهَذَا قِيلَ : أُخُوَّة الدِّين أَثْبَت مِنْ أُخُوَّة النَّسَب , فَإِنَّ أُخُوَّة النَّسَب تَنْقَطِع بِمُخَالَفَةِ الدِّين , وَأُخُوَّة الدِّين لَا تَنْقَطِع بِمُخَالَفَةِ النَّسَب . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَكُونُوا عِبَاد اللَّه إِخْوَانًا ) . وَفِي رِوَايَة : ( لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضكُمْ عَلَى بَيْع بَعْض وَكُونُوا عِبَاد اللَّه إِخْوَانًا , الْمُسْلِم أَخُو الْمُسْلِم لَا يَظْلِمهُ وَلَا يَخْذُلهُ وَلَا يَحْقِرهُ , التَّقْوَى هَاهُنَا - وَيُشِير إِلَى صَدْره ثَلَاث مَرَّات - بِحَسْب اِمْرِئٍ مِنْ الشَّرّ أَنْ يَحْقِر أَخَاهُ الْمُسْلِم , كُلّ الْمُسْلِم عَلَى الْمُسْلِم حَرَام دَمه وَمَاله وَعِرْضه ) لَفْظ مُسْلِم . وَفِي غَيْر الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمُسْلِم أَخُو الْمُسْلِم لَا يَظْلِمهُ وَلَا يَعِيبهُ وَلَا يَخْذُلهُ وَلَا يَتَطَاوَل عَلَيْهِ فِي الْبُنْيَان فَيَسْتُر عَلَيْهِ الرِّيح إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا يُؤْذِيه بِقُتَارِ قِدْره إِلَّا أَنْ يَغْرِف لَهُ غَرْفَة وَلَا يَشْتَرِي لِبَنِيهِ الْفَاكِهَة فَيَخْرُجُونَ بِهَا إِلَى صِبْيَان جَاره وَلَا يُطْعِمُونَهُمْ مِنْهَا ) . ثُمَّ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اِحْفَظُوا وَلَا يَحْفَظ مِنْكُمْ إِلَّا قَلِيل ) . أَيْ بَيْن كُلّ مُسْلِمَيْنِ تَخَاصَمَا . وَقِيلَ : بَيْن الْأَوْس وَالْخَزْرَج , عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَقَالَ أَبُو عَلِيّ : أَرَادَ بِالْأَخَوَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ ; لِأَنَّ لَفْظ التَّثْنِيَة يَرِد وَالْمُرَاد بِهِ الْكَثْرَة , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ " [ الْمَائِدَة : 64 ] . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : أَيْ أَصْلِحُوا بَيْن كُلّ أَخَوَيْنِ , فَهُوَ آتٍ عَلَى الْجَمِيع . وَقَرَأَ اِبْن سِيرِينَ وَنَصْر بْن عَاصِم وَأَبُو الْعَالِيَة وَالْجَحْدَرِيّ وَيَعْقُوب " بَيْن إِخْوَتكُمْ " بِالتَّاءِ عَلَى الْجَمْع . وَقَرَأَ الْحَسَن " إِخْوَانكُمْ " . الْبَاقُونَ : " أَخَوَيْكُمْ " بِالْيَاءِ عَلَى التَّثْنِيَة . فِي هَذِهِ الْآيَة وَاَلَّتِي قَبْلهَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْبَغْي لَا يُزِيل اِسْم الْإِيمَان ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى سَمَّاهُمْ إِخْوَة مُؤْمِنِينَ مَعَ كَوْنهمْ بَاغِينَ . قَالَ الْحَارِث الْأَعْوَر : سُئِلَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَهُوَ الْقُدْوَة عَنْ قِتَال أَهْل الْبَغْي مِنْ أَهْل الْجَمَل وَصِفِّين : أَمُشْرِكُونَ هُمْ ؟ قَالَ : لَا , مِنْ الشِّرْك فَرُّوا . فَقِيلَ : أَمُنَافِقُونَ ؟ قَالَ : لَا ; لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّه إِلَّا قَلِيلًا . قِيلَ لَهُ : فَمَا حَالهمْ ؟ قَالَ إِخْوَاننَا بَغَوْا عَلَيْنَا . وَالتَّقْوَى يُقَال أَصْلهَا فِي اللُّغَة قِلَّة الْكَلَام ; حَكَاهُ اِبْن فَارِس قُلْت وَمِنْهُ الْحَدِيث ( التَّقِيّ مُلْجَم وَالْمُتَّقِي فَوْق الْمُؤْمِن وَالطَّائِع ) وَهُوَ الَّذِي يَتَّقِي بِصَالِحِ عَمَله وَخَالِص دُعَائِهِ عَذَاب اللَّه تَعَالَى , مَأْخُوذ مِنْ اِتِّقَاء الْمَكْرُوه بِمَا تَجْعَلهُ حَاجِزًا بَيْنك وَبَيْنه ; كَمَا قَالَ النَّابِغَة : سَقَطَ النَّصِيف وَلَمْ تُرِدْ إِسْقَاطه فَتَنَاوَلَتْهُ وَاتَّقَتْنَا بِالْيَدِ وَقَالَ آخَر : فَأَلْقَتْ قِنَاعًا دُونه الشَّمْس وَاتَّقَتْ بِأَحْسَن مَوْصُولَيْنِ كَفّ وَمِعْصَم وَخَرَّجَ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْغَنِيّ الْحَافِظ مِنْ حَدِيث سَعِيد بْن زَرْبِيّ أَبِي عُبَيْدَة عَنْ عَاصِم بْن بَهْدَلَة عَنْ زِرّ بْن حُبَيْش عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ قَالَ يَوْمًا لِابْنِ أَخِيهِ : يَا اِبْن أَخِي تَرَى النَّاس مَا أَكْثَرهمْ قَالَ : نَعَمْ ; قَالَ : لَا خَيْر فِيهِمْ إِلَّا تَائِب أَوْ تَقِيّ ثُمَّ قَالَ : يَا اِبْن أَخِي تَرَى النَّاس مَا أَكْثَرهمْ قُلْت : بَلَى ; قَالَ : لَا خَيْر فِيهِمْ إِلَّا عَالِم أَوْ مُتَعَلِّم . وَقَالَ أَبُو يَزِيد الْبَسْطَامِيّ : الْمُتَّقِي مَنْ إِذَا قَالَ قَالَ لِفِقْهٍ , وَمَنْ إِذَا عَمِلَ عَمِلَ لِلَّهِ . وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الدَّارَانِيّ : الْمُتَّقُونَ الَّذِينَ نَزَعَ اللَّه عَنْ قُلُوبهمْ حُبّ الشَّهَوَات . وَقِيلَ الْمُتَّقِي الَّذِي اِتَّقَى الشِّرْك وَبَرِئَ مِنْ النِّفَاق . قَالَهُ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا فَاسِد ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُون كَذَلِكَ وَهُوَ فَاسِق . وَسَأَلَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أُبَيًّا عَنْ التَّقْوَى ; فَقَالَ : هَلْ أَخَذْت طَرِيقًا ذَا شَوْك قَالَ : نَعَمْ قَالَ فَمَا عَمِلْت فِيهِ قَالَ : تَشَمَّرْت وَحَذِرْت ; قَالَ : فَذَاكَ التَّقْوَى . وَأَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى اِبْن الْمُعْتَزّ فَنَظَمَهُ : خَلِّ الذُّنُوب صَغِيرهَا وَكَبِيرهَا ذَاكَ التُّقَى وَاصْنَعْ كَمَاش فَوْق أَرْض الشَّوْك يَحْذَر مَا يَرَى لَا تُحَقِّرَنَّ صَغِيرَة إِنَّ الْجِبَال مِنْ الْحَصَى وَالتَّقْوَى فِيهَا جِمَاع الْخَيْر كُلّه , وَهِيَ وَصِيَّة اللَّه فِي الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ , وَهِيَ خَيْر مَا يَسْتَفِيدهُ الْإِنْسَان ; كَمَا قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء وَقَدْ قِيلَ لَهُ : إِنَّ أَصْحَابك يَقُولُونَ الشِّعْر وَأَنْتَ مَا حُفِظَ عَنْك شَيْء ; فَقَالَ : يُرِيد الْمَرْء أَنْ يُؤْتَى مُنَاهُ وَيَأْبَى اللَّه إِلَّا مَا أَرَادَا يَقُول الْمَرْء فَائِدَتِي وَمَالِي وَتَقْوَى اللَّه أَفْضَل مَا اِسْتَفَادَ الْمُؤْمِن وَرَوَى اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه عَنْ أَبِي أُمَامَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : ( مَا اِسْتَفَادَ الْمُؤْمِن بَعْد تَقْوَى اللَّه خَيْر لَهُ مِنْ زَوْجَة صَالِحَة إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسهَا وَمَاله ) . وَالْأَصْل فِي التَّقْوَى : وَقْوَى عَلَى وَزْن فَعْلَى فَقُلِبَتْ الْوَاو تَاء مِنْ وَقَيْته أَقِيه أَيْ مَنَعْته ; وَرَجُل تَقِيّ أَيْ خَائِف ; أَصْله وَقِيّ ; وَكَذَلِكَ تُقَاة كَانَتْ فِي الْأَصْل وُقَاة ; كَمَا قَالُوا : تُجَاه وَتُرَاث , وَالْأَصْل وُجَاه وَوُرَاث .'; $TAFSEER['4']['49']['11'] = 'قِيلَ عِنْد اللَّه . وَقِيلَ " خَيْرًا مِنْهُمْ " أَيْ مُعْتَقَدًا وَأَسْلَم بَاطِنًا . وَالسُّخْرِيَة الِاسْتِهْزَاء . سَخِرْت مِنْهُ أَسْخَر سَخَرًا ( بِالتَّحْرِيكِ ) وَمَسْخَرًا وَسُخْرًا ( بِالضَّمِّ ) . وَحَكَى أَبُو زَيْد سَخِرْت بِهِ , وَهُوَ أَرْدَأ اللُّغَتَيْنِ . وَقَالَ الْأَخْفَش : سَخِرْت مِنْهُ وَسَخِرْت بِهِ , وَضَحِكْت مِنْهُ وَضَحِكْت بِهِ , وَهَزِئْت مِنْهُ وَهَزِئْت بِهِ , كُلّ يُقَال . وَالِاسْم السُّخْرِيَة وَالسُّخْرِيّ , وَقُرِئَ بِهِمَا قَوْله تَعَالَى : " لِيَتَّخِذ بَعْضهمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا " [ الزُّخْرُف : 32 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَفُلَان سُخْرَة , يُتَسَخَّر فِي الْعَمَل . يُقَال : خَادِم سُخْرَة . وَرَجُل سُخْرَة أَيْضًا يُسْخَر مِنْهُ . وَسُخَرَة ( بِفَتْحِ الْخَاء ) يَسْخَر مِنْ النَّاس . وَاخْتُلِفَ فِي سَبَب نُزُولهَا , فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ فِي ثَابِت بْن قَيْس بْن شَمَّاس كَانَ فِي أُذُنه وَقْر , فَإِذَا سَبَقُوهُ إِلَى مَجْلِس النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْسَعُوا لَهُ إِذَا أَتَى حَتَّى يَجْلِس إِلَى جَنْبه لِيَسْمَع مَا يَقُول , فَأَقْبَلَ ذَات يَوْم وَقَدْ فَاتَتْهُ مِنْ صَلَاة الْفَجْر رَكْعَة مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا اِنْصَرَفَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ أَصْحَابه مَجَالِسهمْ مِنْهُ , فَرَبَضَ كُلّ رَجُل مِنْهُمْ بِمَجْلِسِهِ , وَعَضُّوا فِيهِ فَلَا يَكَاد يُوَسِّع أَحَد لِأَحَدٍ حَتَّى يَظَلّ الرَّجُل لَا يَجِد مَجْلِسًا فَيَظَلّ قَائِمًا , فَلَمَّا اِنْصَرَفَ ثَابِت مِنْ الصَّلَاة تَخَطَّى رِقَاب النَّاس وَيَقُول : تَفَسَّحُوا تَفَسَّحُوا , فَفَسَحُوا لَهُ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنه وَبَيْنه رَجُل فَقَالَ لَهُ : تَفَسَّحْ . فَقَالَ لَهُ الرَّجُل : قَدْ وَجَدْت مَجْلِسًا فَاجْلِسْ ! فَجَلَسَ ثَابِت مِنْ خَلْفه مُغْضَبًا , ثُمَّ قَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا فُلَان , فَقَالَ ثَابِت : اِبْن فُلَانَة ! يُعَيِّرهُ بِهَا , يَعْنِي أُمًّا لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة , فَاسْتَحْيَا الرَّجُل , فَنَزَلَتْ . وَقَالَ الضَّحَّاك : نَزَلَتْ فِي وَفْد بَنِي تَمِيم الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرهمْ فِي أَوَّل " السُّورَة " اِسْتَهْزَءُوا بِفُقَرَاء الصَّحَابَة , مِثْل عَمَّار وَخَبَّاب وَابْن فُهَيْرَة وَبِلَال وَصُهَيْب وَسَلْمَان وَسَالِم مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة وَغَيْرهمْ , لَمَّا رَأَوْا مِنْ رَثَاثَة حَالهمْ , فَنَزَلَتْ فِي الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ . وَقَالَ مُجَاهِد : هُوَ سُخْرِيَة الْغَنِيّ مِنْ الْفَقِير . وَقَالَ اِبْن زَيْد : لَا يَسْخَر مَنْ سَتَرَ اللَّه عَلَيْهِ ذُنُوبه مِمَّنْ كَشَفَهُ اللَّه , فَلَعَلَّ إِظْهَار ذُنُوبه فِي الدُّنْيَا خَيْر لَهُ فِي الْآخِرَة . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي عِكْرِمَة بْن أَبِي جَهْل حِين قَدِمَ الْمَدِينَة مُسْلِمًا , وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا رَأَوْهُ قَالُوا اِبْن فِرْعَوْن هَذِهِ الْأُمَّة . فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ . وَبِالْجُمْلَةِ فَيَنْبَغِي أَلَّا يَجْتَرِئ أَحَد عَلَى الِاسْتِهْزَاء بِمَنْ يَقْتَحِمهُ بِعَيْنِهِ إِذَا رَآهُ رَثّ الْحَال أَوْ ذَا عَاهَة فِي بَدَنه أَوْ غَيْر لَبِيق فِي مُحَادَثَته , فَلَعَلَّهُ أَخْلَص ضَمِيرًا وَأَنْقَى قَلْبًا مِمَّنْ هُوَ عَلَى ضِدّ صِفَته , فَيَظْلِم نَفْسه بِتَحْقِيرِ مَنْ وَقَّرَهُ اللَّه , وَالِاسْتِهْزَاء بِمَنْ عَظَّمَهُ اللَّه . وَلَقَدْ بَلَغَ بِالسَّلَفِ إِفْرَاط تَوَقِّيهمْ وَتَصَوُّنهمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ قَالَ عَمْرو بْن شُرَحْبِيل : لَوْ رَأَيْت رَجُلًا يُرْضِع عَنْزًا فَضَحِكْت مِنْهُ لَخَشِيت أَنْ أَصْنَع مِثْل الَّذِي صَنَعَ . وَعَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : الْبَلَاء مُوَكَّل بِالْقَوْلِ , لَوْ سَخِرْت مِنْ كَلْب لَخَشِيت أَنْ أُحَوَّل كَلْبًا . وَ " قَوْم " فِي اللُّغَة لِلْمُذَكَّرِينَ خَاصَّة . قَالَ زُهَيْر : وَمَا أَدْرِي وَسَوْفَ إِخَال أَدْرِي أَقَوْم آل حِصْن أَمْ نِسَاء وَسُمُّوا قَوْمًا لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَعَ دَاعِيهمْ فِي الشَّدَائِد . وَقِيلَ : إِنَّهُ جَمْع قَائِم , ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كُلّ جَمَاعَة وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا قَائِمِينَ . وَقَدْ يَدْخُل فِي الْقَوْم النِّسَاء مَجَازًا , وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " بَيَانه . أَفْرَدَ النِّسَاء بِالذِّكْرِ لِأَنَّ السُّخْرِيَة مِنْهُنَّ أَكْثَر . وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : " إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمه " [ نُوح : 1 ] فَشَمِلَ الْجَمِيع . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : نَزَلَتْ فِي اِمْرَأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَخِرَتَا مِنْ أُمّ سَلَمَة , وَذَلِكَ أَنَّهَا رَبَطَتْ خَصْرَيْهَا بِسَبِيبَةٍ - وَهُوَ ثَوْب أَبْيَض , وَمِثْلهَا السِّبّ - وَسَدَلَتْ طَرَفَيْهَا خَلْفهَا فَكَانَتْ تَجُرّهَا , فَقَالَتْ عَائِشَة لِحَفْصَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : اُنْظُرِي ! مَا تَجُرّ خَلْفهَا كَأَنَّهُ لِسَان كَلْب , فَهَذِهِ كَانَتْ سُخْرِيَتهمَا . وَقَالَ أَنَس وَابْن زَيْد : نَزَلَتْ فِي نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَيَّرْنَ أُمّ سَلَمَة بِالْقِصَرِ . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي عَائِشَة , أَشَارَتْ بِيَدِهَا إِلَى أُمّ سَلَمَة , يَا نَبِيّ اللَّه إِنَّهَا لَقَصِيرَة . وَقَالَ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ صَفِيَّة بِنْت حُيَيّ بْن أَخْطَب أَتَتْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّ النِّسَاء يُعَيِّرْنَنِي , وَيَقُلْنَ لِي يَا يَهُودِيَّة بِنْت يَهُودِيَّيْنِ ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَلَّا قُلْت إِنَّ أَبِي هَارُون وَإِنَّ عَمِّي مُوسَى وَإِنَّ زَوْجِي مُحَمَّد ) . فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة . فِي صَحِيح التِّرْمِذِيّ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : حَكَيْت لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا , فَقَالَ : ( مَا يَسُرّنِي أَنِّي حَكَيْت رَجُلًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا ) . قَالَتْ فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّ صَفِيَّة اِمْرَأَة - وَقَالَتْ بِيَدِهَا - هَكَذَا , يَعْنِي أَنَّهَا قَصِيرَة . فَقَالَ : ( لَقَدْ مَزَجْت بِكَلِمَةٍ لَوْ مُزِجَ بِهَا الْبَحْر لَمُزِجَ ) . وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن زَمْعَة قَالَ : نَهَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَضْحَك الرَّجُل مِمَّا يَخْرُج مِنْ الْأَنْفُس . وَقَالَ : ( لِمَ يَضْرِب أَحَدكُمْ اِمْرَأَته ضَرْب الْفَحْل ثُمَّ لَعَلَّهُ يُعَانِقهَا ) . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه لَا يَنْظُر إِلَى صُوَركُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُر إِلَى قُلُوبكُمْ وَأَعْمَالكُمْ ) . وَهَذَا حَدِيث عَظِيم يَتَرَتَّب عَلَيْهِ أَلَّا يُقْطَع بِعَيْبِ أَحَد لِمَا يُرَى عَلَيْهِ مِنْ صُوَر أَعْمَال الطَّاعَة أَوْ الْمُخَالَفَة , فَلَعَلَّ مَنْ يُحَافِظ عَلَى الْأَعْمَال الظَّاهِرَة يَعْلَم اللَّه مِنْ قَلْبه وَصْفًا مَذْمُومًا لَا تَصِحّ مَعَهُ تِلْكَ الْأَعْمَال . وَلَعَلَّ مَنْ رَأَيْنَا عَلَيْهِ تَفْرِيطًا أَوْ مَعْصِيَة يَعْلَم اللَّه مِنْ قَلْبه وَصْفًا مَحْمُودًا يَغْفِر لَهُ بِسَبَبِهِ . فَالْأَعْمَال أَمَارَات ظَنِّيَّة لَا أَدِلَّة قَطْعِيَّة . وَيَتَرَتَّب عَلَيْهَا عَدَم الْغُلُوّ فِي تَعْظِيم مَنْ رَأَيْنَا عَلَيْهِ أَفْعَالًا صَالِحَة , وَعَدَم الِاحْتِقَار لِمُسْلِمٍ رَأَيْنَا عَلَيْهِ أَفْعَالًا سَيِّئَة . بَلْ تُحْتَقَر وَتُذَمّ تِلْكَ الْحَالَة السَّيِّئَة , لَا تِلْكَ الذَّات الْمُسِيئَة . فَتَدَبَّرْ هَذَا , فَإِنَّهُ نَظَر دَقِيق , وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق . اللَّمْز : الْعَيْب , وَقَدْ مَضَى فِي " التَّوْبَة " عِنْد قَوْله تَعَالَى : " وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزك فِي الصَّدَقَات " [ التَّوْبَة : 58 ] . وَقَالَ الطَّبَرِيّ : اللَّمْز بِالْيَدِ وَالْعَيْن وَاللِّسَان وَالْإِشَارَة . وَالْهَمْز لَا يَكُون إِلَّا بِاللِّسَانِ . وَهَذِهِ الْآيَة مِثْل قَوْله تَعَالَى : " وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ " [ النِّسَاء : 29 ] أَيْ لَا يَقْتُل بَعْضكُمْ بَعْضًا ; لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَنَفْسٍ وَاحِدَة , فَكَأَنَّهُ بِقَتْلِ أَخِيهِ قَاتَلَ نَفْسه . وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى : " فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ " [ النُّور : 61 ] يَعْنِي يُسَلِّم بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض . وَالْمَعْنَى : لَا يَعِبْ بَعْضكُمْ بَعْضًا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَقَتَادَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر : لَا يَطْعَن بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض . وَقَالَ الضَّحَّاك : لَا يَلْعَن بَعْضكُمْ بَعْضًا . وَقُرِئَ : " وَلَا تَلْمُزُوا " بِالضَّمِّ . وَفِي قَوْله : " أَنْفُسكُمْ " تَنْبِيه عَلَى أَنَّ الْعَاقِل لَا يَعِيب نَفْسه , فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعِيب غَيْره لِأَنَّهُ كَنَفْسِهِ , قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمُؤْمِنُونَ كَجَسَدٍ وَاحِد إِنْ اِشْتَكَى عُضْو مِنْهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِر الْجَسَد بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ) . وَقَالَ بَكْر بْن عَبْد اللَّه الْمُزَنِيّ : إِذَا أَرَدْت أَنْ تَنْظُر الْعُيُوب جَمَّة فَتَأَمَّلْ عَيَّابًا , فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَعِيب النَّاس بِفَضْلِ مَا فِيهِ مِنْ الْعَيْب . وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُبْصِر أَحَدكُمْ الْقَذَاة فِي عَيْن أَخِيهِ وَيَدَع الْجِذْع فِي عَيْنه ) وَقِيلَ : مِنْ سَعَادَة الْمَرْء أَنْ يَشْتَغِل بِعُيُوبِ نَفْسه عَنْ عُيُوب غَيْره . قَالَ الشَّاعِر : الْمَرْء إِنْ كَانَ عَاقِلًا وَرِعًا أَشْغَلَهُ عَنْ عُيُوبه وَرَعه كَمَا السَّقِيم الْمَرِيض يَشْغَلهُ عَنْ وَجَع النَّاس كُلّهمْ وَجَعه وَقَالَ آخَر : لَا تَكْشِفَنَّ مَسَاوِي النَّاس مَا سَتَرُوا فَيَهْتِك اللَّه سِتْرًا عَنْ مَسَاوِيكَا وَاذْكُرْ مَحَاسِن مَا فِيهِمْ إِذَا ذُكِرُوا وَلَا تَعِبْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِمَا فِيكَا النَّبَز ( بِالتَّحْرِيكِ ) اللَّقَب , وَالْجَمْع الْأَنْبَاز . وَالنَّبْز ( بِالتَّسْكِينِ ) الْمَصْدَر , تَقُول : نَبَزَهُ يَنْبِزهُ نَبْزًا , أَيْ لَقَّبَهُ . وَفُلَان يُنَبِّز بِالصِّبْيَانِ أَيْ يُلَقِّبهُمْ , شَدَّدَ لِلْكَثْرَةِ . وَيُقَال النَّبَز وَالنَّزَب لَقَب السُّوء . وَتَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ : أَيْ لَقَّبَ بَعْضهمْ بَعْضًا . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي جُبَيْرَة بْن الضَّحَّاك قَالَ : كَانَ الرَّجُل مِنَّا يَكُون لَهُ الِاسْمَيْنِ وَالثَّلَاثَة فَيُدْعَى بِبَعْضِهَا فَعَسَى أَنْ يَكْرَه , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : " وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ " . قَالَ هَذَا حَدِيث حَسَن . وَأَبُو جُبَيْرَة هَذَا هُوَ أَخُو ثَابِت بْن الضَّحَّاك بْن خَلِيفَة الْأَنْصَارِيّ . وَأَبُو زَيْد سَعِيد بْن الرَّبِيع صَاحِب الْهَرَوِيّ ثِقَة . وَفِي مُصَنَّف أَبِي دَاوُد عَنْهُ قَالَ : فِينَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , فِي بَنِي سَلَمَة " وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْم الْفُسُوق بَعْد الْإِيمَان " قَالَ : قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ مِنَّا رَجُل إِلَّا وَلَهُ اِسْمَانِ أَوْ ثَلَاثَة , فَجَعَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول يَا فُلَان فَيَقُولُونَ مَهْ يَا رَسُول اللَّه , إِنَّهُ يَغْضَب مِنْ هَذَا الِاسْم , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : " وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ " . فَهَذَا قَوْل . وَقَوْل ثَانٍ - قَالَ الْحَسَن وَمُجَاهِد : كَانَ الرَّجُل يُعَيَّر بَعْد إِسْلَامه بِكُفْرِهِ يَا يَهُودِيّ يَا نَصْرَانِيّ , فَنَزَلَتْ . وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَة وَأَبِي الْعَالِيَة وَعِكْرِمَة . وَقَالَ قَتَادَة : هُوَ قَوْل الرَّجُل لِلرَّجُلِ يَا فَاسِق يَا مُنَافِق , وَقَالَهُ مُجَاهِد وَالْحَسَن أَيْضًا . وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا ذَرّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَ عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَازَعَهُ رَجُل فَقَالَ لَهُ أَبُو ذَرّ : يَا اِبْن الْيَهُودِيَّة ! فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا تَرَى هَاهُنَا أَحْمَر وَأَسْوَد مَا أَنْتَ بِأَفْضَل مِنْهُ ) يَعْنِي بِالتَّقْوَى , وَنَزَلَتْ : " وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ " . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : التَّنَابُز بِالْأَلْقَابِ أَنْ يَكُون الرَّجُل قَدْ عَمِلَ السَّيِّئَات ثُمَّ تَابَ , فَنَهَى اللَّه أَنْ يُعَيَّر بِمَا سَلَفَ . يَدُلّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ عَيَّرَ مُؤْمِنًا بِذَنْبٍ تَابَ مِنْهُ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّه أَنْ يَبْتَلِيه بِهِ وَيَفْضَحهُ فِيهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ) . وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِعْمَال كَالْأَعْرَجِ وَالْأَحْدَب وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ كَسْب يَجِد فِي نَفْسه مِنْهُ عَلَيْهِ , فَجَوَّزَتْهُ الْأُمَّة وَاتَّفَقَ عَلَى قَوْله أَهْل الْمِلَّة . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَقَدْ وَرَدَ لَعَمْر اللَّه مِنْ ذَلِكَ فِي كُتُبهمْ مَا لَا أَرْضَاهُ فِي صَالِح جَزَرَة ; لِأَنَّهُ صَحَّفَ " خَرَزَة " فَلُقِّبَ بِهَا . وَكَذَلِكَ قَوْلهمْ فِي مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان الْحَضْرَمِيّ : مُطَيَّن ; لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي طِين وَنَحْو ذَلِكَ مِمَّا غَلَبَ عَلَى الْمُتَأَخِّرِينَ , وَلَا أَرَاهُ سَائِغًا فِي الدِّين . وَقَدْ كَانَ مُوسَى بْن عُلَيّ بْن رَبَاح الْمِصْرِيّ يَقُول : لَا أَجْعَل أَحَدًا صَغَّرَ اِسْم أَبِي فِي حِلّ , وَكَانَ الْغَالِب عَلَى اِسْمه التَّصْغِير بِضَمِّ الْعَيْن . وَاَلَّذِي يَضْبِط هَذَا كُلّه : أَنَّ كُلّ مَا يَكْرَه الْإِنْسَان إِذَا نُودِيَ بِهِ فَلَا يَجُوز لِأَجْلِ الْأَذِيَّة . وَاَللَّه أَعْلَم . قُلْت : وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى تَرْجَمَ الْبُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّه فِي ( كِتَاب الْأَدَب ) مِنْ الْجَامِع الصَّحِيح . فِي " بَاب مَا يَجُوز مِنْ ذِكْر النَّاس نَحْو قَوْلهمْ الطَّوِيل وَالْقَصِير لَا يُرَاد بِهِ شَيْن الرَّجُل " قَالَ : وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا يَقُول ذُو الْيَدَيْنِ ) قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه بْن خُوَيْز مَنْدَاد : تَضَمَّنَتْ الْآيَة الْمَنْع مِنْ تَلْقِيب الْإِنْسَان بِمَا يَكْرَه , وَيَجُوز تَلْقِيبه بِمَا يُحِبّ , أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَّبَ عُمَر بِالْفَارُوقِ , وَأَبَا بَكْر بِالصِّدِّيقِ , وَعُثْمَان بِذِي النُّورَيْنِ , وَخُزَيْمَة بِذِي الشَّهَادَتَيْنِ , وَأَبَا هُرَيْرَة بِذِي الشِّمَالَيْنِ وَبِذِي الْيَدَيْنِ , فِي أَشْبَاه ذَلِكَ . الزَّمَخْشَرِيّ : رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مِنْ حَقّ الْمُؤْمِن عَلَى الْمُؤْمِن أَنْ يُسَمِّيه بِأَحَبّ أَسْمَائِهِ إِلَيْهِ ) . وَلِهَذَا كَانَتْ التَّكْنِيَة مِنْ السُّنَّة وَالْأَدَب الْحَسَن , قَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : أَشِيعُوا الْكُنَى فَإِنَّهَا مُنَبِّهَة . وَلَقَدْ لُقِّبَ أَبُو بَكْر بِالْعَتِيقِ وَالصِّدِّيق , وَعُمَر بِالْفَارُوقِ , وَحَمْزَة بِأَسَدِ اللَّه , وَخَالِد بِسَيْفِ اللَّه . وَقَلَّ مِنْ الْمَشَاهِير فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام مَنْ لَيْسَ لَهُ لَقَب . وَلَمْ تَزَلْ هَذِهِ الْأَلْقَاب الْحَسَنَة فِي الْأُمَم كُلّهَا - مِنْ الْعَرَب وَالْعَجَم - تَجْرِي فِي مُخَاطَبَاتهمْ وَمُكَاتَبَاتهمْ مِنْ غَيْر نَكِير . قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : فَأَمَّا مُسْتَحِبّ الْأَلْقَاب وَمُسْتَحْسِنهَا فَلَا يُكْرَه . وَقَدْ وَصَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَدًا مِنْ أَصْحَابه بِأَوْصَافٍ صَارَتْ لَهُمْ مِنْ أَجَلّ الْأَلْقَاب . قُلْت : فَأَمَّا مَا يَكُون ظَاهِرهَا الْكَرَاهَة إِذَا أُرِيدَ بِهَا الصِّفَة لَا الْعَيْب فَذَلِكَ كَثِير . وَقَدْ سُئِلَ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك عَنْ الرَّجُل يَقُول : حُمَيْد الطَّوِيل , وَسُلَيْمَان الْأَعْمَش , وَحُمَيْد الْأَعْرَج , وَمَرْوَان الْأَصْغَر , فَقَالَ : إِذَا أَرَدْت صِفَته وَلَمْ تُرِدْ عَيْبه فَلَا بَأْس بِهِ . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَرْجِس قَالَ : رَأَيْت الْأَصْلَع - يَعْنِي عُمَر - يُقَبِّل الْحَجَر . فِي رِوَايَة الْأُصَيْلِع . أَيْ بِئْسَ أَنْ يُسَمَّى الرَّجُل كَافِرًا أَوْ زَانِيًا بَعْد إِسْلَامه وَتَوْبَته , قَالَهُ اِبْن زَيْد . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ لَقَّبَ أَخَاهُ أَوْ سَخِرَ مِنْهُ فَهُوَ فَاسِق . وَفِي الصَّحِيح ( مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِر فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدهمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ ) . فَمَنْ فَعَلَ مَا نَهَى اللَّه عَنْهُ مِنْ السُّخْرِيَة وَالْهَمْز وَالنَّبْز فَذَلِكَ فُسُوق وَذَلِكَ لَا يَجُوز . أَيْ عَنْ هَذِهِ الْأَلْقَاب الَّتِي يَتَأَذَّى بِهَا السَّامِعُونَ . لِأَنْفُسِهِمْ بِارْتِكَابِ هَذِهِ الْمَنَاهِي .'; $TAFSEER['4']['49']['12'] = 'قَوْله تَعَالَى : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنّ " قِيلَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِغْتَابَا رَفِيقهمَا . وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَافَرَ ضَمَّ الرَّجُل الْمُحْتَاج إِلَى الرَّجُلَيْنِ الْمُوسِرَيْنِ فَيَخْدُمهُمَا . فَضَمَّ سَلْمَان إِلَى رَجُلَيْنِ , فَتَقَدَّمَ سَلْمَان إِلَى الْمَنْزِل فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ وَلَمْ يُهَيِّئ لَهُمَا شَيْئًا , فَجَاءَا فَلَمْ يَجِدَا طَعَامًا وَإِدَامًا , فَقَالَا لَهُ : اِنْطَلِقْ فَاطْلُبْ لَنَا مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا وَإِدَامًا , فَذَهَبَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اِذْهَبْ إِلَى أُسَامَة بْن زَيْد فَقُلْ لَهُ إِنْ كَانَ عِنْدك فَضْل مِنْ طَعَام فَلْيُعْطِك ) وَكَانَ أُسَامَة خَازِن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَهَبَ إِلَيْهِ , فَقَالَ أُسَامَة : مَا عِنْدِي شَيْء , فَرَجَعَ إِلَيْهِمَا فَأَخْبَرَهُمَا , فَقَالَا : قَدْ كَانَ عِنْده وَلَكِنَّهُ بَخِلَ . ثُمَّ بَعَثَا سَلْمَان إِلَى طَائِفَة مِنْ الصَّحَابَة فَلَمْ يَجِد عِنْدهمْ شَيْئًا , فَقَالَا : لَوْ بَعَثْنَا سَلْمَان إِلَى بِئْر سُمَيْحَة لَغَارَ مَاؤُهَا . ثُمَّ اِنْطَلَقَا يَتَجَسَّسَانِ هَلْ عِنْد أُسَامَة شَيْء , فَرَآهُمَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( مَا لِي أَرَى خُضْرَة اللَّحْم فِي أَفْوَاهكُمَا ) فَقَالَا : يَا نَبِيّ اللَّه , وَاَللَّه مَا أَكَلْنَا فِي يَوْمنَا هَذَا لَحْمًا وَلَا غَيْره . فَقَالَ : ( وَلَكِنَّكُمَا ظَلْتُمَا تَأْكُلَانِ لَحْم سَلْمَان وَأُسَامَة ) فَنَزَلَتْ : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنّ إِنَّ بَعْض الظَّنّ إِثْم " ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . أَيْ لَا تَظُنُّوا بِأَهْلِ الْخَيْر سُوءًا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مِنْ ظَاهِر أُمُورهمْ الْخَيْر . ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِيَّاكُمْ وَالظَّنّ فَإِنَّ الظَّنّ أَكْذَب الْحَدِيث وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَاد اللَّه إِخْوَانًا ) لَفْظ الْبُخَارِيّ . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : فَالظَّنّ هُنَا وَفِي الْآيَة هُوَ التُّهْمَة . وَمَحَلّ التَّحْذِير وَالنَّهْي إِنَّمَا هُوَ تُهْمَة لَا سَبَب لَهَا يُوجِبهَا , كَمَنْ يُتَّهَم بِالْفَاحِشَةِ أَوْ بِشُرْبِ الْخَمْر مَثَلًا وَلَمْ يَظْهَر عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ . وَدَلِيل كَوْن الظَّنّ هُنَا بِمَعْنَى التُّهْمَة قَوْله تَعَالَى : " وَلَا تَجَسَّسُوا " وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَقَع لَهُ خَاطِر التُّهْمَة اِبْتِدَاء وَيُرِيد أَنْ يَتَجَسَّس خَبَر ذَلِكَ وَيَبْحَث عَنْهُ , وَيَتَبَصَّر وَيَسْتَمِع لِتَحْقِيقِ مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ تِلْكَ التُّهْمَة . فَنَهَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ . وَإِنْ شِئْت قُلْت : وَاَلَّذِي يُمَيِّز الظُّنُون الَّتِي يَجِب اِجْتِنَابهَا عَمَّا سِوَاهَا , أَنَّ كُلّ مَا لَمْ تُعْرَف لَهُ أَمَارَة صَحِيحَة وَسَبَب ظَاهِر كَانَ حَرَامًا وَاجِب الِاجْتِنَاب . وَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَظْنُون بِهِ مِمَّنْ شُوهِدَ مِنْهُ السَّتْر وَالصَّلَاح , وَأُونِسَتْ مِنْهُ الْأَمَانَة فِي الظَّاهِر , فَظَنّ الْفَسَاد بِهِ وَالْخِيَانَة مُحَرَّم , بِخِلَافِ مَنْ اِشْتَهَرَهُ النَّاس بِتَعَاطِي الرَّيْب وَالْمُجَاهَرَة بِالْخَبَائِثِ . وَعَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَنَّ اللَّه حَرَّمَ مِنْ الْمُسْلِم دَمه وَعِرْضه وَأَنْ يُظَنّ بِهِ ظَنّ السُّوء ) . وَعَنْ الْحَسَن : كُنَّا فِي زَمَن الظَّنّ بِالنَّاسِ فِيهِ حَرَام , وَأَنْتَ الْيَوْم فِي زَمَن اِعْمَلْ وَاسْكُتْ وَظُنَّ فِي النَّاس مَا شِئْت . وَلِلظَّنِّ حَالَتَانِ : حَالَة تُعْرَف وَتَقْوَى بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوه الْأَدِلَّة فَيَجُوز الْحُكْم بِهَا , وَأَكْثَر أَحْكَام الشَّرِيعَة مَبْنِيَّة عَلَى غَلَبَة الظَّنّ , كَالْقِيَاسِ وَخَبَر الْوَاحِد وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ قِيَم الْمُتْلَفَات وَأُرُوش الْجِنَايَات . وَالْحَالَة الثَّانِيَة : أَنْ يَقَع فِي النَّفْس شَيْء مِنْ غَيْر دَلَالَة فَلَا يَكُون ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ ضِدّه , فَهَذَا هُوَ الشَّكّ , فَلَا يَجُوز الْحُكْم بِهِ , وَهُوَ الْمَنْهِيّ عَنْهُ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا . وَقَدْ أَنْكَرَتْ جَمَاعَة مِنْ الْمُبْتَدِعَة تَعَبُّد اللَّه بِالظَّنِّ وَجَوَاز الْعَمَل بِهِ , تَحَكُّمًا فِي الدِّين وَدَعْوَى فِي الْمَعْقُول . وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ أَصْل يُعَوَّل عَلَيْهِ , فَإِنَّ الْبَارِئ تَعَالَى لَمْ يَذُمّ جَمِيعه , وَإِنَّمَا أَوْرَدَ الذَّمّ فِي بَعْضه . وَرُبَّمَا تَعَلَّقُوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة ( إِيَّاكُمْ وَالظَّنّ ) فَإِنَّ هَذَا لَا حُجَّة فِيهِ ; لِأَنَّ الظَّنّ فِي الشَّرِيعَة قِسْمَانِ : مَحْمُود وَمَذْمُوم , فَالْمَحْمُود مِنْهُ مَا سَلِمَ مَعَهُ دِين الظَّانّ وَالْمَظْنُون بِهِ عِنْد بُلُوغه . وَالْمَذْمُوم ضِدّه , بِدَلَالَةِ قَوْله تَعَالَى : " إِنَّ بَعْض الظَّنّ إِثْم " , وَقَوْله : " لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا " [ النُّور : 12 ] , وَقَوْله : " وَظَنَنْتُمْ ظَنّ السَّوْء وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا " [ الْفَتْح : 12 ] وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا كَانَ أَحَدكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ فَلْيَقُلْ أَحْسِب كَذَا وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّه أَحَدًا ) . وَقَالَ : ( إِذَا ظَنَنْت فَلَا تَحَقَّقْ وَإِذَا حَسَدْت فَلَا تَبْغِ وَإِذَا تَطَيَّرْت فَامْضِ ) خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد . وَأَكْثَر الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الظَّنّ الْقَبِيح بِمَنْ ظَاهِره الْخَيْر لَا يَجُوز , وَأَنَّهُ لَا حَرَج فِي الظَّنّ الْقَبِيح بِمَنْ ظَاهِره الْقَبِيح , قَالَهُ الْمَهْدَوِيّ . قَرَأَ أَبُو رَجَاء وَالْحَسَن بِاخْتِلَافٍ وَغَيْرهمَا " وَلَا تَحَسَّسُوا " بِالْحَاءِ . وَاخْتُلِفَ هَلْ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد أَوْ بِمَعْنَيَيْنِ , فَقَالَ الْأَخْفَش : لَيْسَ تَبْعُد إِحْدَاهُمَا مِنْ الْأُخْرَى ; لِأَنَّ التَّجَسُّس الْبَحْث عَمَّا يُكْتَم عَنْك . وَالتَّحَسُّس ( بِالْحَاءِ ) طَلَب الْأَخْبَار وَالْبَحْث عَنْهَا . وَقِيلَ : إِنَّ التَّجَسُّس ( بِالْجِيمِ ) هُوَ الْبَحْث , وَمِنْهُ قِيلَ : رَجُل جَاسُوس إِذَا كَانَ يَبْحَث عَنْ الْأُمُور . وَبِالْحَاءِ : هُوَ مَا أَدْرَكَهُ الْإِنْسَان بِبَعْضِ حَوَاسّه . وَقَوْل ثَانٍ فِي الْفَرْق : أَنَّهُ بِالْحَاءِ تَطَلُّبه لِنَفْسِهِ , وَبِالْجِيمِ أَنْ يَكُون رَسُولًا لِغَيْرِهِ , قَالَهُ ثَعْلَب . وَالْأَوَّل أَعْرَف . جَسَسْت الْأَخْبَار وَتَجَسَّسْتهَا أَيْ تَفَحَّصْت عَنْهَا , وَمِنْهُ الْجَاسُوس . وَمَعْنَى الْآيَة : خُذُوا مَا ظَهَرَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَات الْمُسْلِمِينَ , أَيْ لَا يَبْحَث أَحَدكُمْ عَنْ عَيْب أَخِيهِ حَتَّى يَطَّلِع عَلَيْهِ بَعْد أَنْ سَتَرَهُ اللَّه . وَفِي كِتَاب أَبِي دَاوُد عَنْ مُعَاوِيَة قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( إِنَّك إِنْ اِتَّبَعْت عَوْرَات النَّاس أَفْسَدْتهمْ أَوْ كِدْت تُفْسِدهُمْ ) فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء : كَلِمَة سَمِعَهَا مُعَاوِيَة مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَعَهُ اللَّه تَعَالَى بِهَا . وَعَنْ الْمِقْدَام بْن مَعْد كَرِب عَنْ أَبِي أُمَامَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الْأَمِير إِذَا اِبْتَغَى الرِّيبَة فِي النَّاس أَفْسَدَهُمْ ) . وَعَنْ زَيْد بْن وَهْب قَالَ : أُتِيَ اِبْن مَسْعُود فَقِيلَ : هَذَا فُلَان تَقْطُر لِحْيَته خَمْرًا . فَقَالَ عَبْد اللَّه : إِنَّا قَدْ نُهِينَا عَنْ التَّجَسُّس , وَلَكِنْ إِنْ يَظْهَر لَنَا شَيْء نَأْخُذ بِهِ . وَعَنْ أَبِي بَرْزَة الْأَسْلَمِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا مَعْشَر مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُل الْإِيمَان قَلْبه لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتهمْ , فَإِنَّ مَنْ اِتَّبَعَ عَوْرَاتهمْ يَتَّبِع اللَّه عَوْرَته وَمَنْ يَتَّبِع اللَّه عَوْرَته يَفْضَحهُ فِي بَيْته ) . وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف : حَرَسْت لَيْلَة مَعَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِالْمَدِينَةِ إِذْ تَبَيَّنَ لَنَا سِرَاج فِي بَيْت بَابه مُجَافٍ عَلَى قَوْم لَهُمْ أَصْوَات مُرْتَفِعَة وَلَغَط , فَقَالَ عُمَر : هَذَا بَيْت رَبِيعَة بْن أُمَيَّة بْن خَلَف , وَهُمْ الْآن شُرَّب فَمَا تَرَى ! ؟ قُلْت : أَرَى أَنَّا قَدْ أَتَيْنَا مَا نَهَى اللَّه عَنْهُ , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَلَا تَجَسَّسُوا " وَقَدْ تَجَسَّسْنَا , فَانْصَرَفَ عُمَر وَتَرَكَهُمْ . وَقَالَ أَبُو قِلَابَة : حُدِّثَ عُمَر بْن الْخَطَّاب أَنَّ أَبَا مِحْجَن الثَّقَفِيّ يَشْرَب الْخَمْر مَعَ أَصْحَاب لَهُ فِي بَيْته , فَانْطَلَقَ عُمَر حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ , فَإِذَا لَيْسَ عِنْده إِلَّا رَجُل , فَقَالَ أَبُو مِحْجَن : إِنَّ هَذَا لَا يَحِلّ لَك ! قَدْ نَهَاك اللَّه عَنْ التَّجَسُّس , فَخَرَجَ عُمَر وَتَرَكَهُ . وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : خَرَجَ عُمَر وَعَبْد الرَّحْمَن يَعُسَّانِ , إِذْ تَبَيَّنَتْ لَهُمَا نَار فَاسْتَأْذَنَا فَفُتِحَ الْبَاب , فَإِذَا رَجُل وَامْرَأَة تُغَنِّي وَعَلَى يَد الرَّجُل قَدَح , فَقَالَ عُمَر : وَأَنْتَ بِهَذَا يَا فُلَان ؟ فَقَالَ : وَأَنْتَ بِهَذَا يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ! قَالَ عُمَر : فَمَنْ هَذِهِ مِنْك ؟ قَالَ اِمْرَأَتِي , قَالَ فَمَا فِي هَذَا الْقَدَح ؟ قَالَ مَاء زُلَال , فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ : وَمَا الَّذِي تُغَنِّينَ ؟ فَقَالَتْ : تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْل وَاسْوَدَّ جَانِبه وَأَرَّقَنِي أَنْ لَا خَلِيل أُلَاعِبهُ فَوَاَللَّهِ لَوْلَا اللَّه أَنِّي أُرَاقِبهُ لَزُعْزِعَ مِنْ هَذَا السَّرِير جَوَانِبه وَلَكِنَّ عَقْلِي وَالْحَيَاء يَكُفّنِي وَأُكْرِم بَعْلِي أَنْ تُنَال مَرَاكِبه ثُمَّ قَالَ الرَّجُل : مَا بِهَذَا أُمِرْنَا يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ! قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَلَا تَجَسَّسُوا " . قَالَ صَدَقْت . قُلْت : لَا يُفْهَم مِنْ هَذَا الْخَبَر أَنَّ الْمَرْأَة كَانَتْ غَيْر زَوْجَة الرَّجُل ; لِأَنَّ عُمَر لَا يُقِرّ عَلَى الزِّنَى , وَإِنَّمَا غَنَّتْ بِتِلْكَ الْأَبْيَات تَذْكَارًا لِزَوْجِهَا , وَأَنَّهَا قَالَتْهَا فِي مَغِيبه عَنْهَا . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ عَمْرو بْن دِينَار : كَانَ رَجُل مِنْ أَهْل الْمَدِينَة لَهُ أُخْت فَاشْتَكَتْ , فَكَانَ يَعُودهَا فَمَاتَتْ فَدَفَنَهَا . فَكَانَ هُوَ الَّذِي نَزَلَ فِي قَبْرهَا , فَسَقَطَ مِنْ كُمّه كِيس فِيهِ دَنَانِير , فَاسْتَعَانَ بِبَعْضِ أَهْله فَنَبَشُوا قَبْرهَا فَأَخَذَ الْكِيس ثُمَّ قَالَ : لَأَكْشِفَنَّ حَتَّى أَنْظُر مَا آلَ حَال أُخْتِي إِلَيْهِ , فَكَشَفَ عَنْهَا فَإِذَا الْقَبْر مُشْتَعِل نَارًا , فَجَاءَ إِلَى أُمّه فَقَالَ : أَخْبِرِينِي مَا كَانَ عَمَل أُخْتِي ؟ فَقَالَتْ : قَدْ مَاتَتْ أُخْتك فَمَا سُؤَالك عَنْ عَمَلهَا ! فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى قَالَتْ لَهُ : كَانَ مِنْ عَمَلهَا أَنَّهَا كَانَتْ تُؤَخِّر الصَّلَاة عَنْ مَوَاقِيتهَا , وَكَانَتْ إِذَا نَامَ الْجِيرَان قَامَتْ إِلَى بُيُوتهمْ فَأَلْقَمَتْ أُذُنهَا أَبْوَابهمْ , فَتَجَسَّس عَلَيْهِمْ وَتُخْرِج أَسْرَارهمْ , فَقَالَ : بِهَذَا هَلَكَتْ ! نَهَى عَزَّ وَجَلَّ عَنْ الْغِيبَة , وَهِيَ أَنْ تَذْكُر الرَّجُل بِمَا فِيهِ , فَإِنْ ذَكَرْته بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ الْبُهْتَان . ثَبَتَ مَعْنَاهُ فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَة ) ؟ قَالُوا : اللَّه وَرَسُول أَعْلَم . قَالَ : ( ذِكْرك أَخَاك بِمَا يَكْرَه ) قِيلَ : أَفَرَأَيْت إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُول ؟ قَالَ : ( إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُول فَقَدْ اِغْتَبْته وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتّه ) . يُقَال : اِغْتَابَهُ اِغْتِيَابًا إِذَا وَقَعَ فِيهِ , وَالِاسْم الْغِيبَة , وَهِيَ ذِكْر الْعَيْب بِظَهْرِ الْغَيْب . قَالَ الْحَسَن : الْغِيبَة ثَلَاثَة أَوْجُه كُلّهَا فِي كِتَاب اللَّه تَعَالَى : الْغِيبَة وَالْإِفْك وَالْبُهْتَان . فَأَمَّا الْغِيبَة فَهُوَ أَنْ تَقُول فِي أَخِيك مَا هُوَ فِيهِ . وَأَمَّا الْإِفْك فَأَنْ تَقُول فِيهِ مَا بَلَغَك عَنْهُ . وَأَمَّا الْبُهْتَان فَأَنْ تَقُول فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ . وَعَنْ شُعْبَة قَالَ : قَالَ لِي مُعَاوِيَة - يَعْنِي اِبْن قُرَّة - : لَوْ مَرَّ بِك رَجُل أَقْطَع , فَقُلْت هَذَا أَقْطَع كَانَ غِيبَة . قَالَ شُعْبَة : فَذَكَرْته لِأَبِي إِسْحَاق فَقَالَ صَدَقَ . وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَة أَنَّ الْأَسْلَمِيّ مَاعِزًا جَاءَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَهِدَ عَلَى نَفْسه بِالزِّنَى فَرَجَمَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَسَمِعَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابه يَقُول أَحَدهمَا لِلْآخَرِ : اُنْظُرْ إِلَى هَذَا الَّذِي سَتَرَ اللَّه عَلَيْهِ فَلَمْ تَدَعهُ نَفْسه حَتَّى رُجِمَ رَجْم الْكَلْب , فَسَكَتَ عَنْهُمَا . ثُمَّ سَارَ سَاعَة حَتَّى مَرَّ بِجِيفَةِ حِمَار شَائِل بِرِجْلِهِ فَقَالَ : ( أَيْنَ فُلَان وَفُلَان ) ؟ فَقَالَا : نَحْنُ ذَا يَا رَسُول اللَّه , قَالَ : ( اِنْزِلَا فَكُلَا مِنْ جِيفَة هَذَا الْحِمَار ) فَقَالَا : يَا نَبِيّ اللَّه وَمَنْ يَأْكُل مِنْ هَذَا ! قَالَ : ( فَمَا نِلْتُمَا مِنْ عِرْض أَخِيكُمَا أَشَدّ مِنْ الْأَكْل مِنْهُ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ الْآن لَفِي أَنْهَار الْجَنَّة يَنْغَمِس فِيهَا ) . مَثَّلَ اللَّه الْغِيبَة بِأَكْلِ الْمَيْتَة ; لِأَنَّ الْمَيِّت لَا يَعْلَم بِأَكْلِ لَحْمه كَمَا أَنَّ الْحَيّ لَا يَعْلَم بِغِيبَةِ مَنْ اِغْتَابَهُ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّمَا ضَرَبَ اللَّه هَذَا الْمَثَل لِلْغِيبَةِ لِأَنَّ أَكْل لَحْم الْمَيِّت حَرَام مُسْتَقْذَر , وَكَذَا الْغِيبَة حَرَام فِي الدِّين وَقَبِيح فِي النُّفُوس . وَقَالَ قَتَادَة : كَمَا يَمْتَنِع أَحَدكُمْ أَنْ يَأْكُل لَحْم أَخِيهِ مَيِّتًا كَذَلِكَ يَجِب أَنْ يَمْتَنِع مِنْ غِيبَته حَيًّا . وَاسْتَعْمَلَ أَكْل اللَّحْم مَكَان الْغِيبَة لِأَنَّ عَادَة الْعَرَب بِذَلِكَ جَارِيَة . قَالَ الشَّاعِر : فَإِنْ أَكَلُوا لَحْمِي وَفَرْت لُحُومهمْ وَإِنْ هَدَمُوا مَجْدِي بَنَيْت لَهُمْ مَجْدَا وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا صَامَ مَنْ ظَلَّ يَأْكُل لُحُوم النَّاس ) . فَشَبَّهَ الْوَقِيعَة فِي النَّاس بِأَكْلِ لُحُومهمْ . فَمَنْ تَنَقَّصَ مُسْلِمًا أَوْ ثَلَمَ عِرْضه فَهُوَ كَالْآكِلِ لَحْمه حَيًّا , وَمَنْ اِغْتَابَهُ فَهُوَ كَالْآكِلِ لَحْمه مَيِّتًا . وَفِي كِتَاب أَبِي دَاوُد عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْت بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَار مِنْ نُحَاس يَخْمُشُونَ وُجُوههمْ وَصُدُورهمْ فَقُلْت مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُوم النَّاس وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضهمْ ) . وَعَنْ الْمُسْتَوْرِد أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَكَلَ بِرَجُلٍ مُسْلِم أَكْلَة فَإِنَّ اللَّه يُطْعِمهُ مِثْلهَا مِنْ جَهَنَّم وَمَنْ كُسِيَ ثَوْبًا بِرَجُلٍ مُسْلِم فَإِنَّ اللَّه يَكْسُوهُ مِثْله مِنْ جَهَنَّم وَمَنْ أَقَامَ بِرَجُلٍ مَقَام سُمْعَة وَرِيَاء فَإِنَّ اللَّه يَقُوم بِهِ مَقَام سُمْعَة وَرِيَاء يَوْم الْقِيَامَة ) . وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا مَعْشَر مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُل الْإِيمَان قَلْبه لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ ) . وَقَوْله لِلرَّجُلَيْنِ : ( مَا لِي أَرَى خُضْرَة اللَّحْم فِي أَفْوَاهكُمَا ) . وَقَالَ أَبُو قِلَابَة الرَّقَاشِيّ : سَمِعْت أَبَا عَاصِم يَقُول : مَا اِغْتَبْت أَحَدًا مُذْ عَرَفْت مَا فِي الْغِيبَة . وَكَانَ مَيْمُون بْن سِيَاه لَا يَغْتَاب أَحَدًا , وَلَا يَدَع أَحَدًا يَغْتَاب أَحَدًا عِنْده , يَنْهَاهُ فَإِنْ اِنْتَهَى وَإِلَّا قَامَ . وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَامَ رَجُل مِنْ عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَوْا فِي قِيَامه عَجْزًا فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه مَا أَعْجَز فُلَانًا ! فَقَالَ : ( أَكَلْتُمْ لَحْم أَخِيكُمْ وَاغْتَبْتُمُوهُ ) . وَعَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ قَالَ : أَدْنَى الْغِيبَة أَنْ تَقُول إِنَّ فُلَانًا جَعْد قَطَط , إِلَّا أَنَّهُ يُكْرَه ذَلِكَ . وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : إِيَّاكُمْ وَذِكْر النَّاس فَإِنَّهُ دَاء , وَعَلَيْكُمْ بِذِكْرِ اللَّه فَإِنَّهُ شِفَاء . وَسَمِعَ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا رَجُلًا يَغْتَاب آخَر , فَقَالَ : إِيَّاكَ وَالْغِيبَة فَإِنَّهَا إِدَام كِلَاب النَّاس . وَقِيلَ لِعَمْرِو بْن عُبَيْد : لَقَدْ وَقَعَ فِيك فُلَان حَتَّى رَحِمْنَاك , قَالَ : إِيَّاهُ فَارْحَمُوا . وَقَالَ رَجُل لِلْحَسَنِ : بَلَغَنِي أَنَّك تَغْتَابنِي ! فَقَالَ : لَمْ يَبْلُغ قَدْرك عِنْدِي أَنْ أُحَكِّمك فِي حَسَنَاتِي . ذَهَبَ قَوْم إِلَى أَنَّ الْغِيبَة لَا تَكُون إِلَّا فِي الدِّين وَلَا تَكُون فِي الْخِلْقَة وَالْحَسَب . وَقَالُوا : ذَلِكَ فِعْل اللَّه بِهِ . وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى عَكْس هَذَا فَقَالُوا : لَا تَكُون الْغِيبَة إِلَّا فِي الْخَلْق وَالْخُلُق وَالْحَسَب . وَالْغِيبَة فِي الْخَلْق أَشَدّ ; لِأَنَّ مَنْ عَيَّبَ صَنْعَة فَإِنَّمَا عَيَّبَ صَانِعهَا . وَهَذَا كُلّه مَرْدُود . أَمَّا الْأَوَّل فَيَرُدّهُ حَدِيث عَائِشَة حِين قَالَتْ فِي صَفِيَّة : إِنَّهَا اِمْرَأَة قَصِيرَة , فَقَالَ لَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ قُلْت كَلِمَة لَوْ مُزِجَ بِهَا الْبَحْر لَمَزَجَتْهُ ) . خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد . وَقَالَ فِيهِ التِّرْمِذِيّ : حَدِيث حَسَن صَحِيح , وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ حَسَب مَا تَقَدَّمَ . وَإِجْمَاع الْعُلَمَاء قَدِيمًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ غِيبَة إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْعَيْب . وَأَمَّا الثَّانِي فَمَرْدُود أَيْضًا عِنْد جَمِيع الْعُلَمَاء ; لِأَنَّ الْعُلَمَاء مِنْ أَوَّل الدَّهْر مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ بَعْدهمْ لَمْ تَكُنْ الْغِيبَة عِنْدهمْ فِي شَيْء أَعْظَم مِنْ الْغِيبَة فِي الدِّين ; لِأَنَّ عَيْب الدِّين أَعْظَم الْعَيْب , فَكُلّ مُؤْمِن يَكْرَه أَنْ يُذْكَر فِي دِينه أَشَدّ مِمَّا يَكْرَه فِي بَدَنه . وَكَفَى رَدًّا لِمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْل قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( إِذَا قُلْت فِي أَخِيك مَا يَكْرَه فَقَدْ اِغْتَبْته ... ) الْحَدِيث . فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِغِيبَةٍ فَقَدْ رَدَّ مَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصًّا . وَكَفَى بِعُمُومِ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( دِمَاؤُكُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَام ) وَذَلِكَ عَامّ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا . وَقَوْل النَّبِيّ : ( مَنْ كَانَتْ عِنْده لِأَخِيهِ مَظْلَمَة فِي عِرْضه أَوْ مَاله فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ ) . فَعَمَّ كُلّ عِرْض , فَمَنْ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا دُون شَيْء فَقَدْ عَارَضَ مَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . لَا خِلَاف أَنَّ الْغِيبَة مِنْ الْكَبَائِر , وَأَنَّ مَنْ اِغْتَابَ أَحَدًا عَلَيْهِ أَنْ يَتُوب إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَهَلْ يَسْتَحِلّ الْمُغْتَاب ؟ اُخْتُلِفَ فِيهِ , فَقَالَتْ فِرْقَة : لَيْسَ عَلَيْهِ اِسْتِحْلَاله , وَإِنَّمَا هِيَ خَطِيئَة بَيْنه وَبَيْن رَبّه . وَاحْتَجَّتْ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذ مِنْ مَاله وَلَا أَصَابَ مِنْ بَدَنه مَا يُنْقِصهُ , فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَظْلِمَةٍ يَسْتَحِلّهَا مِنْهُ , وَإِنَّمَا الْمَظْلِمَة مَا يَكُون مِنْهُ الْبَدَل وَالْعِوَض فِي الْمَال وَالْبَدَن . وَقَالَتْ فِرْقَة : هِيَ مَظْلِمَة , وَكَفَّارَتهَا الِاسْتِغْفَار لِصَاحِبِهَا الَّذِي اِغْتَابَهُ . وَاحْتَجَّتْ بِحَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ الْحَسَن قَالَ : كَفَّارَة الْغِيبَة أَنْ تَسْتَغْفِر لِمَنْ اِغْتَبْته . وَقَالَتْ فِرْقَة : هِيَ مَظْلِمَة وَعَلَيْهِ الِاسْتِحْلَال مِنْهَا . وَاحْتَجَّتْ بِقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَتْ لِأَخِيهِ عِنْده مَظْلَمَة فِي عِرْض أَوْ مَال فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِي يَوْم لَيْسَ هُنَاكَ دِينَار وَلَا دِرْهَم يُؤْخَذ مِنْ حَسَنَاته فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَات أُخِذَ مِنْ سَيِّئَات صَاحِبه فَزِيدَ عَلَى سَيِّئَاته ) . خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَة لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضه أَوْ شَيْء فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْم قَبْل أَلَّا يَكُون لَهُ دِينَار وَلَا دِرْهَم إِنْ كَانَ لَهُ عَمَل صَالِح أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَته وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَات أُخِذَ مِنْ سَيِّئَات صَاحِبه فَحُمِلَ عَلَيْهِ ) . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَة " آل عِمْرَان " عِنْد قَوْله تَعَالَى : " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء " [ آل عِمْرَان : 169 ] . وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيث عَائِشَة أَنَّ اِمْرَأَة دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَلَمَّا قَامَتْ قَالَتْ اِمْرَأَة : مَا أَطْوَل ذَيْلهَا ! فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَة : لَقَدْ اغْتَبْتِيهَا فَاسْتَحِلِّيهَا . فَدَلَّتْ الْآثَار عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا مَظْلِمَة يَجِب عَلَى الْمُغْتَاب اِسْتِحْلَالهَا . وَأَمَّا قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّمَا الْغِيبَة فِي الْمَال وَالْبَدَن , فَقَدْ أَجْمَعَتْ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ عَلَى الْقَاذِف لِلْمَقْذُوفِ مَظْلِمَة يَأْخُذهُ بِالْحَدِّ حَتَّى يُقِيمهُ عَلَيْهِ , وَذَلِكَ لَيْسَ فِي الْبَدَن وَلَا فِي الْمَال , فَفِي ذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنَّ الظُّلْم فِي الْعِرْض وَالْبَدَن وَالْمَال , وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى فِي الْقَاذِف : " فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْد اللَّه هُمْ الْكَاذِبُونَ " [ النُّور : 13 ] . وَقَدْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ بَهَتَ مُؤْمِنًا بِمَا لَيْسَ فِيهِ حَبَسَهُ اللَّه فِي طِينَة الْخَبَال ) . وَذَلِكَ كُلّه فِي غَيْر الْمَال وَالْبَدَن . وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إِنَّهَا مَظْلِمَة , وَكَفَّارَة الْمَظْلِمَة أَنْ يَسْتَغْفِر لِصَاحِبِهَا , فَقَدْ نَاقَضَ إِذْ سَمَّاهَا مَظْلِمَة ثُمَّ قَالَ : كَفَّارَتهَا أَنْ يَسْتَغْفِر لِصَاحِبِهَا ; لِأَنَّ قَوْله مَظْلِمَة تُثْبِت ظُلَامَة الْمَظْلُوم , فَإِذَا ثَبَتَتْ الظُّلَامَة لَمْ يُزِلْهَا عَنْ الظَّالِم إِلَّا إِحْلَال الْمَظْلُوم لَهُ . وَأَمَّا قَوْل الْحَسَن فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ , وَقَدْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْد أَخِيهِ مَظْلَمَة فِي عِرْض أَوْ مَال فَلِيَتَحَلَّلهَا مِنْهُ ) . وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضهمْ إِلَى تَرْك التَّحْلِيل لِمَنْ سَأَلَهُ , وَرَأَى أَنَّهُ لَا يُحِلّ مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ , مِنْهُمْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب قَالَ : لَا أُحَلِّل مَنْ ظَلَمَنِي . وَقِيلَ لِابْنِ سِيرِينَ : يَا أَبَا بَكْر , هَذَا رَجُل سَأَلَك أَنْ تُحَلِّلهُ مِنْ مَظْلِمَة هِيَ لَك عِنْده , فَقَالَ : إِنِّي لَمْ أُحَرِّمهَا عَلَيْهِ فَأُحِلّهَا , إِنَّ اللَّه حَرَّمَ الْغِيبَة عَلَيْهِ , وَمَا كُنْت لِأُحِلّ مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ أَبَدًا . وَخَبَر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلّ عَلَى التَّحْلِيل , وَهُوَ الْحُجَّة وَالْمُبَيِّن . وَالتَّحْلِيل يَدُلّ عَلَى الرَّحْمَة وَهُوَ مِنْ وَجْه الْعَفْو , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : " فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْره عَلَى اللَّه " [ الشُّورَى : 40 ] . لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَاب غِيبَة الْفَاسِق الْمُعْلِن بِهِ الْمُجَاهِر , فَإِنَّ فِي الْخَبَر ( مَنْ أَلْقَى جِلْبَاب الْحَيَاء فَلَا غِيبَة لَهُ ) . وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اُذْكُرُوا الْفَاجِر بِمَا فِيهِ كَيْ يَحْذَرهُ النَّاس ) . فَالْغِيبَة إِذًا فِي الْمَرْء الَّذِي يَسْتُر نَفْسه . وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ : ثَلَاثَة لَيْسَ لَهُمْ حُرْمَة : صَاحِب الْهَوَى , وَالْفَاسِق الْمُعْلِن , وَالْإِمَام الْجَائِر . وَقَالَ الْحَسَن لَمَّا مَاتَ الْحَجَّاج : اللَّهُمَّ أَنْتَ أَمَتّه فَاقْطَعْ عَنَّا سُنَّته - وَفِي رِوَايَة شَيْنه - فَإِنَّهُ أَتَانَا أُخَيْفِش أُعَيْمِش , يَمُدّ بِيَدٍ قَصِيرَة الْبَنَان , وَاَللَّه مَا عَرِقَ فِيهَا غُبَار فِي سَبِيل اللَّه , يُرَجِّل جُمَّته وَيَخْطِر فِي مِشْيَته , وَيَصْعَد الْمِنْبَر فَيَهْدِر حَتَّى تَفُوتهُ الصَّلَاة . لَا مِنْ اللَّه يَتَّقِي , وَلَا مِنْ النَّاس يَسْتَحِي , فَوْقه اللَّه وَتَحْته مِائَة أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ , لَا يَقُول لَهُ قَائِل : الصَّلَاة أَيّهَا الرَّجُل . ثُمَّ يَقُول الْحَسَن : هَيْهَاتَ ! حَالَ دُون ذَلِكَ السَّيْف وَالسَّوْط . وَرَوَى الرَّبِيع بْن صُبَيْح عَنْ الْحَسَن قَالَ : لَيْسَ لِأَهْلِ الْبِدَع غِيبَة . وَكَذَلِكَ قَوْلك لِلْقَاضِي تَسْتَعِين بِهِ عَلَى أَخْذ حَقّك مِمَّنْ ظَلَمَك فَتَقُول فُلَان ظَلَمَنِي أَوْ غَضِبَنِي أَوْ خَانَنِي أَوْ ضَرَبَنِي أَوْ قَذَفَنِي أَوْ أَسَاءَ إِلَيَّ , لَيْسَ بِغِيبَةٍ . وَعُلَمَاء الْأُمَّة عَلَى ذَلِكَ مُجْمِعَة . وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ : ( لِصَاحِبِ الْحَقّ مَقَال ) . وَقَالَ : ( مَطْل الْغَنِيّ ظُلْم ) وَقَالَ ( لَيّ الْوَاجِد يُحِلّ عِرْضه وَعُقُوبَته ) . وَمِنْ ذَلِكَ الِاسْتِفْتَاء , كَقَوْلِ هِنْد لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أَبَا سُفْيَان رَجُل شَحِيح لَا يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي أَنَا وَوَلَدِي , فَآخُذ مِنْ غَيْر عِلْمه ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( نَعَمْ فَخُذِي ) . فَذَكَرَتْهُ بِالشُّحِّ وَالظُّلْم لَهَا وَلِوَلَدِهَا , وَلَمْ يَرَهَا مُغْتَابَة ; لِأَنَّهُ لَمْ يُغَيِّر عَلَيْهَا , بَلْ أَجَابَهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالْفُتْيَا لَهَا . وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي ذِكْره بِالسُّوءِ فَائِدَة , كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَمَّا مُعَاوِيَة فَصُعْلُوك لَا مَال لَهُ وَأَمَّا أَبُو جَهْم فَلَا يَضَع عَصَاهُ عَنْ عَاتِقه ) . فَهَذَا جَائِز , وَكَانَ مَقْصُوده أَلَّا تَغْتَرّ فَاطِمَة بِنْت قَيْس بِهِمَا . قَالَ جَمِيعه الْمُحَاسِبِيّ رَحِمَهُ اللَّه . قَوْله تَعَالَى : " مَيْتًا " وَقُرِئَ " مَيِّتًا " وَهُوَ نَصْب عَلَى الْحَال مِنْ اللَّحْم . وَيَجُوز أَنْ يُنْصَب عَلَى الْأَخ , وَلَمَّا قَرَّرَهُمْ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَا يَجِب أَكْل جِيفَة أَخِيهِ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : فَكَرِهْتُمْ أَكْل الْمَيْتَة فَكَذَلِكَ فَاكْرَهُوا الْغِيبَة , رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ مُجَاهِد . الثَّانِي : فَكَرِهْتُمْ أَنْ يَغْتَابكُمْ النَّاس فَاكْرَهُوا غِيبَة النَّاس . وَقَالَ الْفَرَّاء : أَيْ فَقَدْ كَرِهْتُمُوهُ فَلَا تَفْعَلُوهُ . وَقِيلَ : لَفْظه خَبَر وَمَعْنَاهُ أَمْر , أَيْ اِكْرَهُوهُ . عَطْف عَلَيْهِ . وَقِيلَ : عَطْف عَلَى قَوْله : " اِجْتَنِبُوا . وَلَا تَجَسَّسُوا " . " إِنَّ اللَّه تَوَّاب رَحِيم "'; $TAFSEER['4']['49']['13'] = 'فِيهِ أَرْبَع مَسَائِل الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى " يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وَأُنْثَى " يَعْنِي آدَم وَحَوَّاء . وَنَزَلَتْ الْآيَة فِي أَبِي هِنْد , ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد فِي ( الْمَرَاسِيل ) , حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عُثْمَان وَكَثِير بْن عُبَيْد قَالَا حَدَّثَنَا بَقِيَّة بْن الْوَلِيد قَالَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيّ قَالَ : أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي بَيَاضَة أَنْ يُزَوِّجُوا أَبَا هِنْد اِمْرَأَة مِنْهُمْ , فَقَالُوا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نُزَوِّج بَنَاتنَا مَوَالِينَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا " الْآيَة . قَالَ الزُّهْرِيّ : نَزَلَتْ فِي أَبِي هِنْد خَاصَّة . وَقِيلَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي ثَابِت بْن قَيْس بْن شَمَّاس . وَقَوْله فِي الرَّجُل الَّذِي لَمْ يَتَفَسَّح لَهُ : اِبْن فُلَانَة , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ الذَّاكِر فُلَانَة ) ؟ قَالَ ثَابِت : أَنَا يَا رَسُول اللَّه , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اُنْظُرْ فِي وُجُوه الْقَوْم ) فَنَظَرَ , فَقَالَ : ( مَا رَأَيْت ) ؟ قَالَ رَأَيْت أَبْيَض وَأَسْوَد وَأَحْمَر , فَقَالَ : ( فَإِنَّك لَا تَفْضُلهُمْ إِلَّا بِالتَّقْوَى ) فَنَزَلَتْ فِي ثَابِت هَذِهِ الْآيَة . وَنَزَلَتْ فِي الرَّجُل الَّذِي لَمْ يَتَفَسَّح لَهُ : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِس " [ الْمُجَادَلَة : 11 ] الْآيَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمَّا كَانَ يَوْم فَتْح مَكَّة أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا حَتَّى عَلَا عَلَى ظَهْر الْكَعْبَة فَأَذَّنَ , فَقَالَ عَتَّاب بْن أَسِيد بْن أَبِي الْعِيص : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي قَبَضَ أَبِي حَتَّى لَا يَرَى هَذَا الْيَوْم . قَالَ الْحَارِث بْن هِشَام : مَا وَجَدَ مُحَمَّد غَيْر هَذَا الْغُرَاب الْأَسْوَد مُؤَذِّنًا . وَقَالَ سُهَيْل بْن عَمْرو : إِنْ يُرِدْ اللَّه شَيْئًا يُغَيِّرهُ . وَقَالَ أَبُو سُفْيَان : إِنِّي لَا أَقُول شَيْئًا أَخَاف أَنْ يُخْبِر بِهِ رَبّ السَّمَاء , فَأَتَى جِبْرِيل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالُوا , فَدَعَاهُمْ وَسَأَلَهُمْ عَمَّا قَالُوا فَأَقَرُّوا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة . زَجَرَهُمْ عَنْ التَّفَاخُر بِالْأَنْسَابِ , وَالتَّكَاثُر بِالْأَمْوَالِ , وَالِازْدِرَاء بِالْفُقَرَاءِ , فَإِنَّ الْمَدَار عَلَى التَّقْوَى . أَيْ الْجَمِيع مِنْ آدَم وَحَوَّاء , إِنَّمَا الْفَضْل بِالتَّقْوَى . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ بِمَكَّة فَقَالَ : ( يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّ اللَّه قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّة الْجَاهِلِيَّة وَتَعَاظُمهَا بِآبَائِهَا . فَالنَّاس رَجُلَانِ : رَجُل بَرّ تَقِيّ كَرِيم عَلَى اللَّه , وَفَاجِر شَقِيّ هَيِّن عَلَى اللَّه . وَالنَّاس بَنُو آدَم وَخَلَقَ اللَّه آدَم مِنْ تُرَاب قَالَ اللَّه تَعَالَى : " يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِل لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمكُمْ عِنْد اللَّه أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّه عَلِيم خَبِير " ) . خَرَّجَهُ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر وَالِد عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ وَهُوَ ضَعِيف , ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْن مَعِين وَغَيْره . وَقَدْ خَرَّجَ الطَّبَرِيّ فِي كِتَاب ( آدَاب النُّفُوس ) وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيد الْجُرَيْرِيّ عَنْ أَبِي نَضْرَة قَالَ : حَدَّثَنِي أَوْ حَدَّثَنَا مَنْ شَهِدَ خَطَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى فِي وَسَط أَيَّام التَّشْرِيق وَهُوَ عَلَى بَعِير فَقَالَ : ( أَيّهَا النَّاس أَلَا إِنَّ رَبّكُمْ وَاحِد وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِد أَلَا لَا فَضْل لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيّ وَلَا عَجَمِيّ عَلَى عَرَبِيّ وَلَا لِأَسْوَد عَلَى أَحْمَر وَلَا لِأَحْمَر عَلَى أَسْوَد إِلَّا بِالتَّقْوَى أَلَا هَلْ بَلَّغْت ؟ - قَالُوا نَعَمْ قَالَ - لِيُبَلِّغ الشَّاهِد الْغَائِب ) . وَفِيهِ عَنْ مَالِك الْأَشْعَرِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه لَا يَنْظُر إِلَى أَحْسَابكُمْ وَلَا إِلَى أَنْسَابكُمْ وَلَا إِلَى أَجْسَامكُمْ وَلَا إِلَى أَمْوَالكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُر إِلَى قُلُوبكُمْ فَمَنْ كَانَ لَهُ قَلْب صَالِح تَحَنَّنَ اللَّه عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَنْتُمْ بَنُو آدَم وَأَحَبّكُمْ إِلَيْهِ أَتْقَاكُمْ ) . وَلِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ مَشْهُور مِنْ شِعْره : النَّاس مِنْ جِهَة التَّمْثِيل أَكِفَّاء أَبُوهُمْ آدَم وَالْأُمّ حَوَّاء نَفْس كَنَفْسِ وَأَرْوَاح مُشَاكَلَة وَأَعْظُم خُلِقَتْ فِيهِمْ وَأَعْضَاء فَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ أَصْلهمْ حَسَب يُفَاخِرُونَ بِهِ فَالطِّين وَالْمَاء مَا الْفَضْل إِلَّا لِأَهْلِ الْعِلْم إِنَّهُمْ عَلَى الْهُدَى لِمَنْ اِسْتَهْدَى أَدِلَّاء وَقَدْر كُلّ اِمْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنهُ وَلِلرِّجَالِ عَلَى الْأَفْعَال سِيمَاء وَضِدّ كُلّ اِمْرِئٍ مَا كَانَ يَجْهَلهُ وَالْجَاهِلُونَ لِأَهْلِ الْعِلْم أَعْدَاء الثَّانِيَة : بَيَّنَ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ خَلَقَ الْخَلْق مِنْ الذَّكَر وَالْأُنْثَى , وَكَذَلِكَ فِي أَوَّل سُورَة " النِّسَاء " . وَلَوْ شَاءَ لَخَلَقَهُ دُونهمَا كَخَلْقِهِ لِآدَم , أَوْ دُون ذَكَر كَخَلْقِهِ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام , أَوْ دُون أُنْثَى كَخَلْقِهِ حَوَّاء مِنْ إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ . وَهَذَا الْجَائِز فِي الْقُدْرَة لَمْ يَرِد بِهِ الْوُجُود . وَقَدْ جَاءَ أَنَّ آدَم خَلَقَ اللَّه مِنْهُ حَوَّاء مِنْ ضِلَع اِنْتَزَعَهَا مِنْ أَضْلَاعه , فَلَعَلَّهُ هَذَا الْقِسْم , قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ . الثَّالِثَة : خَلَقَ اللَّه الْخَلْق بَيْن الذَّكَر وَالْأُنْثَى أَنْسَابًا وَأَصْهَارًا وَقَبَائِل وَشُعُوبًا , وَخَلَقَ لَهُمْ مِنْهَا التَّعَارُف , وَجَعَلَ لَهُمْ بِهَا التَّوَاصُل لِلْحِكْمَةِ الَّتِي قَدَّرَهَا وَهُوَ أَعْلَم بِهَا , فَصَارَ كُلّ أَحَد يَحُوز نَسَبه , فَإِذَا نَفَاهُ رَجُل عَنْهُ اِسْتَوْجَبَ الْحَدّ بِقَذْفِهِ , مِثْل أَنْ يَنْفِيه عَنْ رَهْطه وَحَسَبه , بِقَوْلِهِ لِلْعَرَبِيِّ : يَا عَجَمِيّ , وَلِلْعَجَمِيِّ : يَا عَرَبِيّ , وَنَحْو ذَلِكَ مِمَّا يَقَع بِهِ النَّفْي حَقِيقَة . اِنْتَهَى . الرَّابِعَة : ذَهَبَ قَوْم مِنْ الْأَوَائِل إِلَى أَنَّ الْجَنِين إِنَّمَا يَكُون مِنْ مَاء الرَّجُل وَحْده , وَيَتَرَبَّى فِي رَحِم الْأُمّ , وَيَسْتَمِدّ مِنْ الدَّم الَّذِي يَكُون فِيهِ . وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " أَلَمْ نَخْلُقكُمْ مِنْ مَاء مَهِين . فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَار مَكِين " [ الْمُرْسَلَات : 21 ] . وَقَوْله تَعَالَى : " ثُمَّ جَعَلَ نَسْله مِنْ سُلَالَة مِنْ مَاء مَهِين " [ السَّجْدَة : 8 ] . وَقَوْله : " أَلَمْ يَكُ نُطْفَة مِنْ مَنِيّ يُمْنَى " [ الْقِيَامَة : 37 ] . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخَلْق مِنْ مَاء وَاحِد . وَالصَّحِيح أَنَّ الْخَلْق إِنَّمَا يَكُون مِنْ مَاء الرَّجُل وَالْمَرْأَة لِهَذِهِ الْآيَة , فَإِنَّهَا نَصّ لَا يَحْتَمِل التَّأْوِيل . وَقَوْله تَعَالَى : " خُلِقَ مِنْ مَاء دَافِق . يَخْرُج مِنْ بَيْن الصُّلْب وَالتَّرَائِب " [ الطَّارِق : 6 ] وَالْمُرَاد مِنْهُ أَصْلَاب الرِّجَال وَتَرَائِب النِّسَاء , عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه . وَأَمَّا مَا اِحْتَجُّوا بِهِ فَلَيْسَ فِيهِ أَكْثَر مِنْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ الْمَاء وَالسُّلَالَة وَالنُّطْفَة وَلَمْ يُضِفْهَا إِلَى أَحَد الْأَبَوَيْنِ دُون الْآخَر . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَاء وَالسُّلَالَة لَهُمَا وَالنُّطْفَة مِنْهُمَا بِدَلَالَةِ مَا ذَكَرْنَا . وَبِأَنَّ الْمَرْأَة تُمْنِي كَمَا يُمْنِي الرَّجُل , وَعَنْ ذَلِكَ يَكُون الشَّبَه , حَسَب مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي آخِر " الشُّورَى " . وَقَدْ قَالَ فِي قِصَّة نُوح : " فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْر قَدْ قُدِرَ " [ الْقَمَر : 12 ] وَإِنَّمَا أَرَادَ مَاء السَّمَاء وَمَاء الْأَرْض ; لِأَنَّ الِالْتِقَاء لَا يَكُون إِلَّا مِنْ اِثْنَيْنِ , فَلَا يُنْكَر أَنْ يَكُون " ثُمَّ جَعَلَ نَسْله مِنْ سُلَالَة مِنْ مَاء مَهِين " [ السَّجْدَة : 8 ] . وَقَوْله تَعَالَى : " أَلَمْ نَخْلُقكُمْ مِنْ مَاء مَهِين " [ الْمُرْسَلَات : 21 ] وَيُرِيد مَاءَيْنِ . وَاَللَّه أَعْلَم . الشُّعُوب رُءُوس الْقَبَائِل , مِثْل رَبِيعَة وَمُضَر وَالْأَوْس وَالْخَزْرَج , وَاحِدهَا شَعْب بِفَتْحِ الشِّين , سُمُّوا بِهِ لِتَشَعُّبِهِمْ وَاجْتِمَاعهمْ كَشَعْبِ أَغْصَان الشَّجَرَة . وَالشَّعْب مِنْ الْأَضْدَاد , يُقَال شَعَّبْته إِذَا جَمَّعْته , وَمِنْهُ الْمِشْعَب ( بِكَسْرِ الْمِيم ) وَهُوَ الْإِشْفَى ; لِأَنَّهُ يُجْمَع بِهِ وَيُشَعَّب . قَالَ : فَكَابٍ عَلَى حُرّ الْجَبِين وَمُتَّقٍ بِمَدْرِيَة كَأَنَّهُ ذَلْق مِشْعَب وَشَعَبْته إِذَا فَرَّقْته , وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْمَنِيَّة شُعُوبًا لِأَنَّهَا مُفَرِّقَة . فَأَمَّا الشِّعْب ( بِالْكَسْرِ ) فَهُوَ الطَّرِيق فِي الْجَبَل , وَالْجَمْع الشِّعَاب . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : الشَّعْب : مَا تَشَعَّبَ مِنْ قَبَائِل الْعَرَب وَالْعَجَم , وَالْجَمْع الشُّعُوب . وَالشُّعُوبِيَّة : فِرْقَة لَا تُفَضِّل الْعَرَب عَلَى الْعَجَم . وَأَمَّا الَّذِي فِي الْحَدِيث : أَنَّ رَجُلًا مِنْ الشُّعُوب أَسْلَمَ , فَإِنَّهُ يَعْنِي مِنْ الْعَجَم . وَالشَّعْب : الْقَبِيلَة الْعَظِيمَة , وَهُوَ أَبُو الْقَبَائِل الَّذِي يُنْسَبُونَ إِلَيْهِ , أَيْ يَجْمَعهُمْ وَيَضُمّهُمْ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : الشُّعُوب الْجُمْهُور , مِثْل مُضَر . وَالْقَبَائِل الْأَفْخَاذ . وَقَالَ مُجَاهِد : الشُّعُوب الْبَعِيد مِنْ النَّسَب , وَالْقَبَائِل دُون ذَلِكَ . وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ الشُّعُوب النَّسَب الْأَقْرَب . وَقَالَهُ قَتَادَة . ذَكَرَ الْأَوَّل عَنْهُ الْمَهْدَوِيّ , وَالثَّانِي الْمَاوَرْدِيّ . قَالَ الشَّاعِر : رَأَيْت سُعُودًا مِنْ شُعُوب كَثِيرَة فَلَمْ أَرَ سَعْدًا مِثْل سَعْد بْن مَالِك وَقَالَ آخَر : قَبَائِل مِنْ شُعُوب لَيْسَ فِيهِمْ كَرِيم قَدْ يُعَدّ وَلَا نَجِيب وَقِيلَ : إِنَّ الشُّعُوب عَرَب الْيَمَن مِنْ قَحْطَان , وَالْقَبَائِل مِنْ رَبِيعَة وَمُضَر وَسَائِر عَدْنَان . وَقِيلَ : إِنَّ الشُّعُوب بُطُون الْعَجَم , وَالْقَبَائِل بُطُون الْعَرَب . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس فِي رِوَايَة : إِنَّ الشُّعُوب الْمَوَالِي , وَالْقَبَائِل الْعَرَب . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَعَلَى هَذَا فَالشُّعُوب مَنْ لَا يُعْرَف لَهُمْ أَصْل نَسَب كَالْهِنْدِ وَالْجَبَل وَالتُّرْك , وَالْقَبَائِل مِنْ الْعَرَب . الْمَاوَرْدِيّ : وَيَحْتَمِل أَنَّ الشُّعُوب هُمْ الْمُضَافُونَ إِلَى النَّوَاحِي وَالشِّعَاب , وَالْقَبَائِل هُمْ الْمُشْتَرِكُونَ فِي الْأَنْسَاب . قَالَ الشَّاعِر : وَتَفَرَّقُوا شُعَبًا فَكُلّ جَزِيرَة فِيهَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وَمِنْبَر وَحَكَى أَبُو عُبَيْد عَنْ اِبْن الْكَلْبِيّ عَنْ أَبِيهِ : الشَّعْب أَكْبَر مِنْ الْقَبِيلَة ثُمَّ الْفَصِيلَة ثُمَّ الْعِمَارَة ثُمَّ الْبَطْن ثُمَّ الْفَخِذ . وَقِيلَ : الشَّعْب ثُمَّ الْقَبِيلَة ثُمَّ الْعِمَارَة ثُمَّ الْبَطْن ثُمَّ الْفَخِذ ثُمَّ الْفَصِيلَة ثُمَّ الْعَشِيرَة , وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْض الْأُدَبَاء فَقَالَ : اِقْصِدْ الشَّعْب فَهُوَ أَكْثَر حَيّ عَدَدًا فِي الْحَوَّاء ثُمَّ الْقَبِيلَه ثُمَّ تَتْلُوهَا الْعِمَارَة ثُمَّ الْ بَطْن وَالْفَخِذ بَعْدهَا وَالْفَصِيلَه ثُمَّ مِنْ بَعْدهَا الْعَشِيرَة لَكِنْ هِيَ فِي جَنْب مَا ذَكَرْنَاهُ قَلِيله وَقَالَ آخَر : قَبِيلَة قَبْلهَا شَعْب وَبَعْدهمَا عِمَارَة ثُمَّ بَطْن تِلْوه فَخِذ وَلَيْسَ يُؤْوِي الْفَتَى إِلَّا فَصِيلَته وَلَا سَدَاد لِسَهْمٍ مَا لَهُ قُذَذ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَة " الزُّخْرُف " عِنْد قَوْله تَعَالَى : " وَإِنَّهُ لَذِكْر لَك وَلِقَوْمِك " [ الزُّخْرُف : 44 ] . وَفِي هَذِهِ الْآيَة مَا يَدُلّك عَلَى أَنَّ التَّقْوَى هِيَ الْمُرَاعَى عِنْد اللَّه تَعَالَى وَعِنْد رَسُوله دُون الْحَسَب وَالنَّسَب . وَقُرِئَ " أَنَّ " بِالْفَتْحِ . كَأَنَّهُ قِيلَ : لَمْ يَتَفَاخَر بِالْأَنْسَابِ ؟ قِيلَ : لِأَنَّ أَكْرَمكُمْ عِنْد اللَّه أَتْقَاكُمْ لَا أَنْسَبكُمْ . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ سَمُرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْحَسَب الْمَال وَالْكَرَم التَّقْوَى ) . قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن غَرِيب صَحِيح . وَذَلِكَ يَرْجِع إِلَى قَوْله تَعَالَى : " إِنَّ أَكْرَمكُمْ عِنْد اللَّه أَتْقَاكُمْ " , وَقَدْ جَاءَ مَنْصُوصًا عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام : ( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُون أَكْرَم النَّاس فَلْيَتَّقِ اللَّه ) . وَالتَّقْوَى مَعْنَاهُ مُرَاعَاة حُدُود اللَّه تَعَالَى أَمْرًا وَنَهْيًا , وَالِاتِّصَاف بِمَا أَمَرَك أَنْ تَتَّصِف بِهِ , وَالتَّنَزُّه عَمَّا نَهَاك عَنْهُ . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي غَيْر مَوْضِع . وَفِي الْخَبَر مِنْ رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول يَوْم الْقِيَامَة إِنِّي جَعَلْت نَسَبًا وَجَعَلْتُمْ نَسَبًا فَجَعَلْت أَكْرَمكُمْ أَتْقَاكُمْ وَأَبَيْتُمْ إِلَّا أَنْ تَقُولُوا فُلَان اِبْن فُلَان وَأَنَا الْيَوْم أَرْفَع نَسَبِي وَأَضَع أَنْسَابكُمْ أَيْنَ الْمُتَّقُونَ أَيْنَ الْمُتَّقُونَ ) . وَرَوَى الطَّبَرِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ يَوْم الْقِيَامَة وَإِنْ كَانَ نَسَب أَقْرَب مِنْ نَسَب . يَأْتِي النَّاس بِالْأَعْمَالِ وَتَأْتُونَ بِالدُّنْيَا تَحْمِلُونَهَا عَلَى رِقَابكُمْ تَقُولُونَ يَا مُحَمَّد فَأَقُول هَكَذَا وَهَكَذَا ) . وَأَعْرَضَ فِي كُلّ عِطْفَيْهِ . وَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِهَارًا غَيْر سِرّ يَقُول : ( إِنَّ آل أَبِي لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاء إِنَّمَا وَلِيِّي اللَّه وَصَالِح الْمُؤْمِنِينَ ) . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ : مَنْ أَكْرَم النَّاس ؟ فَقَالَ : ( يُوسُف بْن يَعْقُوب بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم ) قَالُوا : لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلك , قَالَ : ( فَأَكْرَمهمْ عِنْد اللَّه أَتْقَاهُمْ ) فَقَالُوا : لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلك , فَقَالَ : ( عَنْ مَعَادِن الْعَرَب ؟ خِيَارهمْ فِي الْجَاهِلِيَّة خِيَارهمْ فِي الْإِسْلَام إِذَا فَقَهُوا ) وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ : مَا يَصْنَع الْعَبْد بِعِزِّ الْغَنِي وَالْعِزّ كُلّ الْعِزّ لِلْمُتَّقِي مَنْ عَرَفَ اللَّه فَلَمْ تُغْنِهِ مَعْرِفَة اللَّه فَذَاكَ الشَّقِي وَذَكَرَ الطَّبَرِيّ حَدَّثَنِي عُمَر بْن مُحَمَّد قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْد بْن إِسْحَاق الْعَطَّار قَالَ حَدَّثَنَا مَنْدَل بْن عَلِيّ عَنْ ثَوْر بْن يَزِيد عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد قَالَ : تَزَوَّجَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار اِمْرَأَة فَطُعِنَ عَلَيْهَا فِي حَسَبهَا , فَقَالَ الرَّجُل : إِنِّي لَمْ أَتَزَوَّجهَا لِحَسَبِهَا إِنَّمَا تَزَوَّجْتهَا لِدِينِهَا وَخُلُقهَا , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا يَضُرّك أَلَّا تَكُون مِنْ آل حَاجِب بْن زُرَارَة ) . ثُمَّ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَاءَ بِالْإِسْلَامِ فَرَفَعَ بِهِ الْخَسِيسَة وَأَتَمَّ بِهِ النَّاقِصَة وَأَذْهَبَ بِهِ اللَّوْم فَلَا لَوْم عَلَى مُسْلِم إِنَّمَا اللَّوْم لَوْم الْجَاهِلِيَّة ) . وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُون أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمكُمْ بِمَا أَتَّقِي ) وَلِذَلِكَ كَانَ أَكْرَم الْبَشَر عَلَى اللَّه تَعَالَى . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا الَّذِي لَحَظَ مَالِك فِي الْكَفَاءَة فِي النِّكَاح . رَوَى عَبْد اللَّه عَنْ مَالِك : يَتَزَوَّج الْمَوْلَى الْعَرَبِيَّة , وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَة . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ : يُرَاعَى الْحَسَب وَالْمَال . وَفِي الصَّحِيح عَنْ عَائِشَة أَنَّ أَبَا حُذَيْفَة بْن عُتْبَة بْن رَبِيعَة - وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبَنَّى سَالِمًا وَأَنْكَحَهُ هِنْدًا بِنْت أَخِيهِ الْوَلِيد بْن عُتْبَة بْن رَبِيعَة , وَهُوَ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَار . وَضُبَاعَة بِنْت الزُّبَيْر كَانَتْ تَحْت الْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد . قُلْت : وَأُخْت عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف كَانَتْ تَحْت بِلَال . وَزَيْنَب بِنْت جَحْش كَانَتْ تَحْت زَيْد بْن حَارِثَة . فَدَلَّ عَلَى جَوَاز نِكَاح الْمَوَالِي الْعَرَبِيَّة , وَإِنَّمَا تُرَاعَى الْكَفَاءَة فِي الدِّين . وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَيْضًا مَا رَوَى سَهْل بْن سَعْد فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَيْهِ رَجُل فَقَالَ : ( مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا ) ؟ فَقَالُوا : حَرِيِّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَح , وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّع وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْمَع . قَالَ : ثُمَّ سَكَتَ , فَمَرَّ رَجُل مِنْ فُقَرَاء الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ : ( مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا ) قَالُوا : حَرِيّ إِنْ خَطَبَ أَلَّا يُنْكَح , وَإِنْ شَفَعَ أَلَّا يُشَفَّع , وَإِنْ قَالَ أَلَّا يُسْمَع . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَذَا خَيْر مِنْ مِلْء الْأَرْض مِثْل هَذَا ) . وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تُنْكَح الْمَرْأَة لِمَالِهَا وَجَمَالهَا وَدِينهَا - وَفِي رِوَايَة - وَلِحَسَبِهَا فَعَلَيْك بِذَاتِ الدِّين تَرِبَتْ يَدَاك ) . وَقَدْ خَطَبَ سَلْمَان إِلَى أَبِي بَكْر اِبْنَته فَأَجَابَهُ , وَخَطَبَ إِلَى عُمَر اِبْنَته فَالْتَوَى عَلَيْهِ , ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُنْكِحهَا فَلَمْ يَفْعَل سَلْمَان . وَخَطَبَ بِلَال بِنْت الْبُكَيْر فَأَبَى إِخْوَتهَا , قَالَ بِلَال : يَا رَسُول اللَّه , مَاذَا لَقِيت مِنْ بَنِي الْبُكَيْر ! خَطَبْت إِلَيْهِمْ أُخْتهمْ فَمَنَعُونِي وَآذَوْنِي , فَغَضِبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْل بِلَال , فَبَلَغَهُمْ الْخَبَر فَأَتَوْا أُخْتهمْ فَقَالُوا : مَاذَا لَقِينَا مِنْ سَبَبك ؟ فَقَالَتْ أُخْتهمْ : أَمْرِي بِيَدِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَزَوَّجُوهَا . وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِي هِنْد حِين حَجَمَهُ : ( أَنْكِحُوا أَبَا هِنْد وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِ ) . وَهُوَ مَوْلَى بَنِي بَيَاضَة . وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيث الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة أَنَّ أَبَا هِنْد مَوْلَى بَنِي بَيَاضَة كَانَ حَجَّامًا فَحَجَمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُر إِلَى مَنْ صَوَّرَ اللَّه الْإِيمَان فِي قَلْبه فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي هِنْد ) . وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنْكِحُوهُ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِ ) . قَالَ الْقُشَيْرِيّ أَبُو نَصْر : وَقَدْ يُعْتَبَر النَّسَب فِي الْكَفَاءَة فِي النِّكَاح وَهُوَ الِاتِّصَال بِشَجَرَةِ النُّبُوَّة أَوْ بِالْعُلَمَاءِ الَّذِينَ هُمْ وَرَثَة الْأَنْبِيَاء , أَوْ بِالْمَرْمُوقِينَ فِي الزُّهْد وَالصَّلَاح . وَالتَّقِيّ الْمُؤْمِن أَفْضَل مِنْ الْفَاجِر النَّسِيب , فَإِنْ كَانَا تَقِيَّيْنِ فَحِينَئِذٍ يُقَدَّم النَّسِيب مِنْهُمَا , كَمَا تَقَدَّمَ الشَّابّ عَلَى الشَّيْخ فِي الصَّلَاة إِذَا اِسْتَوَيَا فِي التَّقْوَى .'; $TAFSEER['4']['49']['14'] = 'نَزَلَتْ فِي أَعْرَاب مِنْ بَنِي أَسَد بْن خُزَيْمَة قَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَنَة جَدْبَة وَأَظْهَرُوا الشَّهَادَتَيْنِ وَلَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ فِي السِّرّ . وَأَفْسَدُوا طُرُق الْمَدِينَة بِالْعَذِرَاتِ وَأَغْلَوْا أَسْعَارهَا , وَكَانُوا يَقُولُونَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَيْنَاك بِالْأَثْقَالِ وَالْعِيَال وَلَمْ نُقَاتِلك كَمَا قَاتَلَك بَنُو فُلَان فَأَعْطِنَا مِنْ الصَّدَقَة , وَجَعَلُوا يَمُنُّونَ عَلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ فِي أَعْرَاب أَرَادُوا أَنْ يَتَسَمَّوْا بِاسْمِ الْهِجْرَة قَبْل أَنْ يُهَاجِرُوا , فَأَعْلَمَ اللَّه أَنَّ لَهُمْ أَسْمَاء الْأَعْرَاب لَا أَسْمَاء الْمُهَاجِرِينَ . وَقَالَ السُّدِّيّ : نَزَلَتْ فِي الْأَعْرَاب الْمَذْكُورِينَ فِي سُورَة الْفَتْح : أَعْرَاب مُزَيْنَة وَجُهَيْنَة وَأَسْلَم وَغِفَار وَالدِّيل وَأَشْجَع , قَالُوا آمَنَّا لِيَأْمَنُوا عَلَى أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ , فَلَمَّا اُسْتُنْفِرُوا إِلَى الْمَدِينَة تَخَلَّفُوا , فَنَزَلَتْ . وَبِالْجُمْلَةِ فَالْآيَة خَاصَّة لِبَعْضِ الْأَعْرَاب ; لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر كَمَا وَصَفَ اللَّه تَعَالَى . وَمَعْنَى " وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا " أَيْ اِسْتَسْلَمْنَا خَوْف الْقَتْل وَالسَّبْي , وَهَذِهِ صِفَة الْمُنَافِقِينَ ; لِأَنَّهُمْ أَسْلَمُوا فِي ظَاهِر إِيمَانهمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبهمْ , وَحَقِيقَة الْإِيمَان التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ . وَأَمَّا الْإِسْلَام فَقَبُول مَا أَتَى بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظَّاهِر , وَذَلِكَ يَحْقِن الدَّم . يَعْنِي إِنْ تُخْلِصُوا الْإِيمَان " لَا يَلِتْكُمْ " أَيْ لَا يُنْقِصكُمْ . " مِنْ أَعْمَالكُمْ شَيْئًا " لَاتَهُ يَلِيتهُ وَيَلُوتهُ : نَقَصَهُ . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو " لَا يَأْلِتكُمْ " بِالْهَمْزَةِ , مِنْ أَلَتَ يَأْلِت أَلْتًا , وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي حَاتِم , اِعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلهمْ مِنْ شَيْء " [ الطُّور : 21 ] قَالَ الشَّاعِر : أَبْلِغْ بَنِي ثُعَل عَنِّي مُغَلْغَلَة جَهْد الرِّسَالَة لَا أَلْتًا وَلَا كَذِبَا وَاخْتَارَ الْأُولَى أَبُو عُبَيْد . قَالَ رُؤْبَة : وَلَيْلَة ذَات نَدًى سَرَيْت وَلَمْ يَلِتنِي عَنْ سُرَاهَا لَيْت أَيْ لَمْ يَمْنَعنِي عَنْ سُرَاهَا مَانِع , وَكَذَلِكَ أَلَاتَهُ عَنْ وَجْهه , فَعَلَ وَأَفْعَلَ بِمَعْنًى . وَيُقَال أَيْضًا : مَا أَلَاتَهُ مِنْ عَمَله شَيْئًا , أَيْ مَا نَقَصَهُ , مِثْل أَلَتَهُ , قَالَهُ الْفَرَّاء . وَأَنْشَدَ : وَيَأْكُلْنَ مَا أَعَنَى الْوَلِيّ فَلَمْ يَلِت كَأَنَّ بِحَافَّاتِ النِّهَاء الْمَزَارِعَا قَوْله : فَلَمْ " يَلِت " أَيْ لَمْ يُنْقِص مِنْهُ شَيْئًا . وَ " أَعَنَى " بِمَعْنَى أَنْبَتَ , يُقَال : مَا أَعْنَتَ الْأَرْض شَيْئًا , أَيْ مَا أَنْبَتَتْ . وَ " الْوَلِيّ " الْمَطَر بَعْد الْوَسْمِيّ , سُمِّيَ وَلِيًّا لِأَنَّهُ يَلِي الْوَسْمِيّ . وَلَمْ يَقُلْ : لَا يَأْلِتَاكُمْ , لِأَنَّ طَاعَة اللَّه تَعَالَى طَاعَة الرَّسُول .'; $TAFSEER['4']['49']['15'] = '" ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا " أَيْ صَدَّقُوا وَلَمْ يَشُكُّوا وَحَقَّقُوا ذَلِكَ بِالْجِهَادِ وَالْأَعْمَال الصَّالِحَة . فِي إِيمَانهمْ , لَا مَنْ أَسْلَمَ خَوْف الْقَتْل وَرَجَاء الْكَسْب . فَلَمَّا نَزَلَتْ حَلَفَ الْأَعْرَاب أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وَكَذَّبُوا , فَنَزَلَتْ .'; $TAFSEER['4']['49']['16'] = 'الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ .'; $TAFSEER['4']['49']['17'] = 'إِشَارَة إِلَى قَوْلهمْ : جِئْنَاك بِالْأَثْقَالِ وَالْعِيَال . وَ " أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى تَقْدِير لِأَنْ أَسْلَمُوا . أَيْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ بِإِسْلَامِكُمْ . " أَنْ " مَوْضِع نَصْب , تَقْدِيره بِأَنْ . وَقِيلَ : لِأَنْ . وَفِي مُصْحَف عَبْد اللَّه " إِذْ هَدَاكُمْ " . صَادِقِينَ أَنَّكُمْ مُؤْمِنُونَ . وَقَرَأَ عَاصِم " إِنْ هَدَاكُمْ " بِالْكَسْرِ ; وَفِيهِ بُعْد ; لِقَوْلِهِ : " إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " . وَلَا يُقَال يَمُنّ عَلَيْكُمْ أَنْ يَهْدِيكُمْ إِنْ صَدَقْتُمْ . وَالْقِرَاءَة الظَّاهِرَة " أَنْ هَدَاكُمْ " . وَهَذَا لَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّ تَقْدِير الْكَلَام : إِنْ آمَنْتُمْ فَذَلِكَ مِنَّة اللَّه عَلَيْكُمْ .'; $TAFSEER['4']['49']['18'] = 'قَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَأَبُو عَمْرو بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر , رَدًّا عَلَى قَوْله : " قَالَتْ الْأَعْرَاب " . الْبَاقُونَ بِالتَّاء عَلَى الْخِطَاب'; $TAFSEER['4']['50']['1'] = 'سُورَة ق مَكِّيَّة كُلّهَا فِي قَوْل الْحَسَن وَعَطَاء وَعِكْرِمَة وَجَابِر . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة : إِلَّا آيَة , وَهِيَ قَوْله تَعَالَى : " وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا فِي سِتَّة أَيَّام وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوب " ( ق : 38 ) . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أُمّ هِشَام بِنْت حَارِثَة بْن النُّعْمَان قَالَتْ : لَقَدْ كَانَ تَنُّورنَا وَتَنُّور رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا سَنَتَيْنِ - أَوْ سَنَة وَبَعْض سَنَة - وَمَا أَخَذْت " ق وَالْقُرْآن الْمَجِيد " إِلَّا عَنْ لِسَان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; يَقْرَؤُهَا كُلّ يَوْم جُمُعَة عَلَى الْمِنْبَر إِذَا خَطَبَ النَّاس . وَعَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ سَأَلَ أَبَا وَاقِد اللَّيْثِيّ مَا كَانَ يَقْرَأ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْر ؟ فَقَالَ : كَانَ يَقْرَأ فِيهِمَا بِ " ق وَالْقُرْآن الْمَجِيد " وَ " اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر " . وَعَنْ جَابِر بْن سَمُرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأ فِي الْفَجْر بِ " ق وَالْقُرْآن الْمَجِيد " وَكَانَتْ صَلَاته بَعْد تَخْفِيفًا . قَرَأَ الْعَامَّة " قَاف " بِالْجَزْمِ . وَقَرَأَ الْحَسَن وَابْن أَبِي إِسْحَاق وَنَصْر بْن عَاصِم " قَاف " بِكَسْرِ الْفَاء ; لِأَنَّ الْكَسْر أَخُو الْجَزْم , فَلَمَّا سُكِّنَ آخِره حَرَّكُوهُ بِحَرَكَةِ الْخَفْض . وَقَرَأَ عِيسَى الثَّقَفِيّ بِفَتْحِ الْفَاء حَرَّكَهُ إِلَى أَخَفّ الْحَرَكَات . وَقَرَأَ هَارُون وَمُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع " قَاف " بِالضَّمِّ ; لِأَنَّهُ فِي غَالِب الْأَمْر حَرَكَة الْبِنَاء نَحْو مُنْذُ وَقَدْ وَقَبْل وَبَعْد . وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى " قَاف " مَا هُوَ ؟ فَقَالَ اِبْن زَيْد وَعِكْرِمَة وَالضَّحَّاك : هُوَ جَبَل مُحِيط بِالْأَرْضِ مِنْ زُمُرُّدَة خَضْرَاء اِخْضَرَّتْ السَّمَاء مِنْهُ , وَعَلَيْهِ طَرَفَا السَّمَاء وَالسَّمَاء عَلَيْهِ مَقْبِيَّة , وَمَا أَصَابَ النَّاس مِنْ زُمُرُّد كَانَ مِمَّا تَسَاقَطَ مِنْ ذَلِكَ الْجَبَل . وَرَوَاهُ أَبُو الْجَوْزَاء عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس . قَالَ الْفَرَّاء : كَانَ يَجِب عَلَى هَذَا أَنْ يُظْهِر الْإِعْرَاب فِي " ق " ; لِأَنَّهُ اِسْم وَلَيْسَ بِهِجَاءٍ . قَالَ : وَلَعَلَّ الْقَاف وَحْدهَا ذُكِرَتْ مِنْ اِسْمه ; كَقَوْلِ الْقَائِل : قُلْت لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَاف أَيْ أَنَا وَاقِفَة . وَهَذَا وَجْه حَسَن وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّل " الْبَقَرَة " . وَقَالَ وَهْب : أَشْرَفَ ذُو الْقَرْنَيْنِ عَلَى جَبَل قَاف فَرَأَى تَحْته جِبَالًا صِغَارًا , فَقَالَ لَهُ : مَا أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا قَاف , قَالَ : فَمَا هَذِهِ الْجِبَال حَوْلك ؟ قَالَ : هِيَ عُرُوقِي وَمَا مِنْ مَدِينَة إِلَّا وَفِيهَا عِرْق مِنْ عُرُوقِي , فَإِذَا أَرَادَ اللَّه أَنْ يُزَلْزِل مَدِينَة أَمَرَنِي فَحَرَّكْت عِرْقِي ذَلِكَ فَتَزَلْزَلَتْ تِلْكَ الْأَرْض ; فَقَالَ لَهُ : يَا قَاف أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ مِنْ عَظَمَة اللَّه ; قَالَ : إِنَّ شَأْن رَبّنَا لَعَظِيم , وَإِنَّ وَرَائِي أَرْضًا مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام فِي خَمْسمِائَةِ عَام مِنْ جِبَال ثَلْج يُحَطِّم بَعْضهَا بَعْضًا , لَوْلَا هِيَ لَاحْتَرَقْت مِنْ حَرّ جَهَنَّم . فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ جَهَنَّم عَلَى وَجْه الْأَرْض وَاَللَّه أَعْلَم بِمَوْضِعِهَا ; وَأَيْنَ هِيَ مِنْ الْأَرْض . قَالَ : زِدْنِي , قَالَ : إِنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَاقِف بَيْن يَدَيْ اللَّه تَرْعَد فَرَائِصه , يَخْلُق اللَّه مِنْ كُلّ رَعْدَة مِائَة أَلْف مَلَك , فَأُولَئِكَ الْمَلَائِكَة وُقُوف بَيْن يَدَيْ اللَّه تَعَالَى مُنَكِّسُو رُءُوسهمْ , فَإِذَا أَذِنَ اللَّه لَهُمْ فِي الْكَلَام قَالُوا : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ; وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : " يَوْم يَقُوم الرُّوح وَالْمَلَائِكَة صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن وَقَالَ صَوَابًا " [ النَّبَأ : 38 ] يَعْنِي قَوْل : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . وَقَالَ الزَّجَّاج : قَوْله " ق " أَيْ قُضِيَ الْأَمْر , كَمَا قِيلَ فِي " حم " أَيْ حُمَّ الْأَمْر . و قَالَ اِبْن عَبَّاس : " ق " اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى أَقْسَمَ بِهِ . وَعَنْهُ أَيْضًا : أَنَّهُ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . وَهُوَ قَوْل قَتَادَة . وَقَالَ الْقُرَظِيّ : اِفْتِتَاح أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى قَدِير وَقَاهِر وَقَرِيب وَقَاضٍ وَقَابِض . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : فَاتِحَة السُّورَة . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق : مَعْنَاهُ قِفْ عِنْد أَمْرنَا وَنَهْينَا وَلَا تَعْدُهُمَا . وَقَالَ مُحَمَّد بْن عَاصِم الْأَنْطَاكِيّ : هُوَ قُرْب اللَّه مِنْ عِبَاده , بَيَانه " وَنَحْنُ أَقْرَب إِلَيْهِ مِنْ حَبْل الْوَرِيد " [ ق : 16 ] وَقَالَ اِبْن عَطَاء : أَقْسَمَ اللَّه بِقُوَّةِ قَلْب حَبِيبه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَيْثُ حَمَلَ الْخِطَاب وَلَمْ يُؤَثِّر ذَلِكَ فِيهِ لِعُلُوِّ حَاله . أَيْ الرَّفِيع الْقَدْر . وَقِيلَ : الْكَرِيم ; قَالَهُ الْحَسَن . وَقِيلَ : الْكَثِير ; مَأْخُوذ مِنْ كَثْرَة الْقَدْر وَالْمَنْزِلَة لَا مِنْ كَثْرَة الْعَدَد , مِنْ قَوْلهمْ : كَثِير فُلَان فِي النُّفُوس ; وَمِنْهُ قَوْل الْعَرَب فِي الْمَثَل السَّائِر : " فِي كُلّ شَجَر نَار , وَاسْتَمْجَدَ الْمَرْخ وَالْعَفَار " . أَيْ اِسْتَكْثَرَ هَذَانِ النَّوْعَانِ مِنْ النَّار فَزَادَا عَلَى سَائِر الشَّجَر ; قَالَهُ اِبْن بَحْر . وَجَوَاب الْقَسَم قِيلَ هُوَ : " قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُص الْأَرْض مِنْهُمْ " عَلَى إِرَادَة اللَّام ; أَيْ لَقَدْ عَلِمْنَا . وَقِيلَ : هُوَ " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى " وَهُوَ اِخْتِيَار التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ قَالَ : " ق " قَسَم بِاسْمٍ هُوَ أَعْظَم الْأَسْمَاء الَّتِي خَرَجَتْ إِلَى الْعِبَاد وَهُوَ الْقُدْرَة , وَأَقْسَمَ أَيْضًا بِالْقُرْآنِ الْمَجِيد , ثُمَّ اِقْتَصَّ مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة مِنْ خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرَضِينَ وَأَرْزَاق الْعِبَاد , وَخَلْق الْآدَمِيِّينَ , وَصِفَة يَوْم الْقِيَامَة وَالْجَنَّة وَالنَّار , ثُمَّ قَالَ : " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْب " [ ق : 37 ] فَوَقَعَ الْقَسَم عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَة كَأَنَّهُ قَالَ : " ق " أَيْ بِالْقُدْرَةِ وَالْقُرْآن الْمَجِيد أَقْسَمْت أَنَّ فِيمَا اِقْتَصَصْت فِي هَذِهِ السُّورَة " لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْب أَوْ أَلْقَى السَّمْع وَهُوَ شَهِيد " [ ق : 37 ] . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : جَوَابه " مَا يَلْفِظ مِنْ قَوْل " . وَقَالَ أَهْل الْكُوفَة : جَوَاب هَذَا الْقَسَم " بَلْ عَجِبُوا " . وَقَالَ الْأَخْفَش : جَوَابه مَحْذُوف كَأَنَّهُ قَالَ : " ق وَالْقُرْآن الْمَجِيد " لَتُبْعَثُنَّ ; يَدُلّ عَلَيْهِ " أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا " .'; $TAFSEER['4']['50']['2'] = '" أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى تَقْدِير لِأَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِر مِنْهُمْ , يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالضَّمِير لِلْكُفَّارِ . وَقِيلَ : لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّار جَمِيعًا . ثُمَّ مَيَّزَ بَيْنهمْ وَلَمْ يَقُلْ فَقَالُوا , بَلْ قَبَّحَ حَالهمْ وَفِعْلهمْ وَوَصَفَهُمْ بِالْكُفْرِ , كَمَا تَقُول : جَاءَنِي فُلَان فَأَسْمَعَنِي الْمَكْرُوه , وَقَالَ لِي الْفَاسِق أَنْتَ كَذَا وَكَذَا . الْعَجِيب الْأَمْر الَّذِي يُتَعَجَّب مِنْهُ , وَكَذَلِكَ الْعُجَاب بِالضَّمِّ , وَالْعُجَّاب بِالتَّشْدِيدِ أَكْثَر مِنْهُ , وَكَذَلِكَ الْأُعْجُوبَة . وَقَالَ قَتَادَة : عَجَّبَهُمْ أَنْ دُعُوا إِلَى إِلَه وَاحِد . وَقِيلَ : مِنْ إِنْذَارهمْ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُور . وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآن أَوْلَى .'; $TAFSEER['4']['50']['3'] = 'نُبْعَث ; فَفِيهِ إِضْمَار . الرَّجْع الرَّدّ أَيْ هُوَ رَدّ بَعِيد أَيْ مُحَال . يُقَال : رَجَعْته أَرْجِعهُ رَجْعًا , وَرَجَعَ هُوَ يَرْجِع رُجُوعًا , وَفِيهِ إِضْمَار آخَر ; أَيْ وَقَالُوا أَنُبْعَثُ إِذَا مِتْنَا . وَذِكْر الْبَعْث وَإِنْ لَمْ يَجْرِ هَا هُنَا فَقَدْ جَرَى فِي مَوَاضِع , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة . وَأَيْضًا ذِكْر الْبَعْث مُنْطَوٍ تَحْت قَوْله : " بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِر مِنْهُمْ " لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُنْذِر بِالْعِقَابِ وَالْحِسَاب فِي الْآخِرَة .'; $TAFSEER['4']['50']['4'] = 'أَيْ مَا تَأْكُل مِنْ أَجْسَادهمْ فَلَا يَضِلّ عَنَّا شَيْء حَتَّى تَتَعَذَّر عَلَيْنَا الْإِعَادَة . وَفِي التَّنْزِيل : " قَالَ فَمَا بَال الْقُرُون الْأُولَى قَالَ عِلْمهَا عِنْد رَبِّي فِي كِتَاب لَا يَضِلّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى " [ طَه : 51 - 52 ] . وَفِي الصَّحِيح : ( كُلّ اِبْن آدَم يَأْكُلهُ التُّرَاب إِلَّا عَجْب الذَّنَب مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّب ) وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَثَبَتَ أَنَّ الْأَنْبِيَاء وَالْأَوْلِيَاء وَالشُّهَدَاء لَا تَأْكُل الْأَرْض أَجْسَادهمْ ; حَرَّمَ اللَّه عَلَى الْأَرْض أَنْ تَأْكُل أَجْسَادهمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَاب " التَّذْكِرَة " وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي هَذَا الْكِتَاب . وَقَالَ السُّدِّيّ : النَّقْص هُنَا الْمَوْت يَقُول قَدْ عَلِمْنَا مِنْهُمْ مَنْ يَمُوت وَمَنْ يَبْقَى ; لِأَنَّ مَنْ مَاتَ دُفِنَ فَكَأَنَّ الْأَرْض تَنْقُص مِنْ النَّاس . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : هُوَ مَنْ يَدْخُل فِي الْإِسْلَام مِنْ الْمُشْرِكِينَ . أَيْ بِعِدَّتِهِمْ وَأَسْمَائِهِمْ فَهُوَ فَعِيل بِمَعْنَى فَاعِل . وَقِيلَ : اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَيْ مَحْفُوظ مِنْ الشَّيَاطِين أَوْ مَحْفُوظ فِيهِ كُلّ شَيْء . وَقِيلَ : الْكِتَاب عِبَارَة عَنْ الْعِلْم وَالْإِحْصَاء ; كَمَا تَقُول : كَتَبْت عَلَيْك هَذَا أَيْ حَفِظْته ; وَهَذَا تَرْك الظَّاهِر مِنْ غَيْر ضَرُورَة . وَقِيلَ : أَيْ وَعِنْدنَا كِتَاب حَفِيظ لِأَعْمَالِ بَنِي آدَم لِنُحَاسِبهُمْ عَلَيْهَا .'; $TAFSEER['4']['50']['5'] = 'أَيْ الْقُرْآن فِي قَوْل الْجَمِيع ; حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ : بِالْحَقِّ الْقُرْآن . وَقِيلَ : الْإِسْلَام . وَقِيلَ : مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . أَيْ مُخْتَلِط . يَقُولُونَ مَرَّة سَاحِر وَمَرَّة شَاعِر وَمَرَّة كَاهِن ; قَالَهُ الضَّحَّاك وَابْن زَيْد . وَقَالَ قَتَادَة : مُخْتَلِف . الْحَسَن : مُلْتَبِس ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : فَاسِد , وَمِنْهُ مَرِجَتْ أَمَانَات النَّاس أَيْ فَسَدَتْ ; وَمَرِجَ الدِّين وَالْأَمْر اِخْتَلَطَ ; قَالَ أَبُو دَاوُد : مَرِجَ الدِّين فَأَعْدَدْت لَهُ مُشْرِف الْحَارِك مَحْبُوك الْكَتَد وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمَرِيج الْأَمْر الْمُنْكَر . وَقَالَ عَنْهُ عِمْرَان بْن أَبِي عَطَاء : " مَرِيج " مُخْتَلِط . وَأَنْشَدَ : فَجَالَتْ فَالْتَمَسْت بِهِ حَشَاهَا فَخَرَّ كَأَنَّهُ خُوط مَرِيج الْخُوط الْغُصْن . وَقَالَ عَنْهُ الْعَوْفِيّ : فِي أَمْر ضَلَالَة وَهُوَ قَوْلهمْ سَاحِر شَاعِر مَجْنُون كَاهِن . وَقِيلَ : مُتَغَيِّر . وَأَصْل الْمَرَج الِاضْطِرَاب وَالْقَلَق ; يُقَال : مَرِجَ أَمْر النَّاس وَمَرِجَ أَمْر الدِّين وَمَرِجَ الْخَاتَم فِي إِصْبَعِي إِذَا قَلِقَ مِنْ الْهُزَال . وَفِي الْحَدِيث : ( كَيْف بِك يَا عَبْد اللَّه إِذَا كُنْت فِي قَوْم قَدْ مَرِجَتْ عُهُودهمْ وَأَمَانَاتهمْ وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا هَكَذَا وَهَكَذَا ) وَشَبَّكَ بَيْن أَصَابِعه . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب " التَّذْكِرَة " .'; $TAFSEER['4']['50']['6'] = 'نَظَر اِعْتِبَار وَتَفَكُّر , وَأَنَّ الْقَادِر عَلَى إِيجَادهَا قَادِر عَلَى الْإِعَادَة . فَرَفَعْنَاهَا بِلَا عُمُد بِالنُّجُومِ جَمْع فَرْج وَهُوَ الشَّقّ ; وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس : تَسُدّ بِهِ فَرْجهَا مِنْ دُبُر وَقَالَ الْكِسَائِيّ : لَيْسَ فِيهَا تَفَاوُت وَلَا اِخْتِلَاف وَلَا فُتُوق .'; $TAFSEER['4']['50']['7'] = 'أَيْ بَسَطَ الْأَرْض طُولًا وَعَرْضًا . مَسْأَلَة : فِي هَذِهِ الْآيَة رَدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَرْض كَالْكُرَةِ , وَرَدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَرْض تَهْوِي أَبْوَابهَا عَلَيْهَا ; وَزَعَمَ اِبْن الرَّاوَنْدِيّ أَنَّ تَحْت الْأَرْض جِسْمًا صَعَّادًا كَالرِّيحِ الصَّعَّادَة ; وَهِيَ مُنْحَدِرَة فَاعْتَدَلَ الْهَاوِي وَالصَّعَّادِي فِي الْجِرْم وَالْقُوَّة فَتَوَافَقَا . وَزَعَمَ آخَرُونَ أَنَّ الْأَرْض مُرَكَّب مِنْ جِسْمَيْنِ , أَحَدهمَا مُنْحَدِر , وَالْآخَر مُصْعِد , فَاعْتَدَلَا , فَلِذَلِكَ وَقَفَتْ . وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْل الْكِتَاب الْقَوْل بِوُقُوفِ الْأَرْض وَسُكُونهَا وَمَدّهَا , وَأَنَّ حَرَكَتهَا إِنَّمَا تَكُون فِي الْعَادَة بِزَلْزَلَةٍ تُصِيبهَا . أَيْ جِبَالًا ثَوَابِت ; وَاحِدهَا رَاسِيَة ; لِأَنَّ الْأَرْض تَرْسُو بِهَا , أَيْ تَثْبُت ; وَالْإِرْسَاء الثُّبُوت ; قَالَ عَنْتَرَة : فَصَبَرَتْ عَارِفَة لِذَلِكَ حُرَّة تَرْسُو إِذَا نَفْس الْجَبَان تَطَلَّع وَقَالَ جَمِيل : أَحُبّهَا الَّذِي أَرْسَى قَوَاعِده حُبًّا إِذَا ظَهَرَتْ آيَاته بَطَنَا وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَعَطَاء : أَوَّل جَبَل وُضِعَ عَلَى الْأَرْض أَبُو قُبَيْس . أَيْ مِنْ كُلّ نَوْع مِنْ النَّبَات أَيْ حَسَن يَسُرّ النَّاظِرِينَ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْحَجّ " بَيَانه .'; $TAFSEER['4']['50']['8'] = 'أَيْ جَعَلْنَا ذَلِكَ تَبْصِرَة لِنَدُلّ بِهِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتنَا . وَقَالَ أَبُو حَاتِم : نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَر ; يَعْنِي جَعَلْنَا ذَلِكَ تَبْصِيرًا وَتَنْبِيهًا عَلَى قُدْرَتنَا " وَذِكْرَى " مَعْطُوف عَلَيْهِ . رَاجِع إِلَى اللَّه تَعَالَى , مُفَكِّر فِي قُدْرَته .'; $TAFSEER['4']['50']['9'] = 'أَيْ مِنْ السَّحَاب أَيْ كَثِير الْبَرَكَة . التَّقْدِير : وَحَبّ النَّبْت الْحَصِيد وَهُوَ كُلّ مَا يُحْصَد . هَذَا قَوْل الْبَصْرِيِّينَ . وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : هُوَ مِنْ بَاب إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفْسه , كَمَا يُقَال : مَسْجِد الْجَامِع وَرَبِيع الْأَوَّل وَحَقّ الْيَقِين وَحَبْل الْوَرِيد وَنَحْوهَا ; قَالَ الْفَرَّاء . وَالْأَصْل الْحَبّ الْحَصِيد فَحُذِفَتْ الْأَلِف وَاللَّام وَأُضِيفَ الْمَنْعُوت إِلَى النَّعْت . وَقَالَ الضَّحَّاك : حَبّ الْحَصِيد الْبُرّ وَالشَّعِير . وَقِيلَ : كُلّ حَبّ يُحْصَد وَيُدَّخَر وَيُقْتَات .'; $TAFSEER['4']['50']['10'] = 'نَصْب عَلَى الْحَال رَدًّا عَلَى قَوْله : " وَحَبّ الْحَصِيد " وَ " بَاسِقَات " حَال . وَالْبَاسِقَات الطِّوَال قَالَهُ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة . وَقَالَ قَتَادَة وَعَبْد اللَّه بْن شَدَّاد : بِسُوقِهَا اِسْتِقَامَتهَا فِي الطُّول . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : مُسْتَوِيَات . وَقَالَ الْحَسَن وَعِكْرِمَة أَيْضًا وَالْفَرَّاء : مَوَاقِير حَوَامِل ; يُقَال لِلشَّاةِ بَسَقَتْ إِذَا وَلَدَتْ , قَالَ الشَّاعِر : فَلَمَّا تَرَكْنَا الدَّار ظَلَّتْ مُنِيفَة بِقُرَّانَ فِيهِ الْبَاسِقَات الْمَوَاقِر وَالْأَوَّل فِي اللُّغَة أَكْثَر وَأَشْهَر ; يُقَال بَسَقَ النَّخْل بُسُوقًا إِذَا طَالَ . قَالَ : لَنَا خَمْر وَلَيْسَتْ خَمْر كَرْم وَلَكِنْ مِنْ نِتَاج الْبَاسِقَات كِرَام فِي السَّمَاء ذَهَبْنَ طُولًا وَفَاتَ ثِمَارهَا أَيْدِي الْجُنَاة وَيُقَال : بَسَقَ فُلَان عَلَى أَصْحَابه أَيْ عَلَاهُمْ , وَأَبْسَقَتْ النَّاقَة إِذَا وَقَعَ فِي ضَرْعهَا اللَّبَن قَبْل النِّتَاج فَهِيَ مُبْسِق وَنُوق مَبَاسِيق . وَقَالَ قُطْبَة بْن مَالِك : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأ " بَاصِقَات " بِالصَّادِ ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . قُلْت : الَّذِي فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ قُطْبَة بْن مَالِك قَالَ : صَلَّيْت وَصَلَّى بِنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ " ق وَالْقُرْآن الْمَجِيد " حَتَّى قَرَأَ " وَالنَّخْل بَاسِقَات " قَالَ فَجَعَلْت أُرَدِّدهَا وَلَا أَدْرِي مَا قَالَ ; إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوز إِبْدَال الصَّاد مِنْ السِّين لِأَجْلِ الْقَاف . الطَّلْع هُوَ أَوَّل مَا يَخْرُج مِنْ ثَمَر النَّخْل ; يُقَال : طَلَعَ الطَّلْع طُلُوعًا وَأَطْلَعَتْ النَّخْلَة , وَطَلْعهَا كُفُرَّاهَا قَبْل أَنْ يَنْشَقّ . " نَضِيد " أَيْ مُتَرَاكِب قَدْ نَضَدَ بَعْضه عَلَى بَعْض . وَفِي الْبُخَارِيّ " النَّضِيد " الْكُفُرَّى مَا دَامَ فِي أَكْمَامه وَمَعْنَاهُ مَنْضُود بَعْضه عَلَى بَعْض ; فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَكْمَامه فَلَيْسَ بِنَضِيدٍ .'; $TAFSEER['4']['50']['11'] = 'أَيْ رَزَقْنَاهُمْ رِزْقًا , أَوْ عَلَى مَعْنَى أَنْبَتْنَاهَا رِزْقًا ; لِأَنَّ الْإِنْبَات فِي مَعْنَى الرِّزْق , أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُول لَهُ أَيْ أَنْبَتْنَاهَا لِرِزْقِهِمْ , وَالرِّزْق مَا كَانَ مُهَيَّأ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ . أَيْ مِنْ الْقُبُور أَيْ كَمَا أَحْيَا اللَّه هَذِهِ الْأَرْض الْمَيْتَة فَكَذَلِكَ يُخْرِجكُمْ أَحْيَاء بَعْد مَوْتكُمْ ; فَالْكَاف فِي مَحَلّ رَفْع عَلَى الِابْتِدَاء . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْر مَوْضِع . وَقَالَ " مَيْتًا " لِأَنَّ الْمَقْصُود الْمَكَان وَلَوْ قَالَ مَيْتَة لَجَازَ .'; $TAFSEER['4']['50']['12'] = 'أَيْ كَمَا كَذَّبَ هَؤُلَاءِ فَكَذَلِكَ كَذَّبَ أُولَئِكَ فَحَلَّ بِهِمْ الْعِقَاب ; ذَكَّرَهُمْ نَبَأ مَنْ كَانَ قَبْلهمْ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ وَخَوَّفَهُمْ مَا أَخَذَهُمْ . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَصَصهمْ فِي غَيْر مَوْضِع عِنْد ذِكْرهمْ . أَيْ كَمَا كَذَّبَ هَؤُلَاءِ فَكَذَلِكَ كَذَّبَ أُولَئِكَ فَحَلَّ بِهِمْ الْعِقَاب ; ذَكَّرَهُمْ نَبَأ مَنْ كَانَ قَبْلهمْ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ وَخَوَّفَهُمْ مَا أَخَذَهُمْ . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَصَصهمْ فِي غَيْر مَوْضِع عِنْد ذِكْرهمْ .'; $TAFSEER['4']['50']['13'] = 'أَيْ كَمَا كَذَّبَ هَؤُلَاءِ فَكَذَلِكَ كَذَّبَ أُولَئِكَ فَحَلَّ بِهِمْ الْعِقَاب ; ذَكَّرَهُمْ نَبَأ مَنْ كَانَ قَبْلهمْ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ وَخَوَّفَهُمْ مَا أَخَذَهُمْ . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَصَصهمْ فِي غَيْر مَوْضِع عِنْد ذِكْرهمْ .'; $TAFSEER['4']['50']['14'] = 'مِنْ هَذِهِ الْأُمَم الْمُكَذِّبَة . أَيْ فَحَقَّ عَلَيْهِمْ وَعِيدِي وَعِقَابِي .'; $TAFSEER['4']['50']['15'] = 'أَيْ أَفَعَيِينَا بِهِ فَنَعْيَا بِالْبَعْثِ . وَهَذَا تَوْبِيخ لِمُنْكِرِي الْبَعْث وَجَوَاب قَوْلهمْ : " ذَلِكَ رَجْع بَعِيد " [ ق : 3 ] . يُقَال : عَيِيت بِالْأَمْرِ إِذَا لَمْ تَعْرِف وَجْهه . أَيْ فِي حِيرَة مِنْ الْبَعْث مِنْهُمْ مُصَدِّق وَمِنْهُمْ مُكَذِّب ; يُقَال : لَبَسَ عَلَيْهِ الْأَمْر يَلْبِسهُ لَبْسًا .'; $TAFSEER['4']['50']['16'] = 'يَعْنِي النَّاس , وَقِيلَ آدَم . أَيْ مَا يَخْتَلِج فِي سِرّه وَقَلْبه وَضَمِيره , وَفِي هَذَا زَجْر عَنْ الْمَعَاصِي الَّتِي يَسْتَخْفِي بِهَا . وَمَنْ قَالَ : إِنَّ الْمُرَاد بِالْإِنْسَانِ آدَم ; فَاَلَّذِي وَسْوَسَتْ بِهِ نَفْسه هُوَ الْأَكْل مِنْ الشَّجَرَة , ثُمَّ هُوَ عَامّ لِوَلَدِهِ . وَالْوَسْوَسَة حَدِيث النَّفْس بِمَنْزِلَةِ الْكَلَام الْخَفِيّ . قَالَ الْأَعْشَى : تَسْمَع لِلْحَلْيِ وَسْوَاسًا إِذَا اِنْصَرَفَتْ كَمَا اِسْتَعَانَ بِرِيحٍ عِشْرِق زَجِل وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " . هُوَ حَبْل الْعَاتِق وَهُوَ مُمْتَدّ مِنْ نَاحِيَة حَلْقه إِلَى عَاتِقه , وَهُمَا وَرِيدَانِ عَنْ يَمِين وَشِمَال . رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره وَهُوَ الْمَعْرُوف فِي اللُّغَة . وَالْحَبْل هُوَ الْوَرِيد فَأُضِيفَ إِلَى نَفْسه لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ . وَقَالَ الْحَسَن : الْوَرِيد الْوَتِين وَهُوَ عِرْق مُعَلَّق بِالْقَلْبِ . وَهَذَا تَمْثِيل لِلْقُرْبِ ; أَيْ نَحْنُ أَقْرَب إِلَيْهِ مِنْ حَبْل وَرِيده الَّذِي هُوَ مِنْهُ , وَلَيْسَ عَلَى وَجْه قُرْب الْمَسَافَة . وَقِيلَ : أَيْ وَنَحْنُ أَمْلَك بِهِ مِنْ حَبْل وَرِيده مَعَ اِسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ . وَقِيلَ : أَيْ وَنَحْنُ أَعْلَم بِمَا تُوَسْوِس بِهِ نَفْسه مِنْ حَبْل وَرِيده الَّذِي هُوَ مِنْ نَفْسه ; لِأَنَّهُ عِرْق يُخَالِط الْقَلْب , فَعِلْم الرَّبّ أَقْرَب إِلَيْهِ مِنْ عِلْم الْقَلْب , رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ مُقَاتِل قَالَ : الْوَرِيد عِرْق يُخَالِط الْقَلْب , وَهَذَا الْقُرْب قُرْب الْعِلْم وَالْقُدْرَة , وَأَبْعَاض الْإِنْسَان يَحْجُب الْبَعْض الْبَعْض وَلَا يَحْجُب عِلْم اللَّه شَيْء .'; $TAFSEER['4']['50']['17'] = 'أَيْ نَحْنُ أَقْرَب إِلَيْهِ مِنْ حَبْل وَرِيده حِين يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ , وَهُمَا الْمَلَكَانِ الْمُوَكَّلَانِ بِهِ , أَيْ نَحْنُ أَعْلَم بِأَحْوَالِهِ فَلَا نَحْتَاج إِلَى مَلَك يُخْبِر وَلَكِنَّهُمَا وُكِّلَا بِهِ إِلْزَامًا لِلْحُجَّةِ , وَتَوْكِيدًا لِلْأَمْرِ عَلَيْهِ . وَقَالَ الْحَسَن وَمُجَاهِد وَقَتَادَة : " الْمُتَلَقِّيَانِ " مَلَكَانِ يَتَلَقَّيَانِ عَمَلك : أَحَدهمَا عَنْ يَمِينك يَكْتُب حَسَنَاتك , وَالْآخَر عَنْ شِمَالك يَكْتُب سَيِّئَاتك . قَالَ الْحَسَن : حَتَّى إِذَا مُتّ طُوِيَتْ صَحِيفَة عَمَلك وَقِيلَ لَك يَوْم الْقِيَامَة : " اِقْرَأْ كِتَابك كَفَى بِنَفْسِك الْيَوْم عَلَيْك حَسِيبًا " [ الْإِسْرَاء : 14 ] عَدَلَ وَاَللَّه عَلَيْك مَنْ جَعَلَك حَسِيب نَفْسك . وَقَالَ مُجَاهِد : وَكَّلَ اللَّه بِالْإِنْسَانِ مَعَ عِلْمه بِأَحْوَالِهِ مَلَكَيْنِ بِاللَّيْلِ وَمَلَكَيْنِ بِالنَّهَارِ يَحْفَظَانِ عَمَله , وَيَكْتُبَانِ أَثَره إِلْزَامًا لِلْحُجَّةِ : أَحَدهمَا عَنْ يَمِينه يَكْتُب الْحَسَنَات , وَالْآخَر عَنْ شِمَاله يَكْتُب السَّيِّئَات , فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " عَنْ الْيَمِين وَعَنْ الشِّمَال قَعِيد " . وَقَالَ سُفْيَان : بَلَغَنِي أَنَّ كَاتِب الْحَسَنَات أَمِين عَلَى كَاتِب السَّيِّئَات فَإِذَا أَذْنَبَ الْعَبْد قَالَ لَا تَعْجَل لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِر اللَّه . وَرُوِيَ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيث أَبِي أُمَامَة ; قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَاتِب الْحَسَنَات عَلَى يَمِين الرَّجُل وَكَاتِب السَّيِّئَات عَلَى يَسَاره وَكَاتِب الْحَسَنَات أَمِين عَلَى كَاتِب السَّيِّئَات فَإِذَا عَمِلَ حَسَنَة كَتَبَهَا صَاحِب الْيَمِين عَشْرًا وَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَة قَالَ صَاحِب الْيَمِين لِصَاحِبِ الشِّمَال دَعْهُ سَبْع سَاعَات لَعَلَّهُ يُسَبِّح أَوْ يَسْتَغْفِر ) . وَرُوِيَ مِنْ حَدِيث عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ مَقْعَد مَلَكَيْك عَلَى ثَنِيَّتك لِسَانك قَلَمهمَا وَرِيقك مِدَادهمَا وَأَنْتَ تَجْرِي فِيمَا لَا يَعْنِيك فَلَا تَسْتَحِي مِنْ اللَّه وَلَا مِنْهُمَا ) . وَقَالَ الضَّحَّاك : مَجْلِسهمَا تَحْت الثَّغْر . عَلَى الْحَنَك . وَرَوَاهُ عَوْف عَنْ الْحَسَن قَالَ : وَكَانَ الْحَسَن يُعْجِبهُ أَنْ يُنَظِّف عَنْفَقَته . وَإِنَّمَا قَالَ : " قَعِيد " وَلَمْ يَقُلْ قَعِيدَانِ وَهُمَا اِثْنَانِ ; لِأَنَّ الْمُرَاد عَنْ الْيَمِين قَعِيد وَعَنْ الشِّمَال قَعِيد فَحُذِفَ الْأَوَّل لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ . قَالَهُ سِيبَوَيْهِ ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : نَحْنُ بِمَا عِنْدنَا وَأَنْتَ بِمَا عِنْدك رَاضٍ وَالرَّأْي مُخْتَلِف وَقَالَ الْفَرَزْدَق : إِنِّي ضَمِنْت لِمَنْ أَتَانِي مَا جَنَى وَأَبَى فَكَانَ وَكُنْت غَيْر غَدُور وَلَمْ يَقُلْ رَاضِيَانِ وَلَا غَدُورَيْنِ . وَمَذْهَب الْمُبَرِّد : أَنَّ الَّذِي فِي التِّلَاوَة أَوَّل أُخِّرَ اِتِّسَاعًا , وَحُذِفَ الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّل عَلَيْهِ . وَمَذْهَب الْأَخْفَش وَالْفَرَّاء : أَنَّ الَّذِي فِي التِّلَاوَة يُؤَدِّي عَنْ الِاثْنَيْنِ وَالْجَمْع وَلَا حَذْف فِي الْكَلَام . وَ " قَعِيد " بِمَعْنَى قَاعِد كَالسَّمِيعِ وَالْعَلِيم وَالْقَدِير وَالشَّهِيد . وَقِيلَ : " قَعِيد " بِمَعْنَى مُقَاعَد مِثْل أَكِيل وَنَدِيم بِمَعْنَى مُؤَاكَل وَمُنَادَم . وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : فَعِيل وَفَعُول مِمَّا يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِد وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْع ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " إِنَّا رَسُول رَبّ الْعَالَمِينَ " [ الشُّعَرَاء : 16 ] وَقَوْله : " وَالْمَلَائِكَة بَعْد ذَلِكَ ظَهِير " [ التَّحْرِيم : 4 ] . وَقَالَ الشَّاعِر فِي الْجَمْع , أَنْشَدَهُ الثَّعْلَبِيّ : أَلِكْنِي إِلَيْهَا وَخَيْر الرَّسُو ل أَعْلَمهُمْ بِنَوَاحِي الْخَبَر وَالْمُرَاد بِالْقَعِيدِ هَاهُنَا الْمُلَازِم الثَّابِت لَا ضِدّ الْقَائِم .'; $TAFSEER['4']['50']['18'] = 'أَيْ مَا يَتَكَلَّم بِشَيْءٍ إِلَّا كُتِبَ عَلَيْهِ ; مَأْخُوذ مِنْ لَفْظ الطَّعَام وَهُوَ إِخْرَاجه مِنْ الْفَم . وَفِي الرَّقِيب ثَلَاثَة أَوْجُه : أَحَدهَا أَنَّهُ الْمُتَّبِع لِلْأُمُورِ . الثَّانِي أَنَّهُ الْحَافِظ , قَالَهُ السُّدِّيّ . الثَّالِث أَنَّهُ الشَّاهِد , قَالَهُ الضَّحَّاك . وَفِي الْعَتِيد وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنَّهُ الْحَاضِر الَّذِي لَا يَغِيب . الثَّانِي أَنَّهُ الْحَافِظ الْمُعَدّ إِمَّا لِلْحِفْظِ وَإِمَّا لِلشَّهَادَةِ . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْعَتِيد الشَّيْء الْحَاضِر الْمُهَيَّأ ; وَقَدْ عَتَّدَهُ تَعْتِيدًا وَأَعْتَدَهُ إِعْتَادًا أَيْ أَعَدَّهُ لِيَوْمٍ , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأ " [ يُوسُف : 31 ] وَفَرَس عَتَد وَعَتِد بِفَتْحِ التَّاء وَكَسْرهَا الْمُعَدّ لِلْجَرْيِ . قُلْت وَكُلّه يَرْجِع إِلَى مَعْنَى الْحُضُور , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : لَئِنْ كُنْت مِنِّي فِي الْعِيَان مُغَيَّبًا فَذِكْرك عِنْدِي فِي الْفُؤَاد عَتِيد قَالَ أَبُو الْجَوْزَاء وَمُجَاهِد : يُكْتَب عَلَى الْإِنْسَان كُلّ شَيْء حَتَّى الْأَنِين فِي مَرَضه . وَقَالَ عِكْرِمَة : لَا يُكْتَب إِلَّا مَا يُؤْجَر بِهِ أَوْ يُؤْزَر عَلَيْهِ . وَقِيلَ : يُكْتَب عَلَيْهِ كُلّ مَا يَتَكَلَّم بِهِ , فَإِذَا كَانَ آخِر النَّهَار مُحِيَ عَنْهُ مَا كَانَ مُبَاحًا , نَحْو اِنْطَلِقْ اُقْعُدْ كُلْ , مِمَّا لَا يَتَعَلَّق بِهِ أَجْر وَلَا وِزْر , وَاَللَّه أَعْلَم . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَأَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا مِنْ حَافِظَيْنِ يَرْفَعَانِ إِلَى اللَّه مَا حَفِظَا فَيَرَى اللَّه فِي أَوَّل الصَّحِيفَة خَيْرًا وَفِي آخِرهَا خَيْرًا إِلَّا قَالَ اللَّه تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ اِشْهَدُوا أَنِّي قَدْ غَفَرْت لِعَبْدِي مَا بَيْن طَرَفَيْ الصَّحِيفَة ) . وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : ( إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَة مَعَهُمْ صُحُف بِيض فَأَمْلُوا فِي أَوَّلهَا وَفِي آخِرهَا خَيْرًا يُغْفَر لَكُمْ مَا بَيْن ذَلِكَ ) . وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْم الْحَافِظ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بْن الْفَضْل بْن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن خُزَيْمَة قَالَ حَدَّثَنَا جَدِّي مُحَمَّد بْن إِسْحَاق قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُوسَى الْحَرَشِيّ قَالَ حَدَّثَنَا سُهَيْل بْن عَبْد اللَّه قَالَ : سَمِعْت الْأَعْمَش يُحَدِّث عَنْ زَيْد بْن وَهْب عَنْ اِبْن مَسْعُود , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْحَافِظَيْنِ إِذَا نَزَلَا عَلَى الْعَبْد أَوْ الْأَمَة مَعَهُمَا كِتَاب مَخْتُوم فَيَكْتُبَانِ مَا يَلْفِظ بِهِ الْعَبْد أَوْ الْأَمَة فَإِذَا أَرَادَا أَنْ يَنْهَضَا قَالَ أَحَدهمَا لِلْآخَرِ فُكَّ الْكِتَاب الْمَخْتُوم الَّذِي مَعَك فَيَفُكّهُ لَهُ فَإِذَا فِيهِ مَا كَتَبَ سَوَاء فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى " مَا يَلْفِظ مِنْ قَوْل إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيب عَتِيد " غَرِيب , مِنْ حَدِيث الْأَعْمَش عَنْ زَيْد , لَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ إِلَّا سُهَيْل . وَرُوِيَ مِنْ حَدِيث أَنَس أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّه وَكَّلَ بِعَبْدِهِ مَلَكَيْنِ يَكْتُبَانِ عَمَله فَإِذَا مَاتَ قَالَا رَبّنَا قَدْ مَاتَ فُلَان فَأْذَنْ لَنَا أَنْ نَصْعَد إِلَى السَّمَاء فَيَقُول اللَّه تَعَالَى , إِنَّ سَمَاوَاتِي مَمْلُوءَة مِنْ مَلَائِكَتِي يُسَبِّحُونَنِي فَيَقُولَانِ رَبّنَا نُقِيم فِي الْأَرْض فَيَقُول اللَّه تَعَالَى إِنَّ أَرْضِي مَمْلُوءَة مِنْ خَلْقِي يُسَبِّحُونَنِي فَيَقُولَانِ يَا رَبّ فَأَيْنَ نَكُون فَيَقُول اللَّه تَعَالَى كُونَا عَلَى قَبْر عَبْدِي فَكَبِّرَانِي وَهَلِّلَانِي وَسَبِّحَانِي وَاكْتُبَا ذَلِكَ لِعَبْدِي إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ) .'; $TAFSEER['4']['50']['19'] = 'أَيْ غَمَرَتْهُ شِدَّته ; فَالْإِنْسَان مَا دَامَ حَيًّا تُكْتَب عَلَيْهِ أَقْوَال وَأَفْعَال لِيُحَاسَب عَلَيْهَا , ثُمَّ يَجِيئهُ الْمَوْت وَهُوَ مَا يَرَاهُ عِنْد الْمُعَايَنَة مِنْ ظُهُور الْحَقّ فِيمَا كَانَ اللَّه تَعَالَى وَعَدَهُ وَأَوْعَدَهُ . وَقِيلَ : الْحَقّ هُوَ الْمَوْت سُمِّيَ حَقًّا إِمَّا لِاسْتِحْقَاقِهِ وَإِمَّا لِانْتِقَالِهِ إِلَى دَار الْحَقّ ; فَعَلَى هَذَا يَكُون فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير , وَتَقْدِيره وَجَاءَتْ سَكْرَة الْحَقّ بِالْمَوْتِ , وَكَذَلِكَ فِي قِرَاءَة أَبِي بَكْر وَابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا ; لِأَنَّ السَّكْرَة هِيَ الْحَقّ فَأُضِيفَتْ إِلَى نَفْسهَا لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ . وَقِيلَ : يَجُوز أَنْ يَكُون الْحَقّ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة هُوَ اللَّه تَعَالَى ; أَيْ جَاءَتْ سَكْرَة أَمْر اللَّه تَعَالَى بِالْمَوْتِ . وَقِيلَ : الْحَقّ هُوَ الْمَوْت وَالْمَعْنَى وَجَاءَتْ سَكْرَة الْمَوْت بِالْمَوْتِ ; ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ . وَقَدْ زَعَمَ مَنْ طَعَنَ عَلَى الْقُرْآن فَقَالَ : أُخَالِف الْمُصْحَف كَمَا خَالَفَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق فَقَرَأَ : وَجَاءَتْ سَكْرَة الْحَقّ بِالْمَوْتِ . فَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ أَبَا بَكْر رُوِيَتْ عَنْهُ رِوَايَتَانِ : إِحْدَاهُمَا مُوَافِقَة لِلْمُصْحَفِ فَعَلَيْهَا الْعَمَل , وَالْأُخْرَى مَرْفُوضَة تَجْرِي مَجْرَى النِّسْيَان مِنْهُ إِنْ كَانَ قَالَهَا , أَوْ الْغَلَط مِنْ بَعْض مَنْ نَقَلَ الْحَدِيث . قَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق الْقَاضِي حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه حَدَّثَنَا جَرِير عَنْ مَنْصُور عَنْ أَبِي وَائِل عَنْ مَسْرُوق قَالَ : لَمَّا اِحْتُضِرَ أَبُو بَكْر أَرْسَلَ إِلَى عَائِشَة فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَالَتْ : هَذَا كَمَا قَالَ الشَّاعِر : إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْر فَقَالَ أَبُو بَكْر : هَلَّا قُلْت كَمَا قَالَ اللَّه : " وَجَاءَتْ سَكْرَة الْمَوْت بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْت مِنْهُ تَحِيد " وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَالسَّكْرَة وَاحِدَة السَّكَرَات . وَفِي الصَّحِيح عَنْ عَائِشَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ بَيْن يَدَيْهِ رَكْوَة - أَوْ عُلْبَة - فِيهَا مَاء فَجَعَلَ يُدْخِل يَدَيْهِ فِي الْمَاء , فَيَمْسَح بِهِمَا وَجْهه وَيَقُول : ( لَا إِلَه إِلَّا اللَّه إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَات ) ثُمَّ نَصَبَ يَده فَجَعَلَ يَقُول : ( فِي الرَّفِيق الْأَعْلَى ) حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَده . خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( إِنَّ الْعَبْد الصَّالِح لَيُعَالِج الْمَوْت وَسَكَرَاته وَإِنَّ مَفَاصِله لَيُسَلِّم بَعْضهَا عَلَى بَعْض تَقُول السَّلَام عَلَيْك تُفَارِقنِي وَأُفَارِقك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ) . وَقَالَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم : " يَا مَعْشَر الْحَوَارِيِّينَ اُدْعُوا اللَّه أَنْ يُهَوِّن عَلَيْكُمْ هَذِهِ السَّكْرَة " يَعْنِي سَكَرَات الْمَوْت . وَرُوِيَ : ( إِنَّ الْمَوْت أَشَدّ مِنْ ضَرْب بِالسُّيُوفِ وَنَشْر بِالْمَنَاشِيرِ وَقَرْض بِالْمَقَارِيضِ ) . أَيْ يُقَال لِمَنْ جَاءَتْهُ سَكْرَة الْمَوْت ذَلِكَ مَا كُنْت تَفِرّ مِنْهُ وَتَمِيل عَنْهُ . يُقَال : حَادَ عَنْ الشَّيْء يَحِيد حُيُودًا وَحَيْدَة وَحَيْدُودَة مَالَ عَنْهُ وَعَدَلَ . وَأَصْله حَيَدُودَة بِتَحْرِيكِ الْيَاء فَسُكِّنَتْ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَام فَعْلُول غَيْر صَعْفُوق . وَتَقُول فِي الْإِخْبَار عَنْ نَفْسك : حِدْت عَنْ الشَّيْء أَحِيد حَيْدًا وَمَحِيدًا إِذَا مِلْت عَنْهُ قَالَ طَرَفَة : أَبَا مُنْذِر رُمْت الْوَفَاء فَهِبْته وَحِدْت كَمَا حَادَ الْبَعِير عَنْ الدَّحْض'; $TAFSEER['4']['50']['20'] = 'هِيَ النَّفْخَة الْآخِرَة لِلْبَعْثِ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّه لِلْكُفَّارِ أَنْ يُعَذِّبهُمْ فِيهِ . وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي النَّفْخ فِي الصُّور مُسْتَوْفًى وَالْحَمْد لِلَّهِ .'; $TAFSEER['4']['50']['21'] = 'اُخْتُلِفَ فِي السَّائِق وَالشَّهِيد ; فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : السَّائِق مِنْ الْمَلَائِكَة وَالشَّهِيد مِنْ أَنْفُسهمْ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُل ; رَوَاهُ . الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : السَّائِق الْمَلَك وَالشَّهِيد الْعَمَل . وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة : الْمَعْنَى سَائِق يَسُوقهَا وَشَاهِد يَشْهَد عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا . وَقَالَ اِبْن مُسْلِم : السَّائِق قَرِينهَا مِنْ الشَّيَاطِين سُمِّيَ سَائِقًا لِأَنَّهُ يَتْبَعهَا وَإِنْ لَمْ يَحُثّهَا . وَقَالَ مُجَاهِد : السَّائِق وَالشَّهِيد مَلَكَانِ . وَعَنْ عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر : " وَجَاءَتْ كُلّ نَفْس مَعَهَا سَائِق وَشَهِيد " سَائِق : مَلَك يَسُوقهَا إِلَى أَمْر اللَّه , وَشَهِيد : يَشْهَد عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا . قُلْت : هَذَا أَصَحّ فَإِنَّ فِي حَدِيث جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( إِنَّ اِبْن آدَم لَفِي غَفْلَة عَمَّا خَلَقَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَهُ إِنَّ اللَّه لَا إِلَه غَيْره إِذَا أَرَادَ خَلْقه قَالَ لِلْمَلَكِ اُكْتُبْ رِزْقه وَأَثَره وَأَجَله وَاكْتُبْهُ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا ثُمَّ يَرْتَفِع ذَلِكَ الْمَلَك وَيَبْعَث اللَّه مَلَكًا آخَر فَيَحْفَظهُ حَتَّى يُدْرِك ثُمَّ يَبْعَث اللَّه مَلَكَيْنِ يَكْتُبَانِ حَسَنَاته وَسَيِّئَاته فَإِذَا جَاءَهُ الْمَوْت اِرْتَفَعَ ذَلِكَ الْمَلَكَانِ ثُمَّ جَاءَ مَلَك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقْبِض رُوحه فَإِذَا أُدْخِلَ حُفْرَته رَدَّ الرُّوح فِي جَسَده ثُمَّ يَرْتَفِع مَلَك الْمَوْت ثُمَّ جَاءَهُ مَلَكَا الْقَبْر فَامْتَحَنَاهُ ثُمَّ يَرْتَفِعَانِ فَإِذَا قَامَتْ السَّاعَة اِنْحَطَّ عَلَيْهِ مَلَك الْحَسَنَات وَمَلَك السَّيِّئَات فَأَنْشَطَا كِتَابًا مَعْقُودًا فِي عُنُقه ثُمَّ حَضَرَا مَعَهُ وَاحِد سَائِق وَالْآخَر شَهِيد ثُمَّ قَالَ اللَّه تَعَالَى " لَقَدْ كُنْت فِي غَفْلَة مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْك غِطَاءَك فَبَصَرك الْيَوْم حَدِيد " قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَق قَالَ : ( حَالًا بَعْد حَال ) ثُمَّ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ قُدَّامكُمْ أَمْرًا عَظِيمًا فَاسْتَعِينُوا بِاَللَّهِ الْعَظِيم ) خَرَّجَهُ أَبُو نُعَيْم الْحَافِظ مِنْ حَدِيث جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ عَنْ جَابِر وَقَالَ فِيهِ : هَذَا حَدِيث غَرِيب مِنْ حَدِيث جَعْفَر , وَحَدِيث جَابِر تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ جَابِر الْجُعْفِيّ وَعَنْهُ الْمُفَضَّل . ثُمَّ فِي الْآيَة قَوْلَانِ : أَحَدهمَا أَنَّهَا عَامَّة فِي الْمُسْلِم وَالْكَافِر وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور . الثَّانِي أَنَّهَا خَاصَّة فِي الْكَافِر ; قَالَهُ الضَّحَّاك .'; $TAFSEER['4']['50']['22'] = 'قَالَ اِبْن زَيْد : الْمُرَاد بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أَيْ لَقَدْ كُنْت يَا مُحَمَّد فِي غَفْلَة مِنْ الرِّسَالَة فِي قُرَيْش فِي جَاهِلِيَّتهمْ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك : إِنَّ الْمُرَاد بِهِ الْمُشْرِكُونَ أَيْ كَانُوا فِي غَفْلَة مِنْ عَوَاقِب أُمُورهمْ . وَقَالَ أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّ الْمُرَاد بِهِ الْبَرّ وَالْفَاجِر . وَهُوَ اِخْتِيَار الطَّبَرِيّ . وَقِيلَ : أَيْ لَقَدْ كُنْت أَيّهَا الْإِنْسَان فِي غَفْلَة عَنْ أَنَّ كُلّ نَفْس مَعَهَا سَائِق وَشَهِيد ; لِأَنَّ هَذَا لَا يُعْرَف إِلَّا بِالنُّصُوصِ الْإِلَهِيَّة . " فَكَشَفْنَا عَنْك غِطَاءَك " أَيْ عَمَاك ; وَفِيهِ أَرْبَعَة أَوْجُه : أَحَدهَا إِذْ كَانَ فِي بَطْن أُمّه فَوُلِدَ ; قَالَهُ السُّدِّيّ . الثَّانِي إِذَا كَانَ فِي الْقَبْر فَنُشِرَ . وَهَذَا مَعْنَى قَوْل اِبْن عَبَّاس . الثَّالِث وَقْت الْعَرْض فِي الْقِيَامَة ; قَالَهُ مُجَاهِد . الرَّابِع أَنَّهُ نُزُول الْوَحْي وَتَحَمُّل الرِّسَالَة . وَهَذَا مَعْنَى قَوْل اِبْن زَيْد . " فَبَصَرك الْيَوْم حَدِيد " قِيلَ : يُرَاد بِهِ . بَصَر الْقَلْب كَمَا يُقَال هُوَ بَصِير بِالْفِقْهِ فَبَصَر الْقَلْب وَبَصِيرَته تَبْصِرَته شَوَاهِد الْأَفْكَار وَنَتَائِج الِاعْتِبَار , كَمَا تُبْصِر الْعَيْن مَا قَابَلَهَا مِنْ الْأَشْخَاص وَالْأَجْسَام . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِهِ بَصَر الْعَيْن وَهُوَ الظَّاهِر أَيْ بَصَر عَيْنك الْيَوْم حَدِيد ; أَيْ قَوِيّ نَافِذ يَرَى مَا كَانَ مَحْجُوبًا عَنْك . قَالَ مُجَاهِد : يَعْنِي نَظَرَك إِلَى لِسَان مِيزَانك حِين تُوزَن سَيِّئَاتك وَحَسَنَاتك . وَقَالَ الضَّحَّاك . وَقِيلَ : يُعَايِن مَا يَصِير إِلَيْهِ مِنْ ثَوَاب وَعِقَاب . وَهُوَ مَعْنَى قَوْل اِبْن عَبَّاس . وَقِيلَ : يَعْنِي أَنَّ الْكَافِر يُحْشَر وَبَصَره حَدِيد ثُمَّ يَزْرَقّ وَيَعْمَى . وَقُرِئَ " لَقَدْ كُنْت " " عَنْك " " فَبَصَرك " بِالْكَسْرِ عَلَى خِطَاب النَّفْس .'; $TAFSEER['4']['50']['23'] = 'يَعْنِي الْمَلَك الْمُوَكَّل بِهِ فِي قَوْل الْحَسَن وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك . أَيْ هَذَا مَا عِنْدِي مِنْ كِتَابَة عَمَله مُعَدّ مَحْفُوظ . وَقَالَ مُجَاهِد : يَقُول هَذَا الَّذِي وَكَّلْتنِي بِهِ مِنْ بَنِي آدَم قَدْ أَحْضَرْته وَأَحْضَرْت دِيوَان عَمَله . وَقِيلَ : الْمَعْنَى هَذَا مَا عِنْدِي مِنْ الْعَذَاب حَاضِر . وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا : قَرِينه الَّذِي قُيِّضَ لَهُ مِنْ الشَّيَاطِين .'; $TAFSEER['4']['50']['24'] = 'قَالَ اِبْن زَيْد فِي رِوَايَة اِبْن وَهْب عَنْهُ : إِنَّهُ قَرِينه مِنْ الْإِنْس , فَيَقُول اللَّه تَعَالَى لِقَرِينِهِ : " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " قَالَ الْخَلِيل وَالْأَخْفَش : هَذَا كَلَام الْعَرَب الْفَصِيح أَنْ تُخَاطِب الْوَاحِد بِلَفْظِ الِاثْنَيْنِ فَتَقُول : وَيْلك اِرْحَلَاهَا وَازْجُرَاهَا , وَخُذَاهُ وَأَطْلِقَاهُ لِلْوَاحِدِ . قَالَ الْفَرَّاء : تَقُول لِلْوَاحِدِ قُومَا عَنَّا , وَأَصْل ذَلِكَ أَنَّ أَدْنَى أَعْوَان الرَّجُل فِي إِبِله وَغَنَمه وَرُفْقَته فِي سَفَره اِثْنَانِ فَجَرَى كَلَام الرَّجُل عَلَى صَاحِبَيْهِ , وَمِنْهُ قَوْلهمْ لِلْوَاحِدِ فِي الشِّعْر : خَلِيلَيَّ , ثُمَّ يَقُول : يَا صَاح . قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي عَلَى أُمّ جُنْدَب نَقُضّ لُبَانَات الْفُؤَاد الْمُعَذَّب وَقَالَ أَيْضًا : قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسَقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُول فَحَوْمَل وَقَالَ آخَر : فَإِنْ تَزْجُرَانِي يَا بْن عَفَّان أَنْزَجِر وَإِنْ تَدَعَانِي أَحْمِ عِرْضًا مُمَنَّعَا وَقِيلَ : جَاءَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَرِين يَقَع لِلْجَمَاعَةِ وَالِاثْنَيْنِ . وَقَالَ الْمَازِنِيّ : قَوْله " أَلْقِيَا " يَدُلّ عَلَى أَلْقِ أَلْقِ . وَقَالَ الْمُبَرِّد : هِيَ تَثْنِيَة عَلَى التَّوْكِيد , الْمَعْنَى أَلْقِ أَلْقِ فَنَابَ " أَلْقِيَا " مَنَاب التَّكْرَار . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " أَلْقِيَا " تَثْنِيَة عَلَى خِطَاب الْحَقِيقَة مِنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى يُخَاطِب بِهِ الْمَلَكَيْنِ . وَقِيلَ : هُوَ مُخَاطَبَة لِلسَّائِقِ وَالْحَافِظ . وَقِيلَ : إِنَّ الْأَصْل أَلْقِينَ بِالنُّونِ الْخَفِيفَة تُقْلَب فِي الْوَقْف أَلِفًا فَحُمِلَ الْوَصْل عَلَى الْوَقْف . وَقَرَأَ الْحَسَن " أَلْقِينَ " بِالنُّونِ الْخَفِيفَة نَحْو قَوْله : " وَلَيَكُونَا مِنْ الصَّاغِرِينَ " [ يُوسُف : 32 ] وَقَوْله : " لَنَسْفَعًا " [ الْعَلَق : 15 ] . أَيْ مُعَانِد ; قَالَهُ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة . وَقَالَ بَعْضهمْ : الْعَنِيد الْمُعْرِض عَنْ الْحَقّ ; يُقَال عَنَدَ يَعْنِد بِالْكَسْرِ عُنُودًا أَيْ خَالَفَ وَرَدَّ الْحَقّ وَهُوَ يَعْرِفهُ فَهُوَ عَنِيد وَعَانِد , وَجَمْع الْعَنِيد عُنُد مِثْل رَغِيف وَرُغُف .'; $TAFSEER['4']['50']['25'] = 'يَعْنِي الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة وَكُلّ حَقّ وَاجِب . فِي مَنْطِقه وَسِيرَته وَأَمْره ; ظَالِم . شَاكّ فِي التَّوْحِيد ; قَالَهُ الْحَسَن وَقَتَادَة . يُقَال : أَرَابَ الرَّجُل فَهُوَ مُرِيب إِذَا جَاءَ بِالرِّيبَةِ . وَهُوَ الْمُشْرِك يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى :'; $TAFSEER['4']['50']['26'] = 'وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة . وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ : " مَنَّاع لِلْخَيْرِ " أَنَّهُ كَانَ يَمْنَع بَنِي أَخِيهِ مِنْ الْإِسْلَام . تَأْكِيد لِلْأَمْرِ الْأَوَّل .'; $TAFSEER['4']['50']['27'] = 'يَعْنِي الشَّيْطَان الَّذِي قُيِّضَ لِهَذَا الْكَافِر الْعَنِيد تَبَرَّأَ مِنْهُ وَكَذَّبَهُ . عَنْ الْحَقّ وَكَانَ طَاغِيًا بِاخْتِيَارِهِ وَإِنَّمَا دَعَوْته فَاسْتَجَابَ لِي . وَقَرِينه هُنَا هُوَ شَيْطَانه بِغَيْرِ اِخْتِلَاف حَكَاهُ الْمَهْدَوِيّ . وَحَكَى الثَّعْلَبِيّ قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُقَاتِل : قَرِينه الْمَلَك ; وَذَلِكَ أَنَّ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة يَقُول لِلْمَلَكِ الَّذِي كَانَ يَكْتُب سَيِّئَاته : رَبّ إِنَّهُ أَعْجَلَنِي , فَيَقُول الْمَلَك : رَبّنَا مَا أَطْغَيْته أَيْ مَا أَعْجَلْته . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : يَقُول الْكَافِر رَبّ إِنَّهُ زَادَ عَلَيَّ فِي الْكِتَابَة , فَيَقُول الْمَلَك : رَبّنَا مَا أَطْغَيْته أَيْ مَا زِدْت عَلَيْهِ فِي الْكِتَابَة ; فَحِينَئِذٍ يَقُول اللَّه تَعَالَى :'; $TAFSEER['4']['50']['28'] = 'يَعْنِي الْكَافِرِينَ وَقُرَنَاءَهُمْ مِنْ الشَّيَاطِين . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْقَرِين الشَّيْطَان . أَيْ أَرْسَلْت الرُّسُل . وَقِيلَ : هَذَا خِطَاب لِكُلِّ مَنْ اِخْتَصَمَ . وَقِيلَ : هُوَ لِلِاثْنَيْنِ وَجَاءَ بِلَفْظِ الْجَمْع .'; $TAFSEER['4']['50']['29'] = 'قِيلَ هُوَ قَوْله : " مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْر أَمْثَالهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلهَا " [ الْأَنْعَام : 160 ] وَقِيلَ هُوَ قَوْله : " لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّم مِنْ الْجِنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ " [ السَّجْدَة : 13 ] . وَقَالَ الْفَرَّاء : مَا يُكْذَب عِنْدِي أَيْ مَا يُزَاد فِي الْقَوْل وَلَا يَنْقُص لِعِلْمِي بِالْغَيْبِ . أَيْ مَا أَنَا بِمُعَذِّبٍ مَنْ لَمْ يُجْرِم ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي مَعْنَاهُ فِي " الْحَجّ " وَغَيْرهَا .'; $TAFSEER['4']['50']['30'] = 'قَرَأَ نَافِع وَأَبُو بَكْر " يَوْم يَقُول " بِالْيَاءِ اِعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ : " لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ " . الْبَاقُونَ بِالنُّونِ عَلَى الْخِطَاب مِنْ اللَّه تَعَالَى وَهِيَ نُون الْعَظَمَة . وَقَرَأَ الْحَسَن " يَوْم أَقُول " . وَعَنْ اِبْن مَسْعُود وَغَيْره " يَوْم يُقَال " . وَانْتَصَبَ " يَوْم " عَلَى مَعْنَى مَا يُبَدَّل الْقَوْل لَدَيَّ يَوْم . وَقِيلَ : بِفِعْلٍ مُقَدَّر مَعْنَاهُ : وَأَنْذِرْهُمْ " يَوْم نَقُول لِجَهَنَّم هَلْ اِمْتَلَأْت " لِمَا سَبَقَ مِنْ وَعْده إِيَّاهَا أَنَّهُ يَمْلَؤُهَا . وَهَذَا الِاسْتِفْهَام عَلَى سَبِيل التَّصْدِيق لِخَبَرِهِ , وَالتَّحْقِيق لِوَعْدِهِ , وَالتَّقْرِيع لِأَعْدَائِهِ , وَالتَّنْبِيه لِجَمِيعِ عِبَاده . " وَتَقُول " جَهَنَّم " هَلْ مِنْ مَزِيد " أَيْ مَا بَقِيَ فِي مَوْضِع لِلزِّيَادَةِ ; كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيل مِنْ رَبْع أَوَمَنْزِل ) أَيْ مَا تَرَكَ ; فَمَعْنَى الْكَلَام الْجَحْد . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون اِسْتِفْهَامًا بِمَعْنَى الِاسْتِزَادَة ; أَيْ هَلْ مِنْ مَزِيد فَأَزْدَاد ؟ . وَإِنَّمَا صَلَحَ هَذَا لِلْوَجْهَيْنِ ; لِأَنَّ فِي الِاسْتِفْهَام ضَرْبًا مِنْ الْجَحْد . وَقِيلَ : لَيْسَ ثَمَّ قَوْل وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى طَرِيق , الْمَثَل ; أَيْ إِنَّهَا فِيمَا يَظْهَر مِنْ حَالهَا بِمَنْزِلَةِ النَّاطِقَة بِذَلِكَ ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : اِمْتَلَأَ الْحَوْض وَقَالَ قَطْنِي مَهْلًا رُوَيْدًا قَدْ مَلَأْت بَطْنِي وَهَذَا تَفْسِير مُجَاهِد وَغَيْره . أَيْ هَلْ فِيَّ مِنْ مَسْلَك قَدْ اِمْتَلَأْت . وَقِيلَ : يُنْطِق اللَّه النَّار حَتَّى تَقُول هَذَا كَمَا تَنْطِق الْجَوَارِح . وَهَذَا أَصَحّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي سُورَة " الْفُرْقَان " وَفِي صَحِيح مُسْلِم وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَزَال جَهَنَّم يُلْقَى فِيهَا وَتَقُول هَلْ مِنْ مَزِيد حَتَّى يَضَع رَبّ الْعِزَّة فِيهَا قَدَمه فَيَنْزَوِي بَعْضهَا إِلَى بَعْض وَتَقُول قَطْ قَطْ بِعِزَّتِك وَكَرَمك وَلَا يَزَال فِي الْجَنَّة فَضْل حَتَّى يُنْشِئ اللَّه لَهَا خَلْقًا فَيُسْكِنهُمْ فَضْل الْجَنَّة ) لَفْظ مُسْلِم . وَفِي رِوَايَة أُخْرَى مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة : ( وَأَمَّا النَّار فَلَا تَمْتَلِئ حَتَّى يَضَع اللَّه عَلَيْهَا رِجْله يَقُول لَهَا قَطْ قَطْ فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئ وَيَنْزَوِي بَعْضهَا إِلَى بَعْض فَلَا يَظْلِم اللَّه مِنْ خَلْقه أَحَدًا وَأَمَّا الْجَنَّة فَإِنَّ اللَّه يُنْشِئ لَهَا خَلْقًا ) . قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّه : أَمَّا مَعْنَى الْقَدَم هُنَا فَهُمْ قَوْم يُقَدِّمهُمْ اللَّه إِلَى النَّار , وَقَدْ سَبَقَ فِي عِلْمه أَنَّهُمْ مِنْ أَهْل النَّار . وَكَذَلِكَ الرِّجْل وَهُوَ الْعَدَد الْكَثِير مِنْ النَّاس وَغَيْرهمْ ; يُقَال : رَأَيْت رِجْلًا مِنْ النَّاس وَرِجْلًا مِنْ جَرَاد , قَالَ الشَّاعِر : فَمَرَّ بِنَا رِجْل مِنْ النَّاس وَانْزَوَى إِلَيْهِمْ مِنْ الْحَيّ الْيَمَانِينَ أَرْجُل قَبَائِل مِنْ لَخْم وَعُكْل وَحِمْيَر عَلَى اِبْنَيْ نِزَار بِالْعَدَاوَةِ أَحْفَل وَيُبَيِّن هَذَا الْمَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ قَالَ : مَا فِي النَّار بَيْت وَلَا سِلْسِلَة وَلَا مِقْمَع وَلَا تَابُوت إِلَّا وَعَلَيْهِ اِسْم صَاحِبه , فَكُلّ وَاحِد مِنْ الْخَزَنَة يَنْتَظِر صَاحِبه الَّذِي قَدْ عَرَفَ اِسْمه وَصِفَته , فَإِذَا اِسْتَوْفَى كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ مَا أُمِرَ بِهِ وَمَا يَنْتَظِرهُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَد قَالَ الْخَزَنَة : قَطْ قَطْ حَسْبنَا حَسْبنَا ! أَيْ اِكْتَفَيْنَا اِكْتَفَيْنَا , وَحِينَئِذٍ تَنْزَوِي جَهَنَّم عَلَى مَنْ فِيهَا وَتَنْطَبِق إِذْ لَمْ يَبْقَ أَحَد يَنْتَظِر . فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ الْجَمْع الْمُنْتَظِر بِالرِّجْلِ وَالْقَدَم ; وَيَشْهَد لِهَذَا التَّأْوِيل قَوْله فِي نَفْس الْحَدِيث : ( وَلَا يَزَال فِي الْجَنَّة فَضْل حَتَّى يُنْشِئ اللَّه لَهَا خَلْقًا فَيُسْكِنهُمْ فَضْل الْجَنَّة ) وَقَدْ زِدْنَا هَذَا الْمَعْنَى بَيَانًا وَمَهَّدْنَاهُ فِي كِتَاب الْأَسْمَاء وَالصِّفَات مِنْ الْكِتَاب الْأَسْنَى وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَقَالَ النَّضْر بْن شُمَيْل فِي مَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( حَتَّى يَضَع الْجَبَّار فِيهَا قَدَمه ) أَيْ مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمه أَنَّهُ مِنْ أَهْل النَّار .'; $TAFSEER['4']['50']['31'] = 'أَيْ قُرِّبَتْ مِنْهُمْ . وَقِيلَ : هَذَا قَبْل الدُّخُول فِي الدُّنْيَا ; أَيْ قُرِّبَتْ مِنْ قُلُوبهمْ حِين قِيلَ لَهُمْ اِجْتَنِبُوا الْمَعَاصِي . وَقِيلَ : بَعْد الدُّخُول قُرِّبَتْ لَهُمْ مَوَاضِعهمْ فِيهَا فَلَا تَبْعُد . " غَيْر بَعِيد " أَيْ مِنْهُمْ وَهَذَا تَأْكِيد .'; $TAFSEER['4']['50']['32'] = 'أَيْ وَيُقَال لَهُمْ هَذَا الْجَزَاء الَّذِي وُعِدْتُمْ فِي الدُّنْيَا عَلَى أَلْسِنَة الرُّسُل . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " تُوعَدُونَ " بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر ; لِأَنَّهُ أَتَى بَعْد ذِكْر الْمُتَّقِينَ . أَوَّاب أَيْ رَجَّاع إِلَى اللَّه عَنْ الْمَعَاصِي , ثُمَّ يَرْجِع يُذْنِب ثُمَّ يَرْجِع , هَكَذَا قَالَهُ الضَّحَّاك وَغَيْره . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَعَطَاء : الْأَوَّاب الْمُسَبِّح مِنْ قَوْله : " يَا جِبَال أَوِّبِي مَعَهُ " [ سَبَأ : 10 ] . وَقَالَ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة : هُوَ الذَّاكِر لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْخَلْوَة . وَقَالَ الشَّعْبِيّ وَمُجَاهِد : هُوَ الَّذِي يَذْكُر ذُنُوبه فِي الْخَلْوَة فَيَسْتَغْفِر اللَّه مِنْهَا . وَهُوَ قَوْل اِبْن مَسْعُود . وَقَالَ عُبَيْد بْن عُمَيْر : هُوَ الَّذِي لَا يَجْلِس مَجْلِسًا حَتَّى يَسْتَغْفِر اللَّه تَعَالَى فِيهِ . وَعَنْهُ قَالَ : كُنَّا نُحَدَّث أَنَّ الْأَوَّاب الْحَفِيظ الَّذِي إِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسه قَالَ سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ , اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرك مِمَّا أَصَبْت فِي مَجْلِسِي هَذَا . وَفِي الْحَدِيث : ( مَنْ قَالَ إِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسه سُبْحَانك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرك وَأَتُوب إِلَيْك غَفَرَ اللَّه لَهُ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِس ) . وَهَكَذَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول . وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : أَنَا أُحِبّ أَنْ أَقُول أَسْتَغْفِرك وَأَسْأَلك التَّوْبَة , وَلَا أُحِبّ أَنْ أَقُول وَأَتُوب إِلَيْك إِلَّا عَلَى حَقِيقَته . قُلْت : هَذَا اِسْتِحْسَان وَاتِّبَاع الْحَدِيث أَوْلَى . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق : هُوَ الْمُتَوَكِّل عَلَى اللَّه فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء . وَقَالَ الْقَاسِم : هُوَ الَّذِي لَا يَشْتَغِل إِلَّا بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . " حَفِيظ " قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ الَّذِي حَفِظَ ذُنُوبه حَتَّى يَرْجِع عَنْهَا . وَقَالَ قَتَادَة : حَفِيظ لِمَا اِسْتَوْدَعَهُ اللَّه مِنْ حَقّه وَنِعْمَته وَائْتَمَنَهُ عَلَيْهِ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : هُوَ الْحَافِظ لِأَمْرِ اللَّه . مُجَاهِد : هُوَ الْحَافِظ لِحَقِّ اللَّه تَعَالَى بِالِاعْتِرَافِ وَلِنِعَمِهِ بِالشُّكْرِ . قَالَ الضَّحَّاك : هُوَ الْحَافِظ لِوَصِيَّةِ اللَّه تَعَالَى بِالْقَبُولِ . وَرَوَى مَكْحُول عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَع رَكَعَات مِنْ أَوَّل النَّهَار كَانَ أَوَّابًا حَفِيظًا ) ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ .'; $TAFSEER['4']['50']['33'] = '" مَنْ " فِي مَحَلّ خَفْض عَلَى الْبَدَل مِنْ قَوْله : " لِكُلِّ أَوَّاب حَفِيظ " أَوْ فِي مَوْضِع الصِّفَة لِ " أَوَّاب " . وَيَجُوز الرَّفْع عَلَى الِاسْتِئْنَاف , وَالْخَبَر " اُدْخُلُوهَا " عَلَى تَقْدِير حَذْف جَوَاب الشَّرْط وَالتَّقْدِير فَيُقَال لَهُمْ : " اُدْخُلُوهَا " . وَالْخَشْيَة بِالْغَيْبِ أَنْ تَخَافهُ وَلَمْ تَرَهُ . وَقَالَ الضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ : يَعْنِي فِي الْخَلْوَة حِين يَرَاهُ أَحَد . وَقَالَ الْحَسَن : إِذَا أَرْخَى السِّتْر وَأَغْلَقَ الْبَاب . مُقْبِل عَلَى الطَّاعَة . وَقِيلَ : مُخْلِص . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق : عَلَامَة الْمُنِيب أَنْ يَكُون عَارِفًا لِحُرْمَتِهِ وَمُوَالِيًا لَهُ , مُتَوَاضِعًا لِجَلَالِهِ تَارِكًا لِهَوَى نَفْسه . قُلْت : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْقَلْب الْمُنِيب الْقَلْب السَّلِيم ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : " إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّه بِقَلْبٍ سَلِيم " [ الشُّعَرَاء : 89 ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ ; وَاَللَّه أَعْلَم .'; $TAFSEER['4']['50']['34'] = 'أَيْ يُقَال لِأَهْلِ هَذِهِ الصِّفَات : " اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْم الْخُلُود " أَيْ بِسَلَامَةٍ مِنْ الْعَذَاب . وَقِيلَ : بِسَلَامٍ مِنْ اللَّه وَمَلَائِكَته عَلَيْهِمْ . وَقِيلَ : بِسَلَامَةٍ مِنْ زَوَال النِّعَم . وَقَالَ : " اُدْخُلُوهَا " وَفِي أَوَّل الْكَلَام " مَنْ خَشِيَ " ; لِأَنَّ " مَنْ " تَكُون بِمَعْنَى الْجَمْع .'; $TAFSEER['4']['50']['35'] = 'يَعْنِي مَا تَشْتَهِيه أَنْفُسهمْ وَتَلَذّ أَعْيُنهمْ . مِنْ النِّعَم مِمَّا لَمْ يَخْطِر عَلَى بَالهمْ . وَقَالَ أَنَس وَجَابِر : الْمَزِيد النَّظَر إِلَى وَجْه اللَّه تَعَالَى بِلَا كَيْف . وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي أَخْبَار مَرْفُوعَة إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى : " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَة " [ يُونُس : 26 ] قَالَ : الزِّيَادَة النَّظَر إِلَى وَجْه اللَّه الْكَرِيم . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك وَيَحْيَى بْن سَلَّام , قَالَا : أَخْبَرَنَا الْمَسْعُودِيّ عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو عَنْ أَبِي عُبَيْدَة بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : تَسَارَعُوا إِلَى الْجُمُعَة فَإِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَبْرُز لِأَهْلِ الْجَنَّة كُلّ يَوْم جُمُعَة فِي كَثِيب مِنْ كَافُور أَبْيَض فَيَكُونُونَ مِنْهُ فِي الْقُرْب . قَالَ اِبْن الْمُبَارَك : عَلَى قَدْر تَسَارُعهمْ إِلَى الْجُمُعَة فِي الدُّنْيَا . وَقَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام : لِمُسَارَعَتِهِمْ إِلَى الْجُمَع فِي الدُّنْيَا , وَزَادَ ( فَيُحْدِث اللَّه لَهُمْ مِنْ الْكَرَامَة شَيْئًا لَمْ يَكُونُوا رَأَوْهُ قَبْل ذَلِكَ ) . قَالَ يَحْيَى : وَسَمِعْت غَيْر الْمَسْعُودِيّ يَزِيد فِيهِ قَوْله تَعَالَى : " وَلَدَيْنَا مَزِيد " . قُلْت : قَوْله ( فِي كَثِيب ) يُرِيد أَهْل الْجَنَّة , أَيْ وَهُمْ عَلَى كُثُب ; كَمَا فِي مُرْسَل الْحَسَن , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَهْل الْجَنَّة يَنْظُرُونَ رَبّهمْ فِي كُلّ يَوْم جُمُعَة عَلَى كَثِيب مِنْ كَافُور ) الْحَدِيث وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب " التَّذْكِرَة " . وَقِيلَ : إِنَّ الْمَزِيد مَا يُزَوَّجُونَ بِهِ مِنْ الْحُور الْعِين ; رَوَاهُ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعًا .'; $TAFSEER['4']['50']['36'] = 'أَيْ كَمْ أَهْلَكْنَا يَا مُحَمَّد قَبْل قَوْمك مِنْ أُمَّة هُمْ أَشَدّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَقُوَّة . أَيْ سَارُوا فِيهَا طَلَبًا لِلْمَهْرَبِ . وَقِيلَ : أَثَّرُوا فِي الْبِلَاد ; قَالَ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ مُجَاهِد : ضَرَبُوا وَطَافُوا . وَقَالَ النَّضْر بْن شُمَيْل : دَوَّرُوا . وَقَالَ قَتَادَة : طَوَّفُوا . وَقَالَ الْمُؤَرِّخ تَبَاعَدُوا ; وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس : وَقَدْ نَقَّبْت فِي الْآفَاق حَتَّى رَضِيت مِنْ الْغَنِيمَة بِالْإِيَابِ ثُمَّ قِيلَ : طَافُوا فِي أَقَاصِي الْبِلَاد طَلَبًا لِلتِّجَارَاتِ , وَهَلْ وَجَدُوا مِنْ الْمَوْت مَحِيصًا ؟ . وَقِيلَ : طَوَّفُوا فِي الْبِلَاد يَلْتَمِسُونَ مَحِيصًا مِنْ الْمَوْت . قَالَ الْحَارِث بْن حِلِّزَة : نَقَّبُوا فِي الْبِلَاد مِنْ حَذَر الْمَوْ ت وَجَالُوا فِي الْأَرْض كُلّ مَجَال وَقَرَأَ الْحَسَن وَأَبُو الْعَالِيَة " فَنَقَبُوا " بِفَتْحِ الْقَاف وَتَخْفِيفهَا . وَالنَّقْب هُوَ الْخَرْق وَالدُّخُول فِي الشَّيْء . وَقِيلَ : النَّقْب الطَّرِيق فِي الْجَبَل , وَكَذَلِكَ الْمَنْقَب وَالْمَنْقَبَة ; عَنْ اِبْن السِّكِّيت . وَنَقَبَ الْجِدَار نَقْبًا , وَاسْم تِلْكَ النَّقْبَة نَقْب أَيْضًا , وَجَمْع النَّقْب النُّقُوب ; أَيْ خَرَقُوا الْبِلَاد وَسَارُوا فِي نُقُوبهَا . وَقِيلَ : أَثَّرُوا فِيهَا كَتَأْثِيرِ الْحَدِيد فِيمَا يَنْقُب . وَقَرَأَ السُّلَمِيّ يَحْيَى بْن يَعْمَر " فَنَقِّبُوا " بِكَسْرِ الْقَاف وَالتَّشْدِيد عَلَى الْأَمْر بِالتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيد ; أَيْ طُوفُوا الْبِلَاد وَسِيرُوا فِيهَا فَانْظُرُوا " هَلْ مِنْ " الْمَوْت " مَحِيص " وَمَهْرَب ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَحَكَى الْقُشَيْرِيّ " فَنَقِبُوا " بِكَسْرِ الْقَاف مَعَ التَّخْفِيف ; أَيْ أَكْثَرُوا السَّيْر فِيهَا حَتَّى نَقِبَتْ دَوَابّهمْ . الْجَوْهَرِيّ : وَنَقِبَ الْبَعِير بِالْكَسْرِ إِذَا رَقَّتْ أَخْفَافه , وَأَنْقَبَ الرَّجُل , إِذَا نَقِبَ بَعِيره , وَنَقِبَ الْخُفّ الْمَلْبُوس أَيْ تَخَرَّقَ . وَالْمَحِيص مَصْدَر حَاصَ عَنْهُ يَحِيص حَيْصًا وَحُيُوصًا وَمَحِيصًا وَمَحَاصًا وَحَيَصَانًا ; أَيْ عَدَلَ وَحَادَ . يُقَال : مَا عَنْهُ مَحِيص أَيْ مَحِيد وَمَهْرَب . وَالِانْحِيَاص مِثْله ; يُقَال لِلْأَوْلِيَاءِ : حَاصُوا عَنْ الْعَدُوّ وَلِلْأَعْدَاءِ اِنْهَزَمُوا .'; $TAFSEER['4']['50']['37'] = 'أَيْ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذِهِ السُّورَة تَذْكِرَة وَمَوْعِظَة أَيْ عَقْل يَتَدَبَّر بِهِ ; فَكَنَّى بِالْقَلْبِ عَنْ الْعَقْل لِأَنَّهُ مَوْضِعه ; قَالَ مَعْنَاهُ مُجَاهِد وَغَيْره . وَقِيلَ : لِمَنْ كَانَ لَهُ حَيَاة وَنَفْس مُمَيِّزَة , فَعَبَّرَ عَنْ النَّفْس الْحَيَّة بِالْقَلْبِ ; لِأَنَّهُ وَطَنهَا وَمَعْدِن حَيَاتهَا ; كَمَا قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : أَغَرَّك مِنِّي أَنَّ حُبّك قَاتِلِي وَأَنَّك مَهْمَا تَأْمُرِي الْقَلْب يَفْعَل وَفِي التَّنْزِيل : : " لِيُنْذِر مَنْ كَانَ حَيًّا " [ يس : 70 ] . وَقَالَ يَحْيَى بْن مُعَاذ : الْقَلْب قَلْبَانِ ; قَلْب مُحْتَشٍ بِأَشْغَالِ الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَمْر مِنْ الْأُمُور الْآخِرَة لَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَع , وَقَلْب قَدْ اِحْتَشَى بِأَهْوَالِ الْآخِرَة حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَمْر مِنْ أُمُور الدُّنْيَا لَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَع لِذَهَابِ قَلْبه فِي الْآخِرَة . أَيْ اِسْتَمَعَ الْقُرْآن . تَقُول الْعَرَب : أَلْقِ إِلَيَّ سَمْعك أَيْ اِسْتَمِعْ . وَقَدْ مَضَى فِي " طه " كَيْفِيَّة الِاسْتِمَاع وَثَمَرَته . أَيْ شَاهِد الْقَلْب ; قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ قَلْبه حَاضِر فِيمَا يَسْمَع . وَقَالَ سُفْيَان : أَيْ لَا يَكُون حَاضِرًا وَقَلْبه غَائِب . ثُمَّ قِيلَ : الْآيَة لِأَهْلِ الْكِتَاب ; قَالَهُ مُجَاهِد وَقَتَادَة . وَقَالَ الْحَسَن : إِنَّهَا فِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى خَاصَّة . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب وَأَبُو صَالِح : إِنَّهَا فِي أَهْل الْقُرْآن خَاصَّة .'; $TAFSEER['4']['50']['38'] = 'أَصْل " سِتَّة " سِدْسَة , فَأَرَادُوا إِدْغَام الدَّال فِي السِّين فَالْتَقَيَا عِنْد مَخْرَج التَّاء فَغَلَبَتْ عَلَيْهِمَا . وَإِنْ شِئْت قُلْت : أُبْدِلَ مِنْ إِحْدَى السِّينَيْنِ تَاء وَأُدْغِمَ فِي الدَّال ; لِأَنَّك تَقُول فِي تَصْغِيرهَا : سُدَيْسَة , وَفِي الْجَمْع أَسْدَاس , وَالْجَمْع وَالتَّصْغِير يَرُدَّانِ الْأَسْمَاء إِلَى أُصُولهَا . وَيَقُولُونَ : جَاءَ فُلَان سَادِسًا وَسَادِتًا وَسَاتًّا ; فَمَنْ قَالَ : سَادِتًا أَبْدَلَ مِنْ السِّين تَاء . وَالْيَوْم : مِنْ طُلُوع الشَّمْس إِلَى غُرُوبهَا . فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَمْس فَلَا يَوْم ; قَالَهُ الْقُشَيْرِيّ . وَقَالَ : وَمَعْنَى ( فِي سِتَّة أَيَّام ) أَيْ مِنْ أَيَّام الْآخِرَة , كُلّ يَوْم أَلْف سَنَة ; لِتَفْخِيمِ خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض . وَقِيلَ : مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا . قَالَ مُجَاهِد وَغَيْره : أَوَّلهَا الْأَحَد وَآخِرهَا الْجُمُعَة . وَذَكَرَ هَذِهِ الْمُدَّة وَلَوْ أَرَادَ خَلْقهَا فِي لَحْظَة لَفَعَلَ ; إِذْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَقُول لَهَا كُونِي فَتَكُون ; وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُعَلِّم الْعِبَاد الرِّفْق وَالتَّثَبُّت فِي الْأُمُور , وَلِتَظْهَر قُدْرَته لِلْمَلَائِكَةِ شَيْئًا بَعْد شَيْء . وَهَذَا عِنْد مَنْ يَقُول : خَلْق الْمَلَائِكَة قَبْل خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض . وَحِكْمَة أُخْرَى خَلَقَهَا فِي سِتَّة أَيَّام لِأَنَّ لِكُلِّ شَيْء عِنْده أَجَلًا . وَبَيَّنَ بِهَذَا تَرْك مُعَاجَلَة الْعُصَاة بِالْعِقَابِ ; لِأَنَّ لِكُلِّ شَيْء عِنْده أَجَلًا . وَاللُّغُوب التَّعَب وَالْإِعْيَاء , تَقُول مِنْهُ : لَغَبَ يَلْغُب بِالضَّمِّ لُغُوبًا , وَلَغِبَ بِالْكَسْرِ يَلْغَب لُغُوبًا لُغَة ضَعِيفَة فِيهِ . وَأَلْغَبْته أَنَا أَيْ أَنْصَبْته . قَالَ قَتَادَة وَالْكَلْبِيّ : هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي يَهُود الْمَدِينَة زَعَمُوا أَنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام , أَوَّلهَا يَوْم الْأَحَد وَآخِرهَا يَوْم الْجُمُعَة , وَاسْتَرَاحَ يَوْم السَّبْت ; فَجَعَلُوهُ رَاحَة , فَأَكْذَبَهُمْ اللَّه تَعَالَى فِي ذَلِكَ .'; $TAFSEER['4']['50']['39'] = 'خِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أَمَرَهُ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا يَقُولهُ الْمُشْرِكُونَ ; أَيْ هَوِّنْ أَمْرهمْ عَلَيْك . وَنَزَلَتْ قَبْل الْأَمْر بِالْقِتَالِ فَهِيَ مَنْسُوخَة . وَقِيلَ : هُوَ ثَابِت لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّته . وَقِيلَ مَعْنَاهُ : فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولهُ الْيَهُود مِنْ قَوْلهمْ : إِنَّ اللَّه اِسْتَرَاحَ يَوْم السَّبْت . قِيلَ : إِنَّهُ أَرَادَ بِهِ الصَّلَوَات الْخَمْس . قَالَ أَبُو صَالِح : قَبْل طُلُوع الشَّمْس صَلَاة الصُّبْح , وَقَبْل الْغُرُوب صَلَاة الْعَصْر . وَرَوَاهُ جَرِير بْن عَبْد اللَّه مَرْفُوعًا قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر , فَقَالَ : ( أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَر لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَته فَإِنْ اِسْتَطَعْتُمْ أَلَّا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاة قَبْل طُلُوع الشَّمْس وَقَبْل غُرُوبهَا - يَعْنِي الْعَصْر وَالْفَجْر ثُمَّ قَرَأَ جَرِير - " وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّك قَبْل طُلُوع الشَّمْس وَقَبْل غُرُوبهَا " [ طَه : 130 ] مُتَّفَق عَلَيْهِ وَاللَّفْظ لِمُسْلِمٍ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : " قَبْل الْغُرُوب " الظُّهْر وَالْعَصْر .'; $TAFSEER['4']['50']['40'] = 'يَعْنِي صَلَاة الْعِشَاءَيْنِ . وَقِيلَ : الْمُرَاد تَسْبِيحه بِالْقَوْلِ تَنْزِيهًا قَبْل طُلُوع الشَّمْس وَقَبْل الْغُرُوب ; قَالَهُ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ وَأَبُو الْأَحْوَص . وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء فِي قَوْله : " قَبْل طُلُوع الشَّمْس " قَالَ رَكْعَتَيْ الْفَجْر " وَقَبْل الْغُرُوب " الرَّكْعَتَيْنِ قَبْل الْمَغْرِب ; وَقَالَ ثُمَامَة بْن عَبْد اللَّه بْن أَنَس : كَانَ ذَوُو الْأَلْبَاب مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْل الْمَغْرِب . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : كُنَّا بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّن لِصَلَاةِ الْمَغْرِب اِبْتَدَرُوا السَّوَارِي فَرَكَعُوا رَكْعَتَيْنِ , حَتَّى إِنَّ الرَّجُل الْغَرِيب لَيَدْخُل الْمَسْجِد فَيَحْسِب أَنَّ الصَّلَاة قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَة مَنْ يُصَلِّيهِمَا . وَقَالَ قَتَادَة : مَا أَدْرَكْت أَحَدًا يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ إِلَّا أَنَسًا وَأَبَا بَرْزَة الْأَسْلَمِيّ . قَوْله تَعَالَى : " وَمِنْ اللَّيْل فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَار السُّجُود " فِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال : الْأَوَّل : هُوَ تَسْبِيح اللَّه تَعَالَى فِي اللَّيْل , قَالَهُ أَبُو الْأَحْوَص . الثَّانِي : أَنَّهَا صَلَاة اللَّيْل كُلّه , قَالَهُ مُجَاهِد . الثَّالِث : أَنَّهَا رَكْعَتَا الْفَجْر , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . الرَّابِع : أَنَّهَا صَلَاة الْعِشَاء الْآخِرَة , قَالَهُ اِبْن زَيْد . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : مَنْ قَالَ إِنَّهُ التَّسْبِيح فِي اللَّيْل فَيَعْضُدهُ الصَّحِيح ( مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْل فَقَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ لَهُ الْمُلْك وَلَهُ الْحَمْد وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير سُبْحَان اللَّه وَالْحَمْد لِلَّهِ وَلَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَاَللَّه أَكْبَر وَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيّ الْعَظِيم ) . وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهَا الصَّلَاة بِاللَّيْلِ فَإِنَّ الصَّلَاة تُسَمَّى تَسْبِيحًا لِمَا فِيهَا مِنْ تَسْبِيح اللَّه , وَمِنْهُ سُبْحَة الضُّحَى . وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهَا صَلَاة الْفَجْر أَوْ الْعِشَاء فَلِأَنَّهُمَا مِنْ صَلَاة اللَّيْل , وَالْعِشَاء أَوْضَحَهُ . قَالَ عُمَر وَعَلِيّ وَأَبُو هُرَيْرَة وَالْحَسَن بْن عَلِيّ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالشَّعْبِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالزُّهْرِيّ : أَدْبَار السُّجُود الرَّكْعَتَانِ بَعْد الْمَغْرِب , وَأَدْبَار النُّجُوم الرَّكْعَتَانِ قَبْل الْفَجْر , وَرَوَاهُ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَقَدْ رَفَعَهُ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رَكْعَتَانِ بَعْد الْمَغْرِب أَدْبَار السُّجُود ) ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَلَفْظ الْمَاوَرْدِيّ : وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : بِتّ لَيْلَة عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْل الْفَجْر , ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاة فَقَالَ : ( يَا بْن عَبَّاس رَكْعَتَانِ قَبْل الْفَجْر أَدْبَار النُّجُوم وَرَكْعَتَانِ بَعْد الْمَغْرِب أَدْبَار السُّجُود ) . وَقَالَ أَنَس : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْد الْمَغْرِب قَبْل أَنْ يَتَكَلَّم كُتِبَتْ صَلَاته فِي عِلِّيِّينَ " . قَالَ أَنَس فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَة الْأُولَى " قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ " [ الْكَافِرُونَ : 1 ] وَفِي الثَّانِيَة " قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد " [ الْإِخْلَاص : 1 ] قَالَ مُقَاتِل : وَوَقْتهَا مَا لَمْ يَغْرُب الشَّفَق الْأَحْمَر . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : هُوَ الْوَتْر . قَالَ اِبْن زَيْد : هُوَ النَّوَافِل بَعْد الصَّلَوَات , رَكْعَتَانِ بَعْد كُلّ صَلَاة مَكْتُوبَة , قَالَ النَّحَّاس : وَالظَّاهِر يَدُلّ عَلَى هَذَا إِلَّا أَنَّ الْأَوْلَى اِتِّبَاع الْأَكْثَر وَهُوَ صَحِيح عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَص : هُوَ التَّسْبِيح فِي أَدْبَار السُّجُود . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ وَهُوَ الْأَقْوَى فِي النَّظَر . وَفِي صَحِيح الْحَدِيث : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول فِي دُبُر الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة ( لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ لَهُ الْمُلْك وَلَهُ الْحَمْد وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير اللَّهُمَّ لَا مَانِع لِمَا أَعْطَيْت وَلَا مُعْطِي لِمَا مَنَعْت وَلَا يَنْفَع ذَا الْجَدّ مِنْك الْجَدّ ) وَقِيلَ : إِنَّهُ مَنْسُوخ بِالْفَرَائِضِ فَلَا يَجِب عَلَى أَحَد إِلَّا خَمْس صَلَوَات , نَقَلَ ذَلِكَ الْجَمَاعَة . قَرَأَ نَافِع وَابْن كَثِير وَحَمْزَة " وَإِدْبَار السُّجُود " بِكَسْرِ الْهَمْزَة عَلَى الْمَصْدَر مِنْ أَدْبَرَ الشَّيْء إِدْبَارًا إِذَا وَلَّى . الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا جَمْع دُبُر . وَهِيَ قِرَاءَة عَلِيّ وَابْن عَبَّاس , وَمِثَالهَا طُنُب وَأَطْنَاب , أَوْ دُبْر كَقُفْلٍ وَأَقْفَال . وَقَدْ اِسْتَعْمَلُوهُ ظَرْفًا نَحْو جِئْتُك فِي دُبُر الصَّلَاة وَفِي أَدْبَار الصَّلَاة . وَلَا خِلَاف فِي آخِر " وَالطُّور " . " وَإِدْبَار النُّجُوم " [ الطُّور : 49 ] أَنَّهُ بِالْكَسْرِ مَصْدَر , وَهُوَ ذَهَاب ضَوْئِهَا إِذَا طَلَعَ الْفَجْر الثَّانِي , وَهُوَ الْبَيَاض الْمُنْشَقّ مِنْ سَوَاد اللَّيْل .'; $TAFSEER['4']['50']['41'] = 'مَفْعُول الِاسْتِمَاع مَحْذُوف ; أَيْ اِسْتَمِعْ النِّدَاء وَالصَّوْت أَوْ الصَّيْحَة وَهِيَ صَيْحَة الْقِيَامَة , وَهِيَ النَّفْخَة الثَّانِيَة , وَالْمُنَادِي جِبْرِيل . وَقِيلَ : إِسْرَافِيل . الزَّمَخْشَرِيّ : وَقِيلَ إِسْرَافِيل يَنْفُخ وَجِبْرِيل يُنَادِي , فَيُنَادِي بِالْحَشْرِ وَيَقُول : هَلُمُّوا إِلَى الْحِسَاب فَالنِّدَاء عَلَى هَذَا فِي الْمَحْشَر . وَقِيلَ : وَاسْتَمِعْ نِدَاء الْكُفَّار بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور مِنْ مَكَان قَرِيب , أَيْ يَسْمَع الْجَمِيع فَلَا يَبْعُد أَحَد عَنْ ذَلِكَ النِّدَاء . قَالَ عِكْرِمَة : يُنَادِي مُنَادِي الرَّحْمَن فَكَأَنَّمَا يُنَادِي فِي آذَانهمْ . وَقِيلَ : الْمَكَان الْقَرِيب صَخْرَة بَيْت الْمَقْدِس . وَيُقَال : إِنَّهَا وَسَط الْأَرْض وَأَقْرَب الْأَرْض مِنْ السَّمَاء بِاثْنَيْ عَشَر مِيلًا . وَقَالَ كَعْب : بِثَمَانِيَة عَشَر مِيلًا , ذَكَرَ الْأَوَّل الْقُشَيْرِيّ والزَّمَخْشَرِيّ , وَالثَّانِي الْمَاوَرْدِيّ . فَيَقِف جِبْرِيل أَوْ إِسْرَافِيل عَلَى الصَّخْرَة فَيُنَادِي بِالْحَشْرِ : أَيَّتهَا الْعِظَام الْبَالِيَة , وَالْأَوْصَال الْمُتَقَطِّعَة , وَيَا عِظَامًا نَخِرَة , وَيَا أَكْفَانًا فَانِيَة , وَيَا قُلُوبًا خَاوِيَة , وَيَا أَبْدَانًا فَاسِدَة , وَيَا عُيُونًا سَائِلَة , قُومُوا لِعَرْضِ رَبّ الْعَالَمِينَ . قَالَ قَتَادَة : هُوَ إِسْرَافِيل صَاحِب الصُّور .'; $TAFSEER['4']['50']['42'] = 'يَعْنِي صَيْحَة الْبَعْث . وَمَعْنَى " الْخُرُوج " الِاجْتِمَاع إِلَى الْحِسَاب . أَيْ يَوْم الْخُرُوج مِنْ الْقُبُور .'; $TAFSEER['4']['50']['43'] = 'نُمِيت الْأَحْيَاء وَنُحْيِي الْمَوْتَى , أَثْبَتَ هُنَا الْحَقِيقَة'; $TAFSEER['4']['50']['44'] = 'إِلَى الْمُنَادِي صَاحِب الصُّور إِلَى بَيْت الْمَقْدِس . أَيْ هَيِّن سَهْل . وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ " تَشَقَّق " بِتَخْفِيفِ الشِّين عَلَى حَذْف التَّاء الْأُولَى . الْبَاقُونَ بِإِدْغَامِ التَّاء فِي الشِّين . وَأَثْبَتَ اِبْن مُحَيْصِن وَابْن كَثِير وَيَعْقُوب يَاء " الْمُنَادِي " فِي الْحَالَيْنِ عَلَى الْأَصْل , وَأَثْبَتَهَا نَافِع وَأَبُو عَمْرو فِي الْوَصْل لَا غَيْر , وَحَذَفَ الْبَاقُونَ فِي الْحَالَيْنِ . قُلْت : وَقَدْ زَادَتْ السُّنَّة هَذِهِ الْآيَة بَيَانًا ; فَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ مُعَاوِيَة بْن حَيْدَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث ذَكَرَهُ قَالَ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّام فَقَالَ : ( مِنْ هَاهُنَا إِلَى هَاهُنَا تُحْشَرُونَ رُكْبَانًا وَمُشَاة وَتُجَرُّونَ عَلَى وُجُوهكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى أَفْوَاهكُمْ الْفِدَام تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّة أَنْتُمْ خَيْرهمْ وَأَكْرَمهُمْ عَلَى اللَّه وَإِنَّ أَوَّل مَا يُعْرِب عَنْ أَحَدكُمْ فَخِذه ) فِي رِوَايَة أُخْرَى ( فَخِذه وَكَفّه ) وَخَرَّجَ عَلِيّ بْن مَعْبَد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث ذَكَرَهُ : ثُمَّ يَقُول - يَعْنِي اللَّه تَعَالَى - لِإِسْرَافِيل : ( اُنْفُخْ نَفْخَة الْبَعْث فَيَنْفُخ فَتَخْرُج الْأَرْوَاح كَأَمْثَالِ النَّحْل قَدْ مَلَأَتْ مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض فَيَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَيَرْجِعَنَّ كُلّ رُوح إِلَى جَسَده فَتَدْخُل الْأَرْوَاح فِي الْأَرْض إِلَى الْأَجْسَاد ثُمَّ تَدْخُل فِي الْخَيَاشِيم فَتَمْشِي فِي الْأَجْسَاد مَشْي السُّمّ فِي اللَّدِيغ ثُمَّ تَنْشَقّ الْأَرْض عَنْكُمْ وَأَنَا أَوَّل مَنْ تَنْشَقّ عَنْهُ الْأَرْض فَتَخْرُجُونَ مِنْهَا شَبَابًا كُلّكُمْ أَبْنَاء ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَاللِّسَان يَوْمئِذٍ بِالسُّرْيَانِيَّةِ ) وَذَكَرَ الْحَدِيث , وَقَدْ ذَكَرْنَا جَمِيع هَذَا وَغَيْره فِي " التَّذْكِرَة " مُسْتَوْفًى وَالْحَمْد لِلَّهِ .'; $TAFSEER['4']['50']['45'] = 'أَيْ مِنْ تَكْذِيبك وَشَتْمك . أَيْ بِمُسَلَّطٍ تُجْبِرهُمْ عَلَى الْإِسْلَام ; فَتَكُون الْآيَة مَنْسُوخَة بِالْأَمْرِ بِالْقِتَالِ . وَالْجَبَّار مِنْ الْجَبْرِيَّة وَالتَّسَلُّط إِذْ لَا يُقَال جَبَّار بِمَعْنَى مُجْبِر , كَمَا لَا يُقَال خَرَّاج بِمَعْنَى مُخْرِج ; حَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ . النَّحَّاس : وَقِيلَ مَعْنَى جَبَّار لَسْت تُجْبِرهُمْ , وَهُوَ خَطَأ لِأَنَّهُ لَا يَكُون فَعَّال مِنْ أَفَعَلَ . وَحَكَى , الثَّعْلَبِيّ : وَقَالَ ثَعْلَب قَدْ جَاءَتْ أَحْرُف فَعَّال بِمَعْنَى مُفْعِل وَهِيَ شَاذَّة , جَبَّار بِمَعْنَى مُجْبِر , وَدَرَّاك بِمَعْنَى مُدْرِك , وَسَرَّاع بِمَعْنَى مُسْرِع , وَبَكَّاء بِمَعْنَى مُبْكٍ , وَعَدَّاء بِمَعْنَى مُعْدٍ . وَقَدْ قُرِئَ " وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيل الرَّشَّاد " [ غَافِر : 29 ] بِتَشْدِيدِ الشِّين بِمَعْنَى الْمُرْشِد وَهُوَ مُوسَى . وَقِيلَ : هُوَ اللَّه . وَكَذَلِكَ قُرِئَ " أَمَّا السَّفِينَة فَكَانَتْ لِمَسَّاكِينَ " [ الْكَهْف : 79 ] يَعْنِي مُمْسِكِينَ . وَقَالَ أَبُو حَامِد الْخَارْزَنْجِيّ : تَقُول الْعَرَب : سَيْف سَقَّاط بِمَعْنَى مُسْقِط . وَقِيلَ : " بِجَبَّارٍ " بِمُسَيْطِرٍ كَمَا فِي الْغَاشِيَة " لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ " [ الْغَاشِيَة : 21 ] . وَقَالَ الْفَرَّاء : سَمِعْت مِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول جَبَرَهُ عَلَى الْأَمْر أَيْ قَهَرَهُ , فَالْجَبَّار مِنْ هَذِهِ اللُّغَة بِمَعْنَى الْقَهْر صَحِيح . قِيلَ : الْجَبَّار مِنْ قَوْلهمْ جَبَرْته عَلَى الْأَمْر أَيْ أَجْبَرْته وَهِيَ لُغَة كِنَانِيَّة وَهُمَا لُغَتَانِ . الْجَوْهَرِيّ : وَأَجْبَرْته عَلَى الْأَمْر أَكْرَهْته عَلَيْهِ , وَأَجْبَرْته أَيْضًا نَسَبْته إِلَى الْجَبْر , كَمَا تَقُول أَكَفَرْته إِذَا نَسَبْته إِلَى الْكُفْر . قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَالُوا يَا رَسُول اللَّه لَوْ خَوَّفْتنَا فَنَزَلَتْ : " فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَاف وَعِيد " أَيْ مَا أَعْدَدْته لِمَنْ عَصَانِي مِنْ الْعَذَاب ; فَالْوَعِيد الْعَذَاب وَالْوَعْد الثَّوَاب , قَالَ الشَّاعِر : وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْته أَوْ وَعَدْته لَمُخْلِف إِيعَادِي وَمُنْجِز مَوْعِدِي وَكَانَ قَتَادَة يَقُول : اللَّهُمَّ اِجْعَلْنَا مِمَّنْ يَخَاف وَعِيدك وَيَرْجُو مَوْعِدك . وَأَثْبَتَ الْيَاء فِي " وَعِيدِي " يَعْقُوب فِي الْحَالَيْنِ , وَأَثْبَتَهَا وَرْش فِي الْوَصْل دُون الْوَقْف , وَحَذَفَ الْبَاقُونَ فِي الْحَالَيْنِ . وَاَللَّه أَعْلَم . تَمَّ تَفْسِير سُورَة " ق " وَالْحَمْد لِلَّهِ .'; $TAFSEER['4']['51']['1'] = 'قَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن نَاجِيَة , حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , حَدَّثَنَا مَكِّيّ بْن إِبْرَاهِيم , حَدَّثَنَا الْجُعَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ يَزِيد بْن خَصِيفَة , عَنْ السَّائِب بْن يَزِيد أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : إِنِّي مَرَرْت بِرَجُلٍ يَسْأَل عَنْ تَفْسِير مُشْكِل الْقُرْآن , فَقَالَ عُمَر : اللَّهُمَّ أَمْكِنِّي مِنْهُ ; فَدَخَلَ الرَّجُل عَلَى عُمَر يَوْمًا وَهُوَ لَابِس ثِيَابًا وَعِمَامَة وَعُمَر يَقْرَأ الْقُرْآن , فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُل فَقَالَ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَا " الذَّارِيَات ذَرْوًا " فَقَامَ عُمَر فَحَسِرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ وَجَعَلَ يَجْلِدهُ , ثُمَّ قَالَ : أَلْبِسُوهُ ثِيَابه وَاحْمِلُوهُ عَلَى قَتَب وَأَبْلِغُوا بِهِ حَيّه , ثُمَّ لْيَقُمْ خَطِيبًا فَلْيَقُلْ : إِنَّ صَبِيغًا طَلَبَ الْعِلْم فَأَخْطَأَهُ , فَلَمْ يَزَلْ وَضِيعًا فِي قَوْمه بَعْد أَنْ كَانَ سَيِّدًا فِيهِمْ . وَعَنْ عَامِر بْن وَاثِلَة أَنَّ ابْن الْكَوَّاء سَأَلَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فَقَالَ : يَا أَمِير الْمُومِنِينَ مَا " الذَّارِيَات ذَرْوًا " قَالَ : وَيْلك سَلْ تَفَقُّهًا وَلَا تَسْأَل تَعَنُّتًا " وَالذَّارِيَات ذَرْوًا " الرِّيَاح " فَالْحَامِلَات وِقْرًا " السَّحَاب " فَالْجَارِيَات يُسْرًا " السُّفُن " فَالْمُقَسِّمَات أَمْرًا " الْمَلَائِكَة . وَرَوَى الْحَارِث عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " وَالذَّارِيَات ذَرْوًا " قَالَ : الرِّيَاح " فَالْحَامِلَات وِقْرًا " قَالَ : السَّحَاب تَحْمِل الْمَاء كَمَا تَحْمِل ذَوَات الْأَرْبَع الْوِقْر " فَالْجَارِيَات يُسْرًا " قَالَ 0 : السُّفُن مُوقَرَة " فَالْمُقَسِّمَات أَمْرًا " قَالَ : الْمَلَائِكَة تَأْتِي بِأَمْرٍ مُخْتَلِف ; جِبْرِيل بِالْغِلْظَةِ , وَمِيكَائِيل صَاحِب الرَّحْمَة , وَمَلَك الْمَوْت يَأْتِي بِالْمَوْتِ . وَقَالَ الْفَرَّاء : وَقِيلَ تَأْتِي بِأَمْرٍ مُخْتَلِف مِنْ الْخِصْب وَالْجَدْب وَالْمَطَر وَالْمَوْت وَالْحَوَادِث . وَيُقَال : ذَرَتْ الرِّيح التُّرَاب تَذْرُوهُ ذَرْوًا وَتَذْرِيهِ ذَرْيًا . ثُمَّ قِيلَ : " وَالذَّارِيَات " وَمَا بَعْده أَقْسَام , وَإِذَا أَقْسَمَ الرَّبّ بِشَيْءٍ أَثْبَتَ لَهُ شَرَفًا . وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَرَبّ الذَّارِيَات , وَالْجَوَاب " إِنَّمَا تُوعَدُونَ "'; $TAFSEER['4']['51']['2'] = 'وَعَنْ عَامِر بْن وَاثِلَة أَنَّ اِبْن الْكَوَّاء سَأَلَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فَقَالَ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَا " الذَّارِيَات ذَرْوًا " قَالَ : وَيْلك سَلْ تَفَقُّهًا وَلَا تَسْأَل تَعَنُّتًا " وَالذَّارِيَات ذَرْوًا " الرِّيَاح " فَالْحَامِلَات وِقْرًا " السَّحَاب " فَالْجَارِيَات يُسْرًا " السُّفُن " فَالْمُقَسِّمَات أَمْرًا " الْمَلَائِكَة . وَرَوَى الْحَارِث عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " وَالذَّارِيَات ذَرْوًا " قَالَ : الرِّيَاح " فَالْحَامِلَات وِقْرًا " قَالَ : السَّحَاب تَحْمِل الْمَاء كَمَا تَحْمِل ذَوَات الْأَرْبَع الْوِقْر " فَالْجَارِيَات يُسْرًا " قَالَ : السُّفُن مُوقَرَة " فَالْمُقَسِّمَات أَمْرًا " قَالَ : الْمَلَائِكَة تَأْتِي بِأَمْرٍ مُخْتَلِف ; جِبْرِيل بِالْغِلْظَةِ , وَمِيكَائِيل صَاحِب الرَّحْمَة , وَمَلَك الْمَوْت يَأْتِي بِالْمَوْتِ . وَقَالَ الْفَرَّاء : وَقِيلَ تَأْتِي بِأَمْرٍ مُخْتَلِف مِنْ الْخِصْب وَالْجَدْب وَالْمَطَر وَالْمَوْت وَالْحَوَادِث . وَيُقَال : ذَرَتْ الرِّيح التُّرَاب تَذْرُوهُ ذَرْوًا وَتَذْرِيهِ ذَرْيًا . ثُمَّ قِيلَ : " وَالذَّارِيَات " وَمَا بَعْده أَقْسَام , وَإِذَا أَقْسَمَ الرَّبّ بِشَيْءٍ أَثْبَتَ لَهُ شَرَفًا . وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَرَبّ الذَّارِيَات , وَالْجَوَاب " إِنَّمَا تُوعَدُونَ "'; $TAFSEER['4']['51']['3'] = 'وَعَنْ عَامِر بْن وَاثِلَة أَنَّ اِبْن الْكَوَّاء سَأَلَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فَقَالَ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَا " الذَّارِيَات ذَرْوًا " قَالَ : وَيْلك سَلْ تَفَقُّهًا وَلَا تَسْأَل تَعَنُّتًا " وَالذَّارِيَات ذَرْوًا " الرِّيَاح " فَالْحَامِلَات وِقْرًا " السَّحَاب " فَالْجَارِيَات يُسْرًا " السُّفُن " فَالْمُقَسِّمَات أَمْرًا " الْمَلَائِكَة . وَرَوَى الْحَارِث عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " وَالذَّارِيَات ذَرْوًا " قَالَ : الرِّيَاح " فَالْحَامِلَات وِقْرًا " قَالَ : السَّحَاب تَحْمِل الْمَاء كَمَا تَحْمِل ذَوَات الْأَرْبَع الْوِقْر " فَالْجَارِيَات يُسْرًا " قَالَ : السُّفُن مُوقَرَة " فَالْمُقَسِّمَات أَمْرًا " قَالَ : الْمَلَائِكَة تَأْتِي بِأَمْرٍ مُخْتَلِف ; جِبْرِيل بِالْغِلْظَةِ , وَمِيكَائِيل صَاحِب الرَّحْمَة , وَمَلَك الْمَوْت يَأْتِي بِالْمَوْتِ . وَقَالَ الْفَرَّاء : وَقِيلَ تَأْتِي بِأَمْرٍ مُخْتَلِف مِنْ الْخِصْب وَالْجَدْب وَالْمَطَر وَالْمَوْت وَالْحَوَادِث . وَيُقَال : ذَرَتْ الرِّيح التُّرَاب تَذْرُوهُ ذَرْوًا وَتَذْرِيهِ ذَرْيًا . ثُمَّ قِيلَ : " وَالذَّارِيَات " وَمَا بَعْده أَقْسَام , وَإِذَا أَقْسَمَ الرَّبّ بِشَيْءٍ أَثْبَتَ لَهُ شَرَفًا . وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَرَبّ الذَّارِيَات , وَالْجَوَاب " إِنَّمَا تُوعَدُونَ "'; $TAFSEER['4']['51']['4'] = 'وَعَنْ عَامِر بْن وَاثِلَة أَنَّ اِبْن الْكَوَّاء سَأَلَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فَقَالَ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَا " الذَّارِيَات ذَرْوًا " قَالَ : وَيْلك سَلْ تَفَقُّهًا وَلَا تَسْأَل تَعَنُّتًا " وَالذَّارِيَات ذَرْوًا " الرِّيَاح " فَالْحَامِلَات وِقْرًا " السَّحَاب " فَالْجَارِيَات يُسْرًا " السُّفُن " فَالْمُقَسِّمَات أَمْرًا " الْمَلَائِكَة . وَرَوَى الْحَارِث عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " وَالذَّارِيَات ذَرْوًا " قَالَ : الرِّيَاح " فَالْحَامِلَات وِقْرًا " قَالَ : السَّحَاب تَحْمِل الْمَاء كَمَا تَحْمِل ذَوَات الْأَرْبَع الْوِقْر " فَالْجَارِيَات يُسْرًا " قَالَ : السُّفُن مُوقَرَة " فَالْمُقَسِّمَات أَمْرًا " قَالَ : الْمَلَائِكَة تَأْتِي بِأَمْرٍ مُخْتَلِف ; جِبْرِيل بِالْغِلْظَةِ , وَمِيكَائِيل صَاحِب الرَّحْمَة , وَمَلَك الْمَوْت يَأْتِي بِالْمَوْتِ . وَقَالَ الْفَرَّاء : وَقِيلَ تَأْتِي بِأَمْرٍ مُخْتَلِف مِنْ الْخِصْب وَالْجَدْب وَالْمَطَر وَالْمَوْت وَالْحَوَادِث . وَيُقَال : ذَرَتْ الرِّيح التُّرَاب تَذْرُوهُ ذَرْوًا وَتَذْرِيهِ ذَرْيًا . ثُمَّ قِيلَ : " وَالذَّارِيَات " وَمَا بَعْده أَقْسَام , وَإِذَا أَقْسَمَ الرَّبّ بِشَيْءٍ أَثْبَتَ لَهُ شَرَفًا . وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَرَبّ الذَّارِيَات , وَالْجَوَاب " إِنَّمَا تُوعَدُونَ "'; $TAFSEER['4']['51']['5'] = 'أَيْ الَّذِي تُوعَدُونَهُ مِنْ الْخَيْر وَالشَّرّ وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب لَا كَذِب فِيهِ ; وَمَعْنَى " لَصَادِق " لَصِدْق ; وَقَعَ الِاسْم مَوْقِع الْمَصْدَر .'; $TAFSEER['4']['51']['6'] = 'يَعْنِي الْجَزَاء نَازِل بِكُمْ . ثُمَّ اِبْتَدَأَ قَسَمًا آخَر فَقَالَ : " وَالسَّمَاء ذَات الْحُبُك . إِنَّكُمْ لَفِي قَوْل مُخْتَلِف " [ الذَّارِيَات : 7 - 8 ] وَقِيلَ إِنَّ الذَّارِيَات النِّسَاء الْوَلُودَات لِأَنَّ فِي ذِرَايَتِهِنَّ ذَرْو الْخَلْق ; لِأَنَّهُنَّ يَذْرِينَ الْأَوْلَاد فَصِرْنَ ذَارِيَات ; وَأَقْسَمَ بِهِنَّ لِمَا فِي تَرَائِبهنَّ مِنْ خِيرَة عِبَاده الصَّالِحِينَ . وَخَصَّ النِّسَاء بِذَلِكَ دُون الرِّجَال وَإِنْ كَانَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا ذَارِيًا لِأَمْرَيْنِ : أَحَدهمَا لِأَنَّهُنَّ أَوْعِيَة دُون الرِّجَال , فَلِاجْتِمَاعِ الذَّرْوَيْنِ فِيهِنَّ خُصِصْنَ بِالذِّكْرِ . الثَّانِي : أَنَّ الذَّرْو فِيهِنَّ أَطْوَل زَمَانًا , وَهُنَّ بِالْمُبَاشَرَةِ أَقْرَب عَهْدًا . " فَالْحَامِلَات وِقْرًا " السَّحَاب . وَقِيلَ : الْحَامِلَات مِنْ النِّسَاء إِذَا ثَقُلْنَ بِالْحَمْلِ . وَالْوِقْر بِكَسْرِ الْوَاو ثِقْل الْحِمْل عَلَى ظَهْر أَوْ فِي بَطْن , يُقَال : جَاءَ يَحْمِل وِقْره وَقَدْ أَوْقَرَ بَعِيره . وَأَكْثَر مَا يَسْتَعْمِل الْوِقْر فِي حَمْل الْبَغْل وَالْحِمَار , وَالْوَسْق فِي حِمْل الْبَعِير . وَهَذِهِ اِمْرَأَة مُوقَرَة بِفَتْحِ الْقَاف إِذَا حَمَلَتْ حَمْلًا ثَقِيلًا . وَأَوْقَرَتْ النَّخْلَةُ كَثُرَ حَمْلهَا ; يُقَال : نَخْلَة مُوقِرَة وَمُوقِر وَمُوقَرَة , وَحُكِيَ مُوقَر وَهُوَ عَلَى غَيْر الْقِيَاس , لِأَنَّ الْفِعْل لِلنَّخْلَةِ . وَإِنَّمَا قِيلَ : مُوقِر بِكَسْرِ الْقَاف عَلَى قِيَاس قَوْلك اِمْرَأَة حَامِل , لِأَنَّ حَمْل الشَّجَر مُشَبَّه بِحَمْلِ النِّسَاء ; فَأَمَّا مُوقَر بِالْفَتْحِ فَشَاذّ , وَقَدْ رُوِيَ فِي قَوْل لَبِيد يَصِف نَخِيلًا : عَصَبٌ كَوَارِعُ فِي خَلِيج مُحَلِّم حَمَلَتْ فَمِنْهَا مُوقَرٌ مَكْمُومُ وَالْجَمْع مَوَاقِر . فَأَمَّا الْوَقْر بِالْفَتْحِ فَهُوَ ثِقَل الْأُذُن , وَقَدْ وَقِرَتْ أُذُنه تَوْقَر وَقْرًا أَيْ صُمَّتْ , وَقِيَاس مَصْدَره التَّحْرِيك إِلَّا أَنَّهُ جَاءَ بِالتَّسْكِينِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْأَنْعَام " الْقَوْل فِيهِ . " فَالْجَارِيَات يُسْرًا " السُّفُن تَجْرِي بِالرِّيَاحِ يُسْرًا إِلَى حَيْثُ سُيِّرَتْ . وَقِيلَ : السَّحَاب ; وَفِي جَرْيهَا يُسْرًا عَلَى هَذَا الْقَوْل وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : إِلَى حَيْثُ يُسَيِّرهَا اللَّه تَعَالَى مِنْ الْبِلَاد وَالْبِقَاع . الثَّانِي : هُوَ سُهُولَة تَسْيِيرهَا ; وَذَلِكَ مَعْرُوف عِنْد الْعَرَب , كَمَا قَالَ الْأَعْشَى : كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْت جَارَتهَا مَشْي السَّحَابَة لَا رَيْث وَلَا عَجَل'; $TAFSEER['4']['51']['7'] = 'قِيلَ : الْمُرَاد بِالسَّمَاءِ هَاهُنَا السُّحُب الَّتِي تُظِلّ الْأَرْض . وَقِيلَ : السَّمَاء الْمَرْفُوعَة . اِبْن عُمَر : هِيَ السَّمَاء السَّابِعَة ; ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ وَالثَّعْلَبِيّ وَالْمَاوَرْدِيّ وَغَيْرهمْ . وَفِي " الْحُبُك " أَقْوَال سَبْعَة : الْأَوَّل : قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَمُجَاهِد وَالرَّبِيع : ذَات الْخَلْق الْحَسَن الْمُسْتَوِي . وَقَالَهُ عِكْرِمَة ; قَالَ : أَلَمْ تَرَ إِلَى النَّسَّاج إِذَا نَسَجَ الثَّوْب فَأَجَادَ نَسْجه ; يُقَال مِنْهُ حَبَكَ الثَّوْب يَحْبِكُهُ بِالْكَسْرِ حَبْكًا أَيْ أَجَادَ نَسْجه . قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : كُلّ شَيْء أَحْكَمْته وَأَحْسَنْت عَمَله فَقَدْ اِحْتَبَكْتهُ . وَالثَّانِي : ذَات الزِّينَة ; قَالَهُ الْحَسَن وَسَعِيد بْن جُبَيْر , وَعَنْ , الْحَسَن أَيْضًا : ذَات النُّجُوم وَهُوَ الثَّالِث . الرَّابِع : قَالَ الضَّحَّاك : ذَات الطَّرَائِق ; يُقَال لِمَا تَرَاهُ فِي الْمَاء وَالرَّمْل إِذَا أَصَابَتْهُ الرِّيح حُبُك . وَنَحْوه قَوْل الْفَرَّاء ; قَالَ : الْحُبُك تَكَسُّر كُلّ شَيْء كَالرَّمْلِ إِذَا مَرَّتْ بِهِ الرِّيح السَّاكِنَة , وَالْمَاء الْقَائِم إِذَا مَرَّتْ بِهِ الرِّيح , وَدِرْع الْحَدِيد لَهَا حُبُك , وَالشَّعْرَة الْجَعْدَة تَكَسُّرهَا حُبُك . وَفِي حَدِيث الدَّجَّال : أَنَّ شَعْره حُبُك . قَالَ زُهَيْر : مُكَلَّل بِأُصُولِ النَّجْم تَنْسِجهُ رِيح خَرِيق لِضَاحِي مَائِهِ حُبُكُ وَلَكِنَّهَا تَبْعُد مِنْ الْعِبَاد فَلَا يَرَوْنَهَا . الْخَامِس - ذَات الشِّدَّة , قَالَهُ اِبْن زَيْد , وَقَرَأَ " وَبَنَيْنَا فَوْقكُمْ سَبْعًا شِدَادًا " [ النَّبَأ : 12 ] . وَالْمَحْبُوك الشَّدِيد الْخَلْق مِنْ الْفَرَس وَغَيْره , قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : قَدْ غَدَا يَحْمِلنِي فِي أَنْفه لَاحِق الْإِطْلَيْنِ مَحْبُوك مُمَرْ وَقَالَ آخَر : مَرِجَ الدِّينَ فَأَعْدَدْت لَهُ مُشْرِف الْحَارِك مَحْبُوك الْكَتَدْ وَفِي الْحَدِيث : أَنَّ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا كَانَتْ تَحْتَبِك تَحْت الدِّرْع فِي الصَّلَاة ; أَيْ تَشُدّ الْإِزَار وَتُحْكِمهُ . السَّادِس : ذَات الصَّفَاقَة ; قَالَهُ خُصَيْف , وَمِنْهُ ثَوْب صَفِيق وَوَجْه صَفِيق بَيِّن الصَّفَاقَة . السَّابِع : أَنَّ الْمُرَاد بِالطُّرُقِ الْمَجَرَّة الَّتِي فِي السَّمَاء ; سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا كَأَثَرِ الْمَجَرّ . و " الْحُبُك " جَمْع حِبَاك , قَالَ الرَّاجِز : كَأَنَّمَا جَلَّلَهَا الْحُوَّاك طِنْفِسَة فِي وَشْيهَا حِبَاك وَالْحِبَاك وَالْحَبِيكَة الطَّرِيقَة فِي الرَّمْل وَنَحْوه . وَجَمْع الْحِبَاك حُبُك وَجَمْع الْحَبِيكَة حَبَائِك , وَالْحَبَكَة مِثْل الْعَبَكَة وَهِيَ الْحَبَّة مِنْ السَّوِيق , عَنْ الْجَوْهَرِيّ . وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : " ذَات الْحُبُك " " الْحُبْك " و " الْحِبِك " و " الْحِبْك " و " الْحِبَك " و " الْحِبُك " وَقَرَأَ أَيْضًا " الْحُبُك " كَالْجَمَاعَةِ . وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَة وَأَبِي مِجْلَزٍ " الْحُبُك " . و " الْحُبُك " وَاحِدَتهَا حَبِيكَة ; " وَالْحُبْك " مُخَفَّف مِنْهُ . و " الْحِبَك " وَاحِدَتهَا حِبْكَة . وَمَنْ قَرَأَ " الْحُبَك " فَالْوَاحِدَة حُبْكَة كَبُرْقَةٍ وَبُرَق أَوْ حُبُكَة كَظُلُمَةٍ وَظُلَم . وَمَنْ قَرَأَ " الْحِبِك " فَهُوَ كَإِبِلٍ وَإِطِل و " الْحِبْك " مُخَفَّفَة مِنْهُ . وَمَنْ قَرَأَ " الْحِبُك " فَهُوَ شَاذّ إِذْ لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب فِعُل , وَهُوَ مَحْمُول عَلَى تَدَاخُل اللُّغَات , كَأَنَّهُ كَسَرَ الْحَاء لِيَكْسِر الْبَاء ثُمَّ تَصَوَّرَ " الْحُبُك " فَضَمَّ الْبَاء . وَقَالَ جَمِيعه الْمَهْدَوِيّ .'; $TAFSEER['4']['51']['8'] = 'هَذَا جَوَاب الْقَسَم الَّذِي هُوَ " وَالسَّمَاء " أَيْ إِنَّكُمْ يَا أَهْل مَكَّة " فِي قَوْل مُخْتَلِف " فِي مُحَمَّد وَالْقُرْآن فَمِنْ مُصَدِّق وَمُكَذِّب . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي الْمُقْتَسِمِينَ . وَقِيلَ : اِخْتِلَافهمْ قَوْلهمْ سَاحِر بَلْ شَاعِر بَلْ اِفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ مَجْنُون بَلْ هُوَ كَاهِن بَلْ هُوَ أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ . وَقِيلَ : اِخْتِلَافهمْ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ نَفَى الْحَشْر وَمِنْهُمْ مَنْ شَكَّ فِيهِ . وَقِيلَ : الْمُرَاد عَبَدَة الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام يُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّه خَالِقهمْ وَيَعْبُدُونَ غَيْره .'; $TAFSEER['4']['51']['9'] = 'أَيْ يُصْرَف عَنْ الْإِيمَان بِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآن مَنْ صُرِفَ ; عَنْ الْحَسَن وَغَيْره . وَقِيلَ : الْمَعْنَى يُصْرَف عَنْ الْإِيمَان مَنْ أَرَادَهُ بِقَوْلِهِمْ هُوَ سِحْر وَكِهَانَة وَأَسَاطِير الْأَوَّلِينَ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى يُصْرَف عَنْ ذَلِكَ الِاخْتِلَاف مَنْ عَصَمَهُ اللَّه . أَفَكَهُ يَأْفِكهُ أَفْكًا أَيْ قَلَبَهُ وَصَرَفَهُ عَنْ الشَّيْء ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " أَجِئْتنَا لِتَأْفِكنَا " [ الْأَحْقَاف : 22 ] . وَقَالَ مُجَاهِد : مَعْنَى " يُؤْفَك عَنْهُ مَنْ أُفِكَ " يُؤْفَن عَنْهُ مَنْ أُفِنَ , وَالْأَفْن فَسَاد الْعَقْل . الزَّمَخْشَرِيّ : وَقُرِئَ " يُؤْفَن عَنْهُ مَنْ أُفِنَ " أَيْ يُحْرَمُهُ مَنْ حُرِمَ ; مِنْ أَفَنَ الضَّرْع إِذَا أَنْهَكَهُ حَلْبًا . وَقَالَ قُطْرُب : يُخْدَع عَنْهُ مَنْ خُدِعَ . وَقَالَ الْيَزِيدِيّ : يُدْفَع عَنْهُ مَنْ دُفِعَ . وَالْمَعْنَى وَاحِد وَكُلّه رَاجِع إِلَى مَعْنَى الصَّرْف .'; $TAFSEER['4']['51']['10'] = 'فِي التَّفْسِير : لُعِنَ الْكَذَّابُونَ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ قُتِلَ الْمُرْتَابُونَ ; يَعْنِي الْكَهَنَة . وَقَالَ الْحَسَن : هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَسْنَا نُبْعَث . وَمَعْنَى " قُتِلَ " أَيْ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يَجِب أَنْ يُدْعَى عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ عَلَى أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ . وَقَالَ الْفَرَّاء : مَعْنَى " قُتِلَ " لُعِنَ ; قَالَ : و " الْخَرَّاصُونَ " الْكَذَّابُونَ الَّذِينَ يَتَخَرَّصُونَ بِمَا لَا يَعْلَمُونَ ; فَيَقُولُونَ : إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُون كَذَّاب . سَاحِر شَاعِر ; وَهَذَا دُعَاء عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ مَنْ لَعَنَهُ اللَّه فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْتُول الْهَالِك . قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : عَلَّمَنَا الدُّعَاء عَلَيْهِمْ ; أَيْ قُولُوا : " قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ " وَهُوَ جَمْع خَارِص وَالْخَرْص الْكَذِب وَالْخَرَّاص الْكَذَّاب , وَقَدْ خَرَصَ يَخْرُص بِالضَّمِّ خَرْصًا أَيْ كَذَبَ ; يُقَال : خَرَصَ وَاخْتَرَصَ , وَخَلَقَ وَاخْتَلَقَ , وَبَشَكَ وَابْتَشَكَ , وَسَرَجَ وَاِسْتَرَجَ , وَمَانَ , بِمَعْنَى كَذَبَ ; حَكَاهُ النَّحَّاس . وَالْخَرْص أَيْضًا حَزْر مَا عَلَى النَّخْل مِنْ الرُّطَب تَمْرًا . وَقَدْ خَرَصْت النَّخْل وَالِاسْم الْخِرْص بِالْكَسْرِ ; يُقَال : كَمْ خِرْص نَخْلك وَالْخَرَّاص الَّذِي يَخْرُصهَا فَهُوَ مُشْتَرَك . وَأَصْل الْخُرْص الْقَطْع عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي " الْأَنْعَام " وَمِنْهُ الْخَرِيص لِلْخَلِيجِ ; لِأَنَّهُ يَنْقَطِع إِلَيْهِ الْمَاء , وَالْخُرْص حَبَّة الْقُرْط إِذَا كَانَتْ مُنْفَرِدَة ; لِانْقِطَاعِهَا عَنْ أَخَوَاتهَا , وَالْخُرْص الْعُود ; لِانْقِطَاعِهِ عَنْ نَظَائِره بِطِيبِ رَائِحَته . وَالْخَرِص الَّذِي بِهِ جُوع وَبَرْد لِأَنَّهُ يَنْقَطِع بِهِ , يُقَال : خَرِصَ الرَّجُل بِالْكَسْرِ فَهُوَ خَرِص , أَيْ جَائِع مَقْرُور , وَلَا يُقَال لِلْجُوعِ بِلَا بَرْد خَرَص . وَيُقَال لِلْبَرْدِ بِلَا جُوع خَرَص . وَالْخُرْص بِالضَّمِّ وَالْكَسْر الْحَلْقَة مِنْ الذَّهَب أَوْ الْفِضَّة وَالْجَمْع الْخِرْصَان . وَيَدْخُل فِي الْخَرْص قَوْل الْمُنَجِّمِينَ وَكُلّ مَنْ يَدَّعِي الْحَدْس وَالتَّخْمِين . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هُمْ الْمُقْتَسِمُونَ الَّذِينَ اِقْتَسَمُوا أَعْقَاب مَكَّة , وَاقْتَسَمُوا الْقَوْل فِي نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِيَصْرِفُوا النَّاس عَنْ الْإِيمَان بِهِ .'; $TAFSEER['4']['51']['11'] = 'الْغَمْرَة مَا سَتَرَ الشَّيْء وَغَطَّاهُ . وَمِنْهُ نَهَر غَمْر أَيْ يَغْمُر مَنْ دَخَلَهُ , وَمِنْهُ غَمَرَات الْمَوْت . " سَاهُونَ " أَيْ لَاهُونَ غَافِلُونَ عَنْ أَمْر الْآخِرَة .'; $TAFSEER['4']['51']['12'] = 'أَيْ مَتَى يَوْم الْحِسَاب ; يَقُولُونَ ذَلِكَ اِسْتِهْزَاء وَشَكًّا فِي الْقِيَامَة .'; $TAFSEER['4']['51']['13'] = 'نُصِبَ " يَوْم " عَلَى تَقْدِير الْجَزَاء أَيْ هَذَا الْجَزَاء " يَوْم هُمْ عَلَى النَّار يُفْتَنُونَ " أَيْ يُحْرَقُونَ , وَهُوَ مِنْ قَوْلهمْ : فَتَنْت الذَّهَب أَيْ أَحْرَقْته لِتَخْتَبِرهُ ; وَأَصْل الْفِتْنَة الِاخْتِبَار . وَقِيلَ : إِنَّهُ مَبْنِيّ بُنِيَ لِإِضَافَتِهِ إِلَى غَيْر مُتَمَكِّن , وَمَوْضِعه نُصِبَ عَلَى التَّقْدِير الْمُتَقَدِّم , أَوْ رُفِعَ عَلَى الْبَدَل مِنْ " يَوْم الدِّين " . وَقَالَ الزَّجَّاج : يَقُول يُعْجِبنِي يَوْم أَنْتَ قَائِم وَيَوْم أَنْتَ تَقُوم , وَإِنْ شِئْت فَتَحْت وَهُوَ فِي مَوْضِع رَفْع , فَإِنَّمَا اِنْتَصَبَ هَذَا وَهُوَ فِي الْمَعْنَى رَفْع . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : " يُفْتَنُونَ " يُعَذَّبُونَ . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : كُلّ اِمْرِئٍ مِنْ عِبَاد اللَّه مُضْطَهَد بِبَطْنِ مَكَّة مَقْهُور وَمَفْتُون'; $TAFSEER['4']['51']['14'] = 'أَيْ يُقَال لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابكُمْ ; قَالَهُ اِبْن زَيْد . مُجَاهِد : حَرِيقكُمْ . اِبْن عَبَّاس : أَيْ تَكْذِيبكُمْ يَعْنِي جَزَاءَكُمْ . الْفَرَّاء : أَيْ عَذَابكُمْ فِي الدُّنْيَا . وَقَالَ : " هَذَا " وَلَمْ يَقُلْ هَذِهِ ; لِأَنَّ الْفِتْنَة هُنَا بِمَعْنَى الْعَذَاب .'; $TAFSEER['4']['51']['15'] = 'لَمَّا ذَكَرَ مَآل الْكُفَّار ذَكَرَ مَآل الْمُؤْمِنِينَ أَيْ هُمْ فِي بَسَاتِين فِيهَا عُيُون جَارِيَة عَلَى نِهَايَة مَا يُتَنَزَّه بِهِ .'; $TAFSEER['4']['51']['16'] = '" آخِذِينَ " نُصِبَ عَلَى الْحَال . " مَا آتَاهُمْ رَبّهمْ " أَيْ مَا أَعْطَاهُمْ مِنْ الثَّوَاب وَأَنْوَاع الْكَرَامَات ; قَالَهُ الضَّحَّاك . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر : " آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبّهمْ " أَيْ عَامِلِينَ بِالْفَرَائِضِ . أَيْ قَبْل دُخُولهمْ الْجَنَّة فِي الدُّنْيَا بِالْفَرَائِضِ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمَعْنَى كَانُوا قَبْل أَنْ يُفْرَض عَلَيْهِمْ الْفَرَائِض مُحْسِنِينَ فِي أَعْمَالهمْ .'; $TAFSEER['4']['51']['17'] = 'مَعْنَى " يَهْجَعُونَ " يَنَامُونَ ; وَالْهُجُوع النَّوْم لَيْلًا , وَالتَّهْجَاع النَّوْمَة الْخَفِيفَة ; قَالَ أَبُو قَيْس بْن الْأَسْلَت : قَدْ حَصَّتْ الْبَيْضَة رَأْسِي فَمَا أَطْعَم نَوْمًا غَيْر تَهْجَاعِ وَقَالَ عَمْرو بْن مَعْدِي كَرِبَ يَتَشَوَّق أُخْته وَكَانَ أَسَرَهَا الصِّمَّة أَبُو دُرَيْد بْن الصِّمَّة : أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيع يُؤَرِّقُنِي وَأَصْحَابِي هُجُوعُ يُقَال : هَجَعَ يَهْجَع هُجُوعًا , وَهَبَغَ يَهْبَغ هُبُوغًا بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَة إِذَا نَامَ ; قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ . وَاخْتُلِفَ فِي " مَا " فَقِيلَ : صِلَة زَائِدَة - قَالَهُ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ - وَالتَّقْدِير كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْل يَهْجَعُونَ ; أَيْ يَنَامُونَ قَلِيلًا مِنْ اللَّيْل وَيُصَلُّونَ أَكْثَرَهُ . قَالَ عَطَاء : وَهَذَا لَمَّا أُمِرُوا بِقِيَامِ اللَّيْل . وَكَانَ أَبُو ذَرّ يَحْتَجِز وَيَأْخُذ الْعَصَا فَيَعْتَمِد عَلَيْهَا حَتَّى نَزَلَتْ الرُّخْصَة " قُمْ اللَّيْل إِلَّا قَلِيلًا " [ الْمُزَّمِّل : 2 ] الْآيَة . وَقِيلَ : لَيْسَ " مَا " صِلَة بَلْ الْوَقْف عِنْد قَوْله : " قَلِيلًا " ثُمَّ يَبْتَدِئ " مِنْ اللَّيْل مَا يَهْجَعُونَ " ف " مَا " لِلنَّفْيِ وَهُوَ نَفْي النَّوْم عَنْهُمْ الْبَتَّة . قَالَ الْحَسَن : كَانُوا لَا يَنَامُونَ مِنْ اللَّيْل إِلَّا أَقَلَّهُ وَرُبَّمَا نَشِطُوا فَجَدُّوا إِلَى السَّحَر . رُوِيَ عَنْ يَعْقُوب الْحَضْرَمِيّ أَنَّهُ قَالَ : اِخْتَلَفُوا فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة فَقَالَ بَعْضهمْ : " كَانُوا قَلِيلًا " مَعْنَاهُ كَانَ عَدَدهمْ يَسِيرًا ثُمَّ اِبْتَدَأَ فَقَالَ : " مِنْ اللَّيْل مَا يَهْجَعُونَ " عَلَى مَعْنَى مِنْ اللَّيْل يَهْجَعُونَ ; قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَهَذَا فَاسِد ; لِأَنَّ الْآيَة إِنَّمَا تَدُلّ عَلَى قِلَّة نَوْمهمْ لَا عَلَى قِلَّة عَدَدهمْ , وَبَعْد فَلَوْ اِبْتَدَأْنَا " مِنْ اللَّيْل مَا يَهْجَعُونَ " عَلَى مَعْنَى مِنْ اللَّيْل يَهْجَعُونَ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا مَدْح لَهُمْ ; لِأَنَّ النَّاس كُلّهمْ يَهْجَعُونَ مِنْ اللَّيْل إِلَّا أَنْ تَكُون " مَا " جَحْدًا . قُلْت : وَعَلَى مَا تَأَوَّلَهُ بَعْض النَّاس - وَهُوَ قَوْل الضَّحَّاك - مِنْ أَنَّ عَدَدهمْ كَانَ يَسِيرًا يَكُون الْكَلَام مُتَّصِلًا بِمَا قَبْل مِنْ قَوْله : " إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْل ذَلِكَ مُحْسِنِينَ " أَيْ كَانَ الْمُحْسِنُونَ قَلِيلًا , ثُمَّ اِسْتَأْنَفَ فَقَالَ : " مِنْ اللَّيْل مَا يَهْجَعُونَ " وَعَلَى التَّأْوِيل الْأَوَّل وَالثَّانِي يَكُون " كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْل " خِطَابًا مُسْتَأْنَفًا بَعْد تَمَام مَا تَقَدَّمَهُ وَيَكُون الْوَقْف عَلَى " مَا يَهْجَعُونَ " , وَكَذَلِكَ إِنْ جَعَلْت " قَلِيلًا " خَبَر كَانَ وَتَرْفَع " مَا " بِقَلِيلٍ ; كَأَنَّهُ قَالَ : كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْل هُجُوعهمْ . ف " مَا " يَجُوز أَنْ تَكُون نَافِيَة , وَيَجُوز أَنْ تَكُون مَعَ الْفِعْل مَصْدَرًا , وَيَجُوز أَنْ تَكُون رَفْعًا عَلَى الْبَدَل مِنْ اِسْم كَانَ , التَّقْدِير كَانَ هُجُوعهمْ قَلِيلًا مِنْ اللَّيْل , وَانْتِصَاب قَوْله : " قَلِيلًا " إِنْ قَدَّرْت " مَا " زَائِدَة مُؤَكَّدَة بـ " يَهْجَعُونَ " عَلَى تَقْدِير كَانُوا وَقْتًا قَلِيلًا أَوْ هُجُوعًا قَلِيلًا يَهْجَعُونَ , وَإِنْ لَمْ تُقَدِّر " مَا " زَائِدَة كَانَ قَوْله : " قَلِيلًا " خَبَر كَانَ وَلَمْ يَجُزْ نَصْبه ب " يَهْجَعُونَ " ; لِأَنَّهُ إِذَا قُدِّرَ نَصْبه بـ " يَهْجَعُونَ " مَعَ تَقْدِير " مَا " مَصْدَرًا قُدِّمَتْ الصِّلَة عَلَى الْمَوْصُول . وَقَالَ أَنَس وَقَتَادَة فِي تَأْوِيل الْآيَة : أَيْ كَانُوا يُصَلُّونَ بَيْن الْعِشَاءَيْنِ : الْمَغْرِب وَالْعِشَاء . أَبُو الْعَالِيَة : كَانُوا لَا يَنَامُونَ بَيْن الْعِشَاءَيْنِ . وَقَالَهُ اِبْن وَهْب . وَقَالَ مُجَاهِد : نَزَلَتْ فِي الْأَنْصَار كَانُوا يُصَلُّونَ الْعِشَاءَيْنِ فِي مَسْجِد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَمْضُونَ إِلَى قُبَاء . وَقَالَ مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن : كَانُوا لَا يَنَامُونَ حَتَّى يُصَلُّوا الْعَتَمَة . قَالَ الْحَسَن : كَأَنَّهُ عَدَّ هُجُوعهمْ قَلِيلًا فِي جَنْب يَقَظَتهمْ لِلصَّلَاةِ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُطَرِّف : قَلَّ لَيْلَة لَا تَأْتِي عَلَيْهِمْ إِلَّا يُصَلُّونَ لِلَّهِ فِيهَا إِمَّا مِنْ أَوَّلهَا وَإِمَّا مِنْ وَسَطهَا . رُوِيَ عَنْ بَعْض الْمُتَهَجِّدِينَ أَنَّهُ أَتَاهُ آتٍ فِي مَنَامه فَأَنْشَدَهُ : وَكَيْفَ تَنَامُ اللَّيْلَ عَيْنٌ قَرِيرَةٌ وَلَمْ تَدْرِ فِي أَيِّ الْمَجَالِسِ تَنْزِلُ وَرُوِيَ عَنْ رَجُل مِنْ الْأَزْد أَنَّهُ قَالَ : كُنْت لَا أَنَام اللَّيْل فَنِمْت فِي آخِر اللَّيْل , فَإِذَا أَنَا بِشَابَّيْنِ أَحْسَن مَا رَأَيْت وَمَعَهُمَا حُلَل , فَوَقَفَا عَلَى كُلّ مُصَلٍّ وَكَسَوَاهُ حُلَّة , ثُمَّ اِنْتَهَيَا إِلَى النِّيَام فَلَمْ يَكْسُوَاهُمْ , فَقُلْت لَهُمَا : اُكْسُوَانِي مِنْ حُلَلكُمَا هَذِهِ ; فَقَالَا لِي : إِنَّهَا لَيْسَتْ حُلَّة لِبَاس إِنَّمَا هِيَ رِضْوَان اللَّه يَحُلّ عَلَى كُلّ مُصَلٍّ . وَيُرْوَى عَنْ أَبِي خَلَّاد أَنَّهُ قَالَ : حَدَّثَنِي صَاحِب لِي قَالَ : فَبَيْنَا أَنَا نَائِم ذَات لَيْلَة إِذْ مُثِّلَتْ لِي الْقِيَامَة , فَنَظَرْت إِلَى أَقْوَام مِنْ إِخْوَانِي قَدْ أَضَاءَتْ وُجُوههمْ , وَأَشْرَقَتْ أَلْوَانهمْ , وَعَلَيْهِمْ الْحُلَل مِنْ دُون الْخَلَائِق , فَقُلْت : مَا بَال هَؤُلَاءِ مُكْتَسُونَ وَالنَّاس عُرَاة , وَوُجُوههمْ مُشْرِقَة وَوُجُوه النَّاس مُغْبَرَّة ! فَقَالَ لِي قَائِل : الَّذِينَ رَأَيْتهمْ مُكْتَسُونَ فَهُمْ الْمُصَلُّونَ بَيْن الْأَذَان وَالْإِقَامَة , وَاَلَّذِينَ وُجُوههمْ مُشْرِقَة فَأَصْحَاب السَّهَر وَالتَّهَجُّد , قَالَ : وَرَأَيْت أَقْوَامًا عَلَى نَجَائِب , فَقُلْت : مَا بَال هَؤُلَاءِ رُكْبَانًا وَالنَّاس مُشَاة حُفَاة ؟ فَقَالَ لِي : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَامُوا عَلَى أَقْدَامهمْ تَقَرُّبًا بِاَللَّهِ تَعَالَى فَأَعْطَاهُمْ اللَّه بِذَلِكَ خَيْر الثَّوَاب ; قَالَ : فَصِحْت فِي مَنَامِي : وَاهًا لِلْعَابِدِينَ , مَا أَشْرَفَ مَقَامهمْ ! ثُمَّ اِسْتَيْقَظْت مِنْ مَنَامِي وَأَنَا خَائِف .'; $TAFSEER['4']['51']['18'] = 'مَدْح ثَانٍ ; أَيْ يَسْتَغْفِرُونَ مِنْ ذُنُوبهمْ , قَالَهُ الْحَسَن . وَالسَّحَر وَقْت يُرْجَى فِيهِ إِجَابَة الدُّعَاء . وَقَدْ مَضَى فِي " آل عِمْرَان " الْقَوْل فِيهِ . وَقَالَ اِبْن عُمَر وَمُجَاهِد : أَيْ يُصَلُّونَ وَقْت السَّحَر فَسَمَّوْا الصَّلَاة اِسْتِغْفَارًا . وَقَالَ الْحَسَن فِي قَوْله تَعَالَى : " كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْل مَا يَهْجَعُونَ " مَدُّوا الصَّلَاة مِنْ أَوَّل اللَّيْل إِلَى السَّحَر ثُمَّ اسْتَغْفَرُوا فِي السَّحَر . اِبْن وَهْب : هِيَ فِي الْأَنْصَار ; يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَغْدُونَ مِنْ قُبَاء فَيُصَلُّونَ فِي مَسْجِد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . اِبْن وَهْب عَنْ اِبْن لَهِيعَة عَنْ يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب قَالُوا : كَانُوا يَنْضَحُونَ لِنَاسٍ مِنْ الْأَنْصَار بِالدِّلَاءِ عَلَى الثِّمَار ثُمَّ يَهْجَعُونَ قَلِيلًا , ثُمَّ يُصَلُّونَ آخِر اللَّيْل . الضَّحَّاك : صَلَاة الْفَجْر . قَالَ الْأَحْنَف بْن قَيْس : عَرَضْت عَمَلِي عَلَى أَعْمَال أَهْل الْجَنَّة فَإِذَا قَوْم قَدْ بَايَنُونَا بَوْنًا بَعِيدًا لَا نَبْلُغ أَعْمَالهمْ " كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْل مَا يَهْجَعُونَ " وَعَرَضْت عَمَلِي عَلَى أَعْمَال أَهْل النَّار فَإِذَا قَوْم لَا خَيْر فِيهِمْ , يُكَذِّبُونَ بِكِتَابِ اللَّه وَبِرَسُولِهِ وَبِالْبَعْثِ بَعْد الْمَوْت , فَوَجَدْنَا خَيْرَنَا مَنْزِلَةً قَوْمًا خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا .'; $TAFSEER['4']['51']['19'] = 'مَدْح ثَالِث . قَالَ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ وَقَتَادَة : الْحَقّ هُنَا الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة . وَقِيلَ : إِنَّهُ حَقّ سِوَى الزَّكَاة يَصِل بِهِ رَحِمًا , أَوْ يَقْرِي بِهِ ضَيْفًا , أَوْ يَحْمِل بِهِ كَلًّا , أَوْ يُغْنِي مَحْرُومًا . وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس ; لِأَنَّ السُّورَة مَكِّيَّة وَفُرِضَتْ الزَّكَاة بِالْمَدِينَةِ . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَالْأَقْوَى فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهَا الزَّكَاة ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَة " الْمَعَارِج " : " وَاَلَّذِينَ فِي أَمْوَالهمْ حَقّ مَعْلُوم . لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم " [ الْمَعَارِج : 24 - 25 ] وَالْحَقّ الْمَعْلُوم هُوَ الزَّكَاة الَّتِي بَيَّنَ الشَّرْع قَدْرهَا وَجِنْسهَا وَوَقْتهَا , فَأَمَّا غَيْرهَا لِمَنْ يَقُول بِهِ فَلَيْسَ بِمَعْلُومٍ ; لِأَنَّهُ غَيْر مُقَدَّر وَلَا مُجَنَّس وَلَا مُوَقَّت . قَوْله تَعَالَى : " لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم " السَّائِل الَّذِي يَسْأَل النَّاس لِفَاقَتِهِ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَغَيْرهمَا . " وَالْمَحْرُوم " الَّذِي حُرِمَ الْمَال . وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينه ; فَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَغَيْرهمَا : الْمَحْرُوم الْمُحَارَف الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الْإِسْلَام سَهْم . وَقَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : الْمَحْرُوم الْمُحَارَف الَّذِي لَا يَتَيَسَّر لَهُ مَكْسَبه ; يُقَال : رَجُل مُحَارَف بِفَتْحِ الرَّاء أَيْ مَحْدُود مَحْرُوم , وَهُوَ خِلَاف قَوْلك مُبَارَك . وَقَدْ حُورِفَ كَسْب فُلَان إِذَا شُدِّدَ عَلَيْهِ فِي مَعَاشه كَأَنَّهُ مِيلَ بِرِزْقِهِ عَنْهُ . وَقَالَ قَتَادَة وَالزُّهْرِيّ : الْمَحْرُوم الْمُتَعَفِّف الَّذِي لَا يَسْأَل النَّاس شَيْئًا وَلَا يُعْلَم بِحَاجَتِهِ . وَقَالَ الْحَسَن وَمُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة : الْمَحْرُوم الَّذِي يَجِيء بَعْد الْغَنِيمَة وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا سَهْم . رُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّة فَأَصَابُوا وَغَنِمُوا فَجَاءَ قَوْم بَعْد مَا فَرَغُوا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة " وَفِي أَمْوَالهمْ " . وَقَالَ عِكْرِمَة : الْمَحْرُوم الَّذِي لَا يَبْقَى لَهُ مَال . وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : هُوَ الَّذِي أُصِيبَ ثَمَره أَوْ زَرْعه أَوْ نَسْل مَاشِيَته . وَقَالَ الْقُرَظِيّ : الْمَحْرُوم الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَائِحَة ثُمَّ قَرَأَ " إِنَّا لَمُغْرَمُونَ . بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ " نَظِيره فِي قِصَّة أَصْحَاب الْجَنَّة حَيْثُ قَالُوا : " بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ " [ الْوَاقِعَة : 67 ] وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ : كَانَ رَجُل مِنْ أَهْل الْيَمَامَة لَهُ مَال فَجَاءَ سَيْل فَذَهَبَ بِمَالِهِ , فَقَالَ رَجُل مِنْ أَصْحَابه : هَذَا الْمَحْرُوم فَاقْسِمُوا لَهُ . وَقِيلَ : إِنَّهُ الَّذِي يَطْلُب الدُّنْيَا وَتُدْبِر عَنْهُ . وَهُوَ يُرْوَى عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا . وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن حُمَيْد : الْمَحْرُوم الْمَمْلُوك . وَقِيلَ : إِنَّهُ الْكَلْب ; رُوِيَ أَنَّ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز كَانَ فِي طَرِيق مَكَّة , فَجَاءَ كَلْبٌ فَانْتَزَعَ عُمَر رَحِمَهُ اللَّه كَتِف شَاة فَرَمَى بِهَا إِلَيْهِ وَقَالَ : يَقُولُونَ إِنَّهُ الْمَحْرُوم . وَقِيلَ : إِنَّهُ مَنْ وَجَبَتْ نَفَقَته بِالْفَقْرِ مِنْ ذَوِي الْأَنْسَاب ; لِأَنَّهُ قَدْ حُرِمَ كَسْب نَفْسه حَتَّى وَجَبَتْ نَفَقَته فِي مَال غَيْره . وَرَوَى اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك : أَنَّهُ الَّذِي يُحْرَم الرِّزْق , وَهَذَا قَوْل حَسَن ; لِأَنَّهُ يَعُمّ جَمِيع الْأَقْوَال . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : لِي الْيَوْم سَبْعُونَ سَنَة مُنْذُ اِحْتَلَمْت أَسْأَل عَنْ الْمَحْرُوم فَمَا أَنَا الْيَوْم بِأَعْلَمَ مِنِّي فِيهِ يَوْمئِذٍ . رَوَاهُ شُعْبَة عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل عَنْ الشَّعْبِيّ . وَأَصْله فِي اللُّغَة الْمَمْنُوع ; مِنْ الْحِرْمَان وَهُوَ الْمَنْع . قَالَ عَلْقَمَة : وَمُطْعَم الْغُنْم يَوْمَ الْغُنْم مُطْعَمُهُ أَنَّى تَوَجَّهَ وَالْمَحْرُومُ مَحْرُومُ وَعَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( وَيْل لِلْأَغْنِيَاءِ مِنْ الْفُقَرَاء يَوْم الْقِيَامَة يَقُولُونَ رَبَّنَا ظَلَمُونَا حُقُوقنَا الَّتِي فُرِضَتْ لَنَا عَلَيْهِمْ فَيَقُول اللَّه تَعَالَى وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُقَرِّبَنَّكُمْ وَلَأُبْعِدَنَّهُمْ ) ثُمَّ تَلَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَفِي أَمْوَالهمْ حَقّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم " ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ .'; $TAFSEER['4']['51']['20'] = 'لَمَّا ذَكَرَ أَمْر الْفَرِيقَيْنِ بَيَّنَ أَنَّ فِي الْأَرْض عَلَامَات تَدُلّ عَلَى قُدْرَته عَلَى الْبَعْث وَالنُّشُور ; فَمِنْهَا عَوْد النَّبَات بَعْد أَنْ صَارَ هَشِيمًا , وَمِنْهَا أَنَّهُ قَدَّرَ الْأَقْوَات فِيهَا قِوَامًا لِلْحَيَوَانَاتِ , وَمِنْهَا سَيْرهمْ فِي الْبُلْدَان الَّتِي يُشَاهِدُونَ فِيهَا آثَار الْهَلَاك النَّازِل بِالْأُمَمِ الْمُكَذِّبَة . وَالْمُوقِنُونَ هُمْ الْعَارِفُونَ الْمُحَقِّقُونَ وَحْدَانِيَّة رَبّهمْ , وَصِدْق نُبُوَّة نَبِيّهمْ ; خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِتِلْكَ الْآيَات وَتَدَبُّرهَا .'; $TAFSEER['4']['51']['21'] = 'قِيلَ : التَّقْدِير وَفِي الْأَرْض وَفِي أَنْفُسكُمْ آيَات لِلْمُوقِنِينَ . وَقَالَ قَتَادَة : الْمَعْنَى مَنْ سَارَ فِي الْأَرْض رَأَى آيَات وَعِبَرًا , وَمَنْ تَفَكَّرَ فِي نَفْسه عَلِمَ أَنَّهُ خُلِقَ لِيَعْبُد اللَّه . اِبْن الزُّبَيْر وَمُجَاهِد : الْمُرَاد سَبِيل الْخَلَاء وَالْبَوْل . وَقَالَ السَّائِب بْن شَرِيك : يَأْكُل وَيَشْرَب مِنْ مَكَان وَاحِد وَيُخْرِجُ مِنْ مَكَانَيْنِ ; وَلَوْ شَرِبَ لَبَنًا مَحْضًا لَخَرَجَ مِنْهُ الْمَاء وَمِنْهُ الْغَائِط ; فَتِلْكَ الْآيَة فِي النَّفْس . وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْمَعْنَى أَنَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَاب , وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْع وَالْأَبْصَار وَالْأَفْئِدَة " ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَر تَنْتَشِرُونَ " [ الرُّوم : 20 ] . السُّدِّيّ : " وَفِي أَنْفُسكُمْ " أَيْ فِي حَيَاتكُمْ وَمَوْتكُمْ , وَفِيمَا يَدْخُل وَيَخْرُج مِنْ طَعَامكُمْ . الْحَسَن : وَفِي الْهَرَم بَعْد الشَّبَاب , وَالضَّعْف بَعْد الْقُوَّة , وَالشَّيْب بَعْد السَّوَاد . وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَفِي خَلْق أَنْفُسكُمْ مِنْ نُطْفَة وَعَلَقَة وَمُضْغَة وَلَحْم وَعَظْم إِلَى نَفْخ الرُّوح , وَفِي اِخْتِلَاف الْأَلْسِنَة وَالْأَلْوَان وَالصُّوَر , إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآيَات الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة , وَحَسْبك بِالْقُلُوبِ وَمَا رُكِزَ فِيهَا مِنْ الْعُقُول , وَمَا خُصَّتْ بِهِ مِنْ أَنْوَاع الْمَعَانِي وَالْفُنُون , وَبِالْأَلْسُنِ وَالنُّطْق وَمَخَارِج الْحُرُوف وَالْأَبْصَار وَالْأَطْرَاف وَسَائِر الْجَوَارِح , وَتَأَتِّيهَا لِمَا خُلِقَتْ لَهُ , وَمَا سَوَّى فِي الْأَعْضَاء مِنْ الْمَفَاصِل لِلِانْعِطَافِ وَالتَّثَنِّي , وَأَنَّهُ إِذَا جَسَا شَيْء مِنْهَا جَاءَ الْعَجْز , وَإِذَا اِسْتَرْخَى أَنَاخَ الذُّلّ " فَتَبَارَكَ اللَّه أَحْسَن الْخَالِقِينَ " [ الْمُؤْمِنُونَ : 14 ] . " أَفَلَا تُبْصِرُونَ " يَعْنِي بَصَر الْقَلْب لِيَعْرِفُوا كَمَال قُدْرَته . وَقِيلَ : إِنَّهُ نُجْح الْعَاجِز , وَحِرْمَان الْحَازِم . قُلْت : كُلّ مَا ذُكِرَ مُرَاد فِي الِاعْتِبَار . وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي آيَة التَّوْحِيد مِنْ سُورَة " الْبَقَرَة " أَنَّ مَا فِي بَدَن الْإِنْسَان الَّذِي هُوَ الْعَالَم الصَّغِير شَيْء إِلَّا وَلَهُ نَظِير فِي الْعَالَم الْكَبِير , وَذَكَرْنَا هُنَاكَ مِنْ الِاعْتِبَار مَا يَكْفِي وَيُغْنِي لِمَنْ تَدَبَّرَ .'; $TAFSEER['4']['51']['22'] = 'قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَالضَّحَّاك : الرِّزْق هُنَا مَا يَنْزِل مِنْ السَّمَاء مِنْ مَطَر وَثَلْج يَنْبُت بِهِ الزَّرْع وَيَحْيَا بِهِ الْخَلْق . قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : كُلُّ عَيْن قَائِمَة فَإِنَّهَا مِنْ الثَّلْج . وَعَنْ الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى السَّحَاب قَالَ لِأَصْحَابِهِ : فِيهِ وَاَللَّهِ رِزْقُكُمْ وَلَكِنَّكُمْ تُحْرَمُونَهُ بِخَطَايَاكُمْ . وَقَالَ أَهْل الْمَعَانِي : " وَفِي السَّمَاء رِزْقكُمْ " مَعْنَاهُ وَفِي الْمَطَر رِزْقكُمْ ; سُمِّيَ الْمَطَر سَمَاء لِأَنَّهُ مِنْ السَّمَاء يَنْزِل . قَالَ الشَّاعِر : إِذَا سَقَطَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْم رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : يَعْنِي وَعَلَى رَبّ السَّمَاء رِزْقكُمْ ; نَظِيره : " وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الْأَرْض إِلَّا عَلَى اللَّه رِزْقهَا " [ هُود : 6 ] . وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ : " وَفِي السَّمَاء رِزْقكُمْ " أَيْ عِنْد اللَّه فِي السَّمَاء رِزْقكُمْ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَفِي السَّمَاء تَقْدِير رِزْقكُمْ , وَمَا فِيهِ لَكُمْ مَكْتُوب فِي أُمّ الْكِتَاب . وَعَنْ سُفْيَان قَالَ : قَرَأَ وَاصِل الْأَحْدَب " وَفِي السَّمَاء رِزْقكُمْ " فَقَالَ : أَلَا أَرَى رِزْقِي فِي السَّمَاء وَأَنَا أَطْلُبهُ فِي الْأَرْض ! فَدَخَلَ خَرِبَة فَمَكَثَ ثَلَاثًا لَا يُصِيب شَيْئًا فَإِذَا هُوَ فِي الثَّالِثَة بِدَوْخَلَّةِ رُطَب , وَكَانَ لَهُ أَخ أَحْسَنُ نِيَّة مِنْهُ فَدَخَلَ مَعَهُ فَصَارَتَا دَوْخَلَّتَيْنِ , فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبهمَا حَتَّى فَرَّقَ اللَّه بِالْمَوْتِ بَيْنهمَا . وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن وَمُجَاهِد " وَفِي السَّمَاء رَازِقكُمْ " بِالْأَلِفِ وَكَذَلِكَ فِي آخِرهَا " إِنَّ اللَّه هُوَ الرَّازِق . " وَمَا تُوعَدُونَ " قَالَ مُجَاهِد : يَعْنِي مِنْ خَيْر وَشَرّ . وَقَالَ غَيْره : مِنْ خَيْر خَاصَّة . وَقِيلَ : الشَّرّ خَاصَّة . وَقِيلَ : الْجَنَّة ; عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة . الضَّحَّاك : " وَمَا تُوعَدُونَ " مِنْ الْجَنَّة وَالنَّار . وَقَالَ اِبْن سِيرِينَ : " وَمَا تُوعَدُونَ " مِنْ أَمْر السَّاعَة . وَقَالَهُ الرَّبِيع .'; $TAFSEER['4']['51']['23'] = 'أَكَّدَ مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ مِنْ الْبَعْث وَمَا خَلَقَ فِي السَّمَاء مِنْ الرِّزْق , وَأَقْسَمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَحَقّ ثُمَّ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ وَخَصَّ النُّطْق مِنْ بَيْن سَائِر الْحَوَاسّ ; لِأَنَّ مَا سِوَاهُ مِنْ الْحَوَاسّ يَدْخُلهُ التَّشْبِيه , كَاَلَّذِي يَرَى فِي الْمِرْآة , وَاسْتِحَالَة الذَّوْق عِنْد غَلَبَة الصَّفْرَاء وَنَحْوهَا , وَالدَّوِيّ وَالطَّنِين فِي الْأُذُن , وَالنُّطْق سَالِم مِنْ ذَلِكَ , وَلَا يُعْتَرَض بِالصَّدَى لِأَنَّهُ لَا يَكُون إِلَّا بَعْد حُصُول الْكَلَام مِنْ النَّاطِق غَيْر مَشُوب بِمَا يُشْكِل بِهِ . وَقَالَ بَعْض الْحُكَمَاء : كَمَا أَنَّ كُلّ إِنْسَان يَنْطِق بِنَفْسِهِ وَلَا يُمْكِنهُ أَنْ يَنْطِق بِلِسَانِ غَيْره , فَكَذَلِكَ كُلّ إِنْسَان يَأْكُل رِزْقه وَلَا يُمْكِنهُ أَنْ يَأْكُل رِزْق غَيْره . وَقَالَ الْحَسَن : بَلَغَنِي أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( قَاتَلَ اللَّه أَقْوَامًا أَقْسَمَ لَهُمْ رَبّهمْ بِنَفْسِهِ ثُمَّ لَمْ يُصَدِّقُوهُ قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْض إِنَّهُ لَحَقّ " . وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ : أَقْبَلْت ذَات مَرَّة مِنْ مَسْجِد الْبَصْرَة إِذْ طَلَعَ أَعْرَابِيّ جِلْف جَافٍ عَلَى قَعُود لَهُ مُتَقَلِّدًا سَيْفه وَبِيَدِهِ قَوْسه , فَدَنَا وَسَلَّمَ وَقَالَ : مِمَّنْ الرَّجُل ؟ قُلْت مِنْ بَنِي أَصْمَع , قَالَ : أَنْتَ الْأَصْمَعِيّ ؟ قُلْت : نَعَمْ . قَالَ : وَمِنْ أَيْنَ أَقْبَلْت ؟ قُلْت : مِنْ مَوْضِع يُتْلَى فِيهِ كَلَام الرَّحْمَن ; قَالَ : وَلِلرَّحْمَنِ كَلَام يَتْلُوهُ الْآدَمِيُّونَ ؟ قُلْت : نَعَمْ ; قَالَ : فَاتْلُ عَلَيَّ مِنْهُ شَيْئًا ; فَقَرَأْت " وَالذَّارِيَات ذَرْوًا " إِلَى قَوْله : " وَفِي السَّمَاء رِزْقكُمْ " فَقَالَ : يَا أَصْمَعِيّ حَسْبك ! ! ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاقَته فَنَحَرَهَا وَقَطَعَهَا بِجِلْدِهَا , وَقَالَ : أَعِنِّي عَلَى تَوْزِيعهَا ; فَفَرَّقْنَاهَا عَلَى مَنْ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ , ثُمَّ عَمَدَ إِلَى سَيْفه وَقَوْسه فَكَسَرَهُمَا وَوَضَعَهُمَا تَحْت الرَّحْل وَوَلَّى نَحْو الْبَادِيَة وَهُوَ يَقُول : " وَفِي السَّمَاء رِزْقكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ " فَمَقَتّ نَفْسِي وَلُمْتهَا , ثُمَّ حَجَجْت مَعَ الرَّشِيد , فَبَيْنَمَا أَنَا أَطُوف إِذَا أَنَا بِصَوْتٍ رَقِيق , فَالْتَفَتّ فَإِذَا أَنَا بِالْأَعْرَابِيِّ وَهُوَ نَاحِل مُصْفَرّ , فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَأَخَذَ بِيَدَيَّ وَقَالَ : اُتْلُ عَلَيَّ كَلَام الرَّحْمَن , وَأَجْلَسَنِي مِنْ وَرَاء الْمَقَام فَقَرَأْت " وَالذَّارِيَات " حَتَّى وَصَلْت إِلَى قَوْله تَعَالَى : " وَفِي السَّمَاء رِزْقكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ " فَقَالَ الْأَعْرَابِيّ : لَقَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا الرَّحْمَن حَقًّا , وَقَالَ : وَهَلْ غَيْر هَذَا ؟ قُلْت : نَعَمْ ; يَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : " فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْض إِنَّهُ لَحَقّ مِثْل مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ " قَالَ فَصَاحَ الْأَعْرَابِيّ وَقَالَ : يَا سُبْحَان اللَّه ! مَنْ الَّذِي أَغْضَبَ الْجَلِيل حَتَّى حَلَفَ ! أَلَمْ يُصَدِّقُوهُ فِي قَوْله حَتَّى أَلْجَئُوهُ إِلَى الْيَمِين ؟ فَقَالَهَا ثَلَاثًا وَخَرَجَتْ بِهَا نَفْسه . وَقَالَ يَزِيد بْن مَرْثَد : إِنَّ رَجُلًا جَاعَ بِمَكَانٍ لَيْسَ فِيهِ شَيْء فَقَالَ : اللَّهُمَّ رِزْقك الَّذِي وَعَدْتنِي فَأْتِنِي بِهِ ; فَشَبِعَ وَرُوِيَ مِنْ غَيْر طَعَام وَلَا شَرَاب . وَعَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْ أَنَّ أَحَدكُمْ فَرَّ مِنْ رِزْقه لَتَبِعَهُ كَمَا يَتْبَعهُ الْمَوْت ) أَسْنَدَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَفِي سُنَن اِبْن مَاجَهْ عَنْ حَبَّة وَسَوَاء اِبْنَيْ خَالِد قَالَا : دَخَلْنَا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُعَالِج شَيْئًا فَأَعَنَّاهُ عَلَيْهِ , فَقَالَ : ( لَا تَيْأَسَا مِنْ الرِّزْق مَا تَهَزَّزَتْ رُءُوسكُمَا فَإِنَّ الْإِنْسَان تَلِدهُ أُمّه أَحْمَرَ لَيْسَ عَلَيْهِ قِشْر ثُمَّ يَرْزُقهُ اللَّه ) . وَرُوِيَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْأَعْرَاب زَرَعُوا زَرْعًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَة فَحَزِنُوا لِأَجْلِهِ , فَخَرَجَتْ عَلَيْهِمْ أَعْرَابِيَّة فَقَالَتْ : مَا لِي أَرَاكُمْ قَدْ نَكَسْتُمْ رُءُوسكُمْ , وَضَاقَتْ صُدُوركُمْ , هُوَ رَبّنَا وَالْعَالِم بِنَا , رِزْقنَا عَلَيْهِ يَأْتِينَا بِهِ حَيْثُ شَاءَ ! ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُول : لَوْ كَانَ فِي صَخْرَة فِي الْبَحْر رَاسِيَة صَمًّا مُلَمْلِمَة مَلْسَا نَوَاحِيهَا رِزْقٌ لِنَفْسٍ بَرَاهَا اللَّه لَانْفَلَقَتْ حَتَّى تُؤَدِّي إِلَيْهَا كُلَّ مَا فِيهَا أَوْ كَانَ بَيْن طِبَاق السَّبْع مَسْلَكهَا لَسَهَّلَ اللَّه فِي الْمَرْقَى مَرَاقِيهَا حَتَّى تَنَالَ الَّذِي فِي اللَّوْحِ خُطَّ لَهَا إِنْ لَمْ تَنَلْهُ وَإِلَّا سَوْفَ يَأْتِيهَا قُلْت : وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قِصَّة الْأَشْعَرِيِّينَ حِين أَرْسَلُوا رَسُولهمْ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَسَمِعَ قَوْله تَعَالَى : " وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الْأَرْض إِلَّا عَلَى اللَّه رِزْقهَا " [ هُود : 6 ] فَرَجَعَ وَلَمْ يُكَلِّم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : لَيْسَ الْأَشْعَرِيُّونَ بِأَهْوَنَ عَلَى اللَّه مِنْ الدَّوَابّ ; وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَة " هُود " . وَقَالَ لُقْمَان : " يَا بُنَيّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل فَتَكُنْ فِي صَخْرَة " [ لُقْمَان : 16 ] الْآيَة . وَقَدْ مَضَى فِي " لُقْمَان " وَقَدْ اِسْتَوْفَيْنَا هَذَا الْبَاب فِي كِتَاب ( قَمْع الْحِرْص بِالزُّهْدِ وَالْقَنَاعَة ) وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَهَذَا هُوَ التَّوَكُّل الْحَقِيقِيّ الَّذِي لَا يَشُوبهُ شَيْء , وَهُوَ فَرَاغ الْقَلْب مَعَ الرَّبّ ; رَزَقَنَا اللَّه إِيَّاهُ وَلَا أَحَالَنَا عَلَى أَحَد سِوَاهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمه . قَوْله تَعَالَى : " مِثْل مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ " قِرَاءَة الْعَامَّة " مِثْلَ " بِالنَّصْبِ أَيْ كَمِثْلِ " مَا أَنَّكُمْ " فَهُوَ مَنْصُوب عَلَى تَقْدِير حَذْف الْكَاف أَيْ كَمِثْلِ نُطْقكُمْ و " مَا " زَائِدَة ; قَالَهُ بَعْض الْكُوفِيِّينَ . وَقَالَ الزَّجَّاج وَالْفَرَّاء : يَجُوز أَنْ يَنْتَصِب عَلَى التَّوْكِيد ; أَيْ لَحَقّ حَقًّا مِثْلَ نُطْقك ; فَكَأَنَّهُ نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف وَقَوْل سِيبَوَيْهِ : إِنَّهُ مَبْنِيّ بُنِيَ حِين أُضِيفَ إِلَى غَيْر مُتَمَكِّن و " مَا " زَائِدَة لِلتَّوْكِيدِ . الْمَازِنِيّ : " مِثْل " مَعَ " مَا " بِمَنْزِلَةِ شَيْء وَاحِد فَبُنِيَ عَلَى الْفَتْح لِذَلِكَ . وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم ; قَالَ : وَلِأَنَّ مِنْ الْعَرَب مَنْ يَجْعَل مِثْلًا مَنْصُوبًا أَبَدًا ; فَتَقُول : قَالَ لِي رَجُل مِثْلَك , وَمَرَرْت بِرَجُلٍ مِثْلَك بِنَصْبِ مِثْل عَلَى مَعْنَى كَمِثْلِ . وَقَرَأَ أَبُو بَكْر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَالْأَعْمَش " مِثْلُ " بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ صِفَة لَحَقّ ; لِأَنَّهُ نَكِرَة وَإِنْ أُضِيفَ إِلَى مَعْرِفَة , إِذْ لَا يَخْتَصّ بِالْإِضَافَةِ لِكَثْرَةِ الْأَشْيَاء الَّتِي يَقَع بَعْدهَا التَّمَاثُل بَيْن الْمُتَمَاثِلَيْنِ . و " مِثْل " مُضَاف إِلَى " أَنَّكُمْ " و " مَا " زَائِدَة وَلَا تَكُون مَعَ مَا بَعْدهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَصْدَر إِذْ لَا فِعْل مَعَهُ تَكُون مَعَهُ مَصْدَرًا . وَيَجُوز أَنْ تَكُون بَدَلًا مِنْ " لَحَقّ " .'; $TAFSEER['4']['51']['24'] = 'ذَكَرَ قِصَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لِيُبَيِّن بِهَا أَنَّهُ أَهْلَكَ الْمُكَذِّب بِآيَاتِهِ كَمَا فَعَلَ بِقَوْمِ لُوط . " هَلْ أَتَاك " أَيْ أَلَمْ يَأْتِك . وَقِيلَ : " هَلْ " بِمَعْنَى قَدْ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان حِين مِنْ الدَّهْر " [ الْإِنْسَان : 1 ] . وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي ضَيْف إِبْرَاهِيم فِي " هُود " " وَالْحِجْر " . " الْمُكْرَمِينَ " أَيْ عِنْد اللَّه ; دَلِيله قَوْله تَعَالَى : " بَلْ عِبَاد مُكْرَمُونَ " [ الْأَنْبِيَاء : 26 ] قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَإِسْرَافِيل - زَادَ عُثْمَان بْن حُصَيْن - وَرفائيل عَلَيْهِمْ الصَّلَاة وَالسَّلَام . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : كَانَ جِبْرِيل وَمَعَهُ تِسْعَة . وَقَالَ عَطَاء وَجَمَاعَة : كَانُوا ثَلَاثَة جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَمَعَهُمَا مَلَك آخَر . قَالَ اِبْن عَبَّاس : سَمَّاهُمْ مُكْرَمِينَ لِأَنَّهُمْ غَيْر مَذْعُورِينَ . وَقَالَ مُجَاهِد : سَمَّاهُمْ مُكْرَمِينَ لِخِدْمَةِ إِبْرَاهِيم إِيَّاهُمْ بِنَفْسِهِ . قَالَ عَبْد الْوَهَّاب : قَالَ لِي عَلِيّ بْن عِيَاض : عِنْدِي هَرِيسَة مَا رَأْيك فِيهَا ؟ قُلْت : مَا أَحْسَنَ رَأْيِي فِيهَا ; قَالَ : اِمْضِ بِنَا ; فَدَخَلْت الدَّار فَنَادَى الْغُلَام فَإِذَا هُوَ غَائِب , فَمَا رَاعَنِي إِلَّا بِهِ وَمَعَهُ الْقُمْقُمَة وَالطَّسْت وَعَلَى عَاتِقه الْمِنْدِيل , فَقُلْت : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ , لَوْ عَلِمْت يَا أَبَا الْحَسَن أَنَّ الْأَمْر هَكَذَا ; قَالَ : هَوِّنْ عَلَيْك فَإِنَّك عِنْدنَا مُكْرَم , وَالْمُكْرَم إِنَّمَا يُخْدَم بِالنَّفْسِ ; اُنْظُرْ إِلَى قَوْله تَعَالَى : " هَلْ أَتَاك حَدِيث ضَيْف إِبْرَاهِيم الْمُكْرَمِينَ " .'; $TAFSEER['4']['51']['25'] = 'سَلَّمُوا سَلَامًا أَيْ عَلَيْكُمْ سَلَام . وَيَجُوز بِمَعْنَى أَمْرِي سَلَام أَوْ رَدِّي لَكُمْ سَلَام . وَقَرَأَ أَهْل الْكُوفَة إِلَّا عَاصِمًا " سِلْم " بِكَسْرِ السِّين . أَيْ أَنْتُمْ قَوْم مُنْكَرُونَ ; أَيْ غُرَبَاء لَا نَعْرِفكُمْ . وَقِيلَ : لِأَنَّهُ رَآهُمْ عَلَى غَيْر صُورَة الْبَشَر , وَعَلَى غَيْر صُورَة الْمَلَائِكَة الَّذِينَ كَانَ يَعْرِفهُمْ فَنَكِرَهُمْ , فَقَالَ : " قَوْم مُنْكَرُونَ " . وَقِيلَ : أَنْكَرَهُمْ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَيْهِ مِنْ غَيْر اِسْتِئْذَان . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة : أَنْكَرَ سَلَامهمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَان وَفِي تِلْكَ الْأَرْض . وَقِيلَ : خَافَهُمْ ; يُقَال أَنْكَرْته إِذَا خِفْته , قَالَ الشَّاعِر : فَأَنْكَرَتْنِي وَمَا كَانَ الَّذِي نَكِرَتْ مِنْ الْحَوَادِثِ إِلَّا الشَّيْبَ وَالصَّلَعَا'; $TAFSEER['4']['51']['26'] = 'قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ عَدَلَ إِلَى أَهْله . وَقَدْ مَضَى فِي " وَالصَّافَّات " . وَيُقَال : أَرَاغَ وَارْتَاغَ بِمَعْنَى طَلَبَ , وَمَاذَا تُرِيغ أَيْ تُرِيد وَتَطْلُب , وَأَرَاغَ إِلَى كَذَا أَيْ مَالَ إِلَيْهِ سِرًّا وَحَادَ , فَعَلَى هَذَا يَكُون رَاغَ وَأَرَاغَ لُغَتَيْنِ بِمَعْنًى . أَيْ جَاءَ ضَيْفه بِعِجْلٍ قَدْ شَوَاهُ لَهُمْ كَمَا فِي " هُود " : " فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذ " [ هُود : 69 ] . وَيُقَال : إِنَّ إِبْرَاهِيم اِنْطَلَقَ إِلَى مَنْزِله كَالْمُسْتَخْفِي مِنْ ضَيْفه , لِئَلَّا يَظْهَرُوا عَلَى مَا يُرِيد أَنْ يَتَّخِذ لَهُمْ مِنْ الطَّعَام .'; $TAFSEER['4']['51']['27'] = 'يَعْنِي الْعِجْل . قَالَ قَتَادَة : كَانَ عَامَّة مَال إِبْرَاهِيم الْبَقَر , وَاخْتَارَهُ لَهُمْ سَمِينًا زِيَادَة فِي إِكْرَامهمْ . وَقِيلَ : الْعِجْل فِي بَعْض اللُّغَات الشَّاة . ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ . وَفِي الصِّحَاح : الْعِجْل وَلَد الْبَقَرَة وَالْعِجَّوْل مِثْلُهُ وَالْجَمْع الْعَجَاجِيل وَالْأُنْثَى عِجْلَة , عَنْ أَبِي الْجَرَّاح , وَبَقَرَة مُعْجِل ذَات عِجْل , وَعِجْل قَبِيلَة مِنْ رَبِيعَة .'; $TAFSEER['4']['51']['28'] = 'أَيْ أَحَسَّ مِنْهُمْ فِي نَفْسه خَوْفًا . وَقِيلَ : أَضْمَرَ لَمَّا لَمْ يَتَحَرَّمُوا بِطَعَامِهِ . وَمِنْ أَخْلَاق النَّاس : أَنَّ مَنْ تَحَرَّمَ بِطَعَامِ إِنْسَان أَمِنَهُ . وَقَالَ عَمْرو بْن دِينَار : قَالَتْ الْمَلَائِكَة لَا نَأْكُل إِلَّا بِالثَّمَنِ . قَالَ : كُلُوا وَأَدُّوا ثَمَنه . قَالُوا : وَمَا ثَمَنه ؟ قَالَ : تُسَمُّونَ اللَّه إِذَا أَكَلْتُمْ وَتَحْمَدُونَهُ إِذَا فَرَغْتُمْ . فَنَظَرَ بَعْضهمْ إِلَى بَعْض وَقَالُوا : لِهَذَا اِتَّخَذَك اللَّه خَلِيلًا . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي " هُود " وَلَمَّا رَأَوْا مَا بِإِبْرَاهِيم مِنْ الْخَوْف وَأَعْلَمُوهُ أَنَّهُمْ مَلَائِكَة اللَّه وَرُسُله . أَيْ بِوَلَدٍ يُولَد لَهُ مِنْ سَارَة زَوْجَته . وَقِيلَ : لَمَّا أَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ مَلَائِكَة لَمْ يُصَدِّقهُمْ , فَدَعَوْا اللَّه فَأَحْيَا الْعِجْل الَّذِي قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ . وَرَوَى عَوْن بْن أَبِي شَدَّاد : أَنَّ جِبْرِيل مَسَحَ الْعِجْل بِجَنَاحِهِ , فَقَامَ يُدْرِج حَتَّى لَحِقَ بِأُمِّهِ وَأُمّ الْعِجْل فِي الدَّار . وَمَعْنَى " عَلِيم " أَيْ يَكُون بَعْد بُلُوغه مِنْ أُولِي الْعِلْم بِاَللَّهِ وَبِدِينِهِ . وَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّ الْمُبَشَّر بِهِ هُوَ إِسْحَاق . وَقَالَ مُجَاهِد وَحْده : هُوَ إِسْمَاعِيل وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول : " وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاق " [ الصَّافَّات : 112 ] . وَهَذَا نَصّ .'; $TAFSEER['4']['51']['29'] = 'أَيْ فِي صَيْحَة وَضَجَّة ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . وَمِنْهُ أُخِذَ صَرِير الْبَاب وَهُوَ صَوْته . وَقَالَ عِكْرِمَة وَقَتَادَة : إِنَّهَا الرَّنَّة وَالتَّأَوُّه وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْإِقْبَال مِنْ مَكَان إِلَى مَكَان . قَالَ الْفَرَّاء : وَإِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِك أَقْبَلَ يَشْتُمنِي أَيْ أَخَذَ فِي شَتْمِي . وَقِيلَ : أَقْبَلَتْ فِي صَرَّة أَيْ فِي جَمَاعَة مِنْ النِّسَاء تَسْمَع كَلَام الْمَلَائِكَة . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : الصَّرَّة الضَّجَّة وَالصَّيْحَة , وَالصَّرَّة الْجَمَاعَة , وَالصَّرَّة الشِّدَّة مِنْ كَرْب وَغَيْره , قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : فَأَلْحَقَهُ بِالْهَادِيَاتِ وَدُونه جَوَاحِرُهَا فِي صَرَّة لَمْ تَزَيَّلِ يَحْتَمِل هَذَا الْبَيْت الْوُجُوه الثَّلَاثَة . وَصَرَّة الْقَيْظ شِدَّة حَرّه . فَلَمَّا سَمِعَتْ سَارَة الْبِشَارَة صَكَّتْ وَجْههَا ; أَيْ ضَرَبَتْ يَدهَا عَلَى وَجْههَا عَلَى عَادَة النِّسْوَانِ عِنْد التَّعَجُّب ; قَالَهُ سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَغَيْره . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : صَكَّتْ وَجْههَا لَطَمَتْهُ . وَأَصْل الصَّكّ الضَّرْب ; صَكَّهُ أَيْ ضَرَبَهُ ; قَالَ الرَّاجِز : يَا كَرَوَانًا صُكَّ فَاكْبَأَنَّا قَالَ الْأُمَوِيّ : كَبَنَ الظَّبْي إِذَا لَطَأَ بِالْأَرْضِ وَاَكْبَأَنَّ اِنْقَبَضَ . أَيْ أَتَلِدُ عَجُوز عَقِيم . الزَّجَّاج : أَيْ و قَالَتْ أَنَا عَجُوز عَقِيم فَكَيْف أَلِد كَمَا قَالَتْ : " يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوز " [ هُود : 72 ]'; $TAFSEER['4']['51']['30'] = 'أَيْ كَمَا قُلْنَا لَك وَأَخْبَرْنَاك فَلَا تَشُكِّي فِيهِ , وَكَانَ بَيْن الْبِشَارَة وَالْوِلَادَة سَنَة وَكَانَتْ سَارَة لَمْ تَلِد قَبْل ذَلِكَ فَوَلَدَتْ وَهِيَ بِنْت تِسْع وَتِسْعِينَ سَنَة , وَإِبْرَاهِيم يَوْمئِذٍ اِبْن مِائَة سَنَةٍ وَقَدْ مَضَى هَذَا . حَكِيم فِيمَا يَفْعَلهُ عَلِيم بِمَصَالِح خَلْقه .'; $TAFSEER['4']['51']['31'] = 'لَمَّا تَيَقَّنَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُمْ مَلَائِكَة بِإِحْيَاءِ الْعِجْل وَالْبِشَارَة قَالَ لَهُمْ : " فَمَا خَطْبكُمْ " أَيْ مَا شَأْنكُمْ وَقِصَّتكُمْ " أَيّهَا الْمُرْسَلُونَ "'; $TAFSEER['4']['51']['32'] = 'يُرِيد قَوْم لُوط .'; $TAFSEER['4']['51']['33'] = 'أَيْ لِنَرْجُمهُمْ بِهَا .'; $TAFSEER['4']['51']['34'] = 'أَيْ مُعَلَّمَة . قِيلَ : كَانَتْ مُخَطَّطَة بِسَوَادٍ وَبَيَاض . وَقِيلَ : بِسَوَادٍ وَحُمْرَة . وَقِيلَ : " مُسَوَّمَة " أَيْ مَعْرُوفَة بِأَنَّهَا حِجَارَة الْعَذَاب . وَقِيلَ : عَلَى كُلّ حَجَر اِسْم مَنْ يُهْلَك بِهِ . وَقِيلَ : عَلَيْهَا أَمْثَال الْخَوَاتِيم . وَقَدْ مَضَى هَذَا كُلّه فِي " هُود " . فَجُعِلَتْ الْحِجَارَة تَتْبَع مُسَافِرِيهِمْ وَشُذَّاذهمْ فَلَمْ يُفْلِت مِنْهُمْ مُخْبِر . أَيْ عِنْد اللَّه وَقَدْ أَعَدَّهَا لِرَجْمِ مَنْ قَضَى بِرَجْمِهِ . ثُمَّ قِيلَ : كَانَتْ مَطْبُوخَة طَبْخ الْآجُرّ , قَالَهُ اِبْن زَيْد ; وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى : " حِجَارَة مِنْ سِجِّيل " [ الْحِجْر : 74 ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي " هُود " . وَقِيلَ : هِيَ الْحِجَارَة الَّتِي نَرَاهَا وَأَصْلهَا طِين , وَإِنَّمَا تَصِير حِجَارَة بِإِحْرَاقِ الشَّمْس إِيَّاهَا عَلَى مَرّ الدُّهُور . وَإِنَّمَا قَالَ : " مِنْ طِين " لِيُعْلَم أَنَّهَا لَيْسَتْ حِجَارَة الْمَاء الَّتِي هِيَ الْبَرَد . حَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ .'; $TAFSEER['4']['51']['35'] = 'أَيْ لَمَّا أَرَدْنَا إِهْلَاك قَوْم لُوط أَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِي قَوْمه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ; لِئَلَّا يُهْلَك الْمُؤْمِنُونَ , وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " فَأَسْرِ بِأَهْلِك " [ هُود : 81 ] .'; $TAFSEER['4']['51']['36'] = 'يَعْنِي لُوطًا وَبِنْتَيْهِ وَفِيهِ إِضْمَار ; أَيْ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْر أَهْل بَيْت . وَقَدْ يُقَال بَيْت شَرِيف يُرَاد بِهِ الْأَهْل . وَقَوْله : " فِيهَا " كِنَايَة عَنْ الْقَرْيَة وَلَمْ يَتَقَدَّم لَهَا ذِكْر ; لِأَنَّ الْمَعْنَى مَفْهُوم . وَأَيْضًا فَقَوْله تَعَالَى : " إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْم مُجْرِمِينَ " يَدُلّ عَلَى الْقَرْيَة ; لِأَنَّ الْقَوْم إِنَّمَا يَسْكُنُونَ قَرْيَة . وَقِيلَ : الضَّمِير فِيهَا لِلْجَمَاعَةِ . وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُسْلِمُونَ هَاهُنَا سَوَاء فَجَنَّسَ اللَّفْظ لِئَلَّا يَتَكَرَّر , كَمَا قَالَ : " إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّه " [ يُوسُف : 86 ] . وَقِيلَ : الْإِيمَان تَصْدِيق الْقَلْب , وَالْإِسْلَام الِانْقِيَاد بِالظَّاهِرِ , فَكُلّ مُؤْمِن مُسْلِم وَلَيْسَ كُلّ مُسْلِم مُؤْمِنًا . فَسَمَّاهُمْ فِي الْآيَة الْأُولَى مُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّهُ مَا مِنْ مُؤْمِن إِلَّا وَهُوَ مُسْلِم . وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْبَقَرَة " وَغَيْرهَا . وَقَوْله : " قَالَتْ الْأَعْرَاب آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا " [ الْحُجُرَات : 14 ] يَدُلّ عَلَى الْفَرْق بَيْن الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَهُوَ مُقْتَضَى حَدِيث جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره . وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي غَيْر مَوْضِع .'; $TAFSEER['4']['51']['37'] = 'أَيْ عِبْرَة وَعَلَامَة لِأَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَان وَمَنْ بَعْدهمْ ; نَظِيره : " وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَة بَيِّنَة لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " [ الْعَنْكَبُوت : 35 ] . ثُمَّ قِيلَ : الْآيَة الْمَتْرُوكَة نَفْس الْقَرْيَة الْخَرِبَة . وَقِيلَ : الْحِجَارَة الْمَنْضُودَة الَّتِي رُجِمُوا بِهَا هِيَ الْآيَة . لِأَنَّهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ .'; $TAFSEER['4']['51']['38'] = 'أَيْ وَتَرَكْنَا أَيْضًا فِي قِصَّة مُوسَى آيَة . وَقَالَ الْفَرَّاء : هُوَ مَعْطُوف عَلَى قَوْله : " وَفِي الْأَرْض آيَات " " وَفِي مُوسَى " .'; $TAFSEER['4']['51']['39'] = 'أَيْ بِحُجَّةٍ بَيِّنَة وَهِيَ الْعَصَا . وَقِيلَ : أَيْ بِالْمُعْجِزَاتِ مِنْ الْعَصَا وَغَيْرهَا . أَيْ فِرْعَوْن أَعْرَضَ عَنْ الْإِيمَان " بِرُكْنِهِ " أَيْ بِجُمُوعِهِ وَأَجْنَاده ; قَالَهُ اِبْن زَيْد . وَهُوَ مَعْنَى قَوْل مُجَاهِد , وَمِنْهُ قَوْله : " أَوْ آوِي إِلَى رُكْن شَدِيد " [ هُود : 80 ] يَعْنِي الْمَنَعَة وَالْعَشِيرَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة : بِقُوَّتِهِ . وَمِنْهُ قَوْل عَنْتَرَة : فَمَا أَوْهَى مِرَاسُ الْحَرْبِ رُكْنِي وَلَكِنْ مَا تَقَادَمَ مِنْ زَمَانِي وَقِيلَ : بِنَفْسِهِ . وَقَالَ الْأَخْفَشُ : بِجَانِبِهِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ " [ فُصِّلَتْ : 51 ] وَقَالَهُ الْمُؤَرِّج . الْجَوْهَرِيّ : وَرُكْن الشَّيْء جَانِبه الْأَقْوَى , وَهُوَ يَأْوِي إِلَى رُكْن شَدِيد أَيْ عِزَّة وَمَنَعَة . الْقُشَيْرِيّ : وَالرُّكْن جَانِب الْبَدَن . وَهَذَا عِبَارَة عَنْ الْمُبَالَغَة فِي الْإِعْرَاض عَنْ الشَّيْء " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاو , لِأَنَّهُمْ قَالُوهُمَا جَمِيعًا . قَالَهُ الْمُؤَرِّج وَالْفَرَّاء , وَأَنْشَدَ بَيْت جَرِير : أَثَعْلَبَةَ الْفَوَارِس أَوْ رِيَاحَا عَدَلْت بِهِمْ طُهَيَّة وَالْخِشَابَا وَقَدْ تُوضَع " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاو ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا " [ الْإِنْسَان : 24 ] وَالْوَاو بِمَعْنَى أَوْ , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلَاث وَرُبَاع " [ النِّسَاء : 3 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ جَمِيع هَذَا .'; $TAFSEER['4']['51']['40'] = 'لِكُفْرِهِمْ وَتَوَلِّيهمْ عَنْ الْإِيمَان . أَيْ طَرَحْنَاهُمْ فِي الْبَحْر يَعْنِي فِرْعَوْن , لِأَنَّهُ أَتَى مَا يُلَام عَلَيْهِ .'; $TAFSEER['4']['51']['41'] = 'أَيْ وَتَرَكْنَا فِي عَادٍ آيَة لِمَنْ تَأَمَّلَ . وَهِيَ الَّتِي لَا تُلْقِح سَحَابًا وَلَا شَجَرًا , وَلَا رَحْمَة فِيهَا وَلَا بَرَكَة وَلَا مَنْفَعَة ; وَمِنْهُ اِمْرَأَة عَقِيم لَا تَحْمِل وَلَا تَلِد . ثُمَّ قِيلَ : هِيَ الْجَنُوب . رَوَى اِبْن أَبِي ذِئْب عَنْ الْحَارِث بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الرِّيح الْعَقِيم الْجَنُوب ) وَقَالَ مُقَاتِل : هِيَ الدَّبُور كَمَا فِي الصَّحِيح عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( نُصِرْت بِالصَّبَا ) وَأُهْلِكَتْ عَاد بِالدَّبُورِ ) . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هِيَ النَّكْبَاء . وَقَالَ عُبَيْد بْن عُمَيْر : مَسْكَنهَا الْأَرْض الرَّابِعَة وَمَا فُتِحَ عَلَى عَادٍ مِنْهَا إِلَّا كَقَدْرِ مَنْخَر الثَّوْر . وَرَوَى اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد أَيْضًا أَنَّهَا الصَّبَا ; فَاَللَّه أَعْلَمُ .'; $TAFSEER['4']['51']['42'] = 'أَيْ كَالشَّيْءِ الْهَشِيم ; يُقَال لِلنَّبْتِ إِذَا يَبِسَ وَتَفَتَّتَ : رَمِيم وَهَشِيم . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَالشَّيْءِ الْهَالِك الْبَالِي ; وَقَالَهُ مُجَاهِد : وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : تَرَكْتَنِي حِين كَفَّ الدَّهْر مِنْ بَصَرِي وَإِذْ بَقِيتُ كَعَظْمِ الرِّمَّة الْبَالِي وَقَالَ قَتَادَة : إِنَّهُ الَّذِي دِيسَ مِنْ يَابِس النَّبَات . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَالسُّدِّيّ : كَالتُّرَابِ الْمَدْقُوق . قُطْرُب : الرَّمِيم الرَّمَاد . وَقَالَ يَمَان : مَا رَمَتْهُ الْمَاشِيَة مِنْ الْكَلَأ بِمِرَمَّتِهَا . وَيُقَال لِلشَّفَةِ الْمِرَمَّة وَالْمِقَمَّة بِالْكَسْرِ , وَالْمَرَمَّة بِالْفَتْحِ لُغَة فِيهِ . وَأَصْل الْكَلِمَة مِنْ رَمَّ الْعَظْم إِذَا بَلِيَ ; تَقُول مِنْهُ : رَمَّ الْعَظْم يَرِمّ بِالْكَسْرِ رِمَّة فَهُوَ رَمِيم , قَالَ الشَّاعِر : وَرَأَى عَوَاقِب خُلْف ذَاكَ مَذَمَّة تَبْقَى عَلَيْهِ وَالْعِظَام رَمِيم وَالرِّمَّة بِالْكَسْرِ الْعِظَام الْبَالِيَة وَالْجَمْع رِمَم وَرِمَام . وَنَظِير هَذِهِ الْآيَة : " تُدَمِّر كُلّ شَيْء " [ الْأَحْقَاف : 25 ] حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ .'; $TAFSEER['4']['51']['43'] = 'أَيْ وَفِيهِمْ أَيْضًا عِبْرَة وَآيَة حِين قِيلَ لَهُمْ عِيشُوا مُتَمَتِّعِينَ بِالدُّنْيَا أَيْ إِلَى وَقْت الْهَلَاك وَهُوَ ثَلَاثَة أَيَّام كَمَا فِي هُود : " تَمَتَّعُوا فِي دَاركُمْ ثَلَاثَة أَيَّام " [ هُود : 65 ] . وَقِيلَ : مَعْنَى " تَمَتَّعُوا " أَيْ أَسْلِمُوا وَتَمَتَّعُوا إِلَى وَقْت فَرَاغ آجَالكُمْ .'; $TAFSEER['4']['51']['44'] = 'أَيْ خَالَفُوا أَمْر اللَّه فَعَقَرُوا النَّاقَة أَيْ الْمَوْت . وَقِيلَ : هِيَ كُلّ عَذَاب مُهْلِك . قَالَ الْحُسَيْن بْن وَاقِد : كُلّ صَاعِقَة فِي الْقُرْآن فَهُوَ الْعَذَاب . وَقَرَأَ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَحُمَيْد وَابْن مُحَيْصِن وَمُجَاهِد وَالْكِسَائِيّ " الصَّعْقَة " يُقَال صَعِقَ الرَّجُل صَعْقَة وَتَصْعَاقًا أَيْ غُشِيَ عَلَيْهِ . وَصَعَقَتْهُمْ السَّمَاء أَيْ أَلْقَتْ عَلَيْهِمْ الصَّاعِقَة . وَالصَّاعِقَة أَيْضًا صَيْحَة الْعَذَاب وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " وَغَيْرهَا . إِلَيْهَا نَهَارًا .'; $TAFSEER['4']['51']['45'] = 'قِيلَ : مَعْنَاهُ مِنْ نُهُوض . وَقِيلَ : مَا أَطَاقُوا أَنْ يَسْتَقِلُّوا بِعَذَابِ اللَّه وَأَنْ يَتَحَمَّلُوهُ وَيَقُومُوا بِهِ وَيَدْفَعُوهُ عَنْ أَنْفُسهمْ ; تَقُول : لَا أَقُوم لِهَذَا الْأَمْر أَيْ لَا أُطِيقهُ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ ذَهَبَتْ أَجْسَامهمْ وَبَقِيَتْ أَرْوَاحهمْ فِي الْعَذَاب . أَيْ مُمْتَنِعِينَ مِنْ الْعَذَاب حِين أُهْلِكُوا , أَيْ مَا كَانَ لَهُمْ نَاصِر .'; $TAFSEER['4']['51']['46'] = 'قَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَأَبُو عَمْرو " وَقَوْمِ نُوح " بِالْخَفْضِ ; أَيْ وَفِي قَوْم نُوح آيَة أَيْضًا . الْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى وَأَهْلَكْنَا قَوْمَ نُوح , أَوْ يَكُون مَعْطُوفًا عَلَى الْهَاء وَالْمِيم فِي " أَخَذَتْهُمْ " أَوْ الْهَاء فِي " أَخَذْنَاهُ " أَيْ فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة وَأَخَذَتْ قَوْم نُوح , أَوْ " فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمّ " [ الذَّارِيَات : 40 ] وَنَبَذْنَا قَوْم نُوح , أَوْ يَكُون بِمَعْنَى اُذْكُرْ .'; $TAFSEER['4']['51']['47'] = 'لَمَّا بَيَّنَ هَذِهِ الْآيَات قَالَ : وَفِي السَّمَاء آيَات وَعِبَر تَدُلّ عَلَى أَنَّ الصَّانِع قَادِر عَلَى الْكَمَال , فَعَطَفَ أَمْر السَّمَاء عَلَى قِصَّة قَوْم نُوح لِأَنَّهُمَا آيَتَانِ . وَمَعْنَى " بِأَيْدٍ " أَيْ بِقُوَّةٍ وَقُدْرَة . عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَقَادِرُونَ . وَقِيلَ : أَيْ وَإِنَّا لَذُو سَعَة , وَبِخَلْقِهَا وَخَلْق غَيْرهَا لَا يَضِيق عَلَيْنَا شَيْء نُرِيدهُ . وَقِيلَ : أَيْ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ الرِّزْق عَلَى خَلْقنَا . عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا . الْحَسَن : وَإِنَّا لَمُطِيقُونَ . وَعَنْهُ أَيْضًا : وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ الرِّزْق بِالْمَطَرِ . وَقَالَ الضَّحَّاك : أَغْنَيْنَاكُمْ ; دَلِيله : " عَلَى الْمُوسِع قَدَره " [ الْبَقَرَة : 236 ] . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : ذُو سَعَة عَلَى خَلْقنَا . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . وَقِيلَ : جَعَلْنَا بَيْنهمَا وَبَيْن الْأَرْض سَعَة . الْجَوْهَرِيّ : وَأَوْسَعَ الرَّجُل أَيْ صَارَ ذَا سَعَة وَغِنًى , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ " أَيْ أَغْنِيَاء قَادِرُونَ . فَشَمَلَ جَمِيع الْأَقْوَال .'; $TAFSEER['4']['51']['48'] = 'أَيْ بَسَطْنَاهَا كَالْفِرَاشِ عَلَى وَجْه الْمَاء وَمَدَدْنَاهَا . أَيْ فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ نَحْنُ لَهُمْ . وَالْمَعْنَى فِي الْجَمْع التَّعْظِيم ; مَهَّدْت الْفِرَاش مَهْدًا بَسَطْته وَوَطَّأْته , وَتَمْهِيد الْأُمُور تَسْوِيَتهَا وَإِصْلَاحهَا .'; $TAFSEER['4']['51']['49'] = 'أَيْ صِنْفَيْنِ وَنَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ . قَالَ اِبْن زَيْد : أَيْ ذَكَرًا وَأُنْثَى وَحُلْوًا وَحَامِضًا وَنَحْو ذَلِكَ . مُجَاهِد . يَعْنِي الذَّكَر وَالْأُنْثَى , وَالسَّمَاء وَالْأَرْض , وَالشَّمْس وَالْقَمَر , وَاللَّيْل وَالنَّهَار , وَالنُّور وَالظَّلَام , وَالسَّهْل وَالْجَبَل , وَالْجِنّ وَالْإِنْس , وَالْخَيْر وَالشَّرّ , وَالْبُكْرَة وَالْعَشِيّ , وَكَالْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَة الْأَلْوَان مِنْ الطُّعُوم وَالْأَرَايِيح وَالْأَصْوَات . أَيْ جَعَلْنَا هَذَا كَهَذَا دَلَالَة عَلَى قُدْرَتنَا , وَمَنْ قَدَرَ عَلَى هَذَا فَلْيَقْدِرْ عَلَى الْإِعَادَة . وَقِيلَ : " وَمِنْ كُلّ شَيْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ " لِتَعْلَمُوا أَنَّ خَالِق الْأَزْوَاج فَرْد , فَلَا يُقَدَّر فِي صِفَته حَرَكَة وَلَا سُكُون , وَلَا ضِيَاء وَلَا ظَلَام , وَلَا قُعُود وَلَا قِيَام , وَلَا اِبْتِدَاء وَلَا اِنْتِهَاء ; إِذْ عَزَّ وَجَلَّ وِتْر " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء " [ الشُّورَى : 11 ]'; $TAFSEER['4']['51']['50'] = 'لَمَّا تَقَدَّمَ مَا جَرَى مِنْ تَكْذِيب أُمَمهمْ لِأَنْبِيَائِهِمْ وَإِهْلَاكهمْ ; لِذَلِكَ قَالَ اللَّه تَعَالَى : لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد ; أَيْ قُلْ لِقَوْمِك : " فَفِرُّوا إِلَى اللَّه إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِير مُبِين " أَيْ فِرُّوا مِنْ مَعَاصِيه إِلَى طَاعَته . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : فِرُّوا إِلَى اللَّه بِالتَّوْبَةِ مِنْ ذُنُوبكُمْ . وَعَنْهُ فِرُّوا مِنْهُ إِلَيْهِ وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ . وَقَالَ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن عُثْمَان بْن عَفَّان : " فَفِرُّوا إِلَى اللَّه " اُخْرُجُوا إِلَى مَكَّة . وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : اِحْتَرَزُوا مِنْ كُلّ شَيْء دُون اللَّه فَمَنْ فَرَّ إِلَى غَيْره لَمْ يَمْتَنِع مِنْهُ . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق : فِرُّوا مِنْ طَاعَة الشَّيْطَان إِلَى طَاعَة الرَّحْمَن . وَقَالَ الْجُنَيْد : الشَّيْطَان دَاعٍ إِلَى الْبَاطِل فَفِرُّوا إِلَى اللَّه يَمْنَعكُمْ مِنْهُ . وَقَالَ ذُو النُّون الْمِصْرِيّ : فَفِرُّوا مِنْ الْجَهْل إِلَى الْعِلْم , وَمِنْ الْكُفْر إِلَى الشُّكْر . وَقَالَ عَمْرو بْن عُثْمَان : فِرُّوا مِنْ أَنْفُسكُمْ إِلَى رَبّكُمْ . وَقَالَ أَيْضًا : فِرُّوا إِلَى مَا سَبَقَ لَكُمْ مِنْ اللَّه وَلَا تَعْتَمِدُوا عَلَى حَرَكَاتكُمْ . وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه : فِرُّوا مِمَّا سِوَى اللَّه إِلَى اللَّه . " إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِير مُبِين " أَيْ أُنْذِركُمْ عِقَابه عَلَى الْكُفْر وَالْمَعْصِيَة .'; $TAFSEER['4']['51']['51'] = 'أَمَرَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُول هَذَا لِلنَّاسِ وَهُوَ النَّذِير . وَقِيلَ : هُوَ خِطَاب مِنْ اللَّه لِلْخَلْقِ . أَيْ مِنْ مُحَمَّد وَسُيُوفه أَيْ أُنْذِركُمْ بَأْسه وَسَيْفه إِنْ أَشْرَكْتُمْ بِي ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس .'; $TAFSEER['4']['51']['52'] = 'هَذَا تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أَيْ كَمَا كَذَّبَك قَوْمك وَقَالُوا سَاحِر أَوْ مَجْنُون , كَذَّبَ مَنْ قَبْلهمْ وَقَالُوا مِثْل قَوْلهمْ . وَالْكَاف مِنْ " كَذَلِكَ " يَجُوز أَنْ تَكُون نَصْبًا عَلَى تَقْدِير أُنْذِركُمْ إِنْذَارًا كَإِنْذَارِ مَنْ تَقَدَّمَنِي مِنْ الرُّسُل الَّذِينَ أَنْذَرُوا قَوْمهمْ , أَوْ رَفْعًا عَلَى تَقْدِير الْأَمْر كَذَلِكَ أَيْ كَالْأَوَّلِ . وَالْأَوَّل تَخْوِيف لِمَنْ عَصَاهُ مِنْ الْمُوَحِّدِينَ , وَالثَّانِي لِمَنْ أَشْرَكَ بِهِ مِنْ الْمُلْحِدِينَ . وَالتَّمَام عَلَى قَوْله : " كَذَلِكَ " عَنْ يَعْقُوب وَغَيْره .'; $TAFSEER['4']['51']['53'] = 'أَيْ أَوْصَى أَوَّلهمْ آخِرهمْ بِالتَّكْذِيبِ . وَتَوَاطَئُوا عَلَيْهِ ; وَالْأَلِف لِلتَّوْبِيخِ وَالتَّعَجُّب . أَيْ لَمْ يُوصِ بَعْضهمْ بَعْضًا بَلْ جَمَعَهُمْ الطُّغْيَان , وَهُوَ مُجَاوَزَة الْحَدّ فِي الْكُفْر .'; $TAFSEER['4']['51']['54'] = 'أَيْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ عَنْهُمْ عِنْد اللَّه لِأَنَّك أَدَّيْت مَا عَلَيْك مِنْ تَبْلِيغ الرِّسَالَة , ثُمَّ نُسِخَ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَع الْمُؤْمِنِينَ " وَقِيلَ : نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْف . وَالْأَوَّل قَوْل الضَّحَّاك ; لِأَنَّهُ قَدْ أُمِرَ بِالْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ بِالْمَوْعِظَةِ . وَقَالَ مُجَاهِد : " فَتَوَلَّ عَنْهُمْ " فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ " فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ " أَيْ لَيْسَ يَلُومك رَبّك عَلَى تَقْصِير كَانَ مِنْك'; $TAFSEER['4']['51']['55'] = '" وَذَكِّرْ " أَيْ بِالْعِظَةِ فَإِنَّ الْعِظَة " تَنْفَع الْمُؤْمِنِينَ " . قَتَادَة : " وَذَكِّرْ " بِالْقُرْآنِ " فَإِنَّ الذِّكْرَى " بِهِ " تَنْفَع الْمُؤْمِنِينَ " . وَقِيلَ : ذَكِّرْهُمْ بِالْعُقُوبَةِ وَأَيَّام اللَّه . وَخَصَّ الْمُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِهَا .'; $TAFSEER['4']['51']['56'] = 'قِيلَ : إِنَّ هَذَا خَاصّ فِيمَنْ سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه أَنَّهُ يَعْبُدهُ , فَجَاءَ بِلَفْظِ الْعُمُوم وَمَعْنَاهُ الْخُصُوص . وَالْمَعْنَى : وَمَا خَلَقْت أَهْل السَّعَادَة مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا لِيُوَحِّدُونِ . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَالْآيَة دَخَلَهَا التَّخْصِيص عَلَى الْقَطْع ; لِأَنَّ الْمَجَانِين وَالصِّبْيَان مَا أُمِرُوا بِالْعِبَادَةِ حَتَّى يُقَال أَرَادَ مِنْهُمْ الْعِبَادَة , وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّم كَثِيرًا مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الْأَعْرَاف : 179 ] وَمَنْ خُلِقَ لِجَهَنَّم لَا يَكُون مِمَّنْ خُلِقَ لِلْعِبَادَةِ , فَالْآيَة مَحْمُولَة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ ; وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " قَالَتْ الْأَعْرَاب آمَنَّا " [ الْحُجُرَات : 14 ] وَإِنَّمَا قَالَ فَرِيق مِنْهُمْ . ذَكَرَهُ الضَّحَّاك وَالْكَلْبِيّ وَالْفَرَّاء وَالْقُتَبِيّ . وَفِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " وَمَا خَلَقْت الْجِنّ وَالْإِنْس مِنْ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : أَيْ وَمَا خَلَقْت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا لِآمُرهُمْ بِالْعِبَادَةِ . وَاعْتَمَدَ الزَّجَّاج عَلَى هَذَا الْقَوْل , وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : " وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا " [ التَّوْبَة : 31 ] . فَإِنْ قِيلَ : كَيْف كَفَرُوا وَقَدْ خَلَقَهُمْ لِلْإِقْرَارِ بِرُبُوبِيَّتِهِ وَالتَّذَلُّل لِأَمْرِهِ وَمَشِيئَته ؟ قِيلَ قَدْ تَذَلَّلُوا لِقَضَائِهِ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ قَضَاءَهُ جَارٍ عَلَيْهِمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِامْتِنَاع مِنْهُ , وَإِنَّمَا خَالَفَهُمْ مَنْ كَفَرَ فِي الْعَمَل بِمَا أَمَرَهُ بِهِ , فَأَمَّا التَّذَلُّل لِقَضَائِهِ فَإِنَّهُ غَيْر مُمْتَنِع مِنْهُ . وَقِيلَ : " إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " أَيْ إِلَّا لِيُقِرُّوا لِي بِالْعِبَادَةِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ; رَوَاهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس . فَالْكَرْه مَا يُرَى فِيهِمْ مِنْ أَثَر الصَّنْعَة . مُجَاهِد : إِلَّا لِيَعْرِفُونِي . الثَّعْلَبِيّ : وَهَذَا قَوْل حَسَن ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخْلُقهُمْ لَمَا عُرِفَ وُجُوده وَتَوْحِيده . وَدَلِيل هَذَا التَّأْوِيل قَوْله تَعَالَى : " وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّه " [ الزُّخْرُف : 87 ] " وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيز الْعَلِيم " [ الزُّخْرُف : 9 ] وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْآيَات . وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا : إِلَّا لِآمُرهُمْ وَأَنْهَاهُمْ . زَيْد بْن أَسْلَمَ : هُوَ مَا جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنْ الشِّقْوَة وَالسَّعَادَة ; فَخَلَقَ السُّعَدَاء مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس لِلْعِبَادَةِ , وَخَلَقَ الْأَشْقِيَاء مِنْهُمْ لِلْمَعْصِيَةِ . وَعَنْ الْكَلْبِيّ أَيْضًا : إِلَّا لِيُوَحِّدُونِ , فَأَمَّا الْمُؤْمِن فَيُوَحِّدهُ فِي الشِّدَّة وَالرَّخَاء , وَأَمَّا الْكَافِر فَيُوَحِّدهُ فِي الشِّدَّة وَالْبَلَاء دُون النِّعْمَة وَالرَّخَاء ; يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : " وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْج كَالظُّلَلِ دَعَوْا اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين " [ لُقْمَان : 32 ] الْآيَة . وَقَالَ عِكْرِمَة : إِلَّا لِيَعْبُدُونِ وَيُطِيعُونِ فَأُثِيب الْعَابِد وَأُعَاقِب الْجَاحِد . وَقِيلَ : الْمَعْنَى إِلَّا لِأَسْتَعْبِدهُمْ . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب ; تَقُول : عَبْد بَيِّن الْعُبُودَة وَالْعُبُودِيَّة , وَأَصْل الْعُبُودِيَّة الْخُضُوع وَالذُّلّ . وَالتَّعْبِيد التَّذْلِيل ; يُقَال : طَرِيق مُعَبَّد . قَالَ طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ : وَظِيفًا وَظِيفًا فَوْق مَوْر مُعَبَّدِ وَالتَّعْبِيد الِاسْتِعْبَاد وَهُوَ أَنْ يَتَّخِذهُ عَبْدًا . وَكَذَلِكَ الِاعْتِبَاد . وَالْعِبَادَة الطَّاعَة , وَالتَّعَبُّد التَّنَسُّك . فَمَعْنَى " لِيَعْبُدُونِ " لِيَذِلُّوا وَيَخْضَعُوا وَيَعْبُدُوا .'; $TAFSEER['4']['51']['57'] = '" مِنْ " صِلَة أَيْ رِزْقًا بَلْ أَنَا الرَّزَّاق وَالْمُعْطِي . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو الْجَوْزَاء : أَيْ مَا أُرِيد أَنْ يَرْزُقُوا أَنْفُسهمْ وَلَا أَنْ يُطْعِمُوهَا . وَقِيلَ : الْمَعْنَى مَا أُرِيد أَنْ يَرْزُقُوا عِبَادِي وَلَا أَنْ يُطْعِمُوهُمْ'; $TAFSEER['4']['51']['58'] = 'وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن وَغَيْره " الرَّازِق " . أَيْ الشَّدِيد الْقَوِيّ . وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَالنَّخَعِيّ " الْمَتِينِ " بِالْجَرِّ عَلَى النَّعْت لِلْقُوَّةِ . الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى النَّعْت لـ " ـالرَّزَّاق " أَوْ " ذُو " مِنْ قَوْله : " ذُو الْقُوَّة " أَوْ يَكُون خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف ; أَوْ يَكُون نَعْتًا لِاسْمِ إِنَّ عَلَى الْمَوْضِع , أَوْ خَبَرًا بَعْد خَبَر . قَالَ الْفَرَّاء : كَانَ حَقّه الْمَتِينَة فَذَكَّرَهُ لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِهَا إِلَى الشَّيْء الْمُبْرَم الْمُحْكَم الْفَتْل ; يُقَال : حَبْل مَتِين . وَأَنْشَدَ الْفَرَّاء : لِكُلِّ دَهْر قَدْ لَبِسْت أَثْوُبَا حَتَّى اكْتَسَى الرَّأْسُ قِنَاعًا أَشْيَبَا مِنْ رَيْطَة وَالْيُمْنَة الْمُعَصَّبَا فَذَكَّرَ الْمُعَصَّب ; لِأَنَّ الْيُمْنَة صِنْف مِنْ الثِّيَاب ; وَمِنْ هَذَا الْبَاب قَوْله تَعَالَى : " فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَة " [ الْبَقَرَة : 275 ] أَيْ وَعْظ " وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَة " [ هُود : 67 ] أَيْ الصِّيَاح وَالصَّوْت .'; $TAFSEER['4']['51']['59'] = 'أَيْ كَفَرُوا مِنْ أَهْل مَكَّة أَيْ نَصِيبًا مِنْ الْعَذَاب مِثْل نَصِيب الْكُفَّار مِنْ الْأُمَم السَّالِفَة . وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : يُقَال يَوْم ذَنُوب أَيْ طَوِيل الشَّرّ لَا يَنْقَضِي . وَأَصْل الذَّنُوب فِي اللُّغَة الدَّلْو الْعَظِيمَة , وَكَانُوا يَسْتَقُونَ الْمَاء فَيَقْسِمُونَ ذَلِكَ عَلَى الْأَنْصِبَاء فَقِيلَ لِلذَّنُوبِ نَصِيب مِنْ هَذَا ; قَالَ الرَّاجِز : لَنَا ذَنُوبٌ وَلَكُمْ ذَنُوبٌ فَإِنْ أَبَيْتُمُ فَلَنَا الْقَلِيبُ وَقَالَ عَلْقَمَة : وَفِي كُلّ يَوْم قَدْ خَبَطْتَ بِنِعْمَةٍ فَحُقَّ لِشَأْسٍ مِنْ نَدَاك ذَنُوبُ وَقَالَ آخَر : لَعَمْركَ وَالْمَنَايَا طَارِقَاتٌ لِكُلِّ بَنِي أَبٍ مِنْهَا ذَنُوبُ الْجَوْهَرِيّ : وَالذَّنُوب الْفَرَس الطَّوِيل الذَّنَب , والذَّنُوب النَّصِيب , وَالذَّنُوب لَحْم أَسْفَل الْمَتْن , وَالذَّنُوب الدَّلْو الْمَلْأَى مَاء . وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت : فِيهَا مَاء قَرِيب مِنْ الْمِلْء يُؤَنَّث وَيُذَكَّر , وَلَا يُقَال لَهَا وَهِيَ فَارِغَة ذَنُوب , وَالْجَمْع فِي أَدْنَى الْعَدَد أَذْنِبَة وَالْكَثِير ذَنَائِب , مِثْل قَلُوص وَقَلَائِص . أَيْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ نُزُول الْعَذَاب بِهِمْ ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا : يَا مُحَمَّد " فَأْتِنَا بِمَا تَعِدنَا إِنْ كُنْت مِنْ الصَّادِقِينَ " [ الْأَعْرَاف : 70 ]'; $TAFSEER['4']['51']['60'] = 'فَنَزَلَ بِهِمْ يَوْم بَدْر مَا حَقَّقَ بِهِ وَعْدَهُ وَعَجَّلَ بِهِمْ اِنْتِقَامه , ثُمَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَة الْعَذَاب الدَّائِم , وَالْخِزْي الْقَائِم , الَّذِي لَا اِنْقِطَاع لَهُ وَلَا نَفَاد , وَلَا غَايَة وَلَا آبَاد . تَمَّ تَفْسِير سُورَة " الذَّارِيَات " وَالْحَمْد لِلَّهِ .'; $TAFSEER['4']['52']['1'] = 'رَوَى الْأَئِمَّة عَنْ جُبَيْر بْن مُطْعِم قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأ بِالطُّورِ فِي الْمَغْرِب . مُتَّفَق عَلَيْهِ . الطُّور اِسْم الْجَبَل الَّذِي كَلَّمَ اللَّه عَلَيْهِ مُوسَى ; أَقْسَمَ اللَّه بِهِ تَشْرِيفًا لَهُ وَتَكْرِيمًا وَتَذْكِيرًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْآيَات , وَهُوَ أَحَد جِبَال الْجَنَّة . وَرَوَى إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي أُوَيْس , قَالَ : حَدَّثَنَا كَثِير بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن عَوْف عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَرْبَعَة أَجْبُل مِنْ جِبَال الْجَنَّة وَأَرْبَعَة أَنْهَار مِنْ أَنْهَار الْجَنَّة وَأَرْبَعَة مَلَاحِم مِنْ مَلَاحِم الْجَنَّة ) قِيلَ : فَمَا الْأَجْبُل ؟ قَالَ : ( جَبَل أُحُد يُحِبّنَا وَنُحِبّهُ وَالطُّور جَبَل مِنْ جِبَال الْجَنَّة وَلُبْنَان جَبَل مِنْ جِبَال الْجَنَّة وَالْجُودِيّ جَبَل مِنْ جِبَال الْجَنَّة ) وَذَكَرَ الْحَدِيث , وَقَدْ اِسْتَوْفَيْنَاهُ فِي كِتَاب " التَّذْكِرَة " قَالَ مُجَاهِد : الطُّور هُوَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ الْجَبَل وَالْمُرَاد بِهِ طُور سِينَا . وَقَالَهُ السُّدِّيّ . وَقَالَ مُقَاتِل بْن حَيَّان : هُمَا طُورَانِ يُقَال لِأَحَدِهِمَا طُور سِينَا وَالْآخَر طُور زيتا ; لِأَنَّهُمَا يُنْبِتَانِ التِّين وَالزَّيْتُون . وَقِيلَ : هُوَ جَبَل بِمَدْيَنَ وَاسْمه زُبَيْر . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَالزُّبَيْر الْجَبَل الَّذِي كَلَّمَ اللَّه عَلَيْهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام . قُلْت : وَمَدْيَنُ بِالْأَرْضِ الْمُقَدَّسَة وَهِيَ قَرْيَة شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام . وَقِيلَ : إِنَّ الطُّور كُلّ جَبَل أَنْبَتَ , وَمَا لَا يُنْبِت فَلَيْسَ بِطُورٍ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " مُسْتَوْفًى .'; $TAFSEER['4']['52']['2'] = 'أَيْ مَكْتُوب ; يَعْنِي الْقُرْآن يَقْرَؤُهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْمَصَاحِف وَيَقْرَؤُهُ الْمَلَائِكَة مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : " إِنَّهُ لَقُرْآن كَرِيم فِي كِتَاب مَكْنُون " [ الْوَاقِعَة : 77 - 78 ] . وَقِيلَ : يَعْنِي سَائِر الْكُتُب الْمُنَزَّلَة عَلَى الْأَنْبِيَاء ,'; $TAFSEER['4']['52']['3'] = 'وَكَانَ كُلّ كِتَاب فِي رَقّ يَنْشُرهُ أَهْله لِقِرَاءَتِهِ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : هُوَ مَا كَتَبَ اللَّه لِمُوسَى بِيَدِهِ مِنْ التَّوْرَاة وَمُوسَى يَسْمَع صَرِير الْقَلَم . وَقَالَ الْفَرَّاء : هُوَ صَحَائِف الْأَعْمَال ; فَمِنْ آخِذ كِتَابه بِيَمِينِهِ , وَمِنْ آخِذ كِتَابه بِشِمَالِهِ ; نَظِيره : " وَنُخْرِج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا " [ الْإِسْرَاء : 13 ] وَقَوْله : " وَإِذَا الصُّحُف نُشِرَتْ " [ التَّكْوِير : 10 ] . وَقِيلَ : إِنَّهُ الْكِتَاب الَّذِي كَتَبَهُ اللَّه تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ فِي السَّمَاء يَقْرَءُونَ فِيهِ مَا كَانَ وَمَا يَكُون . وَقِيلَ : الْمُرَاد مَا كَتَبَ اللَّه فِي قُلُوب الْأَوْلِيَاء مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ; بَيَانه : " أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبهمْ الْإِيمَان " [ الْمُجَادَلَة : 22 ] . قُلْت : وَفِي هَذَا الْقَوْل تَجَوُّز ; لِأَنَّهُ عَبَّرَ بِالْقُلُوبِ عَنْ الرَّقّ . قَالَ الْمُبَرِّد : الرَّقّ مَا رُقِّقَ مِنْ الْجِلْد لِيُكْتَب فِيهِ , وَالْمَنْشُور الْمَبْسُوط . وَكَذَا قَالَ الْجَوْهَرِيّ فِي الصِّحَاح , قَالَ : وَالرَّقّ بِالْفَتْحِ مَا يُكْتَب فِيهِ وَهُوَ جِلْد رَقِيق . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " فِي رَقّ مَنْشُور " وَالرَّقّ أَيْضًا الْعَظِيم مِنْ السَّلَاحِف . قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : وَجَمْعه رُقُوق . وَالْمَعْنَى الْمُرَاد مَا قَالَهُ الْفَرَّاء ; وَاَللَّه أَعْلَمُ . وَكُلّ صَحِيفَة فَهِيَ رَقّ لِرِقَّةِ حَوَاشِيهَا ; وَمِنْهُ قَوْل الْمُتَلَمِّس : فَكَأَنَّمَا هِيَ مِنْ تَقَادُم عَهْدهَا رَقّ أُتِيحَ كِتَابُهَا مَسْطُورُ وَأَمَّا الرِّقّ بِالْكَسْرِ فَهُوَ الْمِلْك ; يُقَال : عَبْد مَرْقُوق . وَحَكَى الْمَاوَرْدِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ الرَّقّ بِالْفَتْحِ مَا بَيْن الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب .'; $TAFSEER['4']['52']['4'] = 'قَالَ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَغَيْرهمَا : هُوَ بَيْت فِي السَّمَاء حِيَال الْكَعْبَة يَدْخُلهُ كُلّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْف مَلَك , ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهُ فَلَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ . قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : هُوَ بَيْت فِي السَّمَاء السَّادِسَة . وَقِيلَ : فِي السَّمَاء الرَّابِعَة ; رَوَى أَنَس بْن مَالِك , عَنْ مَالِك بْن صَعْصَعَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أُوتِيَ بِي إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَرُفِعَ لَنَا الْبَيْت الْمَعْمُور فَإِذَا هُوَ حِيَال الْكَعْبَة لَوْ خَرَّ خَرَّ عَلَيْهَا يَدْخُلهُ كُلّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْف مَلَك إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ ) ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَحَكَى الْقُشَيْرِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : سَأَلَ اِبْن الْكَوَّاء عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : فَمَا الْبَيْت الْمَعْمُور ؟ قَالَ : بَيْت فَوْق سَبْع سَمَوَات تَحْت الْعَرْش يُقَال لَهُ الضُّرَاح . وَكَذَا فِي " الصِّحَاح " : وَالضُّرَاح بِالضَّمِّ بَيْت فِي السَّمَاء وَهُوَ الْبَيْت الْمَعْمُور عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَعُمْرَانه كَثْرَة غَاشِيَته مِنْ الْمَلَائِكَة . وَقَالَ الْمَهْدَوِيّ عَنْهُ : حِذَاء الْعَرْش . وَاَلَّذِي فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ مَالِك بْن صَعْصَعَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث الْإِسْرَاء : ( ثُمَّ رُفِعَ إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور فَقُلْت يَا جِبْرِيل مَا هَذَا قَالَ هَذَا الْبَيْت الْمَعْمُور يَدْخُلهُ كُلّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْف مَلَك إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرُ مَا عَلَيْهِمْ ) وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَفِي حَدِيث ثَابِت عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أُتِيت بِالْبُرَاقِ ) الْحَدِيث ; وَفِيهِ : ( ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيل قِيلَ وَمَنْ مَعَك قَالَ مُحَمَّد - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مُسْنِدًا ظَهْره إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور وَإِذَا هُوَ يَدْخُلهُ كُلّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْف مَلَك لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ ) . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا قَالَ : لِلَّهِ فِي السَّمَوَات وَالْأَرَضِينَ خَمْسَة عَشَرَ بَيْتًا , سَبْعَة فِي السَّمَوَات . وَسَبْعَة فِي الْأَرَضِينَ وَالْكَعْبَة , وَكُلّهَا مُقَابِلَة لِلْكَعْبَةِ . وَقَالَ الْحَسَن : الْبَيْت الْمَعْمُور هُوَ الْكَعْبَة , الْبَيْت الْحَرَام الَّذِي هُوَ مَعْمُور مِنْ النَّاس , يَعْمُرهُ اللَّه كُلّ سَنَة بِسِتِّمِائَةِ أَلْف , فَإِنْ عَجَزَ النَّاس عَنْ ذَلِكَ أَتَمَّهُ اللَّه بِالْمَلَائِكَةِ , وَهُوَ أَوَّل بَيْت وَضَعَهُ اللَّه لِلْعِبَادَةِ فِي الْأَرْض . وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : إِنَّ الْبَيْت الْمَعْمُور كَانَ فِي الْأَرْض مَوْضِع الْكَعْبَة فِي زَمَان آدَم عَلَيْهِ السَّلَام , فَلَمَّا كَانَ زَمَان نُوح عَلَيْهِ السَّلَام أَمَرَهُمْ أَنْ يَحُجُّوا فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَعَصَوْهُ , فَلَمَّا طَغَى الْمَاء رُفِعَ فَجُعِلَ بِحِذَائِهِ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا , فَيَعْمُرهُ كُلّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْف مَلَك , ثُمَّ لَا يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ حَتَّى يُنْفَخ فِي الصُّور , قَالَ : فَبَوَّأَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ لِإِبْرَاهِيم مَكَان الْبَيْت حَيْثُ كَانَ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيم مَكَان الْبَيْت أَنْ لَا تُشْرِك بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّع السُّجُود " [ اِلْحَحْ : 26 ] .'; $TAFSEER['4']['52']['5'] = 'يَعْنِي السَّمَاء سَمَّاهَا سَقْفًا ; لِأَنَّهَا لِلْأَرْضِ كَالسَّقْفِ لِلْبَيْتِ ; بَيَانه : " وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَحْفُوظًا " [ الْأَنْبِيَاء : 32 ] . وَقَالَ , اِبْن عَبَّاس : هُوَ الْعَرْش وَهُوَ سَقْف الْجَنَّة .'; $TAFSEER['4']['52']['6'] = 'قَالَ مُجَاهِد : الْمُوقَد ; وَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَر : ( إِنَّ الْبَحْر يُسْجَر يَوْم الْقِيَامَة فَيَكُون نَارًا ) . وَقَالَ قَتَادَة : الْمَمْلُوء . وَأَنْشَدَ النَّحْوِيُّونَ لِلنَّمِرِ بْن تَوْلَب : إِذَا شَاءَ طَالَعَ مَسْجُورَةً تَرَى حَوْلهَا النَّبْع وَالسَّاسَمَا يُرِيد وَعْلًا يُطَالِع عَيْنًا مَسْجُورَة مَمْلُوءَة . فَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَمْلُوء نَارًا فَيَكُون كَالْقَوْلِ الْمُتَقَدِّم . وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاك وَشِمْر بْن عَطِيَّة وَمُحَمَّد بْن كَعْب وَالْأَخْفَش بِأَنَّهُ الْمَوْقِدُ الْمَحْمِيّ بِمَنْزِلَةِ التَّنُّور الْمَسْجُور . وَمِنْهُ قِيلَ : لِلْمِسْعَرِ مِسْجَر ; وَدَلِيل هَذَا التَّأْوِيل قَوْله تَعَالَى : " وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ " [ التَّكْوِير : 6 ] أَيْ أُوقِدَتْ ; سَجَرْت التَّنُّور أَسْجُرهُ سَجْرًا أَيْ أَحْمَيْته . وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لِرَجُلٍ مِنْ الْيَهُود : أَيْنَ جَهَنَّم ؟ قَالَ : الْبَحْر . قَالَ مَا أَرَاك إِلَّا صَادِقًا , وَتَلَا : " وَالْبَحْر الْمَسْجُور " . " وَإِذَا الْبِحَار سُجِرَتْ " [ التَّكْوِير : 6 ] مُخَفَّفَة . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : لَا يُتَوَضَّأ بِمَاءِ الْبَحْر لِأَنَّهُ طَبَق جَهَنَّم . وَقَالَ كَعْب : يُسْجَر الْبَحْر غَدًا فَيُزَاد فِي نَار جَهَنَّم ; فَهَذَا قَوْل وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمَسْجُور الَّذِي ذَهَبَ مَاؤُهُ . وَقَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة . وَرَوَى عَطِيَّة وَذُو الرُّمَّة الشَّاعِر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : خَرَجَتْ أَمَة لِتَسْتَقِيَ فَقَالَتْ : إِنَّ الْحَوْض مَسْجُور أَيْ فَارِغ , قَالَ اِبْن أَبِي دَاوُدَ : لَيْسَ لِذِي الرُّمَّة حَدِيث إِلَّا هَذَا . وَقِيلَ : الْمَسْجُور أَيْ الْمَفْجُور ; دَلِيله : " وَإِذَا الْبِحَار فُجِّرَتْ " [ الِانْفِطَار : 3 ] أَيْ تُنَشِّفهَا الْأَرْض فَلَا يَبْقَى فِيهَا مَاء . وَقَوْل ثَالِث قَالَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَعِكْرِمَة . قَالَ أَبُو مَكِين : سَأَلْت عِكْرِمَة عَنْ الْبَحْر الْمَسْجُور فَقَالَ : هُوَ بَحْر دُون الْعَرْش . وَقَالَ عَلِيّ : تَحْت الْعَرْش فِيهِ مَاء غَلِيظ . وَيُقَال لَهُ بَحْر الْحَيَوَان يُمْطِر الْعِبَاد مِنْهُ بَعْد النَّفْخَة الْأُولَى أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَيَنْبُتُونَ فِي قُبُورهمْ . وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : الْمَسْجُور الْمُخْتَلِط الْعَذْب بِالْمِلْحِ . قُلْت : إِلَيْهِ يَرْجِع مَعْنَى " فُجِّرَتْ " فِي أَحَد التَّأْوِيلَيْنِ ; أَيْ فُجِّرَ عَذْبهَا فِي مَالِحهَا : وَاَللَّه أَعْلَمُ . وَسَيَأْتِي . وَرَوَى عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : الْمَسْجُور الْمَحْبُوس .'; $TAFSEER['4']['52']['7'] = 'هَذَا جَوَاب الْقَسَم ; أَيْ وَاقِع بِالْمُشْرِكِينَ . قَالَ جُبَيْر بْن مُطْعِم : قَدِمْت الْمَدِينَة لِأَسْأَل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُسَارَى بَدْر , فَوَافَيْته يَقْرَأ فِي صَلَاة الْمَغْرِب " وَالطُّور " إِلَى قَوْله : " إِنَّ عَذَاب رَبّك لَوَاقِع . مَا لَهُ مِنْ دَافِع "'; $TAFSEER['4']['52']['8'] = 'فَكَأَنَّمَا صَدَعَ قَلْبِي , فَأَسْلَمْت خَوْفًا مِنْ نُزُول الْعَذَاب , وَمَا كُنْت أَظُنّ أَنْ أَقُوم مِنْ مَقَامِي حَتَّى يَقَع بِي الْعَذَاب . وَقَالَ هِشَام بْن حَسَّان : اِنْطَلَقْت أَنَا وَمَالِك بْن دِينَار إِلَى الْحَسَن وَعِنْده رَجُل يَقْرَأ " وَالطُّور " حَتَّى بَلَغَ " إِنَّ عَذَاب رَبّك لَوَاقِع . مَا لَهُ مِنْ دَافِع " فَبَكَى الْحَسَن وَبَكَى أَصْحَابه ; فَجَعَلَ مَالِك يَضْطَرِب حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ . وَلَمَّا وُلِّيَ بَكَّار الْقَضَاء جَاءَ إِلَيْهِ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ فَتَوَجَّهَتْ عَلَى أَحَدهمَا الْيَمِين , فَرَغِبَ إِلَى الصُّلْح بَيْنهمَا , وَأَنَّهُ يُعْطِي خَصْمه مِنْ عِنْده عِوَضًا مِنْ يَمِينه فَأَبَى إِلَّا الْيَمِين , فَأَحْلَفَهُ بِأَوَّلِ " وَالطُّور " إِلَى أَنْ قَالَ لَهُ قُلْ " إِنَّ عَذَاب رَبّك لَوَاقِع " إِنْ كُنْت كَاذِبًا ; فَقَالَهَا فَخَرَجَ فَكُسِرَ مِنْ حِينه .'; $TAFSEER['4']['52']['9'] = 'الْعَامِل فِي يَوْقَوْله : " وَاقِع " أَيْ يَقَع الْعَذَاب بِهِمْ يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي تَمُور فِيهِ السَّمَاء . قَالَ أَهْل اللُّغَة : مَارَ الشَّيْء يَمُور مَوْرًا , أَيْ تَحَرَّكَ وَجَاءَ وَذَهَبَ كَمَا تَتَكَفَّأ النَّخْلَة الْعَيْدَانَة , أَيْ الطَّوِيلَة , وَالتَّمَوُّر مِثْله . وَقَالَ الضَّحَّاك : يَمُوج بَعْضهَا فِي بَعْض . مُجَاهِد : تَدُور دَوْرًا . أَبُو عُبَيْدَة وَالْأَخْفَش : تَكَفَّأ , وَأَنْشَدَ لِلْأَعْشَى : كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْت جَارَتهَا مَوْر السَّحَابَة لَا رَيْث وَلَا عَجَل وَقِيلَ تَجْرِي جَرْيًا . وَمِنْهُ قَوْل جَرِير : ش وَمَا زَالَتْ الْقَتْلَى تَمُور دِمَاؤُهَا /و بِدِجْلَة حَتَّى مَاء دِجْلَة أَشْكَلُ وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : تَمُور السَّمَاء يَوْمئِذٍ بِمَا فِيهَا وَتَضْطَرِب . وَقِيلَ : يَدُور أَهْلهَا فِيهَا وَيَمُوج بَعْضهمْ فِي بَعْض . وَالْمَوْر أَيْضًا الطَّرِيق . وَمِنْهُ قَوْل طَرَفَة : ... فَوْق مَوْرٍ مُعَبَّدِ وَالْمَوْر الْمَوْج . وَنَاقَة مَوَّارَة الْيَد أَيْ سَرِيعَة . وَالْبَعِير يَمُور عَضُدَاهُ إِذَا تَرَدَّدَا فِي عَرْض جَنْبه , قَالَ الشَّاعِر : عَلَى ظَهْر مَوَّار الْمِلَاط حِصَان الْمِلَاط الْجَنْب . وَقَوْلهمْ : لَا أَدْرِي أَغَارَ أَمْ مَارَ ; أَيْ أَتَى غَوْرًا أَمْ دَارَ فَرَجَعَ إِلَى نَجْد . وَالْمُور بِالضَّمِّ الْغُبَار بِالرِّيحِ . وَقِيلَ : إِنَّ السَّمَاء هَا هُنَا الْفُلْك وَمَوْره اِضْطِرَاب نَظْمه وَاخْتِلَاف سَيْره ; قَالَ اِبْن بَحْر .'; $TAFSEER['4']['52']['10'] = 'قَالَ مُقَاتِل : تَسِير عَنْ أَمَاكِنهَا حَتَّى تَسْتَوِيَ بِالْأَرْضِ . وَقِيلَ : تَسِير كَسَيْرِ السَّحَاب الْيَوْم فِي الدُّنْيَا ; بَيَانه " وَتَرَى الْجِبَال تَحْسَبُهَا جَامِدَة وَهِيَ تَمُرّ مَرَّ السَّحَاب " [ النَّمْل : 88 ] . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْكَهْف " .'; $TAFSEER['4']['52']['11'] = '" وَيْل " كَلِمَة تُقَال لِلْهَالِكِ , وَإِنَّمَا دَخَلَتْ الْفَاء لِأَنَّ فِي الْكَلَام مَعْنَى الْمُجَازَاة .'; $TAFSEER['4']['52']['12'] = 'أَيْ فِي تَرَدُّد فِي الْبَاطِل , وَهُوَ خَوْضهمْ فِي أَمْر مُحَمَّد بِالتَّكْذِيبِ . وَقِيلَ : فِي خَوْض فِي أَسْبَاب الدُّنْيَا يَلْعَبُونَ لَا يَذْكُرُونَ حِسَابًا وَلَا جَزَاء . وَقَدْ مَضَى فِي " التَّوْبَة " .'; $TAFSEER['4']['52']['13'] = '" يَوْم " بَدَل مِنْ يَوْمئِذٍ . و " يُدَعُّونَ " مَعْنَاهُ يُدْفَعُونَ إِلَى جَهَنَّم بِشِدَّةٍ وَعُنْف , يُقَال : دَعَعْته أَدُعّهُ دَعًّا أَيْ دَفَعْته , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعّ الْيَتِيم " [ الْمَاعُون : 2 ] . وَفِي التَّفْسِير : إِنَّ خَزَنَة جَهَنَّم يَغُلُّونَ أَيْدِيَهُمْ إِلَى أَعْنَاقهمْ , وَيَجْمَعُونَ نَوَاصِيَهُمْ إِلَى أَقْدَامهمْ , ثُمَّ يَدْفَعُونَهُمْ فِي النَّار دَفْعًا عَلَى وُجُوههمْ , وَزَخًّا فِي أَعْنَاقهمْ حَتَّى يَرِدُوا النَّار . وَقَرَأَ أَبُو رَجَاء الْعُطَارِدِيّ وَابْن السَّمَيْقَع " يَوْم يُدْعَوْنَ إِلَى نَار جَهَنَّم دَعًّا " بِالتَّخْفِيفِ مِنْ الدُّعَاء فَإِذَا دَنَوْا مِنْ النَّار قَالَتْ لَهُمْ الْخَزَنَة :'; $TAFSEER['4']['52']['14'] = 'فِي الدُّنْيَا .'; $TAFSEER['4']['52']['15'] = 'اِسْتِفْهَام مَعْنَاهُ التَّوْبِيخ وَالتَّقْرِيع ; أَيْ يُقَال لَهُمْ : " أَفَسِحْر هَذَا " الَّذِي تَرَوْنَ الْآن بِأَعْيُنِكُمْ وَقِيلَ : " أَمْ " بِمَعْنَى بَلْ ; أَيْ بَلْ كُنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ فِي الدُّنْيَا وَلَا تَعْقِلُونَ .'; $TAFSEER['4']['52']['16'] = 'أَيْ تَقُول لَهُمْ الْخَزَنَة ذُوقُوا حَرَّهَا بِالدُّخُولِ فِيهَا . أَيْ سَوَاء كَانَ لَكُمْ فِيهَا صَبْر أَوْ لَمْ يَكُنْ فـ " سَوَاء " خَبَره مَحْذُوف , أَيْ سَوَاء عَلَيْكُمْ الْجَزَع وَالصَّبْر فَلَا يَنْفَعكُمْ شَيْء , كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : " سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا " [ إِبْرَاهِيم : 21 ] . " إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ "'; $TAFSEER['4']['52']['17'] = 'لَمَّا ذَكَرَ حَال الْكُفَّار ذَكَرَ حَال الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا'; $TAFSEER['4']['52']['18'] = 'أَيْ ذَوِي فَاكِهَة كَثِيرَة ; يُقَال : رَجُل فَاكِه أَيْ ذُو فَاكِهَة , كَمَا يُقَال : لَابِن وَتَامِر ; أَيْ ذُو لَبَن وَتَمْر ; قَالَ : وَغَرَرْتنِي وَزَعَمْت أَنَّـ ـكَ لَابِنٌ بِالصَّيْفِ تَامِرْ أَيْ ذُو لَبَن وَتَمْر . وَقَرَأَ الْحَسَن وَغَيْره : " فَكِهِينَ " بِغَيْرِ أَلِف وَمَعْنَاهُ مُعْجَبِينَ نَاعِمِينَ فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس وَغَيْره ; يُقَال : فَكِهَ الرَّجُل بِالْكَسْرِ فَهُوَ فَكِه إِذَا كَانَ طَيِّب النَّفْس مَزَّاحًا . وَالْفَكِه أَيْضًا الْأَشِر الْبَطِر . وَقَدْ مَضَى فِي " الدُّخَان " الْقَوْل فِي هَذَا . أَيْ أَعْطَاهُمْ'; $TAFSEER['4']['52']['19'] = 'أَيْ يُقَال لَهُمْ ذَلِكَ . الْهَنِيء مَا لَا تَنْغِيص فِيهِ وَلَا نَكَد وَلَا كَدَر . قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ لِيَهْنِئْكُمْ مَا صِرْتُمْ إِلَيْهِ " هَنِيئًا " . وَقِيلَ : أَيْ مُتِّعْتُمْ بِنَعِيمِ الْجَنَّة إِمْتَاعًا هَنِيئًا وَقِيلَ : أَيْ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِئْتُمْ " هَنِيئًا " فَهُوَ صِفَة فِي مَوْضِع الْمَصْدَر . وَقِيلَ " هَنِيئًا " : أَيْ حَلَالًا . وَقِيلَ : لَا أَذَى فِيهِ وَلَا غَائِلَة . وَقِيلَ : " هَنِيئًا " أَيْ لَا تَمُوتُونَ ; فَإِنَّ مَا لَا يَبْقَى أَوْ لَا يَبْقَى الْإِنْسَان مَعَهُ مُنَغَّص غَيْر هَنِيء .'; $TAFSEER['4']['52']['20'] = 'سُرُر جَمْع سَرِير وَفِي الْكَلَام حَذْف تَقْدِيره : مُتَّكِئِينَ عَلَى نَمَارِق سُرُر . قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : أَيْ مَوْصُولَة بَعْضهَا إِلَى بَعْض حَتَّى تَصِير صَفًّا . وَفِي الْأَخْبَار أَنَّهَا تُصَفُّ فِي السَّمَاء بِطُولِ كَذَا وَكَذَا ; فَإِذَا أَرَادَ الْعَبْد أَنْ يَجْلِس عَلَيْهَا تَوَاضَعَتْ لَهُ ; فَإِذَا جَلَسَ عَلَيْهَا عَادَتْ إِلَى حَالهَا . قَالَ اِبْن عَبَّاس : هِيَ سُرُر مِنْ ذَهَب مُكَلَّلَة بِالزَّبَرْجَدِ وَالدُّرّ وَالْيَاقُوت , وَالسَّرِير مَا بَيْن مَكَّة وَأَيْلَة . أَيْ قَرَنَّاهُمْ بِهِنَّ . قَالَ يُونُس بْن حَبِيب : تَقُول الْعَرَب زَوَّجْته اِمْرَأَة وَتَزَوَّجْت اِمْرَأَة ; وَلَيْسَ مِنْ كَلَام الْعَرَب تَزَوَّجْت بِامْرَأَةٍ . قَالَ : وَقَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِين " أَيْ قَرَنَّاهُمْ بِهِنَّ ; مِنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : " اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجهمْ " [ الصَّافَّات : 22 ] أَيْ وَقُرَنَاءَهُمْ . وَقَالَ الْفَرَّاء : تَزَوَّجْت بِامْرَأَةٍ لُغَة فِي أَزْد شَنُوءَة . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي مَعْنَى الْحُور الْعِين .'; $TAFSEER['4']['52']['21'] = 'قَرَأَ الْعَامَّة " وَاتَّبَعَتْهُمْ " بِوَصْلِ الْأَلِف وَتَشْدِيد التَّاء وَفَتْح الْعَيْن وَإِسْكَان التَّاء . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو " وَأَتْبَعْنَاهُمْ " بِقَطْعِ الْأَلِف وَإِسْكَان التَّاء وَالْعَيْن وَنُون ; اِعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ : " أَلْحَقْنَا بِهِمْ " لِيَكُونَ الْكَلَام عَلَى نَسَق وَاحِد . فَأَمَّا قَوْلُهُ " ذُرِّيَّتُهُمْ " الْأُولَى فَقَرَأَهَا بِالْجَمْعِ اِبْن عَامِر وَأَبُو عَمْرو وَيَعْقُوب وَرَوَاهَا عَنْ نَافِع إِلَّا أَنَّ أَبَا عَمْرو كَسَرَ التَّاء عَلَى الْمَفْعُول وَضَمَّ بَاقِيهمْ . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ " ذُرِّيَّتُهُمْ " عَلَى التَّوْحِيد وَضَمّ التَّاء وَهُوَ الْمَشْهُور عَنْ نَافِع . فَأَمَّا الثَّانِيَة فَقَرَأَهَا نَافِع وَابْن عَامِر وَأَبُو عَمْرو وَيَعْقُوب بِكَسْرِ التَّاء عَلَى الْجَمْع . الْبَاقُونَ " ذُرِّيَّتَهُمْ " عَلَى التَّوْحِيد وَفَتْح التَّاء . وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ ; فَقِيلَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَرْبَع رِوَايَات : الْأُولَى أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ اللَّه لَيَرْفَع ذُرِّيَّة الْمُؤْمِن مَعَهُ فِي دَرَجَته فِي الْجَنَّة وَإِنْ كَانُوا دُونه فِي الْعَمَل لِتَقَرّ بِهِمْ عَيْنه , وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة . وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا النَّحَّاس فِي " النَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ " لَهُ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَع ذُرِّيَّة الْمُؤْمِن مَعَهُ فِي دَرَجَته فِي الْجَنَّة وَإِنْ كَانَ لَمْ يَبْلُغهَا بِعَمَلِهِ لِتَقَرّ بِهِمْ عَيْنه ) ثُمَّ قَرَأَ " وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ بِإِيمَانٍ " الْآيَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَصَارَ الْحَدِيث مَرْفُوعًا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا يَجِب أَنْ يَكُون ; لِأَنَّ اِبْن عَبَّاس لَا يَقُول هَذَا إِلَّا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ إِخْبَار عَنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِمَا يَفْعَلهُ وَبِمَعْنَى أَنَّهُ أَنْزَلَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ . الزَّمَخْشَرِيّ : فَيَجْمَع اللَّه لَهُمْ أَنْوَاع السُّرُور بِسَعَادَتِهِمْ فِي أَنْفُسهمْ , وَبِمُزَاوَجَةِ الْحُور الْعِين , وَبِمُؤَانَسَةِ الْإِخْوَان الْمُؤْمِنِينَ , وَبِاجْتِمَاعِ أَوْلَادهمْ وَنَسْلهمْ بِهِمْ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ اللَّه لَيُلْحِق بِالْمُؤْمِنِ ذُرِّيَّته الصِّغَار الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْإِيمَان ; قَالَ الْمَهْدَوِيّ . وَالذُّرِّيَّة تَقَع عَلَى الصِّغَار وَالْكِبَار , فَإِنْ جُعِلَتْ الذُّرِّيَّة هَا هُنَا لِلصِّغَارِ كَانَ قَوْله تَعَالَى : " بِإِيمَانٍ " فِي مَوْضِع الْحَال مِنْ الْمَفْعُولِينَ , وَكَانَ التَّقْدِير " بِإِيمَانٍ " مِنْ الْآبَاء . وَإِنْ جُعِلَتْ الذُّرِّيَّة لِلْكِبَارِ كَانَ قَوْله : " بِإِيمَانٍ " حَالًا مِنْ الْفَاعِلِينَ . الْقَوْل الثَّالِث عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ الْمُرَاد بِاَلَّذِينَ آمَنُوا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار وَالذُّرِّيَّة التَّابِعُونَ . وَفِي رِوَايَة عَنْهُ : إِنْ كَانَ الْآبَاء أَرْفَعَ دَرَجَة رَفَعَ اللَّه الْأَبْنَاء إِلَى الْآبَاء , وَإِنْ كَانَ الْأَبْنَاء أَرْفَعَ دَرَجَة رَفَعَ اللَّه الْآبَاء إِلَى الْأَبْنَاء ; فَالْأَبَاء دَاخِلُونَ فِي اِسْم الذُّرِّيَّة ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَآيَة لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتهمْ فِي الْفُلْك الْمَشْحُون " [ يس : 41 ] . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا يَرْفَعهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا دَخَلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة سَأَلَ أَحَدهمْ عَنْ أَبَوَيْهِ وَعَنْ زَوْجَته وَوَلَده فَيُقَال لَهُمْ إِنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا مَا أَدْرَكْت فَيَقُول يَا رَبّ إِنِّي عَمِلْت لِي وَلَهُمْ فَيُؤْمَر بِإِلْحَاقِهِمْ بِهِ ) . وَقَالَتْ خَدِيجَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : سَأَلْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَلَدَيْنِ لِي مَاتَا فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ لِي : ( هُمَا فِي النَّار ) فَلَمَّا رَأَى الْكَرَاهِيَة فِي وَجْهِي قَالَ : ( لَوْ رَأَيْت مَكَانهمَا لَأَبْغَضْتهمَا ) قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه فَوَلَدِي مِنْك ؟ قَالَ : ( فِي الْجَنَّة ) ثُمَّ قَالَ : ( إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْلَادهمْ فِي الْجَنَّة وَالْمُشْرِكِينَ وَأَوْلَادهمْ فِي النَّار ) ثُمَّ قَرَأَ " وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتهمْ بِإِيمَانٍ " الْآيَة . أَيْ مَا نَقَصْنَا الْأَبْنَاء مِنْ ثَوَاب أَعْمَالهمْ لِقِصَرِ أَعْمَارهمْ , وَمَا نَقَصْنَا الْآبَاء مِنْ ثَوَاب أَعْمَالهمْ شَيْئًا بِإِلْحَاقِ الذُّرِّيَّات بِهِمْ . وَالْهَاء وَالْمِيم رَاجِعَانِ إِلَى قَوْله تَعَالَى : " وَاَلَّذِينَ آمَنُوا " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْمَعْنَى " وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتهمْ بِإِيمَانٍ " أَلْحَقْنَا بِالذُّرِّيَّةِ أَبْنَاءَهُمْ الصِّغَار الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْعَمَل ; فَالْهَاء وَالْمِيم عَلَى هَذَا الْقَوْل لِلذُّرِّيَّةِ . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير " وَمَا أَلِتْنَاهُمْ " بِكَسْرِ اللَّام . وَفَتَحَ الْبَاقُونَ . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة " آلَتْنَاهُمْ " بِالْمَدِّ ; قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : أَلَتَهُ يَأْلِتهُ أَلْتًا , وَآلَتَهُ يُؤْلِتهُ إِيلَاتًا , وَلَاتَهُ يَلِيتهُ لَيْتًا كُلّهَا إِذَا نَقَصَهُ . وَفِي الصِّحَاح : وَلَاتَهُ عَنْ وَجْهه يَلُوتهُ وَيَلِيتهُ أَيْ حَبَسَهُ عَنْ وَجْهه وَصَرَفَهُ , وَكَذَلِكَ أَلَاتَهُ عَنْ وَجْهه فَعَلَ وَأَفْعَلَ بِمَعْنًى , وَيُقَال أَيْضًا : مَا أَلَاتَهُ مِنْ عَمَله شَيْئًا أَيْ مَا نَقَصَهُ مِثْل أَلَتَهُ وَقَدْ مَضَى بـ " ـالْحُجُرَات " . قِيلَ : يَرْجِع إِلَى أَهْل النَّار . قَالَ اِبْن عَبَّاس : اِرْتَهَنَ أَهْل جَهَنَّم بِأَعْمَالِهِمْ وَصَارَ أَهْل الْجَنَّة إِلَى نَعِيمهمْ , وَلِهَذَا قَالَ : " كُلّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة . إِلَّا أَصْحَاب الْيَمِين " [ الْمُدَّثِّر : 38 - 39 ] . وَقِيلَ : هُوَ عَامّ لِكُلِّ إِنْسَان مُرْتَهَن بِعَمَلِهِ فَلَا يُنْقَص أَحَد مِنْ ثَوَاب عَمَله , فَأَمَّا الزِّيَادَة عَلَى ثَوَاب الْعَمَل فَهِيَ تَفَضُّل مِنْ اللَّه . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون هَذَا فِي الذُّرِّيَّة الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَلَا يَلْحَقُونَ آبَاءَهُمْ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ يَكُونُونَ مُرْتَهَنِينَ بِكُفْرِهِمْ .'; $TAFSEER['4']['52']['22'] = 'أَيْ أَكْثَرْنَا لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ زِيَادَة مِنْ اللَّه , أَمَدَّهُمْ بِهَا غَيْر الَّذِي كَانَ لَهُمْ .'; $TAFSEER['4']['52']['23'] = 'أَيْ يَتَنَاوَلهَا بَعْضهمْ مِنْ بَعْض وَهُوَ الْمُؤْمِن وَزَوْجَاته وَخَدَمه فِي الْجَنَّة . وَالْكَأْس : إِنَاء الْخَمْر وَكُلّ إِنَاء مَمْلُوء مِنْ شَرَاب وَغَيْره ; فَإِذَا فَرَغَ لَمْ يُسَمِّ كَأْسًا وَشَاهِد التَّنَازُع وَالْكَأْس فِي اللُّغَة قَوْل الْأَخْطَل : وَشَارِب مُرْبِح بِالْكَأْسِ نَادَمَنِي لَا بِالْحَصُورِ وَلَا فِيهَا بِسَوَّارِ نَازَعْتُهُ طَيِّبَ الرَّاحِ الشَّمُولِ وَقَدْ صَاحَ الدَّجَاج وَحَانَتْ وَقْعَةُ السَّارِي وَقَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : فَلَمَّا تَنَازَعْنَا الْحَدِيث وَأَسْمَحَتْ هَصَرْتُ بِغُصْنٍ ذِي شَمَارِيخَ مَيَّالِ وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي " وَالصَّافَّات " . " لَا لَغْو فِيهَا " أَيْ فِي الْكَأْس أَيْ لَا يَجْرِي بَيْنهمْ لَغْو " وَلَا تَأْثِيم " وَلَا مَا فِيهِ إِثْم . وَالتَّأْثِيم تَفْعِيل مِنْ الْإِثْم ; أَيْ تِلْكَ الْكَأْس لَا تَجْعَلهُمْ آثِمِينَ لِأَنَّهُ مُبَاح لَهُمْ . وَقِيلَ : أَيْ فِي الْجَنَّة . قَالَ اِبْن عَطَاء : أَيُّ لَغْوٍ يَكُون فِي مَجْلِس مَحَلّه جَنَّة عَدْن , وَسُقَاتهمْ الْمَلَائِكَة , وَشُرْبهمْ عَلَى ذِكْر اللَّه , وَرَيْحَانهمْ وَتَحِيَّتهمْ مِنْ عِنْد اللَّه , وَالْقَوْم أَضْيَاف اللَّه ! أَيْ وَلَا كَذِب ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . الضَّحَّاك : يَعْنِي لَا يَكْذِب بَعْضُهُمْ بَعْضًا . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَأَبُو عَمْرو : " لَا لَغْوَ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمَ " بِفَتْحِ آخِره . الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِين . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي " الْبَقَرَة " عِنْد قَوْله تَعَالَى : " وَلَا خُلَّة وَلَا شَفَاعَة " [ الْبَقَرَة : 254 ] وَالْحَمْد لِلَّهِ .'; $TAFSEER['4']['52']['24'] = 'أَيْ بِالْفَوَاكِهِ وَالتُّحَف وَالطَّعَام وَالشَّرَاب ; وَدَلِيله : " يُطَاف عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَب " [ الزُّخْرُف : 71 ] , " يُطَاف عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِين " [ الصَّافَّات : 45 ] . ثُمَّ قِيلَ : هُمْ الْأَطْفَال مِنْ أَوْلَادهمْ الَّذِينَ سَبَقُوهُمْ , فَأَقَرَّ اللَّه تَعَالَى بِهِمْ أَعْيُنهمْ . وَقِيلَ : إِنَّهُمْ مَنْ أَخْدَمَهُمْ اللَّه تَعَالَى إِيَّاهُمْ مِنْ أَوْلَاد غَيْرهمْ . وَقِيلَ : هُمْ غِلْمَان خُلِقُوا فِي الْجَنَّة . قَالَ الْكَلْبِيّ : لَا يَكْبَرُونَ أَبَدًا فِي الْحُسْن وَالْبَيَاض فِي الصَّدَف , وَالْمَكْنُون الْمَصُون . وَقَوْله تَعَالَى : " يَطُوف عَلَيْهِمْ وِلْدَان مُخَلَّدُونَ " [ الْوَاقِعَة : 17 ] . قِيلَ : هُمْ أَوْلَاد الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ خَدَم أَهْل الْجَنَّة . وَلَيْسَ فِي الْجَنَّة نَصَب وَلَا حَاجَة إِلَى خِدْمَة , وَلَكِنَّهُ أُخْبِرَ بِأَنَّهُمْ عَلَى نِهَايَة النَّعِيم . وَعَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ أَدْنَى أَهْل الْجَنَّة مَنْزِلَة مَنْ يُنَادِي الْخَادِم مِنْ خَدَمه فَيُجِيبهُ أَلْف كُلّهمْ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ ) . وَعَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ أَحَد مِنْ أَهْل الْجَنَّة إِلَّا يَسْعَى عَلَيْهِ أَلْف غُلَام كُلّ غُلَام عَلَى عَمَل لَيْسَ عَلَيْهِ صَاحِبه ) . وَعَنْ الْحَسَن أَنَّهُمْ قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه إِذَا كَانَ الْخَادِم كَاللُّؤْلُؤِ فَكَيْف يَكُون الْمَخْدُوم ؟ فَقَالَ : ( مَا بَيْنهمَا كَمَا بَيْن الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر وَبَيْن أَصْغَر الْكَوَاكِب ) . قَالَ الْكِسَائِيّ : كَنَنْت الشَّيْء سَتَرْته وَصُنْته مِنْ الشَّمْس , وَأَكْنَنْته فِي نَفْسِي أَسْرَرْته . وَقَالَ أَبُو زَيْد : كَنَنْته وَأَكْنَنْته بِمَعْنًى فِي الْكِنّ وَفِي النَّفْس جَمِيعًا ; تَقُول : كَنَنْت الْعِلْم وَأَكْنَنْته فَهُوَ مَكْنُون وَمُكَنّ . وَكَنَنْت الْجَارِيَة وَأَكْنَنْتهَا فَهِيَ مَكْنُونَة وَمُكَنَّة .'; $TAFSEER['4']['52']['25'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِذَا بُعِثُوا مِنْ قُبُورهمْ سَأَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا . وَقِيلَ : فِي الْجَنَّة " يَتَسَاءَلُونَ " أَيْ يَتَذَاكَرُونَ مَا كَانُوا فِيهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ التَّعَب وَالْخَوْف مِنْ الْعَاقِبَة , وَيَحْمَدُونَ اللَّه تَعَالَى عَلَى زَوَال الْخَوْف عَنْهُمْ . وَقِيلَ : يَقُول بَعْضهمْ لِبَعْضٍ بِمَ صِرْت فِي هَذِهِ الْمَنْزِلَة الرَّفِيعَة ؟'; $TAFSEER['4']['52']['26'] = 'أَيْ قَالَ كُلّ مَسْئُول مِنْهُمْ لِسَائِلِهِ : " إِنَّا كُنَّا قَبْل " أَيْ فِي الدُّنْيَا خَائِفِينَ وَجِلِينَ مِنْ عَذَاب اللَّه .'; $TAFSEER['4']['52']['27'] = 'بِالْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَة . وَقِيلَ : بِالتَّوْفِيقِ وَالْهِدَايَة . قَالَ الْحَسَن : " السَّمُوم " اِسْم مِنْ أَسْمَاء النَّار وَطَبَقَة مِنْ طِبَاق جَهَنَّم . وَقِيلَ : هُوَ النَّار كَمَا تَقُول جَهَنَّم . وَقِيلَ : نَار عَذَاب السَّمُوم . وَالسَّمُوم الرِّيح الْحَارَّة تُؤَنَّث ; يُقَال مِنْهُ : سُمَّ يَوْمُنَا فَهُوَ مَسْمُوم وَالْجَمْع سَمَائِم قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : السَّمُوم بِالنَّهَارِ وَقَدْ تَكُون بِاللَّيْلِ , وَالْحَرُور بِاللَّيْلِ وَقَدْ تَكُون بِالنَّهَارِ ; وَقَدْ تُسْتَعْمَل السَّمُوم فِي لَفْح الْبَرْد وَهُوَ فِي لَفْح الْحَرّ وَالشَّمْس أَكْثَر ; قَالَ الرَّاجِز : الْيَوْمُ يَوْمٌ بَارِدٌ سَمُومُهْ مَنْ جَزِعَ الْيَوْمَ فَلَا أَلُومُهْ'; $TAFSEER['4']['52']['28'] = 'أَيْ فِي الدُّنْيَا بِأَنْ يَمُنّ عَلَيْنَا بِالْمَغْفِرَةِ عَنْ تَقْصِيرنَا . وَقِيلَ : " نَدْعُوهُ " أَيْ نَعْبُدهُ . وَقَرَأَ نَافِع وَالْكِسَائِيّ " أَنَّهُ " بِفَتْحِ الْهَمْزَة ; أَيْ لِأَنَّهُ . الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ عَلَى الِابْتِدَاء . و " الْبَرّ " اللَّطِيف ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْهُ أَيْضًا : أَنَّهُ الصَّادِق فِيمَا وَعَدَ . وَقَالَهُ اِبْن جُرَيْج .'; $TAFSEER['4']['52']['29'] = 'أَيْ فَذَكِّرْ يَا مُحَمَّد قَوْمك بِالْقُرْآنِ . يَعْنِي بِرِسَالَةِ رَبّك تَبْتَدِع الْقَوْل وَتُخْبِر بِمَا فِي غَد مِنْ غَيْر وَحْي . وَهَذَا رَدّ لِقَوْلِهِمْ فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَعُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط قَالَ : إِنَّهُ مَجْنُون , وَشَيْبَة بْن رَبِيعَة قَالَ : إِنَّهُ سَاحِر , وَغَيْرهمَا قَالَ : كَاهِن ; فَأَكْذَبَهُمْ اللَّه تَعَالَى وَرَدَّ عَلَيْهِمْ . ثُمَّ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى " فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبّك " الْقَسَم ; أَيْ وَبِنِعْمَةِ اللَّه مَا أَنْتَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُون . وَقِيلَ : لَيْسَ قَسَمًا , وَإِنَّمَا هُوَ كَمَا تَقُول : مَا أَنْتَ بِحَمْدِ اللَّه بِجَاهِلٍ ; أَيْ قَدْ بَرَّأَك اللَّه مِنْ ذَلِكَ .'; $TAFSEER['4']['52']['30'] = 'أَيْ بَلْ يَقُولُونَ مُحَمَّد شَاعِر . قَالَ سِيبَوَيْهِ : خُوطِبَ الْعِبَاد بِمَا جَرَى فِي كَلَامهمْ . قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : وَهَذَا كَلَام حَسَن إِلَّا أَنَّهُ غَيْر مُبَيَّن وَلَا مَشْرُوح ; يُرِيد سِيبَوَيْهِ أَنَّ " أَمْ " فِي كَلَام الْعَرَب لِخُرُوجِ مِنْ حَدِيث إِلَى حَدِيث ; كَمَا قَالَ : أَتَهْجُرُ غَانِيَةً أَمْ تُلِمْ فَتَمَّ الْكَلَام ثُمَّ خَرَجَ إِلَى شَيْء آخَر فَقَالَ : أَمْ الْحَبْل وَاهٍ بِهَا مُنْجَذِمْ فَمَا جَاءَ فِي كِتَاب اللَّه تَعَالَى مِنْ هَذَا فَمَعْنَاهُ التَّقْرِير وَالتَّوْبِيخ وَالْخُرُوج مِنْ حَدِيث إِلَى حَدِيث , وَالنَّحْوِيُّونَ يُمَثِّلُونَهَا بِبَلْ . قَالَ قَتَادَة : قَالَ قَوْم مِنْ الْكُفَّار تَرَبَّصُوا بِمُحَمَّدٍ الْمَوْت يَكْفِيكُمُوهُ كَمَا كَفَى شَاعِر بَنِي فُلَان . قَالَ الضَّحَّاك : هَؤُلَاءِ بَنُو عَبْد الدَّار نَسَبُوهُ إِلَى أَنَّهُ شَاعِر ; أَيْ يَهْلَك عَنْ قَرِيب كَمَا هَلَكَ مَنْ قَبْل مِنْ الشُّعَرَاء , وَأَنَّ أَبَاهُ مَاتَ شَابًّا فَرُبَّمَا يَمُوت كَمَا مَاتَ أَبُوهُ . وَقَالَ الْأَخْفَش : نَتَرَبَّص بِهِ إِلَى رَيْب الْمَنُون فَحُذِفَ حَرْف الْجَرّ , كَمَا تَقُول : قَصَدْت زَيْدًا وَقَصَدْت إِلَى زَيْد . وَالْمَنُون : الْمَوْت فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس . قَالَ أَبُو الْغَوْل الطُّهَوِيّ : هُمْ مَنَعُوا حِمَى الْوَقَبَى بِضَرْبٍ يُؤَلِّف بَيْن أَشْتَات الْمَنُونِ أَيْ الْمَنَايَا ; يَقُول : إِنَّ الضَّرْب يَجْمَع بَيْن قَوْم مُتَفَرِّقِي الْأَمْكِنَة لَوْ أَتَتْهُمْ مَنَايَاهُمْ فِي أَمَاكِنهمْ لَأَتَتْهُمْ مُتَفَرِّقَة , فَاجْتَمَعُوا فِي مَوْضِع وَاحِد فَأَتَتْهُمْ الْمَنَايَا مُجْتَمِعَة . وَقَالَ السُّدِّيّ عَنْ أَبِي مَالِك عَنْ اِبْن عَبَّاس : " رَيْب " فِي الْقُرْآن شَكّ إِلَّا مَكَانًا وَاحِدًا فِي الطُّور " رَيْب الْمَنُون " يَعْنِي حَوَادِث الْأُمُور ; وَقَالَ الشَّاعِر : تَرَبَّصْ بِهَا رَيْب الْمَنُون لَعَلَّهَا تُطَلَّقُ يَوْمًا أَوْ يَمُوتُ حَلِيلُهَا وَقَالَ مُجَاهِد : " رَيْب الْمَنُون " حَوَادِث الدَّهْر , وَالْمَنُون هُوَ الدَّهْر ; قَالَ أَبُو ذُؤَيْب : أَمِنَ الْمَنُونِ وَرَيْبِهِ تَتَوَجَّعُ وَالدَّهْر لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ وَقَالَ الْأَعْشَى : أَأَنْ رَأَتْ رَجُلًا أَعْشَى أَضَرَّ بِهِ رَيْب الْمَنُون وَدَهْرٌ مُتْبِلٌ خَبِل قَالَ الْأَصْمَعِيّ : الْمَنُون وَاللَّيْل وَالنَّهَار ; وَسُمِّيَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا يَنْقُصَانِ الْأَعْمَار وَيَقْطَعَانِ الْآجَال . وَعَنْهُ : أَنَّهُ قِيلَ لِلدَّهْرِ مَنُون , لِأَنَّهُ يَذْهَب بِمُنَّةِ الْحَيَوَان أَيْ قُوَّتِهِ وَكَذَلِكَ الْمَنِيَّة . أَبُو عُبَيْدَة : قِيلَ لِلدَّهْرِ مَنُون ; لِأَنَّهُ مُضْعِف , مِنْ قَوْلهمْ حَبْل مَنِين أَيْ ضَعِيف , وَالْمَنِين الْغُبَار الضَّعِيف . قَالَ الْفَرَّاء : وَالْمَنُون مُؤَنَّثَة وَتَكُون وَاحِدًا وَجَمْعًا . الْأَصْمَعِيّ : الْمَنُون وَاحِد لَا جَمَاعَة لَهُ . الْأَخْفَش : هُوَ جَمَاعَة لَا وَاحِد لَهُ , وَالْمَنُون يُذَكَّر وَيُؤَنَّث ; فَمَنْ ذَكَّرَهُ جَعَلَهُ الدَّهْر أَوْ الْمَوْت , وَمَنْ أَنَّثَهُ فَعَلَى الْحَمْل عَلَى الْمَعْنَى كَأَنَّهُ أَرَادَ الْمَنِيَّة .'; $TAFSEER['4']['52']['31'] = 'أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد تَرَبَّصُوا أَيْ اِنْتَظِرُوا . أَيْ مِنْ الْمُنْتَظِرِينَ بِكُمْ الْعَذَاب ; فَعُذِّبُوا يَوْم بَدْر بِالسَّيْفِ .'; $TAFSEER['4']['52']['32'] = 'أَيْ عُقُولهمْ أَيْ بِالْكَذِبِ عَلَيْك . أَيْ أَمْ طَغَوْا بِغَيْرِ عُقُول . وَقِيلَ : " أَمْ " بِمَعْنَى بَلْ ; أَيْ بَلْ كَفَرُوا طُغْيَانًا وَإِنْ ظَهَرَ لَهُمْ الْحَقّ . وَقِيلَ لِعَمْرِو بْن الْعَاص : مَا بَال قَوْمك لَمْ يُؤْمِنُوا وَقَدْ وَصَفَهُمْ اللَّه بِالْعَقْلِ ؟ فَقَالَ : تِلْكَ عُقُول كَادَهَا اللَّه ; أَيْ لَمْ يَصْحَبهَا بِالتَّوْفِيقِ . وَقِيلَ : " أَحْلَامهمْ " أَيْ أَذْهَانهمْ ; لِأَنَّ الْعَقْل لَا يُعْطَى لِلْكَافِرِ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَقْل لَآمَنَ . وَإِنَّمَا يُعْطَى الْكَافِر الذِّهْن فَصَارَ عَلَيْهِ حُجَّة . وَالذِّهْن يَقْبَل الْعِلْم جُمْلَة , وَالْعَقْل يُمَيِّز الْعِلْم وَيُقَدِّر الْمَقَادِير لِحُدُودِ الْأَمْر وَالنَّهْي . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُول اللَّه , مَا أَعْقَلَ فُلَانًا النَّصْرَانِيَّ ! فَقَالَ : ( مَهْ إِنَّ الْكَافِر لَا عَقْل لَهُ أَمَا سَمِعْت قَوْل اللَّه تَعَالَى : " وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَع أَوْ نَعْقِل مَا كُنَّا فِي أَصْحَاب السَّعِير " [ الْمُلْك : 10 ] ) . وَفِي حَدِيث اِبْن عُمَر : فَزَجَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ قَالَ : ( مَهْ فَإِنَّ الْعَاقِل مَنْ يَعْمَل بِطَاعَةِ اللَّه ) ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم أَبُو عَبْد اللَّه بِإِسْنَادِهِ .'; $TAFSEER['4']['52']['33'] = 'أَيْ اِفْتَعَلَهُ وَافْتَرَاهُ , يَعْنِي الْقُرْآن . وَالتَّقَوُّل تَكَلُّف الْقَوْل , وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَل فِي الْكَذِب فِي غَالِب الْأَمْر . وَيُقَال قَوَّلْتَنِي مَا لَمْ أَقُلْ ! وَأَقْوَلْتَنِي مَا لَمْ أَقُلْ ; أَيْ اِدَّعَيْته عَلَيَّ . وَتَقَوَّلَ عَلَيْهِ أَيْ كَذَبَ عَلَيْهِ . وَاقْتَالَ عَلَيْهِ تَحَكَّمَ قَالَ : وَمَنْزِلَة فِي دَار صِدْق وَغِبْطَة وَمَا اِقْتَالَ مِنْ حُكْم عَلَيَّ طَبِيب فَأَمْ الْأُولَى لِلْإِنْكَارِ وَالثَّانِيَة لِلْإِيجَابِ أَيْ لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ . جُحُودًا وَاسْتِكْبَارًا .'; $TAFSEER['4']['52']['34'] = 'أَيْ بِقُرْآنٍ يُشْبِههُ مِنْ تِلْقَاء أَنْفُسهمْ فِي أَنَّ مُحَمَّدًا اِفْتَرَاهُ . وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ " فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْله " بِالْإِضَافَةِ . وَالْهَاء فِي " مِثْله " لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأُضِيفَ الْحَدِيث الَّذِي يُرَاد بِهِ الْقُرْآن إِلَيْهِ لِأَنَّهُ الْمَبْعُوث بِهِ . وَالْهَاء عَلَى قِرَاءَة الْجَمَاعَة لِلْقُرْآنِ .'; $TAFSEER['4']['52']['35'] = '" أَمْ " صِلَة زَائِدَة وَالتَّقْدِير أَخُلِقُوا مِنْ غَيْر شَيْء . قَالَ اِبْن عَبَّاس : مِنْ غَيْر رَبّ خَلَقَهُمْ وَقَدَّرَهُمْ . وَقِيلَ : مِنْ غَيْر أُمّ وَلَا أَب ; فَهُمْ كَالْجَمَادِ لَا يَعْقِلُونَ وَلَا تَقُوم لِلَّهِ عَلَيْهِمْ حُجَّة ! ; لَيْسُوا كَذَلِكَ أَلَيْسَ قَدْ خُلِقُوا مِنْ نُطْفَة وَعَلَقَة وَمُضْغَة ؟ قَالَهُ اِبْن عَطَاء . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : أَمْ خُلِقُوا عَبَثًا وَتُرِكُوا سُدًى " مِنْ غَيْر شَيْء " أَيْ لِغَيْرِ شَيْء فـ " ـمِنْ " بِمَعْنَى اللَّام . أَيْ أَيَقُولُونَ إِنَّهُمْ خَلَقُوا أَنْفُسهمْ فَهُمْ لَا يَأْتَمِرُونَ لِأَمْرِ اللَّه وَهُمْ لَا يَقُولُونَ ذَلِكَ , وَإِذَا أَقَرُّوا أَنَّ ثَمَّ خَالِقًا غَيْرهمْ فَمَا الَّذِي يَمْنَعهُمْ مِنْ الْإِقْرَار لَهُ بِالْعِبَادَةِ دُون الْأَصْنَام , وَمِنْ الْإِقْرَار بِأَنَّهُ قَادِر عَلَى الْبَعْث .'; $TAFSEER['4']['52']['36'] = 'أَيْ لَيْسَ الْأَمْر كَذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَخْلُقُوا شَيْئًا بِالْحَقِّ'; $TAFSEER['4']['52']['37'] = 'أَمْ عِنْدهمْ ذَلِكَ فَيَسْتَغْنُوا عَنْ اللَّه وَيُعْرِضُوا عَنْ أَمْره . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : خَزَائِن رَبّك الْمَطَر وَالرِّزْق . وَقِيلَ : مَفَاتِيح الرَّحْمَة . وَقَالَ عِكْرِمَة : النُّبُوَّة . أَيْ أَفَبِأَيْدِيهِمْ مَفَاتِيح رَبّك بِالرِّسَالَةِ يَضَعُونَهَا حَيْثُ شَاءُوا . وَضَرَبَ الْمَثَل بِالْخَزَائِنِ ; لِأَنَّ الْخِزَانَة بَيْت يُهَيَّأ لِجَمْعِ أَنْوَاع مُخْتَلِفَة مِنْ الذَّخَائِر ; وَمَقْدُورَات الرَّبّ كَالْخَزَائِنِ الَّتِي فِيهَا مِنْ كُلّ الْأَجْنَاس فَلَا نِهَايَة لَهَا . قَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمُسَلَّطُونَ الْجَبَّارُونَ . وَعَنْهُ أَيْضًا : الْمُبْطِلُونَ . وَقَالَهُ الضَّحَّاك . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : أَمْ هُمْ الْمُتَوَلُّونَ . عَطَاء : أَمْ هُمْ أَرْبَاب قَاهِرُونَ . قَالَ عَطَاء : يُقَال تَسَيْطَرْت عَلَيَّ أَيْ اِتَّخَذْتنِي خَوَلًا لَك . وَقَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة . وَفِي الصِّحَاح : الْمُسَيْطِر وَالْمُصَيْطِر الْمُسَلَّط عَلَى الشَّيْء لِيُشْرِف عَلَيْهِ وَيَتَعَهَّد أَحْوَاله وَيَكْتُب عَمَله , وَأَصْله مِنْ السَّطْر ; لِأَنَّ الْكِتَاب يُسَطَّر وَاَلَّذِي يَفْعَلهُ مُسَطِّر وَمُسَيْطِر . يُقَال سَيْطَرْت عَلَيْنَا . اِبْن بَحْر : " أَمْ هُمْ الْمُسَيْطِرُونَ " أَيْ هُمْ الْحَفَظَة ; مَأْخُوذ مِنْ تَسْطِير الْكِتَاب الَّذِي يَحْفَظ مَا كُتِبَ فِيهِ ; فَصَارَ الْمُسَيْطِر هَا هُنَا حَافِظًا مَا كَتَبَهُ اللَّه فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ . وَفِيهِ ثَلَاث لُغَات : الصَّاد وَبِهَا قَرَأَتْ الْعَامَّة , وَالسِّين وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن مُحَيْصِن وَحُمَيْد وَمُجَاهِد وَقُنْبُل وَهِشَام وَأَبِي حَيْوَة , وَبِإِشْمَامِ الصَّاد الزَّاي وَهِيَ قِرَاءَة حَمْزَة كَمَا تَقَدَّمَ فِي " الصِّرَاط " [ الْفَاتِحَة : 6 ] .'; $TAFSEER['4']['52']['38'] = 'أَيْ أَيَدَّعُونَ أَنَّ لَهُمْ مُرْتَقَى إِلَى السَّمَاء وَمِصْعَدًا وَسَبَبًا أَيْ عَلَيْهِ الْأَخْبَار وَيَصِلُونَ بِهِ إِلَى عِلْم الْغَيْب , كَمَا يَصِل إِلَيْهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَرِيقِ الْوَحْي . أَيْ بِحُجَّةٍ بَيِّنَة أَنَّ هَذَا الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ حَقّ . وَالسُّلَّم وَاحِد السَّلَالِم الَّتِي يُرْتَقَى عَلَيْهَا . وَرُبَّمَا سُمِّيَ الْغَرْز بِذَلِكَ ; قَالَ أَبُو الرُّبَيْس الثَّعْلَبِيّ يَصِف نَاقَته : مُطَارَةُ قَلْبٍ إِنْ ثَنَى الرِّجْلَ رَبُّهَا بِسُلَّمِ غَرْز فِي مُنَاخٍ يُعَاجِلُه وَقَالَ زُهَيْر : وَمَنْ هَابَ أَسْبَاب الْمَنَايَا يَنَلْنَهُ وَإنْ يَرْقَ أَسْبَاب السَّمَاء بِسُلَّمِ وَقَالَ آخَر : تَجَنَّيْتِ لِي ذَنْبًا وَمَا إِنْ جَنَيْتُهُ لِتَتَّخِذِي عُذْرًا إِلَى الْهَجْر سُلَّمَا وَقَالَ اِبْن مُقْبِل فِي الْجَمْع : لَا تُحْرِزُ الْمَرْءَ أَحْجَاءُ الْبِلَاد وَلَا يُبْنَى لَهُ فِي السَّمَوَات السَّلَالِيمُ الْأَحْجَاء النَّوَاحِي مِثْل الْأَرْجَاء وَاحِدهَا حَجًا وَرَجًا مَقْصُور . وَيُرْوَى : أَعَنَاء الْبِلَاد , وَالْأَعْنَاء أَيْضًا الْجَوَانِب وَالنَّوَاحِي وَاحِدهَا عِنْو بِالْكَسْرِ . وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : وَاحِدهَا عَنَّا مَقْصُور . وَجَاءَنَا أَعْنَاء مِنْ النَّاس وَاحِدهمْ عِنْو بِالْكَسْرِ , وَهُمْ قَوْم مِنْ قَبَائِل شَتَّى . " يَسْتَمِعُونَ فِيهِ " أَيْ عَلَيْهِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " فِي جُذُوع النَّخْل " [ طَه : 71 ] أَيْ عَلَيْهَا ; قَالَ الْأَخْفَش . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : يَسْتَمِعُونَ بِهِ . وَقَالَ الزَّجَّاج : أَيْ أَلَهُمْ كَجِبْرِيلَ الَّذِي يَأْتِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَحْيِ .'; $TAFSEER['4']['52']['39'] = 'سَفَّهُ أَحْلَامهمْ تَوْبِيخًا لَهُمْ وَتَقْرِيعًا . أَيْ أَتُضِيفُونَ إِلَى اللَّه الْبَنَات مَعَ أَنَفَتكُمْ مِنْهُنَّ , وَمَنْ كَانَ عَقْله هَكَذَا فَلَا يُسْتَبْعَد مِنْهُ إِنْكَار الْبَعْث .'; $TAFSEER['4']['52']['40'] = 'أَيْ عَلَى تَبْلِيغ الرِّسَالَة . أَيْ فَهُمْ مِنْ الْمَغْرَم الَّذِي تَطْلُبهُمْ بِهِ " مُثْقَلُونَ " مُجْهَدُونَ لِمَا كَلَّفْتهمْ بِهِ .'; $TAFSEER['4']['52']['41'] = 'أَيْ يَكْتُبُونَ لِلنَّاسِ مَا أَرَادُوهُ مِنْ عِلْم الْغُيُوب . وَقِيلَ : أَيْ أَمْ عِنْدهمْ عِلْم مَا غَابَ عَنْ النَّاس حَتَّى عَلِمُوا أَنَّ مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ الرَّسُول مِنْ أَمْر الْقِيَامَة وَالْجَنَّة وَالنَّار وَالْبَعْث بَاطِل . وَقَالَ قَتَادَة : لَمَّا قَالُوا نَتَرَبَّص بِهِ رَيْب الْمَنُون قَالَ اللَّه تَعَالَى : " أَمْ عِنْدهمْ الْغَيْب " حَتَّى عَلِمُوا مَتَى يَمُوت مُحَمَّدًا أَوْ إِلَى مَا يَئُول إِلَيْهِ أَمْره . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَمْ عِنْدهمْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ فَهُمْ يَكْتُبُونَ مَا فِيهِ وَيُخْبِرُونَ النَّاس بِمَا فِيهِ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : يَكْتُبُونَ يَحْكُمُونَ وَالْكِتَاب الْحُكْم ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " كَتَبَ رَبّكُمْ عَلَى نَفْسه الرَّحْمَة " [ الْأَنْعَام : 54 ] أَيْ حَكَمَ , وَقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَحْكُمَنَّ بَيْنكُمْ بِكِتَابِ اللَّه ) أَيْ بِحُكْمِ اللَّه .'; $TAFSEER['4']['52']['42'] = 'أَيْ مَكْرًا بِك فِي دَار النَّدْوَة . أَيْ الْمَمْكُور بِهِمْ " وَلَا يَحِيق الْمَكْر السَّيِّئ إِلَّا بِأَهْلِهِ " [ فَاطِر : 43 ] وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قُتِلُوا بِبَدْرٍ .'; $TAFSEER['4']['52']['43'] = 'يَخْلُق وَيَرْزُق وَيَمْنَع . نَزَّهَ نَفْسه أَنْ يَكُون لَهُ شَرِيك . قَالَ الْخَلِيل : كُلّ مَا فِي سُورَة " وَالطُّور " مِنْ ذِكْر " أَمْ " فَكَلِمَة اِسْتِفْهَام وَلَيْسَ بِعَطْفٍ .'; $TAFSEER['4']['52']['44'] = 'قَالَ ذَلِكَ جَوَابًا لِقَوْلِهِمْ : " فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنْ السَّمَاء " [ الشُّعَرَاء : 187 ] , وَقَوْلهمْ : " أَوْ تُسْقِط السَّمَاء كَمَا زَعَمْت عَلَيْنَا كِسَفًا " [ الْإِسْرَاء : 92 ] فَأَعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَقَالُوا " سَحَاب مَرْكُوم " أَيْ بَعْضه فَوْق بَعْض سَقَطَ عَلَيْنَا وَلَيْسَ سَمَاء ; وَهَذَا فِعْل الْمُعَانِد أَوْ فِعْل مَنْ اِسْتَوْلَى عَلَيْهِ التَّقْلِيد , وَكَانَ فِي الْمُشْرِكِينَ الْقِسْمَانِ . وَالْكِسَف جَمْع كِسْفَة وَهِيَ الْقِطْعَة مِنْ الشَّيْء ; يُقَال : أَعْطِنِي كِسْفَة مِنْ ثَوْبك , وَيُقَال فِي جَمْعهَا أَيْضًا : كِسْف . وَيُقَال : الْكِسْف وَالْكِسْفَة وَاحِد . وَقَالَ الْأَخْفَش : مَنْ قَرَأَ كِسْفًا جَعَلَهُ وَاحِدًا , وَمَنْ قَرَأَ " كِسَفًا " جَعَلَهُ جَمْعًا . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي هَذَا فِي " الْإِسْرَاء " وَغَيْرهَا وَالْحَمْد لِلَّهِ .'; $TAFSEER['4']['52']['45'] = '" فَذَرْهُمْ " مَنْسُوخ بِآيَةِ السَّيْف . " حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمهمْ الَّذِي فِيهِ يَصْعَقُونَ " بِفَتْحِ الْيَاء قِرَاءَة الْعَامَّة , وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَعَاصِم بِضَمِّهَا . قَالَ الْفَرَّاء : هُمَا لُغَتَانِ صَعِقَ وَصُعِقَ مِثْل سَعِدَ وَسُعِدَ . قَالَ قَتَادَة : يَوْم يَمُوتُونَ . وَقِيلَ : هُوَ يَوْم بَدْر . وَقِيلَ : يَوْم النَّفْخَة الْأُولَى . وَقِيلَ : يَوْم الْقِيَامَة يَأْتِيهِمْ فِيهِ مِنْ الْعَذَاب مَا يُزِيل عُقُولهمْ . وَقِيلَ : " يُصْعَقُونَ " بِضَمِّ الْيَاء مِنْ أَصْعَقَهُ اللَّه .'; $TAFSEER['4']['52']['46'] = 'أَيْ مَا كَادُوا بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا . و " يَوْم " مَنْصُوب عَلَى الْبَدَل مِنْ " يَوْمهمْ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ " . مِنْ اللَّه .'; $TAFSEER['4']['52']['47'] = 'أَيْ كَفَرُوا قِيلَ : قَبْل مَوْتهمْ . اِبْن زَيْد : مَصَائِب الدُّنْيَا مِنْ الْأَوْجَاع وَالْأَسْقَام وَالْبَلَايَا وَذَهَاب الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد . مُجَاهِد : هُوَ الْجُوع وَالْجَهْد سَبْع سِنِينَ . اِبْن عَبَّاس : هُوَ الْقَتْل . عَنْهُ : عَذَاب الْقَبْر . وَقَالَهُ الْبَرَاء بْن عَازِب وَعَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ . فـ " ـدُون " بِمَعْنَى غَيْر . وَقِيلَ : عَذَابًا أَخَفّ مِنْ عَذَاب الْآخِرَة . " وَلَكِنَّ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ " أَنَّ الْعَذَاب نَازِل بِهِمْ وَقِيلَ : مَا يَصِيرُونَ إِلَيْهِ .'; $TAFSEER['4']['52']['48'] = 'قِيلَ : لِقَضَاءِ رَبّك فِيمَا حَمَّلَك مِنْ رِسَالَته . وَقِيلَ : لِبَلَائِهِ فِيمَا اِبْتَلَاك بِهِ مِنْ قَوْمك ; ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْف . أَيْ بِمَرْأَى وَمَنْظَر مِنَّا نَرَى وَنَسْمَع مَا تَقُول وَتَفْعَل . وَقِيلَ : بِحَيْثُ نَرَاك وَنَحْفَظك وَنَحُوطك وَنَحْرُسك وَنَرْعَاك . وَالْمَعْنَى وَاحِد . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام : " وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي " أَيْ بِحِفْظِي وَحِرَاسَتِي وَقَدْ تَقَدَّمَ . اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيل قَوْله : " حِين تَقُوم " فَقَالَ عَوْن بْن مَالِك وَابْن مَسْعُود وَعَطَاء وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَأَبُو الْأَحْوَص : يُسَبِّح اللَّه حِين يَقُوم مِنْ مَجْلِسه ; فَيَقُول : سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ , أَوْ سُبْحَانك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك ; فَإِنْ كَانَ الْمَجْلِس خَيْرًا اِزْدَدْت ثَنَاء حَسَنًا , وَإِنْ كَانَ غَيْر ذَلِكَ كَانَ كَفَّارَة لَهُ ; وَدَلِيل هَذَا التَّأْوِيل مَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِس فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطه فَقَالَ قَبْل أَنْ يَقُوم مِنْ مَجْلِسه : سُبْحَانك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرك وَأَتُوب إِلَيْك إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسه ذَلِكَ ) قَالَ : حَدِيث حَسَن صَحِيح غَرِيب . وَفِيهِ عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : كُنَّا نَعُدّ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِس الْوَاحِد مِائَة مَرَّة مِنْ قَبْل أَنْ يَقُوم : ( رَبّ اِغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّك أَنْتَ التَّوَّاب الْغَفُور ) قَالَ حَدِيث حَسَن صَحِيح غَرِيب . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب وَالضَّحَّاك وَالرَّبِيع : الْمَعْنَى حِين تَقُوم إِلَى الصَّلَاة . قَالَ الضَّحَّاك يَقُول : اللَّه أَكْبَر كَبِيرًا , وَالْحَمْد لِلَّهِ كَثِيرًا , وَسُبْحَان اللَّه بُكْرَة وَأَصِيلًا . قَالَ الْكِيَا الطَّبَرِيّ : وَهَذَا فِيهِ بُعْد ; فَإِنَّ قَوْله : " حِين تَقُوم " لَا يَدُلّ عَلَى التَّسْبِيح بَعْد التَّكْبِير , فَإِنَّ التَّكْبِير هُوَ الَّذِي يَكُون بَعْد الْقِيَام , وَالتَّسْبِيح يَكُون وَرَاء ذَلِكَ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد فِيهِ حِين تَقُوم مِنْ كُلّ مَكَان كَمَا قَالَ اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَقَالَ أَبُو الْجَوْزَاء وَحَسَّان بْن عَطِيَّة : الْمَعْنَى حِين تَقُوم مِنْ مَنَامك . قَالَ حَسَّان : لِيَكُونَ مُفْتَتِحًا لِعَمَلِهِ بِذِكْرِ اللَّه . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : وَاذْكُرْ اللَّه بِاللِّسَانِ حِين تَقُوم مِنْ فِرَاشك إِلَى أَنْ تَدْخُل الصَّلَاة وَهِيَ صَلَاة الْفَجْر . وَفِي هَذَا رِوَايَات مُخْتَلِفَات صِحَاح ; مِنْهَا حَدِيث عُبَادَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ تَعَارَّ فِي اللَّيْل فَقَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ لَهُ الْمُلْك وَلَهُ الْحَمْد وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير وَالْحَمْد لِلَّهِ وَسُبْحَان اللَّه وَاَللَّه أَكْبَر وَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اُسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاته ) خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ . تَعَارَّ الرَّجُل مِنْ اللَّيْل : إِذَا هَبَّ مِنْ نَوْمه مَعَ صَوْت ; وَمِنْهُ عَارَّ الظَّلِيم يَعَارُّ عِرَارًا و هُوَ صَوْته ; وَبَعْضهمْ يَقُول : عَرَّ الظَّلِيم يَعِرّ عِرَارًا , كَمَا قَالُوا زَمَرَ النَّعَام يَزْمِر زِمَارًا . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة مِنْ جَوْف اللَّيْل : ( اللَّهُمَّ لَك الْحَمْد أَنْتَ نُور السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَك الْحَمْد أَنْتَ قَيُّوم السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَك الْحَمْد أَنْتَ رَبّ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَنْ فِيهِنَّ أَنْتَ الْحَقّ وَوَعْدك الْحَقّ وَقَوْلك الْحَقّ وَلِقَاؤُك الْحَقّ وَالْجَنَّة حَقّ وَالنَّار حَقّ وَالسَّاعَة حَقّ وَالنَّبِيُّونَ حَقّ وَمُحَمَّد حَقّ اللَّهُمَّ لَك أَسْلَمْت وَعَلَيْك تَوَكَّلْت وَبِك آمَنْت وَإِلَيْك أَنَبْت وَبِك خَاصَمْت وَإِلَيْك حَاكَمْت فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت وَأَسْرَرْت وَأَعْلَنْت أَنْتَ الْمُقَدِّم وَأَنْتَ الْمُؤَخِّر لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ وَلَا إِلَه غَيْرك ) مُتَّفَق عَلَيْهِ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ إِذَا اِسْتَيْقَظَ مِنْ اللَّيْل مَسَحَ النَّوْم مِنْ وَجْهه ; ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْر الْآيَات الْأَوَاخِر مِنْ سُورَة " آل عِمْرَان " . وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : الْمَعْنَى حِين تَقُوم مِنْ نَوْم الْقَائِلَة لِصَلَاةِ الظُّهْر . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : أَمَّا نَوْم الْقَائِلَة فَلَيْسَ فِيهِ أَثَر وَهُوَ مُلْحَق بِنَوْمِ اللَّيْل . وَقَالَ الضَّحَّاك : إِنَّهُ التَّسْبِيح فِي الصَّلَاة إِذَا قَامَ إِلَيْهَا . الْمَاوَرْدِيّ : وَفِي هَذَا التَّسْبِيح قَوْلَانِ : أَحَدهمَا وَهُوَ قَوْله سُبْحَان رَبِّيَ الْعَظِيم فِي الرُّكُوع وَسُبْحَان رَبِّيَ الْأَعْلَى فِي السُّجُود . الثَّانِي أَنَّهُ التَّوَجُّه فِي الصَّلَاة يَقُول : سُبْحَانك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وَتَبَارَكَ اِسْمك وَتَعَالَى جَدّك وَلَا إِلَه غَيْرك . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : مَنْ قَالَ إِنَّهُ التَّسْبِيح لِلصَّلَاةِ فَهَذَا أَفْضَله , وَالْآثَار فِي ذَلِكَ كَثِيرَة أَعْظَمهَا مَا ثَبَتَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة قَالَ ( وَجَّهْت وَجْهِي ) الْحَدِيث . وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَغَيْره فِي آخِر سُورَة " الْأَنْعَام " . وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه عَلِّمْنِي دُعَاء أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي ; فَقَالَ : ( قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِر الذُّنُوب إِلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَة مِنْ عِنْدك وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُور الرَّحِيم ) .'; $TAFSEER['4']['52']['49'] = 'تَقَدَّمَ فِي " ق " مُسْتَوْفًى عِنْد قَوْله تَعَالَى : " وَمِنْ اللَّيْل فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَار السُّجُود " [ ق : 49 ] . وَأَمَّا " إِدْبَار النُّجُوم " فَقَالَ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَجَابِر وَأَنَس : يَعْنِي رَكْعَتَيْ الْفَجْر . فَحَمَلَ بَعْض الْعُلَمَاء الْآيَة عَلَى هَذَا الْقَوْل عَلَى النَّدْب وَجَعَلَهَا مَنْسُوخَة بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْس . وَعَنْ الضَّحَّاك وَابْن زَيْد : أَنَّ قَوْله : " وَإِدْبَار النُّجُوم " يُرِيد بِهِ صَلَاة الصُّبْح وَهُوَ اِخْتِيَار الطَّبَرِيّ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّهُ التَّسْبِيح فِي آخِر الصَّلَوَات . وَبِكَسْرِ الْهَمْزَة فِي " إِدْبَار النُّجُوم " قَرَأَ السَّبْعَة عَلَى الْمَصْدَر حَسَبَ مَا بَيَّنَّاهُ فِي " ق " . وَقَرَأَ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد وَمُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع " وَأَدْبَار " بِالْفَتْحِ , وَمِثْله رُوِيَ عَنْ يَعْقُوب وَسَلَّام وَأَيُّوب ; وَهُوَ جَمْع دُبْر وَدُبُر وَدُبْر الْأَمْر وَدُبُره آخِره . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ رِشْدِين بْن كُرَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِدْبَار النُّجُوم الرَّكْعَتَانِ قَبْل الْفَجْر وَإِدْبَار السُّجُود الرَّكْعَتَانِ بَعْد الْمَغْرِب ) قَالَ : حَدِيث غَرِيب لَا نَعْرِفهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْه مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن فُضَيْل عَنْ رِشْدِين بْن كُرَيْب . وَسَأَلْت مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل عَنْ مُحَمَّد بْن فُضَيْل وَرِشْدِين بْن كُرَيْب أَيُّهُمَا أَوْثَقُ ؟ فَقَالَ : مَا أَقْرَبُهُمَا , وَمُحَمَّد عِنْدِي أَرْجَحُ . قَالَ : وَسَأَلْت عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ هَذَا فَقَالَ : مَا أَقْرَبُهُمَا , وَرِشْدِين بْن كُرَيْب أَرْجَحُهُمَا عِنْدِي . قَالَ التِّرْمِذِيّ : وَالْقَوْل مَا قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَرِشْدِين بْن كُرَيْب عِنْدِي أَرْجَحُ مِنْ مُحَمَّد وَأَقْدَم , وَقَدْ أَدْرَكَ رِشْدِينُ اِبْنَ عَبَّاس وَرَآهُ . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : لَمْ يَكُنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْء مِنْ النَّوَافِل أَشَدَّ مُعَاهَدَة مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ قَبْل الصُّبْح . وَعَنْهَا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( رَكْعَتَا الْفَجْر خَيْر مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ) . تَمَّ تَفْسِير سُورَة " وَالطُّور " وَالْحَمْد لِلَّهِ .'; $TAFSEER['4']['53']['1'] = 'مَكِّيَّة كُلّهَا فِي قَوْل الْحَسَن وَعِكْرِمَة وَعَطَاء وَجَابِر . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة : إِلَّا آيَة مِنْهَا وَهِيَ قَوْله تَعَالَى : " الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِر الْإِثْم وَالْفَوَاحِش " [ النَّجْم : 32 ] الْآيَة . وَقِيلَ : اِثْنَتَانِ وَسِتُّونَ آيَة . وَقِيلَ : إِنَّ السُّورَة كُلّهَا مَدَنِيَّة . وَالصَّحِيح أَنَّهَا مَكِّيَّة لِمَا رَوَى اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ قَالَ : هِيَ أَوَّل سُورَة أَعْلَنَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة . وَفِي [ الْبُخَارِيّ ] عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ بِالنَّجْمِ , وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنّ وَالْإِنْس وَعَنْ عَبْد اللَّه أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ سُورَة النَّجْم فَسَجَدَ لَهَا , فَمَا بَقِيَ أَحَد مِنْ الْقَوْم إِلَّا سَجَدَ ; فَأَخَذَ رَجُل مِنْ الْقَوْم كَفًّا مِنْ حَصْبَاء أَوْ تُرَاب فَرَفَعَهُ إِلَى وَجْهه وَقَالَ : يَكْفِينِي هَذَا . قَالَ عَبْد اللَّه : فَلَقَدْ رَأَيْته بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا , مُتَّفَق عَلَيْهِ . الرَّجُل يُقَال لَهُ أُمَيَّة بْن خَلَف . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَة " وَالنَّجْم إِذَا هَوَى " [ النَّجْم : 1 ] فَلَمْ يَسْجُد . وَقَدْ مَضَى فِي آخِر " الْأَعْرَاف " الْقَوْل فِي هَذَا وَالْحَمْد لِلَّهِ . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد : مَعْنَى " وَالنَّجْم إِذَا هَوَى " وَالثُّرَيَّا إِذَا سَقَطَتْ مَعَ الْفَجْر ; وَالْعَرَب تُسَمِّي الثُّرَيَّا نَجْمًا وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعَدَد نُجُومًا ; يُقَال : إِنَّهَا سَبْعَة أَنْجُم , سِتَّة مِنْهَا ظَاهِرَة وَوَاحِد خَفِيّ يَمْتَحِنُ النَّاس بِهِ أَبْصَارهمْ . وَفِي " الشِّفَا " لِلْقَاضِي عِيَاض : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرَى فِي الثُّرَيَّا أَحَد عَشَرَ نَجْمًا . وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا أَنَّ الْمَعْنَى وَالْقُرْآن إِذَا نُزِّلَ ; لِأَنَّهُ كَانَ يُنَزَّل نُجُومًا . وَقَالَهُ الْفَرَّاء . وَعَنْهُ أَيْضًا : يَعْنِي نُجُوم السَّمَاء كُلّهَا حِين تَغْرُب . وَهُوَ قَوْل الْحَسَن قَالَ : أَقْسَمَ اللَّه بِالنُّجُومِ إِذَا غَابَتْ . وَلَيْسَ يَمْتَنِع أَنْ يُعَبَّر عَنْهَا بِلَفْظٍ وَاحِد وَمَعْنَاهُ جَمْع ; كَقَوْلِ الرَّاعِي : فَبَاتَتْ تَعُدّ النَّجْم فِي مُسْتَحِيرَة سَرِيع بِأَيْدِي الْآكِلِينَ جُمُودُهَا وَقَالَ عُمَر بْن أَبِي رَبِيعَة : أَحْسَنُ النَّجْم فِي السَّمَاء الثُّرَيَّا وَالثُّرَيَّا فِي الْأَرْض زَيْنُ النِّسَاءِ وَقَالَ الْحَسَن أَيْضًا : الْمُرَاد بِالنَّجْمِ النُّجُوم إِذَا سَقَطَتْ يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ السُّدِّيّ : إِنَّ النَّجْم هَهُنَا الزُّهْرَة لِأَنَّ قَوْمًا مِنْ الْعَرَب كَانُوا يَعْبُدُونَهَا . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِهِ النُّجُوم الَّتِي تُرْجَم بِهَا الشَّيَاطِين ; وَسَبَبه أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا أَرَادَ بَعْث مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا كَثُرَ اِنْقِضَاض الْكَوَاكِب قَبْل مَوْلِده , فَذُعِرَ أَكْثَرُ الْعَرَب مِنْهَا وَفَزِعُوا إِلَى كَاهِن كَانَ لَهُمْ ضَرِيرًا , كَانَ يُخْبِرهُمْ بِالْحَوَادِثِ فَسَأَلُوهُ عَنْهَا فَقَالَ : اُنْظُرُوا الْبُرُوج الِاثْنَيْ عَشَرَ فَإِنْ اِنْقَضَى مِنْهَا شَيْء فَهُوَ ذَهَاب الدُّنْيَا , فَإِنْ لَمْ يَنْقَضِ مِنْهَا شَيْء فَسَيَحْدُثُ فِي الدُّنْيَا أَمْر عَظِيم , فَاسْتَشْعَرُوا ذَلِكَ ; فَلَمَّا بُعِثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ هُوَ الْأَمْر الْعَظِيم الَّذِي اِسْتَشْعَرُوهُ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " وَالنَّجْم إِذَا هَوَى " أَيْ ذَلِكَ النَّجْم الَّذِي هَوَى هُوَ لِهَذِهِ النُّبُوَّة الَّتِي حَدَثَتْ . وَقِيلَ : النَّجْم هُنَا هُوَ النَّبْت الَّذِي لَيْسَ لَهُ سَاق , وَهَوَى أَيْ سَقَطَ عَلَى الْأَرْض . وَقَالَ جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ : " وَالنَّجْم " يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا هَوَى " إِذَا نَزَلَ مِنْ السَّمَاء لَيْلَة الْمِعْرَاج . وَعَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ عُتْبَة بْن أَبِي لَهَب وَكَانَ تَحْته بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ الْخُرُوج إِلَى الشَّام فَقَالَ : لَآتِيَنَّ مُحَمَّدًا فَلَأُوذِيَنَّهُ , فَأَتَاهُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّد هُوَ كَافِر بِالنَّجْمِ إِذَا هَوَى , وَبِاَلَّذِي دَنَا فَتَدَلَّى . ثُمَّ تَفَلَ فِي وَجْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَرَدَّ عَلَيْهِ اِبْنَته وَطَلَّقَهَا ; فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابك ) وَكَانَ أَبُو طَالِب حَاضِرًا فَوَجَمَ لَهَا وَقَالَ : مَا كَانَ أَغْنَاك يَا اِبْن أَخِي عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَة , فَرَجَعَ عُتْبَة إِلَى أَبِيهِ فَأَخْبَرَهُ , ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى الشَّام , فَنَزَلُوا مَنْزِلًا , فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ رَاهِب مِنْ الدَّيْر فَقَالَ لَهُمْ : إِنَّ هَذِهِ أَرْض مُسْبِعَة . فَقَالَ أَبُو لَهَب لِأَصْحَابِهِ : أَغِيثُونَا يَا مَعْشَر قُرَيْش هَذِهِ اللَّيْلَة ! فَإِنِّي أَخَاف عَلَى اِبْنِي مِنْ دَعْوَة مُحَمَّد ; فَجَمَعُوا جِمَالهمْ وَأَنَاخُوهَا حَوْلهمْ , وَأَحْدَقُوا بِعُتْبَة , فَجَاءَ الْأَسَد يَتَشَمَّم وُجُوههمْ حَتَّى ضَرَبَ عُتْبَة فَقَتَلَهُ . وَقَالَ حَسَّان : مَنْ يَرْجِعِ الْعَامَ إِلَى أَهْلِهِ فَمَا أَكِيلُ السَّبْع بِالرَّاجِعِ وَأَصْل النَّجْم الطُّلُوع ; يُقَال : نَجَمَ السِّنّ وَنَجَمَ فُلَان بِبِلَادِ كَذَا أَيْ خَرَجَ عَلَى السُّلْطَان . وَالْهُوِيّ النُّزُول وَالسُّقُوط ; يُقَال : هَوَى يَهْوِي هُوِيًّا مِثْل مَضَى يَمْضِي مُضِيًّا ; قَالَ زُهَيْر : فَشَجَّ بِهَا الْأَمَاعِزَ وَهْيَ تَهْوِي هُوِيّ الدَّلْو أَسْلَمَهَا الرِّشَاءُ وَقَالَ آخَر [ أَبُو بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَة ] : بَيْنَمَا نَحْنُ بِالْبَلَاكِثِ فَالْقَا عِ سِرَاعًا وَالْعِيس تَهْوِي هُوِيًّا خَطَرَتْ خَطْرَة عَلَى الْقَلْب مِنْ ذِكْرَاك وَهْنًا فَمَا اِسْتَطَعْتُ مُضِيَّا الْأَصْمَعِيّ : هَوَى بِالْفَتْحِ يَهْوِي هُوِيًّا أَيْ سَقَطَ إِلَى أَسْفَلَ . قَالَ : وَكَذَلِكَ اِنْهَوَى فِي السَّيْر إِذَا مَضَى فِيهِ , وَهَوَى وَانْهَوَى فِيهِ لُغَتَانِ بِمَعْنًى , وَقَدْ جَمَعَهُمَا الشَّاعِر فِي قَوْله : وَكَمْ مَنْزِلٍ لَوْلَايَ طِحْتَ كَمَا هَوَى بِأَجْرَامِهِ مِنْ قُلَّة النِّيق مُنْهَوِي وَقَالَ فِي الْحُبّ : هَوِيَ بِالْكَسْرِ يَهْوَى هَوًى ; أَيْ أَحَبَّ .'; $TAFSEER['4']['53']['2'] = 'هَذَا جَوَاب الْقَسَم ; أَيْ مَا ضَلَّ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَقّ وَمَا حَادَ عَنْهُ . الْغَيّ ضِدّ الرُّشْد أَيْ مَا صَارَ غَاوِيًا . وَقِيلَ : أَيْ مَا تَكَلَّمَ بِالْبَاطِلِ . وَقِيلَ : أَيْ مَا خَابَ مِمَّا طَلَبَ وَالْغَيّ الْخَيْبَة ; قَالَ الشَّاعِر : فَمَنْ يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَدِ النَّاسُ أَمْرَهُ وَمَنْ يَغْوَ لَا يَعْدَمْ عَلَى الْغَيِّ لَائِمَا أَيْ مَنْ خَابَ فِي طَلَبه لَامَهُ النَّاس . ثُمَّ يَجُوز أَنْ يَكُون هَذَا إِخْبَارًا عَمَّا بَعْد الْوَحْي . وَيَجُوز أَنْ يَكُون إِخْبَارًا عَنْ أَحْوَاله عَلَى التَّعْمِيم ; أَيْ كَانَ أَبَدًا مُوَحِّدًا لِلَّهِ . وَهُوَ الصَّحِيح عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي " الشُّورَى " عِنْد قَوْله : " مَا كُنْت تَدْرِي مَا الْكِتَاب وَلَا الْإِيمَان " [ الشُّورَى : 52 ] .'; $TAFSEER['4']['53']['3'] = 'قَالَ قَتَادَة : وَمَا يَنْطِق بِالْقُرْآنِ عَنْ هَوَاهُ وَقِيلَ : " عَنْ الْهَوَى " أَيْ بِالْهَوَى ; قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا " [ الْفُرْقَان : 59 ] أَيْ فَاسْأَلْ عَنْهُ . النَّحَّاس : قَوْل قَتَادَة أَوْلَى , وَتَكُون " عَنْ " عَلَى بَابهَا , أَيْ مَا يَخْرُج نُطْقه عَنْ رَأْيه , إِنَّمَا هُوَ بِوَحْيٍ مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ; لِأَنَّ بَعْده : " إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْي يُوحَى " .'; $TAFSEER['4']['53']['4'] = 'قَدْ يَحْتَجّ بِهَذِهِ الْآيَة مَنْ لَا يُجَوِّز لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاجْتِهَاد فِي الْحَوَادِث . وَفِيهَا أَيْضًا دَلَالَة عَلَى أَنَّ السُّنَّة كَالْوَحْيِ الْمُنَزَّل فِي الْعَمَل . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب حَدِيث الْمِقْدَام بْن مَعْدِي كَرِبَ فِي ذَلِكَ وَالْحَمْد لِلَّهِ . قَالَ السِّجِسْتَانِيّ : إِنْ شِئْت أَبْدَلْت " إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْي يُوحَى " مِنْ " مَا ضَلَّ صَاحِبكُمْ " قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَهَذَا غَلَط ; لِأَنَّ " إِنْ " الْخَفِيفَة لَا تَكُون مُبْدَلَة مِنْ " مَا " الدَّلِيل عَلَى هَذَا أَنَّك لَا تَقُول : وَاَللَّه مَا قُمْت إِنْ أَنَا لَقَاعِد .'; $TAFSEER['4']['53']['5'] = 'يَعْنِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي قَوْل سَائِر الْمُفَسِّرِينَ ; سِوَى الْحَسَن فَإِنَّهُ قَالَ : هُوَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَيَكُون قَوْله تَعَالَى :'; $TAFSEER['4']['53']['6'] = 'عَلَى قَوْل الْحَسَن تَمَام الْكَلَام , وَمَعْنَاهُ ذُو قُوَّة وَالْقُوَّة مِنْ صِفَات اللَّه تَعَالَى ; وَأَصْله مِنْ شِدَّة فَتْل الْحَبْل , كَأَنَّهُ اِسْتَمَرَّ بِهِ الْفَتْل حَتَّى بَلَغَ إِلَى غَايَة يَصْعُب مَعَهَا الْحَلّ . يَعْنِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ; أَيْ اِسْتَوَى عَلَى الْعَرْش . رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ الْحَسَن . وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس وَالْفَرَّاء : " فَاسْتَوَى " .'; $TAFSEER['4']['53']['7'] = 'أَيْ اِسْتَوَى جِبْرِيل وَمُحَمَّد عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام . وَهَذَا عَلَى الْعَطْف عَلَى الْمُضْمَر الْمَرْفُوع بـ " ـهُوَ " . وَأَكْثَر الْعَرَب إِذَا أَرَادُوا الْعَطْف فِي مِثْل هَذَا الْمَوْضِع أَظْهَرُوا كِنَايَة الْمَعْطُوف عَلَيْهِ ; فَيَقُولُونَ : اِسْتَوَى هُوَ وَفُلَان ; وَقَلَّمَا يَقُولُونَ اِسْتَوَى وَفُلَان ; وَأَنْشَدَ الْفَرَّاء : أَلَمْ تَرَ أَنَّ النَّبْع يَصْلُبُ عُودُهُ وَلَا يَسْتَوِي وَالْخِرْوَع الْمُتَقَصِّف أَيْ لَا يَسْتَوِي هُوَ وَالْخِرْوَع ; وَنَظِير هَذَا : " أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا " [ النَّمْل : 67 ] وَالْمَعْنَى أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا . وَمَعْنَى الْآيَة : اِسْتَوَى جِبْرِيل هُوَ وَمُحَمَّد عَلَيْهِمَا السَّلَام لَيْلَة الْإِسْرَاء بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى . وَأَجَازَ الْعَطْف عَلَى الضَّمِير لِئَلَّا يَتَكَرَّر . وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الزَّجَّاج إِلَّا فِي ضَرُورَة الشِّعْر . وَقِيلَ : الْمَعْنَى فَاسْتَوَى جِبْرِيل بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى , وَهُوَ أَجْوَد . وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَوِي جِبْرِيل فَمَعْنَى " ذُو مِرَّة " فِي وَصْفه ذُو مَنْطِق حَسَن ; قَالَ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ قَتَادَة : ذُو خَلْق طَوِيل حَسَن . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ ذُو صِحَّة جِسْم وَسَلَامَة مِنْ الْآفَات ; وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ( لَا تَحِلّ الصَّدَقَة لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّة سَوِيّ ) . وَقَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : كُنْت فِيهِمْ أَبَدًا ذَا حِيلَة مُحْكَم الْمِرَّة مَأْمُون الْعُقَد وَقَدْ قِيلَ : " ذُو مِرَّة " ذُو قُوَّة . قَالَ الْكَلْبِيّ : وَكَانَ مِنْ شِدَّة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام : أَنَّهُ اِقْتَلَعَ مَدَائِن قَوْم لُوط مِنْ الْأَرْض السُّفْلَى , فَحَمَلَهَا عَلَى جَنَاحه حَتَّى رَفَعَهَا إِلَى السَّمَاء , حَتَّى سَمِعَ أَهْل السَّمَاء نَبْح كِلَابهمْ وَصِيَاح دِيَكَتهمْ ثُمَّ قَلَبَهَا . وَكَانَ مِنْ شِدَّته أَيْضًا : أَنَّهُ أَبْصَرَ إِبْلِيس يُكَلِّم عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى بَعْض عُقَاب مِنْ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة فَنَفَحَهُ بِجَنَاحِهِ نَفْحَة أَلْقَاهُ بِأَقْصَى جَبَل فِي الْهِنْد . وَكَانَ مِنْ شِدَّته : صَيْحَته بِثَمُود فِي عَدَدهمْ وَكَثْرَتهمْ , فَأَصْبَحُوا جَاثِمِينَ خَامِدِينَ . وَكَانَ مِنْ شِدَّته : هُبُوطه مِنْ السَّمَاء عَلَى الْأَنْبِيَاء وَصُعُوده إِلَيْهَا فِي أَسْرَعَ مِنْ الطَّرْف . وَقَالَ قُطْرُب : تَقُول الْعَرَب لِكُلِّ جَزْل الرَّأْي حَصِيف الْعَقْل : ذُو مِرَّة . قَالَ الشَّاعِر : قَدْ كُنْت قَبْل لِقَاكُمُ ذَا مِرَّة عِنْدِي لِكُلِّ مُخَاصِمٍ مِيزَانُهُ وَكَانَ مِنْ جَزَالَة رَأْيه وَحَصَافَة عَقْله : أَنَّ اللَّه اِئْتَمَنَهُ عَلَى وَحْيِهِ إِلَى جَمِيع رُسُله . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَالْمِرَّة إِحْدَى الطَّبَائِع الْأَرْبَع وَالْمِرَّة الْقُوَّة وَشِدَّة الْعَقْل أَيْضًا . وَرَجُل مَرِير أَيْ قَوِيّ ذُو مِرَّة . قَالَ : تَرَى الرَّجُل النَّحِيف فَتَزْدَرِيه وَحَشْو ثِيَابه أَسَد مَرِير وَقَالَ لَقِيط : حَتَّى اِسْتَمَرَّتْ عَلَى شَزْر مَرِيرَته مُرّ الْعَزِيمَة لَا رَتًّا وَلَا ضَرَعَا وَقَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة : " ذُو مِرَّة " ذُو قُوَّة ; وَمِنْهُ قَوْل خُفَاف بْن نَدْبَة : إِنِّي اِمْرُؤٌ ذُو مِرَّة فَاسْتَبْقِنِي فِيمَا يَنُوب مِنْ الْخُطُوب صَلِيب فَالْقُوَّة تَكُون مِنْ صِفَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَمِنْ صِفَة الْمَخْلُوق . " فَاسْتَوَى " يَعْنِي جِبْرِيل عَلَى مَا بَيَّنَّا ; أَيْ اِرْتَفَعَ وَعَلَا إِلَى مَكَان فِي السَّمَاء بَعْد أَنْ عَلَّمَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَهُ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَابْن جُبَيْر . وَقِيلَ : " فَاسْتَوَى " أَيْ قَامَ فِي صُورَته الَّتِي خَلَقَهُ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهَا ; لِأَنَّهُ كَانَ يَأْتِي إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُورَة الْآدَمِيِّينَ كَمَا كَانَ يَأْتِي إِلَى الْأَنْبِيَاء , فَسَأَلَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُ نَفْسه الَّتِي جَبَلَهُ اللَّه عَلَيْهَا فَأَرَاهُ نَفْسه مَرَّتَيْنِ : مَرَّة فِي الْأَرْض وَمَرَّة فِي السَّمَاء ; فَأَمَّا فِي الْأَرْض فَفِي الْأُفُق الْأَعْلَى , وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِرَاء , فَطَلَعَ لَهُ جِبْرِيل مِنْ الْمَشْرِق فَسَدَّ الْأَرْض إِلَى الْمَغْرِب , فَخَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ . فَنَزَلَ إِلَيْهِ فِي صُورَة الْآدَمِيِّينَ وَضَمَّهُ إِلَى صَدْره , وَجَعَلَ يَمْسَح الْغُبَار عَنْ وَجْهه ; فَلَمَّا أَفَاقَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَا جِبْرِيل مَا ظَنَنْت أَنَّ اللَّه خَلَقَ أَحَدًا عَلَى مِثْل هَذِهِ الصُّورَة ) . فَقَالَ : يَا مُحَمَّد إِنَّمَا نَشَرْت جَنَاحَيْنِ مِنْ أَجْنِحَتِي وَإِنَّ لِي سِتّمِائَةِ جَنَاح سَعَة كُلّ جَنَاح مَا بَيْن الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب . فَقَالَ : ( إِنَّ هَذَا لَعَظِيم ) فَقَالَ : وَمَا أَنَا فِي جَنْب مَا خَلَقَهُ اللَّه إِلَّا يَسِيرًا , وَلَقَدْ خَلَقَ اللَّه إِسْرَافِيل لَهُ سِتّمِائَةِ جَنَاح , كُلّ جَنَاح مِنْهَا قَدْر جَمِيع أَجْنِحَتِي , وَإِنَّهُ لَيَتَضَاءَل أَحْيَانًا مِنْ مَخَافَة اللَّه تَعَالَى حَتَّى يَكُون بِقَدْرِ الْوَصَع . يَعْنِي الْعُصْفُور الصَّغِير ; دَلِيله قَوْله تَعَالَى : " وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِين " [ التَّكْوِير : 23 ] وَأَمَّا فِي السَّمَاء فَعِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهَى , وَلَمْ يَرَهُ أَحَد مِنْ الْأَنْبِيَاء عَلَى تِلْكَ الصُّورَة إِلَّا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَوْل ثَالِث أَنَّ مَعْنَى " فَاسْتَوَى " أَيْ اِسْتَوَى الْقُرْآن فِي صَدْره . وَفِيهِ عَلَى هَذَا وَجْهَانِ : أَحَدهمَا فِي صَدْر جِبْرِيل حِين نَزَلَ بِهِ عَلَيْهِ . الثَّانِي فِي صَدْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين نَزَلَ عَلَيْهِ . وَقَوْل رَابِع أَنَّ مَعْنَى " فَاسْتَوَى " فَاعْتَدَلَ يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَفِيهِ عَلَى هَذَا وَجْهَانِ : أَحَدهمَا فَاعْتَدَلَ فِي قُوَّته . الثَّانِي فِي رِسَالَته . ذَكَرَهُمَا الْمَاوَرْدِيّ . قُلْت : وَعَلَى الْأَوَّل يَكُون تَمَام الْكَلَام " ذُو مِرَّة " , وَعَلَى الثَّانِي " شَدِيد الْقُوَى " . وَقَوْل خَامِس أَنَّ مَعْنَاهُ فَارْتَفَعَ . وَفِيهِ عَلَى هَذَا وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنَّهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام اِرْتَفَعَ إِلَى مَكَانه عَلَى مَا ذَكَرْنَا آنِفًا . الثَّانِي أَنَّهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِرْتَفَعَ بِالْمِعْرَاجِ . وَقَوْل سَادِس " فَاسْتَوَى " يَعْنِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , أَيْ اِسْتَوَى عَلَى الْعَرْش عَلَى قَوْل الْحَسَن . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِيهِ فِي " الْأَعْرَاف " . قَوْله تَعَالَى : " وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى " جُمْلَة فِي مَوْضِع الْحَال , وَالْمَعْنَى فَاسْتَوَى عَالِيًا , أَيْ اِسْتَوَى جِبْرِيل عَالِيًا عَلَى صُورَته وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل ذَلِكَ يَرَاهُ عَلَيْهَا حَتَّى سَأَلَهُ إِيَّاهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا . وَالْأُفُق نَاحِيَة السَّمَاء وَجَمْعه آفَاق . وَقَالَ قَتَادَة : هُوَ الْمَوْضِع الَّذِي تَأْتِي مِنْهُ الشَّمْس . وَكَذَا قَالَ سُفْيَان : هُوَ الْمَوْضِع الَّذِي تَطْلُع مِنْهُ الشَّمْس . وَنَحْوه عَنْ مُجَاهِد . وَيُقَال : أُفْق وَأُفُق مِثْل عُسْر وَعُسُر . وَقَدْ مَضَى فِي " حم السَّجْدَة " . وَفَرَس أُفُق بِالضَّمِّ أَيْ رَائِع وَكَذَلِكَ الْأُنْثَى ; قَالَ الشَّاعِر [ عَمْرُو بْن قِنْعَاس الْمُرَادِيّ ] : أُرَجِّل لِمَّتِي وَأَجُرّ ذَيْلِي وَتَحْمِل شِكَّتِي أُفُق كُمَيْتُ وَقِيلَ : " وَهُوَ " أَيْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى " يَعْنِي لَيْلَة الْإِسْرَاء وَهَذَا ضَعِيف ; لِأَنَّهُ يُقَال : اِسْتَوَى هُوَ وَفُلَان , وَلَا يُقَال اِسْتَوَى وَفُلَان إِلَّا فِي ضَرُورَة الشِّعْر . وَالصَّحِيح اِسْتَوَى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَجِبْرِيل بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى عَلَى صُورَته الْأَصْلِيَّة ; لِأَنَّهُ كَانَ يَتَمَثَّل لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ بِالْوَحْيِ فِي صُورَة رَجُل , فَأَحَبَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرَاهُ عَلَى صُورَته الْحَقِيقِيَّة , فَاسْتَوَى فِي أُفُق الْمَشْرِق فَمَلَأَ الْأُفُق .'; $TAFSEER['4']['53']['8'] = 'أَيْ دَنَا جِبْرِيل بَعْد اِسْتِوَائِهِ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى مِنْ الْأَرْض " فَتَدَلَّى " فَنَزَلَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَحْيِ . الْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا رَأَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَظَمَته مَا رَأَى , وَهَالَهُ ذَلِكَ رَدَّهُ اللَّه إِلَى صُورَة آدَمِيّ حِين قَرُبَ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَحْيِ , وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " فَأَوْحَى إِلَى عَبْده " يَعْنِي أَوْحَى اللَّه إِلَى جِبْرِيل وَكَانَ جِبْرِيل " قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى " قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالرَّبِيع وَغَيْرهمْ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا فِي قَوْله تَعَالَى : " ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى " أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى " دَنَا " مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَتَدَلَّى " . وَرَوَى نَحْوه أَنَس بْن مَالِك عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْمَعْنَى دَنَا مِنْهُ أَمْره وَحُكْمه . وَأَصْل التَّدَلِّي النُّزُول إِلَى الشَّيْء حَتَّى يَقْرُب مِنْهُ فَوُضِعَ مَوْضِع الْقُرْب ; قَالَ لَبِيد : فَتَدَلَّيْت عَلَيْهِ قَافِلًا وَعَلَى الْأَرْض غَيَابَات الطَّفَل وَذَهَبَ الْفَرَّاء إِلَى أَنَّ الْفَاء فِي " فَتَدَلَّى " بِمَعْنَى الْوَاو , وَالتَّقْدِير ثُمَّ تَدَلَّى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَدَنَا . وَلَكِنَّهُ جَائِز إِذَا كَانَ مَعْنَى الْفِعْلَيْنِ وَاحِدًا أَوْ كَالْوَاحِدِ قَدَّمْت أَيّهمَا شِئْت , فَقُلْت فَدَنَا فَقَرُبَ وَقَرُبَ فَدَنَا , وَشَتَمَنِي فَأَسَاءَ وَأَسَاءَ فَشَتَمَنِي ; لِأَنَّ الشَّتْم وَالْإِسَاءَة شَيْء وَاحِد . وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر " [ الْقَمَر : 1 ] الْمَعْنَى وَاَللَّه أَعْلَمُ : اِنْشَقَّ الْقَمَر وَاقْتَرَبَتْ السَّاعَة . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير أَيْ تَدَلَّى فَدَنَا ; لِأَنَّ التَّدَلِّيَ سَبَب الدُّنُوّ . وَقَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : ثُمَّ تَدَلَّى جِبْرِيل أَيْ نَزَلَ مِنْ السَّمَاء فَدَنَا مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : تَدَلَّى الرَّفْرَف لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْمِعْرَاج فَجَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ فَدَنَا مِنْ رَبّه . وَسَيَأْتِي . وَمَنْ قَالَ : الْمَعْنَى فَاسْتَوَى جِبْرِيل وَمُحَمَّد بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى قَدْ يَقُول : ثُمَّ دَنَا مُحَمَّد مِنْ رَبّه دُنُوّ كَرَامَة فَتَدَلَّى أَيْ هَوَى لِلسُّجُودِ . وَهَذَا قَوْل الضَّحَّاك . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَقِيلَ عَلَى هَذَا تَدَلَّى أَيْ تَدَلَّلَ ; كَقَوْلِك تَظَنَّى بِمَعْنَى تَظَنَّنَ , وَهَذَا بَعِيد ; لِأَنَّ الدَّلَال غَيْر مَرْضِيّ فِي صِفَة الْعُبُودِيَّة .'; $TAFSEER['4']['53']['9'] = 'أَيْ " كَانَ " مُحَمَّد مِنْ رَبّه أَوْ مِنْ جِبْرِيل " قَابَ قَوْسَيْنِ " أَيْ قَدْر قَوْسَيْنِ عَرَبِيَّتَيْنِ . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَعَطَاء وَالْفَرَّاء . الزَّمَخْشَرِيّ : فَإِنْ قُلْت كَيْف تَقْدِير قَوْله : " فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ " قُلْت : تَقْدِيره فَكَانَ مِقْدَار مَسَافَة قُرْبه مِثْل قَاب قَوْسَيْنِ , فَحُذِفَتْ هَذِهِ الْمُضَافَات كَمَا قَالَ أَبُو عَلِيّ فِي قَوْله : وَقَدْ جَعَلَتْنِي مِنْ حَزِيمَة إِصْبَعَا أَيْ ذَا مِقْدَار مَسَافَة إِصْبَع " أَوْ أَدْنَى " أَيْ عَلَى تَقْدِيركُمْ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " أَوْ يَزِيدُونَ " [ الصَّافَّات : 147 ] . وَفِي الصِّحَاح : وَتَقُول بَيْنهمَا قَابُ قَوْس , وَقِيبُ قَوْس وَقَادَ قَوْس , وَقِيد قَوْس ; أَيْ قَدْر قَوْس . وَقَرَأَ زَيْد بْن عَلِيّ " قَادَ " وَقُرِئَ " قِيدَ " و " قَدْر " . ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ . وَالْقَاب مَا بَيْن الْمِقْبَض وَالسِّيَة . وَلِكُلِّ قَوْس قَابَانِ . وَقَالَ بَعْضهمْ فِي قَوْله تَعَالَى : " قَابَ قَوْسَيْنِ " أَرَادَ قَابَيْ قَوْس فَقَلَبَهُ . وَفِي الْحَدِيث : ( وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّة وَمَوْضِع قِدِّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ) وَالْقِدّ السَّوْط . وَفِي الصَّحِيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّة خَيْر مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ) . وَإِنَّمَا ضُرِبَ الْمَثَل بِالْقَوْسِ , لِأَنَّهَا لَا تَخْتَلِف فِي الْقَاب . وَاَللَّه أَعْلَمُ . قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : اِعْلَمْ أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ إِضَافَة الدُّنُوّ وَالْقُرْب مِنْ اللَّه أَوْ إِلَى اللَّه فَلَيْسَ بِدُنُوِّ مَكَان وَلَا قُرْب مَدًى , وَإِنَّمَا دُنُوّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَبّه وَقُرْبه مِنْهُ : إِبَانَة عَظِيم مَنْزِلَته , وَتَشْرِيف رُتْبَته , وَإِشْرَاق أَنْوَار مَعْرِفَته , وَمُشَاهَدَة أَسْرَار غَيْبه وَقُدْرَته . وَمِنْ اللَّه تَعَالَى لَهُ : مَبَرَّة وَتَأْنِيس وَبَسْط وَإِكْرَام . وَيُتَأَوَّل فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( يَنْزِل رَبّنَا إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا ) عَلَى أَحَد الْوُجُوه : نُزُول إِجْمَال وَقَبُول وَإِحْسَان . قَالَ الْقَاضِي : وَقَوْله : " فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى " فَمَنْ جَعَلَ الضَّمِير عَائِدًا إِلَى اللَّه تَعَالَى لَا إِلَى جِبْرِيل كَانَ عِبَارَة عَنْ نِهَايَة الْقُرْب , وَلُطْف الْمَحَلّ , وَإِيضَاح الْمَعْرِفَة , وَالْإِشْرَاف عَلَى الْحَقِيقَة مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَعِبَارَة عَنْ إِجَابَة الرَّغْبَة , وَقَضَاء الْمَطَالِب , وَإِظْهَار التَّحَفِّي , وَإِنَافَة الْمَنْزِلَة وَالْقُرْب مِنْ اللَّه ; وَيُتَأَوَّل فِيهِ مَا يُتَأَوَّل فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( مَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْت مِنْهُ ذِرَاعًا وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْته هَرْوَلَة ) قُرْب بِالْإِجَابَةِ وَالْقَبُول , وَإِتْيَان بِالْإِحْسَانِ وَتَعْجِيل الْمَأْمُول . وَقَدْ قِيلَ : " ثُمَّ دَنَا " جِبْرِيل مِنْ رَبّه " فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى " قَالَهُ مُجَاهِد . وَيَدُلّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ فِي الْحَدِيث : ( إِنَّ أَقْرَبَ الْمَلَائِكَة مِنْ اللَّه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام ) . وَقِيلَ : ( أَوْ ) بِمَعْنَى الْوَاو أَيْ قَابَ قَوْسَيْنِ وَأَدْنَى . وَقِيلَ : بِمَعْنَى بَلْ أَيْ بَلْ أَدْنَى . وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : الْقَاب صَدْر الْقَوْس الْعَرَبِيَّة حَيْثُ يُشَدّ عَلَيْهِ السَّيْر الَّذِي يَتَنَكَّبهُ صَاحِبه , وَلِكُلِّ قَوْس قَاب وَاحِد . فَأَخْبَرَ أَنَّ جِبْرِيل قَرُبَ مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَقُرْبِ قَاب قَوْسَيْنِ . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَعَطَاء وَأَبُو إِسْحَاق الْهَمْدَانِيّ وَأَبُو وَائِل شَقِيق بْن سَلَمَة : ( فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ ) أَيْ قَدْر ذِرَاعَيْنِ , وَالْقَوْس الذِّرَاع يُقَاس بِهَا كُلّ شَيْء , وَهِيَ لُغَة بَعْض الْحِجَازِيِّينَ . وَقِيلَ : هِيَ لُغَة أَزْد شَنُوءَة أَيْضًا . وَقَالَ الْكِسَائِيّ : قَوْله : " فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى " أَرَادَ قَوْسًا وَاحِدًا ; كَقَوْلِ الشَّاعِر : وَمَهْمَهَيْنِ قَذَفَيْنِ مَرَّتَيْنِ قَطَعْته بِالسَّمْتِ لَا بِالسَّمْتَيْنِ أَرَادَ مَهْمَهًا وَاحِدًا . وَالْقَوْس تُذَكَّر وَتُؤَنَّث فَمَنْ أَنَّثَ قَالَ فِي تَصْغِيرهَا قُوَيْسَة وَمَنْ ذَكَّرَ قَالَ قُوَيْس ; وَفِي الْمَثَل هُوَ مِنْ خَيْر قُوَيْس سَهْمًا . وَالْجَمْع قِسِيّ قُسِيّ وَأَقْوَاس وَقِيَاس ; وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَة : وَوَتَّرَ الْأَسَاوِرُ الْقِيَاسَا وَالْقَوْس أَيْضًا بَقِيَّة التَّمْر فِي الْجُلَّة أَيْ الْوِعَاء . وَالْقَوْس بُرْج فِي السَّمَاء . فَأَمَّا الْقُوس بِالضَّمِّ فَصَوْمَعَة الرَّاهِب ; قَالَ الشَّاعِر [ جَرِير ] وَذَكَرَ اِمْرَأَة : لَاسْتَفْتَنَتْنِي وَذَا الْمِسْحَيْنِ فِي الْقُوس'; $TAFSEER['4']['53']['10'] = 'تَفْخِيم لِلْوَحْيِ الَّذِي أُوحِيَ إِلَيْهِ . وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الْوَحْي وَهُوَ إِلْقَاء الشَّيْء بِسُرْعَةٍ وَمِنْهُ الْوَحَاء الْوَحَاء . وَالْمَعْنَى فَأَوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَى عَبْده مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَوْحَى . وَقِيلَ : الْمَعْنَى " فَأَوْحَى إِلَى عَبْده " جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام " مَا أَوْحَى " . وَقِيلَ : الْمَعْنَى فَأَوْحَى جِبْرِيل إِلَى عَبْد اللَّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَوْحَى إِلَيْهِ رَبّه . قَالَهُ الرَّبِيع وَالْحَسَن وَابْن زَيْد وَقَتَادَة . قَالَ قَتَادَة : أَوْحَى اللَّه إِلَى جِبْرِيل وَأَوْحَى جِبْرِيل إِلَى مُحَمَّد . ثُمَّ قِيلَ : هَذَا الْوَحْي هَلْ هُوَ مُبْهَم ؟ لَا نَطَّلِع عَلَيْهِ نَحْنُ وَتُعُبِّدْنَا بِالْإِيمَانِ بِهِ عَلَى الْجُمْلَة , أَوْ هُوَ مَعْلُوم مُفَسَّر ؟ قَوْلَانِ . وَبِالثَّانِي قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : أَوْحَى اللَّه إِلَى مُحَمَّد : أَلَمْ أَجِدك يَتِيمًا فَآوَيْتُك ! أَلَمْ أَجِدك ضَالًّا فَهَدَيْتُك ! أَلَمْ أَجِدك عَائِلًا فَأَغْنَيْتُك ! " أَلَمْ نَشْرَح لَك صَدْرك . وَوَضَعْنَا عَنْك وِزْرك . الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرك . وَرَفَعْنَا لَك ذِكْرك " [ الِانْشِرَاح : 4 ] . وَقِيلَ : أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنَّ الْجَنَّة حَرَام عَلَى الْأَنْبِيَاء حَتَّى تَدْخُلهَا يَا مُحَمَّد , وَعَلَى الْأُمَم حَتَّى تَدْخُلهَا أُمَّتك .'; $TAFSEER['4']['53']['11'] = 'أَيْ لَمْ يَكْذِب قَلْب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْمِعْرَاج ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ بَصَره فِي فُؤَاده حَتَّى رَأَى رَبّه تَعَالَى وَجَعَلَ اللَّه تِلْكَ رُؤْيَة . وَقِيلَ : كَانَتْ رُؤْيَة حَقِيقَة بِالْبَصَرِ . وَالْأَوَّل مَرْوِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَفِي صَحِيح مُسْلِم أَنَّهُ رَآهُ بِقَلْبِهِ . وَهُوَ قَوْل أَبِي ذَرّ وَجَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة . وَالثَّانِي قَوْل أَنَس وَجَمَاعَة . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ : أَتَعْجَبُونَ أَنْ تَكُون الْخُلَّة لِإِبْرَاهِيم , وَالْكَلَام لِمُوسَى , وَالرُّؤْيَة لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ : أَمَّا نَحْنُ بَنِي هَاشِم فَنَقُول إِنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبّه مَرَّتَيْنِ . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي هَذَا فِي " الْأَنْعَام " عِنْد قَوْله : " لَا تُدْرِكهُ " الْأَبْصَار وَهُوَ يُدْرِك الْأَبْصَار " [ الْأَنْعَام : 103 ] . وَرَوَى مُحَمَّد بْن كَعْب قَالَ : قُلْنَا يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْك رَأَيْت رَبّك ؟ قَالَ : ( رَأَيْته بِفُؤَادِي مَرَّتَيْنِ ) ثُمَّ قَرَأَ : " مَا كَذَبَ الْفُؤَاد مَا رَأَى " . وَقَوْل : ثَالِث أَنَّهُ رَأَى جَلَاله وَعَظَمَته ; قَالَهُ الْحَسَن . وَرَوَى أَبُو الْعَالِيَة قَالَ : سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ رَأَيْت رَبّك ؟ قَالَ : ( رَأَيْت نَهَرًا وَرَأَيْت وَرَاء النَّهَر حِجَابًا وَرَأَيْت وَرَاء الْحِجَاب نُورًا لَمْ أَرَ غَيْر ذَلِكَ ) . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ : سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ رَأَيْت رَبّك ؟ قَالَ : ( نُور أَنَّى أَرَاهُ ) الْمَعْنَى غَلَبَنِي مِنْ النُّور وَبَهَرَنِي مِنْهُ مَا مَنَعَنِي مِنْ رُؤْيَته . وَدَلَّ عَلَى هَذَا الرِّوَايَة الْأُخْرَى ( رَأَيْت نُورًا ) . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود : رَأَى جِبْرِيل عَلَى صُورَته مَرَّتَيْنِ . وَقَرَأَ هِشَام عَنْ اِبْن عَامِر وَأَهْل الشَّام " مَا كَذَّبَ " بِالتَّشْدِيدِ أَيْ مَا كَذَّبَ قَلْب مُحَمَّد مَا رَأَى بِعَيْنِهِ تِلْكَ اللَّيْلَة بَلْ صَدَّقَهُ . ف " مَا " مَفْعُوله بِغَيْرِ حَرْف مُقَدَّر ; لِأَنَّهُ يَتَعَدَّى مُشَدَّدًا بِغَيْرِ حَرْف . وَيَجُوز أَنْ تَكُون " مَا " بِمَعْنَى الَّذِي وَالْعَائِد مَحْذُوف , وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعَ الْفِعْل مَصْدَرًا . الْبَاقُونَ مُخَفَّفًا ; أَيْ مَا كَذَبَ فُؤَاد مُحَمَّد فِيمَا رَأَى ; فَأَسْقَطَ حَرْف الصِّفَة . قَالَ حَسَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : لَوْ كُنْتِ صَادِقَة الَّذِي حَدَّثْتِنِي لَنَجَوْت مَنْجَى الْحَارِث بْن هِشَام أَيْ فِي الَّذِي حَدَّثْتنِي . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعَ الْفِعْل مَصْدَرًا . وَيَجُوز أَنْ يَكُون بِمَعْنَى الَّذِي ; أَيْ مَا كَذَبَ فُؤَاد مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي رَأَى .'; $TAFSEER['4']['53']['12'] = 'قَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " أَفَتَمْرُونَهُ " بِفَتْحِ التَّاء مِنْ غَيْر أَلِف عَلَى مَعْنَى أَفَتَجْحَدُونَهُ . وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد ; لِأَنَّهُ قَالَ : لَمْ يُمَارُوهُ وَإِنَّمَا جَحَدُوهُ . يُقَال : مَرَاه حَقّه أَيْ جَحَدَهُ وَمَرَيْته أَنَا ; قَالَ الشَّاعِر : لَئِنْ هَجَرْت أَخَا صِدْقٍ وَمَكْرُمَةٍ لَقَدْ مَرَيْت أَخًا مَا كَانَ يَمْرِيكَا أَيْ جَحَدْته . وَقَالَ الْمُبَرِّد : يُقَال مَرَاه عَنْ حَقّه وَعَلَى حَقّه إِذَا مَنَعَهُ مِنْهُ وَدَفَعَهُ عَنْهُ . قَالَ : وَمِثْلُ عَلَى بِمَعْنَى عَنْ قَوْلُ بَنِي كَعْب بْن رَبِيعَة : رَضِيَ اللَّه عَلَيْك ; أَيْ رَضِيَ عَنْك . وَقَرَأَ الْأَعْرَج وَمُجَاهِد " أَفَتُمْرُونَهُ " بِضَمِّ التَّاء مِنْ غَيْر أَلِف مِنْ أَمْرَيْت ; أَيْ تُرِيبُونَهُ وَتُشَكِّكُونَهُ . الْبَاقُونَ " أَفَتُمَارُونَهُ " بِأَلِفٍ , أَيْ أَتُجَادِلُونَهُ وَتُدَافِعُونَهُ فِي أَنَّهُ رَأَى اللَّه ; وَالْمَعْنَيَانِ مُتَدَاخِلَانِ ; لِأَنَّ مُجَادَلَتهمْ جُحُود . وَقِيلَ : إِنَّ الْجُحُود كَانَ دَائِمًا مِنْهُمْ وَهَذَا جِدَال جَدِيد ; قَالُوا : صِفْ لَنَا بَيْت الْمَقْدِس وَأَخْبِرْنَا عَنْ عِيرنَا الَّتِي فِي طَرِيق الشَّام . عَلَى مَا تَقَدَّمَ .'; $TAFSEER['4']['53']['13'] = '" نَزْلَة " مَصْدَر فِي مَوْضِع الْحَال كَأَنَّهُ قَالَ : وَلَقَدْ رَآهُ نَازِلًا نَزْلَة أُخْرَى . قَالَ اِبْن عَبَّاس : رَأَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبّه مَرَّة أُخْرَى بِقَلْبِهِ . رَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي الْعَالِيَة عَنْهُ قَالَ : " مَا كَذَبَ الْفُؤَاد مَا رَأَى " " وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَة أُخْرَى " قَالَ : رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ ; فَقَوْله : " نَزْلَة أُخْرَى " يَعُود إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ صُعُود وَنُزُول مِرَارًا بِحَسَبِ أَعْدَاد الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة , فَلِكُلِّ عَرْجَة نَزْلَة ) وَعَلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى : " عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهَى " أَيْ وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهَى وَفِي بَعْض تِلْكَ النَّزَلَات . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَأَبُو هُرَيْرَة فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى : " وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَة أُخْرَى " إِنَّهُ جِبْرِيل . ثَبَتَ هَذَا أَيْضًا فِي صَحِيح مُسْلِم . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رَأَيْت جِبْرِيل بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى لَهُ سِتّمِائَةِ جَنَاح يَتَنَاثَر مِنْ رِيشه الدُّرّ وَالْيَاقُوت ) ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ .'; $TAFSEER['4']['53']['14'] = '" عِنْد " مِنْ صِلَة " رَآهُ " عَلَى مَا بَيَّنَّا . وَالسِّدْر شَجَر النَّبْق وَهِيَ فِي السَّمَاء السَّادِسَة , وَجَاءَ فِي السَّمَاء السَّابِعَة . وَالْحَدِيث بِهَذَا فِي صَحِيح مُسْلِم ; الْأَوَّل مَا رَوَاهُ مُرَّة عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى , وَهِيَ فِي السَّمَاء السَّادِسَة , إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَج بِهِ مِنْ الْأَرْض فَيُقْبَض مِنْهَا , وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَط بِهِ مِنْ فَوْقهَا فَيُقْبَض مِنْهَا , قَالَ : " إِذْ يَغْشَى السِّدْرَة مَا يَغْشَى " قَالَ : فَرَاش مِنْ ذَهَب , قَالَ : فَأُعْطِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا : أُعْطِيَ الصَّلَوَات الْخَمْس , وَأُعْطِيَ خَوَاتِيم سُورَة الْبَقَرَة , وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِك بِاَللَّهِ مِنْ أُمَّته شَيْئًا الْمُقْحِمَات . الْحَدِيث الثَّانِي رَوَاهُ قَتَادَة عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَمَّا رُفِعْت إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى فِي السَّمَاء السَّابِعَة نَبْقَهَا مِثْل قِلَال هَجَرَ وَوَرَقهَا مِثْل آذَان الْفِيَلَة يَخْرُج مِنْ سَاقهَا نَهَرَانِ ظَاهِرَانِ وَنَهَرَانِ بَاطِنَانِ قُلْت يَا جِبْرِيل مَا هَذَا قَالَ أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَفِي الْجَنَّة وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيل وَالْفُرَات ) لَفْظ الدَّارَقُطْنِيّ . وَالنَّبِق بِكَسْرِ الْبَاء : ثَمَر السِّدْر الْوَاحِد نَبْقَة . وَيُقَال : نَبْق بِفَتْحِ النُّون وَسُكُون الْبَاء ; ذَكَرَهُمَا يَعْقُوب فِي الْإِصْلَاح وَهِيَ لُغَة الْمِصْرِيِّينَ , وَالْأُولَى أَفْصَحُ وَهِيَ الَّتِي ثَبَتَتْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ أَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَتْ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول - وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ سِدْرَة الْمُنْتَهَى - قَالَ : ( يَسِير الرَّاكِب فِي ظِلّ الْغُصْن مِنْهَا مِائَة سَنَة أَوْ يَسْتَظِلّ بِظِلِّهَا مِائَة رَاكِب - شَكَّ يَحْيَى - فِيهَا فَرَاش الذَّهَب كَأَنَّ ثَمَرهَا الْقِلَال ) قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث حَسَن . قُلْت : وَكَذَا لَفْظ مُسْلِم مِنْ حَدِيث ثَابِت عَنْ أَنَس ( ثُمَّ ذُهِبَ بِي إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى وَإِذَا وَرَقهَا كَآذَانِ الْفِيَلَة وَإِذَا ثَمَرهَا كَالْقِلَالِ فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ فَمَا أَحَد مِنْ خَلْق اللَّه يَسْتَطِيع أَنْ يَنْعَتهَا مِنْ حُسْنهَا ) . وَاخْتُلِفَ لِمَ سُمِّيَتْ سِدْرَة الْمُنْتَهَى عَلَى أَقْوَال تِسْعَة : الْأَوَّل : مَا تَقَدَّمَ عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ يَنْتَهِي إِلَيْهَا كُلُّ مَا يَهْبِط مَنْ فَوْقهَا وَيَصْعَد مَنْ تَحْتهَا . الثَّانِي : أَنَّهُ يَنْتَهِي عِلْم الْأَنْبِيَاء إِلَيْهَا وَيَعْزُب عِلْمهمْ عَمَّا وَرَاءَهَا ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . الثَّالِث : أَنَّ الْأَعْمَال تَنْتَهِي إِلَيْهَا وَتُقْبَض مِنْهَا ; قَالَهُ الضَّحَّاك . الرَّابِع : لِانْتِهَاءِ الْمَلَائِكَة وَالْأَنْبِيَاء إِلَيْهَا وَوُقُوفهمْ عِنْدهَا ; قَالَهُ كَعْب . الْخَامِس : سُمِّيَتْ سِدْرَة الْمُنْتَهَى لِأَنَّهَا يَنْتَهِي إِلَيْهَا أَرْوَاح الشُّهَدَاء ; قَالَهُ الرَّبِيع بْن أَنَس . السَّادِس : لِأَنَّهُ تَنْتَهِي إِلَيْهَا أَرْوَاح الْمُؤْمِنِينَ ; قَالَهُ قَتَادَة . السَّابِع : لِأَنَّهُ يَنْتَهِي إِلَيْهَا كُلّ مَنْ كَانَ عَلَى سُنَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهَاجه ; قَالَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَالرَّبِيع بْن أَنَس أَيْضًا . الثَّامِن : هِيَ شَجَرَة عَلَى رُءُوس حَمَلَة الْعَرْش إِلَيْهَا يَنْتَهِي عِلْم الْخَلَائِق ; قَالَهُ كَعْب أَيْضًا . قُلْت : يُرِيد - وَاَللَّه أَعْلَمُ - أَنَّ اِرْتِفَاعهَا وَأَعَالِي أَغْصَانهَا قَدْ جَاوَزَتْ رُءُوس حَمَلَة الْعَرْش ; وَدَلِيله عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ أَصْلهَا فِي السَّمَاء السَّادِسَة وَأَعْلَاهَا فِي السَّمَاء السَّابِعَة , ثُمَّ عَلَتْ فَوْق ذَلِكَ حَتَّى جَاوَزَتْ رُءُوس حَمَلَة الْعَرْش . وَاَللَّه أَعْلَمُ . التَّاسِع : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ رُفِعَ إِلَيْهَا فَقَدْ اِنْتَهَى فِي الْكَرَامَة . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِنْتَهَى بِهِ إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى فَقِيلَ لَهُ هَذِهِ سِدْرَة الْمُنْتَهَى يَنْتَهِي إِلَيْهَا كُلّ أَحَد خَلَا مِنْ أُمَّتك عَلَى سُنَّتك ; فَإِذَا هِيَ شَجَرَة يَخْرُج مِنْ أَصْلهَا أَنْهَار مِنْ مَاء غَيْر آسِن ! وَأَنْهَار مِنْ لَبَن لَمْ يَتَغَيَّر طَعْمه , وَأَنْهَار مِنْ خَمْر لَذَّة لِلشَّارِبِينَ , وَأَنْهَار مِنْ عَسَل مُصَفًّى , وَإِذَا هِيَ شَجَرَة يَسِير الرَّاكِب الْمُسْرِع فِي ظِلّهَا مِائَة عَام لَا يَقْطَعهَا , وَالْوَرَقَة مِنْهَا تُغَطِّي الْأُمَّة كُلّهَا ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ .'; $TAFSEER['4']['53']['15'] = 'تَعْرِيف بِمَوْضِعِ جَنَّة الْمَأْوَى وَأَنَّهَا عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهَى . وَقَرَأَ عَلِيّ وَأَبُو هُرَيْرَة وَأَنَس وَأَبُو سَبْرَة الْجُهَنِيّ وَعَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر وَمُجَاهِد " عِنْدهَا جَنَّة الْمَأْوَى " يَعْنِي جَنَّة الْمَبِيت . قَالَ مُجَاهِد : يُرِيد أَجَنَّهُ . وَالْهَاء لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ الْأَخْفَش : أَدْرَكَهُ كَمَا تَقُول جَنَّهُ اللَّيْل أَيْ سَتَرَهُ وَأَدْرَكَهُ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " جَنَّة الْمَأْوَى " قَالَ الْحَسَن : هِيَ الَّتِي يَصِير إِلَيْهَا الْمُتَّقُونَ . وَقِيلَ : إِنَّهَا الْجَنَّة الَّتِي يَصِير إِلَيْهَا أَرْوَاح الشُّهَدَاء ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَهِيَ عَنْ يَمِين الْعَرْش . وَقِيلَ : هِيَ الْجَنَّة الَّتِي آوَى إِلَيْهَا آدَم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى أَنْ أُخْرِجَ مِنْهَا وَهِيَ فِي السَّمَاء السَّابِعَة . وَقِيلَ : إِنَّ أَرْوَاح الْمُؤْمِنِينَ كُلّهمْ فِي جَنَّة الْمَأْوَى . وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا : جَنَّة الْمَأْوَى لِأَنَّهَا تَأْوِي إِلَيْهَا أَرْوَاح الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ تَحْت الْعَرْش فَيَتَنَعَّمُونَ بِنَعِيمِهَا وَيَتَنَسَّمُونَ بِطِيبِ رِيحهَا . وَقِيلَ : لِأَنَّ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام يَأْوِيَانِ إِلَيْهَا . وَاَللَّه أَعْلَم .'; $TAFSEER['4']['53']['16'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك وَابْن مَسْعُود وَأَصْحَابه : فَرَاش مِنْ ذَهَب . وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ اِبْن مَسْعُود قَوْله . وَقَالَ الْحَسَن : غَشِيَهَا نُور رَبّ الْعَالَمِينَ فَاسْتَنَارَتْ . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَسُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غَشِيَهَا ؟ قَالَ : ( فَرَاش مِنْ ذَهَب ) . وَفِي خَبَر آخَر ( غَشِيَهَا نُور مِنْ اللَّه حَتَّى مَا يَسْتَطِيع أَحَد أَنْ يَنْظُر إِلَيْهَا ) . وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : غَشِيَهَا نُور الرَّبّ وَالْمَلَائِكَة تَقَع عَلَيْهَا كَمَا يَقَع الْغِرْبَان عَلَى الشَّجَرَة . وَعَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( رَأَيْت السِّدْرَة يَغْشَاهَا فَرَاش مِنْ ذَهَب وَرَأَيْت عَلَى كُلّ وَرَقَة مَلَكًا قَائِمًا يُسَبِّح اللَّه تَعَالَى وَذَلِكَ قَوْله : " إِذْ يَغْشَى السِّدْرَة مَا يَغْشَى " ) ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ وَالثَّعْلَبِيّ . وَقَالَ أَنَس بْن مَالِك : " إِذْ يَغْشَى السِّدْرَة مَا يَغْشَى " قَالَ جَرَاد مِنْ ذَهَب وَقَدْ رَوَاهُ مَرْفُوعًا . وَقَالَ مُجَاهِد : إِنَّهُ رَفْرَف أَخْضَر . وَعَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام : ( يَغْشَاهَا رَفْرَف مِنْ طَيْر خُضْر ) . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : يَغْشَاهَا رَبّ الْعِزَّة ; أَيْ أَمْرُهُ كَمَا فِي صَحِيح مُسْلِم مَرْفُوعًا : ( فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْر اللَّه مَا غَشِيَ ) . وَقِيلَ : هُوَ تَعْظِيم الْأَمْر ; كَأَنَّهُ قَالَ : إِذْ يَغْشَى السِّدْرَة مَا أَعْلَمَ اللَّه بِهِ مِنْ دَلَائِل مَلَكُوته . وَهَكَذَا قَوْله تَعَالَى : " فَأَوْحَى إِلَى عَبْده مَا أَوْحَى " " وَالْمُؤْتَفِكَة أَهْوَى . فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى " [ النَّجْم : 53 ] وَمِثْله : " الْحَاقَّة مَا الْحَاقَّة " [ الْحَاقَّة : 1 ] . وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي مَعَانِي الْقُرْآن لَهُ : فَإِنْ قِيلَ لِمَ اُخْتِيرَتْ السِّدْرَة لِهَذَا الْأَمْر دُون غَيْرهَا مِنْ الشَّجَر ؟ قِيلَ : لِأَنَّ السِّدْرَة تَخْتَصّ بِثَلَاثَةِ أَوْصَاف : ظِلّ مَدِيد , وَطَعْم لَذِيذ , وَرَائِحَة ذَكِيَّة ; فَشَابَهَتْ الْإِيمَان الَّذِي يَجْمَع قَوْلًا وَعَمَلًا وَنِيَّة ; فَظِلّهَا مِنْ الْإِيمَان بِمَنْزِلَةِ الْعَمَل لِتَجَاوُزِهِ , وَطَعْمهَا بِمَنْزِلَةِ النِّيَّة لِكُمُونِهِ , وَرَائِحَتهَا بِمَنْزِلَةِ الْقَوْل لِظُهُورِهِ . وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنه قَالَ : حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَة عَنْ اِبْن جُرَيْج عَنْ عُثْمَان بْن أَبِي سُلَيْمَان عَنْ سَعِيد بْن مُحَمَّد بْن جُبَيْر بْن مُطْعِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن حَبَشِيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَطَعَ سِدْرَة صَوَّبَ اللَّه رَأْسه فِي النَّار ) وَسُئِلَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث فَقَالَ : هَذَا الْحَدِيث مُخْتَصَر يَعْنِي مَنْ قَطَعَ سِدْرَة فِي فَلَاة يَسْتَظِلّ بِهَا اِبْن السَّبِيل وَالْبَهَائِم عَبَثًا وَظُلْمًا بِغَيْرِ حَقّ يَكُون لَهُ فِيهَا صَوَّبَ اللَّه رَأْسه فِي النَّار .'; $TAFSEER['4']['53']['17'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ مَا عَدَلَ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا , وَلَا تَجَاوَزَ الْحَدّ الَّذِي رَأَى . وَقِيلَ : مَا جَاوَزَ مَا أُمِرَ بِهِ . وَقِيلَ : لَمْ يَمُدّ بَصَره إِلَى غَيْر مَا رَأَى مِنْ الْآيَات . وَهَذَا وَصْف أَدَب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْمَقَام ; إِذْ لَمْ يَلْتَفِت يَمِينًا وَلَا شِمَالًا .'; $TAFSEER['4']['53']['18'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس : رَأَى رَفْرَفًا سَدَّ الْأُفُق . وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : ( " رَأَى مِنْ آيَات رَبّه الْكُبْرَى " قَالَ اِبْن عَبَّاس : رَأَى رَفْرَفًا أَخْضَر سَدَّ أُفُق السَّمَاء . وَعَنْهُ قَالَ : رَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي حُلَّة رَفْرَف أَخْضَر , قَدْ مَلَأَ مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض ) قَالَ الْبَيْهَقِيّ : قَوْله فِي الْحَدِيث ( رَأَى رَفْرَفًا ) يُرِيد جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي صُورَته فِي رَفْرَف , وَالرَّفْرَف الْبِسَاط . وَيُقَال : فِرَاش . وَيُقَال : بَلْ هُوَ ثَوْب كَانَ لِبَاسًا لَهُ ; فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ رَآهُ فِي حُلَّة رَفْرَف . قُلْت : خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : ( " مَا كَذَبَ الْفُؤَاد مَا رَأَى " قَالَ : رَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي حُلَّة مِنْ رَفْرَف قَدْ مَلَأَ مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض ) قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . قُلْت : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى : " دَنَا فَتَدَلَّى " أَنَّهُ عَلَى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير ; أَيْ تَدَلَّى الرَّفْرَف لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْمِعْرَاج فَجَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ فَدَنَا مِنْ رَبّه . قَالَ : ( فَارَقَنِي جِبْرِيل وَانْقَطَعَتْ عَنِّي الْأَصْوَات وَسَمِعْت كَلَام رَبِّي ) فَعَلَى هَذَا الرَّفْرَف مَا يُقْعَد وَيُجْلَس عَلَيْهِ كَالْبِسَاطِ وَغَيْره . وَهُوَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّل جِبْرِيل . قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد وَمُقَاتِل بْن حَيَّان : رَأَى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي صُورَته الَّتِي يَكُون فِيهَا فِي السَّمَوَات ; وَكَذَا فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : " لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَات رَبّه الْكُبْرَى " قَالَ رَأَى جِبْرِيل فِي صُورَته لَهُ سِتّمِائَةِ جَنَاح . وَلَا يَبْعُد مَعَ هَذَا أَنْ يَكُون فِي حُلَّة رَفْرَف وَعَلَى رَفْرَف . وَاَللَّه أَعْلَمُ . وَقَالَ الضَّحَّاك : رَأَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى . وَعَنْ اِبْن مَسْعُود : رَأَى مَا غَشِيَ السِّدْرَة مِنْ فَرَاش الذَّهَب ; حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقِيلَ : رَأَى الْمِعْرَاج . وَقِيلَ : هُوَ مَا رَأَى تِلْكَ اللَّيْلَة فِي مَسْرَاهُ فِي عَوْده وَبَدْئِهِ ; وَهُوَ أَحْسَنُ ; دَلِيله : " لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتنَا " [ الْإِسْرَاء : 1 ] و " مِنْ " يَجُوز أَنْ تَكُون لِلتَّبْعِيضِ , وَتَكُون " الْكُبْرَى " مَفْعُولَة ل " رَأَى " وَهِيَ فِي الْأَصْل صِفَة الْآيَات وَوُحِّدَتْ لِرُءُوسِ الْآيَات . وَأَيْضًا يَجُوز نَعْت الْجَمَاعَة بِنَعْتِ الْأُنْثَى ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَلِيَ فِيهَا مَآرِب أُخْرَى " [ طَه : 18 ] وَقِيلَ : " الْكُبْرَى " نَعْت لِمَحْذُوفٍ ; أَيْ رَأَى مِنْ آيَات رَبّه الْكُبْرَى . وَيَجُوز أَنْ تَكُون " مِنْ " زَائِدَة ; أَيْ رَأَى آيَات رَبّه الْكُبْرَى . وَقِيلَ : فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير ; أَيْ رَأَى الْكُبْرَى مِنْ آيَات رَبّه .'; $TAFSEER['4']['53']['19'] = 'لَمَّا ذَكَرَ الْوَحْي إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَكَرَ مِنْ آثَار قُدْرَته مَا ذَكَرَ , حَاجَّ الْمُشْرِكِينَ إِذْ عَبَدُوا مَا لَا يَعْقِل وَقَالَ : أَفَرَأَيْتُمْ هَذِهِ الْآلِهَة الَّتِي تَعْبُدُونَهَا أَوْحَيْنَ إِلَيْكُمْ شَيْئًا كَمَا أُوحِيَ إِلَى مُحَمَّد . وَكَانَتْ اللَّات لِثَقِيفٍ , وَالْعُزَّى لِقُرَيْشٍ وَبَنِي كِنَانَة , وَمَنَاة لِبَنِي هِلَال . وَقَالَ هِشَام : فَكَانَتْ مَنَاة لِهُذَيْلٍ وَخُزَاعَة ; فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَهَدَمَهَا عَام الْفَتْح . ثُمَّ اتَّخَذُوا اللَّاتَ بِالطَّائِفِ , وَهِيَ أَحْدَثُ مِنْ مَنَاة وَكَانَتْ صَخْرَة مُرَبَّعَة , وَكَانَ سَدَنَتهَا مِنْ ثَقِيف , وَكَانُوا قَدْ بَنَوْا عَلَيْهَا بِنَاء , فَكَانَتْ قُرَيْش وَجَمِيع الْعَرَب تُعَظِّمهَا . وَبِهَا كَانَتْ الْعَرَب تُسَمِّي زَيْد اللَّات وَتَيْم اللَّات . وَكَانَتْ فِي مَوْضِع مَنَارَة مَسْجِد الطَّائِف الْيُسْرَى , فَلَمْ تَزَلْ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ أَسْلَمَتْ ثَقِيف , فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة فَهَدَمَهَا وَحَرَقَهَا بِالنَّارِ . ثُمَّ اِتَّخَذُوا الْعُزَّى وَهِيَ أَحْدَثُ مِنْ اللَّات , اِتَّخَذَهَا ظَالِم بْن أَسْعَدَ , وَكَانَتْ بِوَادِي نَخْلَة الشَّامِيَّة فَوْق ذَات عِرْق , فَبَنَوْا عَلَيْهَا بَيْتًا وَكَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْهَا الصَّوْت . قَالَ اِبْن هِشَام : وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَتْ الْعُزَّى شَيْطَانَة تَأْتِي ثَلَاث سَمُرَات بِبَطْنِ نَخْلَة , فَلَمَّا اِفْتَتَحَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّة , بَعَثَ خَالِد بْن الْوَلِيد رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ : ( ايتِ بَطْن نَخْلَة فَإِنَّك تَجِد ثَلَاث سَمُرَات فَاعْضِدْ الْأُولَى ) فَأَتَاهَا فَعَضَدَهَا فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ قَالَ : ( هَلْ رَأَيْت شَيْئًا ) قَالَ : لَا . قَالَ : ( فَاعْضِدْ الثَّانِيَة ) فَأَتَاهَا فَعَضَدَهَا , ثُمَّ أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( هَلْ رَأَيْت شَيْئًا ) قَالَ : لَا . قَالَ : ( فَاعْضِدْ الثَّالِثَة ) فَأَتَاهَا فَإِذَا هُوَ بِحَبَشِيَّةٍ نَافِشَة شَعْرهَا , وَاضِعَة يَدَيْهَا عَلَى عَاتِقهَا تُصَرِّف بِأَنْيَابِهَا , وَخَلْفهَا دُبَيَّة السُّلَمِيّ وَكَانَ سَادِنَهَا فَقَالَ : يَا عُزَّ كُفْرَانك لَا سُبْحَانك إِنِّي رَأَيْت اللَّهَ قَدْ أَهَانَك ثُمَّ ضَرَبَهَا فَفَلَقَ رَأْسهَا فَإِذَا هِيَ حُمَمَة , ثُمَّ عَضَدَ الشَّجَرَة وَقَتَلَ دُبَيَّة السَّادِن , ثُمَّ أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ : ( تِلْكَ الْعُزَّى وَلَنْ تُعْبَد أَبَدًا ) وَقَالَ اِبْن جُبَيْر : الْعُزَّى حَجَر أَبْيَض كَانُوا يَعْبُدُونَهُ . قَتَادَة : نَبْت كَانَ بِبَطْنِ نَخْلَة . وَمَنَاة : صَنَم لِخُزَاعَة . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّات فِيمَا ذَكَرَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ أَخَذَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ لَفْظ اللَّه , وَالْعُزَّى مِنْ الْعَزِيز , وَمَنَاة مِنْ مَنَى اللَّه الشَّيْءَ إِذَا قَدَّرَهُ . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَابْن الزُّبَيْر وَمُجَاهِد وَحُمَيْد وَأَبُو صَالِح " اللَّاتّ " بِتَشْدِيدِ التَّاء وَقَالُوا : كَانَ رَجُلًا يَلُتّ السَّوِيق لِلْحَاجِّ ذَكَرَ الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس - فَلَمَّا مَاتَ عَكَفُوا عَلَى قَبْره فَعَبَدُوهُ . اِبْن عَبَّاس : كَانَ يَبِيع السَّوِيق وَالسَّمْن عِنْد صَخْرَة وَيَصُبّهُ عَلَيْهَا , فَلَمَّا مَاتَ ذَلِكَ الرَّجُل عَبَدَتْ ثَقِيف تِلْكَ الصَّخْرَة إِعْظَامًا لِصَاحِبِ السَّوِيق . أَبُو صَالِح : إِنَّمَا كَانَ رَجُلًا بِالطَّائِفِ فَكَانَ يَقُوم عَلَى آلِهَتهمْ وَيَلُتّ لَهُمْ السَّوِيق فَلَمَّا مَاتَ عَبَدُوهُ . مُجَاهِد : كَانَ رَجُل فِي رَأْس جَبَل لَهُ غُنَيْمَة يَسْلِي مِنْهَا السَّمْن وَيَأْخُذ مِنْهَا الْأَقِط وَيَجْمَع رِسْلهَا , ثُمَّ يَتَّخِذ مِنْهَا حَيْسًا فَيُطْعِم الْحَاجّ , وَكَانَ بِبَطْنِ نَخْلَة فَلَمَّا مَاتَ عَبَدُوهُ وَهُوَ اللَّاتّ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ كَانَ رَجُلًا مِنْ ثَقِيف يُقَال لَهُ صِرْمَة بْن غُنْم . وَقِيلَ : إِنَّهُ عَامِر بْن ظَرِب الْعَدْوَانِيّ . قَالَ الشَّاعِر : لَا تَنْصُرُوا اللَّاتَ إِنَّ اللَّهَ مُهْلِكُهَا وَكَيْفَ يَنْصُركُمْ مَنْ لَيْسَ يَنْتَصِر وَالْقِرَاءَة الصَّحِيحَة " اللَّات " بِالتَّخْفِيفِ اِسْم صَنَم وَالْوُقُوف عَلَيْهَا بِالتَّاءِ وَهُوَ اِخْتِيَار الْفَرَّاء . قَالَ الْفَرَّاء : وَقَدْ رَأَيْت الْكِسَائِيّ سَأَلَ أَبَا فَقْعَس الْأَسَدِيّ فَقَالَ ذَاهْ لِذَات وَلَاهْ لِلَّاتِ وَقَرَأَ " أَفَرَأَيْتُمْ اللَّاهَ " وَكَذَا قَرَأَ الدَّوْرِيّ عَنْ الْكِسَائِيّ وَالْبَزِّيّ عَنْ اِبْن كَثِير " اللَّاهْ " بِالْهَاءِ فِي الْوَقْف , وَمَنْ قَالَ : إِنَّ " اللَّات " مِنْ اللَّه وَقْف بِالْهَاءِ أَيْضًا . وَقِيلَ : أَصْلهَا لَاهَة مِثْل شَاة أَصْلُهَا شَاهَة وَهِيَ مِنْ لَاهَتْ أَيْ اِخْتَفَتْ ; قَالَ الشَّاعِر : لَاهَتْ فَمَا عُرِفَتْ يَوْمًا بِخَارِجَةٍ يَا لَيْتَهَا خَرَجَتْ حَتَّى رَأَيْنَاهَا وَفِي الصِّحَاح : اللَّات اِسْم صَنَم كَانَ لِثَقِيفٍ وَكَانَ بِالطَّائِفِ , وَبَعْض الْعَرَب يَقِف عَلَيْهَا بِالتَّاءِ , وَبَعْضهمْ بِالْهَاءِ ; قَالَ الْأَخْفَش : سَمِعْنَا مِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول اللَّاتِ وَالْعُزَّى , وَيَقُول هِيَ اللَّاتْ فَيَجْعَلهَا تَاء فِي السُّكُوت وَهِيَ اللَّاتِ فَأَعْلَمَ أَنَّهُ جُرَّ فِي مَوْضِع الرَّفْع ; فَهَذَا مِثْل أَمْسِ مَكْسُور عَلَى كُلّ حَال وَهُوَ أَجْوَد مِنْهُ ; لِأَنَّ الْأَلِف وَاللَّام اللَّتَيْنِ فِي اللَّات لَا تَسْقُطَانِ وَإِنْ كَانَتَا زَائِدَتَيْنِ ; وَأَمَّا مَا سَمِعْنَا مِنْ الْأَكْثَر فِي اللَّات وَالْعُزَّى فِي السُّكُوت عَلَيْهَا فَاللَّاهْ لِأَنَّهَا هَاء فَصَارَتْ تَاء فِي الْوَصْل وَهِيَ فِي تِلْكَ اللُّغَة مِثْل كَانَ مِنْ الْأَمْر كَيْتِ وَكَيْتِ , وَكَذَلِكَ هَيْهَاتِ فِي لُغَة مَنْ كَسَرَهَا ; إِلَّا أَنَّهُ يَجُوز فِي هَيْهَاتِ أَنْ تَكُون جَمَاعَة وَلَا يَجُوز ذَلِكَ فِي اللَّات ; لِأَنَّ التَّاء لَا تُزَاد فِي الْجَمَاعَة إِلَّا مَعَ الْأَلِف , وَإِنْ جُعِلَتْ الْأَلِف وَالتَّاء زَائِدَتَيْنِ بَقِيَ الِاسْم عَلَى حَرْف وَاحِد .'; $TAFSEER['4']['53']['20'] = 'قَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَحُمَيْد وَمُجَاهِد وَالسُّلَمِيّ وَالْأَعْشَى عَنْ أَبِي بَكْر " وَمَنَاءَة " بِالْمَدِّ وَالْهَمْز . وَالْبَاقُونَ بِتَرْكِ الْهَمْز لُغَتَانِ . وَقِيلَ : سُمِّيَ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُرِيقُونَ عِنْده الدِّمَاء يَتَقَرَّبُونَ بِذَلِكَ إِلَيْهِ . وَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ مِنًى لِكَثْرَةِ مَا يُرَاق فِيهَا مِنْ الدِّمَاء . وَكَانَ الْكِسَائِيّ وَابْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن يَقِفُونَ بِالْهَاءِ عَلَى الْأَصْل . الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ اِتِّبَاعًا لِخَطِّ الْمُصْحَف . وَفِي الصِّحَاح : وَمَنَاة اِسْم صَنَم كَانَ لِهُذَيْلٍ وَخُزَاعَة بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة , وَالْهَاء لِلتَّأْنِيثِ وَيُسْكَت عَلَيْهَا بِالتَّاءِ وَهِيَ لُغَة , وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا مَنَوِيّ . وَعَبْد مَنَاة بْن أُدّ بْن طَابِخَة , وَزَيْد مَنَاة بْن تَمِيم بْن مُرّ يُمَدّ وَيُقْصَر ; قَالَ هَوْبَر الْحَارِثِيّ : أَلَا هَلْ أَتَى التَّيْم بْن عَبْد مَنَاءَة عَلَى الشِّنْءِ فِيمَا بَيْننَا اِبْن تَمِيم قَوْله تَعَالَى : " الْأُخْرَى " الْعَرَب لَا تَقُول لِلثَّالِثَةِ أُخْرَى وَإِنَّمَا الْأُخْرَى نَعْت لِلثَّانِيَةِ , وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْههَا فَقَالَ الْخَلِيل : إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِوِفَاقِ رُءُوس الْآي ; كَقَوْلِهِ : " مَآرِب أُخْرَى " [ طَه : 18 ] وَلَمْ يَقُلْ أُخَر . وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : فِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير مَجَازهَا أَفَرَأَيْتُمْ اللَّات وَالْعُزَّى الْأُخْرَى وَمَنَاة الثَّالِثَة . وَقِيلَ : إِنَّمَا قَالَ " وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى " لِأَنَّهَا كَانَتْ مُرَتَّبَة عِنْد الْمُشْرِكِينَ فِي التَّعْظِيم بَعْد اللَّات وَالْعُزَّى فَالْكَلَام عَلَى نَسَقه . وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ اِبْن هِشَام : أَنَّ مَنَاة كَانَتْ أَوَّلًا فِي التَّقْدِيم , فَلِذَلِكَ كَانَتْ مُقَدَّمَة عِنْدهمْ فِي التَّعْظِيم ; وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِي الْآيَة حَذْف دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَام ; أَيْ أَفَرَأَيْتُمْ هَذِهِ الْآلِهَة هَلْ نَفَعَتْ أَوْ ضَرَّتْ حَتَّى تَكُون شُرَكَاء لِلَّهِ .'; $TAFSEER['4']['53']['21'] = 'قَالَ عَلَى جِهَة التَّقْرِيع وَالتَّوْبِيخ : " أَلَكُمْ الذَّكَر وَلَهُ الْأُنْثَى " رَدًّا عَلَيْهِمْ قَوْلهمْ : الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه , وَالْأَصْنَام بَنَات اللَّه .'; $TAFSEER['4']['53']['22'] = 'يَعْنِي هَذِهِ الْقِسْمَة أَيْ جَائِرَة عَنْ الْعَدْل , خَارِجَة عَنْ الصَّوَاب , مَائِلَة عَنْ الْحَقّ . يُقَال : ضَازَ فِي الْحُكْم أَيْ جَارَ , وَضَازَ حَقّه يَضِيزهُ ضَيْزًا - عَنْ الْأَخْفَش - أَيْ نَقَصَهُ وَبَخَسَهُ . قَالَ : وَقَدْ يُهْمَز فَيُقَال ضَأَزَهُ يَضْأَزهُ ضَأْزًا وَأَنْشَدَ : فَإِنْ تَنْأَ عَنَّا نَنْتَقِصْك وَإِنْ تُقِمْ فَقِسْمُك مَضْئُوزٌ وَأَنْفُك رَاغِمُ وَقَالَ الْكِسَائِيّ : يُقَال ضَازَ يَضِيز ضَيْزًا , وَضَازَ يَضُوز , وَضَأَزَ يَضْأَز ضَأْزًا إِذَا ظَلَمَ وَتَعَدَّى وَبَخَسَ وَانْتَقَصَ ; قَالَ الشَّاعِر : ضَازَتْ بَنُو أَسَد بِحُكْمِهِمُ إِذْ يَجْعَلُونَ الرَّأْس كَالذَّنَبِ قَوْله تَعَالَى : " قِسْمَة ضِيزَى " أَيْ جَائِرَة , وَهِيَ فُعْلَى مِثْل طُوبَى وَحُبْلَى ; وَإِنَّمَا كَسَرُوا الضَّاد لِتَسْلَم الْيَاء ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَام فِعْلَى صِفَة , وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بِنَاء الْأَسْمَاء كَالشِّعْرَى وَالدِّفْلَى . قَالَ الْفَرَّاء : وَبَعْض الْعَرَب تَقُول ضُوزَى وَضِئْزَى بِالْهَمْزِ . وَحَكَى أَبُو حَاتِم عَنْ أَبِي زَيْد : أَنَّهُ سَمِعَ الْعَرَب تَهْمِز " ضِيزَى " . قَالَ غَيْره : وَبِهَا قَرَأَ اِبْن كَثِير ; جَعَلَهُ مَصْدَرًا مِثْل ذِكْرَى وَلَيْسَ بِصِفَةٍ ; إِذْ لَيْسَ فِي الصِّفَات فِعْلَى وَلَا يَكُون أَصْلهَا فُعْلَى ; إِذْ لَيْسَ فِيهَا مَا يُوجِب الْقَلْب , وَهِيَ مِنْ قَوْلهمْ ضَأَزْته أَيْ ظَلَمْته . فَالْمَعْنَى قِسْمَة ذَات ظُلْم . وَقَدْ قِيلَ هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى . وَحُكِيَ فِيهَا أَيْضًا سِوَاهُمَا ضَيْزَى وَضَأْزَى وَضُوزَى وَضُؤْزَى . وَقَالَ الْمُؤَرِّج : كَرِهُوا ضَمَّ الضَّاد فِي ضِيزَى , وَخَافُوا اِنْقِلَاب الْيَاء وَاوًا وَهِيَ مِنْ بَنَات الْوَاو ; فَكَسَرُوا الضَّاد لِهَذِهِ الْعِلَّة , كَمَا قَالُوا فِي جَمْع أَبْيَض بِيض , وَالْأَصْل بُوض ; مِثْل حُمْر وَصُفْر وَخُضْر . فَأَمَّا مَنْ قَالَ : ضَازَ يَضُوز فَالِاسْم مِنْهُ ضُوزَى مِثْل شُورَى .'; $TAFSEER['4']['53']['23'] = 'أَيْ مَا هِيَ يَعْنِي هَذِهِ الْأَوْثَان " إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا " يَعْنِي نَحَتُّمُوهَا وَسَمَّيْتُمُوهَا آلِهَة . أَيْ قَلَّدْتُمُوهُمْ فِي ذَلِكَ . أَيْ مَا أَنْزَلَ اللَّه بِهَا مِنْ حُجَّة وَلَا بُرْهَان . عَادَ مِنْ الْخِطَاب إِلَى الْخَبَر أَيْ مَا يَتَّبِع هَؤُلَاءِ إِلَّا الظَّنَّ . أَيْ تَمِيل إِلَيْهِ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " يَتَّبِعُونَ " بِالْيَاءِ . وَقَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر وَأَيُّوب وَابْن السَّمَيْقَع " تَتَّبِعُونَ " بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب . وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس . أَيْ الْبَيَان مِنْ جِهَة الرَّسُول أَنَّهَا لَيْسَتْ بِآلِهَةٍ .'; $TAFSEER['4']['53']['24'] = 'أَيْ اِشْتَهَى أَيْ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ . وَقِيلَ : " لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى " مِنْ الْبَنِينَ ; أَيْ يَكُون لَهُ دُون الْبَنَات . وَقِيلَ : " أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى " مِنْ غَيْر جَزَاء ! لَيْسَ الْأَمْر كَذَلِكَ . وَقِيلَ : " أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى " مِنْ النُّبُوَّة أَنْ تَكُون فِيهِ دُون غَيْره . وَقِيلَ : " أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى " مِنْ شَفَاعَة الْأَصْنَام ; نَزَلَتْ فِي النَّضْر بْن الْحَارِث . وَقِيلَ : فِي الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة . وَقِيلَ : فِي سَائِر الْكُفَّار .'; $TAFSEER['4']['53']['25'] = 'يُعْطِي مَنْ يَشَاء وَيَمْنَع مَنْ يَشَاء لَا مَا تَمَنَّى أَحَد .'; $TAFSEER['4']['53']['26'] = 'هَذَا تَوْبِيخ مِنْ اللَّه تَعَالَى لِمَنْ عَبَدَ الْمَلَائِكَة وَالْأَصْنَام , وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ يُقَرِّبهُ إِلَى اللَّه تَعَالَى , فَأَعْلَمَ أَنَّ الْمَلَائِكَة مَعَ كَثْرَة عِبَادَتهَا وَكَرَامَتهمْ عَلَى اللَّه لَا تَشْفَع إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ أَنْ يُشْفَع لَهُ . قَالَ الْأَخْفَش : الْمَلَك وَاحِد وَمَعْنَاهُ جَمْع ; وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد عَنْهُ حَاجِزِينَ " [ الْحَاقَّة : 47 ] . وَقِيلَ : إِنَّمَا ذَكَرَ مَلَكًا وَاحِدًا , لِأَنَّ كَمْ تَدُلّ عَلَى الْجَمْع .'; $TAFSEER['4']['53']['27'] = 'هُمْ الْكُفَّار الَّذِينَ قَالُوا الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه وَالْأَصْنَام بَنَات اللَّه . أَيْ كَتَسْمِيَةِ الْأُنْثَى , أَيْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْمَلَائِكَة إِنَاث وَأَنَّهُمْ بَنَات اللَّه .'; $TAFSEER['4']['53']['28'] = 'أَيْ أَنَّهُمْ لَمْ يُشَاهِدُوا خَلْقه الْمَلَائِكَة , وَلَمْ يَسْمَعُوا مَا قَالُوهُ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يَرَوْهُ فِي كِتَاب . أَيْ مَا يَتَّبِعُونَ فِي أَنَّ الْمَلَائِكَة إِنَاث .'; $TAFSEER['4']['53']['29'] = 'يَعْنِي الْقُرْآن وَالْإِيمَان . وَهَذَا مَنْسُوخ بِآيَةِ السَّيْف . نَزَلَتْ فِي النَّضْر . وَقِيلَ : فِي الْوَلِيد .'; $TAFSEER['4']['53']['30'] = 'أَيْ إِنَّمَا يُبْصِرُونَ أَمْر دُنْيَاهُمْ وَيَجْهَلُونَ أَمْر دِينهمْ . قَالَ الْفَرَّاء : صَغَّرَهُمْ وَازْدَرَى بِهِمْ ; أَيْ ذَلِكَ قَدْر عُقُولهمْ وَنِهَايَة عِلْمهمْ أَنْ آثَرُوا الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَة . وَقِيلَ : أَنْ جَعَلُوا الْمَلَائِكَة وَالْأَصْنَام بَنَات اللَّه . أَيْ حَادَ عَنْ دِينه فَيُجَازِي كُلًّا بِأَعْمَالِهِمْ .'; $TAFSEER['4']['53']['31'] = 'اللَّام مُتَعَلِّقَة بِالْمَعْنَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ " وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض " كَأَنَّهُ قَالَ : هُوَ مَالِك ذَلِكَ يَهْدِي مَنْ يَشَاء وَيُضِلّ مَنْ يَشَاء لِيَجْزِيَ الْمُحْسِن بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ . وَقِيلَ : " لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض " مُعْتَرِض فِي الْكَلَام ; وَالْمَعْنَى : إِنَّ رَبّك هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيله وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اِهْتَدَى لِيَجْزِيَ . وَقِيلَ : هِيَ لَام الْعَاقِبَة , أَيْ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض ; أَيْ وَعَاقِبَة أَمْر الْخَلْق أَنْ يَكُون فِيهِمْ مُسِيء وَمُحْسِن ; فَلِلْمُسِيءِ السُّوأَى وَهِيَ جَهَنَّم , وَلِلْمُحْسِنِ الْحُسْنَى وَهِيَ الْجَنَّة .'; $TAFSEER['4']['53']['32'] = 'فِيهِ مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : " الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِر الْإِثْم وَالْفَوَاحِش " هَذَا نَعْت لِلْمُحْسِنِينَ ; أَيْ هُمْ لَا يَرْتَكِبُونَ كَبَائِر الْإِثْم وَهُوَ الشِّرْك ; لِأَنَّهُ أَكْبَرُ الْآثَام . وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " كَبِير " عَلَى التَّوْحِيد وَفَسَّرَهُ اِبْن عَبَّاس بِالشِّرْكِ . " وَالْفَوَاحِش " الزِّنَى : وَقَالَ مُقَاتِل : " كَبَائِر الْإِثْم " كُلّ ذَنْب خُتِمَ بِالنَّارِ . " وَالْفَوَاحِش " كُلّ ذَنْب فِيهِ الْحَدّ . وَقَدْ مَضَى فِي " النِّسَاء " الْقَوْل فِي هَذَا . ثُمَّ اِسْتَثْنَى اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِعًا وَهِيَ : الثَّانِيَة : فَقَالَ : " إِلَّا اللَّمَم " وَهِيَ الصَّغَائِر الَّتِي لَا يَسْلَم مِنْ الْوُقُوع فِيهَا إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّه وَحَفِظَهُ . وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهَا ; فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَالشَّعْبِيّ : " اللَّمَم " كُلّ مَا دُون الزِّنَى . وَذَكَرَ مُقَاتِل بْن سُلَيْمَان : أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي رَجُل كَانَ يُسَمَّى نَبْهَان التَّمَّار ; كَانَ لَهُ حَانُوت يَبِيع فِيهِ تَمْرًا , فَجَاءَتْهُ اِمْرَأَة تَشْتَرِي مِنْهُ تَمْرًا فَقَالَ لَهَا : إِنَّ دَاخِل الدُّكَّان مَا هُوَ خَيْر مِنْ هَذَا , فَلَمَّا دَخَلَتْ رَاوَدَهَا فَأَبَتْ وَانْصَرَفَتْ فَنَدِمَ نَبْهَان ; فَأَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه ! مَا مِنْ شَيْء يَصْنَعهُ الرَّجُل إِلَّا وَقَدْ فَعَلْته إِلَّا الْجِمَاع ; فَقَالَ : ( لَعَلَّ زَوْجَهَا غَازٍ ) فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , وَقَدْ مَضَى فِي آخِر " هُود " وَكَذَا قَالَ اِبْن مَسْعُود وَأَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ وَحُذَيْفَة وَمَسْرُوق : إِنَّ اللَّمَم مَا دُون الْوَطْء مِنْ الْقُبْلَة وَالْغَمْزَة وَالنَّظْرَة وَالْمُضَاجَعَة . وَرَوَى مَسْرُوق عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : زِنَى الْعَيْنَيْنِ النَّظَر , وَزِنَى الْيَدَيْنِ الْبَطْش , وَزِنَى الرِّجْلَيْنِ الْمَشْي , وَإِنَّمَا يُصَدِّق ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبهُ الْفَرْج ; فَإِنْ تَقَدَّمَ كَانَ زِنًى وَإِنْ تَأَخَّرَ كَانَ لَمَمًا . وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : مَا رَأَيْت شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّه كَتَبَ عَلَى اِبْن آدَم حَظّه مِنْ الزِّنَى أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَة فَزِنَى الْعَيْنَيْنِ النَّظَر وَزِنَى اللِّسَان النُّطْق وَالنَّفْس تَتَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْج يُصَدِّق ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبهُ ) . وَالْمَعْنَى : أَنَّ الْفَاحِشَة الْعَظِيمَة وَالزِّنَى التَّامّ الْمُوجِب لِلْحَدِّ فِي الدُّنْيَا وَالْعُقُوبَة فِي الْآخِرَة هُوَ فِي الْفَرْج وَغَيْره لَهُ حَظّ مِنْ الْإِثْم . وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِي رِوَايَة أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كُتِبَ عَلَى اِبْن آدَم نَصِيبه مِنْ الزِّنَى مُدْرِكٌ لَا مَحَالَة فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَر وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاع وَاللِّسَان زِنَاهُ الْكَلَام وَالْيَد زِنَاهَا الْبَطْش وَالرِّجْل زِنَاهَا الْخُطَى وَالْقَلْب يَهْوَى وَيَتَمَنَّى وَيُصَدِّق ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبهُ ) . خَرَّجَهُ مُسْلِم . وَقَدْ ذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ حَدِيث طَاوُس عَنْ اِبْن عَبَّاس فَذَكَرَ فِيهِ الْأُذُن وَالْيَد وَالرِّجْل , وَزَادَ فِيهِ بَعْد الْعَيْنَيْنِ وَاللِّسَان : ( وَزِنَى الشَّفَتَيْنِ الْقُبْلَة ) . فَهَذَا قَوْل . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : هُوَ الرَّجُل يُلِمّ بِذَنْبٍ ثُمَّ يَتُوب . قَالَ : أَلَمْ تَسْمَع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : إِنْ يَغْفِرِ اللَّهُ يَغْفِرْ جَمًّا وَأَيُّ عَبْدٍ لَك لَا أَلَمَّا رَوَاهُ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس . قَالَ النَّحَّاس : هَذَا أَصَحّ مَا قِيلَ فِيهِ وَأَجَلّهَا إِسْنَادًا . وَرَوَى شُعْبَة عَنْ مَنْصُور عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " إِلَّا اللَّمَم " قَالَ : هُوَ أَنْ يُلِمّ الْعَبْد بِالذَّنْبِ ثُمَّ لَا يُعَاوِدهُ ; قَالَ الشَّاعِر : إِنْ تَغْفِر اللَّهُمَّ تَغْفِر جَمًّا وَأَيّ عَبْد لَك لَا أَلَمَّا وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَالْحَسَن : هُوَ الَّذِي يَأْتِي الذَّنْب ثُمَّ لَا يُعَاوِدهُ , وَنَحْوه عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : اللَّمَم أَنْ يَزْنِي ثُمَّ يَتُوب فَلَا يَعُود , وَأَنْ يَسْرِق أَوْ يَشْرَب الْخَمْر ثُمَّ يَتُوب فَلَا يَعُود . وَدَلِيل هَذَا التَّأْوِيل قَوْله تَعَالَى : " وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ ذَكَرُوا اللَّه فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ " [ آل عِمْرَان : 135 ] الْآيَة . ثُمَّ قَالَ : " أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَة مِنْ رَبّهمْ " [ آل عِمْرَان : 136 ] فَضَمِنَ لَهُمْ الْمَغْفِرَة ; كَمَا قَالَ عَقِيب اللَّمَم : " إِنَّ رَبّك وَاسِع الْمَغْفِرَة " فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل يَكُون " إِلَّا اللَّمَم " اِسْتِثْنَاء مُتَّصِلًا . قَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص : اللَّمَم مَا دُون الشِّرْك . وَقِيلَ : اللَّمَم الذَّنْب بَيْن الْحَدَّيْنِ وَهُوَ مَا لَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ حَدّ فِي الدُّنْيَا , وَلَا تُوُعِّدَ عَلَيْهِ بِعَذَابٍ فِي الْآخِرَة تُكَفِّرهُ الصَّلَوَات الْخَمْس . قَالَهُ اِبْن زَيْد وَعِكْرِمَة وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة . وَرَوَاهُ الْعَوْفِيّ وَالْحَكَم بْن عُتَيْبَة عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : اللَّمَم عَلَى وَجْهَيْنِ : كُلّ ذَنْب لَمْ يَذْكُر اللَّه عَلَيْهِ حَدًّا فِي الدُّنْيَا وَلَا عَذَابًا فِي الْآخِرَة ; فَذَلِكَ الَّذِي تُكَفِّرهُ الصَّلَوَات الْخَمْس مَا لَمْ يَبْلُغ الْكَبَائِر وَالْفَوَاحِش . وَالْوَجْه الْآخَر هُوَ الذَّنْب الْعَظِيم يُلِمّ بِهِ الْإِنْسَان الْمَرَّة بَعْد الْمَرَّة فَيَتُوب مِنْهُ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَأَبِي هُرَيْرَة وَزَيْد بْن ثَابِت : هُوَ مَا سَلَفَ فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَا يُؤَاخِذهُمْ بِهِ . وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ : إِنَّمَا كُنْتُمْ بِالْأَمْسِ تَعْمَلُونَ مَعَنَا فَنَزَلَتْ وَقَالَهُ زَيْد بْن أَسْلَمَ وَابْنه ; وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْن الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ " [ النِّسَاء : 23 ] . وَقِيلَ : اللَّمَم هُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِذَنْبٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِعَادَةٍ ; قَالَ نَفْطَوَيْهِ . قَالَ : وَالْعَرَب تَقُول مَا يَأْتِينَا إِلَّا لِمَامًا ; أَيْ فِي الْحِين بَعْد الْحِين . قَالَ : وَلَا يَكُون أَنْ يُلِمّ وَلَا يَفْعَل , لِأَنَّ الْعَرَب لَا تَقُول أَلَمَّ بِنَا إِلَّا إِذَا فَعَلَ الْإِنْسَان لَا إِذَا هَمَّ وَلَمْ يَفْعَلهُ . وَفِي الصِّحَاح : وَأَلَمَّ الرَّجُل مِنْ اللَّمَم وَهُوَ صَغَائِر الذُّنُوب , وَيُقَال : هُوَ مُقَارَبَة الْمَعْصِيَة مِنْ غَيْر مُوَاقَعَة . وَأَنْشَدَ غَيْر الْجَوْهَرِيّ : بِزَيْنَب أَلْمِمْ قَبْل أَنْ يَرْحَلَ الرَّكْبُ وَقُلْ إِنْ تَمَلِّينَا فَمَا مَلَّكِ الْقَلْبُ أَيْ اقْرَبْ . وَقَالَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح : اللَّمَم عَادَة النَّفْس الْحِين بَعْد الْحِين . وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : هُوَ مَا أَلَمَّ عَلَى الْقَلْب ; أَيْ خَطَرَ . وَقَالَ مُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة : كُلّ مَا هَمَمْت بِهِ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ فَهُوَ لَمَم . وَدَلِيل هَذَا التَّأْوِيل قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّة وَلِلْمَلَكِ لَمَّة ) الْحَدِيث . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " عِنْد قَوْله تَعَالَى : " الشَّيْطَان يَعِدكُمْ الْفَقْر " . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : أَصْل اللَّمَم وَالْإِلْمَام مَا يَعْمَلهُ الْإِنْسَان الْمَرَّة بَعْد الْمَرَّة وَلَا يَتَعَمَّق فِيهِ وَلَا يُقِيم عَلَيْهِ ; يُقَال : أَلْمَمْت بِهِ إِذَا زُرْته وَانْصَرَفْت عَنْهُ , وَيُقَال : مَا فَعَلْته إِلَّا لَمَمًا وَإِلْمَامًا ; أَيْ الْحِين بَعْد الْحِين . وَإِنَّمَا زِيَارَتك إِلْمَام , وَمِنْهُ إِلْمَام الْخَيَال ; قَالَ الْأَعْشَى : أَلَمَّ خَيَال مِنْ قُتَيْلَة بَعْدَمَا وَهَى حَبْلُهَا مِنْ حَبْلنَا فَتَصَرَّمَا وَقِيلَ : إِلَّا بِمَعْنَى الْوَاو . وَأَنْكَرَ هَذَا الْفَرَّاء وَقَالَ : الْمَعْنَى إِلَّا الْمُتَقَارِب مِنْ صِغَار الذُّنُوب . وَقِيلَ : اللَّمَم النَّظْرَة الَّتِي تَكُون فَجْأَة . قُلْت : هَذَا فِيهِ بُعْد إِذْ هُوَ مَعْفُوّ عَنْهُ اِبْتِدَاء غَيْر مُؤَاخَذ بِهِ ; لِأَنَّهُ يَقَع مِنْ غَيْر قَصْد وَاخْتِيَار , وَقَدْ مَضَى فِي " النُّور " بَيَانه . وَاللَّمَم أَيْضًا طَرَف مِنْ الْجُنُون , وَرَجُل مَلْمُوم أَيْ بِهِ لَمَم . وَيُقَال أَيْضًا : أَصَابَتْ فُلَانًا لَمَّة مِنْ الْجِنّ وَهِيَ الْمَسّ وَالشَّيْء الْقَلِيل ; قَالَ الشَّاعِر : فَإِذَا وَذَلِكَ يَا كُبَيْشَة لَمْ يَكُنْ إِلَّا كَلَمَّةِ حَالِم بِخَيَالِ لِمَنْ تَابَ مِنْ ذَنْبه وَاسْتَغْفَرَ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ أَبُو مَيْسَرَة عَمْرو بْن شُرَحْبِيل وَكَانَ مِنْ أَفَاضِل أَصْحَاب اِبْن مَسْعُود : رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَنِّي دَخَلْت الْجَنَّة فَإِذَا قِبَاب مَضْرُوبَة , فَقُلْت : لِمَنْ هَذِهِ ؟ فَقَالُوا : لِذِي الْكَلَاع وَحَوْشَب , وَكَانَا مِمَّنْ قَتَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا , فَقُلْت : وَكَيْف ذَلِكَ ؟ فَقَالُوا : إِنَّهُمَا لَقِيَا اللَّه فَوَجَدَاهُ وَاسِع الْمَغْفِرَة . فَقَالَ أَبُو خَالِد : بَلَغَنِي أَنَّ ذَا الْكَلَاع أَعْتَقَ اِثْنَيْ عَشَرَ أَلْف بِنْت . مِنْ أَنْفُسكُمْ يَعْنِي أَبَاكُمْ آدَم مِنْ الطِّين وَخَرَجَ اللَّفْظ عَلَى الْجَمْع . قَالَ التِّرْمِذِيّ أَبُو عَبْد اللَّه : وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ عِنْدنَا , بَلْ وَقَعَ الْإِنْشَاء عَلَى التُّرْبَة الَّتِي رُفِعَتْ مِنْ الْأَرْض , وَكُنَّا جَمِيعًا فِي تِلْكَ التُّرْبَة وَفِي تِلْكَ الطِّينَة , ثُمَّ خَرَجَتْ مِنْ الطِّينَة الْمِيَاه إِلَى الْأَصْلَاب مَعَ ذَرْو النُّفُوس عَلَى اِخْتِلَاف هَيْئَتهَا , ثُمَّ اِسْتَخْرَجَهَا مِنْ صُلْبهَا عَلَى اِخْتِلَاف الْهَيْئَات ; مِنْهُمْ كَالدُّرِّ يَتَلَأْلَأ , وَبَعْضهمْ أَنْوَر مِنْ بَعْض , وَبَعْضهمْ أَسْوَد كَالْحُمَمَةِ , وَبَعْضهمْ أَشَدّ سَوَادًا مِنْ بَعْض ; فَكَانَ الْإِنْشَاء وَاقِعًا عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ . حَدَّثَنَا عِيسَى بْن حَمَّاد الْعَسْقَلَانِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن بَكْر , قَالَ : حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عُرِضَ عَلَيَّ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ بَيْن يَدَيْ حُجْرَتِي هَذِهِ اللَّيْلَة ) فَقَالَ قَائِل : يَا رَسُول اللَّه ! وَمَنْ مَضَى مِنْ الْخَلْق ؟ قَالَ : ( نَعَمْ عُرِضَ عَلَيَّ آدَم فَمَنْ دُونه فَهَلْ كَانَ خُلِقَ أَحَد ) قَالُوا : وَمَنْ فِي أَصْلَاب الرِّجَال وَبُطُون الْأُمَّهَات ؟ قَالَ : ( نَعَمْ مُثِّلُوا فِي الطِّين فَعَرَفْتهمْ كَمَا عُلِّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا ) . قُلْت : وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل " الْأَنْعَام " أَنَّ كُلّ إِنْسَان يُخْلَق مِنْ طِين الْبُقْعَة الَّتِي يُدْفَن فِيهَا . جَمْع جَنِين وَهُوَ الْوَلَد مَا دَامَ فِي الْبَطْن , سُمِّيَ جَنِينًا لِاجْتِنَابِهِ وَاسْتِتَاره . قَالَ عَمْرو بْن كُلْثُوم : هِجَانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأْ جَنِينَا وَقَالَ مَكْحُول : كُنَّا أَجِنَّة فِي بُطُون أُمَّهَاتنَا فَسَقَطَ مِنَّا مَنْ سَقَطَ وَكُنَّا فِيمَنْ بَقِيَ , ثُمَّ صِرْنَا رُضَّعًا فَهَلَكَ مِنَّا مَنْ هَلَكَ وَكُنَّا فِيمَنْ بَقِيَ , ثُمَّ صِرْنَا يَفَعَة فَهَلَكَ مِنَّا مَنْ هَلَكَ , وَكُنَّا فِيمَنْ بَقِيَ ثُمَّ صِرْنَا شَبَابًا فَهَلَكَ مِنَّا مَنْ هَلَكَ وَكُنَّا فِيمَنْ بَقِيَ , ثُمَّ صِرْنَا شُيُوخًا - لَا أَبَا لَك ! - فَمَا بَعْد هَذَا نَنْتَظِر ؟ ! . وَرَوَى اِبْن لَهِيعَة عَنْ الْحَارِث بْن يَزِيد عَنْ ثَابِت بْن الْحَارِث الْأَنْصَارِيّ قَالَ : كَانَتْ الْيَهُود تَقُول إِذَا هَلَكَ لَهُمْ صَبِيّ صَغِير : هُوَ صِدِّيق ; فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( كَذَبَتْ يَهُود مَا مِنْ نَسَمَة يَخْلُقهَا اللَّه فِي بَطْن أُمّه إِلَّا أَنَّهُ شَقِيّ أَوْ سَعِيد ) فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى عِنْد ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَة : " هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنْ الْأَرْض " إِلَى آخِرهَا . وَنَحْوه عَنْ عَائِشَة : ( كَانَ الْيَهُود ) . بِمِثْلِهِ . أَيْ لَا تَمْدَحُوهَا وَلَا تُثْنُوا عَلَيْهَا , فَإِنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الرِّيَاء وَأَقْرَبُ إِلَى الْخُشُوع . أَيْ أَخْلَصَ الْعَمَل وَاتَّقَى عُقُوبَة اللَّه ; عَنْ الْحَسَن وَغَيْره . قَالَ الْحَسَن : قَدْ عَلَّمَ اللَّه سُبْحَانه كُلّ نَفْس مَا هِيَ عَامِلَة , وَمَا هِيَ صَانِعَة , وَإِلَى مَا هِيَ صَائِرَة . وَقَدْ مَضَى فِي " النِّسَاء " الْكَلَام فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَة عِنْد قَوْله تَعَالَى : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسهمْ " [ النِّسَاء : 49 ] فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : مَا مِنْ أَحَد مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة أُزَكِّيه غَيْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم .'; $TAFSEER['4']['53']['33'] = 'الْآيَاتِ لَمَّا بَيَّنَ جَهْلَ الْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَة الْأَصْنَام ذَكَرَ وَاحِدًا مِنْهُمْ مُعَيَّنًا بِسُوءِ فِعْله . قَالَ مُجَاهِد وَابْن زَيْد وَمُقَاتِل : نَزَلَتْ فِي الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة , وَكَانَ قَدْ اِتَّبَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى دِينه فَعَيَّرَهُ بَعْض الْمُشْرِكِينَ , وَقَالَ : لِمَ تَرَكْت دِين الْأَشْيَاخ وَضَلَّلْتهمْ وَزَعَمْت أَنَّهُمْ فِي النَّار ؟ قَالَ : إِنِّي خَشِيت عَذَاب اللَّه ; فَضَمِنَ لَهُ إِنْ هُوَ أَعْطَاهُ شَيْئًا مِنْ مَاله وَرَجَعَ إِلَى شِرْكه أَنْ يَتَحَمَّل عَنْهُ عَذَاب اللَّه , فَأَعْطَى الَّذِي عَاتَبَهُ بَعْض مَا كَانَ ضَمِنَ لَهُ ثُمَّ بَخِلَ وَمَنَعَهُ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة . وَقَالَ مُقَاتِل : كَالَ الْوَلِيد مَدَحَ الْقُرْآن ثُمَّ أَمْسَكَ عَنْهُ فَنَزَلَ : " وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى " .'; $TAFSEER['4']['53']['34'] = 'أَيْ مِنْ الْخَيْر بِلِسَانِهِ أَيْ قَطَعَ ذَلِكَ وَأَمْسَكَ عَنْهُ . وَعَنْهُ أَنَّهُ أَعْطَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْدَ الْإِيمَان ثُمَّ تَوَلَّى فَنَزَلَتْ : " أَفَرَأَيْت الَّذِي تَوَلَّى " الْآيَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ وَالْكَلْبِيّ وَالْمُسَيِّب بْن شَرِيك : نَزَلَتْ فِي عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَ يَتَصَدَّق وَيُنْفِق فِي الْخَيْر , فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ مِنْ الرَّضَاعَة عَبْد اللَّه بْن أَبِي سَرْح : مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَع ؟ يُوشِك أَلَّا يَبْقَى لَك شَيْء . فَقَالَ عُثْمَان : إِنَّ لِي ذُنُوبًا وَخَطَايَا , وَإِنِّي أَطْلُب بِمَا أَصْنَع رِضَا اللَّه تَعَالَى وَأَرْجُو عَفْوه ! فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه : أَعْطِنِي نَاقَتك بِرَحْلِهَا وَأَنَا أَتَحَمَّل عَنْك ذُنُوبك كُلّهَا . فَأَعْطَاهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ , وَأَمْسَكَ عَنْ بَعْض مَا كَانَ يَصْنَع مِنْ الصَّدَقَة فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " أَفَرَأَيْت الَّذِي تَوَلَّى . وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى " فَعَادَ عُثْمَان إِلَى أَحْسَنِ ذَلِكَ وَأَجْمَلِهِ . ذَكَرَ ذَلِكَ الْوَاحِدِيّ وَالثَّعْلَبِيّ . وَقَالَ السُّدِّيّ أَيْضًا : نَزَلَتْ فِي الْعَاص بْن وَائِل السَّهْمِيّ , وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا يُوَافِق النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ : نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْل بْن هِشَام , قَالَ : وَاَللَّه مَا يَأْمُر مُحَمَّد إِلَّا بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاق ; فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى " . وَقَالَ الضَّحَّاك : هُوَ النَّضْر بْن الْحَارِث أَعْطَى خَمْس قَلَائِص لِفَقِيرٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حِين اِرْتَدَّ عَنْ دِينه , وَضَمِنَ لَهُ أَنْ يَتَحَمَّل عَنْهُ مَأْثَم رُجُوعه . وَأَصْل " أَكْدَى " مِنْ الْكُدْيَة يُقَال لِمَنْ حَفَرَ بِئْرًا ثُمَّ بَلَغَ إِلَى حَجَر لَا يَتَهَيَّأ لَهُ فِيهِ حَفْر : قَدْ أَكْدَى , ثُمَّ اِسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَب لِمَنْ أَعْطَى وَلَمْ يُتَمِّم , وَلِمَنْ طَلَبَ شَيْئًا وَلَمْ يَبْلُغ آخِره . وَقَالَ الْحُطَيْئَة : فَأَعْطَى قَلِيلًا ثُمَّ أَكْدَى عَطَاءَهُ وَمَنْ يَبْذُلِ الْمَعْرُوف فِي النَّاس يُحْمَدِ قَالَ الْكِسَائِيّ وَغَيْره : أَكْدَى الْحَافِر وَأَجْبَلَ إِذَا بَلَغَ فِي حَفْره كُدْيَة أَوْ جَبَلًا فَلَا يُمْكِنهُ أَنْ يَحْفِر . وَحَفَرَ فَأَكْدَى إِذَا بَلَغَ إِلَى الصُّلْب . وَيُقَال : كَدِيَتْ أَصَابِعُهُ إِذَا كَلَّتْ مِنْ الْحَفْر . وَكَدِيَتْ يَده إِذَا كَلَّتْ فَلَمْ تَعْمَل شَيْئًا . وَأَكْدَى النَّبْت إِذَا قَلَّ رِيعه , وَكَدَتْ الْأَرْض تَكْدُو كَدْوًا وَكُدُوًّا فَهِيَ كَادِيَة إِذَا أَبْطَأَ نَبَاتهَا ; عَنْ أَبَى زَيْد . وَأَكْدَيْت الرَّجُل عَنْ الشَّيْء رَدَدْته عَنْهُ . وَأَكْدَى الرَّجُل إِذَا قَلَّ خَيْره . وَقَوْله : " وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى " أَيْ قَطَعَ الْقَلِيل .'; $TAFSEER['4']['53']['35'] = 'أَيْ أَعِنْد هَذَا الْمُكْدِي عِلْم مَا غَابَ عَنْهُ مِنْ أَمْر الْعَذَاب ؟ . " فَهُوَ يَرَى " أَيْ يَعْلَم مَا غَابَ عَنْهُ مِنْ أَمْر الْآخِرَة , وَمَا يَكُون مِنْ أَمْره حَتَّى يَضْمَن حَمْل الْعَذَاب عَنْ غَيْره , وَكَفَى بِهَذَا جَهْلًا وَحُمْقًا . وَهَذِهِ الرُّؤْيَة هِيَ الْمُتَعَدِّيَة إِلَى مَفْعُولَيْنِ وَالْمَفْعُولَانِ مَحْذُوفَانِ ; كَأَنَّهُ قَالَ : فَهُوَ يَرَى الْغَيْب مِثْل الشَّهَادَة .'; $TAFSEER['4']['53']['36'] = 'كَمَا فِي سُورَة " الْأَعْلَى " " صُحُف إِبْرَاهِيم وَمُوسَى " [ الْأَعْلَى : 19 ] أَيْ لَا تُؤْخَذ نَفْس بَدَلًا عَنْ أُخْرَى ; كَمَا قَالَ " أَنْ لَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى " وَخَصَّ صُحُف إِبْرَاهِيم وَمُوسَى بِالذِّكْرِ ; لِأَنَّهُ كَانَ مَا بَيْن نُوح وَإِبْرَاهِيم يُؤْخَذ الرَّجُل بِجَرِيرَةِ أَخِيهِ وَابْنه وَأَبِيهِ ; قَالَهُ الْهُذَيْل بْن شُرَحْبِيل . وَقَرَأَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَقَتَادَة " وَفَى " خَفِيفَة وَمَعْنَاهَا صَدَقَ فِي قَوْله وَعَمَله , وَهِيَ رَاجِعَة إِلَى مَعْنَى قِرَاءَة الْجَمَاعَة " وَفَّى " بِالتَّشْدِيدِ أَيْ قَامَ بِجَمِيعِ مَا فُرِضَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَخْرِم مِنْهُ شَيْئًا . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " عِنْد قَوْله تَعَالَى : " وَإِذْ اِبْتَلَى إِبْرَاهِيم رَبّه بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ " [ الْبَقَرَة : 124 ] وَالتَّوْفِيَة الْإِتْمَام . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق : قَامَ بِشَرْطِ مَا اِدَّعَى ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لَهُ : " أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْت لِرَبِّ الْعَالَمِينَ " [ الْبَقَرَة : 131 ] فَطَالَبَهُ اللَّه بِصِحَّةِ دَعْوَاهُ , فَابْتَلَاهُ فِي مَاله وَوَلَده وَنَفْسه فَوَجَدَهُ وَافِيًا بِذَلِكَ ; فَذَلِكَ قَوْله : " وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وَفَّى " أَيْ اِدَّعَى الْإِسْلَام ثُمَّ صَحَّحَ دَعْوَاهُ . وَقِيلَ : وَفِي عَمَله كُلّ يَوْم بِأَرْبَعِ رَكَعَات فِي صَدْر النَّهَار ; رَوَاهُ الْهَيْثَم عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَرَوَى سَهْل بْن سَعْد السَّاعِدِيّ عَنْ أَبِيهِ ( أَلَا أُخْبِركُمْ لِمَ سَمَّى اللَّه تَعَالَى خَلِيله إِبْرَاهِيم " الَّذِي وَفَّى " لِأَنَّهُ كَانَ يَقُول كُلَّمَا أَصْبَحَ وَأَمْسَى : " فَسُبْحَان اللَّه حِين تُمْسُونَ وَحِين تُصْبِحُونَ " [ الرُّوم : 17 ] ) الْآيَة . وَرَوَاهُ سَهْل بْن مُعَاذ عَنْ أَنَس عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : " وَفَّى " أَيْ وَفَّى مَا أُرْسِلَ بِهِ , وَهُوَ قَوْله : " أَنْ لَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى " قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانُوا قَبْل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام يَأْخُذُونَ الرَّجُل بِذَنْبِ غَيْره , وَيَأْخُذُونَ الْوَلِيّ بِالْوَلِيِّ فِي الْقَتْل وَالْجِرَاحَة ; فَيُقْتَل الرَّجُل بِأَبِيهِ وَابْنه وَأَخِيهِ وَعَمّه وَخَاله وَابْن عَمّه وَقَرِيبه وَزَوْجَته وَزَوْجهَا وَعَبْده , فَبَلَّغَهُمْ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام عَنْ اللَّه تَعَالَى : " أَنْ لَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى " وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله تَعَالَى " وَفَّى " : عَمِلَ بِمَا أُمِرَ بِهِ وَبَلَّغَ رِسَالَات رَبّه . وَهَذَا أَحْسَن ; لِأَنَّهُ عَامّ . وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد : " وَفَّى " بِمَا فُرِضَ عَلَيْهِ . وَقَالَ أَبُو مَالِك الْغِفَارِيّ قَوْله تَعَالَى : " أَنْ لَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى " إِلَى قَوْله : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّك تَتَمَارَى " [ النَّجْم : 55 ] فِي صُحُف إِبْرَاهِيم وَمُوسَى .'; $TAFSEER['4']['53']['37'] = 'كَمَا فِي سُورَة " الْأَعْلَى " " صُحُف إِبْرَاهِيم وَمُوسَى " [ الْأَعْلَى : 19 ] أَيْ لَا تُؤْخَذ نَفْس بَدَلًا عَنْ أُخْرَى ; كَمَا قَالَ " أَنْ لَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى " وَخَصَّ صُحُف إِبْرَاهِيم وَمُوسَى بِالذِّكْرِ ; لِأَنَّهُ كَانَ مَا بَيْن نُوح وَإِبْرَاهِيم يُؤْخَذ الرَّجُل بِجَرِيرَةِ أَخِيهِ وَابْنه وَأَبِيهِ ; قَالَهُ الْهُذَيْل بْن شُرَحْبِيل . وَقَرَأَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَقَتَادَة " وَفَى " خَفِيفَة وَمَعْنَاهَا صَدَقَ فِي قَوْله وَعَمَله , وَهِيَ رَاجِعَة إِلَى مَعْنَى قِرَاءَة الْجَمَاعَة " وَفَّى " بِالتَّشْدِيدِ أَيْ قَامَ بِجَمِيعِ مَا فُرِضَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَخْرِم مِنْهُ شَيْئًا . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " عِنْد قَوْله تَعَالَى : " وَإِذْ اِبْتَلَى إِبْرَاهِيم رَبّه بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ " [ الْبَقَرَة : 124 ] وَالتَّوْفِيَة الْإِتْمَام . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق : قَامَ بِشَرْطِ مَا اِدَّعَى ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لَهُ : " أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْت لِرَبِّ الْعَالَمِينَ " [ الْبَقَرَة : 131 ] فَطَالَبَهُ اللَّه بِصِحَّةِ دَعْوَاهُ , فَابْتَلَاهُ فِي مَاله وَوَلَده وَنَفْسه فَوَجَدَهُ وَافِيًا بِذَلِكَ ; فَذَلِكَ قَوْله : " وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وَفَّى " أَيْ اِدَّعَى الْإِسْلَام ثُمَّ صَحَّحَ دَعْوَاهُ . وَقِيلَ : وَفِي عَمَله كُلّ يَوْم بِأَرْبَعِ رَكَعَات فِي صَدْر النَّهَار ; رَوَاهُ الْهَيْثَم عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَرَوَى سَهْل بْن سَعْد السَّاعِدِيّ عَنْ أَبِيهِ ( أَلَا أُخْبِركُمْ لِمَ سَمَّى اللَّه تَعَالَى خَلِيله إِبْرَاهِيم " الَّذِي وَفَّى " لِأَنَّهُ كَانَ يَقُول كُلَّمَا أَصْبَحَ وَأَمْسَى : " فَسُبْحَان اللَّه حِين تُمْسُونَ وَحِين تُصْبِحُونَ " [ الرُّوم : 17 ] ) الْآيَة . وَرَوَاهُ سَهْل بْن مُعَاذ عَنْ أَنَس عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : " وَفَّى " أَيْ وَفَّى مَا أُرْسِلَ بِهِ , وَهُوَ قَوْله : " أَنْ لَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى " قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانُوا قَبْل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام يَأْخُذُونَ الرَّجُل بِذَنْبِ غَيْره , وَيَأْخُذُونَ الْوَلِيّ بِالْوَلِيِّ فِي الْقَتْل وَالْجِرَاحَة ; فَيُقْتَل الرَّجُل بِأَبِيهِ وَابْنه وَأَخِيهِ وَعَمّه وَخَاله وَابْن عَمّه وَقَرِيبه وَزَوْجَته وَزَوْجهَا وَعَبْده , فَبَلَّغَهُمْ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام عَنْ اللَّه تَعَالَى : " أَنْ لَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى " وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله تَعَالَى " وَفَّى " : عَمِلَ بِمَا أُمِرَ بِهِ وَبَلَّغَ رِسَالَات رَبّه . وَهَذَا أَحْسَن ; لِأَنَّهُ عَامّ . وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد : " وَفَّى " بِمَا فُرِضَ عَلَيْهِ . وَقَالَ أَبُو مَالِك الْغِفَارِيّ قَوْله تَعَالَى : " أَنْ لَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى " إِلَى قَوْله : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّك تَتَمَارَى " [ النَّجْم : 55 ] فِي صُحُف إِبْرَاهِيم وَمُوسَى .'; $TAFSEER['4']['53']['38'] = '" أَنْ " هَذِهِ الْمُخَفَّفَة مِنْ الثَّقِيلَة وَمَوْضِعهَا جَرّ بَدَلًا مِنْ " مَا " أَوْ يَكُون فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى إِضْمَار هُوَ . أَيْ لَا تَحْمِل حَامِلَة ثِقْل أُخْرَى , أَيْ لَا تُؤْخَذ نَفْس بِذَنْبِ غَيْرهَا , بَلْ كُلّ نَفْس مَأْخُوذَة بِجُرْمِهَا وَمُعَاقَبَة بِإِثْمِهَا . وَأَصْل الْوِزْر الثِّقْل ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَوَضَعْنَا عَنْك وِزْرك " [ الشَّرْح : 2 ] . وَهُوَ هُنَا الذَّنْب ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارهمْ عَلَى ظُهُورهمْ " [ الْأَنْعَام : 31 ] . وَقَدْ تَقَدَّمَ . قَالَ الْأَخْفَش : يُقَال وَزِرَ يَوْزَرُ , وَوَزَرَ يَزِرُ , وَوُزِرَ يُوزَر وِزْرًا . وَيَجُوز إِزْرًا , كَمَا يُقَال : إِسَادَة . وَالْآيَة نَزَلَتْ فِي الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة , كَانَ يَقُول : اِتَّبِعُوا سَبِيلِي أَحْمِل أَوْزَاركُمْ ; ذَكَرَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقِيلَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ رَدًّا عَلَى الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة مِنْ مُؤَاخَذَة الرَّجُل بِأَبِيهِ وَبِابْنِهِ وَبِجَرِيرَةِ حَلِيفه . قُلْت : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِهَذِهِ الْآيَة فِي الْآخِرَة , وَكَذَلِكَ الَّتِي قَبْلهَا ; فَأَمَّا الَّتِي فِي الدُّنْيَا فَقَدْ يُؤَاخَذ فِيهَا بَعْضهمْ بِجُرْمِ بَعْض , لَا سِيَّمَا إِذَا لَمْ يَنْهَ الطَّائِعُونَ الْعَاصِينَ , كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيث أَبِي بَكْر فِي قَوْل : " عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ " [ الْمَائِدَة : 105 ] . وَقَوْله تَعَالَى : " وَاتَّقُوا فِتْنَة لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّة " [ الْأَنْفَال : 25 ] . " إِنَّ اللَّه لَا يُغَيِّر مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ " [ الرَّعْد : 11 ] . وَقَالَتْ زَيْنَب بِنْت جَحْش : يَا رَسُول اللَّه , أَنَهْلَكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ : ( نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَث ) . قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ أَوْلَاد الزِّنَى . وَالْخَبَث ( بِفَتْحِ الْبَاء ) اِسْم لِلزِّنَى . فَأَوْجَبَ اللَّه تَعَالَى عَلَى لِسَان رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَة الْخَطَأ عَلَى الْعَاقِلَة حَتَّى لَا يُطَلّ دَم الْحُرّ الْمُسْلِم تَعْظِيمًا لِلدِّمَاءِ . وَأَجْمَعَ أَهْل الْعِلْم عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْر خِلَاف بَيْنهمْ فِي ذَلِكَ ; فَدَلَّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون هَذَا فِي الدُّنْيَا , فِي أَلَّا يُؤَاخَذ زَيْد بِفِعْلِ عَمْرو , وَأَنَّ كُلّ مُبَاشِر لِجَرِيمَةٍ فَعَلَيْهِ مَغَبَّتهَا . وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي رِمْثَة قَالَ ; اِنْطَلَقْت مَعَ أَبِي نَحْو النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي : ( اِبْنك هَذَا ) ؟ قَالَ : أَيْ وَرَبّ الْكَعْبَة . قَالَ : ( حَقًّا ) . قَالَ : أَشْهَد بِهِ . قَالَ : فَتَبَسَّمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا مِنْ ثَبْت شَبَهِي فِي أَبِي , وَمِنْ حَلِف أَبِي عَلَيَّ . ثُمَّ قَالَ : ( أَمَا إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْك وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ ) . وَقَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَلَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى " . وَلَا يُعَارَضُ مَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ : " وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالهمْ " وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالهمْ " [ الْعَنْكَبُوت : 13 ] ; فَإِنَّ هَذَا مُبَيَّن فِي الْآيَة الْأُخْرَى قَوْله : " لِيَحْمِلُوا أَوْزَارهمْ كَامِلَة يَوْم الْقِيَامَة وَمِنْ أَوْزَار الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْم " [ النَّحْل : 25 ] . فَمَنْ كَانَ إِمَامًا فِي الضَّلَالَة وَدَعَا إِلَيْهَا وَاتُّبِعَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَحْمِل وِزْر مَنْ أَضَلَّهُ مِنْ غَيْر أَنْ يُنْقَص مِنْ وِزْر الْمُضِلّ شَيْء , عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .'; $TAFSEER['4']['53']['39'] = 'رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهَا مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتهمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتهمْ " [ الطُّور : 21 ] فَيَحْصُل الْوَلَد الطِّفْل يَوْم الْقِيَامَة فِي مِيزَان أَبِيهِ , وَيُشَفِّع اللَّه تَعَالَى الْآبَاء فِي الْأَبْنَاء وَالْأَبْنَاء فِي الْآبَاء ; يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيّهمْ أَقْرَب لَكُمْ نَفْعًا " [ النِّسَاء : 11 ] . وَقَالَ أَكْثَر أَهْل التَّأْوِيل : هِيَ مُحْكَمَة وَلَا يَنْفَع أَحَدًا عَمَل أَحَد , وَأَجْمَعُوا أَنْ لَا يُصَلِّي أَحَد عَنْ أَحَد . وَلَمْ يُجِزْ مَالِك الصِّيَام وَالْحَجّ وَالصَّدَقَة عَنْ الْمَيِّت , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : إِنْ أَوْصَى بِالْحَجِّ وَمَاتَ جَازَ أَنْ يُحَجّ عَنْهُ . وَأَجَازَ الشَّافِعِيّ وَغَيْره الْحَجّ التَّطَوُّع عَنْ الْمَيِّت . وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا اِعْتَكَفَتْ عَنْ أَخِيهَا عَبْد الرَّحْمَن وَأَعْتَقَتْ عَنْهُ . وَرُوِيَ أَنَّ سَعْد بْن عُبَادَة قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ أَفَأَتَصَدَّق عَنْهَا ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ) قَالَ : فَأَيّ الصَّدَقَة أَفْضَل ؟ قَالَ : ( سَقْي الْمَاء ) . وَقَدْ مَضَى جَمِيع هَذَا مُسْتَوْفًى فِي " الْبَقَرَة " و " آل عِمْرَان " و " الْأَعْرَاف " . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا قَالَ : " وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى " وَلَام الْخَفْض مَعْنَاهَا فِي الْعَرَبِيَّة الْمِلْك وَالْإِيجَاب فَلَمْ يَجِبْ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى , فَإِذَا تَصَدَّقَ عَنْهُ غَيْره فَلَيْسَ يَجِب لَهُ شَيْء إِلَّا أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَتَفَضَّل عَلَيْهِ بِمَا لَا يَجِب لَهُ , كَمَا يَتَفَضَّل عَلَى الْأَطْفَال بِإِدْخَالِهِمْ الْجَنَّة بِغَيْرِ عَمَل . وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : " وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى " يَعْنِي الْكَافِر وَأَمَّا الْمُؤْمِن فَلَهُ مَا سَعَى وَمَا سَعَى لَهُ غَيْره . قُلْت : وَكَثِير مِنْ الْأَحَادِيث يَدُلّ عَلَى هَذَا الْقَوْل , وَأَنَّ الْمُؤْمِن يَصِل إِلَى ثَوَاب الْعَمَل الصَّالِح مِنْ غَيْره , وَقَدْ تَقَدَّمَ كَثِير مِنْهَا لِمَنْ تَأَمَّلَهَا , وَلَيْسَ فِي الصَّدَقَة اِخْتِلَاف , كَمَا فِي صَدْر كِتَاب مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك . وَفِي الصَّحِيح : ( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَان اِنْقَطَعَ عَمَله إِلَّا مِنْ ثَلَاث ) وَفِيهِ ( أَوْ وَلَد صَالِح يَدْعُو لَهُ ) وَهَذَا كُلّه تَفَضُّل مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , كَمَا أَنَّ زِيَادَة الْأَضْعَاف فَضْل مِنْهُ , كَتَبَ لَهُمْ بِالْحَسَنَةِ الْوَاحِدَة عَشْرًا إِلَى سَبْعمِائَةِ ضِعْف إِلَى أَلْف أَلْف حَسَنَة ; كَمَا قِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَة : أَسَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( إِنَّ اللَّه لَيَجْزِي عَلَى الْحَسَنَة الْوَاحِدَة أَلْف أَلْف حَسَنَة ) فَقَالَ سَمِعْته يَقُول : ( إِنَّ اللَّه لَيَجْزِي عَلَى الْحَسَنَة الْوَاحِدَة أَلْفَيْ أَلْف حَسَنَة ) فَهَذَا تَفَضُّل . وَطَرِيق الْعَدْل " أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى " . قُلْت : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَوْله : " وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى " خَاصّ فِي السَّيِّئَة ; بِدَلِيلِ مَا فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِحَسَنَةٍ وَلَمْ يَعْمَلهَا كَتَبْتهَا لَهُ حَسَنَة فَإِنْ عَمِلَهَا كَتَبْتهَا لَهُ عَشْر حَسَنَات إِلَى سَبْعمِائَةِ ضِعْف وَإِذَا هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَعْمَلهَا لَمْ أَكْتُبهَا عَلَيْهِ فَإِنْ عَمِلَهَا كَتَبْتهَا سَيِّئَة وَاحِدَة ) . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق : " إِلَّا مَا سَعَى " إِلَّا مَا نَوَى ; بَيَانه قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُبْعَث النَّاس يَوْم الْقِيَامَة عَلَى نِيَّاتهمْ ) .'; $TAFSEER['4']['53']['40'] = 'أَيْ يُرِيه اللَّه تَعَالَى جَزَاءَهُ يَوْم الْقِيَامَة'; $TAFSEER['4']['53']['41'] = 'أَيْ يُجْزَى بِهِ " الْجَزَاء الْأَوْفَى " قَالَ الْأَخْفَش : يُقَال جَزَيْته الْجَزَاء , وَجَزَيْته بِالْجَزَاءِ سَوَاء لَا فَرْق بَيْنهمَا قَالَ الشَّاعِر : إِنْ أَجْزِ عَلْقَمَة بْن سَعْد سَعْيه لَمْ أَجْزِهِ بِبَلَاءِ يَوْم وَاحِدِ فَجَمَعَ بَيْن اللُّغَتَيْنِ .'; $TAFSEER['4']['53']['42'] = 'أَيْ الْمَرْجِع وَالْمُرَاد وَالْمَصِير فَيُعَاقِب وَيُثِيب . وَقِيلَ : مِنْهُ اِبْتِدَاء الْمِنَّة وَإِلَيْهِ اِنْتِهَاء الْأَمَان . وَعَنْ أُبَيّ بْن كَعْب قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله : " وَأَنَّ إِلَى رَبّك الْمُنْتَهَى " قَالَ : ( لَا فِكْرَة فِي الرَّبّ ) . وَعَنْ أَنَس : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذْ ذُكِرَ اللَّه تَعَالَى فَانْتَهِ ) . قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( يَأْتِي الشَّيْطَان أَحَدكُمْ فَيَقُول مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا حَتَّى يَقُول لَهُ مَنْ خَلَقَ رَبّك فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ وَلْيَنْتَهِ ) وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِر ( الْأَعْرَاف ) . وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ : وَلَا تُفْكِرَنْ فِي ذِي الْعُلَا عَزَّ وَجْهه فَإِنَّك تُرْدَى إِنْ فَعَلْت وَتُخْذَل وَدُونك مَصْنُوعَاتِهِ فَاعْتَبِرْ بِهَا وَقُلْ مِثْل مَا قَالَ الْخَلِيل الْمُبَجَّل'; $TAFSEER['4']['53']['43'] = 'ذَهَبَتْ الْوَسَائِط وَبَقِيَتْ الْحَقَائِق لِلَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى فَلَا فَاعِل إِلَّا هُوَ ; وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : لَا وَاَللَّه مَا قَالَ رَسُول اللَّه قَطُّ إِنَّ الْمَيِّت يُعَذَّب بِبُكَاءِ أَحَد , وَلَكِنَّهُ قَالَ : ( إِنَّ الْكَافِر يَزِيدهُ اللَّه بِبُكَاءِ أَهْله عَذَابًا وَإِنَّ اللَّه لَهُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَمَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى ) . وَعَنْهَا قَالَتْ : مَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْم مِنْ أَصْحَابه وَهُمْ يَضْحَكُونَ , فَقَالَ : ( لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَم لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ) فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيل فَقَالَ : يَا مُحَمَّد ! إِنَّ اللَّه يَقُول لَك : " وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى " . فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : ( مَا خَطَوْت أَرْبَعِينَ خُطْوَة حَتَّى أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ ايْتِ هَؤُلَاءِ فَقُلْ لَهُمْ إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول : " هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى " أَيْ قَضَى أَسْبَاب الضَّحِك وَالْبُكَاء . وَقَالَ عَطَاء بْن أَبِي مُسْلِم : يَعْنِي أَفْرَحَ وَأَحْزَنَ ; لِأَنَّ الْفَرَح يَجْلِب الضَّحِك وَالْحُزْن يَجْلِب الْبُكَاء . وَقِيلَ لِعُمَر : هَلْ كَانَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُونَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ! وَالْإِيمَانُ وَاَللَّهُ أَثْبَتُ فِي قُلُوبهمْ مِنْ الْجِبَال الرَّوَاسِي . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي " النَّمْل " و " التَّوْبَة " . قَالَ الْحَسَن : أَضْحَكَ اللَّه أَهْل الْجَنَّة فِي الْجَنَّة , وَأَبْكَى أَهْل النَّار فِي النَّار . وَقِيلَ : أَضْحَكَ مَنْ شَاءَ فِي الدُّنْيَا بِأَنْ سَرَّهُ وَأَبْكَى مَنْ شَاءَ بِأَنْ غَمَّهُ . الضَّحَّاك : أَضْحَكَ الْأَرْض بِالنَّبَاتِ وَأَبْكَى السَّمَاء بِالْمَطَرِ . وَقِيلَ : أَضْحَكَ الْأَشْجَار بِالنَّوَّارِ , وَأَبْكَى السَّحَاب بِالْأَمْطَارِ . وَقَالَ ذُو النُّون : أَضْحَكَ قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ وَالْعَارِفِينَ بِشَمْسِ مَعْرِفَته , وَأَبْكَى قُلُوب الْكَافِرِينَ وَالْعَاصِينَ بِظُلْمَةِ نُكْرَته وَمَعْصِيَته . وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه : أَضْحَكَ اللَّه الْمُطِيعِينَ بِالرَّحْمَةِ وَأَبْكَى الْعَاصِينَ بِالسَّخَطِ . وَقَالَ مُحَمَّد بْن عَلِيّ التِّرْمِذِيّ : أَضْحَكَ الْمُؤْمِن فِي الْآخِرَة وَأَبْكَاهُ فِي الدُّنْيَا . وَقَالَ بَسَّام بْن عَبْد اللَّه : أَضْحَكَ اللَّه أَسْنَانهمْ وَأَبْكَى قُلُوبهمْ . وَأَنْشَدَ : السِّنُّ تَضْحَكُ وَالْأَحْشَاءُ تَحْتَرِقُ وَإِنَّمَا ضَحِكُهَا زُورٌ وَمُخْتَلَقُ يَا رُبَّ بَاكٍ بِعَيْنٍ لَا دُمُوع لَهَا وَرُبَّ ضَاحِكِ سِنٍّ مَا بِهِ رَمَقُ وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى خَصَّ الْإِنْسَان بِالضَّحِكِ وَالْبُكَاء مِنْ بَيْن سَائِر الْحَيَوَان , وَلَيْسَ فِي سَائِر الْحَيَوَان مَنْ يَضْحَك وَيَبْكِي غَيْر الْإِنْسَان . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْقِرْد وَحْده يَضْحَك وَلَا يَبْكِي , وَإِنَّ الْإِبِل وَحْدهَا تَبْكِي وَلَا تَضْحَك . وَقَالَ يُوسُف بْن الْحُسَيْن : سُئِلَ طَاهِر الْمَقْدِسِيّ أَتَضْحَكُ الْمَلَائِكَة ؟ فَقَالَ : مَا ضَحِكُوا وَلَا كُلّ مَنْ دُونَ الْعَرْش مُنْذُ خُلِقَتْ جَهَنَّم .'; $TAFSEER['4']['53']['44'] = 'أَيْ قَضَى أَسْبَاب الْمَوْت وَالْحَيَاة . وَقِيلَ : خَلَقَ الْمَوْت وَالْحَيَاة كَمَا قَالَ : " الَّذِي خَلَقَ الْمَوْت وَالْحَيَاة " [ الْمُلْك : 2 ] قَالَهُ اِبْن بَحْر . وَقِيلَ : أَمَاتَ الْكَافِر بِالْكُفْرِ وَأَحْيَا الْمُؤْمِن بِالْإِيمَانِ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ " [ الْأَنْعَام : 122 ] الْآيَة . وَقَالَ : " إِنَّمَا يَسْتَجِيب الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثهُمْ اللَّه " عَلَى مَا تَقَدَّمَ , وَإِلَيْهِ يَرْجِع قَوْل عَطَاء : أَمَاتَ بِعَدْلِهِ وَأَحْيَا بِفَضْلِهِ . وَقَوْل مَنْ قَالَ : أَمَاتَ بِالْمَنْعِ وَالْبُخْل وَأَحْيَا بِالْجُودِ وَالْبَذْل . وَقِيلَ : أَمَاتَ النُّطْفَة وَأَحْيَا النَّسَمَة . وَقِيلَ : أَمَاتَ الْآبَاء وَأَحْيَا الْأَبْنَاء . وَقِيلَ : يُرِيد بِالْحَيَاةِ الْخِصْب وَبِالْمَوْتِ الْجَدْب . وَقِيلَ : أَنَامَ وَأَيْقَظَ . وَقِيلَ : أَمَاتَ فِي الدُّنْيَا وَأَحْيَا لِلْبَعْثِ .'; $TAFSEER['4']['53']['45'] = 'أَيْ مِنْ أَوْلَاد آدَم وَلَمْ يُرِدْ آدَم وَحَوَّاء بِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ نُطْفَة .'; $TAFSEER['4']['53']['46'] = 'وَالنُّطْفَة الْمَاء الْقَلِيل , مُشْتَقّ مِنْ نَطَفَ الْمَاء إِذَا قَطَرَ . " تُمْنَى " تُصَبُّ فِي الرَّحِم وَتُرَاق ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ وَالضَّحَّاك وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح . يُقَال : مَنَى الرَّجُل وَأَمْنَى مِنْ الْمَنِيّ , وَسُمِّيَتْ مِنًى بِهَذَا الِاسْم لِمَا يُمْنَى فِيهَا مِنْ الدِّمَاء أَيْ يُرَاق . وَقِيلَ : " تُمْنَى " تُقَدَّر ; قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة . يُقَال : مَنَيْت الشَّيْء إِذَا قَدَّرْته , وَمُنِيَ لَهُ أَيْ قُدِّرَ لَهُ ; قَالَ الشَّاعِر : حَتَّى تَلَاقِي مَا يَمْنِي لَك الْمَانِي أَيْ مَا يُقَدِّر لَك الْقَادِر .'; $TAFSEER['4']['53']['47'] = 'أَيْ إِعَادَة الْأَرْوَاح فِي الْأَشْبَاح لِلْبَعْثِ . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو " النَّشَاءَة " بِفَتْحِ الشِّين وَالْمَدّ ; أَيْ وَعَدَ ذَلِكَ وَوَعْده صِدْق .'; $TAFSEER['4']['53']['48'] = 'قَالَ اِبْن زَيْد : أَغْنَى مَنْ شَاءَ وَأَفْقَرَ مَنْ شَاءَ ; ثُمَّ قَرَأَ " يَبْسُط الرِّزْق لِمَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده وَيَقْدِر لَهُ " [ سَبَأ : 39 ] وَقَرَأَ " يَقْبِض وَيَبْسُط " [ الْبَقَرَة : 245 ] وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ . وَعَنْ اِبْن زَيْد أَيْضًا وَمُجَاهِد وَقَتَادَة وَالْحَسَن : " أَغْنَى " مَوَّلَ " وَأَقْنَى " أَخْدَمَ . وَقِيلَ : " أَقْنَى " جَعَلَ لَكُمْ قِنْيَة تَقْتَنُونَهَا , وَهُوَ مَعْنَى أَخْدَمَ أَيْضًا . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَرْضَى بِمَا أَعْطَى أَيْ أَغْنَاهُ ثُمَّ رَضَّاهُ بِمَا أَعْطَاهُ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : قَنِيَ الرَّجُل يَقْنَى قِنًى ; مِثْل غَنِيَ يَغْنَى غِنًى , وَأَقْنَاهُ اللَّه أَيْ أَعْطَاهُ اللَّه مَا يُقْتَنَى مِنْ الْقِنْيَة وَالنَّشَب . وَأَقْنَاهُ اللَّه أَيْضًا أَيْ رَضَّاهُ . وَالْقِنَى الرِّضَا , عَنْ أَبِي زَيْد ; قَالَ وَتَقُول الْعَرَب : مَنْ أُعْطِيَ مِائَة مِنْ الْمَعْز فَقَدْ أُعْطِيَ الْقِنَى , وَمَنْ أُعْطِيَ مِائَة مِنْ الضَّأْن فَقَدْ أُعْطِيَ الْغِنَى , وَمَنْ أُعْطِيَ مِائَة مِنْ الْإِبِل فَقَدْ أُعْطِيَ الْمُنَى . وَيُقَال : أَغْنَاهُ اللَّه وَأَقْنَاهُ أَيْ أَعْطَاهُ مَا يَسْكُن إِلَيْهِ . وَقِيلَ : " أَغْنَى وَأَقْنَى " أَيْ أَغْنَى نَفْسه وَأَفْقَرَ خَلْقه إِلَيْهِ ; قَالَ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ . وَقَالَ سُفْيَان : أَغْنَى بِالْقَنَاعَةِ وَأَقْنَى بِالرِّضَا . وَقَالَ الْأَخْفَش : أَقْنَى أَفْقَرَ . قَالَ اِبْن كَيْسَان : أَوْلَدَ . وَهَذَا رَاجِع لِمَا تَقَدَّمَ .'; $TAFSEER['4']['53']['49'] = '"الشِّعْرَى " الْكَوْكَب الْمُضِيء الَّذِي يَطْلُع بَعْد الْجَوْزَاء , وَطُلُوعه فِي شِدَّة الْحَرّ , وَهُمَا الشِّعْرِيَّانِ الْعَبُور الَّتِي فِي الْجَوْزَاء وَالشِّعْرَى الْغُمَيْصَاء الَّتِي فِي الذِّرَاع ; وَتَزْعُم الْعَرَب أَنَّهُمَا أُخْتَا سُهَيْل . وَإِنَّمَا ذُكِرَ أَنَّهُ رَبّ الشِّعْرَى وَإِنْ كَانَ رَبًّا لِغَيْرِهِ ; لِأَنَّ الْعَرَب كَانَتْ تَعْبُدهُ ; فَأَعْلَمَهُمْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَنَّ الشِّعْرَى مَرْبُوب لَيْسَ بِرَبٍّ . وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ كَانَ يَعْبُدهُ ; فَقَالَ السُّدِّيّ : كَانَتْ تَعْبُدهُ حِمْيَر وَخُزَاعَة . وَقَالَ غَيْره : أَوَّل مَنْ عَبَدَهُ أَبُو كَبْشَة أَحَد أَجْدَاد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَل أُمَّهَاته , وَلِذَلِكَ كَانَ مُشْرِكُو قُرَيْش يُسَمُّونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِبْن أَبِي كَبْشَة حِين دَعَا إِلَى اللَّه وَخَالَفَ أَدْيَانهمْ ; وَقَالُوا : مَا لَقِينَا مِنْ اِبْن أَبِي كَبْشَة ! وَقَالَ أَبُو سُفْيَان يَوْم الْفَتْح وَقَدْ وَقَفَ فِي بَعْض الْمَضَايِق وَعَسَاكِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمُرّ عَلَيْهِ : لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ اِبْنِ أَبِي كَبْشَة . وَقَدْ كَانَ مَنْ لَا يَعْبُد الشِّعْرَى مِنْ الْعَرَب يُعَظِّمهَا وَيَعْتَقِد تَأْثِيرهَا فِي الْعَالَم , قَالَ الشَّاعِر : مَضَى أَيْلُول وَارْتَفَعَ الْحَرُور وَأَخْبَتَ نَارهَا الشِّعْرَى الْعَبُور وَقِيلَ : إِنَّ الْعَرَب تَقُول فِي خُرَافَاتهَا : إِنَّ سُهَيْلًا وَالشِّعْرَى كَانَا زَوْجَيْنِ , فَانْحَدَرَ سُهَيْل فَصَارَ يَمَانِيًّا , فَاتَّبَعَتْهُ الشِّعْرَى الْعَبُور فَعَبَرَتْ الْمَجَرَّة فَسُمِّيَتْ الْعَبُور , وَأَقَامَتْ الْغُمَيْصَاء فَبَكَتْ لِفَقْدِ سُهَيْل حَتَّى غَمِصَتْ عَيْنَاهَا فَسُمِّيَتْ غُمَيْصَاء لِأَنَّهَا أَخْفَى مِنْ الْأُخْرَى .'; $TAFSEER['4']['53']['50'] = 'سَمَّاهَا الْأُولَى لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ قِبَل ثَمُود . وَقِيلَ : إِنَّ ثَمُود مِنْ قِبَل عَاد . وَقَالَ اِبْن زَيْد : قِيلَ لَهَا عَاد الْأُولَى لِأَنَّهَا أَوَّل أُمَّة أُهْلِكَتْ بَعْد نُوح عَلَيْهِ السَّلَام . وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق : هُمَا عَادَانِ فَالْأُولَى أُهْلِكَتْ بِالرِّيحِ الصَّرْصَر , ثُمَّ كَانَتْ الْأُخْرَى فَأُهْلِكَتْ بِالصَّيْحَةِ . وَقِيلَ : عَاد الْأُولَى هُوَ عَاد بْن إِرَم بْن عَوْص بْن سَام بْن نُوح , وَعَاد الثَّانِيَة مِنْ وَلَد عَاد الْأُولَى ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . وَقِيلَ : إِنَّ عَاد الْآخِرَة الْجَبَّارُونَ وَهُمْ قَوْم هُود . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " عَادًا الْأُولَى " بِبَيَانِ التَّنْوِين وَالْهَمْز . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن مُحَيْصِن وَأَبُو عَمْرو " عَادًا الْأُولَى " بِنَقْلِ حَرَكَة الْهَمْزَة إِلَى اللَّام وَإِدْغَام التَّنْوِين فِيهَا , إِلَّا أَنَّ قَالُونَ وَالسُّوسِيّ يُظْهِرَانِ الْهَمْزَة السَّاكِنَة . وَقَلَبَهَا الْبَاقُونَ وَاوًا عَلَى أَصْلهَا ; وَالْعَرَب تَقْلِب هَذَا الْقَلْب فَتَقُول : قُمِ الَّانَ عَنَّا وَضُمَّ لِثْنَيْنِ أَيْ قُمِ الْآن وَضُمَّ الِاثْنَيْنِ .'; $TAFSEER['4']['53']['51'] = 'ثَمُود هُمْ قَوْم صَالِح أُهْلِكُوا بِالصَّيْحَةِ . قُرِئَ " ثَمُودًا " [ التَّوْبَة : 70 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَانْتَصَبَ عَلَى الْعَطْف عَلَى عَاد .'; $TAFSEER['4']['53']['52'] = 'أَيْ وَأَهْلَكَ قَوْم نُوح مِنْ قَبْل عَاد وَثَمُود وَذَلِكَ لِطُولِ مُدَّة نُوح فِيهِمْ , حَتَّى كَانَ الرَّجُل فِيهِمْ يَأْخُذ بِيَدِ اِبْنه فَيَنْطَلِق إِلَى نُوح عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول : اِحْذَرْ هَذَا فَإِنَّهُ كَذَّاب , وَإِنَّ أَبِي قَدْ مَشَى بِي إِلَى هَذَا وَقَالَ لِي مِثْل مَا قُلْت لَك ; فَيَمُوت الْكَبِير عَلَى الْكُفْر , وَيَنْشَأ الصَّغِير عَلَى وَصِيَّة أَبِيهِ . وَقِيلَ : إِنَّ الْكِنَايَة تَرْجِع إِلَى كُلّ مَنْ ذُكِرَ مِنْ عَاد وَثَمُود وَقَوْم نُوح ; أَيْ كَانُوا أَكْفَرَ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَب وَأَطْغَى . فَيَكُون فِيهِ تَسْلِيَة وَتَعْزِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَكَأَنَّهُ يَقُول لَهُ : فَاصْبِرْ أَنْتَ أَيْضًا فَالْعَاقِبَة الْحَمِيدَة لَك .'; $TAFSEER['4']['53']['53'] = 'يَعْنِي مَدَائِن قَوْم لُوط عَلَيْهِ السَّلَام اِئْتَفَكَتْ بِهِمْ , أَيْ اِنْقَلَبَتْ وَصَارَ عَالِيهَا سَافِلهَا . يُقَال : أَفَكْته أَيْ قَلَبْته وَصَرَفْته . " أَهْوَى " أَيْ خُسِفَ بِهِمْ بَعْد رَفْعهَا إِلَى السَّمَاء ; رَفَعَهَا جِبْرِيل ثُمَّ أَهْوَى بِهَا إِلَى الْأَرْض . وَقَالَ الْمُبَرِّد : جَعَلَهَا تَهْوِي . وَيُقَال : هَوَى بِالْفَتْحِ يَهْوِي هُوِيًّا أَيْ سَقَطَ و " أَهْوَى " أَيْ أَسْقَطَ .'; $TAFSEER['4']['53']['54'] = 'أَيْ أَلْبَسَهَا مَا أَلْبَسَهَا مِنْ الْحِجَارَة ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَجَعَلْنَا عَالِيهَا سَافِلهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَة مِنْ سِجِّيل " [ الْحِجْر : 74 ] وَقِيلَ : إِنَّ الْكِنَايَة تَرْجِع إِلَى جَمِيع هَذِهِ الْأُمَم ; أَيْ غَشَّاهَا مِنْ الْعَذَاب مَا غَشَّاهُمْ , وَأَبْهَمَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ أُهْلِكَ بِضَرْبٍ غَيْر مَا أُهْلِكَ بِهِ الْآخَر . وَقِيلَ : هَذَا تَعْظِيم الْأَمْر .'; $TAFSEER['4']['53']['55'] = 'أَيْ فَبِأَيِّ نِعَم رَبّك تَشُكّ . وَالْمُخَاطَبَة لِلْإِنْسَانِ الْمُكَذِّب . وَالْآلَاء النِّعَم وَاحِدهَا أَلًى وَإِلًى وَإِلْيٌ . وَقَرَأَ يَعْقُوب " تَّمَارَى " بِإِدْغَامِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ فِي الْأُخْرَى وَالتَّشْدِيد .'; $TAFSEER['4']['53']['56'] = 'قَالَ اِبْن جُرَيْج وَمُحَمَّد بْن كَعْب : يُرِيد أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَذِير بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْذَرَ بِهِ الْأَنْبِيَاء قَبْله , فَإِنْ أَطَعْتُمُوهُ أَفْلَحْتُمْ , وَإِلَّا حَلَّ بِكُمْ مَا حَلَّ بِمُكَذِّبِي الرُّسُل السَّالِفَة . وَقَالَ قَتَادَة : يُرِيد الْقُرْآن , وَأَنَّهُ نَذِير بِمَا أَنْذَرَتْ بِهِ الْكُتُب الْأُولَى . وَقِيلَ : أَيْ هَذَا الَّذِي أَخْبَرْنَا بِهِ مِنْ أَخْبَار الْأُمَم الْمَاضِيَة الَّذِينَ هَلَكُوا تَخْوِيف لِهَذِهِ الْأُمَّة مِنْ أَنْ يَنْزِل بِهِمْ مَا نَزَلَ بِأُولَئِكَ مِنْ النُّذُر أَيْ مِثْل النُّذُر ; وَالنُّذُر فِي قَوْل الْعَرَب بِمَعْنَى الْإِنْذَار كَالنُّكُرِ بِمَعْنَى الْإِنْكَار ; أَيْ هَذَا إِنْذَار لَكُمْ . وَقَالَ أَبُو مَالِك : هَذَا الَّذِي أَنْذَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ وَقَائِع الْأُمَم الْخَالِيَة هُوَ فِي صُحُف إِبْرَاهِيم وَمُوسَى . وَقَالَ السُّدِّيّ أَخْبَرَنِي أَبُو صَالِح قَالَ : هَذِهِ الْحُرُوف الَّتِي ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى مِنْ قَوْله تَعَالَى : " أَمْ لَمْ يُنَبَّأ بِمَا فِي صُحُف مُوسَى . وَإِبْرَاهِيم " [ النَّجْم : 37 ] إِلَى قَوْله : " هَذَا نَذِير مِنْ النُّذُر الْأُولَى " كُلّ هَذِهِ فِي صُحُف إِبْرَاهِيم وَمُوسَى .'; $TAFSEER['4']['53']['57'] = 'أَيْ قَرُبَتْ السَّاعَة وَدَنَتْ الْقِيَامَة . وَسَمَّاهَا آزِفَة لِقُرْبِ قِيَامهَا عِنْده ; كَمَا قَالَ : " يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا " [ الْمَعَارِج : 6 - 7 ] . وَقِيلَ : سَمَّاهَا آزِفَة لِدُنُوِّهَا مِنْ النَّاس وَقُرْبهَا مِنْهُمْ لِيَسْتَعِدُّوا لَهَا ; لِأَنَّ كُلّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيب . قَالَ : أَزِفَ التَّرَحُّل غَيْر أَنَّ رِكَابنَا لَمَّا تَزَلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قَدِ وَفِي الصِّحَاح : أَزِفَ التَّرَحُّل يَأْزَف أَزَفًا أَيْ دَنَا وَأَفِدَ ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " أَزِفَتْ الْآزِفَة " يَعْنِي الْقِيَامَة , وَأَزِفَ الرَّجُل أَيْ عَجِلَ فَهُوَ آزِف عَلَى فَاعِل , وَالْمُتَآزِف الْقَصِير وَهُوَ الْمُتَدَانِي . قَالَ أَبُو زَيْد : قُلْت لِأَعْرَابِيٍّ مَا الْمُحْبَنْطِئُ ؟ قَالَ : الْمُتَكَأْكِئ . قُلْت : مَا الْمُتَكَأْكِئ ؟ قَالَ : الْمُتَآزِف . قُلْت : مَا الْمُتَآزِف ؟ قَالَ : أَنْتَ أَحْمَقُ وَتَرَكَنِي وَمَرَّ .'; $TAFSEER['4']['53']['58'] = 'أَيْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُون اللَّه مَنْ يُؤَخِّرهَا أَوْ يُقَدِّمهَا . وَقِيلَ : كَاشِفَة أَيْ اِنْكِشَاف أَيْ لَا يَكْشِف عَنْهَا وَلَا يُبْدِيهَا إِلَّا اللَّه ; فَالْكَاشِفَة اِسْم بِمَعْنَى الْمَصْدَر وَالْهَاء فِيهِ كَالْهَاءِ فِي الْعَاقِبَة وَالْعَافِيَة وَالدَّاهِيَة وَالْبَاقِيَة ; كَقَوْلِهِمْ : مَا لِفُلَانٍ مِنْ بَاقِيَة أَيْ مِنْ بَقَاء . وَقِيلَ : أَيْ لَا أَحَد يَرُدّ ذَلِكَ ; أَيْ أَنَّ الْقِيَامَة إِذَا قَامَتْ لَا يَكْشِفهَا أَحَد مِنْ آلِهَتهمْ وَلَا يُنْجِيهِمْ غَيْر اللَّه تَعَالَى . وَقَدْ سُمِّيَتْ الْقِيَامَة غَاشِيَة , فَإِذَا كَانَتْ غَاشِيَة كَانَ رَدّهَا كَشْفًا , فَالْكَاشِفَة عَلَى هَذَا نَعْتُ مُؤَنَّثٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ نَفْس كَاشِفَة أَوْ فِرْقَة كَاشِفَة أَوْ حَال كَاشِفَة . وَقِيلَ : إِنَّ " كَاشِفَة " بِمَعْنَى كَاشِف وَالْهَاء لِلْمُبَالَغَةِ مِثْل رَاوِيَة وَدَاهِيَة .'; $TAFSEER['4']['53']['59'] = 'يَعْنِي الْقُرْآن . وَهَذَا اِسْتِفْهَام تَوْبِيخ تَكْذِيبًا بِهِ'; $TAFSEER['4']['53']['60'] = 'اِسْتِهْزَاء اِنْزِجَارًا وَخَوْفًا مِنْ الْوَعِيد . وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رُئِيَ بَعْد نُزُول هَذِهِ الْآيَة ضَاحِكًا إِلَّا تَبَسُّمًا . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : لَمَّا نَزَلَتْ " أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيث تَعْجَبُونَ " قَالَ أَهْل الصُّفَّة : " إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ " ثُمَّ بَكَوْا حَتَّى جَرَتْ دُمُوعهمْ عَلَى خُدُودهمْ , فَلَمَّا سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُكَاءَهُمْ بَكَى مَعَهُمْ فَبَكَيْنَا لِبُكَائِهِ ; فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَلِج النَّار مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَة اللَّه وَلَا يَدْخُل الْجَنَّة مُصِرّ عَلَى مَعْصِيَة اللَّه وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّه بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَغْفِر لَهُمْ وَيَرْحَمهُمْ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُور الرَّحِيم ) . وَقَالَ أَبُو حَازِم : نَزَلَ جِبْرِيل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْده رَجُل يَبْكِي , فَقَالَ لَهُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا فُلَان ; فَقَالَ جِبْرِيل : إِنَّا نَزِن أَعْمَال بَنِي آدَم كُلّهَا إِلَّا الْبُكَاء , فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَيُطْفِئ بِالدَّمْعَةِ الْوَاحِدَة بُحُورًا مِنْ جَهَنَّم .'; $TAFSEER['4']['53']['61'] = 'أَيْ لَاهُونَ مُعْرِضُونَ . عَنْ اِبْن عَبَّاس ; رَوَاهُ الْوَالِبِيّ وَالْعَوْفِيّ عَنْهُ . وَقَالَ عِكْرِمَة عَنْهُ : هُوَ الْغِنَاء بِلُغَةِ حِمْيَر ; يُقَال : سَمِّدْ لَنَا أَيْ غَنِّ لَنَا , فَكَانُوا إِذَا سَمِعُوا الْقُرْآن يُتْلَى تَغَنَّوْا وَلَعِبُوا حَتَّى لَا يَسْمَعُوا . وَقَالَ الضَّحَّاك : سَامِدُونَ شَامِخُونَ مُتَكَبِّرُونَ . وَفِي الصِّحَاح : سَمَدَ سُمُودًا رَفَعَ رَأْسه تَكَبُّرًا وَكُلّ رَافِع رَأْسه فَهُوَ سَامِد ; قَالَ : سَوَامِدُ اللَّيْلِ خِفَافُ الْأَزْوَادْ يَقُول : لَيْسَ فِي بُطُونهَا عَلَف . وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : سَمَدْت سُمُودًا عَلَوْت . وَسَمَدَتْ الْإِبِل فِي سَيْرهَا جَدَّتْ . وَالسُّمُود اللَّهْو , وَالسَّامِد اللَّاهِي ; يُقَال لِلْقَيْنَةِ : أَسْمِدِينَا ; أَيْ أَلْهِينَا بِالْغِنَاءِ . وَتَسْمِيد الْأَرْض أَنْ يَجْعَل فِيهَا السَّمَاد وَهُوَ سِرْجِين وَرَمَاد . وَتَسْمِيد الرَّأْس اِسْتِئْصَال شَعْره , لُغَة فِي التَّسْبِيد . وَاِسْمَأَدَّ الرَّجُل بِالْهَمْزِ اِسْمِئْدَادًا أَيْ وَرِمَ غَضَبًا . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ مَعْنَى " سَامِدُونَ " أَنْ يَجْلِسُوا غَيْر مُصَلِّينَ وَلَا مُنْتَظِرِينَ الصَّلَاة . وَقَالَ الْحَسَن : وَاقِفُونَ لِلصَّلَاةِ قَبْل وُقُوف الْإِمَام ; وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَرَجَ وَالنَّاس يَنْتَظِرُونَهُ قِيَامًا فَقَالَ : ( مَا لِي أَرَاكُمْ سَامِدِينَ ) حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ عَنْ عَلِيّ , وَأَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاة فَرَأَى النَّاس قِيَامًا يَنْتَظِرُونَهُ فَقَالَ : ( مَا لَكُمْ سَامِدُونَ ) قَالَهُ الْمَهْدَوِيّ . وَالْمَعْرُوف فِي اللُّغَة : سَمَدَ يَسْمُد سُمُودًا إِذَا لَهَا وَأَعْرَضَ . وَقَالَ الْمُبَرِّد : سَامِدُونَ خَامِدُونَ ; قَالَ الشَّاعِر : أَتَى الْحِدْثَان نِسْوَة آل حَرْب بِمَقْدُورٍ سَمَدْنَ لَهُ سُمُودًا وَقَالَ صَالِح أَبُو الْخَلِيل : لَمَّا قَرَأَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيث تَعْجَبُونَ . وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ . وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ " لَمْ يُرَ ضَاحِكًا إِلَّا مُبْتَسِمًا حَتَّى مَاتَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذَكَرَهُ النَّحَّاس .'; $TAFSEER['4']['53']['62'] = 'قِيلَ : الْمُرَاد بِهِ سُجُود تِلَاوَة الْقُرْآن . وَهُوَ قَوْل اِبْن مَسْعُود . وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّل السُّورَة مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِيهَا وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُشْرِكُونَ . وَقِيلَ : إِنَّمَا سَجَدَ مَعَهُ الْمُشْرِكُونَ لِأَنَّهُمْ سَمِعُوا أَصْوَات الشَّيَاطِين فِي أَثْنَاء قِرَاءَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد قَوْله : " أَفَرَأَيْتُمْ اللَّات وَالْعُزَّى . وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى " [ النَّجْم : 19 ] وَأَنَّهُ قَالَ : تِلْكَ الْغَرَانِيق الْعُلَا وَشَفَاعَتهنَّ تُرْتَجَى . كَذَا فِي رِوَايَة سَعِيد بْن جُبَيْر تُرْتَجَى . وَفِي رِوَايَة أَبِي الْعَالِيَة وَشَفَاعَتهنَّ تُرْتَضَى , وَمِثْلهنَّ لَا يُنْسَى . فَفَرِحَ الْمُشْرِكُونَ وَظَنُّوا أَنَّهُ مِنْ قَوْل مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي " الْحَجّ " . فَلَمَّا بَلَغَ الْخَبَر بِالْحَبَشَةِ مَنْ كَانَ بِهَا مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعُوا ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ أَهْل مَكَّة آمَنُوا ; فَكَانَ أَهْل مَكَّة أَشَدّ عَلَيْهِمْ وَأَخَذُوا فِي تَعْذِيبهمْ إِلَى أَنْ كَشَفَ اللَّه عَنْهُمْ . وَقِيلَ : الْمُرَاد سُجُود الْفَرْض فِي الصَّلَاة وَهُوَ قَوْل اِبْن عُمَر ; كَانَ لَا يَرَاهَا مِنْ عَزَائِم السُّجُود . وَبِهِ قَالَ مَالِك . وَرَوَى أُبَيّ بْن كَعْب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : كَانَ آخِر فِعْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْك السُّجُود فِي الْمُفَصَّل . وَالْأَوَّل أَصَحّ وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِيهِ آخِر " الْأَعْرَاف " مُبَيَّنًا وَالْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ . تَمَّ تَفْسِير سُورَة " وَالنَّجْم " .'; $TAFSEER['4']['54']['1'] = 'سُورَة الْقَمَر مَكِّيَّة كُلّهَا فِي قَوْل الْجُمْهُور . وَقَالَ مُقَاتِل : إِلَّا ثَلَاث آيَات مِنْ قَوْله تَعَالَى : " أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيع مُنْتَصِر " [ الْقَمَر : 44 ] إِلَى قَوْله : " وَالسَّاعَة أَدْهَى وَأَمَرّ " [ الْقَمَر : 46 ] وَلَا يَصِحّ عَلَى مَا يَأْتِي . وَهِيَ خَمْس وَخَمْسُونَ آيَة . " اِقْتَرَبَتْ " أَيْ قَرُبَتْ مِثْل " أَزِفَتْ الْآزِفَة " [ النَّجْم : 57 ] عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ . فَهِيَ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا مَضَى قَرِيبَة ; لِأَنَّهُ قَدْ مَضَى أَكْثَرُ الدُّنْيَا كَمَا رَوَى قَتَادَة عَنْ أَنَس قَالَ : خَطَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ كَادَتْ الشَّمْس تَغِيب فَقَالَ : ( مَا بَقِيَ مِنْ دُنْيَاكُمْ فِيمَا مَضَى إِلَّا مِثْل مَا بَقِيَ مِنْ هَذَا الْيَوْم فِيمَا مَضَى ) وَمَا نَرَى مِنْ الشَّمْس إِلَّا يَسِيرًا . وَقَالَ . كَعْب وَوَهْب : الدُّنْيَا سِتَّة آلَاف سَنَة . قَالَ وَهْب : قَدْ مَضَى مِنْهَا خَمْسَة آلَاف سَنَة وَسِتّمِائَةِ سَنَة . ذَكَرَهُ النَّحَّاس . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : " وَانْشَقَّ الْقَمَر " أَيْ وَقَدْ اِنْشَقَّ الْقَمَر . وَكَذَا قَرَأَ حُذَيْفَة " اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة وَقَدْ اِنْشَقَّ الْقَمَر " بِزِيَادَةِ " قَدْ " وَعَلَى هَذَا الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء ; ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَغَيْره مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود وَابْن عُمَر وَأَنَس وَجُبَيْر بْن مُطْعِم وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ . وَعَنْ أَنَس قَالَ : سَأَلَ أَهْل مَكَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَة , فَانْشَقَّ الْقَمَر بِمَكَّة مَرَّتَيْنِ فَنَزَلَتْ : " اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر " إِلَى قَوْله : " سِحْر مُسْتَمِرّ " يَقُول ذَاهِب قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَلَفْظ الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَس قَالَ : اِنْشَقَّ الْقَمَر فِرْقَتَيْنِ . وَقَالَ قَوْم : لَمْ يَقَع اِنْشِقَاق الْقَمَر بَعْد وَهُوَ مُنْتَظَر ; أَيْ اِقْتَرَبَ قِيَام السَّاعَة وَانْشِقَاق الْقَمَر ; وَأَنَّ السَّاعَة إِذَا قَامَتْ اِنْشَقَّتْ السَّمَاء بِمَا فِيهَا مِنْ الْقَمَر وَغَيْره . وَكَذَا قَالَ الْقُشَيْرِيّ . وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ : أَنَّ هَذَا قَوْل الْجُمْهُور , وَقَالَ : لِأَنَّهُ إِذَا اِنْشَقَّ مَا بَقِيَ أَحَد إِلَّا رَآهُ ; لِأَنَّهُ آيَة وَالنَّاس فِي الْآيَات سَوَاء . وَقَالَ الْحَسَن : اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة فَإِذَا جَاءَتْ اِنْشَقَّ الْقَمَر بَعْد النَّفْخَة الثَّانِيَة . وَقِيلَ : " وَانْشَقَّ الْقَمَر " أَيْ وَضَحَ الْأَمْر وَظَهَرَ ; وَالْعَرَب تَضْرِب بِالْقَمَرِ مَثَلًا فِيمَا وَضَحَ ; قَالَ : أَقِيمُوا بَنِي أُمِّي صُدُور مَطِيّكُمْ فَإِنِّي إِلَى حَيّ سِوَاكُمْ لَأَمْيَلُ فَقَدْ حُمَّتْ الْحَاجَات وَاللَّيْل مُقْمِر وَشُدَّتْ لِطَيَّاتٍ مَطَايَا وَأَرْحُلُ وَقِيلَ : اِنْشِقَاق الْقَمَر هُوَ اِنْشِقَاق الظُّلْمَة عَنْهُ بِطُلُوعِهِ فِي أَثْنَائِهَا , كَمَا يُسَمَّى الصُّبْح فَلْقًا ; لِانْفِلَاقِ الظُّلْمَة عَنْهُ . وَقَدْ يُعَبَّر عَنْ اِنْفِلَاقه بِانْشِقَاقِهِ كَمَا قَالَ النَّابِغَة : فَلَمَّا أَدْبَرُوا وَلَهُمْ دَوِيّ دَعَانَا عِنْد شَقّ الصُّبْح دَاعِ قُلْت : وَقَدْ ثَبَتَ بِنَقْلِ الْآحَاد الْعُدُول أَنَّ الْقَمَر اِنْشَقَّ بِمَكَّة , وَهُوَ ظَاهِر التَّنْزِيل , وَلَا يَلْزَم أَنْ يَسْتَوِي النَّاس فِيهَا ; لِأَنَّهَا كَانَتْ آيَة لَيْلِيَّة ; وَأَنَّهَا كَانَتْ بِاسْتِدْعَاءِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّه تَعَالَى عِنْد التَّحَدِّي . فَرُوِيَ أَنَّ حَمْزَة بْن عَبْد الْمُطَّلِب حِين أَسْلَمَ غَضَبًا مِنْ سَبّ أَبِي جَهْل الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَبَ أَنْ يُرِيه آيَة يَزْدَاد بِهَا يَقِينًا فِي إِيمَانه . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيح أَنَّ أَهْل مَكَّة هُمْ الَّذِينَ سَأَلُوا وَطَلَبُوا أَنْ يُرِيَهُمْ آيَة , فَأَرَاهُمْ اِنْشِقَاق الْقَمَر فَلْقَتَيْنِ كَمَا فِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود وَغَيْره . وَعَنْ حُذَيْفَة أَنَّهُ خَطَبَ بِالْمَدَائِنِ ثُمَّ قَالَ : أَلَا إِنَّ السَّاعَة قَدْ اِقْتَرَبَتْ , وَأَنَّ الْقَمَر قَدْ اِنْشَقَّ عَلَى عَهْد نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ قِيلَ : هُوَ عَلَى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير , وَتَقْدِيره اِنْشَقَّ الْقَمَر وَاقْتَرَبَتْ السَّاعَة ; قَالَهُ اِبْن كَيْسَان . وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْفَرَّاء أَنَّ الْفِعْلَيْنِ إِذَا كَانَا مُتَقَارِبَيْ الْمَعْنَى فَلَك أَنْ تُقَدِّم وَتُؤَخِّر عِنْد قَوْله تَعَالَى : " ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى " [ النَّجْم : 8 ] .'; $TAFSEER['4']['54']['2'] = 'هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ رَأَوْا اِنْشِقَاق الْقَمَر . قَالَ اِبْن عَبَّاس : اِجْتَمَعَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالُوا : إِنْ كُنْت صَادِقًا فَاشْقُقْ لَنَا الْقَمَر فِرْقَتَيْنِ , نِصْف عَلَى أَبِي قُبَيْس وَنِصْف عَلَى قُعَيْقِعَان ; فَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنْ فَعَلْت تُؤْمِنُونَ ) قَالُوا : نَعَمْ ؟ وَكَانَتْ لَيْلَة بَدْر , فَسَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبّه أَنْ يُعْطِيه مَا قَالُوا ; فَانْشَقَّ الْقَمَر فِرْقَتَيْنِ , وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي الْمُشْرِكِينَ : ( يَا فُلَان يَا فُلَان اِشْهَدُوا ) . وَفِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود : اِنْشَقَّ الْقَمَر عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَتْ قُرَيْش : هَذَا مِنْ سِحْر اِبْن أَبِي كَبْشَة ; سَحَرَكُمْ فَاسْأَلُوا السُّفَّار ; فَسَأَلُوهُمْ فَقَالُوا : قَدْ رَأَيْنَا الْقَمَر اِنْشَقَّ فَنَزَلَتْ : " اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر . وَإِنْ يَرَوْا آيَة يُعْرِضُوا " أَيْ إِنْ يَرَوْا آيَة تَدُلّ عَلَى صِدْق مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَضُوا عَنْ الْإِيمَان أَيْ ذَاهِب ; مِنْ قَوْلهمْ : مَرَّ الشَّيْء وَاسْتَمَرَّ إِذَا ذَهَبَ ; قَالَهُ أَنَس وَقَتَادَة وَمُجَاهِد وَالْفَرَّاء وَالْكِسَائِيّ وَأَبُو عُبَيْدَة , وَاخْتَارَهُ النَّحَّاس . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَالضَّحَّاك : مُحْكَم قَوِيّ شَدِيد , وَهُوَ مِنْ الْمِرَّة وَهِيَ الْقُوَّة ; كَمَا قَالَ لَقِيط : حَتَّى اِسْتَمَرَّتْ عَلَى شَزْر مَرِيرَته مُرُّ الْعَزِيمَة لَا قَحْمًا وَلَا ضَرَعَا وَقَالَ الْأَخْفَشُ : هُوَ مَأْخُوذ مِنْ إِمْرَار الْحَبْل وَهُوَ شِدَّة فَتْله . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ مُرّ مِنْ الْمَرَارَة . يُقَال : أَمَرَّ الشَّيْء صَارَ مُرًّا , وَكَذَلِكَ مَرَّ الشَّيْء يَمُرّ بِالْفَتْحِ مَرَارَة فَهُوَ مُرّ , وَأَمَرَّهُ غَيْره وَمَرَّهُ . وَقَالَ الرَّبِيع : مُسْتَمِرّ نَافِذ . يَمَان : مَاضٍ . أَبُو عُبَيْدَة : بَاطِل . وَقِيلَ : دَائِم . قَالَ : وَلَيْسَ عَلَى شَيْء قَوِيم بِمُسْتَمِرْ أَيْ بِدَائِمٍ . وَقِيلَ : يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا ; أَيْ قَدْ اِسْتَمَرَّتْ أَفْعَال مُحَمَّد عَلَى هَذَا الْوَجْه فَلَا يَأْتِي بِشَيْءٍ لَهُ حَقِيقَة بَلْ الْجَمِيع تَخْيِيلَات . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ قَدْ مَرَّ مِنْ الْأَرْض إِلَى السَّمَاء .'; $TAFSEER['4']['54']['3'] = 'نَبِيّنَا أَيْ ضَلَالَاتهمْ وَاخْتِيَارَاتهمْ . أَيْ يَسْتَقِرّ بِكُلِّ عَامِل عَمَله , فَالْخَيْر مُسْتَقِرّ بِأَهْلِهِ فِي الْجَنَّة , وَالشَّرّ مُسْتَقِرّ بِأَهْلِهِ فِي النَّار . وَقَرَأَ شَيْبَة " مُسْتَقَرّ " بِفَتْحِ الْقَاف ; أَيْ لِكُلِّ شَيْء وَقْت يَقَع فِيهِ مِنْ غَيْر تَقَدُّم وَتَأَخُّر . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَر بْن الْقَعْقَاع " وَكُلّ أَمْر مُسْتَقِرٍّ " بِكَسْرِ الْقَاف وَالرَّاء جَعَلَهُ نَعْتًا لِأَمْرٍ و " كُلّ " عَلَى هَذَا يَجُوز أَنْ يَرْتَفِع بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر مَحْذُوف , كَأَنَّهُ قَالَ : وَكُلّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٍّ فِي أُمّ الْكِتَاب كَائِن . وَيَجُوز أَنْ يَرْتَفِع بِالْعَطْفِ عَلَى السَّاعَة ; الْمَعْنَى : اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة وَكُلّ أَمْر مُسْتَقِرّ ; أَيْ اِقْتَرَبَ اِسْتِقْرَار الْأُمُور يَوْم الْقِيَامَة . وَمَنْ رَفَعَهُ جَعَلَهُ خَبَرًا عَنْ " كُلّ " .'; $TAFSEER['4']['54']['4'] = 'أَيْ مِنْ بَعْض الْأَنْبَاء ; فَذَكَرَ سُبْحَانه مِنْ ذَلِكَ مَا عَلِمَ أَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ , وَأَنَّ لَهُمْ فِيهِ شِفَاء . وَقَدْ كَانَ هُنَاكَ أُمُور أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا اِقْتَصَّ عَلَيْنَا مَا عَلِمَ أَنَّ بِنَا إِلَيْهِ حَاجَة وَسَكَتَ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ ; وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ الْأَنْبَاء " أَيْ جَاءَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّار مِنْ أَنْبَاء الْأُمَم الْخَالِيَة أَيْ مَا يَزْجُرهُمْ عَنْ الْكُفْر لَوْ قَبِلُوهُ . وَأَصْله مُزْتَجَر فَقُلِبَتْ التَّاء دَالًا ; لِأَنَّ التَّاء حَرْف مَهْمُوس وَالزَّاي حَرْف مَجْهُور , فَأُبْدِلَ مِنْ التَّاء دَالًا تُوَافِقُهَا فِي الْمَخْرَج وَتُوَافِق الزَّاي فِي الْجَهْر . و " مُزْدَجَر " مِنْ الزَّجْر وَهُوَ الِانْتِهَاء , يُقَال : زَجَرَهُ وَازْدَجَرَهُ فَانْزَجَرَ وَازْدَجَرَ , وَزَجَرْته أَنَا فَانْزَجَرَ أَيْ كَفَفْته فَكَفَّ , كَمَا قَالَ : فَأَصْبَحَ مَا يَطْلُب الْغَانِيَا تِ مُزْدَجَرًا عَنْ هَوَاهُ اِزْدِجَارَا وَقُرِئَ " مُزَّجَر " بِقَلْبِ تَاء الِافْتِعَال زَايًا وَإِدْغَام الزَّاي فِيهَا ; حَكَاهُ الزَّمَخْشَرِيّ .'; $TAFSEER['4']['54']['5'] = 'يَعْنِي الْقُرْآن وَهُوَ بَدَل مِنْ " مَا " مِنْ قَوْله : " مَا فِيهِ مُزْدَجَر " وَيَجُوز أَنْ يَكُون خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف ; أَيْ هُوَ حِكْمَة . إِذَا كَذَّبُوا وَخَالَفُوا كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَمَا تُغْنِي الْآيَات وَالنُّذُر عَنْ قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ " [ يُونُس : 101 ] ف " مَا " نَفْي أَيْ لَيْسَتْ تُغْنِي عَنْهُمْ النُّذُر . وَيَجُوز أَنْ يَكُون اِسْتِفْهَامًا بِمَعْنَى التَّوْبِيخ ; أَيْ فَأَيّ شَيْء تُغْنِي , النُّذُر عَنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ عَنْهَا و " النُّذُر " يَجُوز أَنْ تَكُون بِمَعْنَى الْإِنْذَار , وَيَجُوز أَنْ تَكُون جَمْع نَذِير .'; $TAFSEER['4']['54']['6'] = 'أَيْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ . قِيلَ : هَذَا مَنْسُوخ بِآيَةِ السَّيْف . وَقِيلَ : هُوَ تَمَام الْكَلَام . الْعَامِل فِي " يَوْم " " يَخْرُجُونَ مِنْ الْأَجْدَاث " أَوْ " خُشَّعًا " أَوْ فِعْل مُضْمَر تَقْدِيره وَاذْكُرْ يَوْم . وَقِيلَ : عَلَى حَذْف حَرْف الْفَاء وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ مِنْ جَوَاب الْأَمْر , تَقْدِيره : فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِي . وَقِيلَ : تَوَلَّ عَنْهُمْ يَا مُحَمَّد فَقَدْ أَقَمْت الْحُجَّة وَأَبْصِرْهُمْ يَوْم يَدْعُو الدَّاعِي . وَقِيلَ : أَيْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ يَوْم الْقِيَامَة وَلَا تَسْأَل عَنْهُمْ وَعَنْ أَحْوَالهمْ , فَإِنَّهُمْ يُدْعَوْنَ " إِلَى شَيْء نُكُر " وَيَنَالهُمْ عَذَاب شَدِيد . وَهُوَ كَمَا تَقُول : لَا تَسْأَل عَمَّا جَرَى عَلَى فُلَان إِذَا أَخْبَرْته بِأَمْرٍ عَظِيم . وَقِيلَ : أَيْ وَكُلّ أَمْر مُسْتَقِرّ يَوْم يَدْعُو الدَّاعِي . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير " نُكْر " بِإِسْكَانِ الْكَاف , وَضَمَّهَا الْبَاقُونَ وَهُمَا لُغَتَانِ كَعُسْرِ وَعُسُر وَشُغْل وَشُغُل , وَمَعْنَاهُ الْأَمْر الْفَظِيع الْعَظِيم وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة . وَالدَّاعِي هُوَ إِسْرَافِيل عَلَيْهِ السَّلَام . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد وَقَتَادَة أَنَّهُمَا قَرَآ " إِلَى شَيْء نُكِرَ " بِكَسْرِ الْكَاف وَفَتْح الرَّاء عَلَى الْفِعْل الْمَجْهُول .'; $TAFSEER['4']['54']['7'] = 'الْخُشُوع فِي الْبَصَر الْخُضُوع وَالذِّلَّة , وَأَضَافَ الْخُشُوع إِلَى الْأَبْصَار لِأَنَّ أَثَر الْعِزّ وَالذُّلّ يَتَبَيَّن فِي نَاظِر الْإِنْسَان ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " أَبْصَارهَا خَاشِعَة " [ النَّازِعَات : 9 ] وَقَالَ تَعَالَى : " خَاشِعِينَ مِنْ الذُّلّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْف خَفِيّ " [ الشُّورَى : 45 ] . وَيُقَال : خَشَعَ وَاخْتَشَعَ إِذَا ذَلَّ . وَخَشَعَ بِبَصَرِهِ أَيْ غَضَّهُ . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَأَبُو عَمْرو " خَاشِعًا " بِالْأَلِفِ وَيَجُوز فِي أَسْمَاء الْفَاعِلِينَ إِذَا تَقَدَّمَتْ عَلَى الْجَمَاعَة التَّوْحِيد , نَحْو : " خَاشِعًا أَبْصَارهمْ " وَالتَّأْنِيث نَحْو : " خَاشِعَة أَبْصَارهمْ " [ الْقَلَم : 43 ] وَيَجُوز الْجَمْع نَحْو : " خُشَّعًا أَبْصَارهمْ " قَالَ [ الْحَرْث بْن دَوْس الْإِيَادِيّ ] : وَشَبَابٍ حَسَنٍ أَوْجُههمْ مِنْ إِيَاد بْن نِزَار بْن مَعَد و " خُشَّعًا " جَمْع خَاشِع وَالنَّصْب فِيهِ عَلَى الْحَال مِنْ الْهَاء وَالْمِيم فِي " عَنْهُمْ " فَيَقْبُح الْوَقْف عَلَى هَذَا التَّقْدِير عَلَى " عَنْهُمْ " . وَيَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا مِنْ الْمُضْمَر فِي " يَخْرُجُونَ " فَيُوقَف عَلَى " عَنْهُمْ " . وَقُرِئَ " خُشَّعٌ أَبْصَارُهُمْ " عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر , وَمَحَلّ الْجُمْلَة النَّصْب عَلَى الْحَال , كَقَوْلِهِ : وَجَدْته حَاضِرَاهُ الْجُودُ وَالْكَرَمُ أَيْ الْقُبُور وَاحِدهَا جَدَث . وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : " يَوْم يَكُون النَّاس كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوث " [ الْقَارِعَة : 4 ] فَهُمَا صِفَتَانِ فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ; أَحَدهمَا : عِنْد الْخُرُوج مِنْ الْقُبُور , يَخْرُجُونَ فَزِعِينَ لَا يَهْتَدُونَ أَيْنَ يَتَوَجَّهُونَ , فَيَدْخُل بَعْضهمْ فِي بَعْض ; فَهُمْ حِينَئِذٍ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوث بَعْضه فِي بَعْض لَا جِهَة لَهُ يَقْصِدهَا الثَّانِي : فَإِذَا سَمِعُوا الْمُنَادِي قَصَدُوهُ فَصَارُوا كَالْجَرَادِ الْمُنْتَشِر ; لِأَنَّ الْجَرَاد لَهُ جِهَة يَقْصِدهَا .'; $TAFSEER['4']['54']['8'] = 'مَعْنَاهُ مُسْرِعِينَ ; قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : بِدِجْلَةَ دَارُهُمْ وَلَقَدْ أَرَاهُمْ بِدِجْلَةَ مُهْطِعِينَ إِلَى السَّمَاع الضَّحَّاك : مُقْبِلِينَ . قَتَادَة : عَامِدِينَ . اِبْن عَبَّاس : نَاظِرِينَ . عِكْرِمَة : فَاتِحِينَ آذَانهمْ إِلَى الصَّوْت . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . يُقَال : هَطَعَ الرَّجُل يَهْطَع هُطُوعًا إِذَا أَقْبَلَ عَلَى الشَّيْء بِبَصَرِهِ لَا يُقْلِع عَنْهُ ; وَأَهْطَعَ إِذَا مَدَّ عُنُقه وَصَوَّبَ رَأْسه . قَالَ الشَّاعِر : تَعَبَّدَنِي نِمْر بْن سَعْد وَقَدْ أَرَى وَنِمْر بْن سَعْد لِي مُطِيع وَمُهْطِع وَبَعِير مُهْطِع : فِي عُنُقه تَصْوِيب خِلْقَة . وَأَهْطَعَ فِي عَدْوه أَيْ أَسْرَعَ . يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة لِمَا يَنَالهُمْ فِيهِ مِنْ الشِّدَّة .'; $TAFSEER['4']['54']['9'] = 'ذَكَرَ جُمَلًا مِنْ وَقَائِع الْأُمَم الْمَاضِيَة تَأْنِيسًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعْزِيَة لَهُ . " قَبْلهمْ " أَيْ قَبْل قَوْمك . يَعْنِي نُوحًا . الزَّمَخْشَرِيّ : فَإِنْ قُلْت مَا مَعْنَى قَوْله : " فَكَذَّبُوا " بَعْد قَوْله : " كَذَّبَتْ " ؟ قُلْت : مَعْنَاهُ كَذَّبُوا فَكَذَّبُوا عَبْدنَا ; أَيْ كَذَّبُوهُ تَكْذِيبًا عَلَى عَقِب تَكْذِيب كُلَّمَا مَضَى مِنْهُمْ قَرْن مُكَذِّب تَبِعَهُ قَرْن مُكَذِّب , أَوْ كَذَّبَتْ قَوْم نُوح الرُّسُل فَكَذَّبُوا عَبْدنَا ; أَيْ لَمَّا كَانُوا مُكَذِّبِينَ بِالرُّسُلِ جَاحِدِينَ لِلنُّبُوَّةِ رَأْسًا كَذَّبُوا نُوحًا لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَة الرُّسُل . أَيْ هُوَ مَجْنُون أَيْ زُجِرَ عَنْ دَعْوَى النُّبُوَّة بِالسَّبِّ وَالْوَعِيد بِالْقَتْلِ . وَقِيلَ إِنَّمَا قَالَ : " وَازْدُجِرَ " بِلَفْظِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله لِأَنَّهُ رَأْس آيَة .'; $TAFSEER['4']['54']['10'] = 'أَيْ دَعَا عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ نُوح وَقَالَ رَبّ " أَنِّي مَغْلُوب " أَيْ غَلَبُونِي بِتَمَرُّدِهِمْ أَيْ فَانْتَصِرْ لِي . وَقِيلَ : إِنَّ الْأَنْبِيَاء كَانُوا لَا يَدْعُونَ عَلَى قَوْمهمْ بِالْهَلَاكِ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ فِيهِ .'; $TAFSEER['4']['54']['11'] = 'أَيْ فَأَجَبْنَا دُعَاءَهُ وَأَمَرْنَاهُ بِاِتِّخَاذِ السَّفِينَة وَفَتَحْنَا أَبْوَاب السَّمَاء أَيْ كَثِير . ; قَالَهُ السُّدِّيّ . قَالَ الشَّاعِر : أَعَيْنَيَّ جُودَا بِالدُّمُوعِ الْهَوَامِرِ عَلَى خَيْر بَادٍ مِنْ مَعَدٍّ وَحَاضِر وَقِيلَ : إِنَّهُ الْمُنْصَبّ الْمُتَدَفِّق ; وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس يَصِف غَيْثًا : رَاحَ تَمْرِيهِ الصَّبَا ثُمَّ اِنْتَحَى فِيهِ شُؤْبُوبُ جَنُوبٍ مُنْهَمِرْ الْهَمْر الصَّبّ ; وَقَدْ هَمَرَ الْمَاء وَالدَّمْع يَهْمِر هَمْرًا . وَهَمَرَ أَيْضًا إِذَا أَكْثَرَ . الْكَلَام وَأَسْرَعَ . وَهَمَرَ لَهُ مِنْ مَاله أَيْ أَعْطَاهُ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَفَتَحْنَا أَبْوَاب السَّمَاء بِمَاءٍ مُنْهَمِر مِنْ غَيْر سَحَاب لَمْ يُقْلِع أَرْبَعِينَ يَوْمًا . وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَيَعْقُوب : " فَفَتَّحْنَا " مُشَدَّدَة عَلَى التَّكْثِير . الْبَاقُونَ " فَفَتَحْنَا " مُخَفَّفًا . ثُمَّ قِيلَ , : إِنَّهُ فَتْح رِتَاجهَا وَسَعَة مَسَالِكهَا . وَقِيلَ : إِنَّهُ الْمَجَرَّة وَهِيَ شَرْج السَّمَاء وَمِنْهَا فُتِحَتْ بِمَاءٍ مُنْهَمِر ; قَالَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ .'; $TAFSEER['4']['54']['12'] = 'قَالَ عُبَيْد بْن عُمَيْر : أَوْحَى اللَّه إِلَى الْأَرْض أَنْ تُخْرِج مَاءَهَا فَتَفَجَّرَتْ بِالْعُيُونِ , وَإِنَّ عَيْنًا تَأَخَّرَتْ فَغَضِبَ عَلَيْهَا فَجَعَلَ مَاءَهَا مُرًّا أُجَاجًا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . أَيْ مَاء السَّمَاء وَمَاء الْأَرْض أَيْ عَلَى مِقْدَار لَمْ يَزِدْ أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر ; حَكَاهُ اِبْن قُتَيْبَة . أَيْ كَانَ مَاء السَّمَاء وَالْأَرْض سَوَاء . وَقِيلَ : " قُدِرَ " بِمَعْنَى قُضِيَ عَلَيْهِمْ . قَالَ قَتَادَة : قَدَّرَ لَهُمْ إِذَا كَفَرُوا أَنْ يُغْرَقُوا . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : كَانَتْ الْأَقْوَات قَبْل الْأَجْسَاد , وَكَانَ الْقَدَر قَبْل الْبَلَاء ; وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة . وَقَالَ : " اِلْتَقَى الْمَاء " وَالِالْتِقَاء إِنَّمَا يَكُون فِي اِثْنَيْنِ فَصَاعِدًا ; لِأَنَّ الْمَاء يَكُون جَمْعًا وَوَاحِدًا . وَقِيلَ : لِأَنَّهُمَا لَمَّا اِجْتَمَعَا صَارَا مَاء وَاحِدًا . وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ : " فَالْتَقَى الْمَاءَانِ " . وَقَرَأَ الْحَسَن : " فَالْتَقَى الْمَاوَانِ " وَهُمَا خِلَاف الْمَرْسُوم . الْقُشَيْرِيّ : وَفِي بَعْض الْمَصَاحِف " فَالْتَقَى الْمَاوَانِ " وَهِيَ لُغَة طَيْء . وَقِيلَ : كَانَ مَاء السَّمَاء بَارِدًا مِثْل الثَّلْج وَمَاء الْأَرْض حَارًّا مِثْل الْحَمِيم .'; $TAFSEER['4']['54']['13'] = 'أَيْ عَلَى سَفِينَة ذَات أَلْوَاح . قَالَ قَتَادَة : يَعْنِي الْمَسَامِير الَّتِي دُسِرَتْ بِهَا السَّفِينَة أَيْ شُدَّتْ ; وَقَالَهُ الْقُرَظِيّ وَابْن زَيْد وَابْن جُبَيْر وَرَوَاهُ الْوَالِبِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ الْحَسَن وَشَهْر بْن حَوْشَب وَعِكْرِمَة : هِيَ صَدْر السَّفِينَة الَّتِي تَضْرِب بِهَا الْمَوْج سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَدْسُر الْمَاء أَيْ تَدْفَعهُ , وَالدَّسْر الدَّفْع وَالْمَخْر ; وَرَوَاهُ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : الدَّسْر كَلْكَل السَّفِينَة . وَقَالَ اللَّيْث : الدِّسَار خَيْط مِنْ لِيف تُشَدّ بِهِ أَلْوَاح السَّفِينَة . وَفِي الصِّحَاح : الدِّسَار وَاحِد الدُّسُر وَهِيَ خُيُوط تُشَدّ بِهَا أَلْوَاح السَّفِينَة , وَيُقَال : هِيَ الْمَسَامِير , وَقَالَ تَعَالَى : " عَلَى ذَات أَلْوَاح وَدُسُر " . وَدُسْر أَيْضًا مِثْل عُسْر وَعُسُر . وَالدَّسْر الدَّفْع ; قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي الْعَنْبَر : إِنَّمَا هُوَ شَيْء يَدْسُرهُ الْبَحْر دَسْرًا أَيْ يَدْفَعهُ . وَدَسَرَهُ بِالرُّمْحِ . وَرَجُل مِدْسَر .'; $TAFSEER['4']['54']['14'] = 'أَيْ بِمَرْأَى مِنَّا . وَقِيلَ : بِأَمْرِنَا . وَقِيلَ : بِحِفْظٍ مِنَّا وَكِلَاءَة : وَقَدْ مَضَى فِي " هُود " . وَمِنْهُ قَوْل النَّاس لِلْمُوَدَّعِ : عَيْن اللَّه عَلَيْك ; أَيْ حِفْظه وَكِلَاءَته . وَقِيلَ : بِوَحْيِنَا . وَقِيلَ : أَيْ بِالْأَعْيُنِ النَّابِعَة مِنْ الْأَرْض . وَقِيلَ : بِأَعْيُنِ أَوْلِيَائِنَا مِنْ الْمَلَائِكَة الْمُوَكَّلِينَ بِحِفْظِهَا , وَكُلّ مَا خَلَقَ اللَّه تَعَالَى يُمْكِن أَنْ يُضَاف إِلَيْهِ . وَقِيلَ : أَيْ تَجْرِي بِأَوْلِيَائِنَا , كَمَا فِي الْخَبَر : مَرِضَ عَيْن مِنْ عُيُوننَا فَلَمْ تَعُدْهُ . أَيْ جَعَلْنَا ذَلِكَ ثَوَابًا وَجَزَاء لِنُوحٍ عَلَى صَبْره عَلَى أَذَى قَوْمه وَهُوَ الْمَكْفُور بِهِ ; فَاللَّام فِي " لِمَنْ " لَام الْمَفْعُول لَهُ ; وَقِيلَ : " كُفِرَ " أَيْ جَحَدَ ; فـ " ـمَنْ " كِنَايَة عَنْ نُوح . وَقِيلَ : كِنَايَة عَنْ اللَّه وَالْجَزَاء بِمَعْنَى الْعِقَاب ; أَيْ عِقَابًا لِكُفْرِهِمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى . وَقَرَأَ يَزِيد بْن رُومَان وَقَتَادَة وَمُجَاهِد وَحُمَيْد " جَزَاء لِمَنْ كَانَ كَفَرَ " بِفَتْحِ الْكَاف وَالْفَاء بِمَعْنَى : كَانَ الْغَرَق جَزَاء وَعِقَابًا لِمَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ , وَمَا نَجَا مِنْ الْغَرَق غَيْر عُوج بْن عُنُق ; كَانَ الْمَاء إِلَى حُجْزَته . وَسَبَب نَجَاته أَنَّ نُوحًا اِحْتَاجَ إِلَى خَشَبَة السَّاج لِبِنَاءِ السَّفِينَة فَلَمْ يُمْكِنهُ حَمْلهَا , فَحَمَلَ عُوج تِلْكَ الْخَشَبَة إِلَيْهِ مِنْ الشَّام فَشَكَرَ اللَّه لَهُ ذَلِكَ , وَنَجَّاهُ مِنْ الْغَرَق .'; $TAFSEER['4']['54']['15'] = 'يُرِيد هَذِهِ الْفَعْلَة عِبْرَة . وَقِيلَ : أَرَادَ السَّفِينَة تَرَكَهَا آيَة لِمَنْ بَعْد قَوْم نُوح يَعْتَبِرُونَ بِهَا فَلَا يُكَذِّبُونَ الرُّسُل . قَالَ قَتَادَة : أَبْقَاهَا اللَّه بِبَاقِرْدَى مِنْ أَرْض الْجَزِيرَة عِبْرَة وَآيَة , حَتَّى نَظَرَتْ إِلَيْهَا أَوَائِل هَذِهِ الْأُمَّة , وَكَمْ مِنْ سَفِينَة كَانَتْ بَعْدهَا فَصَارَتْ رَمَادًا . مُتَّعِظ خَائِف , وَأَصْله مُذْتَكِر مُفْتَعِل مِنْ الذِّكْر , فَثَقُلَتْ عَلَى الْأَلْسِنَة فَقُلِبَتْ التَّاء دَالًا لِتُوَافِقَ الذَّال فِي الْجَهْر وَأُدْغِمَتْ الذَّال فِيهَا .'; $TAFSEER['4']['54']['16'] = 'أَيْ إِنْذَارِي ; قَالَ الْفَرَّاء : إِنْذَارِي ; قَالَ مَصْدَرَانِ . وَقِيلَ : " نُذُرِ " جَمْع نَذِير وَنَذِير بِمَعْنَى الْإِنْذَار كَنَكِيرٍ بِمَعْنَى الْإِنْكَار .'; $TAFSEER['4']['54']['17'] = 'أَيْ سَهَّلْنَاهُ لِلْحِفْظِ وَأَعَنَّا عَلَيْهِ مَنْ أَرَادَ حِفْظه ; فَهَلْ مِنْ طَالِب لِحِفْظِهِ فَيُعَان عَلَيْهِ ؟ وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : وَلَقَدْ هَيَّأْنَاهُ لِلذِّكْرِ مَأْخُوذ مِنْ يَسَّرَ نَاقَته لِلسَّفَرِ : إِذَا رَحَلَهَا وَيَسَّرَ فَرَسه لِلْغَزْوِ إِذَا أَسْرَجَهُ وَأَلْجَمَهُ ; قَالَ : وَقُمْت إِلَيْهِ بِاللِّجَامِ مُيَسِّرًا هُنَالِكَ يَجْزِينِي الَّذِي كُنْت أَصْنَعُ وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : لَيْسَ مِنْ كُتُب اللَّه كِتَاب يُقْرَأ كُلّه ظَاهِرًا إِلَّا الْقُرْآن ; وَقَالَ غَيْره : وَلَمْ يَكُنْ هَذَا لِبَنِي إِسْرَائِيل , وَلَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ التَّوْرَاة إِلَّا نَظَرًا , غَيْر مُوسَى وَهَارُون وَيُوشَع بْن نُون وَعُزَيْر صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ , وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ افْتُتِنُوا بِعُزَيْرٍ لَمَّا كَتَبَ لَهُمْ التَّوْرَاة عَنْ ظَهْر قَلْبه حِين أُحْرِقَتْ ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة " التَّوْبَة " فَيَسَّرَ اللَّه تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة حِفْظ كِتَابه لِيَذَّكَّرُوا مَا فِيهِ ; أَيْ يَفْتَعِلُوا الذِّكْر , وَالِافْتِعَال هُوَ أَنْ يَنْجَع فِيهِمْ ذَلِكَ حَتَّى يَصِير كَالذَّاتِ وَكَالتَّرْكِيبِ . فِيهِمْ . قَارِئ يَقْرَؤُهُ . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَابْن شَوْذَب : فَهَلْ مِنْ طَالِب خَيْر وَعِلْم فَيُعَان عَلَيْهِ , وَكَرَّرَ فِي هَذِهِ السُّورَة لِلتَّنْبِيهِ وَالْإِفْهَام . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى اِقْتَصَّ فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة أَنْبَاء الْأُمَم وَقَصَص الْمُرْسَلِينَ , وَمَا عَامَلَتْهُمْ بِهِ الْأُمَم , وَمَا كَانَ مِنْ عُقْبَى أُمُورهمْ وَأُمُور الْمُرْسَلِينَ ; فَكَانَ فِي كُلّ قِصَّة وَنَبَأ ذِكْر لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ لَوْ ادَّكَرَ , وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذِهِ الْآيَة عِنْد ذِكْر كُلّ قِصَّة بِقَوْلِهِ : " فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر " لِأَنَّ " هَلْ " كَلِمَة اِسْتِفْهَام تَسْتَدْعِي أَفْهَامهمْ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي أَجْوَافهمْ وَجَعَلَهَا حُجَّة عَلَيْهِمْ ; فَاللَّام مِنْ " هَلْ " لِلِاسْتِعْرَاضِ وَالْهَاء لِلِاسْتِخْرَاجِ .'; $TAFSEER['4']['54']['18'] = 'هُمْ قَوْم هُود . وَقَعَتْ " نُذُرِ " فِي هَذِهِ السُّورَة فِي سِتَّة أَمَاكِن مَحْذُوفَة الْيَاء فِي جَمِيع الْمَصَاحِف , وَقَرَأَهَا يَعْقُوب مُثْبَتَة فِي الْحَالَيْنِ , وَوَرْش فِي الْوَصْل لَا غَيْر , وَحَذَفَ الْبَاقُونَ . وَلَا خِلَاف فِي حَذْف الْيَاء مِنْ قَوْله : " فَمَا تُغْنِ النُّذُر " [ الْقَمَر : 5 ] وَالْوَاو مِنْ قَوْله : " يَدْعُ " فَأَمَّا الْيَاء مِنْ " الدَّاعِ " الْأُولَى فَأَثْبَتَهَا فِي الْحَالَيْنِ اِبْن مُحَيْصِن وَيَعْقُوب وَحُمَيْد وَالْبَزِّيّ , وَأَثْبَتَهَا وَرْش وَأَبُو عَمْرو فِي الْوَصْل , وَحَذَفَ الْبَاقُونَ . وَأَمَّا " الدَّاعِ " الثَّانِيَة فَأَثْبَتَهَا يَعْقُوب وَابْن مُحَيْصِن وَابْن كَثِير فِي الْحَالَيْنِ , وَأَثْبَتَهَا أَبُو عَمْرو وَنَافِع فِي الْوَصْل , وَحَذَفَهَا الْبَاقُونَ'; $TAFSEER['4']['54']['19'] = 'أَيْ شَدِيدَة الْبَرْد ; قَالَهُ قَتَادَة وَالضَّحَّاك . وَقِيلَ : شَدِيدَة الصَّوْت . وَقَدْ مَضَى فِي " حم السَّجْدَة " . أَيْ فِي يَوْم كَانَ مَشْئُومًا عَلَيْهِمْ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ فِي يَوْم كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ بِهِ . الزَّجَّاج : قِيلَ فِي يَوْم أَرْبِعَاء . اِبْن عَبَّاس : كَانَ آخِر أَرْبِعَاء فِي الشَّهْر أَفْنَى صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ . وَقَرَأَ هَارُون الْأَعْوَر " نَحِس " بِكَسْرِ الْحَاء وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِيهِ فِي فُصِّلَتْ " فِي أَيَّام نَحِسَات " [ فُصِّلَتْ : 16 ] . و " فِي يَوْم نَحْس مُسْتَمِرّ " أَيْ دَائِم الشُّؤْم اِسْتَمَرَّ عَلَيْهِمْ بِنُحُوسِهِ , وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِمْ فِيهِ الْعَذَاب إِلَى الْهَلَاك . وَقِيلَ : اِسْتَمَرَّ بِهِمْ إِلَى نَار جَهَنَّم . وَقَالَ الضَّحَّاك : كَانَ مُرًّا عَلَيْهِمْ . وَكَذَا حَكَى الْكِسَائِيّ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا هُوَ مِنْ الْمَرَارَة ; يُقَال : مُرَّ الشَّيْء وَأَمَرَّ أَيْ كَانَ كَالشَّيْءِ الْمُرّ تَكْرَههُ النُّفُوس . وَقَدْ قَالَ : " فَذُوقُوا " وَاَلَّذِي يُذَاق قَدْ يَكُون مُرًّا . وَقَدْ قِيلَ : هُوَ مِنْ الْمِرَّة بِمَعْنَى الْقُوَّة . أَيْ فِي يَوْم نَحْس مُسْتَمِرّ مُسْتَحْكِم الشُّؤْم كَالشَّيْءِ الْمُحْكَم الْفَتْل الَّذِي لَا يُطَاق نَقْضه . فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا كَانَ يَوْم الْأَرْبِعَاء يَوْم نَحْس مُسْتَمِرّ فَكَيْف يُسْتَجَاب فِيهِ الدُّعَاء ؟ وَقَدْ جَاءَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُسْتُجِيبَ لَهُ فِيهِ فِيمَا بَيْن الظُّهْر وَالْعَصْر . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " حَدِيث جَابِر بِذَلِكَ . فَالْجَوَاب - وَاَللَّه أَعْلَمُ - مَا جَاءَ فِي خَبَر يَرْوِيه مَسْرُوق عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ إِنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تَقْضِيَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد وَقَالَ يَوْم الْأَرْبِعَاء يَوْم نَحْس مُسْتَمِرّ وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنَّهُ نَحْس عَلَى الصَّالِحِينَ , بَلْ أَرَادَ أَنَّهُ نَحْس عَلَى الْفُجَّار وَالْمُفْسِدِينَ ; كَمَا كَانَتْ الْأَيَّام النَّحِسَات الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن ; نَحِسَات عَلَى الْكُفَّار مِنْ قَوْم عَاد لَا عَلَى نَبِيّهمْ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْهُمْ , وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَبْعُد أَنْ يُمْهَل الظَّالِم مِنْ أَوَّل يَوْم الْأَرْبِعَاء إِلَى أَنْ تَزُول الشَّمْس , فَإِذَا أَدْبَرَ النَّهَار وَلَمْ يُحْدِث رَجْعَة اُسْتُجِيبَ دُعَاء الْمَظْلُوم عَلَيْهِ , فَكَانَ الْيَوْم نَحْسًا عَلَى الظَّالِم ; وَدُعَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ عَلَى الْكُفَّار , وَقَوْل جَابِر فِي حَدِيثه " لَمْ يَنْزِل بِي أَمْر غَلِيظ " إِشَارَة إِلَى هَذَا . وَاَللَّه أَعْلَمُ .'; $TAFSEER['4']['54']['20'] = 'فِي مَوْضِع الصِّفَة لِلرِّيحِ أَيْ تَقْلَعُهُمْ مِنْ مَوَاضِعهمْ . قِيلَ : قَلَعَتْهُمْ مِنْ تَحْت أَقْدَامهمْ اِقْتِلَاع النَّخْلَة مِنْ أَصْلهَا . وَقَالَ مُجَاهِد : كَانَتْ تَقْلَعُهُمْ مِنْ الْأَرْض , فَتَرْمِي بِهِمْ عَلَى رُءُوسهمْ فَتَنْدَقّ أَعْنَاقهمْ وَتَبِين رُءُوسهمْ عَنْ أَجْسَادهمْ . وَقِيلَ : تَنْزِع النَّاس مِنْ الْبُيُوت . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب عَنْ أَبِيهِ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اِنْتَزَعَتْ الرِّيح النَّاس مِنْ قُبُورهمْ ) . وَقِيلَ : حَفَرُوا حُفَرًا وَدَخَلُوهَا فَكَانَتْ الرِّيح تَنْزِعهُمْ مِنْهَا وَتَكْسِرهُمْ , وَتُبْقِي تِلْكَ الْحُفَر كَأَنَّهَا أُصُول نَخْل قَدْ هَلَكَ مَا كَانَ فِيهَا فَتَبْقَى مَوَاضِعهَا مُنْقَعِرَة . يُرْوَى أَنَّ سَبْعَة مِنْهُمْ حَفَرُوا حُفَرًا وَقَامُوا فِيهَا لِيَرُدُّوا الرِّيح . قَالَ اِبْن إِسْحَاق : لَمَّا هَاجَتْ الرِّيح قَامَ نَفَرٌ سَبْعَة مِنْ عَاد سُمِّيَ لَنَا مِنْهُمْ سِتَّة مِنْ أَشَدّ عَاد وَأَجْسَمِهَا مِنْهُمْ عَمْرو بْن الْحِلِيّ وَالْحَارِث بْن شَدَّاد وَالْهِلْقَام وَابْنَا تِقْن وخلجان بْن سَعْد فَأَوْلَجُوا الْعِيَال فِي شِعْب بَيْن جَبَلَيْنِ , ثُمَّ اِصْطَفَوْا عَلَى بَاب الشِّعْب لِيَرُدُّوا الرِّيح عَمَّنْ فِي الشِّعْب مِنْ الْعِيَال , فَجَعَلَتْ الرِّيح تَجْعَفُهُمْ رَجُلًا رَجُلًا , فَقَالَتْ اِمْرَأَة مِنْ عَاد : ذَهَبَ الدَّهْر بِعَمْرِو بْـ ـن حَلِيّ وَالْهَنِيَّات ثُمَّ بِالْحَارِثِ وَالْهِلْـ ـقَامِ طَلَّاع الثَّنِيَّات وَاَلَّذِي سَدّ مَهَبّ الرِّ يحِ أَيَّام الْبَلِيَّات لِلَفْظِ النَّخْل وَهُوَ مِنْ الْجَمْع الَّذِي يُذَكَّر وَيُؤَنَّث . وَالْمُنْقَعِر : الْمُنْقَلِع مِنْ أَصْله ; قَعَرْت الشَّجَرَة قَعْرًا قَلَعْتهَا مِنْ أَصْلهَا فَانْقَعَرَتْ . الْكِسَائِيّ : قَعَرْت الْبِئْر أَيْ نَزَلْت حَتَّى اِنْتَهَيْت إِلَى قَعْرهَا , وَكَذَلِكَ الْإِنَاء إِذَا شَرِبْت مَا فِيهِ حَتَّى اِنْتَهَيْت إِلَى قَعْره . وَأَقْعَرْت الْبِئْر جَعَلْت لَهَا قَعْرًا . وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن الْأَنْبَارِيّ : سُئِلَ الْمُبَرِّد بِحَضْرَةِ إِسْمَاعِيل الْقَاضِي عَنْ أَلْف مَسْأَلَة هَذِهِ مِنْ جُمْلَتهَا , فَقِيلَ لَهُ : مَا الْفَرْق بَيْن قَوْله تَعَالَى : " وَلِسُلَيْمَان الرِّيح عَاصِفَة " [ الْأَنْبِيَاء : 81 ] و " جَاءَتْهَا رِيح عَاصِف " [ يُونُس : 22 ] , وَقَوْله : " كَأَنَّهُمْ أَعْجَاز نَخْل خَاوِيَة " [ الْحَاقَّة : 7 ] و " أَعْجَاز نَخْل مُنْقَعِر " ؟ فَقَالَ : كُلّ مَا وَرَدَ عَلَيْك مِنْ هَذَا الْبَاب فَإِنْ شِئْت رَدَدْته إِلَى اللَّفْظ تَذْكِيرًا , أَوْ إِلَى الْمَعْنَى تَأْنِيثًا . وَقِيلَ : إِنَّ النَّخْل وَالنَّخِيل بِمَعْنًى يُذَكَّر وَيُؤَنَّث , كَمَا ذَكَرْنَا . الطَّبَرِيّ : فِي الْكَلَام حَذْف , وَالْمَعْنَى تَنْزِع النَّاس فَتَتْرُكهُمْ كَأَنَّهُمْ أَعْجَاز نَخْل مُنْقَعِر ; فَالْكَاف فِي مَوْضِع نَصْب بِالْمَحْذُوفِ . الزَّجَّاج : الْكَاف فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال , وَالْمَعْنَى تَنْزِع النَّاس وَالْمَعْنَى تَنْزِع النَّاس مُشَبَّهِينَ بِأَعْجَازِ نَخْل . وَالتَّشْبِيه قِيلَ إِنَّهُ لِلْحُفَرِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا . وَالْأَعْجَاز جَمْع عَجُز وَهُوَ مُؤَخَّر الشَّيْء , وَكَانَتْ عَاد مَوْصُوفِينَ بِطُولِ الْقَامَة , فَشُبِّهُوا بِالنَّخْلِ اِنْكَبَّتْ لِوُجُوهِهَا .'; $TAFSEER['4']['54']['21'] = 'أَيْ إِنْذَارِي ; قَالَ الْفَرَّاء : إِنْذَارِي ; قَالَ مَصْدَرَانِ . وَقِيلَ : " نُذُرِ " جَمْع نَذِير وَنَذِير بِمَعْنَى الْإِنْذَار كَنَكِير بِمَعْنَى الْإِنْكَار .'; $TAFSEER['4']['54']['22'] = 'أَيْ سَهَّلْنَاهُ لِلْحِفْظِ وَأَعَنَّا عَلَيْهِ مَنْ أَرَادَ حِفْظه ; فَهَلْ مِنْ طَالِب لِحِفْظِهِ فَيُعَان عَلَيْهِ ؟ وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : وَلَقَدْ هَيَّأْنَاهُ لِلذِّكْرِ مَأْخُوذ مِنْ يَسَّرَ نَاقَته لِلسَّفَرِ : إِذَا رَحَلَهَا وَيَسَّرَ فَرَسه لِلْغَزْوِ إِذَا أَسْرَجَهُ وَأَلْجَمَهُ ; قَالَ : وَقُمْت إِلَيْهِ بِاللِّجَامِ مُيَسِّرًا هُنَالِكَ يَجْزِينِي الَّذِي كُنْت أَصْنَع وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : لَيْسَ مِنْ كُتُب اللَّه كِتَاب يُقْرَأ كُلّه ظَاهِرًا إِلَّا الْقُرْآن ; وَقَالَ غَيْره : وَلَمْ يَكُنْ هَذَا لِبَنِي إِسْرَائِيل , وَلَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ التَّوْرَاة إِلَّا نَظَرًا , غَيْر مُوسَى وَهَارُون وَيُوشَع بْن نُون وَعُزَيْر صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ , وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ اُفْتُتِنُوا بِعُزَيْرٍ لَمَّا كَتَبَ لَهُمْ التَّوْرَاة عَنْ ظَهْر قَلْبه حِين أُحْرِقَتْ ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة " التَّوْبَة " فَيَسَّرَ اللَّه تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة حِفْظ كِتَابه لِيَذَّكَّرُوا مَا فِيهِ ; أَيْ يَفْتَعِلُوا الذِّكْر , وَالِافْتِعَال هُوَ أَنْ يَنْجَع فِيهِمْ ذَلِكَ حَتَّى يَصِير كَالذَّاتِ وَكَالتَّرْكِيبِ . فِيهِمْ . قَارِئ يَقْرَؤُهُ . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَابْن شَوْذَب : فَهَلْ مِنْ طَالِب خَيْر وَعِلْم فَيُعَان عَلَيْهِ , وَكُرِّرَ فِي هَذِهِ السُّورَة لِلتَّنْبِيهِ وَالْإِفْهَام . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى اِقْتَصَّ فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة أَنْبَاء الْأُمَم وَقَصَص الْمُرْسَلِينَ , وَمَا عَامَلَتْهُمْ بِهِ الْأُمَم , وَمَا كَانَ مِنْ عُقْبَى أُمُورهمْ وَأُمُور الْمُرْسَلِينَ ; فَكَانَ فِي كُلّ قِصَّة وَنَبَأ ذِكْر لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ لَوْ اِدَّكَرَ , وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذِهِ الْآيَة عِنْد ذِكْر كُلّ قِصَّة بِقَوْلِهِ : " فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر " لِأَنَّ " هَلْ " كَلِمَة اِسْتِفْهَام تَسْتَدْعِي أَفْهَامهمْ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي أَجْوَافهمْ وَجَعَلَهَا حُجَّة عَلَيْهِمْ ; فَاللَّام مِنْ " هَلْ " لِلِاسْتِعْرَاضِ وَالْهَاء لِلِاسْتِخْرَاجِ .'; $TAFSEER['4']['54']['23'] = 'هُمْ قَوْم صَالِح كَذَّبُوا الرُّسُل وَنَبِيّهمْ , أَوْ كَذَّبُوا بِالْآيَاتِ الَّتِي هِيَ النُّذُر'; $TAFSEER['4']['54']['24'] = 'وَنَدَع جَمَاعَة . وَقَرَأَ أَبُو الْأَشْهَب وَابْن السَّمَيْقَع وَأَبُو السَّمَّال الْعَدَوِيّ " أَبَشَر " بِالرَّفْعِ " وَاحِد " كَذَلِكَ رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر " نَتَّبِعهُ " . الْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى أَنَتَّبِعُ بَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعهُ . وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّال : " أَبَشَر " بِالرَّفْعِ " مِنَّا وَاحِدًا " بِالنَّصْبِ , رَفَعَ " أَبَشَر " بِإِضْمَارِ فِعْل يَدُلّ عَلَيْهِ " أَأُلْقِيَ " كَأَنَّهُ قَالَ : أَيُنَبَّأُ بَشَر مِنَّا , وَقَوْله : " وَاحِدًا " يَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا مِنْ الْمُضْمَر فِي " مِنَّا " وَالنَّاصِب لَهُ الظَّرْف , وَالتَّقْدِير أَيُنَبَّأُ بَشَر كَائِن مِنَّا مُنْفَرِدًا ; وَيَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا مِنْ الضَّمِير فِي " نَتَّبِعهُ " مُنْفَرِدًا لَا نَاصِر لَهُ . أَيْ ذَهَاب عَنْ الصَّوَاب أَيْ جُنُون , مِنْ قَوْلهمْ : نَاقَة مَسْعُورَة , أَيْ كَأَنَّهَا مِنْ شِدَّة نَشَاطهَا مَجْنُونَة , ذَكَرَهُ اِبْن عَبَّاس . قَالَ الشَّاعِر يَصِف نَاقَته : تَخَال بِهَا سُعْرًا إِذَا السَّفْر هَزَّهَا ذَمِيل وَإِيقَاع مِنْ السَّيْر مُتْعِبُ الذَّمِيل ضَرْب مِنْ سَيْر الْإِبِل . قَالَ أَبُو عُبَيْد : إِذَا اِرْتَفَعَ السَّيْر عَنْ الْعَنَق قَلِيلًا فَهُوَ التَّزَيُّد , فَإِذَا اِرْتَفَعَ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ الذَّمِيل , ثُمَّ الرَّسِيم ; يُقَال : ذَمَلَ يَذْمُل وَيَذْمِلُ ذَمِيلًا . قَالَ الْأَصْمَعِيّ : وَلَا يَذْمُل بَعِير يَوْمًا وَلَيْلَة إِلَّا مَهْرِيّ قَالَهُ ج . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : السُّعُر الْعَذَاب , وَقَالَهُ الْفَرَّاء . مُجَاهِد : بَعْد الْحَقّ . السُّدِّيّ : فِي اِحْتِرَاق . قَالَ : أَصَحَوْت الْيَوْم أَمْ شَاقَتْك هِرْ وَمِنْ الْحُبّ جُنُون مُسْتَعِرْ أَيْ مُتَّقِد وَمُحْتَرِق . أَبُو عُبَيْدَة : هُوَ جَمْع سَعِير وَهُوَ لَهِيب النَّار . وَالْبَعِير الْمَجْنُون يَذْهَب كَذَا وَكَذَا لِمَا يَتَلَهَّب بِهِ مِنْ الْحِدَّة . وَمَعْنَى الْآيَة : إِنَّا إِذًا لَفِي شَقَاء وَعَنَاء مِمَّا يَلْزَمنَا .'; $TAFSEER['4']['54']['25'] = 'أَيْ خُصِّصَ بِالرِّسَالَةِ مِنْ بَيْن آل ثَمُود وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَكْثَر مَالًا وَأَحْسَن حَالًا ؟ ! وَهُوَ اِسْتِفْهَام مَعْنَاهُ الْإِنْكَار . أَيْ لَيْسَ كَمَا يَدَّعِيه وَإِنَّمَا يُرِيد أَنْ يَتَعَاظَم وَيَلْتَمِس التَّكَبُّر عَلَيْنَا مِنْ غَيْر اِسْتِحْقَاق . وَالْأَشَر الْمَرَح وَالتَّجَبُّر وَالنَّشَاط . يُقَال : فَرَس أَشِر إِذَا كَانَ مَرِحًا نَشِيطًا قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس يَصِف كَلْبًا : فَيُدْرِكنَا فَغِمٌ دَاجِنٌ سَمِيع بَصِير طَلُوب نَكِرْ أَلَصُّ الضُّرُوس حَنِيُّ الضُّلُوع تَبُوعٌ أَرِيب نَشِيط أَشِرْ وَقِيلَ : " أَشِر " بَطِر . وَالْأَشَر الْبَطَر ; قَالَ الشَّاعِر : أَشِرْتُمْ بِلُبْسِ الْخَزّ لِمَا لَبِسْتُمُ وَمِنْ قَبْلُ مَا تَدْرُونَ مَنْ فَتَحَ الْقُرَى وَقَدْ أَشِرَ بِالْكَسْرِ يَأْشَر أَشَرًا فَهُوَ أَشِر وَأَشْرَان , وَقَوْم أُشَارَى مِثْل سَكْرَان وَسُكَارَى ; قَالَ الشَّاعِر : وَخَلَّتْ وُعُولًا أُشَارَى بِهَا وَقَدْ أَزْهَفَ الطَّعْنُ أَبْطَالَهَا وَقِيلَ : إِنَّهُ الْمُتَعَدِّي إِلَى مَنْزِلَة لَا يَسْتَحِقّهَا ; وَالْمَعْنَى وَاحِد . وَقَالَ اِبْن زَيْد وَعَبْد الرَّحْمَن بْن حَمَّاد : الْأَشِر الَّذِي لَا يُبَالِي مَا قَالَ . وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَأَبُو قِلَابَةَ " أَشَرّ " بِفَتْحِ الشِّين وَتَشْدِيد الرَّاء يَعْنِي بِهِ أَشَرّنَا وَأَخْبَثنَا .'; $TAFSEER['4']['54']['26'] = 'أَيْ سَيَرَوْنَ الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة , أَوْ فِي حَال نُزُول الْعَذَاب بِهِمْ فِي الدُّنْيَا . وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَحَمْزَة بِالتَّاءِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ قَوْل صَالِح لَهُمْ عَلَى الْخِطَاب . الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ إِخْبَار مِنْ اللَّه تَعَالَى لِصَالِحٍ عَنْهُمْ . وَقَوْله : " غَدًا " عَلَى التَّقْرِيب عَلَى عَادَة النَّاس فِي قَوْلهمْ لِلْعَوَاقِبِ : إِنَّ مَعَ الْيَوْم غَدًا ; قَالَ : لِلْمَوْتِ فِيهَا سِهَامٌ غَيْر مُخْطِئَة مَنْ لَمْ يَكُنْ مَيِّتًا فِي الْيَوْم مَاتَ غَدَا وَقَالَ الطِّرِمَّاح : أَلَا عَلِّلَانِي قَبْل نَوْح النَّوَائِح وَقَبْل اِضْطِرَاب النَّفْس بَيْن الْجَوَانِح وَقَبْل غَد يَا لَهْفَ نَفْسِي عَلَى غَد إِذَا رَاحَ أَصْحَابِي وَلَسْت بِرَائِحِ وَإِنَّمَا أَرَادَ وَقْت الْمَوْت وَلَمْ يُرِدْ غَدًا بِعَيْنِهِ . وَقَرَأَ أَبُو قِلَابَةَ " الْأَشَرّ " بِفَتْحِ الشِّين وَتَشْدِيد الرَّاء جَاءَ بِهِ عَلَى الْأَصْل . قَالَ أَبُو حَاتِم : لَا تَكَاد الْعَرَب تَتَكَلَّم بِالْأَشَرِّ وَالْأَخْيَر إِلَّا فِي ضَرُورَة الشِّعْر ; كَقَوْلِ رُؤْبَة : بِلَال خَيْر النَّاس وَابْن الْأَخْيَر وَإِنَّمَا يَقُولُونَ هُوَ خَيْر قَوْمه , وَهُوَ شَرّ النَّاس ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ " [ آل عِمْرَان : 110 ] وَقَالَ : " فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرّ مَكَانًا " [ مَرْيَم : 75 ] . وَعَنْ أَبِي حَيْوَة بِفَتْحِ الشِّين وَتَخْفِيف الرَّاء . وَعَنْ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر ضَمُّ الشِّين وَالرَّاء وَالتَّخْفِيف , قَالَ النَّحَّاس : وَهُوَ مَعْنَى " الْأَشِر " وَمِثْله رَجُل حَذِر وَحَذُر .'; $TAFSEER['4']['54']['27'] = 'أَيْ مُخْرِجُوهَا مِنْ الْهَضْبَة الَّتِي سَأَلُوهَا , فَرُوِيَ أَنَّ صَالِحًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَدَعَا فَانْصَدَعَتْ الصَّخْرَة الَّتِي عَيَّنُوهَا عَنْ سَنَامهَا , فَخَرَجَتْ نَاقَة عُشَرَاء وَبْرَاء . أَيْ اِخْتِبَارًا وَهُوَ مَفْعُول لَهُ . أَيْ اِنْتَظِرْ مَا يَصْنَعُونَ . أَيْ اِصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ , وَأَصْل الطَّاء فِي اِصْطَبِرْ تَاء فَتَحَوَّلَتْ طَاء لِتَكُونَ مُوَافِقَة لِلصَّادِ فِي الْإِطْبَاق .'; $TAFSEER['4']['54']['28'] = 'أَيْ أَخْبِرْهُمْ أَيْ بَيْن آل ثَمُود وَبَيْن النَّاقَة , لَهَا يَوْم وَلَهُمْ يَوْم , كَمَا قَالَ تَعَالَى : " لَهَا شِرْب وَلَكُمْ شِرْب يَوْم مَعْلُوم " [ الشُّعَرَاء : 155 ] . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ يَوْم شِرْبهمْ لَا تَشْرَب النَّاقَة شَيْئًا مِنْ الْمَاء وَتَسْقِيهِمْ لَبَنًا وَكَانُوا فِي نَعِيم , وَإِذَا كَانَ يَوْم النَّاقَة شَرِبَتْ الْمَاء كُلّه فَلَمْ تُبْقِ لَهُمْ شَيْئًا . وَإِنَّمَا قَالَ : " بَيْنهمْ " لِأَنَّ الْعَرَب إِذَا أَخْبَرُوا عَنْ بَنِي آدَم مَعَ الْبَهَائِم غَلَّبُوا بَنِي آدَم . وَرَوَى أَبُو الزُّبَيْر عَنْ جَابِر قَالَ : لَمَّا نَزَلْنَا الْحِجْر فِي مَغْزَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوك , قَالَ : ( أَيّهَا النَّاس لَا تَسْأَلُوا فِي هَذِهِ الْآيَات هَؤُلَاءِ قَوْم صَالِح سَأَلُوا نَبِيّهمْ أَنْ يَبْعَث اللَّه لَهُمْ نَاقَة فَبَعَثَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ النَّاقَة فَكَانَتْ تَرِد مِنْ ذَلِكَ الْفَجّ فَتَشْرَب مَاءَهُمْ يَوْم وِرْدهَا وَيَحْلُبُونَ مِنْهَا مِثْل الَّذِي كَانُوا يَشْرَبُونَ يَوْم غِبّهَا ) . الشِّرْب - بِالْكَسْرِ - الْحَظّ مِنْ الْمَاء ; وَفِي الْمَثَل : ( آخِرهَا أَقَلّهَا شِرْبًا ) وَأَصْله فِي سَقْي الْإِبِل , لِأَنَّ آخِرهَا يَرِد وَقَدْ نَزِفَ الْحَوْض . وَمَعْنَى " مُحْتَضَر " أَيْ يَحْضُرهُ مَنْ هُوَ لَهُ ; فَالنَّاقَة تَحْضُر الْمَاء يَوْم وِرْدهَا , وَتَغِيب عَنْهُمْ يَوْم وِرْدهمْ ; قَالَهُ مُقَاتِل . وَقَالَ مُجَاهِد : إِنَّ ثَمُود يَحْضُرُونَ الْمَاء يَوْم غِبِّهَا فَيَشْرَبُونَ , وَيَحْضُرُونَ اللَّبَن يَوْم وِرْدهَا فَيَحْتَلِبُونَ .'; $TAFSEER['4']['54']['29'] = 'يَعْنِي بِالْحَضِّ عَلَى عَقْرهَا وَمَعْنَى تَعَاطَى تَنَاوَلَ الْفِعْل ; مِنْ قَوْلهمْ : عَطَوْت أَيْ تَنَاوَلْت ; وَمِنْهُ قَوْل حَسَّان : كِلْتَاهُمَا حَلَبُ الْعَصِير فَعَاطِنِي بِزُجَاجَةٍ أَرْخَاهُمَا لِلْمِفْصَلِ قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : فَكَمَنَ لَهَا فِي أَصْل شَجَرَة عَلَى طَرِيقهَا فَرَمَاهَا بِسَهْمٍ فَانْتَظَمَ بِهِ عَضَلَة سَاقهَا , ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهَا بِالسَّيْفِ فَكَشَفَ عُرْقُوبهَا , فَخَرَّتْ وَرَغَتْ رُغَاءَة وَاحِدَة : تَحَدَّرَ سَقْبهَا مِنْ بَطْنهَا ثُمَّ نَحَرَهَا , وَانْطَلَقَ سَقْبهَا حَتَّى أَتَى صَخْرَة فِي رَأْس جَبَل فرغا ثُمَّ لَاذَ بِهَا , فَأَتَاهُمْ صَالِح عَلَيْهِ السَّلَام ; فَلَمَّا رَأَى النَّاقَة قَدْ عُقِرَتْ بَكَى وَقَالَ : قَدْ اِنْتَهَكْتُمْ حُرْمَة اللَّه فَأَبْشِرُوا بِعَذَابِ اللَّه . وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " بَيَان هَذَا الْمَعْنَى . قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَكَانَ الَّذِي عَقَرَهَا أَحْمَر أَزْرَق أَشْقَر أَكْشَف أَقْفَى . وَيُقَال فِي اِسْمه قُدَار بْن سَالِف . وَقَالَ الْأَفْوَه الْأَوْدِيّ : أَوْ قَبْله كَقُدَارٍ حِين تَابَعَهُ عَلَى الْغِوَايَةِ أَقْوَام فَقَدْ بَادُوا وَالْعَرَب تُسَمِّي الْجَزَّار قُدَارًا تَشْبِيهًا بِقُدَارِ بْن سَالِف مَشْئُوم آل ثَمُود ; قَالَ مُهَلْهِل : إِنَّا لَنَضْرِب بِالسُّيُوفِ رُءُوسهمْ ضَرْب الْقُدَارِ نَقِيعَة الْقُدَّام وَذَكَرَهُ زُهَيْر فَقَالَ : فَتُنْتَجْ لَكُمْ غِلْمَان أَشْأَم كُلّهمْ كَأَحْمَر عَاد ثُمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ يُرِيد الْحَرْب ; فَكَنَّى عَنْ ثَمُود بِعَادٍ .'; $TAFSEER['4']['54']['30'] = 'أَيْ إِنْذَارِي ; قَالَ الْفَرَّاء : إِنْذَارِي ; قَالَ مَصْدَرَانِ . وَقِيلَ : " نُذُرِ " جَمْع نَذِير وَنَذِير بِمَعْنَى الْإِنْذَار كَنَكِيرٍ بِمَعْنَى الْإِنْكَار .'; $TAFSEER['4']['54']['31'] = 'يُرِيد صَيْحَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام , وَقَدْ مَضَى فِي " هُود " . وَقَرَأَ الْحَسَن وَقَتَادَة وَأَبُو الْعَالِيَة " الْمُحْتَظَر " بِفَتْحِ الظَّاء أَرَادُوا الْحَظِيرَة . الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ أَرَادُوا صَاحِب الْحَظِيرَة . وَفِي الصِّحَاح : وَالْمُحْتَظِر الَّذِي يَعْمَل الْحَظِيرَة . وَقُرِئَ " كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِر " فَمَنْ كَسَرَهُ جَعَلَهُ الْفَاعِل وَمَنْ فَتَحَهُ جَعَلَهُ الْمَفْعُول بِهِ . وَيُقَال لِلرَّجُلِ الْقَلِيل الْخَيْر : إِنَّهُ لَنَكِد الْحَظِيرَة . قَالَ أَبُو عُبَيْد : أَرَاهُ سَمَّى أَمْوَاله حَظِيرَة لِأَنَّهُ حَظَرَهَا عِنْده وَمَنَعَهَا , وَهِيَ فَعِيلَة بِمَعْنَى مَفْعُولَة . الْمَهْدَوِيّ : مَنْ فَتَحَ الظَّاء مِنْ " الْمُحْتَظِر " فَهُوَ مَصْدَر , وَالْمَعْنَى كَهَشِيمِ الِاحْتِظَار . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " الْمُحْتَظِر " هُوَ الشَّجَر الْمُتَّخَذ مِنْهُ الْحَظِيرَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : " الْمُحْتَظِر " هُوَ الرَّجُل يَجْعَل لِغَنَمِهِ حَظِيرَة بِالشَّجَرِ وَالشَّوْك ; فَمَا سَقَطَ مِنْ ذَلِكَ وَدَاسَتْهُ الْغَنَم فَهُوَ الْهَشِيم . قَالَ : أَثَرْنَ عَجَاجَةً كَدُخَانِ نَار تَشِبّ بِغَرْقَدٍ بَالٍ هَشِيمِ وَعَنْهُ : كَحَشِيشٍ تَأْكُلهُ الْغَنَم . وَعَنْهُ أَيْضًا : كَالْعِظَامِ النَّخِرَة الْمُحْتَرِقَة , وَهُوَ قَوْل قَتَادَة . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : هُوَ التُّرَاب الْمُتَنَاثِر مِنْ الْحِيطَان فِي يَوْم رِيح . وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ : هُوَ مَا تَنَاثَرَ مِنْ الْحَظِيرَة إِذَا ضَرَبْتهَا بِالْعَصَا , وَهُوَ فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُول وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْعَرَب تُسَمِّي كُلّ شَيْء كَانَ رَطْبًا فَيَبِسَ هَشِيمًا . وَالْحَظْر الْمَنْع , وَالْمُحْتَظِر الْمُفْتَعِل يُقَال مِنْهُ : اِحْتَظَرَ عَلَى إِبِله وَحَظَرَ أَيْ جَمَعَ الشَّجَر وَوَضَعَ بَعْضه فَوْق بَعْض لِيَمْنَع بَرْد الرِّيح وَالسِّبَاع عَنْ إِبِله ; قَالَ الشَّاعِر : تَرَى جِيَف الْمَطِيّ بِجَانِبَيْهِ كَأَنَّ عِظَامهَا خَشَب الْهَشِيم وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّهُمْ كَانُوا مِثْل الْقَمْح الَّذِي دِيسَ وَهُشِّمَ ; فَالْمُحْتَظِر عَلَى هَذَا الَّذِي يَتَّخِذ حَظِيرَة عَلَى زَرْعه , وَالْهَشِيم فُتَات السُّنْبُلَة وَالتِّبْن .'; $TAFSEER['4']['54']['32'] = 'أَيْ سَهَّلْنَاهُ لِلْحِفْظِ وَأَعَنَّا عَلَيْهِ مَنْ أَرَادَ حِفْظه ; فَهَلْ مِنْ طَالِب لِحِفْظِهِ فَيُعَان عَلَيْهِ ؟ وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : وَلَقَدْ هَيَّأْنَاهُ لِلذِّكْرِ مَأْخُوذ مِنْ يَسَّرَ نَاقَته لِلسَّفَرِ : إِذَا رَحَلَهَا وَيَسَّرَ فَرَسه لِلْغَزْوِ إِذَا أَسْرَجَهُ وَأَلْجَمَهُ ; قَالَ : وَقُمْت إِلَيْهِ بِاللِّجَامِ مُيَسِّرًا هُنَالِكَ يَجْزِينِي الَّذِي كُنْت أَصْنَعُ وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : لَيْسَ مِنْ كُتُب اللَّه كِتَاب يُقْرَأ كُلّه ظَاهِرًا إِلَّا الْقُرْآن ; وَقَالَ غَيْره : وَلَمْ يَكُنْ هَذَا لِبَنِي إِسْرَائِيل , وَلَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ التَّوْرَاة إِلَّا نَظَرًا , غَيْر مُوسَى وَهَارُون وَيُوشَع بْن نُون وَعُزَيْر صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ , وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ اُفْتُتِنُوا بِعُزَيْرٍ لَمَّا كَتَبَ لَهُمْ التَّوْرَاة عَنْ ظَهْر قَلْبه حِين أُحْرِقَتْ ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة " التَّوْبَة " فَيَسَّرَ اللَّه تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة حِفْظ كِتَابه لِيَذَّكَّرُوا مَا فِيهِ ; أَيْ يَفْتَعِلُوا الذِّكْر , وَالِافْتِعَال هُوَ أَنْ يَنْجَع فِيهِمْ ذَلِكَ حَتَّى يَصِير كَالذَّاتِ وَكَالتَّرْكِيبِ . فِيهِمْ . قَارِئ يَقْرَؤُهُ . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَابْن شَوْذَب : فَهَلْ مِنْ طَالِب خَيْر وَعِلْم فَيُعَان عَلَيْهِ , وَكَرَّرَ فِي هَذِهِ السُّورَة لِلتَّنْبِيهِ وَالْإِفْهَام . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى اِقْتَصَّ فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة أَنْبَاء الْأُمَم وَقَصَص الْمُرْسَلِينَ , وَمَا عَامَلَتْهُمْ بِهِ الْأُمَم , وَمَا كَانَ مِنْ عُقْبَى أُمُورهمْ وَأُمُور الْمُرْسَلِينَ ; فَكَانَ فِي كُلّ قِصَّة وَنَبَأ ذِكْر لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ لَوْ اِدَّكَرَ , وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذِهِ الْآيَة عِنْد ذِكْر كُلّ قِصَّة بِقَوْلِهِ : " فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر " لِأَنَّ " هَلْ " كَلِمَة اِسْتِفْهَام تَسْتَدْعِي أَفْهَامهمْ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي أَجْوَافهمْ وَجَعَلَهَا حُجَّة عَلَيْهِمْ ; فَاللَّام مِنْ " هَلْ " لِلِاسْتِعْرَاضِ وَالْهَاء لِلِاسْتِخْرَاجِ .'; $TAFSEER['4']['54']['33'] = 'أَخْبَرَ عَنْ قَوْم لُوط أَيْضًا لَمَّا كَذَّبُوا لُوطًا .'; $TAFSEER['4']['54']['34'] = 'أَيْ رِيحًا تَرْمِيهِمْ بِالْحَصْبَاءِ وَهِيَ الْحَصَى ; قَالَ النَّضْر : الْحَاصِب الْحَصْبَاء فِي الرِّيح . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْحَاصِب الْحِجَارَة . وَفِي الصِّحَاح : وَالْحَاصِب الرِّيح الشَّدِيدَة الَّتِي تُثِير الْحَصْبَاء وَكَذَلِكَ الْحَصِبَة ; قَالَ لَبِيد : جَرَّتْ عَلَيْهَا أَنْ خَوَتْ مِنْ أَهْلهَا أَذْيَالَهَا كُلُّ عَصُوفٍ حَصِبَهْ عَصَفَتْ الرِّيح أَيْ اِشْتَدَّتْ فَهِيَ رِيح عَاصِف وَعَصُوف . وَقَالَ الْفَرَزْدَق : مُسْتَقْبِلِينَ شَمَال الشَّام تَضْرِبنَا بِحَاصِبٍ كَنَدِيفِ الْقُطْن مَنْثُور يَعْنِي مَنْ تَبِعَهُ عَلَى دِينه وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا بِنْتَاهُ قَالَ الْأَخْفَش : إِنَّمَا أَجْرَاهُ لِأَنَّهُ نَكِرَة , وَلَوْ أَرَادَ سَحَر يَوْم بِعَيْنِهِ لَمَا أَجْرَاهُ , وَنَظِيره : " اِهْبِطُوا مِصْرًا " [ الْبَقَرَة : 61 ] لَمَّا نَكَّرَهُ , فَلَمَّا عَرَّفَهُ فِي قَوْله : " اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّه " [ يُوسُف : 99 ] لَمْ يُجْرِهِ , وَكَذَا قَالَ الزَّجَّاج : " سَحَر " إِذَا كَانَ نَكِرَة يُرَاد بِهِ سَحَر مِنْ الْأَسْحَار يُصْرَف , تَقُول أَتَيْته سَحَرًا , فَإِذَا أَرَدْت سَحَر يَوْمك لَمْ تَصْرِفهُ , تَقُول : أَتَيْته سَحَرَ يَا هَذَا , وَأَتَيْته بِسَحَرَ . وَالسَّحَر : هُوَ مَا بَيْن آخِر اللَّيْل وَطُلُوع الْفَجْر , وَهُوَ فِي كَلَام الْعَرَب اِخْتِلَاط سَوَاد اللَّيْل بِبَيَاضِ أَوَّل النَّهَار ; لِأَنَّ فِي هَذَا الْوَقْت يَكُون مَخَايِيل اللَّيْل وَمَخَايِيل النَّهَار .'; $TAFSEER['4']['54']['35'] = 'إِنْعَامًا مِنَّا عَلَى لُوط وَابْنَتَيْهِ ; فَهُوَ نُصِبَ لِأَنَّهُ مَفْعُول بِهِ . أَيْ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَأَطَاعَهُ .'; $TAFSEER['4']['54']['36'] = '"يَعْنِي لُوطًا خَوَّفَهُمْ عُقُوبَتنَا وَأَخْذنَا إِيَّاهُمْ بِالْعَذَابِ أَيْ شَكُّوا فِيمَا أَنْذَرَهُمْ بِهِ الرَّسُول وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ , وَهُوَ تَفَاعُل مِنْ الْمِرْيَة .'; $TAFSEER['4']['54']['37'] = 'أَيْ أَرَادُوا مِنْهُ تَمْكِينهمْ مِمَّنْ كَانَ أَتَاهُ مِنْ الْمَلَائِكَة فِي هَيْئَة الْأَضْيَاف طَلَبًا لِلْفَاحِشَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ . يُقَال : رَاوَدْته عَلَى كَذَا مُرَاوَدَة وَرِوَادًا أَيْ أَرَدْته . وَرَادَ الْكَلَأ يَرُودهُ رَوْدًا وَرِيَادًا , وَارْتَادَهُ اِرْتِيَادًا بِمَعْنًى أَيْ طَلَبَهُ ; وَفِي الْحَدِيث : ( إِذَا بَالَ أَحَدكُمْ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ ) أَيْ يَطْلُب مَكَانًا لَيِّنًا أَوْ مُنْحَدِرًا . يُرْوَى أَنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام ضَرَبَهُمْ بِجَنَاحِهِ فَعَمُوا . وَقِيلَ : صَارَتْ أَعْيُنهمْ كَسَائِرِ الْوَجْه لَا يُرَى لَهَا شَقّ , كَمَا تَطْمِس الرِّيح الْأَعْلَام بِمَا تُسْفِي عَلَيْهَا مِنْ التُّرَاب . وَقِيلَ : لَا , بَلْ أَعْمَاهُمْ اللَّه مَعَ صِحَّة أَبْصَارهمْ فَلَمْ يَرَوْهُمْ . قَالَ الضَّحَّاك : طَمَسَ اللَّه عَلَى أَبْصَارهمْ فَلَمْ يَرَوْا الرُّسُل ; فَقَالُوا : لَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ حِين دَخَلُوا الْبَيْت فَأَيْنَ ذَهَبُوا ؟ فَرَجَعُوا وَلَمْ يَرَوْهُمْ . أَيْ فَقُلْنَا لَهُمْ ذُوقُوا , وَالْمُرَاد مِنْ هَذَا الْأَمْر الْخَبَر ; أَيْ فَأَذَقْتهمْ عَذَابِي الَّذِي أَنْذَرَهُمْ بِهِ لُوط .'; $TAFSEER['4']['54']['38'] = 'أَيْ دَائِم عَامّ اِسْتَقَرَّ فِيهِمْ حَتَّى يُفْضِي بِهِمْ إِلَى عَذَاب الْآخِرَة . وَذَلِكَ الْعَذَاب قَلْب قَرْيَتهمْ عَلَيْهِمْ وَجَعْل أَعْلَاهَا أَسْفَلهَا . و " بُكْرَة " هُنَا نَكِرَة فَلِذَلِكَ صُرِفَتْ .'; $TAFSEER['4']['54']['39'] = 'الْعَذَاب الَّذِي نَزَلَ , بِهِمْ مِنْ طَمْس الْأَعْيُن غَيْر الْعَذَاب الَّذِي أُهْلِكُوا بِهِ فَلِذَلِكَ حَسُنَ التَّكْرِير .'; $TAFSEER['4']['54']['40'] = 'أَيْ سَهَّلْنَاهُ لِلْحِفْظِ وَأَعَنَّا عَلَيْهِ مَنْ أَرَادَ حِفْظه ; فَهَلْ مِنْ طَالِب لِحِفْظِهِ فَيُعَان عَلَيْهِ ؟ وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : وَلَقَدْ هَيَّأْنَاهُ لِلذِّكْرِ مَأْخُوذ مِنْ يَسَّرَ نَاقَته لِلسَّفَرِ : إِذَا رَحَلَهَا وَيَسَّرَ فَرَسه لِلْغَزْوِ إِذَا أَسْرَجَهُ وَأَلْجَمَهُ ; قَالَ : وَقُمْت إِلَيْهِ بِاللِّجَامِ مُيَسِّرًا هُنَالِكَ يَجْزِينِي الَّذِي كُنْت أَصْنَع وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : لَيْسَ مِنْ كُتُب اللَّه كِتَاب يُقْرَأ كُلّه ظَاهِرًا إِلَّا الْقُرْآن ; وَقَالَ غَيْره : وَلَمْ يَكُنْ هَذَا لِبَنِي إِسْرَائِيل , وَلَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ التَّوْرَاة إِلَّا نَظَرًا , غَيْر مُوسَى وَهَارُون وَيُوشَع بْن نُون وَعُزَيْر صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ , وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ اُفْتُتِنُوا بِعُزَيْرٍ لَمَّا كَتَبَ لَهُمْ التَّوْرَاة عَنْ ظَهْر قَلْبه حِين أُحْرِقَتْ ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة " التَّوْبَة " فَيَسَّرَ اللَّه تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة حِفْظ كِتَابه لِيَذَّكَّرُوا مَا فِيهِ ; أَيْ يَفْتَعِلُوا الذِّكْر , وَالِافْتِعَال هُوَ أَنْ يَنْجَع فِيهِمْ ذَلِكَ حَتَّى يَصِير كَالذَّاتِ وَكَالتَّرْكِيبِ فِيهِمْ . قَارِئ يَقْرَؤُهُ . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَابْن شَوْذَب : فَهَلْ مِنْ طَالِب خَيْر وَعِلْم فَيُعَان عَلَيْهِ , وَكَرَّرَ فِي هَذِهِ السُّورَة لِلتَّنْبِيهِ وَالْإِفْهَام . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى اِقْتَصَّ فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة أَنْبَاء الْأُمَم وَقَصَص الْمُرْسَلِينَ , وَمَا عَامَلَتْهُمْ بِهِ الْأُمَم , وَمَا كَانَ مِنْ عُقْبَى أُمُورهمْ وَأُمُور الْمُرْسَلِينَ ; فَكَانَ فِي كُلّ قِصَّة وَنَبَأ ذِكْر لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ لَوْ اِدَّكَرَ , وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذِهِ الْآيَة عِنْد ذِكْر كُلّ قِصَّة بِقَوْلِهِ : " فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر " لِأَنَّ " هَلْ " كَلِمَة اِسْتِفْهَام تَسْتَدْعِي أَفْهَامهمْ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي أَجْوَافهمْ وَجَعَلَهَا حُجَّة عَلَيْهِمْ ; فَاللَّام مِنْ " هَلْ " لِلِاسْتِعْرَاضِ وَالْهَاء لِلِاسْتِخْرَاجِ .'; $TAFSEER['4']['54']['41'] = '" آل فِرْعَوْن " يَعْنِي الْقِبْط و " النُّذُر " مُوسَى وَهَارُون . وَقَدْ يُطْلَق لَفْظ الْجَمْع عَلَى الِاثْنَيْنِ .'; $TAFSEER['4']['54']['42'] = 'مُعْجِزَاتنَا الدَّالَّة عَلَى تَوْحِيدنَا وَنُبُوَّة أَنْبِيَائِنَا ; وَهِيَ الْعَصَا , وَالْيَد , وَالسُّنُونَ , وَالطَّمْسَة , وَالطُّوفَان , وَالْجَرَاد , وَالْقُمَّل , وَالضَّفَادِع , وَالدَّم . وَقِيلَ : " النُّذُر " الرُّسُل ; فَقَدْ جَاءَهُمْ يُوسُف وَبَنُوهُ إِلَى أَنْ جَاءَهُمْ مُوسَى . وَقِيلَ : " النُّذُر " الْإِنْذَار . أَيْ غَالِب فِي اِنْتِقَامه أَيْ قَادِر عَلَى مَا أَرَادَ .'; $TAFSEER['4']['54']['43'] = 'خَاطَبَ الْعَرَب . وَقِيلَ : أَرَادَ كُفَّار أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : اِسْتِفْهَام , وَهُوَ اِسْتِفْهَام إِنْكَار وَمَعْنَاهُ النَّفْي ; أَيْ لَيْسَ كُفَّاركُمْ خَيْرًا مِنْ كُفَّار مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْأُمَم الَّذِينَ أُهْلِكُوا بِكُفْرِهِمْ . أَيْ فِي الْكُتُب الْمُنَزَّلَة عَلَى الْأَنْبِيَاء بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْعُقُوبَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَمْ لَكُمْ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ بَرَاءَة مِنْ الْعَذَاب .'; $TAFSEER['4']['54']['44'] = 'أَيْ جَمَاعَة لَا تُطَاق لِكَثْرَةِ عَدَدهمْ وَقُوَّتهمْ , وَلَمْ يَقُلْ مُنْتَصِرِينَ اِتِّبَاعًا لِرُءُوسِ الْآي ; فَرَدَّ اللَّه عَلَيْهِمْ فَقَالَ :'; $TAFSEER['4']['54']['45'] = 'أَيْ جَمْع كُفَّار مَكَّة , وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ يَوْم بَدْر وَغَيْره . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " سَيُهْزَمُ " بِالْيَاءِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله " الْجَمْع " بِالرَّفْعِ . وَقَرَأَ رُوَيْس عَنْ يَعْقُوب " سَنُهْزَمُ " بِالنُّونِ وَكَسْر الزَّاي " الْجَمْع " نَصْبًا . قِرَاءَة الْعَامَّة بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر عَنْهُمْ . وَقَرَأَ عِيسَى وَابْن إِسْحَاق وَرُوَيْس عَنْ يَعْقُوب " وَتُوَلُّونَ " بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب . و " الدُّبُر " اِسْم جِنْس كَالدِّرْهَمِ وَالدِّينَار فَوُحِّدَ وَالْمُرَاد الْجَمْع لِأَجْلِ رُءُوس الْآي . وَقَالَ مُقَاتِل : ضَرَبَ أَبُو جَهْل فَرَسه يَوْم بَدْر فَتَقَدَّمَ مِنْ الصَّفّ وَقَالَ : نَحْنُ نَنْتَصِر الْيَوْم مِنْ مُحَمَّد وَأَصْحَابه ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " نَحْنُ جَمِيع مُنْتَصِر . سَيُهْزَمُ الْجَمْع وَيُوَلُّونَ الدُّبُر " . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص : لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى : " سَيُهْزَمُ الْجَمْع وَيُوَلُّونَ الدُّبُر " كُنْت لَا أَدْرِي أَيّ الْجَمْع يَنْهَزِم , فَلَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر رَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَثِب فِي الدِّرْع وَيَقُول : اللَّهُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا جَاءَتْك تُحَادُّك وَتُحَادُّ رَسُولك بِفَخْرِهَا وَخُيَلَائِهَا فَأَخْنِهِمْ الْغَدَاة - ثُمَّ قَالَ - " سَيُهْزَمُ الْجَمْع وَيُوَلُّونَ الدُّبُر " فَعَرَفْت تَأْوِيلهَا . وَهَذَا مِنْ مُعْجِزَات النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ غَيْب فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ . أَخْنَى عَلَيْهِ الدَّهْر : أَيْ أَتَى عَلَيْهِ وَأَهْلَكَهُ , وَمِنْهُ قَوْل النَّابِغَة : أَخْنَى عَلَيْهِ الَّذِي أَخْنَى عَلَى لُبَدِ وَأَخْنَيْت عَلَيْهِ : أَفْسَدْت . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ بَيْن نُزُول هَذِهِ الْآيَة وَبَيْن بَدْر سَبْع سِنِينَ ; فَالْآيَة عَلَى هَذَا مَكِّيَّة . وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ عَائِشَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة وَإِنِّي لَجَارِيَة أَلْعَب : " بَلْ السَّاعَة مَوْعِدهمْ وَالسَّاعَة أَدْهَى وَأَمَرّ " . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ فِي قُبَّة لَهُ يَوْم بَدْر : ( أَنْشُدُك عَهْدك وَوَعْدك اللَّهُمَّ إِنْ شِئْت لَمْ تُعْبَد بَعْد الْيَوْم أَبَدًا ) فَأَخَذَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِيَدِهِ وَقَالَ : حَسْبك يَا رَسُول اللَّه فَقَدْ أَلْحَحْت عَلَى رَبّك ; وَهُوَ فِي الدِّرْع فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُول : " سَيُهْزَمُ الْجَمْع وَيُوَلُّونَ الدُّبُر " .'; $TAFSEER['4']['54']['46'] = 'يُرِيد الْقِيَامَة . أَيْ أَدْهَى وَأَمَرّ مِمَّا لَحِقَهُمْ يَوْم بَدْر . و " أَدْهَى " مِنْ الدَّاهِيَة وَهِيَ الْأَمْر الْعَظِيم ; يُقَال : دَهَاهُ أَمْر كَذَا - أَيْ أَصَابَهُ - دَهْوًا وَدَهْيًا . وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت : دَهَتْهُ دَاهِيَة دَهْوَاء وَدَهْيَاء وَهِيَ تَوْكِيد لَهَا .'; $TAFSEER['4']['54']['47'] = 'أَيْ فِي حَيْدَة عَنْ الْحَقّ و " سُعُر " أَيْ اِحْتِرَاق . وَقِيلَ : جُنُون عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَة .'; $TAFSEER['4']['54']['48'] = 'فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : جَاءَ مُشْرِكُو قُرَيْش يُخَاصِمُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَدَر فَنَزَلَتْ : " يَوْم يُسْحَبُونَ فِي النَّار عَلَى وُجُوههمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ . إِنَّا كُلّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ " خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضًا وَقَالَ : حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَرَوَى مُسْلِم عَنْ طَاوُس قَالَ : أَدْرَكْت نَاسًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ : كُلّ شَيْء بِقَدَرٍ . قَالَ : وَسَمِعْت عَبْد اللَّه بْن عُمَر يَقُول : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلّ شَيْء بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْز وَالْكَيْس - أَوْ الْكَيْس وَالْعَجْز ) وَهَذَا إِبْطَال لِمَذْهَبِ الْقَدَرِيَّة . " ذُوقُوا " أَيْ يُقَال لَهُمْ ذُوقُوا , وَمَسُّهَا مَا يَجِدُونَ مِنْ الْأَلَم عِنْد الْوُقُوع فِيهَا . و " سَقَرَ " اِسْم مِنْ أَسْمَاء جَهَنَّم لَا يَنْصَرِف ; لِأَنَّهُ اِسْم مُؤَنَّث مَعْرِفَة , وَكَذَا لَظَى وَجَهَنَّم . وَقَالَ عَطَاء : " سَقَر " الطَّبَق السَّادِس مِنْ جَهَنَّم . وَقَالَ قُطْرُب : " سَقَر " مِنْ سَقَرَتْهُ الشَّمْس وَصَقَرَتْهُ لَوَّحَتْهُ . وَيَوْم مُسَمْقِر وَمُصَمْقِر : شَدِيد الْحَرّ .'; $TAFSEER['4']['54']['49'] = 'قِرَاءَة الْعَامَّة " كُلَّ " بِالنَّصْبِ . وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّال " كُلُّ " بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاء . وَمَنْ نَصَبَ فَبِإِضْمَارِ فِعْل وَهُوَ اِخْتِيَار الْكُوفِيِّينَ ; لِأَنَّ إِنَّ تَطْلُب الْفِعْل فَهِيَ بِهِ أَوْلَى , وَالنَّصْب أَدَلّ عَلَى الْعُمُوم فِي الْمَخْلُوقَات لِلَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّك لَوْ حَذَفْت " خَلَقْنَاهُ " الْمُفَسِّر وَأَظْهَرْت الْأَوَّل لَصَارَ إِنَّا خَلَقْنَا كُلّ شَيْء بِقَدَرٍ . وَلَا يَصِحّ كَوْن خَلَقْنَاهُ صِفَة لِشَيْءٍ ; لِأَنَّ الصِّفَة لَا تَعْمَل فِيمَا قَبْل الْمَوْصُوف , وَلَا تَكُون تَفْسِيرًا لِمَا يَعْمَل فِيمَا قَبْله . " إِنَّا كُلّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ " الَّذِي عَلَيْهِ أَهْل السُّنَّة أَنَّ اللَّه سُبْحَانه قَدَّرَ الْأَشْيَاء ; أَيْ عَلِمَ مَقَادِيرهَا وَأَحْوَالهَا وَأَزْمَانهَا قَبْل إِيجَادهَا , ثُمَّ أَوْجَدَ مِنْهَا مَا سَبَقَ فِي عِلْمه أَنَّهُ يُوجِدهُ عَلَى نَحْو مَا سَبَقَ فِي عِلْمه , فَلَا يَحْدُث حَدَث فِي الْعَالَم الْعُلْوِيّ وَالسُّفْلِيّ إِلَّا وَهُوَ صَادِر عَنْ عِلْمه تَعَالَى وَقُدْرَته وَإِرَادَته دُون خَلْقه , وَأَنَّ الْخَلْق لَيْسَ لَهُمْ فِيهَا إِلَّا نَوْع اِكْتِسَاب وَمُحَاوَلَة وَنِسْبَة وَإِضَافَة , وَأَنَّ ذَلِكَ كُلّه إِنَّمَا حَصَلَ لَهُمْ بِتَيْسِيرِ اللَّه تَعَالَى وَبِقُدْرَتِهِ وَتَوْفِيقه وَإِلْهَامه , سُبْحَانه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ , وَلَا خَالِق غَيْره ; كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآن وَالسُّنَّة , لَا كَمَا قَالَتْ الْقَدَرِيَّة وَغَيْرهمْ مِنْ أَنَّ الْأَعْمَال إِلَيْنَا وَالْآجَال بِيَدِ غَيْرنَا . قَالَ أَبُو ذَرّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : قَدِمَ وَفْد نَجْرَان عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : الْأَعْمَال إِلَيْنَا وَالْآجَال بِيَدِ غَيْرنَا ; فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَات إِلَى قَوْله : " إِنَّا كُلّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ " فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد يَكْتُب عَلَيْنَا الذَّنْب وَيُعَذِّبنَا ؟ فَقَالَ : ( أَنْتُمْ خُصَمَاء اللَّه يَوْم الْقِيَامَة ) . رَوَى أَبُو الزُّبَيْر عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مَجُوس هَذِهِ الْأُمَّة الْمُكَذِّبُونَ بِأَقْدَارِ اللَّه إِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ وَإِنْ لَقِيتُمُوهُمْ فَلَا تُسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ ) . خَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه . وَخَرَّجَ أَيْضًا عَنْ اِبْن عَبَّاس وَجَابِر قَالَا : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَيْسَ لَهُمْ فِي الْإِسْلَام نَصِيب أَهْل الْإِرْجَاء وَالْقَدَر ) . وَأَسْنَدَ النَّحَّاس : وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن شَرِيك الْكُوفِيّ قَالَ حَدَّثَنَا عُقْبَة بْن مُكْرَم الضَّبِّيّ قَالَ حَدَّثَنَا يُونُس بْن بُكَيْر عَنْ سَعِيد بْن مَيْسَرَة عَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْقَدَرِيَّة الَّذِينَ يَقُولُونَ الْخَيْر وَالشَّرّ بِأَيْدِينَا لَيْسَ لَهُمْ فِي شَفَاعَتِي نَصِيب وَلَا أَنَا مِنْهُمْ وَلَا هُمْ مِنِّي ) وَفِي صَحِيح مُسْلِم أَنَّ اِبْن عُمَر تَبَرَّأَ مِنْهُمْ وَلَا يَتَبَرَّأُ إِلَّا مِنْ كَافِر , ثُمَّ أَكَّدَ هَذَا بِقَوْلِهِ : وَاَلَّذِي يَحْلِف بِهِ عَبْد اللَّه بْن عُمَر لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْل أُحُد ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّه مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِن بِالْقَدَرِ . وَهَذَا مِثْل قَوْله تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ : " وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَل مِنْهُمْ نَفَقَاتهمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ " [ التَّوْبَة : 54 ] وَهَذَا وَاضِح . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْإِيمَان بِالْقَدَرِ يُذْهِب الْهَمّ وَالْحَزَن ) .'; $TAFSEER['4']['54']['50'] = 'أَيْ إِلَّا مَرَّة وَاحِدَة . أَيْ قَضَائِي فِي خَلْقِي أَسْرَعُ مِنْ لَمْح الْبَصَر . وَاللَّمْح النَّظَر بِالْعَجَلَةِ ; يُقَال : لَمَحَ الْبَرْق بِبَصَرِهِ . وَفِي الصِّحَاح : لَمَحَهُ وَأَلْمَحَهُ إِذَا أَبْصَرَهُ بِنَظَرٍ خَفِيف , وَالِاسْم اللَّمْحَة , وَلَمَحَ الْبَرْق وَالنَّجْم لَمْحًا أَيْ لَمَعَ .'; $TAFSEER['4']['54']['51'] = 'أَيْ أَشْبَاهكُمْ فِي الْكُفْر مِنْ الْأُمَم الْخَالِيَة . وَقِيلَ : أَتْبَاعكُمْ وَأَعْوَانكُمْ . أَيْ مَنْ يَتَذَكَّر . وَقِيلَ فَهَلْ مِنْ قَارِئ يَقْرَؤُهُ . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَابْن شَوْذَب : فَهَلْ مِنْ طَالِب خَيْر وَعِلْم فَيُعَان عَلَيْهِ , وَكَرَّرَ فِي هَذِهِ السُّورَة لِلتَّنْبِيهِ وَالْإِفْهَام . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى اِقْتَصَّ فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة أَنْبَاء الْأُمَم وَقَصَص الْمُرْسَلِينَ , وَمَا عَامَلَتْهُمْ بِهِ الْأُمَم , وَمَا كَانَ مِنْ عُقْبَى أُمُورهمْ وَأُمُور الْمُرْسَلِينَ ; فَكَانَ فِي كُلّ قِصَّة وَنَبَأ ذِكْر لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ لَوْ ادَّكَرَ , وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذِهِ الْآيَة عِنْد ذِكْر كُلّ قِصَّة بِقَوْلِهِ : " فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر " لِأَنَّ " هَلْ " كَلِمَة اِسْتِفْهَام تَسْتَدْعِي أَفْهَامهمْ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي أَجْوَافهمْ وَجَعَلَهَا حُجَّة عَلَيْهِمْ ; فَاللَّام مِنْ " هَلْ " لِلِاسْتِعْرَاضِ وَالْهَاء لِلِاسْتِخْرَاجِ .'; $TAFSEER['4']['54']['52'] = 'أَيْ جَمِيع مَا فَعَلَتْهُ الْأُمَم قَبْلهمْ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَيْهِمْ ; وَهَذَا بَيَان قَوْله : " إِنَّا كُلّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ " . " فِي الزُّبُر " أَيْ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ . وَقِيلَ : فِي كُتُب الْحَفَظَة . وَقِيلَ : فِي أُمّ الْكِتَاب .'; $TAFSEER['4']['54']['53'] = 'أَيْ كُلّ ذَنْب كَبِير وَصَغِير مَكْتُوب عَلَى عَامِله قَبْل أَنْ يَفْعَلهُ لِيُجَازَى بِهِ , وَمَكْتُوب إِذَا فَعَلَهُ ; سَطَرَ يَسْطُر سَطْرًا كَتَبَ ; وَاسْتَطَرَ مِثْله .'; $TAFSEER['4']['54']['54'] = 'لَمَّا وَصَفَ الْكُفَّار وَصَفَ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا . " وَنَهَر " يَعْنِي أَنْهَار الْمَاء وَالْخَمْر وَالْعَسَل وَاللَّبَن ; قَالَهُ اِبْن جُرَيْج . وَوُحِّدَ لِأَنَّهُ رَأْس الْآيَة , ثُمَّ الْوَاحِد قَدْ يُنْبِئ عَنْ الْجَمِيع . وَقِيلَ : فِي " نَهَر " فِي ضِيَاء وَسَعَة ; وَمِنْهُ النَّهَار لِضِيَائِهِ , وَمِنْهُ أَنْهَرْت الْجُرْح ; قَالَ الشَّاعِر : مَلَكْت بِهَا كَفِّي فَأَنْهَرْت فَتْقَهَا يَرَى قَائِم مِنْ دُونهَا مَا وَرَاءَهَا وَقَرَأَ أَبُو مِجْلَزٍ وَأَبُو نَهِيك وَالْأَعْرَج وَطَلْحَة بْن مُصَرِّف وَقَتَادَة " وَنُهُر " بِضَمَّتَيْنِ كَأَنَّهُ جَمْع نَهَار لَا لَيْل لَهُمْ ; كَسَحَابٍ وَسُحُب . قَالَ الْفَرَّاء : أَنْشَدَنِي بَعْض الْعَرَب : إِنْ تَكُ لَيْلِيًّا فَإِنِّي نَهِرُ مَتَى أَرَى الصُّبْح فَلَا أَنْتَظِرُ أَيْ صَاحِب النَّهَار . وَقَالَ آخَر : لَوْلَا الثَّرِيدَانِ هَلَكْنَا بِالضُّمُرْ ثَرِيد لَيْل وَثَرِيد بِالنُّهُرْ'; $TAFSEER['4']['54']['55'] = 'أَيْ مَجْلِس حَقّ لَا لَغْو فِيهِ وَلَا تَأْثِيم وَهُوَ الْجَنَّة أَيْ يُقَدِّر عَلَى مَا يَشَاء . و " عِنْد " هَاهُنَا عِنْدِيَّة الْقُرْبَة وَالزُّلْفَة وَالْمَكَانَة وَالرُّتْبَة وَالْكَرَامَة وَالْمَنْزِلَة . قَالَ الصَّادِق : مَدَحَ اللَّه الْمَكَان الصِّدْق فَلَا يَقْعُد فِيهِ إِلَّا أَهْل الصِّدْق . وَقَرَأَ عُثْمَان الْبَتِّيّ " فِي مَقَاعِد صِدْق " بِالْجَمْعِ ; وَالْمَقَاعِد مَوَاضِع قُعُود النَّاس فِي الْأَسْوَاق وَغَيْرهَا . قَالَ عَبْد اللَّه بْن بُرَيْدَة : إِنَّ أَهْل الْجَنَّة يَدْخُلُونَ كُلّ يَوْم عَلَى الْجَبَّار تَبَارَكَ وَتَعَالَى , فَيَقْرَءُونَ الْقُرْآن عَلَى رَبّهمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى , وَقَدْ جَلَسَ كُلّ إِنْسَان مَجْلِسه الَّذِي هُوَ مَجْلِسه , عَلَى مَنَابِر مِنْ الدُّرّ وَالْيَاقُوت وَالزَّبَرْجَد وَالذَّهَب وَالْفِضَّة بِقَدْرِ أَعْمَالهمْ , فَلَا تَقَرّ أَعْيُنهمْ بِشَيْءٍ قَطُّ كَمَا تَقَرّ بِذَلِكَ , وَلَمْ يَسْمَعُوا شَيْئًا أَعْظَمَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْهُ , ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى مَنَازِلهمْ , قَرِيرَة أَعْيُنهمْ إِلَى مِثْلهَا مِنْ الْغَد . وَقَالَ ثَوْر بْن يَزِيد عَنْ خَالِد بْن مَعْدَان : بَلَغَنَا أَنَّ الْمَلَائِكَة يَأْتُونَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُولُونَ : يَا أَوْلِيَاء اللَّه اِنْطَلِقُوا ; فَيَقُولُونَ : إِلَى أَيْنَ ؟ فَيَقُولُونَ : إِلَى الْجَنَّة ; فَيَقُول الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّكُمْ تَذْهَبُونَ بِنَا إِلَى غَيْر بُغْيَتنَا . فَيَقُولُونَ : فَمَا بُغْيَتكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : مَقْعَد صِدْق عِنْد مَلِيك مُقْتَدِر . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَر عَلَى الْخُصُوص بِهَذَا الْمَعْنَى ; فَفِي الْخَبَر : أَنَّ طَائِفَة مِنْ الْعُقَلَاء بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَزُفّهَا الْمَلَائِكَة إِلَى الْجَنَّة وَالنَّاس فِي الْحِسَاب , فَيَقُولُونَ لِلْمَلَائِكَةِ : إِلَى أَيْنَ تَحْمِلُونَنَا ؟ فَيَقُولُونَ إِلَى الْجَنَّة . فَيَقُولُونَ : إِنَّكُمْ لَتَحْمِلُونَنَا إِلَى غَيْر بُغْيَتنَا ; فَيَقُولُونَ : وَمَا بُغْيَتكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : الْمَقْعَد الصِّدْق مَعَ الْحَبِيب كَمَا أَخْبَرَ " فِي مَقْعَد صِدْق عِنْد مَلِيك مُقْتَدِر " وَاَللَّه أَعْلَمُ . تَمَّ تَفْسِير سُورَة " الْقَمَر " وَالْحَمْد لِلَّهِ .'; $TAFSEER['4']['55']['1'] = 'سُورَة الرَّحْمَن مَكِّيَّة كُلّهَا فِي قَوْل الْحَسَن وَعُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَعِكْرِمَة وَعَطَاء وَجَابِر . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِلَّا آيَة مِنْهَا هِيَ قَوْله تَعَالَى : " يَسْأَلهُ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض " [ الرَّحْمَن : 29 ] الْآيَة . وَهِيَ سِتّ وَسَبْعُونَ آيَة . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَمُقَاتِل : هِيَ مَدَنِيَّة كُلّهَا . وَالْقَوْل الْأَوَّل أَصَحُّ لِمَا رَوَى عُرْوَة بْن الزُّبَيْر قَالَ : أَوَّل مَنْ جَهَرَ بِالْقُرْآنِ بِمَكَّة بَعْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِبْن مَسْعُود ; وَذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَة قَالُوا : مَا سَمِعَتْ قُرَيْش هَذَا الْقُرْآن يُجْهَر بِهِ قَطُّ , فَمَنْ رَجُل يُسْمِعهُمُوهُ ؟ فَقَالَ اِبْن مَسْعُود : أَنَا , فَقَالُوا : إِنَّا نَخْشَى عَلَيْك , وَإِنَّمَا نُرِيد رَجُلًا لَهُ عَشِيرَة يَمْنَعُونَهُ , فَأَبَى ثُمَّ قَامَ عِنْد الْمَقَام فَقَالَ : " بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم . الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " [ الرَّحْمَن : 1 - 2 ] ثُمَّ تَمَادَى رَافِعًا بِهَا صَوْته وَقُرَيْش فِي أَنْدِيَتهَا , فَتَأَمَّلُوا وَقَالُوا : مَا يَقُول اِبْن أُمّ عَبْد ؟ قَالُوا : هُوَ يَقُول الَّذِي يَزْعُم مُحَمَّد أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ , ثُمَّ ضَرَبُوهُ حَتَّى أَثَّرُوا فِي وَجْهه . وَصَحَّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ يُصَلِّي الصُّبْح بِنَخْلَةَ , فَقَرَأَ سُورَة " الرَّحْمَن " وَمَرَّ النَّفَر مِنْ الْجِنّ فَآمَنُوا بِهِ . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ جَابِر قَالَ : خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابه فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَة " الرَّحْمَن " مِنْ أَوَّلهَا إِلَى آخِرهَا فَسَكَتُوا , فَقَالَ : ( لَقَدْ قَرَأْتهَا عَلَى الْجِنّ لَيْلَة الْجِنّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ كُنْت كُلَّمَا أَتَيْت عَلَى قَوْله : " فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " [ الرَّحْمَن : 13 ] قَالُوا لَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمك رَبّنَا نُكَذِّب فَلَك الْحَمْد ) قَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب . وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّة وَاَللَّه أَعْلَم . وَرُوِيَ أَنَّ قَيْس بْن عَاصِم الْمِنْقَرِيّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اُتْلُ عَلَيَّ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْك , فَقَرَأَ عَلَيْهِ سُورَة " الرَّحْمَن " فَقَالَ : أَعِدْهَا , فَأَعَادَهَا ثَلَاثًا , فَقَالَ : وَاَللَّه إِنَّ لَهُ لَطَلَاوَة , وَإِنَّ عَلَيْهِ لَحَلَاوَة , وَأَسْفَله لَمُغْدِق , وَأَعْلَاهُ مُثْمِر , وَمَا يَقُول هَذَا بَشَر , وَأَنَا أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّك رَسُول اللَّه . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لِكُلِّ شَيْء عَرُوس وَعَرُوس الْقُرْآن سُورَة الرَّحْمَن ) . قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَعَامِر الشَّعْبِيّ : " الرَّحْمَن " فَاتِحَة ثَلَاث سُوَر إِذَا جُمِعْنَ كُنَّ اِسْمًا مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى " الر " و " حم " و " ن " فَيَكُون مَجْمُوع هَذِهِ " الرَّحْمَن " .'; $TAFSEER['4']['55']['2'] = 'أَيْ عَلَّمَهُ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَدَّاهُ إِلَى جَمِيع النَّاس . وَأُنْزِلَتْ حِين قَالُوا : وَمَا الرَّحْمَن ؟ وَقِيلَ : نَزَلَتْ جَوَابًا لِأَهْلِ مَكَّة حِين قَالُوا : إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر وَهُوَ رَحْمَن الْيَمَامَة , يَعْنُونَ مُسَيْلِمَة الْكَذَّاب , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " . وَقَالَ الزَّجَّاج : مَعْنَى " عَلَّمَ الْقُرْآن " أَيْ سَهَّلَهُ لِأَنْ يُذْكَر وَيُقْرَأ كَمَا قَالَ : " وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآن لِلذِّكْرِ " [ الْقَمَر : 17 ] . وَقِيلَ : جَعَلَهُ عَلَامَة لِمَا تَعَبَّدَ النَّاس بِهِ .'; $TAFSEER['4']['55']['3'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَالْحَسَن يَعْنِي آدَم عَلَيْهِ السَّلَام .'; $TAFSEER['4']['55']['4'] = 'أَسْمَاء كُلّ شَيْء . وَقِيلَ : عَلَّمَهُ اللُّغَات كُلّهَا . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَابْن كَيْسَان : الْإِنْسَان هَاهُنَا يُرَاد بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْبَيَان بَيَان الْحَلَال مِنْ الْحَرَام , وَالْهُدَى مِنْ الضَّلَال . وَقِيلَ : مَا كَانَ وَمَا يَكُون , لِأَنَّهُ بَيَّنَ عَنْ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَيَوْم الدِّين . وَقَالَ الضَّحَّاك : " الْبَيَان " الْخَيْر وَالشَّرّ . وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : هُوَ مَا يَنْفَعهُ وَمَا يَضُرّهُ , وَقَالَهُ قَتَادَة . وَقِيلَ : " الْإِنْسَان " يُرَاد بِهِ جَمِيع النَّاس فَهُوَ اِسْم لِلْجِنْسِ و " الْبَيَان " عَلَى هَذَا الْكَلَام وَالْفَهْم , وَهُوَ مِمَّا فُضِّلَ بِهِ الْإِنْسَان عَلَى سَائِر الْحَيَوَان . وَقَالَ السُّدِّيّ : عَلَّمَ كُلّ قَوْم لِسَانهمْ الَّذِي يَتَكَلَّمُونَ بِهِ . وَقَالَ يَمَان : الْكِتَابَة وَالْخَطّ بِالْقَلَمِ . نَظِيره : " عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الْإِنْسَان مَا لَمْ يَعْلَم " [ الْعَلَق : 4 - 5 ] .'; $TAFSEER['4']['55']['5'] = 'أَيْ يَجْرِيَانِ بِحِسَابٍ مَعْلُوم فَأَضْمَرَ الْخَبَر . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَأَبُو مَالِك : أَيْ يَجْرِيَانِ بِحِسَابٍ فِي مَنَازِل لَا يَعْدُوَانِهَا وَلَا يَحِيدَانِ عَنْهَا . وَقَالَ اِبْن زَيْد وَابْن كَيْسَان : يَعْنِي أَنَّ بِهِمَا تُحْسَب الْأَوْقَات وَالْآجَال وَالْأَعْمَار , وَلَوْلَا اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر لَمْ يَدْرِ أَحَد كَيْف يَحْسُب شَيْئًا لَوْ كَانَ الدَّهْر كُلّه لَيْلًا أَوْ نَهَاره . وَقَالَ السُّدِّيّ : " بِحُسْبَانٍ " تَقْدِير آجَالهمَا أَيْ تَجْرِي بِآجَالٍ كَآجَالِ النَّاس , فَإِذَا جَاءَ أَجَلهمَا هَلَكَا , نَظِيره : " كُلّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى " [ الزُّمَر : 5 ] . وَقَالَ الضَّحَّاك : بِقَدَرٍ . مُجَاهِد : " بِحُسْبَانٍ " كَحُسْبَانِ الرَّحَى يَعْنِي قُطْبهَا يَدُورَانِ فِي مِثْل الْقُطْب . وَالْحُسْبَان قَدْ يَكُون مَصْدَر حَسَبْته أَحْسُبهُ بِالضَّمِّ حَسْبًا وَحُسْبَانًا , مِثْل الْغُفْرَان وَالْكُفْرَان وَالرُّجْحَان , وَحِسَابَة أَيْضًا أَيْ عَدَدْته . وَقَالَ الْأَخْفَش : وَيَكُون جَمَاعَة الْحِسَاب مِثْل شِهَاب وَشُهْبَان . وَالْحُسْبَان أَيْضًا بِالضَّمِّ الْعَذَاب وَالسِّهَام الْقِصَار , وَقَدْ مَضَى فِي " الْكَهْف " الْوَاحِدَة حُسْبَانَة , وَالْحُسْبَانَة أَيْضًا الْوِسَادَة الصَّغِيرَة , تَقُول مِنْهُ : حَسَّبْته إِذَا وَسَّدْته , قَالَ نُهَيك الْفَزَارِي : لَثَوَيْت غَيْر مُحَسَّب أَيْ غَيْر مُوَسَّد يَعْنِي غَيْر مُكَرَّم وَلَا مُكَفَّن'; $TAFSEER['4']['55']['6'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : النَّجْم مَا لَا سَاقَ لَهُ وَالشَّجَر مَا لَهُ سَاقَ , وَأَنْشَدَ اِبْن عَبَّاس قَوْل صَفْوَان بْن أَسَد التَّمِيمِيّ : لَقَدْ أَنْجَمَ الْقَاع الْكَبِير عِضَاهَهُ وَتَمَّ بِهِ حَيًّا تَمِيم وَوَائِلِ وَقَالَ زُهَيْر بْن أَبِي سُلْمَى : مُكَلَّل بِأُصُولِ النَّجْم تَنْسِجهُ رِيح الْجَنُوب لِضَاحِي مَائِهِ حُبُكُ وَاشْتِقَاق النَّجْم مِنْ نَجَمَ الشَّيْء يَنْجُم بِالضَّمِّ نُجُومًا ظَهَرَ وَطَلَعَ , وَسُجُودهمَا بِسُجُودِ ظِلَالهمَا , قَالَهُ الضَّحَّاك . وَقَالَ الْفَرَّاء : سُجُودهمَا أَنَّهُمَا يَسْتَقْبِلَانِ الشَّمْس إِذَا طَلَعَتْ ثُمَّ يَمِيلَانِ مَعَهَا حَتَّى يَنْكَسِر الْفَيْء . وَقَالَ الزَّجَّاج : سُجُودهمَا دَوَرَان الظِّلّ مَعَهُمَا , كَمَا قَالَ تَعَالَى : " يَتَفَيَّئُوا ظِلَاله " [ النَّحْل : 48 ] . وَقَالَ الْحَسَن وَمُجَاهِد : النَّجْم نَجْم السَّمَاء , وَسُجُوده فِي قَوْل مُجَاهِد دَوَرَان ظِلّه , وَهُوَ اِخْتِيَار الطَّبَرِيّ , حَكَاهُ الْمَهْدَوِيّ . وَقِيلَ : سُجُود النَّجْم أُفُوله , وَسُجُود الشَّجَر إِمْكَان الِاجْتِنَاء لِثَمَرِهَا , حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقِيلَ : إِنَّ جَمِيع ذَلِكَ مُسَخَّر لِلَّهِ , فَلَا تَعْبُدُوا النَّجْم كَمَا عَبَدَ قَوْم مِنْ الصَّابِئِينَ النُّجُوم , وَعَبَدَ كَثِير مِنْ الْعَجَم الشَّجَر . وَالسُّجُود الْخُضُوع , وَالْمَعْنِيّ بِهِ آثَار الْحُدُوث , حَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ . النَّحَّاس : أَصْل السُّجُود فِي اللُّغَة الِاسْتِسْلَام وَالِانْقِيَاد لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَهُوَ مِنْ الْمَوَات كُلّهَا اِسْتِسْلَامهَا لِأَمْرِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَانْقِيَادهَا لَهُ , وَمِنْ الْحَيَوَان كَذَلِكَ وَيَكُون مِنْ سُجُود الصَّلَاة , وَأَنْشَدَ مُحَمَّد بْن يَزِيد فِي النَّجْم بِمَعْنَى النُّجُوم قَالَ : فَبَاتَتْ تَعُدّ النَّجْم فِي مُسْتَحِيرَة سَرِيع بِأَيْدِي الْآكِلِينَ جُمُودُهَا'; $TAFSEER['4']['55']['7'] = 'وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّال " وَالسَّمَاءُ " بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاء وَاخْتَارَ ذَلِكَ لَمَّا عُطِفَ عَلَى الْجُمْلَة الَّتِي هِيَ : " وَالنَّجْم وَالشَّجَر يَسْجُدَانِ " فَجَعَلَ الْمَعْطُوف مُرَكَّبًا مِنْ مُبْتَدَإٍ وَخَبَر كَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ . الْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى إِضْمَار فِعْل يَدُلّ عَلَيْهِ مَا بَعْده . أَيْ الْعَدْل , عَنْ مُجَاهِد وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ , أَيْ وَضَعَ فِي الْأَرْض الْعَدْل الَّذِي أَمَرَ بِهِ , يُقَال . : وَضَعَ اللَّه الشَّرِيعَة . وَوَضَعَ فُلَان كَذَا أَيْ أَلْقَاهُ , وَقِيلَ : عَلَى هَذَا الْمِيزَان الْقُرْآن , لِأَنَّ فِيهِ بَيَان مَا يُحْتَاج إِلَيْهِ وَهُوَ قَوْل الْحُسَيْن بْن الْفَضْل . وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة - أَيْضًا - وَالضَّحَّاك : هُوَ الْمِيزَان ذُو اللِّسَان الَّذِي يُوزَن بِهِ لِيَنْتَصِف بِهِ النَّاس بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , وَهُوَ خَبَر بِمَعْنَى الْأَمْر بِالْعَدْلِ , يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : " وَأَقِيمُوا الْوَزْن بِالْقِسْطِ " وَالْقِسْط الْعَدْل . وَقِيلَ : هُوَ الْحُكْم . وَقِيلَ : أَرَادَ وَضْع الْمِيزَان فِي الْآخِرَة لِوَزْنِ الْأَعْمَال . وَأَصْل مِيزَان مِوْزَان وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " الْقَوْل فِيهِ .'; $TAFSEER['4']['55']['8'] = 'مَوْضِع " أَنْ " يَجُوز أَنْ يَكُون نَصْبًا عَلَى تَقْدِير حَذْف حَرْف الْجَرّ كَأَنَّهُ قَالَ : لِئَلَّا تَطْغَوْا , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا " [ النِّسَاء : 176 ] . وَيَجُوز أَلَّا يَكُون لـ " ـأَنْ " مَوْضِع مِنْ الْإِعْرَاب فَتَكُون بِمَعْنَى أَيْ و " تَطْغَوْا " عَلَى هَذَا التَّقْدِير مَجْزُومًا , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَانْطَلَقَ الْمَلَأ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا " [ ص : 6 ] أَيْ اِمْشُوا . وَالطُّغْيَان مُجَاوَزَة الْحَدّ . فَمَنْ قَالَ : الْمِيزَان الْعَدْل قَالَ طُغْيَانه الْجَوْر . وَمَنْ قَالَ : إِنَّهُ الْمِيزَان الَّذِي يُوزَن بِهِ قَالَ طُغْيَانه الْبَخْس . قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ لَا تَخُونُوا مَنْ وُزِنْتُمْ لَهُ . وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : يَا مَعْشَر الْمَوَالِي ! وُلِّيتُمْ أَمْرَيْنِ بِهِمَا هَلَكَ النَّاس : الْمِكْيَال وَالْمِيزَان . وَمَنْ قَالَ إِنَّهُ الْحُكْم قَالَ : طُغْيَانه التَّحْرِيف . وَقِيلَ : فِيهِ إِضْمَار , أَيْ وَضَعَ الْمِيزَان وَأَمَرَكُمْ أَلَّا تَطْغَوْا فِيهِ .'; $TAFSEER['4']['55']['9'] = 'أَيْ اِفْعَلُوهُ مُسْتَقِيمًا بِالْعَدْلِ . وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : أَقِيمُوا لِسَان الْمِيزَان بِالْقِسْطِ وَالْعَدْل . وَقَالَ اِبْن عُيَيْنَة : الْإِقَامَة بِالْيَدِ وَالْقِسْط بِالْقَلْبِ . وَقَالَ مُجَاهِد : الْقِسْط الْعَدْل بِالرُّومِيَّةِ . وَقِيلَ : هُوَ كَقَوْلِك أَقَامَ الصَّلَاة أَيْ أَتَى بِهَا فِي وَقْتهَا , وَأَقَامَ النَّاس أَسْوَاقهمْ أَيْ أَتَوْهَا لِوَقْتِهَا . أَيْ لَا تَدَعُوا التَّعَامُل بِالْوَزْنِ بِالْعَدْلِ . وَلَا تَنْقُصُوا الْمِيزَان وَلَا تَبْخَسُوا الْكَيْل وَالْوَزْن , وَهَذَا كَقَوْلِهِ : " وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَال وَالْمِيزَان " [ هُود : 84 ] . وَقَالَ قَتَادَة فِي هَذِهِ الْآيَة : اِعْدِلْ يَا اِبْن آدَم كَمَا تُحِبّ أَنْ يُعْدَل لَك , وَأَوْفِ كَمَا تُحِبّ أَنْ يُوفَى لَك , فَإِنَّ الْعَدْل صَلَاح النَّاس . وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَلَا تُخْسِرُوا مِيزَان حَسَنَاتكُمْ يَوْم الْقِيَامَة فَيَكُون ذَلِكَ حَسْرَة عَلَيْكُمْ . وَكَرَّرَ الْمِيزَان لِحَالِ رُءُوس الْآي . وَقِيلَ : التَّكْرِير لِلْأَمْرِ بِإِيفَاءِ الْوَزْن وَرِعَايَة الْعَدْل فِيهِ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " تُخْسِرُوا " بِضَمِّ التَّاء وَكَسْر السِّين . وَقَرَأَ بِلَال بْن أَبِي بُرْدَة وَأَبَان عَنْ عُثْمَان " تَخْسَرُوا " بِفَتْحِ التَّاء وَالسِّين وَهُمَا لُغَتَانِ , يُقَال : أَخْسَرْت الْمِيزَان وَخَسَرْته كَأَجْبَرْتُهُ وَجَبَرْته . وَقِيلَ : " تَخْسَرُوا " بِفَتْحِ التَّاء وَالسِّين مَحْمُول عَلَى تَقْدِير حَذْف حَرْف الْجَرّ , وَالْمَعْنَى وَلَا تَخْسَرُوا فِي الْمِيزَان .'; $TAFSEER['4']['55']['10'] = 'الْأَنَام النَّاس , عَنْ اِبْن عَبَّاس . الْحَسَن : الْجِنّ وَالْإِنْس . الضَّحَّاك : كُلّ مَا دَبَّ عَلَى وَجْه الْأَرْض , وَهَذَا عَامّ .'; $TAFSEER['4']['55']['11'] = 'أَيْ كُلّ مَا يَتَفَكَّه بِهِ الْإِنْسَان مِنْ أَلْوَان الثِّمَار . الْأَكْمَام جَمْع كِمّ بِالْكَسْرِ . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَالْكِمَّة بِالْكَسْرِ وَالْكِمَامَة وِعَاء الطَّلْع وَغِطَاء النَّوْر وَالْجَمْع كِمَام وَأَكِمَّة وَأَكْمَام وَالْأَكَامِيم أَيْضًا . وَكُمَّ الْفَصِيلُ إِذَا أُشْفِقَ عَلَيْهِ فَسُتِرَ حَتَّى يَقْوَى , قَالَ الْعَجَّاج : بَلْ لَوْ شَهِدْتَ النَّاسَ إِذْ تُكُمُّوا بِغُمَّةٍ لَوْ لَمْ تُفَرَّجْ غُمُّوا وَتُكُمُّوا أَيْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمْ وَغُطُّوا . وَأَكَمَّتْ النَّخْلَةُ وَكَمَّمَتْ أَيْ أَخْرَجَتْ أَكْمَامَهَا . وَالْكِمَام بِالْكَسْرِ وَالْكِمَامَة أَيْضًا مَا يُكَمّ بِهِ فَم الْبَعِير لِئَلَّا يَعَضّ , تَقُول مِنْهُ : بَعِير مَكْمُوم أَيْ مَحْجُوم . وَكَمَّمْت الشَّيْء غَطَّيْته . وَالْكَمُّ مَا سَتَرَ شَيْئًا وَغَطَّاهُ , وَمِنْهُ كُمُّ الْقَمِيص بِالضَّمِّ وَالْجَمْع أَكْمَام وَكِمَمَة , مِثْل حَبّ وَحِبَبَة . وَالْكُمَّة الْقَلَنْسُوَة الْمُدَوَّرَة , لِأَنَّهَا تُغَطِّي الرَّأْس . قَالَ : فَقُلْت لَهُمْ كِيلُو بِكُمَّةِ بَعْضكُمْ دَرَاهِمكُمْ إِنِّي كَذَلِكَ أَكْيَلُ قَالَ الْحَسَن : " ذَات الْأَكْمَام " أَيْ ذَات اللِّيف فَإِنَّ النَّخْلَة قَدْ تُكَمَّم بِاللِّيفِ , وَكِمَامهَا لِيفهَا الَّذِي فِي أَعْنَاقهَا . اِبْن زَيْد : ذَات الطَّلْع قَبْل أَنْ يَتَفَتَّق . وَقَالَ عِكْرِمَة : ذَات الْأَحْمَال .'; $TAFSEER['4']['55']['12'] = 'الْحَبّ الْحِنْطَة وَالشَّعِير وَنَحْوهمَا , وَالْعَصْف التِّبْن , عَنْ الْحَسَن وَغَيْره . مُجَاهِد : وَرَق الشَّجَر وَالزَّرْع . اِبْن عَبَّاس : تِبْن الزَّرْع وَوَرَقه الَّذِي تَعْصِفهُ الرِّيَاح . سَعِيد بْن جُبَيْر : بَقْل الزَّرْع أَيْ أَوَّل مَا يَنْبُت مِنْهُ , وَقَالَهُ الْفَرَّاء . وَالْعَرَب تَقُول : خَرَجْنَا نَعْصِف الزَّرْع إِذَا قَطَعُوا مِنْهُ قَبْل أَنْ يُدْرِك . وَكَذَا فِي الصِّحَاح : وَعَصَفْت الزَّرْع أَيْ جَزَزْته قَبْل أَنْ يُدْرِك . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : الْعَصْف وَرَق الزَّرْع الْأَخْضَر إِذَا قُطِعَ رُءُوسه وَيَبِسَ , نَظِيره : " فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُول " [ الْفِيل : 5 ] . الْجَوْهَرِيّ : وَقَدْ أَعْصَفَ الزَّرْعُ , وَمَكَان مُعْصِف أَيْ كَثِير الزَّرْع . قَالَ أَبُو قَيْس بْن الْأَسْلَت الْأَنْصَارِيّ : إِذَا جُمَادَى مَنَعَتْ قَطْرهَا زَانَ جَنَابِي عَطَنٌ مُعْصِفُ وَالْعَصْف أَيْضًا الْكَسْب , وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز [ الْعَجَّاج ] : بِغَيْرِ مَا عَصْف وَلَا اِصْطِرَاف وَكَذَلِكَ الِاعْتِصَاف . وَالْعَصِيفَة الْوَرَق الْمُجْتَمِع الَّذِي يَكُون فِيهِ السُّنْبُل . وَقَالَ الْهَرَوِيّ : وَالْعَصْف وَالْعَصِيفَة وَرَق السُّنْبُل . وَحَكَى الثَّعْلَبِيّ : وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت تَقُول الْعَرَب لِوَرَقِ الزَّرْع الْعَصْف وَالْعَصِيفَة وَالْجِلّ بِكَسْرِ الْجِيم . قَالَ عَلْقَمَة بْن عَبْدَة : تَسْقِي مَذَانِب قَدْ مَالَتْ عَصِيفَتهَا حَدُورهَا مِنْ أَتِيّ الْمَاء مَطْمُوم وَفِي الصِّحَاح : وَالْجِلّ بِالْكَسْرِ قَصَب الزَّرْع إِذَا حُصِدَ . وَالرَّيْحَان الرِّزْق , عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد . الضَّحَّاك : هِيَ لُغَة حِمْيَر . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة : أَنَّهُ الرَّيْحَان الَّذِي يُشَمّ , وَقَالَهُ اِبْن زَيْد . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : أَنَّهُ خُضْرَة الزَّرْع . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : هُوَ مَا قَامَ عَلَى سَاقٍ . وَقَالَ الْفَرَّاء : الْعَصْف الْمَأْكُول مِنْ الزَّرْع , وَالرَّيْحَان مَا لَا يُؤْكَل . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : إِنَّ الْعَصْف الْوَرَق الَّذِي لَا يُؤْكَل , وَالرَّيْحَان هُوَ الْحَبّ الْمَأْكُول . وَقِيلَ : الرَّيْحَان كُلّ بَقْلَة طَيِّبَة الرِّيح سُمِّيَتْ رَيْحَانًا , لِأَنَّ الْإِنْسَان يَرَاحُ لَهَا رَائِحَةً طَيِّبَة . أَيْ يَشُمّ فَهُوَ فَعْلَان رَوْحَان مِنْ الرَّائِحَة , وَأَصْل الْيَاء فِي الْكَلِمَة وَاو قُلِبَ يَاء لِلْفَرْقِ بَيْنه وَبَيْن الرُّوحَانِيّ وَهُوَ كُلّ شَيْء لَهُ رُوح . قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : يُقَال شَيْء رُوحَانِيّ وَرَيْحَانِيّ أَيْ لَهُ رُوح . وَيَجُوز أَنْ يَكُون عَلَى وَزْن فَيْعَلَان فَأَصْله رَيْوَحَان فَأُبْدِلَ مِنْ الْوَاو يَاء وَأُدْغِمَ كَهَيِّنٍ وَلَيِّن , ثُمَّ أُلْزِمَ التَّخْفِيف لِطُولِهِ وَلِحَاق الزَّائِدَتَيْنِ الْأَلِف وَالنُّون , وَالْأَصْل فِيمَا يَتَرَكَّب مِنْ الرَّاء وَالْوَاو وَالْحَاء الِاهْتِزَاز وَالْحَرَكَة . وَفِي الصِّحَاح : وَالرَّيْحَان نَبْت مَعْرُوف , وَالرَّيْحَان الرِّزْق , تَقُول : خَرَجْت أَبْتَغِي رَيْحَان اللَّه , قَالَ النَّمِر بْن تَوْلَب : سَلَام الْإِلَه وَرَيْحَانه وَرَحْمَته وَسَمَاء دِرَرْ وَفِي الْحَدِيث : " الْوَلَد مِنْ رَيْحَان اللَّه " . وَقَوْلهمْ : سُبْحَانَ اللَّه وَرَيْحَانَهُ , نَصَبُوهُمَا عَلَى الْمَصْدَر يُرِيدُونَ تَنْزِيهًا لَهُ وَاسْتِرْزَاقًا . وَأَمَّا قَوْله : " وَالْحَبّ ذُو الْعَصْف وَالرَّيْحَان " فَالْعَصْف سَاق الزَّرْع , وَالرَّيْحَان وَرَقه , عَنْ الْفَرَّاء . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْف وَالرَّيْحَانُ " بِالرَّفْعِ فِيهَا كُلّهَا عَلَى الْعَطْف عَلَى الْفَاكِهَة . وَنَصَبَهَا كُلّهَا اِبْن عَامِر وَأَبُو حَيْوَة وَالْمُغِيرَة عَطْفًا عَلَى الْأَرْض . وَقِيلَ : بِإِضْمَارِ فِعْل , أَيْ وَخَلَقَ الْحَبّ ذَا الْعَصْف وَالرَّيْحَان , فَمِنْ هَذَا الْوَجْه يَحْسُن الْوَقْف عَلَى " ذَات الْأَكْمَام " . وَجَرَّ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " الرَّيْحَان " عَطْفًا عَلَى الْعَصْف , أَيْ فِيهَا الْحَبّ ذُو الْعَصْف وَالرَّيْحَان , وَلَا يَمْتَنِع ذَلِكَ عَلَى قَوْل مَنْ جَعَلَ الرَّيْحَان الرِّزْق , فَيَكُون كَأَنَّهُ قَالَ : وَالْحَبّ ذُو الرِّزْق . وَالرِّزْق مِنْ حَيْثُ كَانَ الْعَصْف رِزْقًا , لِأَنَّ الْعَصْف رِزْق لِلْبَهَائِمِ , وَالرَّيْحَان رِزْق لِلنَّاسِ , وَلَا شُبْهَة فِيهِ فِي قَوْل مَنْ قَالَ إِنَّهُ الرَّيْحَان الْمَشْمُوم .'; $TAFSEER['4']['55']['13'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " " لَلْجِنُّ أَحْسَنُ مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ قِ : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] .. فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْيٌ وَأَلْيٌ أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَمُ الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَةٍ كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْتِ مُسْلِمَةً إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِرِ وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['14'] = 'لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانه خَلْق الْعَالَم الْكَبِير مِنْ السَّمَاء وَالْأَرْض , وَمَا فِيهِمَا مِنْ الدَّلَالَات عَلَى وَحْدَانِيَّته وَقُدْرَته ذَكَرَ خَلْق الْعَالَم الصَّغِير فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " بِاتِّفَاقٍ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل يَعْنِي آدَم . الصَّلْصَال الطِّين الْيَابِس الَّذِي يُسْمَع لَهُ صَلْصَلَة , شَبَّهَهُ بِالْفَخَّارِ الَّذِي طُبِخَ . وَقِيلَ : هُوَ طِين خُلِطَ بِرَمْلٍ . وَقِيلَ : هُوَ الطِّين الْمُنْتِن مِنْ صَلَّ اللَّحْم وَأَصَلَّ إِذَا أَنْتَنَ , وَقَدْ مَضَى فِي " الْحِجْر " . وَقَالَ هُنَا : " مِنْ صَلْصَال كَالْفَخَّارِ " وَقَالَ هُنَاكَ : " مِنْ صَلْصَال مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون " [ الْحِجْر : 26 ] . وَقَالَ : " إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِين لَازِب " [ الصَّافَّات : 11 ] . وَقَالَ : " كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب " [ آل عِمْرَان : 59 ] وَذَلِكَ مُتَّفَق الْمَعْنَى , وَذَلِكَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ تُرَاب الْأَرْض فَعَجَنَهُ فَصَارَ طِينًا , ثُمَّ اِنْتَقَلَ فَصَارَ كَالْحَمَإِ الْمَسْنُون , ثُمَّ اِنْتَقَلَ فَصَارَ صَلْصَالًا كَالْفَخَّارِ .'; $TAFSEER['4']['55']['15'] = 'قَالَ الْحَسَن : الْجَانّ إِبْلِيس وَهُوَ أَبُو الْجِنّ . وَقِيلَ : الْجَانّ وَاحِد الْجِنّ , وَالْمَارِج اللَّهَب , عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَقَالَ : خَلَقَ اللَّه الْجَانّ مِنْ خَالِص النَّار . وَعَنْهُ أَيْضًا مِنْ لِسَانهَا الَّذِي يَكُون فِي طَرَفهَا إِذَا اِلْتَهَبَتْ . وَقَالَ اللَّيْث : الْمَارِج الشُّعْلَة السَّاطِعَة ذَات اللَّهَب الشَّدِيد . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ اللَّهَب الَّذِي يَعْلُو النَّار فَيَخْتَلِط بَعْضه بِبَعْضٍ أَحْمَر وَأَصْفَر وَأَخْضَر , وَنَحْوه عَنْ مُجَاهِد , وَكُلّه مُتَقَارِب الْمَعْنَى . وَقِيلَ : الْمَارِج كُلّ أَمْر مُرْسَل غَيْر مَمْنُوع , وَنَحْوه قَوْل الْمُبَرِّد , قَالَ الْمُبَرِّد : الْمَارِج النَّار الْمُرْسَلَة الَّتِي لَا تُمْنَع . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَالْحَسَن : الْمَارِج خَلْط النَّار , وَأَصْله مِنْ مَرِجَ إِذَا اِضْطَرَبَ وَاخْتَلَطَ , وَيُرْوَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ نَارَيْنِ فَمَرَجَ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى , فَأَكَلَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَهِيَ نَار السَّمُوم فَخَلَقَ مِنْهَا إِبْلِيس . قَالَ الْقُشَيْرِيّ وَالْمَارِج فِي اللُّغَة الْمُرْسَل أَوْ الْمُخْتَلَط وَهُوَ فَاعِل بِمَعْنَى مَفْعُول , كَقَوْلِهِ : " مَاء دَافِق " [ الطَّارِق : 6 ] و " عِيشَة رَاضِيَة " [ الْحَاقَّة : 21 ] وَالْمَعْنَى ذُو مَرْج , قَالَ الْجَوْهَرِيّ فِي الصِّحَاح : و " مَارِج مِنْ نَار " نَار لَا دُخَان لَهَا خُلِقَ مِنْهَا الْجَانّ .'; $TAFSEER['4']['55']['16'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَان " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْع الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَةٍ كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْتِ مُسْلِمَةً إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِرِ وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['17'] = 'أَيْ هُوَ رَبّ الْمَشْرِقَيْنِ . وَفِي الصَّافَّات " وَرَبّ الْمَشَارِق " [ الصَّافَّات : 5 ] وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي ذَلِكَ هُنَالِكَ .'; $TAFSEER['4']['55']['18'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['19'] = 'أَيْ خَلَّى وَأَرْسَلَ وَأَهْمَلَ , يُقَال : مَرَجَ السُّلْطَان النَّاس إِذَا أَهْمَلَهُمْ . وَأَصْل الْمَرْج الْإِهْمَال كَمَا تُمْرَج الدَّابَّة فِي الْمَرْعَى . وَيُقَال : مَرَجَ خَلَطَ . وَقَالَ الْأَخْفَش : وَيَقُول قَوْم أَمْرَج الْبَحْرَيْنِ مِثْل مَرَجَ , فَعَلَ وَأَفْعَلَ بِمَعْنًى . قَالَ اِبْن عَبَّاس : بَحْر السَّمَاء وَبَحْر الْأَرْض , وَقَالَهُ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر . فِي كُلّ عَام . وَقِيلَ : يَلْتَقِي طَرَفَاهُمَا . وَقَالَ الْحَسَن , وَقَتَادَة : بَحْر فَارِس وَالرُّوم . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : إِنَّهُ الْبَحْر الْمَالِح وَالْأَنْهَار الْعَذْبَة . وَقِيلَ : بَحْر الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب يَلْتَقِي طَرَفَاهُمَا . وَقِيلَ : بَحْر اللُّؤْلُؤ وَالْمَرْجَان .'; $TAFSEER['4']['55']['20'] = 'أَيْ حَاجِز فَعَلَى الْقَوْل الْأَوَّل مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض , قَالَهُ الضَّحَّاك . وَعَلَى الْقَوْل الثَّانِي الْأَرْض الَّتِي بَيْنهمَا وَهِيَ الْحِجَاز , قَالَهُ الْحَسَن وَقَتَادَة . وَعَلَى غَيْرهمَا مِنْ الْأَقْوَال الْقُدْرَة الْإِلَهِيَّة عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " الْفُرْقَان " . وَفِي الْخَبَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّ اللَّه تَعَالَى كَلَّمَ النَّاحِيَة الْغَرْبِيَّة فَقَالَ : إِنِّي جَاعِل فِيك عِبَادًا لِي يُسَبِّحُونِي وَيُكَبِّرُونِي وَيُهَلِّلُونِي وَيُمَجِّدُونِي فَكَيْف أَنْتِ لَهُمْ ؟ فَقَالَتْ : أُغْرِقهُمْ يَا رَبّ . قَالَ : إِنِّي أَحْمِلهُمْ عَلَى يَدِي , وَأَجْعَل بَأْسك فِي نَوَاحِيك . ثُمَّ كَلَّمَ النَّاحِيَة الشَّرْقِيَّة فَقَالَ : إِنِّي جَاعِل فِيك عِبَادًا لِي يُسَبِّحُونِي وَيُكَبِّرُونِي وَيُهَلِّلُونِي وَيُمَجِّدُونِي فَكَيْف أَنْتِ لَهُمْ ؟ قَالَتْ : أُسَبِّحك مَعَهُمْ إِذَا سَبَّحُوك , وَأُكَبِّرك مَعَهُمْ إِذَا كَبَّرُوك , وَأُهَلِّلُكَ مَعَهُمْ إِذَا هَلَّلُوكَ , وَأُمَجِّدك مَعَهُمْ إِذَا مَجَّدُوك , فَأَثَابَهَا اللَّه الْحِلْيَة وَجَعَلَ بَيْنهمَا بَرْزَخًا , وَتَحَوَّلَ أَحَدهمَا مِلْحًا أُجَاجًا , وَبَقِيَ الْآخَر عَلَى حَالَته عَذْبًا فُرَاتًا " ذَكَرَ هَذَا الْخَبَر التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم أَبُو عَبْد اللَّه قَالَ : حَدَّثَنَا صَالِح بْن مُحَمَّد , حَدَّثَنَا الْقَاسِم الْعُمَرِيّ عَنْ سَهْل عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة : " لَا يَبْغِيَانِ " قَالَ قَتَادَة : لَا يَبْغِيَانِ عَلَى النَّاس فَيُغْرِقَانِهِمْ , جَعَلَ بَيْنهمَا وَبَيْن النَّاس يَبَسًا . وَعَنْهُ أَيْضًا وَمُجَاهِد : لَا يَبْغِي أَحَدهمَا عَلَى صَاحِبه فَيَغْلِبهُ . اِبْن زَيْد : الْمَعْنَى " لَا يَبْغِيَانِ " أَنْ يَلْتَقِيَا , وَتَقْدِير الْكَلَام : مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ , لَوْلَا الْبَرْزَخ الَّذِي بَيْنهمَا لَا يَبْغِيَانِ أَنْ يَلْتَقِيَا . وَقِيلَ : الْبَرْزَخ مَا بَيْن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , أَيْ بَيْنهمَا مُدَّة قَدَّرَهَا اللَّه وَهِيَ مُدَّة الدُّنْيَا فَهُمَا لَا يَبْغِيَانِ , فَإِذَا أَذِنَ اللَّه فِي اِنْقِضَاء الدُّنْيَا صَارَ الْبَحْرَانِ شَيْئًا وَاحِدًا , وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَإِذَا الْبِحَار فُجِّرَتْ " [ الِانْفِطَار : 3 ] . وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه : الْبَحْرَانِ طَرِيق الْخَيْر وَالشَّرّ , وَالْبَرْزَخ الَّذِي بَيْنهمَا التَّوْفِيق وَالْعِصْمَة .'; $TAFSEER['4']['55']['21'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['22'] = 'أَيْ يَخْرُج لَكُمْ مِنْ الْمَاء اللُّؤْلُؤ وَالْمَرْجَان , كَمَا يَخْرُج مِنْ التُّرَاب الْحَبّ وَالْعَصْف وَالرَّيْحَان . وَقَرَأَ نَافِع وَأَبُو عُمَر " يُخْرَج " بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الرَّاء عَلَى الْفِعْل الْمَجْهُول . الْبَاقُونَ " يَخْرُج " بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمّ الرَّاء عَلَى أَنَّ اللُّؤْلُؤ هُوَ الْفَاعِل . وَقَالَ : " مِنْهُمَا " وَإِنَّمَا يَخْرُج مِنْ الْمِلْح لَا الْعَذْب لِأَنَّ الْعَرَب تَجْمَع الْجِنْسَيْنِ ثُمَّ تُخْبِر عَنْ أَحَدهمَا , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُل مِنْكُمْ " [ الْأَنْعَام : 130 ] وَإِنَّمَا الرُّسُل مِنْ الْإِنْس دُون الْجِنّ , قَالَ الْكَلْبِيّ وَغَيْره . قَالَ الزَّجَّاج : قَدْ ذَكَرَهُمَا اللَّه فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَحَدهمَا شَيْء فَقَدْ خَرَجَ مِنْهُمَا , وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " أَلَمْ تَرَوْا كَيْف خَلَقَ اللَّه سَبْع سَمَاوَات طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَر فِيهِنَّ نُورًا " [ نُوحَ : 15 ] وَالْقَمَر فِي سَمَاء الدُّنْيَا وَلَكِنْ أَجْمَلَ ذِكْر السَّبْع فَكَأَنَّ مَا فِي إِحْدَاهُنَّ فِيهِنَّ . وَقَالَ أَبُو عَلِيّ الْفَارِسِيّ : هَذَا مِنْ بَاب حَذْف الْمُضَاف , أَيْ مِنْ إِحْدَاهُمَا , كَقَوْلِهِ : " عَلَى رَجُل مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم " [ الزُّخْرُف 31 ] أَيْ مِنْ إِحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ . وَقَالَ الْأَخْفَش سَعِيد : زَعَمَ قَوْم أَنَّهُ يَخْرُج اللُّؤْلُؤ مِنْ الْعَذْب . وَقِيلَ : هُمَا بَحْرَانِ يَخْرُج مِنْ أَحَدهمَا اللُّؤْلُؤ وَمِنْ الْآخَر الْمَرْجَان . اِبْن عَبَّاس : هُمَا بَحْرًا السَّمَاء وَالْأَرْض . فَإِذَا وَقَعَ مَاء السَّمَاء فِي صَدَف الْبَحْر اِنْعَقَدَ لُؤْلُؤًا فَصَارَ خَارِجًا مِنْهُمَا , وَقَالَهُ الطَّبَرِيّ . قَالَ الثَّعْلَبِيّ : وَلَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّ نَوَاة كَانَتْ فِي جَوْف صَدَفَة , فَأَصَابَتْ الْقَطْرَة بَعْض النَّوَاة وَلَمْ تُصِبْ الْبَعْض , فَكَانَ حَيْثُ أَصَابَ الْقَطْرَة مِنْ النَّوَاة لُؤْلُؤَة وَسَائِرهَا نَوَاة . وَقِيلَ : إِنَّ الْعَذْب وَالْمِلْح قَدْ يَلْتَقِيَانِ , فَيَكُون الْعَذْب كَاللِّقَاحِ لِلْمِلْحِ , فَنُسِبَ إِلَيْهِمَا كَمَا يُنْسَب الْوَلَد إِلَى الذَّكَر وَالْأُنْثَى وَإِنْ وَلَدَتْهُ الْأُنْثَى , لِذَلِكَ قِيلَ : إِنَّهُ لَا يَخْرُج اللُّؤْلُؤ إِلَّا مِنْ وَضْع يَلْتَقِي فِيهِ الْعَذْب وَالْمِلْح . وَقِيلَ : الْمَرْجَان عِظَام اللُّؤْلُؤ وَكِبَاره , قَالَهُ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . وَاللُّؤْلُؤ صِغَاره . وَعَنْهُمَا أَيْضًا بِالْعَكْسِ : إِنَّ اللُّؤْلُؤ كِبَار اللُّؤْلُؤ وَالْمَرْجَان صِغَاره , وَقَالَهُ الضَّحَّاك وَقَتَادَة . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَأَبُو مَالِك : الْمَرْجَان الْخَرَز الْأَحْمَر .'; $TAFSEER['4']['55']['23'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['24'] = 'يَعْنِي السُّفُن . وَقَرَأَ يَعْقُوب " الْجَوَارِي " بِيَاءٍ فِي الْوَقْف , وَحَذَفَ الْبَاقُونَ . قِرَاءَة الْعَامَّة " الْمُنْشَآت " بِفَتْحِ الشِّين , قَالَ قَتَادَة : أَيْ الْمَخْلُوقَات لِلْجَرْيِ مَأْخُوذ مِنْ الْإِنْشَاء . وَقَالَ مُجَاهِد : هِيَ السُّفُن الَّتِي رُفِعَ قِلْعهَا , قَالَ : وَإِذَا لَمْ يُرْفَع قِلْعهَا فَلَيْسَتْ بِمُنْشَآتٍ . وَقَالَ الْأَخْفَش : إِنَّهَا الْمُجْرَيَات . وَفِي الْحَدِيث : أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ رَأَى سُفُنًا مُقْلَعَة , فَقَالَ : وَرَبّ هَذِهِ الْجَوَارِي الْمُنْشَآت مَا قَتَلْت عُثْمَان وَلَا مَالَأْت فِي قَتْله . وَقَرَأَ حَمْزَة وَأَبُو بَكْر عَنْ عَاصِم بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ " الْمُنْشِئَات " بِكَسْرِ الشِّين أَيْ الْمُنْشِئَات السَّيْر , أُضِيفَ الْفِعْل إِلَيْهَا عَلَى التَّجَوُّز وَالِاتِّسَاع . وَقِيلَ : الرَّافِعَات الشُّرُع أَيْ الْقُلُع . وَمَنْ فَتَحَ الشِّين قَالَ : الْمَرْفُوعَات الشُّرُع . أَيْ كَالْجِبَالِ , وَالْعَلَم الْجَبَل الطَّوِيل , قَالَ : إِذَا قَطَعْنَ عَلَمًا بَدَا عَلَم فَالسُّفُن فِي الْبَحْر كَالْجِبَالِ فِي الْبَرّ , وَقَدْ مَضَى فِي " الشُّورَى " بَيَانه .'; $TAFSEER['4']['55']['25'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ . وَقَرَأَ يَعْقُوب " الْجَوَارِي " بِيَاءٍ فِي الْوَقْف وَحَذَفَ الْبَاقُونَ'; $TAFSEER['4']['55']['26'] = 'الضَّمِير فِي " عَلَيْهَا " لِلْأَرْضِ , وَقَدْ جَرَى ذِكْرُهَا فِي أَوَّل السُّورَة فِي قَوْله تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " [ الرَّحْمَن : 10 ] وَقَدْ يُقَال : هُوَ أَكْرَمُ مَنْ عَلَيْهَا يَعْنُونَ الْأَرْض وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْر . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة قَالَتْ الْمَلَائِكَة هَلَكَ أَهْل الْأَرْض فَنَزَلَتْ : " كُلّ شَيْء هَالِك إِلَّا وَجْهه " [ الْقَصَص : 88 ] فَأَيْقَنَتْ الْمَلَائِكَة بِالْهَلَاكِ , وَقَالَهُ مُقَاتِل . وَوَجْه النِّعْمَة فِي فَنَاء الْخَلْق التَّسْوِيَة بَيْنهمْ فِي الْمَوْت , وَمَعَ الْمَوْت تَسْتَوِي الْأَقْدَام . وَقِيلَ : وَجْه النِّعْمَة أَنَّ الْمَوْت سَبَب النَّقْل إِلَى دَار الْجَزَاء وَالثَّوَاب .'; $TAFSEER['4']['55']['27'] = 'أَيْ وَيَبْقَى اللَّه , فَالْوَجْه عِبَارَة عَنْ وُجُوده وَذَاته سُبْحَانه , قَالَ الشَّاعِر : قَضَى عَلَى خَلْقه الْمَنَايَا فَكُلّ شَيْء سِوَاهُ فَانِي وَهَذَا الَّذِي اِرْتَضَاهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ عُلَمَائِنَا : اِبْن فَوْرَك وَأَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرهمْ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْوَجْه عِبَارَة عَنْهُ كَمَا قَالَ : " وَيَبْقَى وَجْه رَبّك ذُو الْجَلَال وَالْإِكْرَام " وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : وَأَمَّا الْوَجْه فَالْمُرَاد بِهِ عِنْد مُعْظَم أَئِمَّتنَا وُجُود الْبَارِي تَعَالَى , وَهُوَ الَّذِي اِرْتَضَاهُ شَيْخنَا . وَمِنْ الدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " وَيَبْقَى وَجْه رَبّك " وَالْمَوْصُوف بِالْبَقَاءِ عِنْد تَعَرُّض الْخَلْق لِلْفَنَاءِ وُجُود الْبَارِي تَعَالَى . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " الْقَوْل فِي هَذَا عِنْد قَوْله تَعَالَى : " فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه اللَّه " [ الْبَقَرَة : 115 ] وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْكِتَاب الْأَسْنَى مُسْتَوْفًى . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : قَالَ قَوْم هُوَ صِفَة زَائِدَة عَلَى الذَّات لَا تُكَيَّف , يَحْصُل بِهَا الْإِقْبَال عَلَى مَنْ أَرَادَ الرَّبُّ تَخْصِيصَهُ بِالْإِكْرَامِ . وَالصَّحِيح أَنْ يُقَال : وَجْهه وُجُوده وَذَاته , يُقَال : هَذَا وَجْه الْأُمّ وَوَجْه الصَّوَاب وَعَيْن الصَّوَاب . وَقِيلَ : أَيْ يَبْقَى الظَّاهِر بِأَدِلَّتِهِ كَظُهُورِ الْإِنْسَان بِوَجْهِهِ . وَقِيلَ : وَتَبْقَى الْجِهَة الَّتِي يُتَقَرَّب بِهَا إِلَى اللَّه . الْجَلَال عَظَمَة اللَّه وَكِبْرِيَاؤُهُ وَاسْتِحْقَاقه صِفَات الْمَدْح , يُقَال : جَلَّ الشَّيْء أَيْ عَظُمَ وَأَجْلَلْته أَيْ عَظَّمْته , وَالْجَلَال اِسْم مِنْ جَلَّ . أَيْ هُوَ أَهْل لِأَنْ يُكْرَم عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ مِنْ الشِّرْك , كَمَا تَقُول : أَنَا أُكْرِمك عَنْ هَذَا , وَمِنْهُ إِكْرَام الْأَنْبِيَاء وَالْأَوْلِيَاء . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى هَذَيْنِ , الِاسْمَيْنِ لُغَة وَمَعْنًى فِي الْكِتَاب الْأَسْنَى مُسْتَوْفًى . وَرَوَى أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَلِظُّوا ب ( يَا ذَا الْجَلَال وَالْإِكْرَام ) . وَرُوِيَ أَنَّهُ مِنْ قَوْل اِبْن مَسْعُود , وَمَعْنَاهُ : اِلْزَمُوا ذَلِكَ فِي الدُّعَاء . قَالَ أَبُو عُبَيْد : الْإِلْظَاظ لُزُوم الشَّيْء وَالْمُثَابَرَة عَلَيْهِ . وَيُقَال : الْإِلْظَاظ الْإِلْحَاح . وَعَنْ سَعِيد الْمَقْبُرِيّ . أَنَّ رَجُلًا أَلَحَّ فَجَعَلَ يَقُول : اللَّهُمَّ يَا ذَا الْجَلَال وَالْإِكْرَام ! اللَّهُمَّ يَا ذَا الْجَلَال وَالْإِكْرَام ! فَنُودِيَ : إِنِّي قَدْ سَمِعْت فَمَا حَاجَتك ؟'; $TAFSEER['4']['55']['28'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['29'] = 'قِيلَ : الْمَعْنَى يَسْأَلهُ مَنْ فِي السَّمَاوَات الرَّحْمَة , وَمَنْ فِي الْأَرْض الرِّزْق . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو صَالِح : أَهْل السَّمَاوَات يَسْأَلُونَهُ الْمَغْفِرَة وَلَا يَسْأَلُونَهُ الرِّزْق , وَأَهْل الْأَرْض يَسْأَلُونَهُمَا جَمِيعًا . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : وَتَسْأَل الْمَلَائِكَة الرِّزْق لِأَهْلِ الْأَرْض , فَكَانَتْ الْمَسْأَلَتَانِ جَمِيعًا مِنْ أَهْل السَّمَاء وَأَهْل الْأَرْض لِأَهْلِ الْأَرْض . وَفِي الْحَدِيث : " إِنَّ مِنْ الْمَلَائِكَة مَلَكًا لَهُ أَرْبَعَة أَوْجُه وَجْه كَوَجْهِ الْإِنْسَان وَهُوَ يَسْأَل اللَّه الرِّزْق لِبَنِي آدَم وَوَجْه كَوَجْهِ الْأَسَد وَهُوَ يَسْأَل اللَّه الرِّزْق لِلسِّبَاعِ وَوَجْه كَوَجْهِ الثَّوْر وَهُوَ يَسْأَل اللَّه الرِّزْق لِلْبَهَائِمِ وَوَجْه كَوَجْهِ النَّسْر وَهُوَ يَسْأَل اللَّه الرِّزْق لِلطَّيْرِ " . وَقَالَ اِبْن عَطَاء : إِنَّهُمْ سَأَلُوهُ الْقُوَّة عَلَى الْعِبَادَة . " كُلّ يَوْم هُوَ فِي شَأْن " هَذَا كَلَام مُبْتَدَأ . وَانْتَصَبَ " كُلَّ يَوْم " ظَرْفًا , لِقَوْلِهِ : " فِي شَأْن " أَوْ ظَرْفًا لِلسُّؤَالِ , ثُمَّ يَبْتَدِئ " هُوَ فِي شَأْن " . وَرَوَى أَبُو الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ : ( مِنْ شَأْنه أَنْ يَغْفِر ذَنْبًا وَيُفَرِّج كَرْبًا وَيَرْفَع قَوْمًا وَيَضَع آخَرِينَ ) . وَعَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " كُلّ يَوْم هُوَ فِي شَأْن " قَالَ : " يَغْفِر ذَنْبًا وَيَكْشِف كَرْبًا وَيُجِيب دَاعِيًا " . وَقِيلَ : مِنْ شَأْنه أَنْ يُحْيِي وَيُمِيت , وَيُعِزّ وَيُذِلّ , وَيَرْزُق وَيَمْنَع . وَقِيلَ : أَرَادَ شَأْنه فِي يَوْمَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . قَالَ اِبْن بَحْر : الدَّهْر كُلّه يَوْمَانِ , أَحَدهمَا مُدَّة أَيَّام الدُّنْيَا , وَالْآخَر يَوْم الْقِيَامَة , فَشَأْنه سُبْحَانه وَتَعَالَى فِي أَيَّام الدُّنْيَا الِابْتِلَاء وَالِاخْتِبَار بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي وَالْإِحْيَاء وَالْإِمَاتَة وَالْإِعْطَاء وَالْمَنْع , وَشَأْنه يَوْم الْقِيَامَة الْجَزَاء وَالْحِسَاب , وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِذَلِكَ الْإِخْبَار عَنْ شَأْنه فِي كُلّ يَوْم مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا وَهُوَ الظَّاهِر . وَالشَّأْن فِي اللُّغَة الْخَطْب الْعَظِيم وَالْجَمْع الشُّؤُون وَالْمُرَاد بِالشَّأْنِ هَاهُنَا الْجَمْع كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " ثُمَّ يُخْرِجك طِفْلًا " [ غَافِر 67 ] . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : شَأْنه سَوْق الْمَقَادِير إِلَى الْمَوَاقِيت . وَقَالَ عَمْرو بْن مَيْمُون فِي قَوْله تَعَالَى : " كُلّ يَوْم هُوَ فِي شَأْن " مِنْ شَأْنه أَنْ يُمِيت حَيًّا , وَيُقِرّ فِي الْأَرْحَام مَا شَاءَ , وَيُعِزّ ذَلِيلًا , وَيُذِلّ عَزِيزًا . وَسَأَلَ بَعْض الْأُمَرَاء وَزِيره عَنْ قَوْله تَعَالَى : " كُلّ يَوْم هُوَ فِي شَأْن " فَلَمْ يَعْرِف مَعْنَاهَا , وَاسْتَمْهَلَهُ إِلَى الْغَد فَانْصَرَفَ كَئِيبًا إِلَى مَنْزِله فَقَالَ لَهُ غُلَام لَهُ أَسْوَد : مَا شَأْنك ؟ فَأَخْبَرَهُ . فَقَالَ لَهُ : عُدْ إِلَى الْأَمِير فَإِنِّي أُفَسِّرهَا لَهُ , فَدَعَاهُ فَقَالَ : أَيّهَا الْأَمِير ! شَأْنه أَنْ يُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار , وَيُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل , وَيُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت , وَيُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ , وَيَشْفِي سَقِيمًا , وَيُسْقِم سَلِيمًا , وَيَبْتَلِي مُعَافًى , وَيُعَافِي مُبْتَلًى , وَيُعِزّ ذَلِيلًا وَيُذِلّ عَزِيزًا , وَيُفْقِر غَنِيًّا وَيُغْنِي فَقِيرًا , فَقَالَ لَهُ : فَرَّجْت - عَنِّي فَرَّجَ اللَّه عَنْك , ثُمَّ أَمَرَ بِخَلْعِ ثِيَاب الْوَزِير وَكَسَاهَا الْغُلَام , فَقَالَ : يَا مَوْلَايَ ! هَذَا مِنْ شَأْن اللَّه تَعَالَى . وَعَنْ عَبْد اللَّه بْن طَاهِر : أَنَّهُ دَعَا الْحُسَيْن بْن الْفَضْل وَقُلْ لَهُ : أَشْكَلَتْ عَلَيَّ ثَلَاث آيَات دَعَوْتُك لِتَكْشِفهَا لِي : قَوْله تَعَالَى : " فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ " [ الْمَائِدَة : 31 ] وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّدَم تَوْبَة . وَقَوْله : " كُلّ يَوْم هُوَ فِي شَأْن " وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْقَلَم جَفَّ بِمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . وَقَوْله : " وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى " [ النَّجْم : 39 ] . فَمَا بَال الْأَضْعَاف ؟ فَقَالَ الْحُسَيْن : يَجُوز أَلَّا يَكُون النَّدَم تَوْبَة فِي تِلْكَ الْأُمَّة , وَيَكُون تَوْبَة فِي هَذِهِ الْأُمَّة , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى خَصَّ هَذِهِ الْأُمَّة بِخَصَائِص لَمْ تُشَارِكهُمْ فِيهَا الْأُمَم . وَقِيلَ : إِنَّ نَدَم قَابِيل لَمْ يَكُنْ عَلَى قَتْل هَابِيل وَلَكِنْ عَلَى حَمْله . وَأَمَّا قَوْله : " كُلّ يَوْم هُوَ فِي شَأْن " فَإِنَّهَا شُؤُون يُبْدِيهَا لَا شُؤُون يَبْتَدِيهَا . وَأَمَّا قَوْله : " وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى " [ النَّجْم : 39 ] فَمَعْنَاهُ : لَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا سَعَى عَدْلًا وَلِي أَنْ أَجْزِيَهُ بِوَاحِدَةٍ أَلْفًا فَضْلًا . فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ . وَقَبَّلَ رَأْسه وَسَوَّغَ خَرَاجه .'; $TAFSEER['4']['55']['30'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['31'] = 'يُقَال : فَرَغْت مِنْ الشُّغْل أَفْرُغ فُرُوغًا وَفَرَاغًا وَتَفَرَّغْت لِكَذَا وَاسْتَفْرَغْت مَجْهُودِي فِي كَذَا أَيْ بَذَلْته . وَاَللَّه تَعَالَى لَيْسَ لَهُ شُغْل يَفْرُغ مِنْهُ , إِنَّمَا الْمَعْنَى سَنَقْصِدُ لِمُجَازَاتِكُمْ أَوْ مُحَاسَبَتكُمْ , وَهَذَا وَعِيد وَتَهْدِيد لَهُمْ كَمَا يَقُول الْقَائِل لِمَنْ يُرِيد تَهْدِيده : إِذًا أَتَفَرَّغ لَك أَيْ أَقْصِدك . وَفَرَغَ بِمَعْنَى قَصَدَ , وَأَنْشَدَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ فِي مِثْل هَذَا لِجَرِيرٍ : الْآنَ وَقَدْ فَرَغْت إِلَى نُمَيْر فَهَذَا حِينَ كُنْت لَهَا عَذَابَا يُرِيد وَقَدْ قَصَدْت . وَقَالَ أَيْضًا وَأَنْشَدَهُ النَّحَّاس : فَرَغْت إِلَى الْعَبْد الْمُقَيَّد فِي الْحِجْلِ وَفِي الْحَدِيث أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَايَعَ الْأَنْصَار لَيْلَة الْعَقَبَة , صَاحَ الشَّيْطَان : يَا أَهْل الْجُبَاجِب ! هَذَا مُذَمَّم يُبَايِع بَنِي قَيْلَة عَلَى حَرْبكُمْ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَذَا أَزَبُّ الْعَقَبَة أَمَا وَاَللَّه يَا عَدُوَّ اللَّهِ لَأَتَفَرَّغَنَّ لَك " أَيْ أَقْصِد إِلَى إِبْطَال أَمْرك . وَهَذَا اِخْتِيَار الْقُتَبِيّ وَالْكِسَائِيّ وَغَيْرهمَا . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى وَعَدَ عَلَى التَّقْوَى وَأَوْعَدَ عَلَى الْفُجُور , ثُمَّ قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ " مِمَّا وَعَدْنَاكُمْ وَنُوصِل كُلًّا إِلَى مَا وَعَدْنَاهُ , أَيْ أَقْسِم ذَلِكَ وَأَتَفَرَّغ مِنْهُ . قَالَهُ الْحَسَن وَمُقَاتِل وَابْن زَيْد . وَقَرَأَ عَبْد اللَّه وَأُبَيّ " سَنَفْرُغُ إِلَيْكُمْ " وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَإِبْرَاهِيم " سَيُفْرَغُ لَكُمْ " بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الرَّاء عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله . وَقَرَأَ اِبْن شِهَاب وَالْأَعْرَج " سَنَفْرَغُ لَكُمْ " بِفَتْحِ النُّون وَالرَّاء , قَالَ الْكِسَائِيّ : هِيَ لُغَة تَمِيم يَقُولُونَ فَرَغَ يَفْرَغ , وَحَكَى أَيْضًا فَرَغَ يَفْرَغ وَرَوَاهُمَا هُبَيْرَة عَنْ حَفْص عَنْ عَاصِم . وَرَوَى الْجُعْفِيّ عَنْ أَبِي عَمْرو " سَيَفْرَغُ " بِفَتْحِ الْيَاء وَالرَّاء , وَرُوِيَتْ عَنْ اِبْن هُرْمُز . وَرُوِيَ عَنْ عِيسَى الثَّقَفِيّ " سَنِفْرَغُ لَكُمْ " بِكَسْرِ النُّون وَفَتْح الرَّاء , وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " سَيَفْرُغُ لَكُمْ " بِالْيَاءِ . الْبَاقُونَ بِالنُّونِ وَهِيَ لُغَة تِهَامَة . وَالثَّقَلَانِ الْجِنّ وَالْإِنْس , سُمِّيَا بِذَلِكَ لِعِظَمِ شَأْنهمَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا فِي الْأَرْض مِنْ غَيْرهمَا بِسَبَبِ التَّكْلِيف - وَقِيلَ : سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ ثِقْل عَلَى الْأَرْض أَحْيَاء وَأَمْوَاتًا , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَأَخْرَجَتْ الْأَرْض أَثْقَالهَا " [ الزَّلْزَلَة : 2 ] وَمِنْهُ قَوْلهمْ : أَعْطِهِ ثِقْله أَيْ وَزْنه . وَقَالَ بَعْض أَهْل الْمَعَانِي : كُلّ شَيْء لَهُ قَدْر وَوَزْن يُنَافَس فِيهِ فَهُوَ ثِقْل . وَمِنْهُ قِيلَ لِبَيْضِ النَّعَام ثِقْل , لِأَنَّ وَاجِده وَصَائِده يَفْرَح بِهِ إِذَا ظَفِرَ بِهِ . وَقَالَ جَعْفَر الصَّادِق : سُمِّيَا ثَقَلَيْنِ , لِأَنَّهُمَا مُثْقَلَانِ بِالذُّنُوبِ . وَقَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ " فَجَمَعَ , ثُمَّ قَالَ : " أَيُّهَ الثَّقَلَانِ " لِأَنَّهُمَا فَرِيقَانِ وَكُلّ فَرِيق جَمْع , وَكَذَا قَوْله تَعَالَى : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس إِنْ اِسْتَطَعْتُمْ " وَلَمْ يَقُلْ إِنْ اِسْتَطَعْتُمَا , لِأَنَّهُمَا فَرِيقَانِ فِي حَال الْجَمْع , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ " [ النَّمْل : 45 ] و " هَذَانِ خَصْمَانِ اِخْتَصَمُوا فِي رَبّهمْ " [ الْحَجّ : 19 ] وَلَوْ قَالَ : سَنَفْرُغُ لَكُمَا , وَقَالَ : إِنْ اِسْتَطَعْتُمَا لَجَازَ . وَقَرَأَ أَهْل الشَّام " أَيُّهُ الثَّقَلَان " بِضَمِّ الْهَاء . الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ . مَسْأَلَة : هَذِهِ السُّورَة و " الْأَحْقَاف " و " قُلْ أُوحِيَ " دَلِيل عَلَى أَنَّ الْجِنّ مُخَاطَبُونَ مُكَلَّفُونَ مَأْمُورُونَ مَنْهِيُّونَ مُثَابُونَ مُعَاقَبُونَ كَالْإِنْسِ سَوَاء , مُؤْمِنهمْ كَمُؤْمِنِهِمْ , وَكَافِرهمْ كَكَافِرِهِمْ , لَا فَرْق بَيْننَا وَبَيْنهمْ فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ .'; $TAFSEER['4']['55']['32'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['33'] = 'ذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك : وَأَخْبَرَنَا جُوَيْبِر عَنْ الضَّحَّاك قَالَ إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أَمَرَ اللَّه السَّمَاء الدُّنْيَا فَتَشَقَّقَتْ بِأَهْلِهَا , فَتَكُون الْمَلَائِكَة عَلَى حَافَّاتهَا حَتَّى يَأْمُرهُمْ الرَّبّ , فَيَنْزِلُونَ إِلَى الْأَرْض فَيُحِيطُونَ بِالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهَا , ثُمَّ يَأْمُر اللَّه السَّمَاء الَّتِي تَلِيهَا كَذَلِكَ فَيَنْزِلُونَ فَيَكُونُونَ صَفًّا مِنْ خَلْف ذَلِكَ الصَّفّ , ثُمَّ السَّمَاء الثَّالِثَة ثُمَّ الرَّابِعَة ثُمَّ الْخَامِسَة ثُمَّ السَّادِسَة ثُمَّ السَّابِعَة , فَيَنْزِل الْمَلَك الْأَعْلَى فِي بِهَائِهِ وَمُلْكه وَمُجَنَّبَته الْيُسْرَى جَهَنَّم , فَيَسْمَعُونَ زَفِيرهَا وَشَهِيقهَا , فَلَا يَأْتُونَ قُطْرًا مِنْ أَقْطَارهَا إِلَّا وَجَدُوا صُفُوفًا مِنْ الْمَلَائِكَة , فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس إِنْ اِسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَار السَّمَاوَات وَالْأَرْض فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ " وَالسُّلْطَان الْعُذْر . وَقَالَ الضَّحَّاك أَيْضًا : بَيْنَمَا النَّاس فِي أَسْوَاقهمْ اِنْفَتَحَتْ السَّمَاء , وَنَزَلَتْ الْمَلَائِكَة , فَتَهْرَبُ الْجِنّ وَالْإِنْس , فَتُحْدِق بِهِمْ الْمَلَائِكَة , فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ " ذَكَرَهُ النَّحَّاس . قُلْت . فَعَلَى هَذَا يَكُون فِي الدُّنْيَا , وَعَلَى مَا ذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك يَكُون فِي الْآخِرَة . وَعَنْ الضَّحَّاك أَيْضًا : إِنْ اِسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنْ الْمَوْت فَاهْرُبُوا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنْ اِسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَعْلَمُوا مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض فَاعْلَمُوهُ , وَلَنْ تَعْلَمُوهُ إِلَّا بِسُلْطَانٍ أَيْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ اللَّه تَعَالَى . وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ مَعْنَى : " لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ " لَا تَخْرُجُونَ مِنْ سُلْطَانِي وَقُدْرَتِي عَلَيْكُمْ . قَتَادَة : لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِمَلَكٍ وَلَيْسَ لَكُمْ مَلَك . وَقِيلَ : لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا إِلَى سُلْطَان , الْبَاء بِمَعْنَى إِلَى , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَقَدْ أَحْسَنَ بِي " [ يُوسُف : 100 ] أَيْ إِلَيَّ . قَالَ الشَّاعِر : أَسِيئِي بِنَا أَوْ أَحْسَنِي لَا مَلُولَة لَدَيْنَا وَلَا مَقْلِيَّة إِنْ تَقَلَّتِ وَقَوْله : " فَانْفُذُوا " أَمْر تَعْجِيز .'; $TAFSEER['4']['55']['34'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['35'] = 'أَيْ لَوْ خَرَجْتُمْ أُرْسِلَ عَلَيْكُمْ شُوَاظ مِنْ نَار , وَأَخَذَكُمْ الْعَذَاب الْمَانِع مِنْ النُّفُوذ . وَقِيلَ : لَيْسَ هَذَا مُتَعَلِّقًا بِالنُّفُوذِ بَلْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يُعَاقِب الْعُصَاة عَذَابًا بِالنَّارِ . وَقِيلَ : أَيْ بِآلَاءِ رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ يُرْسَل عَلَيْكُمَا شُوَاظ مِنْ نَار وَنُحَاس عُقُوبَة عَلَى ذَلِكَ التَّكْذِيب . وَقِيلَ : يُحَاط عَلَى الْخَلَائِق بِالْمَلَائِكَةِ وَبِلِسَانٍ مِنْ نَار ثُمَّ يُنَادَوْنَ " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " , فَتِلْكَ النَّار قَوْله : " يُرْسَل عَلَيْكُمَا شُوَاظ مِنْ نَار " وَالشُّوَاظ فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس وَغَيْره اللَّهَب الَّذِي لَا دُخَان لَهُ . وَالنَّحَّاس : الدُّخَان الَّذِي لَا لَهَب فِيهِ , وَمِنْهُ قَوْل أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت يَهْجُو حَسَّان بْن ثَابِت رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , كَذَا وَقَعَ فِي تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ وَالْمَاوَرْدِيّ اِبْن أَبِي الصَّلْت , وَفِي " الصِّحَاح " و " الْوَقْف وَالِابْتِدَاء " لِابْنِ الْبَارِي : أُمَيَّة بْن خَلَف قَالَ : أَلَا مَنْ مُبْلِغ حَسَّان عَنِّي مُغَلْغَلَة تَدُبُّ إِلَى عُكَاظ أَلَيْسَ أَبُوك فِينَا كَانَ قَيْنًا لَدَى الْقَيْنَات فَسْلًا فِي الْحِفَاظ يَمَانِيًّا يَظَلّ يَشُدّ كِيرًا وَيَنْفُخُ دَائِبًا لَهَب الشُّوَاظ فَأَجَابَهُ حَسَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ : هَجَوْتُك فَاخْتَضَعْت لَهَا بِذُلٍّ بِقَافِيَّةٍ تَأَجَّجُ كَالشُّوَاظِ وَقَالَ رُؤْبَة : إِنَّ لَهُمْ مِنْ وَقْعِنَا أَقْيَاظًا وَنَار حَرْب تُسْعِر الشُّوَاظَا وَقَالَ مُجَاهِد : الشُّوَاظ اللَّهَب الْأَخْضَر الْمُنْقَطِع مِنْ النَّار . الضَّحَّاك : هُوَ الدُّخَان الَّذِي يَخْرُج مِنْ اللَّهَب لَيْسَ بِدُخَانِ الْحَطَب . وَقَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الشُّوَاظ النَّار وَالدُّخَان جَمِيعًا , قَالَهُ عَمْرو وَحَكَاهُ الْأَخْفَش عَنْ بَعْض الْعَرَب . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير " شِوَاظ " بِكَسْرِ الشِّين . الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ وَهُمَا لُغَتَانِ , مِثْل صُوَار وَصِوَار لِقَطِيعِ الْبَقَر . " وَنُحَاس " قِرَاءَة الْعَامَّة " وَنُحَاسٌ " بِالرَّفْعِ عَطْف عَلَى " شُوَاظٌ " . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَمُجَاهِد وَأَبُو عَمْرو " وَنُحَاسٍ " بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى النَّار . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : مَنْ قَالَ إِنَّ الشُّوَاظ النَّار وَالدُّخَان جَمِيعًا فَالْجَرّ فِي " النُّحَاس " عَلَى هَذَا بَيِّن . فَأَمَّا الْجَرّ عَلَى قَوْل مَنْ جَعَلَ الشُّوَاظ اللَّهَب الَّذِي لَا دُخَان فِيهِ فَبَعِيد لَا يَسُوغ إِلَّا عَلَى تَقْدِير حَذْف مَوْصُوف كَأَنَّهُ قَالَ : " يُرْسَل عَلَيْكُمَا شُوَاظ مِنْ نَار " وَشَيْء مِنْ نُحَاس , فَشَيْء مَعْطُوف عَلَى شُوَاظ , وَمِنْ نُحَاس جُمْلَة هِيَ صِفَة لِشَيْءٍ , وَحُذِفَ شَيْء , وَحُذِفَتْ مِنْ لِتَقَدُّمِ ذِكْرهَا فِي " مِنْ نَار " كَمَا حُذِفَتْ عَلَى مِنْ قَوْلهمْ : عَلَى مَنْ تَنْزِل أَنْزِل أَيْ عَلَيْهِ . فَيَكُون " نُحَاس " عَلَى هَذَا مَجْرُورًا بِمِنْ الْمَحْذُوفَة . وَعَنْ مُجَاهِد وَحُمَيْد وَعِكْرِمَة وَأَبِي الْعَالِيَة " وَنِحَاس " بِكَسْرِ النُّون لُغَتَانِ كَالشُّوَاظِ وَالشِّوَاظ . وَالنِّحَاس بِالْكَسْرِ أَيْضًا الطَّبِيعَة وَالْأَصْل , يُقَال : فُلَان كَرِيم النِّحَاس وَالنُّحَاس أَيْضًا بِالضَّمِّ أَيْ كَرِيم النِّجَار . وَعَنْ مُسْلِم بْن جُنْدَب " وَنَحْسٌ " بِالرَّفْعِ . وَعَنْ حَنْظَلَة بْن مُرَّة بْن النُّعْمَان الْأَنْصَارِيّ " وَنَحْسٍ " بِالْجَرِّ عَطْف عَلَى نَار . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " وَنِحَاس " بِالْكَسْرِ جَمْع نَحْس كَصَعْبٍ وَصِعَاب " وَنَحْس " بِالرَّفْعِ عَطْف عَلَى " شُوَاظ " وَعَنْ الْحَسَن " وَنُحُس " بِالضَّمِّ فِيهِمَا جَمْع نَحْس . وَيَجُوز أَنْ يَكُون أَصْله وَنُحُوس فَقُصِرَ بِحَذْفِ وَاوه حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ عِنْد قَوْله : " وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ " [ النَّحْل : 16 ] . وَعَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْرَة " وَنَحُسُّ " بِفَتْحِ النُّون وَضَمِّ الْحَاء وَتَشْدِيد السِّين مِنْ حَسَّ يَحُسّ حَسًّا إِذَا اِسْتَأْصَلَ , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ " [ آل عِمْرَان : 152 ] وَالْمَعْنَى وَنُقْتَل بِالْعَذَابِ . وَعَلَى الْقِرَاءَة الْأُولَى " وَنُحَاس " فَهُوَ الصُّفْر الْمُذَاب يُصَبّ عَلَى رُءُوسهمْ , قَالَهُ مُجَاهِد وَقَتَادَة , وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَسَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّ النُّحَاس الدُّخَان الَّذِي لَا لَهَب فِيهِ , وَهُوَ مَعْنَى قَوْل الْخَلِيل , وَهُوَ مَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب بِهَذَا الْمَعْنَى , قَالَ نَابِغَة بَنِي جَعْدَة : يُضِيء كَضَوْءِ سِرَاج السَّلِيـ ـطِ لَمْ يَجْعَلِ اللَّه فِيهِ نُحَاسَا قَالَ الْأَصْمَعِيّ : سَمِعْت أَعْرَابِيًّا يَقُول السَّلِيط دُهْن السِّمْسِم بِالشَّامِ وَلَا دُخَان فِيهِ . وَقَالَ مُقَاتِل : هِيَ خَمْسَة أَنْهَار مِنْ صُفْر مُذَاب , تَجْرِي مِنْ تَحْت الْعَرْش عَلَى رُءُوس أَهْل النَّار , ثَلَاثَة أَنْهَار عَلَى مِقْدَار اللَّيْل وَنَهَرَانِ عَلَى مِقْدَار النَّهَار . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود : النُّحَاس الْمُهْل . وَقَالَ الضَّحَّاك : هُوَ دُرْدِيّ الزَّيْت الْمَغْلِيّ . وَقَالَ الْكِسَائِيّ : هُوَ النَّار الَّتِي لَهَا رِيح شَدِيدَة . أَيْ لَا يَنْصُر بَعْضكُمْ بَعْضًا يَعْنِي الْجِنّ وَالْإِنْس .'; $TAFSEER['4']['55']['36'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['37'] = 'أَيْ اِنْصَدَعَتْ يَوْم الْقِيَامَة الدِّهَان الدُّهْن , عَنْ مُجَاهِد وَالضَّحَّاك وَغَيْرهمَا . وَالْمَعْنَى أَنَّهَا صَارَتْ فِي صَفَاء الدُّهْن , وَالدِّهَان عَلَى هَذَا جَمْع دُهْن . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَقَتَادَة : الْمَعْنَى فَكَانَتْ حَمْرَاء . وَقِيلَ : الْمَعْنَى تَصِير فِي حُمْرَة الْوَرْد وَجَرَيَان الدُّهْن , أَيْ تَذُوب مَعَ الِانْشِقَاق حَتَّى تَصِير حَمْرَاء مِنْ حَرَارَة نَار جَهَنَّم , وَتَصِير مِثْل الدُّهْن لِرِقَّتِهَا وَذَوَبَانهَا . وَقِيلَ : الدِّهَان الْجِلْد الْأَحْمَر الصِّرْف , ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْد وَالْفَرَّاء . أَيْ تَصِير السَّمَاء حَمْرَاء كَالْأَدِيمِ لِشِدَّةِ حَرّ النَّار . اِبْن عَبَّاس : الْمَعْنَى فَكَانَتْ كَالْفَرَسِ الْوَرْد , يُقَال لِلْكُمَيْتِ : وَرْد إِذَا كَانَ يَتَلَوَّن بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : الْفَرَس الْوَرْد , فِي الرَّبِيع كُمَيْت أَصْفَر , وَفِي أَوَّل الشِّتَاء كُمَيْت أَحْمَر , فَإِذَا اِشْتَدَّ الشِّتَاء كَانَ كُمَيْتًا أَغْبَرَ . وَقَالَ الْفَرَّاء : أَرَادَ الْفَرَس الْوَرْدِيَّة , تَكُون فِي الرَّبِيع وَرْدَة إِلَى الصُّفْرَة , فَإِذَا اِشْتَدَّ الْبَرْد كَانَتْ وَرْدَة حَمْرَاء , فَإِذَا كَانَ بَعْد ذَلِكَ كَانَتْ وَرْدَة إِلَى الْغَبَرَة , فَشَبَّهَ تَلَوُّن السَّمَاء بِتَلَوُّنِ الْوَرْد مِنْ الْخَيْل . وَقَالَ الْحَسَن : " كَالدِّهَانِ " أَيْ كَصَبِّ الدُّهْن فَإِنَّك إِذَا صَبَبْته تَرَى فِيهِ أَلْوَانًا . وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : الْمَعْنَى أَنَّهَا تَصِير كَعَكَرِ الزَّيْت , وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنَّهَا تَمُرّ وَتَجِيء . قَالَ الزَّجَّاج : أَصْل الْوَاو وَالرَّاء وَالدَّال لِلْمَجِيءِ وَالْإِتْيَان . وَهَذَا قَرِيب مِمَّا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْفَرَس الْوَرْدَة تَتَغَيَّر أَلْوَانهَا . وَقَالَ قَتَادَة : إِنَّهَا الْيَوْم خَضْرَاء وَسَيَكُونُ لَهَا لَوْن أَحْمَر , حَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ . وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَزَعَمَ الْمُتَقَدِّمُونَ أَنَّ أَصْل لَوْن السَّمَاء الْحُمْرَة , وَأَنَّهَا لِكَثْرَةِ الْحَوَائِل وَبُعْد الْمَسَافَة تُرَى بِهَذَا اللَّوْن الْأَزْرَق , وَشَبَّهُوا ذَلِكَ بِعُرُوقِ الْبَدَن , وَهِيَ حَمْرَاء كَحُمْرَةِ الدَّم وَتُرَى بِالْحَائِلِ زَرْقَاء , فَإِنْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا فَإِنَّ السَّمَاء لِقُرْبِهَا مِنْ النَّوَاظِر يَوْم الْقِيَامَة وَارْتِفَاع الْحَوَاجِز تُرَى حَمْرَاء , لِأَنَّهُ أَصْل لَوْنهَا . وَاَللَّه أَعْلَمُ .'; $TAFSEER['4']['55']['38'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['39'] = 'هَذَا مِثْل قَوْله تَعَالَى : " وَلَا يُسْأَل عَنْ ذُنُوبهمْ الْمُجْرِمُونَ " [ الْقَصَص : 78 ] وَأَنَّ الْقِيَامَة مَوَاطِن لِطُولِ ذَلِكَ الْيَوْم , فَيُسْأَل فِي بَعْض وَلَا يُسْأَل فِي بَعْض , وَهَذَا قَوْل عِكْرِمَة . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَا يُسْأَلُونَ إِذَا اِسْتَقَرُّوا فِي النَّار . وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة : لَا يُسْأَلُونَ عَنْ ذُنُوبهمْ , لِأَنَّ اللَّه حَفِظَهَا عَلَيْهِمْ , وَكَتَبَتْهَا عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة . رَوَاهُ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْ الْحَسَن وَمُجَاهِد أَيْضًا : الْمَعْنَى لَا تَسْأَل الْمَلَائِكَة عَنْهُمْ , لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ , دَلِيله مَا بَعْده . وَقَالَهُ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْله تَعَالَى : " فَوَرَبِّك لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ " [ الْحِجْر : 92 ] وَقَوْله : " فَيَوْمئِذٍ لَا يُسْأَل عَنْ ذَنْبه إِنْس وَلَا جَانّ " وَقَالَ : لَا يَسْأَلهُمْ لِيَعْرِف ذَلِكَ مِنْهُمْ , لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُمْ , وَلَكِنَّهُ يَسْأَلهُمْ لِمَ عَمِلْتُمُوهَا سُؤَال تَوْبِيخ . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة : لَا يُسْأَل غَيْر الْمُجْرِم عَنْ ذَنْب الْمُجْرِم . وَقَالَ قَتَادَة : كَانَتْ الْمَسْأَلَة قَبْل , ثُمَّ خُتِمَ عَلَى أَفْوَاه الْقَوْم وَتَكَلَّمَتْ الْجَوَارِح شَاهِدَة عَلَيْهِمْ . وَفِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ قَالَ : " فَيَلْقَى الْعَبْد فَيَقُول أَيْ فُلْ أَلَمْ أُكْرِمْك وَأُسَوِّدْك وَأُزَوِّجْك وَأُسَخِّرْ لَك الْخَيْل وَالْإِبِل وَأَذَرْك تَرْأَس وَتَرْبَع فَيَقُول بَلَى فَيَقُول أَفَظَنَنْت أَنَّك مُلَاقِيَّ فَيَقُول لَا فَيَقُول إِنِّي أَنْسَاك كَمَا نَسِيتنِي ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِيَ فَيَقُول لَهُ مِثْل ذَلِكَ بِعَيْنِهِ ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِث فَيَقُول لَهُ مِثْل ذَلِكَ فَيَقُول يَا رَبّ آمَنْت بِك وَبِكِتَابِك وَبِرَسُولِك وَصَلَّيْت وَصُمْت وَتَصَدَّقْت وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اِسْتَطَاعَ فَيَقُول هَاهُنَا إِذًا ثُمَّ يُقَال لَهُ الْآن نَبْعَث شَاهِدنَا عَلَيْك فَيَفْتَكِر فِي نَفْسه مَنْ هَذَا الَّذِي يَشْهَد عَلَيَّ فَيُخْتَم عَلَى فِيهِ وَيُقَال لِفَخِذِهِ وَلَحْمه وَعِظَامه اِنْطِقِي فَتَنْطِق فَخِذه وَلَحْمه وَعِظَامه بِعَمَلِهِ وَذَلِكَ لِيُعْذِر مِنْ نَفْسه وَذَلِكَ الْمُنَافِق وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَط اللَّه عَلَيْهِ " وَقَدْ مَضَى هَذَا الْحَدِيث فِي " حم السَّجْدَة " وَغَيْرهَا .'; $TAFSEER['4']['55']['40'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ'; $TAFSEER['4']['55']['41'] = 'قَالَ الْحَسَن : سَوَاد الْوَجْه وَزُرْقَة الْأَعْيُن , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَنَحْشُر الْمُجْرِمِينَ يَوْمئِذٍ زُرْقًا " [ طَه : 102 ] وَقَالَ تَعَالَى : " يَوْم تَبْيَضّ وُجُوه وَتَسْوَدّ وُجُوه " [ آل عِمْرَان : 106 ] . أَيْ تَأْخُذ الْمَلَائِكَة بِنَوَاصِيهِمْ , أَيْ بِشُعُورِ مُقَدَّم رُءُوسهمْ وَأَقْدَامهمْ فَيَقْذِفُونَهُمْ فِي النَّار . وَالنَّوَاصِي جَمْع نَاصِيَة . وَقَالَ الضَّحَّاك : يُجْمَع بَيْن نَاصِيَته وَقَدَمَيْهِ فِي سِلْسِلَة مِنْ وَرَاء ظَهْره . وَعَنْهُ : يُؤْخَذ بِرِجْلَيْ الرَّجُل فَيُجْمَع بَيْنهمَا وَبَيْن نَاصِيَته حَتَّى يَنْدَقّ ظَهْره ثُمَّ يُلْقَى فِي النَّار . وَقِيلَ : يُفْعَل ذَلِكَ بِهِ لِيَكُونَ أَشَدّ لِعَذَابِهِ وَأَكْثَرَ لِتَشْوِيهِهِ . وَقِيلَ : تَسْحَبهُمْ الْمَلَائِكَة إِلَى النَّار , تَارَة تَأْخُذ بِنَاصِيَتِهِ وَتَجُرّهُ عَلَى وَجْهه , وَتَارَة تَأْخُذ بِقَدَمَيْهِ وَتَسْحَبهُ عَلَى رَأْسه .'; $TAFSEER['4']['55']['42'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['43'] = 'أَيْ يُقَال لَهُمْ هَذِهِ النَّار الَّتِي أُخْبِرْتُمْ بِهَا فَكَذَّبْتُمْ .'; $TAFSEER['4']['55']['44'] = 'قَالَ قَتَادَة : يَطُوفُونَ مَرَّة بَيْن الْحَمِيم وَمَرَّة بَيْن الْجَحِيم , وَالْجَحِيم النَّار , وَالْحَمِيم الشَّرَاب . وَفِي قَوْله تَعَالَى : " آن " ثَلَاثَة أَوْجُه , أَحَدهَا أَنَّهُ الَّذِي اِنْتَهَى حَرّه وَحَمِيمه . قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالسُّدِّيّ , وَمِنْهُ قَوْل النَّابِغَة الذُّبْيَانِيّ : وَتُخْضَبْ لِحْيَةٌ غَدَرَتْ وَخَانَتْ بِأَحْمَرَ مِنْ نَجِيع الْجَوْف آنِ قَالَ قَتَادَة : " آنٍ " طُبِخَ مُنْذُ خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض , يَقُول : إِذَا اِسْتَغَاثُوا مِنْ النَّار جُعِلَ غِيَاثهمْ ذَلِكَ . وَقَالَ كَعْب : " آن " وَادٍ مِنْ أَوْدِيَة جَهَنَّم يَجْتَمِع فِيهِ صَدِيد أَهْل النَّار فَيُغْمَسُونَ بِأَغْلَالِهِمْ فِيهِ حَتَّى تَنْخَلِع أَوْصَالهمْ , ثُمَّ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَقَدْ أَحْدَثَ اللَّه لَهُمْ خَلْقًا جَدِيدًا فَيُلْقَوْنَ فِي النَّار , فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " يَطُوفُونَ بَيْنهَا وَبَيْن حَمِيم آن " . وَعَنْ كَعْب أَيْضًا : أَنَّهُ الْحَاضِر . وَقَالَ مُجَاهِد : إِنَّهُ الَّذِي قَدْ آن شُرْبه وَبَلَغَ غَايَته . وَالنِّعْمَة فِيمَا وُصِفَ مِنْ هَوْل الْقِيَامَة وَعِقَاب الْمُجْرِمِينَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الزَّجْر عَنْ الْمَعَاصِي وَالتَّرْغِيب فِي الطَّاعَات . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَتَى عَلَى شَابّ فِي اللَّيْل يَقْرَأ " فَإِذَا اِنْشَقَّتْ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَة كَالدِّهَانِ " [ الرَّحْمَن : 37 ] فَوَقَفَ الشَّابّ وَخَنَقَتْهُ الْعَبْرَة وَجَعَلَ يَقُول : وَيْحِي مِنْ يَوْم تَنْشَقّ فِيهِ السَّمَاء وَيْحِي ! فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْحَك يَا فَتَى مِثْلهَا فُو الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ بَكَتْ مَلَائِكَة السَّمَاء لِبُكَائِك " .'; $TAFSEER['4']['55']['45'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['46'] = 'فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : الْأُولَى : لَمَّا ذَكَرَ أَحْوَال أَهْل النَّار ذَكَرَ مَا أَعَدَّ لِلْأَبْرَارِ . وَالْمَعْنَى خَافَ مَقَامه بَيْن يَدَيْ رَبّه لِلْحِسَابِ فَتَرَكَ الْمَعْصِيَة . ف " مَقَام " مَصْدَر بِمَعْنَى الْقِيَام . وَقِيلَ : خَافَ قِيَام رَبّه عَلَيْهِ أَيْ إِشْرَافه وَاطِّلَاعه عَلَيْهِ , بَيَانه قَوْله تَعَالَى : " أَفَمَنْ هُوَ قَائِم عَلَى كُلّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ " [ الرَّعْد : 33 ] . وَقَالَ مُجَاهِد وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ : هُوَ الرَّجُل يَهُمّ بِالْمَعْصِيَةِ فَيَذْكُر اللَّه فَيَدَعهَا مِنْ خَوْفه . الثَّانِيَة : هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجِهِ : إِنْ لَمْ أَكُنْ مِنْ أَهْل الْجَنَّة فَأَنْتِ طَالِق أَنَّهُ لَا يَحْنَث إِنْ كَانَ هَمَّ بِالْمَعْصِيَةِ وَتَرَكَهَا خَوْفًا مِنْ اللَّه وَحَيَاء مِنْهُ . وَقَالَ بِهِ سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَأَفْتَى بِهِ . وَقَالَ مُحَمَّد بْن عَلِيّ التِّرْمِذِيّ : جَنَّة لِخَوْفِهِ مِنْ رَبّه , وَجَنَّة لِتَرْكِهِ شَهْوَته . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : مَنْ خَافَ مَقَام رَبّه بَعْد أَدَاء الْفَرَائِض . وَقِيلَ : الْمَقَام الْمَوْضِع , أَيْ خَافَ مَقَامه بَيْن يَدَيْ رَبّه لِلْحِسَابِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَقَام لِلْعَبْدِ ثُمَّ يُضَاف إِلَى اللَّه , وَهُوَ كَالْأَجَلِ فِي قَوْله : " فَإِذَا جَاءَ أَجَلهمْ " [ الْأَعْرَاف : 34 ] وَقَوْله فِي مَوْضِع آخَر : " إِنَّ أَجَل اللَّه إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّر " [ نُوح : 4 ] . أَيْ لِمَنْ خَافَ جَنَّتَانِ عَلَى حِدَة , فَلِكُلِّ خَائِف جَنَّتَانِ . وَقِيلَ : جَنَّتَانِ لِجَمِيعِ الْخَائِفِينَ , وَالْأَوَّل أَظْهَر . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " الْجَنَّتَانِ بُسْتَانَانِ فِي عَرْض الْجَنَّة كُلّ بُسْتَان مَسِيرَة مِائَة عَام فِي وَسَط كُلّ بُسْتَان دَار مِنْ نُور وَلَيْسَ مِنْهَا شَيْء إِلَّا يَهْتَزّ نَغْمَة وَخُضْرَة , قَرَارهَا ثَابِت وَشَجَرهَا ثَابِت " ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ وَالثَّعْلَبِيّ أَيْضًا مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة . وَقِيلَ : إِنَّ الْجَنَّتَيْنِ جَنَّته الَّتِي خُلِقَتْ لَهُ وَجَنَّة وَرِثَهَا . وَقِيلَ : إِحْدَى الْجَنَّتَيْنِ مَنْزِله وَالْأُخْرَى مَنْزِل أَزْوَاجه كَمَا يَفْعَلهُ رُؤَسَاء الدُّنْيَا . وَقِيلَ : إِنَّ إِحْدَى الْجَنَّتَيْنِ مَسْكَنه وَالْأُخْرَى بُسْتَانه . وَقِيلَ : إِنَّ إِحْدَى الْجَنَّتَيْنِ أَسَافِل الْقُصُور وَالْأُخْرَى أَعَالِيهَا . وَقَالَ مُقَاتِل : هُمَا جَنَّة عَدْن وَجَنَّة النَّعِيم . وَقَالَ الْفَرَّاء : إِنَّمَا هِيَ جَنَّة وَاحِدَة , فَثَنَّى لِرُءُوسِ الْآي . وَأَنْكَرَ الْقُتَبِيّ هَذَا وَقَالَ : لَا يَجُوز أَنْ يُقَال خَزَنَة النَّار عِشْرُونَ إِنَّمَا قَالَ تِسْعَة عَشَرَ لِمُرَاعَاةِ رُءُوس الْآي . وَأَيْضًا قَالَ : " ذَوَاتَا أَفْنَان " . وَقَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : قَالَ الْفَرَّاء قَدْ تَكُون جَنَّة فَتُثَنَّى فِي الشِّعْر , وَهَذَا الْقَوْل مِنْ أَعْظَم الْغَلَط عَلَى كِتَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " جَنَّتَانِ " وَيَصِفهُمَا بِقَوْلِهِ : " فِيهِمَا " فَيَدَع الظَّاهِر وَيَقُول : يَجُوز أَنْ تَكُون جَنَّة وَيَحْتَجّ بِالشِّعْرِ ! وَقِيلَ : إِنَّمَا كَانَتَا اِثْنَتَيْنِ لِيُضَاعَف لَهُ السُّرُور بِالتَّنَقُّلِ مِنْ جِهَة إِلَى جِهَة . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ خَاصَّة حِين ذَكَرَ ذَات يَوْم الْجَنَّة حِين أُزْلِفَتْ وَالنَّار حِين بُرِّزَتْ , قَالَهُ عَطَاء وَابْن شَوْذَب . وَقَالَ الضَّحَّاك : بَلْ شَرِبَ ذَات يَوْم لَبَنًا عَلَى ظَمَإٍ فَأَعْجَبَهُ , فَسَأَلَ عَنْهُ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ مِنْ غَيْر حِلّ فَاسْتَقَاءَهُ وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُر إِلَيْهِ , فَقَالَ : " رَحِمَك اللَّه لَقَدْ أُنْزِلَتْ فِيك آيَة " وَتَلَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة'; $TAFSEER['4']['55']['47'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ'; $TAFSEER['4']['55']['48'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : أَيْ ذَوَاتَا أَلْوَان مِنْ الْفَاكِهَة الْوَاحِد فَنّ . وَقَالَ مُجَاهِد : الْأَفْنَان الْأَغْصَان وَاحِدهَا فَنَن , قَالَ النَّابِغَة : بُكَاء حَمَامَة تَدْعُو هَدِيلًا مُفَجَّعَة عَلَى فَنَن تُغَنِّي وَقَالَ آخَر يَصِف طَائِرَيْنِ : بَاتَا عَلَى غُصْن بَانٍ فِي ذُرَى فَنَن يُرَدِّدَانِ لُحُونًا ذَات أَلْوَان أَرَادَ بِاللُّحُونِ اللُّغَات . وَقَالَ آخَر : مَا هَاجَ شَوْقَك مِنْ هَدِيل حَمَامَة تَدْعُو عَلَى فَنَن الْغُصُون حَمَامَا تَدْعُو أَبَا فَرْخَيْنِ صَادَفَ ضَارِيًا ذَا مِخْلَبَيْنِ مِنْ الصُّقُور قَطَامَا وَالْفَنَن جَمْعه أَفْنَان ثُمَّ الْأَفَانِين , وَقَالَ يَصِف رَحًى : لَهَا زِمَام مِنْ أَفَانِين الشَّجَر وَشَجَرَة فَنَّاء أَيْ ذَات أَفْنَان وَفَنْوَاء أَيْضًا عَلَى غَيْر قِيَاس . وَفِي الْحَدِيث : " إِنَّ أَهْل الْجَنَّة مُرْد مُكَحَّلُونَ أُولُو أَفَانِين " يُرِيد أُولُو فَنَن وَهُوَ جَمْع أَفْنَان , وَأَفْنَان جَمْع فَنَن وَهُوَ الْخُصْلَة مِنْ الشَّعْر شُبِّهَ بِالْغُصْنِ . ذَكَرَهُ الْهَرَوِيّ . وَقُلْ : " ذَوَاتَا أَفْنَان " أَيْ ذَوَاتَا سَعَة وَفَضْل عَلَى مَا سِوَاهُمَا , قَالَهُ قَتَادَة . وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا وَعِكْرِمَة : إِنَّ الْأَفْنَان ظِلّ الْأَغْصَان عَلَى الْحِيطَان .'; $TAFSEER['4']['55']['49'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['50'] = 'أَيْ فِي كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عَيْن جَارِيَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : تَجْرِيَانِ مَاء بِالزِّيَادَةِ وَالْكَرَامَة مِنْ اللَّه تَعَالَى عَلَى أَهْل الْجَنَّة . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَالْحَسَن : تَجْرِيَانِ بِالْمَاءِ الزُّلَال إِحْدَى الْعَيْنَيْنِ التَّسْنِيم وَالْأُخْرَى السَّلْسَبِيل . وَعَنْهُ أَيْضًا : عَيْنَانِ مِثْل الدُّنْيَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَة , حَصْبَاؤُهُمَا الْيَاقُوت الْأَحْمَر وَالزَّبَرْجَد الْأَخْضَر , وَتُرَابهمَا الْكَافُور , وَحَمْأَتهمَا الْمِسْك الْأَذْفَر , وَحَافَّتَاهُمَا الزَّعْفَرَان . وَقَالَ عَطِيَّة : إِحْدَاهُمَا مِنْ مَاء غَيْر آسِن , وَالْأُخْرَى مِنْ خَمْر لَذَّة لِلشَّارِبِينَ . وَقِيلَ : تَجْرِيَانِ مِنْ جَبَل مِنْ مِسْك . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق : فِيهِمَا عَنَيَانِ تَجْرِيَانِ لِمَنْ كَانَتْ عَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا تَجْرِيَانِ مِنْ مَخَافَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ .'; $TAFSEER['4']['55']['51'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['52'] = 'أَيْ صِنْفَانِ وَكِلَاهُمَا حُلْو يُسْتَلَذّ بِهِ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَا فِي الدُّنْيَا شَجَرَة حُلْوَة وَلَا مُرَّة إِلَّا وَهِيَ فِي الْجَنَّة حَتَّى الْحَنْظَل إِلَّا أَنَّهُ حُلْو . وَقِيلَ : ضَرْبَانِ رَطْب وَيَابِس لَا يَقْصُر هَذَا عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضْل وَالطِّيبِ . وَقِيلَ : أَرَادَ تَفْضِيل هَاتَيْنِ الْجَنَّتَيْنِ عَلَى الْجَنَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ دُونهمَا , فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا هُنَا عَيْنَيْنِ جَارِيَتَيْنِ , وَذَكَرَ ثَمَّ عَيْنَيْنِ تَنْضَحَانِ بِالْمَاءِ وَالنَّضْح دُون الْجَرْي , فَكَأَنَّهُ قَالَ : فِي تَيْنِكَ الْجَنَّتَيْنِ مِنْ كُلّ فَاكِهَة نَوْع , وَفِي هَذِهِ الْجَنَّة مِنْ كُلّ فَاكِهَة نَوْعَانِ .'; $TAFSEER['4']['55']['53'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ يُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['54'] = 'هُوَ نَصْب عَلَى الْحَال . وَالْفُرُش جَمْع فِرَاش . وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة " فُرْش " بِإِسْكَانِ الرَّاء جَمْع بِطَانَة وَهِيَ الَّتِي تَحْت الظِّهَارَة وَالْإِسْتَبْرَق مَا غَلُظَ مِنْ الدِّيبَاج وَخَشُنَ , أَيْ إِذَا كَانَتْ الْبِطَانَة الَّتِي تَلِي الْأَرْض هَكَذَا فَمَا ظَنّك بِالظِّهَارَةِ , قَالَهُ اِبْن مَسْعُود وَأَبُو هُرَيْرَة . وَقِيلَ لِسَعِيدِ بْن جُبَيْر : الْبَطَائِن مِنْ إِسْتَبْرَق فَمَا الظَّوَاهِر ؟ قَالَ : هَذَا مِمَّا قَالَ اللَّه : " فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن " [ السَّجْدَة : 17 ] . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّمَا وَصَفَ لَكُمْ بَطَائِنهَا لِتَهْتَدِي إِلَيْهِ قُلُوبكُمْ , فَأَمَّا الظَّوَاهِر فَلَا يَعْلَمهَا إِلَّا اللَّه . وَفِي الْخَبَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " ظَوَاهِرهَا نُور يَتَلَأْلَأ " . وَعَنْ الْحَسَن : بَطَائِنهَا مِنْ إِسْتَبْرَق , وَظَوَاهِرهَا مِنْ نُور جَامِد . وَعَنْ الْحَسَن أَيْضًا : الْبَطَائِن هِيَ الظَّوَاهِر , وَهُوَ قَوْل الْفَرَّاء , وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَة . وَالْعَرَب تَقُول لِلظَّهْرِ بَطْنًا , فَيَقُولُونَ : هَذَا ظَهْر السَّمَاء , وَهَذَا بَطْن السَّمَاء , لِظَاهِرِهَا الَّذِي نَرَاهُ . وَأَنْكَرَ اِبْن قُتَيْبَة وَغَيْره هَذَا , وَقَالُوا : لَا يَكُون هَذَا إِلَّا فِي الْوَجْهَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ إِذَا وَلِيَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا قَوْمًا , كَالْحَائِطِ بَيْنك وَبَيْن قَوْم , وَعَلَى ذَلِكَ أَمْر السَّمَاء . الْجَنَى مَا يُجْتَنَى مِنْ الشَّجَر , يُقَال : أَتَانَا بِجَنَاةٍ طَيِّبَة لِكُلِّ مَا يُجْتَنَى . وَثَمَر جَنِيّ عَلَى فَعِيل حِينَ جُنِيَ , وَقَالَ : هَذَا جَنَايَ وَخِيَاره فِيهْ إِذْ كُلّ جَانٍ يَده إِلَى فِيهْ وَقُرِئَ " جِنَى " بِكَسْرِ الْجِيم . " دَانٍ " قَرِيب . قَالَ اِبْن عَبَّاس : تَدْنُو الشَّجَرَة حَتَّى يَجْتَنِيَهَا وَلِيّ اللَّه إِنْ شَاءَ قَائِمًا وَإِنْ شَاءَ قَاعِدًا وَإِنْ شَاءَ مُضْطَجِعًا , لَا يَرُدّ يَدَهُ بُعْدٌ وَلَا شَوْكٌ .'; $TAFSEER['4']['55']['55'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['56'] = 'قِيلَ : فِي الْجَنَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ . قَالَ الزَّجَّاج : وَإِنَّمَا قَالَ : " فِيهِنَّ " وَلَمْ يَقُلْ فِيهِمَا , لِأَنَّهُ عَنَى الْجَنَّتَيْنِ وَمَا أُعِدَّ لِصَاحِبِهِمَا مِنْ النَّعِيم . وَقِيلَ : " فِيهِنَّ " يَعُود عَلَى الْفُرُش الَّتِي بَطَائِنهَا مِنْ إِسْتَبْرَق , أَيْ فِي هَذِهِ الْفُرُش " قَاصِرَات الطَّرْف " أَيْ نِسَاء قَاصِرَات الطَّرْف , قَصَرْنَ أَعْيُنهنَّ عَلَى أَزْوَاجهنَّ فَلَا يَرَيْنَ غَيْرهمْ . وَقَدْ مَضَى فِي " وَالصَّافَّات " وَوُحِّدَ الطَّرْف مَعَ الْإِضَافَة إِلَى الْجَمْع لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَصْدَر , مِنْ طَرَفَتْ عَيْنه تَطْرِف طَرْفًا , ثُمَّ سُمِّيَتْ الْعَيْن بِذَلِكَ فَأَدَّى عَنْ الْوَاحِد وَالْجَمْع , كَقَوْلِهِمْ : قَوْم عَدْل وَصَوْم . أَيْ لَمْ يُصِبْهُنَّ بِالْجِمَاعِ قَبْل أَزْوَاجهنَّ هَؤُلَاءِ أَحَد , الْفَرَّاء : وَالطَّمْث الِافْتِضَاض وَهُوَ النِّكَاح بِالتَّدْمِيَةِ , طَمَثَهَا يَطْمِثهَا وَيَطْمُثُهَا طَمْثًا إِذَا اِفْتَضَّهَا . وَمِنْهُ قِيلَ : اِمْرَأَة طَامِث أَيْ حَائِض . وَغَيْر الْفَرَّاء يُخَالِفهُ فِي هَذَا وَيَقُول : طَمَثَهَا بِمَعْنَى وَطِئَهَا عَلَى أَيّ الْوُجُوه كَانَ . إِلَّا أَنَّ قَوْل الْفَرَّاء أَعْرَفُ وَأَشْهَرُ . وَقَرَأَ الْكِسَائِيّ " لَمْ يَطْمُثْهُنَّ " بِضَمِّ الْمِيم , يُقَال : طَمَثَتْ الْمَرْأَة تَطْمُثُ بِالضَّمِّ حَاضَتْ . وَطَمِثَتْ بِالْكَسْرِ لُغَة فَهِيَ طَامِث , وَقَالَ الْفَرَزْدَق : وَقَعْنَ إِلَيَّ لَمْ يُطْمَثْنَ قَبْلِي وَهُنَّ أَصَحُّ مِنْ بَيْض النَّعَام وَقِيلَ : " لَمْ يَطْمِثهُنَّ " لَمْ يَمْسَسْهُنَّ , قَالَ أَبُو عَمْرو : وَالطَّمْث الْمَسّ وَذَلِكَ فِي كُلّ شَيْء يُمَسّ وَيُقَال لِلْمَرْتَعِ : مَا طَمَثَ ذَلِكَ الْمَرْتَعَ قَبْلنَا أَحَدٌ , وَمَا طَمَثَ هَذِهِ النَّاقَة حَبْل , أَيْ مَا مَسَّهَا عِقَال . وَقَالَ الْمُبَرِّد : أَيْ لَمْ يُذَلِّلهُنَّ إِنْس قَبْلهمْ وَلَا جَانّ , وَالطَّمْث التَّذْلِيل . وَقَرَأَ الْحَسَن " جَأَنّ " بِالْهَمْزَةِ . الثَّالِثَة : فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ الْجِنّ تَغْشَى كَالْإِنْسِ , وَتَدْخُل الْجَنَّة وَيَكُون لَهُمْ فِيهَا جِنِّيَّات . قَالَ ضَمْرَة : لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ أَزْوَاج مِنْ الْحُور الْعِين , فَالْإِنْسِيَّات لِلْإِنْسِ , وَالْجِنِّيَّات لِلْجِنِّ . وَقِيلَ : أَيْ لَمْ يَطْمِث مَا وَهَبَ اللَّه لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْجِنّ فِي الْجَنَّة مِنْ الْحُور الْعِين مِنْ الْجِنِّيَّات جِنٌّ , وَلَمْ يَطْمِث مَا وَهَبَ اللَّه لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْإِنْس فِي الْجَنَّة مِنْ الْحُور الْعِين مِنْ الْإِنْسِيَّات إِنْسٌ , وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجِنّ لَا تَطَأ بَنَات آدَم فِي الدُّنْيَا . ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ . قُلْت : قَدْ مَضَى فِي " النَّمْل " الْقَوْل فِي هَذَا وَفِي " الْإِسْرَاء " أَيْضًا , وَأَنَّهُ جَائِز أَنْ تَطَأ بَنَات آدَم . وَقَدْ قَالَ مُجَاهِد : إِذَا جَامَعَ الرَّجُل وَلَمْ يُسَمِّ اِنْطَوَى الْجَانّ عَلَى إِحْلِيله فَجَامَعَ مَعَهُ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " لَمْ يَطْمِثهُنَّ إِنْس قَبْلهمْ وَلَا جَانّ " وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَصَفَ الْحُور الْعِين بِأَنَّهُ لَمْ يَطْمِثهُنَّ إِنْس قَبْلهمْ وَلَا جَانّ . يُعْلِمك أَنَّ نِسَاء الْآدَمِيَّات قَدْ يَطْمِثهُنَّ الْجَانّ , وَأَنَّ الْحُور الْعِين قَدْ بَرِئْنَ مِنْ هَذَا الْعَيْب وَنُزِّهْنَ , وَالطَّمْث الْجِمَاع . ذَكَرَهُ بِكَمَالِهِ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم , وَذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ أَيْضًا وَالثَّعْلَبِيّ وَغَيْرهمَا وَاَللَّه أَعْلَمُ .'; $TAFSEER['4']['55']['57'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ'; $TAFSEER['4']['55']['58'] = 'رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ الْمَرْأَة مِنْ نِسَاء أَهْل الْجَنَّة لَيُرَى بَيَاض سَاقَيْهَا مِنْ وَرَاء سَبْعِينَ حُلَّة حَتَّى يُرَى مُخّهَا " وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول : " كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوت وَالْمَرْجَان " فَأَمَّا الْيَاقُوت فَإِنَّهُ حَجَر لَوْ أَدْخَلْت فِيهِ سِلْكًا ثُمَّ اِسْتَصْفَيْتَهُ لَأُرِيتَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُرْوَى مَوْقُوفًا . وَقَالَ عَمْرو بْن مَيْمُون : إِنَّ الْمَرْأَة مِنْ الْحُور الْعِين لَتَلْبَس سَبْعِينَ حُلَّة فَيُرَى مُخّ سَاقهَا مِنْ وَرَاء ذَلِكَ , كَمَا يُرَى الشَّرَاب الْأَحْمَر فِي الزُّجَاجَة الْبَيْضَاء . وَقَالَ الْحَسَن : هُنَّ فِي صَفَاء الْيَاقُوت , وَبَيَاض الْمَرْجَان .'; $TAFSEER['4']['55']['59'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['60'] = '" هَلْ " فِي الْكَلَام عَلَى أَرْبَعَة أَوْجُه : تَكُون بِمَعْنَى قَدْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " هَلْ أَتَى عَلَى الْإِحْسَان حِين مِنْ الدَّهْر " [ الْإِنْسَان : 1 ] , وَبِمَعْنَى الِاسْتِفْهَام كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقًّا " [ الْأَعْرَاف : 44 ] , وَبِمَعْنَى الْأَمْر كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ " [ الْمَائِدَة : 91 ] , وَبِمَعْنَى مَا فِي الْجَحْد كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " فَهَلْ عَلَى الرُّسُل إِلَّا الْبَلَاغ " [ النَّحْل : 35 ] , و " هَلْ جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان " . قَالَ عِكْرِمَة : أَيْ هَلْ جَزَاء مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه إِلَّا الْجَنَّة . اِبْن عَبَّاس : مَا جَزَاء مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَعَمِلَ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الْجَنَّة . وَقِيلَ : هَلْ جَزَاء مَنْ أَحْسَنَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا أَنْ يُحْسَن إِلَيْهِ فِي الْآخِرَة , قَالَهُ اِبْن زَيْد . وَرَوَى أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ " هَلْ جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان " ثُمَّ قَالَ : " هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبّكُمْ " قَالُوا اللَّه وَرَسُول أَعْلَمُ , قَالَ : " يَقُول مَا جَزَاء مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِ بِالتَّوْحِيدِ إِلَّا الْجَنَّة " . وَرَوَى اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة فَقَالَ : " يَقُول اللَّه هَلْ جَزَاء مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِ بِمَعْرِفَتِي وَتَوْحِيدِي إِلَّا أَنْ أُسْكِنهُ جَنَّتِي وَحَظِيرَة قُدْسِي بِرَحْمَتِي " وَقَالَ الصَّادِق : هَلْ جَزَاء مَنْ أَحْسَنْت عَلَيْهِ فِي الْأَزَل إِلَّا حِفْظ الْإِحْسَان عَلَيْهِ فِي الْأَبَد . وَقَالَ مُحَمَّد بْن الْحَنِيفَة وَالْحَسَن : هِيَ مُسْجَلَة لِلْبَرِّ وَالْفَاجِر , أَيْ مُرْسَلَة عَلَى الْفَاجِر فِي الدُّنْيَا وَالْبَرّ فِي الْآخِرَة .'; $TAFSEER['4']['55']['61'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['62'] = 'أَيْ وَلَهُ مِنْ دُون الْجَنَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ جَنَّتَانِ أُخْرَيَانِ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَمِنْ دُونهمَا فِي الدَّرَج . اِبْن زَيْد : وَمِنْ دُونهمَا فِي الْفَضْل . اِبْن عَبَّاس : وَالْجَنَّات لِمَنْ خَافَ مَقَام رَبّه , فَيَكُون فِي الْأُولَيَيْنِ النَّخْل وَالشَّجَر , وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ الزَّرْع وَالنَّبَات وَمَا اِنْبَسَطَ . الْمَاوَرْدِيّ : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون " وَمِنْ دُونهمَا جَنَّتَانِ " لِأَتْبَاعِهِ لِقُصُورِ مَنْزِلَتهمْ عَنْ مَنْزِلَته , إِحْدَاهُمَا لِلْحُورِ الْعِين , وَالْأُخْرَى لِلْوِلْدَانِ الْمُخَلَّدِينَ , لِيَتَمَيَّز بِهِمَا الذُّكُور عَنْ الْإِنَاث . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : هِيَ أَرْبَع : جَنَّتَانِ مِنْهَا لِلسَّابِقِينَ الْمُقَرَّبِينَ " فِيهِمَا مِنْ كُلّ فَاكِهَة زَوْجَانِ " [ الرَّحْمَن : 52 ] و " عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ " [ الرَّحْمَن : 50 ] , وَجَنَّتَانِ لِأَصْحَابِ الْيَمِين " فِيهِمَا فَاكِهَة وَنَخْل وَرُمَّان " [ الرَّحْمَن : 68 ] و " فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ " [ الرَّحْمَن : 66 ] . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّ الْأُولَيَيْنِ مِنْ ذَهَب لِلْمُقَرَّبِينَ , وَالْأُخْرَيَيْنِ مِنْ وَرِق لِأَصْحَابِ الْيَمِين . قُلْت : إِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَلِيمِيّ أَبُو عَبْد اللَّه الْحَسَن بْن الْحُسَيْن فِي كِتَاب " مِنْهَاج الدِّين لَهُ " , وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَلِمَنْ خَافَ مَقَام رَبّه جَنَّتَانِ " [ الرَّحْمَن : 46 ] إِلَى قَوْله : " مُدْهَامَّتَانِ " قَالَ : تَانِكَ لِلْمُقَرَّبِينَ , وَهَاتَانِ لِأَصْحَابِ الْيَمِين . وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ نَحْوه . وَلَمَّا وَصَفَ اللَّه الْجَنَّتَيْنِ أَشَارَ إِلَى الْفَرْق بَيْنهمَا فَقَالَ فِي الْأُولَيَيْنِ : " فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ " [ الرَّحْمَن : 50 ] وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ : " فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ " [ الرَّحْمَن : 66 ] أَيْ فَوَّارَتَانِ وَلَكِنَّهُمَا لَيْسَتَا كَالْجَارِيَتَيْنِ لِأَنَّ النَّضْخ دُون الْجَرْي . وَقَالَ فِي الْأُولَيَيْنِ : " فِيهِمَا مِنْ كُلّ فَاكِهَة زَوْجَانِ " [ الرَّحْمَن : 52 ] فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ . وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ : " فِيهِمَا فَاكِهَة وَنَخْل وَرُمَّان " [ الرَّحْمَن : 68 ] وَلَمْ يَقُلْ مِنْ كُلّ فَاكِهَة , وَقَالَ فِي الْأُولَيَيْنِ : " مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُش بَطَائِنهَا مِنْ إِسْتَبْرَق " [ الرَّحْمَن : 54 ] وَهُوَ الدِّيبَاج , وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ " مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَف خُضْر وَعَبْقَرِيّ حِسَان " [ الرَّحْمَن : 76 ] وَالْعَبْقَرِيّ الْوَشْي , وَلَا شَكَّ أَنَّ الدِّيبَاج أَعْلَى مِنْ الْوَشْي , وَالرَّفْرَف كِسَر الْخِبَاء , وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفُرُش الْمُعَدَّة لِلِاتِّكَاءِ عَلَيْهَا أَفْضَل مِنْ فَضْل الْخِبَاء . وَقَالَ فِي الْأُولَيَيْنِ فِي صِفَة الْحُور : " كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوت وَالْمَرْجَان " [ الرَّحْمَن : 58 ] , وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ " فِيهِنَّ خَيْرَات حِسَان " [ الرَّحْمَن : 70 ] وَلَيْسَ كُلّ حُسْن كَحُسْنِ الْيَاقُوت وَالْمَرْجَان . وَقَالَ فِي الْأُولَيَيْنِ : " ذَوَاتَا أَفْنَان " [ الرَّحْمَن : 48 ] وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ'; $TAFSEER['4']['55']['63'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['64'] = 'أَيْ خَضْرَاوَانِ كَأَنَّهُمَا مِنْ شِدَّة خُضْرَتهمَا سَوْدَاوَانِ , وَوَصَفَ الْأُولَيَيْنِ بِكَثْرَةِ الْأَغْصَان , وَالْأُخْرَيَيْنِ بِالْخُضْرَةِ وَحْدهَا , وَفِي هَذَا كُلّه تَحْقِيق لِلْمَعْنَى الَّذِي قَصَدْنَا بِقَوْلِهِ " وَمِنْ دُونهمَا جَنَّتَانِ " وَلَعَلَّ مَا لَمْ يُذْكَر مِنْ تَفَاوُت مَا بَيْنهمَا أَكْثَرُ مِمَّا ذُكِرَ . فَإِنْ قِيلَ : كَيْف لَمْ يَذْكُر أَهْل هَاتَيْنِ الْجَنَّتَيْنِ كَمَا ذَكَرَ أَهْل الْجَنَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ؟ قُلْ : الْجِنَان الْأَرْبَع لِمَنْ خَافَ مَقَام رَبّه إِلَّا أَنَّ الْخَائِفِينَ لَهُمْ مَرَاتِب , فَالْجَنَّتَانِ الْأُولَيَانِ لِأَعْلَى الْعِبَاد رُتْبَة فِي الْخَوْف مِنْ اللَّه تَعَالَى , وَالْجَنَّتَانِ الْأُخْرَيَانِ لِمَنْ قَصَرَتْ حَاله فِي الْخَوْف مِنْ اللَّه تَعَالَى . وَمَذْهَب الضَّحَّاك أَنَّ الْجَنَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ ذَهَب وَفِضَّة , وَالْأُخْرَيَيْنِ مِنْ يَاقُوت وَزُمُرُّد وَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْأُولَيَيْنِ , وَقَوْله : " وَمِنْ دُونهمَا جَنَّتَانِ " أَيْ و مِنْ أَمَامهمَا وَمِنْ قَبْلهمَا . وَإِلَى هَذَا الْقَوْل ذَهَبَ أَبُو عَبْد اللَّه التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي " نَوَادِر الْأُصُول " فَقَالَ : وَمَعْنَى " وَمِنْ دُونهمَا جَنَّتَانِ " أَيْ دُون هَذَا إِلَى الْعَرْش , أَيْ أَقْرَب وَأَدْنَى إِلَى الْعَرْش , وَأَخَذَ يُفَضِّلهُمَا عَلَى الْأُولَيَيْنِ بِمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْهُ . وَقَالَ مُقَاتِل : الْجَنَّتَانِ الْأُولَيَانِ جَنَّة عَدْن وَجَنَّة النَّعِيم , وَالْأُخْرَيَانِ جَنَّة الْفِرْدَوْس وَجَنَّة الْمَأْوَى . قَوْله تَعَالَى : " مُدْهَامَّتَانِ " أَيْ خَضْرَاوَانِ مِنْ الرِّيّ , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . وَقَالَ مُجَاهِد : مُسْوَدَّتَانِ . وَالدُّهْمَة فِي اللُّغَة السَّوَاد , يُقَال : فَرَس أَدْهَم وَبَعِير أَدْهَم وَنَاقَة دَهْمَاء أَيْ اِشْتَدَّتْ زُرْقَته حَتَّى الْبَيَاض الَّذِي فِيهِ , فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى اِشْتَدَّ السَّوَاد فَهُوَ جَوْن . وَادْهَمَّ الْفَرَس اِدْهِمَامًا أَيْ صَارَ أَدْهَمَ . وَادْهَامَّ الشَّيْء اِدْهِيمَامًا أَيْ اِسْوَادَّ , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " مُدْهَامَّتَانِ " أَيْ سَوْدَاوَانِ مِنْ شِدَّة الْخُضْرَة مِنْ الرَّيّ , وَالْعَرَب تَقُول لِكُلِّ أَخْضَر أَسْوَد . وَقَالَ لَبِيد يَرْثِي قَتْلَى هَوَازِن : وَجَاءُوا بِهِ فِي هَوْدَج وَوَرَاءَهُ كَتَائِب خُضْر فِي نَسِيج السَّنَوَّرِ السَّنَوَّرُ لَبُوس مِنْ قِدٍّ كَالدِّرْعِ . وَسُمِّيَتْ قُرَى الْعِرَاق سَوَادًا لِكَثْرَةِ خُضْرَتهَا . وَيُقَال لِلَّيْلِ الْمُظْلِم : أَخْضَر وَيُقَال : أَبَادَ اللَّه خَضْرَاءَهُمْ أَيْ سَوَادهمْ .'; $TAFSEER['4']['55']['65'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['66'] = 'أَيْ فَوَّارَتَانِ بِالْمَاءِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَالنَّضْخ بِالْخَاءِ أَكْثَر مِنْ النَّضْح بِالْحَاءِ . وَعَنْهُ أَنَّ الْمَعْنَى نَضَّاخَتَانِ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَة , وَقَالَهُ الْحَسَن وَمُجَاهِد . اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس أَيْضًا وَأَنَس : تَنْضَخ عَلَى أَوْلِيَاء اللَّه بِالْمِسْكِ وَالْعَنْبَر وَالْكَافُور فِي دُور أَهْل الْجَنَّة كَمَا يَنْضَخ رَشّ الْمَطَر . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : بِأَنْوَاعِ الْفَوَاكِه وَالْمَاء . التِّرْمِذِيّ : قَالُوا بِأَنْوَاعِ الْفَوَاكِه وَالنِّعَم وَالْجَوَارِي الْمُزَيَّنَات وَالدَّوَابّ الْمُسْرَجَات وَالثِّيَاب الْمُلَوَّنَات . قَالَ التِّرْمِذِيّ : وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ النَّضْخ أَكْثَر مِنْ الْجَرْي . وَقِيلَ : تَنْبُعَانِ ثُمَّ تَجْرِيَانِ .'; $TAFSEER['4']['55']['67'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['68'] = 'قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : لَيْسَ الرُّمَّان وَالنَّخْل مِنْ الْفَاكِهَة , لِأَنَّ الشَّيْء لَا يُعْطَف عَلَى نَفْسه إِنَّمَا يُعْطَف عَلَى غَيْره وَهَذَا ظَاهِر الْكَلَام . وَقَالَ الْجُمْهُور : هُمَا مِنْ الْفَاكِهَة وَإِنَّمَا أَعَادَ ذِكْر النَّخْل وَالرُّمَّان لِفَضْلِهِمَا وَحُسْن مَوْقِعهمَا عَلَى الْفَاكِهَة , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى " [ الْبَقَرَة : 238 ] وَقَوْله : " مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وَمِيكَال " [ الْبَقَرَة : 98 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَقِيلَ : إِنَّمَا كَرَّرَهَا لِأَنَّ النَّخْل وَالرُّمَّان كَانَا عِنْدهمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْت بِمَنْزِلَةِ الْبُرّ عِنْدنَا , لِأَنَّ النَّخْل عَامَّة قُوتِهِمْ , وَالرُّمَّان كَالثَّمَرَاتِ , فَكَانَ يَكْثُر غَرْسهمَا عِنْدهمْ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهِمَا , وَكَانَتْ الْفَوَاكِه عِنْدهمْ مِنْ أَلْوَان الثِّمَار الَّتِي يُعْجَبُونَ بِهَا , فَإِنَّمَا ذَكَرَ الْفَاكِهَة ثُمَّ ذَكَرَ النَّخْل وَالرُّمَّان لِعُمُومِهِمَا وَكَثْرَتهمَا عِنْدهمْ مِنْ الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة إِلَى مَا وَالَاهَا مِنْ أَرْض الْيَمَن , فَأَخْرَجَهُمَا فِي الذِّكْر مِنْ الْفَوَاكِه وَأَفْرَدَ الْفَوَاكِه عَلَى حِدَتهَا . وَقِيلَ : أُفْرِدَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ النَّخْل ثَمَره فَاكِهَة وَطَعَام , وَالرُّمَّان فَاكِهَة وَدَوَاء , فَلَمْ يَخْلُصَا لِلتَّفَكُّهِ , وَمِنْهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَة رَحِمَهُ اللَّه , وَهِيَ الْمَسْأَلَة إِذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُل فَاكِهَة فَأَكَلَ رُمَّانًا أَوْ رُطَبًا لَمْ يَحْنَث . وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ وَالنَّاس . قَالَ اِبْن عَبَّاس : الرُّمَّانَة فِي الْجَنَّة مِثْل الْبَعِير الْمُقَتَّب . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان عَنْ حَمَّاد عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : نَخْل الْجَنَّة جُذُوعهَا زُمُرُّد أَخْضَر , وَكَرَانِيفهَا ذَهَب أَحْمَر , وَسَعَفهَا كِسْوَة لِأَهْلِ الْجَنَّة , مِنْهَا مُقَطَّعَاتهمْ وَحُلَلهمْ , وَثَمَرهَا أَمْثَال الْقِلَال وَالدِّلَاء , أَشَدّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَن , وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَل , وَأَلْيَن مِنْ الزُّبْد , لَيْسَ فِيهِ عَجَمٌ . قَالَ : وَحَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيّ عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , قَالَ : نَخْل الْجَنَّة نَضِيد مِنْ أَصْلهَا إِلَى فَرْعهَا , وَثَمَرهَا أَمْثَال الْقِلَال كُلَّمَا نُزِعَتْ ثَمَرَة عَادَتْ مَكَانهَا أُخْرَى , وَإِنَّ مَاءَهَا لَيَجْرِيَ فِي غَيْر أُخْدُود , وَالْعُنْقُود اِثْنَا عَشَرَ ذِرَاعًا .'; $TAFSEER['4']['55']['69'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['70'] = 'فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : " فِيهِنَّ خَيْرَات حِسَان " يَعْنِي النِّسَاء الْوَاحِدَة خَيْرَة عَلَى مَعْنَى ذَوَات خَيْر . وَقِيلَ : " خَيِّرَات " بِمَعْنَى خَيْرَات فَخُفِّفَ , كَهَيِّنٍ وَلَيِّنٍ . اِبْن الْمُبَارَك : حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيّ عَنْ حَسَّان بْن عَطِيَّة عَنْ سَعِيد بْن عَامِر قَالَ : لَوْ أَنَّ خَيْرَة مِنْ " خَيْرَات حِسَان " اِطَّلَعَتْ مِنْ السَّمَاء لَأَضَاءَتْ لَهَا , وَلَقَهَرَ ضَوْء وَجْههَا الشَّمْس وَالْقَمَر , وَلَنَصِيفٌ تُكْسَاهُ خَيْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا . " حِسَان " أَيْ حِسَان الْخَلْق , وَإِذَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : " حِسَان " فَمَنْ ذَا الَّذِي يَقْدِر أَنْ يَصِف حُسْنهنَّ ! وَقَالَ الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة : " خَيْرَات " الْأَخْلَاق " حِسَان " الْوُجُوه . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيث أُمّ سَلَمَة . وَقَالَ أَبُو صَالِح : لِأَنَّهُنَّ عَذَارَى أَبْكَار . وَقَرَأَ قَتَادَة وَابْن السَّمَيْقَع وَأَبُو رَجَاء الْعُطَارِدِيّ وَبَكْر بْن حَبِيب السَّهْمِيّ " خَيِّرَات " بِالتَّشْدِيدِ عَلَى الْأَصْل . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ خَيْرَات جَمْع خَيْر وَالْمَعْنَى ذَوَات خَيْر . وَقِيلَ : مُخْتَارَات . قَالَ التِّرْمِذِيّ : فَالْخَيْرَات مَا اِخْتَارَهُنَّ اللَّه فَأَبْدَعَ خَلْقهنَّ بِاخْتِيَارِهِ , فَاخْتِيَار اللَّه لَا يُشْبِه اِخْتِيَار الْآدَمِيِّينَ . ثُمَّ قَالَ : " حِسَان " فَوَصَفَهُنَّ بِالْحُسْنِ فَإِذَا وَصَفَ خَالِق الْحُسْن شَيْئًا بِالْحُسْنِ فَانْظُرْ مَا هُنَاكَ . وَفِي الْأُولَيَيْنِ ذَكَرَ بِأَنَّهُنَّ " قَاصِرَات الطَّرْف " [ الرَّحْمَن : 56 ] و " كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوت وَالْمَرْجَان " [ الرَّحْمَن : 58 ] فَانْظُرْ كَمْ بَيْن الْخَيْرَة وَهِيَ مُخْتَارَة اللَّه , وَبَيْن قَاصِرَات الطَّرْف . وَفِي الْحَدِيث : " إِنَّ الْحُور الْعِين يَأْخُذ بَعْضهنَّ بِأَيْدِي بَعْض وَيَتَغَنَّيْنَ بِأَصْوَاتٍ لَمْ تَسْمَع الْخَلَائِق بِأَحْسَنَ مِنْهَا وَلَا بِمِثْلِهَا نَحْنُ الرَّاضِيَات فَلَا نَسْخَط أَبَدًا وَنَحْنُ الْمُقِيمَات فَلَا نَظْعَن أَبَدًا وَنَحْنُ الْخَالِدَات فَلَا نَمُوت أَبَدًا وَنَحْنُ النَّاعِمَات فَلَا نَبْؤُس أَبَدًا وَنَحْنُ خَيْرَات حِسَان حَبِيبَات لِأَزْوَاجٍ كِرَام " . خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ بِمَعْنَاهُ مِنْ حَدِيث . عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَقَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : إِنَّ الْحُور الْعِين إِذَا قُلْنَ هَذِهِ الْمَقَالَة أَجَابَهُنَّ الْمُؤْمِنَات مِنْ نِسَاء أَهْل الدُّنْيَا : نَحْنُ الْمُصَلِّيَات وَمَا صَلَّيْتُنَّ , وَنَحْنُ الصَّائِمَات وَمَا صُمْتُنَّ , وَنَحْنُ الْمُتَوَضِّئَات وَمَا تَوَضَّأْتُنَّ , وَنَحْنُ الْمُتَصَدِّقَات وَمَا تَصَدَّقْتُنَّ . فَقَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه , عَنْهَا : فَغَلَبْنَهُنَّ وَاَللَّه . الثَّانِيَة : وَاخْتُلِفَ أَيّهمَا أَكْثَرُ حُسْنًا وَأَبْهَرُ جَمَالًا الْحُور أَوْ الْآدَمِيَّات ؟ فَقِيلَ : الْحُور لِمَا ذُكِرَ مِنْ وَصْفهنَّ فِي الْقُرْآن وَالسُّنَّة , وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي دُعَائِهِ عَلَى الْمَيِّت فِي الْجِنَازَة : " وَأَبْدِلْهُ زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجه " . وَقِيلَ : الْآدَمِيَّات أَفْضَلُ مِنْ الْحُور الْعِين بِسَبْعِينَ أَلْف ضِعْف , وَرُوِيَ مَرْفُوعًا . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك : وَأَخْبَرَنَا رِشْدِين عَنْ ابْن أَنْعُم عَنْ حِبَّان بْن أَبِي جَبَلَة , قَالَ : إِنَّ نِسَاء الدُّنْيَا مَنْ دَخَلَ مِنْهُنَّ الْجَنَّة فُضِّلْنَ عَلَى الْحُور الْعِين بِمَا عَمِلْنَ فِي الدُّنْيَا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْحُور الْعِين الْمَذْكُورَات فِي الْقُرْآن هُنَّ الْمُؤْمِنَات مِنْ أَزْوَاج النَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ يُخْلَقْنَ فِي الْآخِرَة عَلَى أَحْسَنِ صُورَة , قَالَهُ الْحَسَن الْبَصْرِيّ . وَالْمَشْهُور أَنَّ الْحُور الْعِين لَسْنَ مِنْ نِسَاء أَهْل الدُّنْيَا وَإِنَّمَا هُنَّ مَخْلُوقَات فِي الْجَنَّة , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ : " لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْس قَبْلهمْ وَلَا جَانّ " وَأَكْثَرُ نِسَاء أَهْل الدُّنْيَا مَطْمُوثَات , وَلِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ أَقَلّ سَاكِنِي الْجَنَّة النِّسَاء " فَلَا يُصِيب كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ اِمْرَأَة , وَوَعَدَ الْحُور الْعِين لِجَمَاعَتِهِمْ , فَثَبَتَ أَنَّهُنَّ مِنْ غَيْر نِسَاء الدُّنْيَا .'; $TAFSEER['4']['55']['71'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['72'] = '" حُور " جَمْع حَوْرَاء , وَهِيَ الشَّدِيدَة بَيَاض الْعَيْن الشَّدِيدَة سَوَادهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ . " مَقْصُورَات " مَحْبُوسَات مَسْتُورَات " فِي الْخِيَام " فِي الْحِجَال لَسْنَ بِالطَّوَّافَاتِ فِي الطُّرُق , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : الْخَيْمَة دُرَّة مُجَوَّفَة . وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ : هِيَ فَرْسَخ فِي فَرْسَخ لَهَا أَرْبَعَة آلَاف مِصْرَاع مِنْ ذَهَب . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم أَبُو عَبْد اللَّه فِي قَوْله تَعَالَى " حُور مَقْصُورَات فِي الْخِيَام " : بَلَغَنَا فِي الرِّوَايَة أَنَّ سَحَابَة أَمْطَرَتْ مِنْ الْعَرْش فَخُلِقَتْ الْحُور مِنْ قَطَرَات الرَّحْمَة , ثُمَّ ضُرِبَ عَلَى كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ خَيْمَة عَلَى شَاطِئ الْأَنْهَار سَعَتهَا أَرْبَعُونَ مِيلًا وَلَيْسَ لَهَا بَاب , حَتَّى إِذَا دَخَلَ وَلِيّ اللَّه الْجَنَّة اِنْصَدَعَتْ الْخَيْمَة عَنْ بَاب لِيَعْلَم وَلِيّ اللَّه أَنَّ أَبْصَار الْمَخْلُوقِينَ مِنْ الْمَلَائِكَة وَالْخَدَم لَمْ تَأْخُذهَا , فَهِيَ مَقْصُورَة قَدْ قُصِرَ بِهَا عَنْ أَبْصَار الْمَخْلُوقِينَ . وَاَللَّه أَعْلَمُ . وَقَالَ فِي الْأُولَيَيْنِ : " فِيهِنَّ قَاصِرَات الطَّرْف " [ الرَّحْمَن : 56 ] قَصَرْنَ طَرْفهنَّ عَلَى الْأَزْوَاج وَلَمْ يَذْكُر أَنَّهُنَّ مَقْصُورَات , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُورَات أَعْلَى وَأَفْضَلُ . وَقَالَ مُجَاهِد : " مَقْصُورَات " قَدْ قُصِرْنَ عَلَى أَزْوَاجهنَّ فَلَا يُرِدْنَ بَدَلًا مِنْهُمْ . وَفِي الصِّحَاح : وَقَصَرْت الشَّيْء أَقْصُرهُ قَصْرًا حَبَسْته , وَمِنْهُ مَقْصُورَة الْجَامِع , وَقَصَرْت الشَّيْء عَلَى كَذَا إِذَا لَمْ تُجَاوِز إِلَى غَيْره , وَامْرَأَة قَصِيرَة وَقَصُورَة أَيْ مَقْصُورَة فِي الْبَيْت لَا تُتْرَك أَنْ تَخْرُج , قَالَ كُثَيِّر : وَأَنْتِ الَّتِي حَبَّبْتِ كُلّ قَصِيرَة إِلَيَّ وَمَا تَدْرِي بِذَاكَ الْقَصَائِرُ عَنَيْت قَصِيرَات الْحِجَال وَلَمْ أُرِدْ قِصَار الْخُطَا شَرُّ النِّسَاء الْبَحَاتِرُ وَأَنْشَدَهُ الْفَرَّاء قَصُورَة , ذَكَرَهُ اِبْن السِّكِّيت . وَرَوَى أَنَس قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَرَرْت لَيْلَة أُسْرِيَ بِي فِي الْجَنَّة بِنَهَرٍ حَافَّتَاهُ قِبَاب الْمَرْجَان فَنُودِيتُ مِنْهُ السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول اللَّه فَقُلْت : يَا جِبْرِيل مَنْ هَؤُلَاءِ قَالَ : هَؤُلَاءِ جَوَار مِنْ الْحُور الْعِين اِسْتَأْذَنَ رَبّهنَّ فِي أَنْ يُسَلِّمْنَ عَلَيْك فَأَذِنَ لَهُنَّ فَقُلْنَ : نَحْنُ الْخَالِدَات فَلَا نَمُوت أَبَدًا وَنَحْنُ النَّاعِمَات فَلَا نَبْؤُس أَبَدًا وَنَحْنُ الرَّاضِيَات فَلَا نَسْخَط أَبَدًا أَزْوَاج رِجَال كِرَام " ثُمَّ قَرَأَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " حُور مَقْصُورَات فِي الْخِيَام " أَيْ مَحْبُوسَات حَبْس صِيَانَة وَتَكْرِمَة . وَرُوِيَ عَنْ أَسْمَاء بِنْت يَزِيد الْأَشْهَلِيَّة أَنَّهَا أَتَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه ! إِنَّا مَعْشَر النِّسَاء مَحْصُورَات مَقْصُورَات , قَوَاعِد بُيُوتكُمْ وَحَوَامِل أَوْلَادكُمْ , فَهَلْ نُشَارِككُمْ فِي الْأَجْر ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَعَمْ إِذَا أَحْسَنْتُنَّ تَبَعُّلَ أَزْوَاجكُنَّ وَطَلَبْتُنَّ مَرْضَاتهمْ " .'; $TAFSEER['4']['55']['73'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['74'] = 'أَيْ لَمْ يَمْسَسْهُنَّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَبْل . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " يَطْمِثهُنَّ " بِكَسْرِ الْمِيم . وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة الشَّامِيّ وَطَلْحَة بْن مُصَرِّف وَالْأَعْرَج وَالشِّيرَازِيّ عَنْ الْكِسَائِيّ بِضَمِّ الْمِيم فِي الْحَرْفَيْنِ . وَكَانَ الْكِسَائِيّ يَكْسِر إِحْدَاهُمَا وَيَضُمّ الْأُخْرَى وَيُخَيِّر فِي ذَلِكَ , فَإِذَا رَفَعَ الْأُولَى كَسَرَ الثَّانِيَة وَإِذَا كَسَرَ الْأُولَى رَفَعَ الثَّانِيَة . وَهِيَ قِرَاءَة أَبِي إِسْحَاق السَّبِيعِيّ . قَالَ أَبُو إِسْحَاق : كُنْت أُصَلِّي خَلْف أَصْحَاب عَلِيّ فَيَرْفَعُونَ الْمِيم , وَكُنْت أُصَلِّي خَلْف أَصْحَاب عَبْد اللَّه فَيَكْسِرُونَهَا , فَاسْتَعْمَلَ الْكِسَائِيّ الْأَثَرَيْنِ . وَهُمَا لُغَتَانِ طَمُثَ وَطَمِثَ مِثْل يَعْرُشُونَ وَيَعْكِفُونَ , فَمَنْ ضَمَّ فَلِلْجَمْعِ بَيْن اللُّغَتَيْنِ , وَمَنْ كَسَرَ فَلِأَنَّهَا اللُّغَة السَّائِرَة . وَإِنَّمَا أَعَادَ قَوْله : " لَمْ يَطْمِثهُنَّ " , لِيُبَيِّن أَنَّ صِفَة الْحُور الْمَقْصُورَات فِي الْخِيَام كَصِفَةِ الْحُور الْقَاصِرَات الطَّرْف . يَقُول : إِذَا قُصِرْنَ كَانَتْ لَهُنَّ الْخِيَام فِي تِلْكَ الْحَال .'; $TAFSEER['4']['55']['75'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['76'] = 'الرَّفْرَف الْمَحَابِس . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الرَّفْرَف فُضُول الْفُرُش وَالْبُسُط . وَعَنْهُ أَيْضًا : الرَّفْرَف الْمَحَابِس يَتَّكِئُونَ عَلَى فُضُولهَا , وَقَالَهُ قَتَادَة . وَقَالَ الْحَسَن وَالْقُرَظِيّ : هِيَ الْبُسُط . وَقَالَ اِبْن عُيَيْنَة : هِيَ الزَّرَابِيّ . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : هِيَ الْمِرْفَق , وَقَالَهُ الْحَسَن أَيْضًا . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : هِيَ حَاشِيَة الثَّوْب . وَقَالَ اللَّيْث : ضَرْب مِنْ الثِّيَاب الْخُضْر تُبْسَط . وَقِيلَ : الْفُرُش الْمُرْتَفِعَة . وَقِيلَ : كُلّ ثَوْب عَرِيض عِنْد الْعَرَب فَهُوَ رَفْرَف . قَالَ اِبْن مُقْبِل : وَإِنَّا لَنَزَّالُونَ تَغْشَى نِعَالُنَا سَوَاقِط مِنْ أَصْنَاف رَيْط وَرَفْرَف وَهَذِهِ أَقْوَال مُتَقَارِبَة . وَفِي الصِّحَاح : وَالرَّفْرَف ثِيَاب خُضْر تُتَّخَذُ مِنْهَا الْمَحَابِس , الْوَاحِدَة رَفْرَفَة . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَابْن عَبَّاس أَيْضًا : الرَّفْرَف رِيَاض الْجَنَّة , وَاشْتِقَاق الرَّفْرَف مِنْ رَفَّ يَرِفّ إِذَا اِرْتَفَعَ , وَمِنْهُ رَفْرَفَة الطَّائِر لِتَحْرِيكِهِ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاء . وَرُبَّمَا سَمَّوْا الظَّلِيم رَفْرَافًا بِذَلِكَ , لِأَنَّهُ يُرَفْرِف بِجَنَاحَيْهِ ثُمَّ يَعْدُو . وَرَفْرَف الطَّائِر أَيْضًا إِذَا حَرَّكَ جَنَاحَيْهِ حَوْل الشَّيْء يُرِيد أَنْ يَقَع عَلَيْهِ . وَالرَّفْرَف أَيْضًا كِسْر الْخِبَاء وَجَوَانِب الدِّرْع وَمَا تَدَلَّى مِنْهَا , الْوَاحِد رَفْرَفَة . وَفِي الْخَبَر فِي وَفَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَرَفَعَ الرَّفْرَف فَرَأَيْنَا وَجْهه كَأَنَّهُ وَرَقَة تُخَشْخِش أَيْ رَفَعَ طَرْف الْفُسْطَاط . وَقِيلَ : أَصْل الرَّفْرَف مِنْ رَفَّ النَّبْت يَرِفّ إِذَا صَارَ غَضَبًا نَضِيرًا , حَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : يُقَال لِلشَّيْءِ إِذَا كَثُرَ مَاؤُهُ مِنْ النِّعْمَة وَالْغَضَاضَة حَتَّى كَادَ يَهْتَزّ : رَفَّ يَرِفّ رَفِيفًا , حَكَاهُ الْهَرَوِيّ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الرَّفْرَف شَيْء إِذَا اِسْتَوَى عَلَيْهِ صَاحِبه رَفْرَف بِهِ وَأَهْوَى بِهِ كَالْمِرْجَاحِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَرَفْعًا وَخَفْضًا يَتَلَذَّذ بِهِ مَعَ أَنِيسَته , قَالَهُ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي " نَوَادِر الْأُصُول " وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " التَّذْكِرَة " . قَالَ التِّرْمِذِيّ : فَالرَّفْرَف أَعْظَم خَطَرًا مِنْ الْفُرُش فَذَكَرَهُ فِي الْأُولَيَيْنِ " مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُش بَطَائِنهَا مِنْ إِسْتَبْرَق " [ الرَّحْمَن : 54 ] وَقَالَ هُنَا : " مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَف خُضْر " فَالرَّفْرَف هُوَ شَيْء إِذَا اِسْتَوَى عَلَيْهِ الْوَلِيّ رَفْرَف بِهِ , أَيْ طَارَ بِهِ هَكَذَا وَهَكَذَا حَيْثُ مَا يُرِيد كَالْمِرْجَاحِ , وَأَصْله مِنْ رَفْرَف بَيْن يَدَيْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , رُوِيَ لَنَا فِي حَدِيث الْمِعْرَاج أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَلَغَ سِدْرَة الْمُنْتَهَى جَاءَهُ الرَّفْرَف فَتَنَاوَلَهُ مِنْ جِبْرِيل وَطَارَ بِهِ إِلَى مَسْنَد الْعَرْش , فَذَكَرَ أَنَّهُ قَالَ : " طَارَ بِي يَخْفِضنِي وَيَرْفَعنِي حَتَّى وَقَفَ بِي بَيْن يَدَيْ رَبِّي " ثُمَّ لَمَّا حَانَ الِانْصِرَاف تَنَاوَلَهُ فَطَارَ بِهِ خَفْضًا وَرَفْعًا يَهْوِي بِهِ حَتَّى أَدَّاهُ إِلَى جِبْرِيل صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ وَجِبْرِيل يَبْكِي وَيَرْفَع صَوْته بِالتَّحْمِيدِ , فَالرَّفْرَف خَادِم مِنْ الْخَدَم بَيْن يَدَيْ اللَّه تَعَالَى لَهُ خَوَاصّ الْأُمُور فِي مَحَلّ الدُّنُوّ وَالْقُرْب , كَمَا أَنَّ الْبُرَاق دَابَّة يَرْكَبهَا الْأَنْبِيَاء مَخْصُوصَة بِذَلِكَ فِي أَرْضه , فَهَذَا الرَّفْرَف الَّذِي سَخَّرَهُ اللَّه لِأَهْلِ الْجَنَّتَيْنِ الدَّانِيَتَيْنِ هُوَ مُتَّكَؤُهُمَا وَفُرُشهمَا , يُرَفْرِف بِالْوَلِيِّ عَلَى حَافَّات تِلْكَ الْأَنْهَار وَشُطُوطهَا حَيْثُ شَاءَ إِلَى خِيَام أَزْوَاجه الْخَيْرَات الْحِسَان . ثُمَّ قَالَ : " وَعَبْقَرِيّ حِسَان " فَالْعَبْقَرِيّ ثِيَاب مَنْقُوشَة تُبْسَط , فَإِذَا قَالَ خَالِق النُّقُوش إِنَّهَا حِسَان فَمَا ظَنّك بِتِلْكَ الْعَبَاقِر ! . وَقَرَأَ عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَالْجَحْدَرِيّ وَالْحَسَن وَغَيْرهمْ " مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفَارِف " بِالْجَمْعِ غَيْر مَصْرُوف كَذَلِكَ جَمْع رَفْرَف وَعَبْقَرِيّ . و " رَفْرَف " اِسْم لِلْجَمْعِ و " عَبْقَرِيّ " وَاحِد يَدُلّ عَلَى الْجَمْع الْمَنْسُوب إِلَى عَبْقَر . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ وَاحِد رَفْرَف وَعَبْقَرِيّ رَفْرَفَة وَعَبْقَرِيَّة , وَالرَّفَارِف وَالْعَبَاقِر جَمْع الْجَمْع . وَالْعَبْقَرِيّ الطَّنَافِس الثِّخَان مِنْهَا , قَالَهُ الْفَرَّاء . وَقِيلَ : الزَّرَابِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . الْحَسَن : هِيَ الْبُسُط . مُجَاهِد : الدِّيبَاج . الْقُتَبِيّ : كُلّ ثَوْب وَشْي عِنْد الْعَرَب عَبْقَرِيّ . قَالَ أَبُو عُبَيْد : هُوَ مَنْسُوب إِلَى أَرْض يُعْمَل فِيهَا الْوَشْي فَيُنْسَب إِلَيْهَا كُلّ وَشْي حُبِكَ . قَالَ ذُو الرُّمَّة : حَتَّى كَأَنَّ رِيَاض الْقُفّ أَلْبَسَهَا مِنْ وَشْي عَبْقَر تَجْلِيل وَتَنْجِيدُ وَيُقَال : عَبْقَر قَرْيَة بِنَاحِيَةِ الْيَمَن تُنْسَج فِيهَا بُسُط مَنْقُوشَة . وَقَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : إِنَّ الْأَصْل فِيهِ أَنَّ عَبْقَر قَرْيَة يَسْكُنهَا الْجِنّ يُنْسَب إِلَيْهَا كُلّ فَائِق جَلِيل . وَقَالَ الْخَلِيل : كُلّ جَلِيل نَافِس فَاضِل وَفَاخِر مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَغَيْرهمْ عِنْد الْعَرَب عَبْقَرِيّ . وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : ( فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنْ النَّاس يَفْرِي فَرِيَّهُ ) وَقَالَ أَبُو عُمَر بْن الْعَلَاء وَقَدْ سُئِلَ عَنْ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرِيَّهُ " فَقَالَ : رَئِيس قَوْم وَجَلِيلهمْ . وَقَالَ زُهَيْر : بَخِيلٍ عَلَيْهَا جَنَّةٍ عَبْقَرِيَّة جَدِيرُونَ يَوْمًا أَنْ يَنَالُوا فَيَسْتَعْلُوا وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْعَبْقَرِيّ مَوْضِع تَزْعُم الْعَرَب أَنَّهُ مِنْ أَرْض الْجِنّ . قَالَ لَبِيد : كُهُول وَشُبَّان كَجِنَّةِ عَبْقَرِ ثُمَّ نَسَبُوا إِلَيْهِ كُلّ شَيْء يَعْجَبُونَ مِنْ حِذْقه وَجَوْدَة صَنْعَته وَقُوَّته فَقَالُوا : عَبْقَرِيّ وَهُوَ وَاحِد وَجَمْع . وَفِي الْحَدِيث : " إِنَّهُ كَانَ يَسْجُد عَلَى عَبْقَرِيّ " وَهُوَ هَذِهِ الْبُسُط الَّتِي فِيهَا الْأَصْبَاغ وَالنُّقُوش حَتَّى قَالُوا : ظُلْمُ عَبْقَرِيّ وَهَذَا عَبْقَرِيُّ قَوْمٍ لِلرَّجُلِ الْقَوِيّ . وَفِي الْحَدِيث : " فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرِيّه " ثُمَّ خَاطَبَهُمْ اللَّه بِمَا تَعَارَفُوهُ فَقَالَ : " وَعَبْقَرِيّ حِسَان " وَقَرَأَهُ بَعْضهمْ " عَبَاقِرِيّ " وَهُوَ خَطَأ لِأَنَّ الْمَنْسُوب لَا يُجْمَع عَلَى نِسْبَته , وَقَالَ قُطْرُب : لَيْسَ بِمَنْسُوبٍ وَهُوَ مِثْل كُرْسِيّ وَكَرَاسِيّ وَبُخْتِيّ وَبَخَاتِيّ . وَرَوَى أَبُو بَكْر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ " مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفَارِف خُضْر وَعَبَاقِر حِسَان " ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَضَمّ الضَّاد مِنْ " خُضْر " قَلِيل .'; $TAFSEER['4']['55']['77'] = 'خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا " . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " [ الرَّحْمَن : 3 ] " وَخَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : " سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ " [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : " يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس " [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم " [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] فَأَمَّا مَا بَعْد " خَلَقَ الْإِنْسَان " و " خَلَقَ الْجَانّ " [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ " وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد " آنَاء اللَّيْل " ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " و " النَّجْم " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : " الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن " ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : " خَلَقَ الْإِنْسَان " ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : " فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ وَقَالَ آخَر : لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .'; $TAFSEER['4']['55']['78'] = '" تَبَارَكَ " تَفَاعَلَ مِنْ الْبَرَكَة وَقَدْ تَقَدَّمَ . " ذِي الْجَلَال " أَيْ الْعَظَمَة . وَقَدْ تَقَدَّمَ " وَالْإِكْرَام " وَقَرَأَ عَامِر " ذُو الْجَلَال " بِالْوَاوِ وَجَعَلَهُ وَصْفًا لِلِاسْمِ , وَذَلِكَ تَقْوِيَة لِكَوْنِ الِاسْم هُوَ الْمُسَمَّى . الْبَاقُونَ " ذِي الْجَلَال " جَعَلُوا " ذِي " صِفَة ل " رَبّك " . وَكَأَنَّهُ يُرِيد الِاسْم الَّذِي اِفْتَتَحَ بِهِ السُّورَة , فَقَالَ : " الرَّحْمَن " [ الرَّحْمَن : 1 ] فَافْتَتَحَ بِهَذَا الِاسْم , فَوَصَفَ خَلْق الْإِنْسَان وَالْجِنّ , وَخَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَصُنْعَهُ , وَأَنَّهُ " كُلّ يَوْم هُوَ فِي شَأْن " [ الرَّحْمَن : 29 ] وَوَصَفَ تَدْبِيره فِيهِمْ , ثُمَّ وَصَفَ يَوْم الْقِيَامَة وَأَهْوَالهَا , وَصِفَة النَّار ثُمَّ خَتَمَهَا بِصِفَةِ الْجِنَان . ثُمَّ قَالَ فِي آخِر السُّورَة : " تَبَارَكَ اِسْم رَبّك ذِي الْجَلَال وَالْإِكْرَام " أَيْ هَذَا الِاسْم الَّذِي اِفْتَتَحَ بِهِ هَذِهِ السُّورَة , كَأَنَّهُ يُعْلِمهُمْ أَنَّ هَذَا كُلّه خَرَجَ لَكُمْ مِنْ رَحْمَتِي , فَمِنْ رَحْمَتِي خَلَقْتُكُمْ وَخَلَقْت لَكُمْ السَّمَاء وَالْأَرْض وَالْخَلْق وَالْخَلِيقَة وَالْجَنَّة وَالنَّار , فَهَذَا كُلّه لَكُمْ مِنْ اِسْم الرَّحْمَن فَمَدَحَ اِسْمه ثُمَّ قَالَ : " ذِي الْجَلَال وَالْإِكْرَام " جَلِيل فِي ذَاته , كَرِيم فِي أَفْعَاله . وَلَمْ يَخْتَلِف الْقُرَّاء فِي إِجْرَاء النَّعْت عَلَى الْوَجْه بِالرَّفْعِ فِي أَوَّل السُّورَة , وَهُوَ يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِهِ وَجْه اللَّه الَّذِي يَلْقَى الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَمَا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ , فَيَسْتَبْشِرُونَ بِحُسْنِ الْجَزَاء , وَجَمِيل اللِّقَاء , وَحَسَن الْعَطَاء وَاَللَّه أَعْلَمُ .'; $TAFSEER['4']['56']['1'] = 'سُورَة الْوَاقِعَة مَكِّيَّة فِي قَوْل الْحَسَن وَعِكْرِمَة وَجَابِر وَعَطَاء . وَقَالَ اِبْن قَتَادَة : إِلَّا آيَة مِنْهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى : " وَتَجْعَلُونَ رِزْقكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ " [ الْوَاقِعَة : 82 ] . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : مَكِّيَّة إِلَّا أَرْبَع آيَات , مِنْهَا آيَتَانِ " أَفَبِهَذَا الْحَدِيث أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ . وَتَجْعَلُونَ رِزْقكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ " [ الْوَاقِعَة : 81 - 82 ] نَزَلَتَا فِي سَفَره إِلَى مَكَّة , وَقَوْله تَعَالَى : " ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ . وَثُلَّة مِنْ الْآَخِرِينَ " [ الْوَاقِعَة : 39 - 40 ] نَزَلَتَا فِي سَفَره إِلَى الْمَدِينَة . وَقَالَ مَسْرُوق : مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْلَم نَبَأ الْأَوَّلِينَ وَالْآَخِرِينَ , وَنَبَأ أَهْل الْجَنَّة , وَنَبَأ أَهْل النَّار , وَنَبَأ أَهْل الدُّنْيَا , وَنَبَأ أَهْل الْآخِرَة , فَلْيَقْرَأْ سُورَة الْوَاقِعَة . وَذَكَرَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ فِي " التَّمْهِيد " و "التَّعْلِيق " وَالثَّعْلَبِيّ أَيْضًا : أَنَّ عُثْمَان دَخَلَ عَلَى اِبْن مَسْعُود يَعُودهُ فِي مَرَضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ : مَا تَشْتَكِي ؟ قَالَ : ذُنُوبِي . قَالَ : فَمَا تَشْتَهِي ؟ قَالَ : رَحْمَة رَبِّي . قَالَ : أَفَلَا نَدْعُو لَك طَبِيبًا ؟ قَالَ : الطَّبِيب أَمْرَضَنِي . قَالَ : أَفَلَا نَأْمُر لَك بِعَطَاءٍ لَك ؟ قَالَ : لَا حَاجَة لِي فِيهِ , حَبَسْته عَنِّي فِي حَيَاتِي , وَتَدْفَعهُ لِي عِنْد مَمَاتِي ؟ قَالَ : يَكُون لِبَنَاتِك مِنْ بَعْدك . قَالَ : أَتَخْشَى عَلَى بَنَاتِي الْفَاقَة مِنْ بَعْدِي ؟ إِنِّي أَمَرْتهنَّ أَنْ يَقْرَأْنَ سُورَة " الْوَاقِعَة " كُلّ لَيْلَة , فَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( مَنْ قَرَأَ سُورَة الْوَاقِعَة كُلّ لَيْلَة لَمْ تُصِبْهُ فَاقَة أَبَدًا . " إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَة " أَيْ قَامَتْ الْقِيَامَة , وَالْمُرَاد النَّفْخَة الْأَخِيرَة . وَسُمِّيَتْ وَاقِعَة لِأَنَّهَا تَقَع عَنْ قُرْب . وَقِيلَ : لِكَثْرَةِ مَا يَقَع فِيهَا مِنْ الشَّدَائِد . وَفِيهِ إِضْمَار , أَيْ اُذْكُرُوا إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَة . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : " إِذَا " صِلَة , أَيْ وَقَعَتْ الْوَاقِعَة , كَقَوْلِهِ : " اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة " [ الْقَمَر : 1 ] و " أَتَى أَمْر اللَّه " [ النَّحْل : 1 ] وَهُوَ كَمَا يُقَال : قَدْ جَاءَ الصَّوْم أَيْ دَنَا وَاقْتَرَبَ . وَعَلَى الْأَوَّل " إِذَا " لِلْوَقْتِ , وَالْجَوَاب قَوْله : " فَأَصْحَاب الْمَيْمَنَة مَا أَصْحَاب الْمَيْمَنَة " [ الْوَاقِعَة : 8 ] .'; $TAFSEER['4']['56']['2'] = 'الْكَاذِبَة مَصْدَر بِمَعْنَى الْكَذِب , وَالْعَرَب قَدْ تَضَع الْفَاعِل وَالْمَفْعُول مَوْضِع الْمَصْدَر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " لَا تَسْمَع فِيهَا لَاغِيَة " [ الْغَاشِيَة : 11 ] أَيْ لَغْو , وَالْمَعْنَى لَا يُسْمَع لَهَا كَذِب , قَالَهُ الْكِسَائِيّ . وَمِنْهُ قَوْل الْعَامَّة : عَائِذًا بِاَللَّهِ أَيْ مَعَاذ اللَّه , وَقُمْ قَائِمًا أَيْ قُمْ قِيَامًا . وَلِبَعْضِ نِسَاء الْعَرَب تُرَقِّص اِبْنهَا : قُمْ قَائِمًا قُمْ قَائِمَا أَصَبْت عَبْدًا نَائِمَا وَقِيلَ : الْكَاذِبَة صِفَة وَالْمَوْصُوف مَحْذُوف , أَيْ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا حَال كَاذِبَة , أَوْ نَفْس كَاذِبَة , أَيْ كُلّ مَنْ يُخْبِر عَنْ وَقْعَتهَا صَادِق . وَقَالَ الزَّجَّاج : " لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَة " أَيْ لَا يَرُدّهَا شَيْء . وَنَحْوه قَوْل الْحَسَن وَقَتَادَة . وَقَالَ الثَّوْرِيّ : لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا أَحَد يُكَذِّب بِهَا . وَقَالَ الْكِسَائِيّ أَيْضًا : لَيْسَ لَهَا تَكْذِيب , أَيْ يَنْبَغِي أَلَّا يُكَذِّب بِهَا أَحَد . وَقِيلَ : إِنَّ قِيَامهَا جَدّ لَا هَزْل فِيهِ .'; $TAFSEER['4']['56']['3'] = 'قَالَ عِكْرِمَة وَمُقَاتِل وَالسُّدِّيّ : خَفَضَتْ الصَّوْت فَأَسْمَعَتْ مَنْ دَنَا وَرَفَعَتْ مَنْ نَأَى , يَعْنِي أَسْمَعَتْ الْقَرِيب وَالْبَعِيد . وَقَالَ السُّدِّيّ : خَفَضَتْ الْمُتَكَبِّرِينَ وَرَفَعَتْ الْمُسْتَضْعَفِينَ . وَقَالَ قَتَادَة : خَفَضَتْ أَقْوَامًا فِي عَذَاب اللَّه , وَرَفَعَتْ , أَقْوَامًا إِلَى طَاعَة اللَّه . وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : خَفَضَتْ أَعْدَاء اللَّه فِي النَّار , وَرَفَعَتْ أَوْلِيَاء اللَّه فِي الْجَنَّة . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : خَفَضَتْ أَقْوَامًا كَانُوا فِي الدُّنْيَا مَرْفُوعِينَ , وَرَفَعَتْ , أَقْوَامًا كَانُوا فِي الدُّنْيَا مَخْفُوضِينَ . وَقَالَ اِبْن عَطَاء : خَفَضَتْ أَقْوَامًا بِالْعَدْلِ , وَرَفَعَتْ آخَرِينَ بِالْفَضْلِ . وَالْخَفْض وَالرَّفْع يُسْتَعْمَلَانِ عِنْد الْعَرَب فِي الْمَكَان وَالْمَكَانَة , وَالْعِزّ وَالْمَهَانَة . وَنَسَبَ سُبْحَانه الْخَفْض وَالرَّفْع لِلْقِيَامَةِ تَوَسُّعًا وَمَجَازًا عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي إِضَافَتهَا الْفِعْل إِلَى الْمَحَلّ وَالزَّمَان وَغَيْرهمَا مِمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ الْفِعْل , يَقُولُونَ : لَيْل نَائِم وَنَهَار صَائِم . وَفِي التَّنْزِيل : " بَلْ مَكْر اللَّيْل وَالنَّهَار " [ سَبَأ : 33 ] وَالْخَافِض وَالرَّافِع عَلَى الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ اللَّه وَحْده , فَرَفَعَ أَوْلِيَاءَهُ فِي أَعْلَى الدَّرَجَات , وَخَفَضَ أَعْدَاءَهُ فِي أَسْفَل الدَّرَكَات . وَقَرَأَ الْحَسَن وَعِيسَى الثَّقَفِيّ " خَافِضَة رَافِعَة " بِالنَّصْبِ . الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَإٍ , وَمَنْ نَصَبَ فَعَلَى الْحَال . وَهُوَ عِنْد الْفَرَّاء عَلَى إِضْمَار فِعْل , وَالْمَعْنَى : إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَة . لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَة وَقَعَتْ : خَافِضَة رَافِعَة . وَالْقِيَامَة لَا شَكّ فِي وُقُوعهَا , وَأَنَّهَا تَرْفَع أَقْوَامًا وَتَضَع آخَرِينَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ .'; $TAFSEER['4']['56']['4'] = 'أَيْ زُلْزِلَتْ وَحُرِّكَتْ عَنْ مُجَاهِد وَغَيْره , يُقَال : رَجَّهُ يَرُجّهُ رَجًّا أَيْ حَرَّكَهُ وَزَلْزَلَهُ . وَنَاقَة رَجَّاء أَيْ عَظِيمَة السَّنَام . وَفِي الْحَدِيث : ( مَنْ رَكِبَ الْبَحْر حِين يَرْتَجّ فَلَا ذِمَّة لَهُ ) يَعْنِي إِذَا اِضْطَرَبَتْ أَمْوَاجه . قَالَ الْكَلْبِيّ : وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى إِذَا أَوْحَى إِلَيْهَا اِضْطَرَبَتْ فَرَقًا مِنْ اللَّه تَعَالَى . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : تَرْتَجّ كَمَا يَرْتَجّ الصَّبِيّ فِي الْمَهْد حَتَّى يَنْهَدِم كُلّ مَا عَلَيْهَا , وَيَنْكَسِر كُلّ شَيْء عَلَيْهَا مِنْ الْجِبَال وَغَيْرهَا . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس الرَّجَّة الْحَرَكَة الشَّدِيدَة يُسْمَع لَهَا صَوْت . وَمَوْضِع " إِذَا " نُصِبَ عَلَى الْبَدَل مِنْ " إِذَا وَقَعَتْ " . وَيَجُوز أَنْ يَنْتَصِب ب " خَافِضَة رَافِعَة " أَيْ تَخْفِض وَتَرْفَع وَقْت رَجّ الْأَرْض وَبَسّ الْجِبَال , لِأَنَّ عِنْد ذَلِكَ يَنْخَفِض مَا هُوَ مُرْتَفِع , وَيَرْتَفِع مَا هُوَ مُنْخَفِض . وَقِيلَ : أَيْ وَقَعَتْ الْوَاقِعَة إِذَا رُجَّتْ الْأَرْض , قَالَهُ الزَّجَّاج وَالْجُرْجَانِيّ . وَقِيلَ : أَيْ اُذْكُرْ " إِذَا رُجَّتْ الْأَرْض رَجًّا " مَصْدَر وَهُوَ دَلِيل عَلَى تَكْرِير الزَّلْزَلَة .'; $TAFSEER['4']['56']['5'] = 'أَيْ فُتِّتَتْ , عَنْ اِبْن عَبَّاس . مُجَاهِد : كَمَا يُبَسّ الدَّقِيق أَيْ يُلَتّ . وَالْبَسِيسَة السَّوِيق أَوْ الدَّقِيق يُلَتّ بِالسَّمْنِ أَوْ بِالزَّيْتِ ثُمَّ يُؤْكَل وَلَا يُطْبَخ وَقَدْ يُتَّخَذ زَادًا . قَالَ الرَّاجِز : لَا تَخْبِزَا خُبْزًا وَبُسَّا بَسًّا وَلَا تُطِيلَا بِمُنَاخٍ حَبْسَا وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَة : أَنَّهُ لِصّ مِنْ غَطَفَان أَرَادَ أَنْ يَخْبِز فَخَافَ أَنْ يُعْجَل عَنْ ذَلِكَ فَأَكَلَهُ عَجِينًا . وَالْمَعْنَى أَنَّهَا خُلِطَتْ فَصَارَتْ كَالدَّقِيقِ الْمَلْتُوت بِشَيْءٍ مِنْ الْمَاء . أَيْ تَصِير الْجِبَال تُرَابًا فَيَخْتَلِط الْبَعْض بِالْبَعْضِ . وَقَالَ الْحَسَن : وَبُسَّتْ قُلِعَتْ مِنْ أَصْلهَا فَذَهَبَتْ , نَظِيره : " يَنْسِفهَا رَبِّي نَسْفًا " [ طَه : 105 ] . وَقَالَ عَطِيَّة : بُسِطَتْ كَالرَّمْلِ وَالتُّرَاب . وَقِيلَ : اِلْبَسْ السُّوق أَيْ سِيقَتْ الْجِبَال . قَالَ أَبُو زَيْد : اِلْبَسْ السُّوق , وَقَدْ بَسَسْت الْإِبِل أَبُسّهَا بِالضَّمِّ بَسًّا . وَقَالَ أَبُو عُبَيْد : بَسَسْت الْإِبِل وَأَبْسَسْت لُغَتَانِ إِذَا زَجَرْتهَا وَقُلْت لَهَا بِسْ بِسْ . وَفِي الْحَدِيث . ( يَخْرُج قَوْم مِنْ الْمَدِينَة إِلَى الْيَمَن وَالشَّام وَالْعِرَاق يَبُسُّونَ وَالْمَدِينَة خَيْر لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) وَمِنْهُ الْحَدِيث الْآخَر : ( جَاءَكُمْ أَهْل الْيَمَن يَبُسُّونَ عِيَالهمْ ) وَالْعَرَب تَقُول : جِيءَ بِهِ مِنْ حَسِّك وَبَسِّك . وَرَوَاهُمَا أَبُو زَيْد بِالْكَسْرِ , فَمَعْنَى مِنْ حَسِّك مِنْ حَيْثُ أَحْسَسْته , وَبَسِّك مِنْ حَيْثُ بَلَغَهُ مَسِيرك . وَقَالَ مُجَاهِد : سَالَتْ سَيْلًا . عِكْرِمَة : هُدَّتْ هَدًّا . مُحَمَّد بْن كَعْب : سُيَّرَتْ سَيْرًا , وَمِنْهُ قَوْل الْأَغْلَب الْعِجْلِيّ : وَقَالَ الْحَسَن : قُطِعَتْ قَطْعًا . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب .'; $TAFSEER['4']['56']['6'] = 'قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : الْهَبَاء الرَّهْج الَّذِي يَسْطَع مِنْ حَوَافِر الدَّوَابّ ثُمَّ يَذْهَب , فَجَعَلَ اللَّه أَعْمَالهمْ كَذَلِكَ . وَقَالَ مُجَاهِد : الْهَبَاء هُوَ الشُّعَاع الَّذِي يَكُون فِي الْكُوَّة كَهَيْئَةِ الْغُبَار . وَرُوِيَ نَحْوه عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْهُ أَيْضًا : هُوَ مَا تَطَايَرَ مِنْ النَّار إِذَا اِضْطَرَبَتْ يَطِير مِنْهَا شَرَر فَإِذَا وَقَعَ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا . وَقَالَهُ عَطِيَّة . وَقَدْ مَضَى فِي " الْفُرْقَان " عِنْد قَوْله تَعَالَى : " وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَنْثُورًا " [ الْفُرْقَان : 23 ] وَقِرَاءَة الْعَامَّة " مُنْبَثًّا " بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة أَيْ مُتَفَرِّقًا مِنْ قَوْله تَعَالَى : " وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلّ دَابَّة " [ لُقْمَان : 10 ] أَيْ فَرَّقَ وَنَشَرَ . وَقَرَأَ مَسْرُوق وَالنَّخَعِيّ وَأَبُو حَيْوَة " مُنْبَتًّا " بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة أَيْ مُنْقَطِعًا مِنْ قَوْلهمْ : بَتَّهُ اللَّه أَيْ قَطَعَهُ , وَمِنْهُ الْبَتَات .'; $TAFSEER['4']['56']['7'] = 'أَيْ أَصْنَافًا ثَلَاثَة كُلّ صِنْف يُشَاكِل مَا هُوَ مِنْهُ , كَمَا يُشَاكِل الزَّوْج الزَّوْجَة , ثُمَّ بَيَّنَ مَنْ هُمْ فَقَالَ : " فَأَصْحَاب الْمَيْمَنَة " " وَأَصْحَاب الْمَشْأَمَة " و " السَّابِقُونَ ".'; $TAFSEER['4']['56']['8'] = 'فَأَصْحَاب الْمَيْمَنَة هُمْ الَّذِينَ يُؤْخَذ بِهِمْ ذَات الْيَمِين إِلَى الْجَنَّة'; $TAFSEER['4']['56']['9'] = 'وَأَصْحَاب الْمَشْأَمَة هُمْ الَّذِينَ يُؤْخَذ بِهِمْ ذَات الشِّمَال إِلَى النَّار , قَالَهُ السُّدِّيّ . وَالْمَشْأَمَة الْمَيْسَرَة وَكَذَلِكَ الشَّأْمَة . يُقَال : قَعَدَ فُلَان شَأْمَة . وَيُقَال : يَا فُلَان شَائِم بِأَصْحَابِك , أَيْ خُذْ بِهِمْ شَأْمَة أَيْ ذَات الشِّمَال . وَالْعَرَب تَقُول لِلْيَدِ الشِّمَال الشُّؤْمَى , وَلِلْجَانِبِ الشِّمَال الْأَشْأَم . وَكَذَلِكَ يُقَال لِمَا جَاءَ عَنْ الْيَمِين الْيُمْن , وَلِمَا جَاءَ عَنْ الشِّمَال الشُّؤْم . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ : أَصْحَاب الْمَيْمَنَة هُمْ الَّذِينَ كَانُوا عَنْ يَمِين حِين أُخْرِجَتْ الذُّرِّيَّة مِنْ صُلْبه فَقَالَ اللَّه لَهُمْ : هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّة وَلَا أُبَالِي . وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَم : أَصْحَاب الْمَيْمَنَة هُمْ الَّذِينَ أُخِذُوا مِنْ شِقّ آدَم الْأَيْمَن يَوْمئِذٍ , وَأَصْحَاب الْمَشْأَمَة الَّذِينَ أُخِذُوا مِنْ شِقّ آدَم الْأَيْسَر . وَقَالَ عَطَاء وَمُحَمَّد بْن كَعْب : أَصْحَاب الْمَيْمَنَة مَنْ أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ , وَأَصْحَاب الْمَشْأَمَة مَنْ أُوتِيَ كِتَابه بِشِمَالِهِ . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : أَصْحَاب الْمَيْمَنَة هُمْ أَهْل الْحَسَنَات , وَأَصْحَاب الْمَشْأَمَة هُمْ أَهْل السَّيِّئَات . وَقَالَ الْحَسَن وَالرَّبِيع : أَصْحَاب الْمَيْمَنَة الْمَيَامِين عَلَى أَنْفُسهمْ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة , وَأَصْحَاب الْمَشْأَمَة الْمَشَائِيم عَلَى أَنْفُسهمْ بِالْأَعْمَالِ السَّيِّئَة الْقَبِيحَة . وَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث الْإِسْرَاء عَنْ أَبِي ذَرّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاء الدُّنْيَا فَإِذَا رَجُل عَنْ يَمِينه أَسْوِدَة وَعَنْ يَسَاره أَسْوِدَة - قَالَ - فَإِذَا نَظَرَ قِبَل يَمِينه ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَل شِمَاله بَكَى - قَالَ - فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِح وَالِابْن الصَّالِح - قَالَ - قُلْت يَا جِبْرِيل مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا آدَم عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذِهِ الْأَسْوِدَة الَّتِي عَنْ يَمِينه وَعَنْ شِمَاله نَسَم بَنِيهِ فَأَهْل الْيَمِين أَهْل الْجَنَّة وَالْأَسْوِدَة الَّتِي عَنْ شِمَاله أَهْل النَّار ) وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَقَالَ الْمُبَرِّد : وَأَصْحَاب الْمَيْمَنَة أَصْحَاب التَّقَدُّم , وَأَصْحَاب الشَّأْمَة أَصْحَاب التَّأَخُّر . وَالْعَرَب تَقُول : اِجْعَلْنِي فِي يَمِينك وَلَا تَجْعَلنِي فِي شِمَالك , أَيْ اجْعَلنِي مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَا تَجْعَلنَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ . وَالتَّكْرِير فِي " مَا أَصْحَاب الْمَيْمَنَة " . و " مَا أَصْحَاب الْمَشْأَمَة " لِلتَّفْخِيمِ وَالتَّعْجِيب , كَقَوْلِهِ : " الْحَاقَّة مَا الْحَاقَّة " [ الْحَاقَّة : 1 - 2 ] و " الْقَارِعَة مَا الْقَارِعَة " [ الْقَارِعَة : 1 - 2 ] كَمَا يُقَال : زَيْد مَا زَيْد ! وَفِي حَدِيث أُمّ زَرْع رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ ! وَالْمَقْصُود تَكْثِير مَا لِأَصْحَابِ الْمَيْمَنَة مِنْ الثَّوَاب وَلِأَصْحَابِ الْمَشْأَمَة مِنْ الْعِقَاب . وَقِيلَ : " أَصْحَاب " رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر " مَا أَصْحَاب الْمَيْمَنَة " كَأَنَّهُ قَالَ : " فَأَصْحَاب الْمَيْمَنَة " مَا هُمْ , الْمَعْنَى : أَيّ شَيْء هُمْ . وَقِيلَ : يَجُوز أَنْ تَكُون " مَا " تَأْكِيدًا , وَالْمَعْنَى فَاَلَّذِينَ يُعْطُونَ كِتَابهمْ بِأَيْمَانِهِمْ هُمْ أَصْحَاب التَّقَدُّم وَعُلُوّ الْمَنْزِلَة .'; $TAFSEER['4']['56']['10'] = 'رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( السَّابِقُونَ الَّذِينَ إِذَا أُعْطُوا الْحَقّ قَبِلُوهُ وَإِذَا سُئِلُوهُ بَذَلُوهُ وَحَكَمُوا لِلنَّاسِ كَحُكْمِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ ) ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ : إِنَّهُمْ الْأَنْبِيَاء . الْحَسَن وَقَتَادَة : السَّابِقُونَ إِلَى الْإِيمَان مِنْ كُلّ أُمَّة . وَنَحْوه عَنْ عِكْرِمَة . مُحَمَّد بْن سِيرِينَ : هُمْ الَّذِينَ صَلَّوْا إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ , دَلِيله قَوْله تَعَالَى : " وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار " [ التَّوْبَة : 100 ] . وَقَالَ مُجَاهِد وَغَيْره : هُمْ السَّابِقُونَ إِلَى الْجِهَاد , وَأَوَّل النَّاس رَوَاحًا إِلَى الصَّلَاة . وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : هُمْ السَّابِقُونَ إِلَى الصَّلَوَات الْخَمْس . الضَّحَّاك : إِلَى الْجِهَاد . سَعِيد بْن جُبَيْر : إِلَى التَّوْبَة وَأَعْمَال الْبِرّ , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَة مِنْ رَبّكُمْ " [ آل عِمْرَان : 133 ] ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِمْ فَقَالَ : " أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَات وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ " [ الْمُؤْمِنُونَ : 61 ] . وَقِيلَ : إِنَّهُمْ أَرْبَعَة , مِنْهُمْ سَابِق أُمَّة مُوسَى وَهُوَ حِزْقِيل مُؤْمِن آل فِرْعَوْن , وَسَابِق أُمَّة عِيسَى وَهُوَ حَبِيب النَّجَّار صَاحِب أَنْطَاكِيَّة , وَسَابِقَانِ فِي أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمَا أَبُو بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس , حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقَالَ شُمَيْط بْن الْعَجْلَان : النَّاس ثَلَاثَة , فَرَجُل اِبْتَكَرَ لِلْخَيْرِ فِي حَدَاثَة سِنّه دَاوَمَ عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا فَهَذَا هُوَ السَّابِق الْمُقَرَّب , وَرَجُل اِبْتَكَرَ عُمْره بِالذُّنُوبِ ثُمَّ طُول الْغَفْلَة ثُمَّ رَجَعَ بِتَوْبَتِهِ حَتَّى خَتَمَ لَهُ بِهَا فَهَذَا مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين , وَرَجُل اِبْتَكَرَ عُمْره بِالذُّنُوبِ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ عَلَيْهَا حَتَّى خُتِمَ لَهُ بِهَا فَهَذَا مِنْ أَصْحَاب الشِّمَال . وَقِيلَ : هُمْ كُلّ مَنْ سَبَقَ إِلَى شَيْء مِنْ أَشْيَاء الصَّلَاح . ثُمَّ قِيلَ : " السَّابِقُونَ " رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالثَّانِي تَوْكِيد لَهُ وَالْخَبَر " أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ " وَقَالَ الزَّجَّاج : " السَّابِقُونَ " رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالثَّانِي خَبَره , وَالْمَعْنَى السَّابِقُونَ إِلَى طَاعَة اللَّه هُمْ السَّابِقُونَ إِلَى رَحْمَة اللَّه'; $TAFSEER['4']['56']['11'] = 'مِنْ صِفَتهمْ . وَقِيلَ : إِذَا خَرَجَ رَجُل مِنْ السَّابِقِينَ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ مَنْزِله فِي الْجَنَّة كَانَ لَهُ ضَوْء يَعْرِفهُ بِهِ مَنْ دُونه .'; $TAFSEER['4']['56']['12'] = ''; $TAFSEER['4']['56']['13'] = 'أَيْ جَمَاعَة مِنْ الْأُمَم الْمَاضِيَة . " وَقَلِيل مِنْ الْآخِرِينَ " أَيْ مِمَّنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ الْحَسَن : ثُلَّة مِمَّنْ قَدْ مَضَى قَبْل هَذِهِ الْأُمَّة , وَقَلِيل مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , اللَّهُمَّ اِجْعَلْنَا مِنْهُمْ بِكَرَمِك . وَسُمُّوا قَلِيلًا بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَنْ كَانَ قَبْلهمْ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاء الْمُتَقَدِّمِينَ كَثُرُوا فَكَثُرَ السَّابِقُونَ إِلَى الْإِيمَان مِنْهُمْ , فَزَادُوا عَلَى عَدَد مَنْ سَبَقَ إِلَى التَّصْدِيق مِنْ أُمَّتنَا . وَقِيلَ : لَمَّا نَزَلَ هَذَا شَقَّ عَلَى أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ : " ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ . وَثُلَّة مِنْ الْآخِرِينَ " [ الْوَاقِعَة : 39 - 40 ] فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُع أَهْل الْجَنَّة بَلْ ثُلُث أَهْل الْجَنَّة بَلْ نِصْف أَهْل الْجَنَّة وَتُقَاسِمُونَهُمْ فِي النِّصْف الثَّانِي ) رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة , ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ وَغَيْره . وَمَعْنَاهُ ثَابِت فِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود . وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا مَنْسُوخَة وَالْأَشْبَه أَنَّهَا مُحْكَمَة لِأَنَّهَا خَبَر , وَلِأَنَّ ذَلِكَ فِي جَمَاعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ . قَالَ الْحَسَن : سَابِقُو مَنْ مَضَى أَكْثَر مِنْ سَابِقِينَا , وَلِذَلِكَ قَالَ : " وَقَلِيل مِنْ الْآخِرِينَ "'; $TAFSEER['4']['56']['14'] = 'وَقَالَ فِي أَصْحَاب الْيَمِين وَهُمْ سِوَى السَّابِقِينَ : " ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ . وَثُلَّة مِنْ الْآخِرِينَ " [ الْوَاقِعَة : 39 - 40 ] وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُون أُمَّتِي شَطْر أَهْل الْجَنَّة ) ثُمَّ تَلَا قَوْله تَعَالَى : " ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ . وَثُلَّة مِنْ الْآخِرِينَ " [ الْوَاقِعَة : 39 - 40 ] قَالَ مُجَاهِد : كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة . وَرَوَى سُفْيَان عَنْ أَبَان عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الثُّلَّتَانِ جَمِيعًا مِنْ أُمَّتِي ) يَعْنِي " ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ . وَثُلَّة مِنْ الْآخِرِينَ " [ الْوَاقِعَة : 39 - 40 ] . وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْل عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . قَالَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : كِلَا الثُّلَّتَيْنِ مِنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي أَوَّل أُمَّته , وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي آخِرهَا , وَهُوَ مِثْل قَوْله تَعَالَى : " فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّه " [ فَاطِر : 32 ] . وَقِيلَ : " ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ " أَيْ مِنْ أَوَّل هَذِهِ الْأُمَّة . " وَقَلِيل مِنْ الْآخِرِينَ " يُسَارِع فِي الطَّاعَات حَتَّى يَلْحَق دَرَجَة الْأَوَّلِينَ , وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( خَيْركُمْ قَرْنِي ) ثُمَّ سَوَّى فِي أَصْحَاب الْيَمِين بَيْن الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ . وَالثُّلَّة مِنْ ثَلَلْت الشَّيْء أَيْ قَطَعْته , فَمَعْنَى ثُلَّة كَمَعْنَى فِرْقَة , قَالَهُ الزَّجَّاج .'; $TAFSEER['4']['56']['15'] = 'أَيْ السَّابِقُونَ فِي الْجَنَّة " عَلَى سُرُر " , أَيْ مَجَالِسهمْ عَلَى سُرُر جَمْع سَرِير . قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَنْسُوخَة بِالذَّهَبِ . وَقَالَ عِكْرِمَة : مُشَبَّكَة بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوت . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : " مَوْضُونَة " مَصْفُوفَة , كَمَا قَالَ فِي مَوْضِع آخَر : " عَلَى سُرَر مَصْفُوفَة " [ الطُّور : 20 ] . وَعَنْهُ أَيْضًا وَعَنْ مُجَاهِد : مَرْمُولَة بِالذَّهَبِ . وَفِي التَّفَاسِير : " مَوْضُونَة " أَيْ مَنْسُوجَة بِقُضْبَانِ الذَّهَب مُشَبَّكَة بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوت وَالزَّبَرْجَد - وَالْوَضْن النَّسْج الْمُضَاعَف وَالنَّضْد , يُقَال : وَضَنَ فُلَان الْحَجَر وَالْآجُرّ بَعْضه فَوْق بَعْض فَهُوَ مَوْضُون , وَدِرْع مَوْضُونَة أَيْ مُحْكَمَة فِي النَّسْج مِثْل مَصْفُوفَة , قَالَ الْأَعْشَى : وَمِنْ نَسْج دَاوُد مَوْضُونَة تُسَاق مَعَ الْحَيّ عِيرًا فَعِيرَا وَقَالَ أَيْضًا : وَبَيْضَاء كَالنَّهْيِ مَوْضُونَة لَهَا قَوْنَس فَوْق جَيْب الْبَدَن وَالسَّرِير الْمَوْضُون : الَّذِي سَطْحه بِمَنْزِلَةِ الْمَنْسُوج , وَمِنْهُ الْوَضِين : بِطَان مِنْ سُيُور يُنْسَج فَيَدْخُل بَعْضه فِي بَعْض , وَمِنْهُ قَوْله : إِلَيْك تَعْدُو قَلِقًا وَضِينهَا'; $TAFSEER['4']['56']['16'] = 'أَيْ عَلَى السُّرَر أَيْ لَا يَرَى بَعْضهمْ قَفَا بَعْض , بَلْ تَدُور بِهِمْ الْأَسِرَّة , وَهَذَا فِي الْمُؤْمِن وَزَوْجَته وَأَهْله , أَيْ يَتَّكِئُونَ مُتَقَابِلِينَ . قَالَ مُجَاهِد وَغَيْره . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : طُول كُلّ سَرِير ثَلَاثمِائَةِ ذِرَاع , فَإِذَا أَرَادَ الْعَبْد أَنْ يَجْلِس عَلَيْهَا تَوَاضَعَتْ فَإِذَا جَلَسَ عَلَيْهَا اِرْتَفَعَتْ .'; $TAFSEER['4']['56']['17'] = 'أَيْ غِلْمَان لَا يَمُوتُونَ , قَالَ مُجَاهِد . الْحَسَن وَالْكَلْبِيّ : لَا يَهْرَمُونَ وَلَا يَتَغَيَّرُونَ , وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس : وَهَلْ يَنْعَمْنَ إِلَّا سَعِيد مُخَلَّد قَلِيل الْهُمُوم مَا يَبِيت بِأَوْجَال وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : مُخَلَّدُونَ مُقَرَّطُونَ , يُقَال لِلْقُرْطِ الْخَلَدَة وَلِجَمَاعَةِ الْحُلِيّ الْخِلْدَة . وَقِيلَ : مُسَوَّرُونَ وَنَحْوه عَنْ الْفَرَّاء , قَالَ الشَّاعِر : وَمُخَلَّدَات بِاللُّجَيْنِ كَأَنَّمَا أَعْجَازهنَّ أَقَاوِز الْكُثْبَان وَقِيلَ : مُقَرَّطُونَ يَعْنِي مُمَنْطَقُونَ مِنْ الْمَنَاطِق . وَقَالَ عِكْرِمَة : " مُخَلَّدُونَ " مُنَعَّمُونَ . وَقِيلَ : عَلَى سِنّ وَاحِدَة أَنْشَأَهُمْ اللَّه لِأَهْلِ الْجَنَّة يَطُوفُونَ عَلَيْهِمْ كَمَا شَاءَ مِنْ غَيْر وِلَادَة . وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ : الْوِلْدَان هَا هُنَا وِلْدَان الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ صِغَارًا وَلَا حَسَنَة لَهُمْ وَلَا سَيِّئَة . وَقَالَ سَلْمَان الْفَارِسِيّ : أَطْفَال الْمُشْرِكِينَ هُمْ خَدَم أَهْل الْجَنَّة . قَالَ الْحَسَن : لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَسَنَات يُجْزَوْنَ بِهَا , وَلَا سَيِّئَات يُعَاقَبُونَ عَلَيْهَا , فَوُضِعُوا فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَالْمَقْصُود : أَنَّ أَهْل الْجَنَّة عَلَى أَتَمّ السُّرُور وَالنِّعْمَة , وَالنِّعْمَة إِنَّمَا تَتِمّ بِاحْتِفَافِ الْخَدَم وَالْوِلْدَان بِالْإِنْسَانِ .'; $TAFSEER['4']['56']['18'] = 'أَكْوَاب جَمْع كُوب وَقَدْ مَضَى فِي " الزُّخْرُف " وَهِيَ الْآنِيَة الَّتِي لَا عُرَى لَهَا وَلَا خَرَاطِيم , وَالْأَبَارِيق الَّتِي لَهَا عُرَى وَخَرَاطِيم وَاحِدهَا إِبْرِيق , سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَبْرُق لَوْنه مِنْ صَفَائِهِ . مَضَى فِي " وَالصَّافَّات " الْقَوْل فِيهِ . وَالْمَعِين الْجَارِي مِنْ مَاء أَوْ خَمْر , غَيْر أَنَّ الْمُرَاد فِي هَذَا الْمَوْضِع الْخَمْر الْجَارِيَة مِنْ الْعُيُون . وَقِيلَ : الظَّاهِرَة لِلْعُيُونِ فَيَكُون " مَعِين " مَفْعُولًا مِنْ الْمُعَايَنَة . وَقِيلَ : هُوَ فَعِيل مِنْ الْمَعْن وَهُوَ الْكَثْرَة . وَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَخَمْرِ الدُّنْيَا الَّتِي تُسْتَخْرَج بِعَصْرٍ وَتَكَلُّف وَمُعَالَجَة .'; $TAFSEER['4']['56']['19'] = 'أَيْ لَا تَنْصَدِع رُءُوسهمْ مِنْ شُرْبهَا , أَيْ إِنَّهَا لَذَّة بِلَا أَذًى بِخِلَافِ شَرَاب الدُّنْيَا . تَقَدَّمَ فِي " وَالصَّافَّات " أَيْ لَا يَسْكَرُونَ فَتَذْهَب . عُقُولهمْ . وَقَرَأَ مُجَاهِد : " لَا يُصَدَّعُونَ " بِمَعْنَى لَا يَتَصَدَّعُونَ أَيْ لَا يَتَفَرَّقُونَ , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " يَوْمئِذٍ يَصَّدَّعُونَ " [ الرُّوم : 43 ] . وَقَرَأَ أَهْل الْكُوفَة " يَنْزِفُونَ " بِكَسْرِ الزَّاي , أَيْ لَا يَنْفَد شَرَابهمْ وَلَا تَفْنَى خَمْرهمْ , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : لَعَمْرِي لَئِنْ أَنَزَفْتُمْ أَوْ صَحَوْتُمْ لَبِئْسَ النَّدَامَى كُنْتُمْ آل أَبْجَرَا وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : فِي الْخَمْر أَرْبَع خِصَال : السُّكْر وَالصُّدَاع وَالْقَيْء وَالْبَوْل , وَقَدْ ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى خَمْر الْجَنَّة فَنَزَّهَهَا عَنْ هَذِهِ الْخِصَال .'; $TAFSEER['4']['56']['20'] = 'أَيْ يَتَخَيَّرُونَ مَا شَاءُوا لِكَثْرَتِهَا . وَقِيلَ : وَفَاكِهَة مُتَخَيَّرَة مُرْضِيَة , وَالتَّخَيُّر الِاخْتِيَار .'; $TAFSEER['4']['56']['21'] = 'رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا الْكَوْثَر ؟ قَالَ : ( ذَاكَ نَهَر أَعْطَانِيهِ اللَّه تَعَالَى - يَعْنِي فِي الْجَنَّة - أَشَدّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَن وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَل فِيهِ طَيْر أَعْنَاقهَا كَأَعْنَاقِ الْجُزُر ) قَالَ عُمَر : إِنَّ هَذِهِ لَنَاعِمَة , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَكَلَتهَا أَحْسَن مِنْهَا ) قَالَ : حَدِيث حَسَن . وَخَرَّجَهُ الثَّعْلَبِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي الدَّرْدَاء أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ فِي الْجَنَّة طَيْرًا مِثْل أَعْنَاق الْبُخْت تَصْطَفّ عَلَى يَد وَلِيّ اللَّه فَيَقُول أَحَدهَا يَا وَلِيّ اللَّه رَعَيْت فِي مُرُوج تَحْت الْعَرْش وَشَرِبْت مِنْ عُيُون التَّسْنِيم فَكُلْ مِنِّي فَلَا يَزَلْنَ يَفْتَخِرْنَ بَيْن يَدَيْهِ حَتَّى يَخْطِر عَلَى قَلْبه أَكْل أَحَدهَا فَتَخِرّ بَيْن يَدَيْهِ عَلَى أَلْوَان مُخْتَلِفَة فَيَأْكُل مِنْهَا مَا أَرَادَ فَإِذَا شَبِعَ تَجَمَّعَ عِظَام الطَّائِر فَطَارَ يَرْعَى فِي الْجَنَّة حَيْثُ شَاءَ ) فَقَالَ عُمَر : يَا نَبِيّ اللَّه إِنَّهَا لَنَاعِمَة . فَقَالَ : ( آكِلهَا أَنْعَم مِنْهَا ) . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ فِي الْجَنَّة لَطَيْرًا فِي الطَّائِر مِنْهَا سَبْعُونَ أَلْف رِيشَة فَيَقَع عَلَى صَحْفَة الرَّجُل مِنْ أَهْل الْجَنَّة ثُمَّ يَنْتَفِض فَيَخْرُج مِنْ كُلّ رِيشَة لَوْن طَعَام أَبْيَض مِنْ الثَّلْج وَأَبْرَد وَأَلْيَن مِنْ الزُّبْد وَأَعْذَب مِنْ الشَّهْد لَيْسَ فِيهِ لَوْن يُشْبِه صَاحِبه فَيَأْكُل مِنْهُ مَا أَرَادَ ثُمَّ يَذْهَب فَيَطِير ) .'; $TAFSEER['4']['56']['22'] = 'قُرِئَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْب وَالْجَرّ , فَمَنْ جَرَّ وَهُوَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَغَيْرهمَا جَازَ أَنْ يَكُون مَعْطُوفًا عَلَى " بِأَكْوَابٍ " وَهُوَ مَحْمُول عَلَى الْمَعْنَى , لِأَنَّ الْمَعْنَى يَتَنَعَّمُونَ بِأَكْوَابٍ وَفَاكِهَة وَلَحْم وَحُور , قَالَهُ الزَّجَّاج . وَجَازَ أَنْ يَكُون مَعْطُوفًا عَلَى " جَنَّات " أَيْ هُمْ فِي " جَنَّات النَّعِيم " وَفِي حُور عَلَى تَقْدِير حَذْف الْمُضَاف , كَأَنَّهُ قَالَ : وَفِي مُعَاشَرَة حُور . الْفَرَّاء : الْجَرّ عَلَى الْإِتْبَاع فِي اللَّفْظ وَإِنْ اِخْتَلَفَا فِي الْمَعْنَى , لِأَنَّ الْحُور لَا يُطَاف بِهِنَّ , قَالَ الشَّاعِر : إِذَا مَا الْغَانِيَات بَرَزْنَ يَوْمًا وَزَجَجْنَ الْحَوَاجِب وَالْعَيُونَا وَالْعَيْن لَا تُزَجَّج وَإِنَّمَا تُكَحَّل . وَقَالَ آخَر : وَرَأَيْت زَوْجك فِي الْوَغَى مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا وَقَالَ قُطْرُب : هُوَ مَعْطُوف عَلَى الْأَكْوَاب وَالْأَبَارِيق مِنْ غَيْر حَمْل عَلَى الْمَعْنَى . قَالَ : وَلَا يُنْكَر أَنْ يُطَاف عَلَيْهِمْ بِالْحُورِ وَيَكُون لَهُمْ فِي ذَلِكَ لَذَّة . وَمَنْ نَصَبَ وَهُوَ الْأَشْهَب الْعُقَيْلِيّ وَالنَّخَعِيّ وَعِيسَى بْن عُمَر الثَّقَفِيّ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَف أُبَيّ , فَهُوَ عَلَى تَقْدِير إِضْمَار فِعْل , كَأَنَّهُ قَالَ : وَيُزَوَّجُونَ حُورًا عِينًا . وَالْحَمْل فِي النَّصْب عَلَى الْمَعْنَى أَيْضًا حَسَن , لِأَنَّ مَعْنَى يُطَاف عَلَيْهِمْ بِهِ يُعْطُونَهُ . وَمَنْ رَفَعَ وَهُمْ الْجُمْهُور - وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم - فَعَلَى مَعْنَى وَعِنْدهمْ حُور عِين , لِأَنَّهُ لَا يُطَاف عَلَيْهِمْ بِالْحُورِ . وَقَالَ الْكِسَائِيّ : وَمَنْ قَالَ : " وَحُور عِين " بِالرَّفْعِ وَعُلِّلَ بِأَنَّهُ لَا يُطَاف بِهِنَّ يَلْزَمهُ ذَلِكَ فِي فَاكِهَة وَلَحْم , لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُطَاف بِهِ وَلَيْسَ يُطَاف إِلَّا بِالْخَمْرِ وَحْدهَا . وَقَالَ الْأَخْفَش : يَجُوز أَنْ يَكُون مَحْمُولًا عَلَى الْمَعْنَى لَهُمْ أَكْوَاب وَلَهُمْ حُور عِين . وَجَازَ أَنْ يَكُون مَعْطُوفًا عَلَى " ثُلَّة " و " ثُلَّة " اِبْتِدَاء وَخَبَره " عَلَى سُرَر مَوْضُونَة " وَكَذَلِكَ " وَحُور عِين " وَابْتَدَأَ بِالنَّكِرَةِ لِتَخْصِيصِهَا بِالصِّفَةِ .'; $TAFSEER['4']['56']['23'] = 'أَيْ مِثْل أَمْثَال " اللُّؤْلُؤ الْمَكْنُون " أَيْ الَّذِي لَمْ تَمَسّهُ الْأَيْدِي وَلَمْ يَقَع عَلَيْهِ الْغُبَار فَهُوَ أَشَدّ مَا يَكُون صَفَاء وَتَلَأْلُؤًا , أَيْ هُنَّ فِي تَشَاكُل أَجْسَادهنَّ فِي الْحُسْن مِنْ جَمِيع جَوَانِبهنَّ كَمَا قَالَ الشَّاعِر : كَأَنَّمَا خُلِقَتْ فِي قِشْر لُؤْلُؤَة فَكُلّ أَكْنَافهَا وَجْه لِمِرْصَادِ'; $TAFSEER['4']['56']['24'] = 'أَيْ ثَوَابًا وَنَصَبَهُ عَلَى الْمَفْعُول لَهُ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون عَلَى الْمَصْدَر , لِأَنَّ مَعْنَى " يَطُوف عَلَيْهِمْ وِلْدَان مُخَلَّدُونَ " يُجَازُونَ . وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي الْحُور الْعِين فِي " وَالطُّور " وَغَيْرهَا . وَقَالَ أَنَس : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَلَقَ اللَّه الْحُور الْعِين مِنْ الزَّعْفَرَان ) وَقَالَ خَالِد بْن الْوَلِيد : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( إِنَّ الرَّجُل مِنْ أَهْل الْجَنَّة لَيَمْسِك التُّفَّاحَة مِنْ تُفَّاح الْجَنَّة فَتَنْفَلِق فِي يَده فَتَخْرُج مِنْهَا حَوْرَاء لَوْ نَظَرَتْ لِلشَّمْسِ لَأَخْجَلَتْ الشَّمْس مِنْ حُسْنهَا مِنْ غَيْر أَنْ يَنْقُص مِنْ التُّفَّاحَة ) فَقَالَ لَهُ رَجُل : يَا أَبَا سُلَيْمَان إِنَّ هَذَا لَعَجَب وَلَا يَنْقُص مِنْ التُّفَّاحَة ؟ قَالَ : نَعَمْ كَالسِّرَاجِ الَّذِي يُوقَد مِنْهُ سِرَاج آخَر وَسُرُج وَلَا يَنْقُص , وَاَللَّه عَلَى مَا يَشَاء قَدِير . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ : خَلَقَ اللَّه الْحُور الْعِين مِنْ أَصَابِع رِجْلَيْهَا إِلَى رُكْبَتَيْهَا مِنْ الزَّعْفَرَان , وَمِنْ رُكْبَتَيْهَا إِلَى ثَدْيَيْهَا مِنْ الْمِسْك الْأَذْفَر , وَمِنْ ثَدْيَيْهَا إِلَى عُنُقهَا مِنْ الْعَنْبَر الْأَشْهَب , وَمِنْ عُنُقهَا إِلَى رَأْسهَا مِنْ الْكَافُور الْأَبْيَض , عَلَيْهَا سَبْعُونَ أَلْف حُلَّة مِثْل شَقَائِق النُّعْمَان , إِذَا أَقْبَلَتْ يَتَلَأْلَأ وَجْههَا نُورًا سَاطِعًا كَمَا تَتَلَأْلَأ الشَّمْس لِأَهْلِ الدُّنْيَا , وَإِذَا أَدْبَرَتْ يُرَى كَبِدهَا مِنْ رِقَّة ثِيَابهَا وَجِلْدهَا , فِي رَأْسهَا سَبْعُونَ أَلْف ذُؤَابَة مِنْ الْمِسْك الْأَذْفَر , لِكُلِّ ذُؤَابَة مِنْهَا وَصِيفَة تَرْفَع ذَيْلهَا وَهِيَ تُنَادِي : هَذَا ثَوَاب الْأَوْلِيَاء " جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " [ السَّجْدَة : 17 ] .'; $TAFSEER['4']['56']['25'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس : بَاطِلًا وَلَا كَذِبًا . وَاللَّغْو مَا يُلْغَى مِنْ الْكَلَام , وَالتَّأْثِيم مَصْدَر أَثَّمْته أَيْ قُلْت لَهُ أَثِمْت . مُحَمَّد بْن كَعْب : " وَلَا تَأْثِيمًا " أَيْ لَا يُؤَثِّم بَعْضهمْ بَعْضًا . مُجَاهِد : " لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا " شَتْمًا وَلَا مَأْثَمًا .'; $TAFSEER['4']['56']['26'] = '" قِيلًا " مَنْصُوب ب " يَسْمَعُونَ " أَوْ اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع أَيْ لَكِنْ يَقُولُونَ قِيلًا أَوْ يَسْمَعُونَ . و " سَلَامًا سَلَامًا " مَنْصُوبَانِ بِالْقَوْلِ , أَيْ إِلَّا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ الْخَيْر . أَوْ عَلَى الْمَصْدَر أَيْ إِلَّا أَنْ يَقُول بَعْضهمْ لِبَعْضٍ سَلَامًا . أَوْ يَكُون وَصْفًا ل " قِيلًا " , وَالسَّلَام الثَّانِي بَدَل مِنْ الْأَوَّل , وَالْمَعْنَى إِلَّا قِيلًا يَسْلَم فِيهِ مِنْ اللَّغْو . وَيَجُوز الرَّفْع عَلَى تَقْدِير سَلَام عَلَيْكُمْ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ يُحَيِّي بَعْضهمْ بَعْضًا . وَقِيلَ : تُحَيِّيهِمْ الْمَلَائِكَة أَوْ يُحَيِّيهِمْ رَبّهمْ عَزَّ وَجَلَّ .'; $TAFSEER['4']['56']['27'] = 'رَجَعَ إِلَى ذِكْر مَنَازِل أَصْحَاب الْمَيْمَنَة وَهُمْ السَّابِقُونَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ , وَالتَّكْرِير لِتَعْظِيمِ شَأْن النَّعِيم الَّذِي هُمْ فِيهِ .'; $TAFSEER['4']['56']['28'] = 'أَيْ فِي نَبْقَ قَدْ خُضِّدَ شَوْكه أَيْ قُطِعَ , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك : حَدَّثَنَا صَفْوَان عَنْ سُلَيْم بْن عَامِر قَالَ : كَانَ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ : إِنَّهُ لَيَنْفَعنَا الْأَعْرَاب وَمَسَائِلهمْ , قَالَ : أَقْبَلَ أَعْرَابِيّ يَوْمًا , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ ذَكَرَ اللَّه فِي الْقُرْآن شَجَرَة مُؤْذِيَة , وَمَا كُنْت أَرَى فِي الْجَنَّة شَجَرَة تُؤْذِي صَاحِبهَا ؟ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَمَا هِيَ ) قَالَ : السِّدْر فَإِنَّ لَهُ شَوْكًا مُؤْذِيًا , فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَوَلَيْسَ يَقُول " فِي سِدْر مَخْضُود " خَضَّدَ اللَّه شَوْكه فَجَعَلَ مَكَان كُلّ شَوْكَة ثَمَرَة فَإِنَّهَا تُنْبِت ثَمَرًا يَفْتُق الثَّمَر مِنْهَا عَنْ اِثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لَوْنًا مِنْ الطَّعَام مَا فِيهِ لَوْن يُشْبِه الْآخَر ) . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَالضَّحَّاك : نَظَرَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى وَجّ ( وَهُوَ وَادٍ بِالطَّائِفِ مُخَصَّب ) فَأَعْجَبَهُمْ سِدْره , فَقَالُوا : يَا لَيْتَ لَنَا مِثْل هَذَا , فَنَزَلَتْ . قَالَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت يَصِف الْجَنَّة : إِنَّ الْحَدَائِق فِي الْجِنَان ظَلِيلَة فِيهَا الْكَوَاعِب سِدْرهَا مَخْضُود وَقَالَ الضَّحَّاك وَمُجَاهِد وَمُقَاتِل بْن حَيَّان : " فِي سِدْر مَخْضُود " وَهُوَ الْمُوقِر حَمْلًا . وَهُوَ قَرِيب مِمَّا ذَكَرْنَا فِي الْخَبَر . سَعِيد بْن جُبَيْر : ثَمَرهَا أَعْظَم مِنْ الْقِلَال . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي سُورَة " النَّجْم " عِنْد قَوْله تَعَالَى : " عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهَى " [ النَّجْم : 14 ] وَأَنَّ ثَمَرهَا مِثْل قِلَال هَجَر مِنْ حَدِيث أَنَس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .'; $TAFSEER['4']['56']['29'] = 'الطَّلْح شَجَر الْمَوْز وَاحِده طَلْحَة . قَالَهُ أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَغَيْرهمْ . وَقَالَ الْحَسَن : لَيْسَ هُوَ مَوْز وَلَكِنَّهُ شَجَر لَهُ ظِلّ بَارِد رُطَب . وَقَالَ الْفَرَّاء وَأَبُو عُبَيْدَة : شَجَر عِظَام لَهُ شَوْك , قَالَ بَعْض الْحُدَاة وَهُوَ الْجَعْدِيّ : بَشَّرَهَا دَلِيلهَا وَقَالَا غَدًا تَرَيْنَ الطَّلْح وَالْأَحْبَالَا فَالطَّلْح كُلّ شَجَر عَظِيم كَثِير الشَّوْك . الزَّجَّاج : يَجُوز أَنْ يَكُون فِي الْجَنَّة وَقَدْ أُزِيلَ شَوْكه . وَقَالَ الزَّجَّاج أَيْضًا : كَشَجَرِ أُمّ غَيْلَان لَهُ نُور طَيِّب جِدًّا فَخُوطِبُوا وَوُعِدُوا بِمَا يُحِبُّونَ مِثْله , إِلَّا أَنَّ فَضْله عَلَى مَا فِي الدُّنْيَا كَفَضْلِ سَائِر مَا فِي الْجَنَّة عَلَى مَا فِي الدُّنْيَا . وَقَالَ السُّدِّيّ : طَلْح الْجَنَّة يُشْبِه طَلْح الدُّنْيَا لَكِنْ لَهُ ثَمَر أَحْلَى مِنْ الْعَسَل . وَقَرَأَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : " وَطَلْع مَنْضُود " بِالْعَيْنِ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة " وَنَخْل طَلْعهَا هَضِيم " [ الشُّعَرَاء : 148 ] وَهُوَ خِلَاف الْمُصْحَف . فِي رِوَايَة أَنَّهُ قُرِئَ بَيْن يَدَيْهِ " وَطَلْح مَنْضُود " فَقَالَ : مَا شَأْن الطَّلْح ؟ إِنَّمَا هُوَ " وَطَلْع مَنْضُود " ثُمَّ قَالَ : " لَهَا طَلْع نَضِيد " [ ق : 10 ] فَقِيلَ لَهُ : أَفَلَا نُحَوِّلهَا ؟ فَقَالَ : لَا يَنْبَغِي أَنْ يُهَاج الْقُرْآن وَلَا يُحَوَّل . فَقَدْ اِخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَة وَلَمْ يَرَ إِثْبَاتهَا فِي الْمُصْحَف لِمُخَالَفَةِ مَا رَسْمه مُجْمَع عَلَيْهِ . قَالَ الْقُشَيْرِيّ . وَأَسْنَدَهُ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة حَدَّثَنَا عِيسَى بْن يُونُس عَنْ مُجَالِد عَنْ الْحَسَن بْن سَعْد عَنْ قَيْس بْن عَبَّاد قَالَ : قَرَأْت عِنْد عَلِيّ أَوْ قُرِئْت عِنْد عَلِيّ - شَكَّ مُجَالِد - " وَطَلْح مَنْضُود " فَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : مَا بَال الطَّلْح ؟ أَمَا تَقْرَأ " وَطَلْع " ثُمَّ قَالَ : " لَهَا طَلْع نَضِيد " [ ق : 10 ] فَقَالَ لَهُ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أَنَحُكُّهَا مِنْ الْمُصْحَف ؟ فَقَالَ : لَا لَا يُهَاج الْقُرْآن الْيَوْم . قَالَ أَبُو بَكْر : وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى مَا فِي الْمُصْحَف وَعَلِمَ أَنَّهُ هُوَ الصَّوَاب , وَأَبْطَلَ الَّذِي كَانَ فَرَّطَ مِنْ قَوْله . وَالْمَنْضُود الْمُتَرَاكِب الَّذِي قَدْ نُضِّدَ أَوَّله وَآخِره بِالْحَمْلِ , لَيْسَتْ لَهُ سُوق بَارِزَة بَلْ هُوَ مَرْصُوص , وَالنَّضْد هُوَ الرَّصّ وَالْمُنَضَّد الْمَرْصُوص , قَالَ النَّابِغَة : خَلَّتْ سَبِيل أَتِيّ كَانَ يَحْبِسهُ وَرَفَّعَتْهُ إِلَى السِّجْفَيْنِ فَالنَّضَد وَقَالَ مَسْرُوق : أَشْجَار الْجَنَّة مِنْ عُرُوقهَا إِلَى أَفْنَانهَا نَضِيدَة ثَمَر كُلّه , كُلَّمَا أَكَلَ ثَمَرَة عَادَ مَكَانهَا أَحْسَن مِنْهَا .'; $TAFSEER['4']['56']['30'] = 'أَيْ دَائِم بَاقٍ لَا يَزُول وَلَا تَنْسَخهُ الشَّمْس , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبّك كَيْفَ مَدّ الظِّلّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا " [ الْفُرْقَان : 45 ] وَذَلِكَ بِالْغَدَاةِ وَهِيَ مَا بَيْن الْإِسْفَار إِلَى طُلُوع الشَّمْس حَسَب مَا تَقَدَّمَ بَيَانه هُنَاكَ . وَالْجَنَّة كُلّهَا ظِلّ لَا شَمْس مَعَهُ . قَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : يَعْنِي ظِلّ الْعَرْش . وَقَالَ عَمْرو بْن مَيْمُون : مَسِيرَة سَبْعِينَ أَلْف سَنَة . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : تَقُول الْعَرَب لِلدَّهْرِ الطَّوِيل وَالْعُمْر الطَّوِيل وَالشَّيْء الَّذِي لَا يَنْقَطِع مَمْدُود , وَقَالَ لَبِيد : غَلَبَ الْعَزَاء وَكُنْت غَيْر مُغَلَّب دَهْر طَوِيل دَائِم مَمْدُود وَفِي صَحِيح التِّرْمِذِيّ وَغَيْره مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَفِي الْجَنَّة شَجَرَة يَسِير الرَّاكِب فِي ظِلّهَا مِائَة عَام لَا يَقْطَعهَا وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ " وَظِلّ مَمْدُود " .'; $TAFSEER['4']['56']['31'] = 'أَيْ جَارٍ لَا يَنْقَطِع وَأَصْل السَّكْب الصَّبّ , يُقَال : سَكَبَهُ سَكْبًا , وَالسُّكُوب اِنْصِبَابه . يُقَال : سَكَبَ سُكُوبًا , وَانْسَكَبَ اِنْسِكَابًا , أَيْ وَمَاء مَصْبُوب يَجْرِي اللَّيْل وَالنَّهَار فِي غَيْر أُخْدُود لَا يَنْقَطِع عَنْهُمْ . وَكَانَتْ الْعَرَب أَصْحَاب بَادِيَة وَبِلَاد حَارَّة , وَكَانَتْ الْأَنْهَار فِي بِلَادهمْ عَزِيزَة لَا يَصِلُونَ إِلَى الْمَاء إِلَّا بِالدَّلْوِ وَالرِّشَاء فَوُعِدُوا فِي الْجَنَّة خِلَاف ذَلِكَ , وَوُصِفَ لَهُمْ أَسْبَاب النُّزْهَة الْمَعْرُوفَة فِي الدُّنْيَا , وَهِيَ الْأَشْجَار وَظِلَالهَا وَالْمِيَاه وَالْأَنْهَار وَاطِّرَادهَا .'; $TAFSEER['4']['56']['32'] = 'أَيْ لَيْسَتْ بِالْقَلِيلَةِ الْعَزِيزَة كَمَا كَانَتْ فِي بِلَادهمْ'; $TAFSEER['4']['56']['33'] = 'أَيْ فِي وَقْت مِنْ الْأَوْقَات كَانْقِطَاعِ فَوَاكِه الصَّيْف فِي الشِّتَاء " وَلَا مَمْنُوعَة " أَيْ لَا يُحْظَر عَلَيْهَا كَثِمَارِ الدُّنْيَا . وَقِيلَ : " وَلَا مَمْنُوعَة " أَيْ لَا يُمْنَع مَنْ أَرَادَهَا بِشَوْكٍ وَلَا بُعْد وَلَا حَائِط , بَلْ إِذَا اشْتَهَاهَا الْعَبْد دَنَتْ مِنْهُ حَتَّى يَأْخُذهَا , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَذُلِّلَتْ قُطُوفهَا تَذْلِيلًا " [ الْإِنْسَان : 14 ] . وَقِيلَ : لَيْسَتْ مَقْطُوعَة بِالْأَزْمَانِ , وَلَا مَمْنُوعَة بِالْأَثْمَانِ . وَاَللَّه أَعْلَم .'; $TAFSEER['4']['56']['34'] = 'رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى : " وَفُرُش مَرْفُوعَة " قَالَ : ( اِرْتِفَاعهَا لَكُمَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ سَنَة ) قَالَ : حَدِيث غَرِيب لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيث رِشْدِين بْن سَعْد . وَقَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم فِي تَفْسِير هَذَا الْحَدِيث : الْفُرُش فِي الدَّرَجَات , وَمَا بَيْن الدَّرَجَات كَمَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض . وَقِيلَ : إِنَّ الْفُرُش هُنَا كِنَايَة عَنْ النِّسَاء اللَّوَاتِي فِي الْجَنَّة وَلَمْ يَتَقَدَّم لَهُنَّ ذِكْر , وَلَكِنَّ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : " وَفُرُش مَرْفُوعَة " دَالّ , لِأَنَّهَا مَحَلّ النِّسَاء , فَالْمَعْنَى وَنِسَاء مُرْتَفِعَات الْأَقْدَار فِي حُسْنهنَّ وَكَمَالهنَّ , دَلِيله قَوْله تَعَالَى :'; $TAFSEER['4']['56']['35'] = 'أَيْ خَلَقْنَاهُنَّ خَلْقًا وَأَبْدَعْنَاهُنَّ إِبْدَاعًا . وَالْعَرَب تُسَمِّي الْمَرْأَة فِرَاشًا وَلِبَاسًا وَإِزَارًا , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : " هُنَّ لِبَاس لَكُمْ " . ثُمَّ قِيلَ : عَلَى هَذَا هُنَّ الْحُور الْعِين , أَيْ خَلَقْنَاهُنَّ مِنْ غَيْر وِلَادَة . وَقِيلَ : الْمُرَاد نِسَاء بَنِي آدَم , أَيْ خَلَقْنَاهُنَّ خَلْقًا جَدِيدًا وَهُوَ الْإِعَادَة , أَيْ أَعَدْنَاهُنَّ إِلَى حَال الشَّبَاب وَكَمَال الْجَمَال . وَالْمَعْنَى أَنْشَأْنَا الْعَجُوز وَالصَّبِيَّة إِنْشَاء وَاحِدًا , وَأُضْمِرْنَ وَلَمْ يَتَقَدَّم ذِكْرهنَّ , لِأَنَّهُنَّ قَدْ دَخَلْنَ فِي أَصْحَاب الْيَمِين , وَلِأَنَّ الْفُرُش كِنَايَة عَنْ النِّسَاء كَمَا تَقَدَّمَ . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى : " إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاء " قَالَ : ( مِنْهُنَّ الْبِكْر وَالثَّيِّب ) . وَقَالَتْ أُمّ سَلَمَة رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا : سَأَلْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْله تَعَالَى : " إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاء فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا " فَقَالَ ( يَا أُمّ سَلَمَة هُنَّ اللَّوَاتِي قُبِضْنَ فِي الدُّنْيَا عَجَائِز شُمْطًا عُمْشًا رُمْصًا جَعَلَهُنَّ اللَّه بَعْد الْكِبَر أَتْرَابًا عَلَى مِيلَاد وَاحِد فِي الِاسْتِوَاء " أَسْنَدَهُ النَّحَّاس عَنْ أَنَس قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَمْرو قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة عَنْ يَزِيد الرَّقَاشِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك رَفَعَهُ " إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاء " قَالَ ( هُنَّ الْعَجَائِز الْعُمْش الرُّمْص كُنَّ فِي الدُّنْيَا عُمْشًا رُمْصًا )'; $TAFSEER['4']['56']['36'] = 'وَقَالَ الْمُسَيِّب بْن شَرِيك : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله " إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاء " الْآيَة قَالَ : ( هُنَّ عَجَائِز الدُّنْيَا أَنْشَأَهُنَّ اللَّه خَلْقًا جَدِيدًا كُلَّمَا أَتَاهُنَّ أَزْوَاجهنَّ وَجَدُوهُنَّ أَبْكَارًا ) فَلَمَّا سَمِعَتْ عَائِشَة ذَلِكَ قَالَتْ : وَاوَجَعَاه ! فَقَالَ لَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيْسَ هُنَاكَ وَجَع ) .'; $TAFSEER['4']['56']['37'] = 'فَقَالَ : ( يَا أُمّ سَلَمَة هُنَّ اللَّوَاتِي قُبِضْنَ فِي الدُّنْيَا عَجَائِز شُمْطًا عُمْشًا رُمْصًا جَعَلَهُنَّ اللَّه بَعْد الْكِبَر أَتْرَابًا عَلَى مِيلَاد وَاحِد فِي الِاسْتِوَاء ) أَسْنَدَهُ النَّحَّاس عَنْ أَنَس قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَمْرو قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ يَزِيد الرَّقَاشِيّ , عَنْ أَنَس بْن مَالِك رَفَعَهُ " إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاء " قَالَ ( هُنَّ الْعَجَائِز الْعُمْش الرُّمْص كُنَّ فِي الدُّنْيَا عُمْشًا رُمْصًا ) . وَقَالَ الْمُسَيِّب بْن شَرِيك : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله " إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاء " الْآيَة قَالَ : ( هُنَّ عَجَائِز الدُّنْيَا أَنْشَأَهُنَّ اللَّه خَلْقًا جَدِيدًا كُلَّمَا أَتَاهُنَّ أَزْوَاجهنَّ وَجَدُوهُنَّ أَبْكَارًا ) فَلَمَّا سَمِعَتْ عَائِشَة ذَلِكَ قَالَتْ : وَاوَجَعَاه ! فَقَالَ لَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيْسَ هُنَاكَ وَجَع ) . " عُرُبًا " جَمْع عَرُوب . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا : الْعُرُب الْعَوَاشِق لِأَزْوَاجِهِنَّ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : إِنَّهَا الْعَرُوب الْمَلِقَة . عِكْرِمَة : الْغَنِجَة . اِبْن زَيْد : بِلُغَةِ أَهْل الْمَدِينَة . وَمِنْهُ قَوْل لَبِيد : وَفِي الْخِبَاء عَرُوب غَيْر فَاحِشَة رَيًّا الرَّوَادِف يَعْشَى دُونهَا الْبَصَر وَهِيَ الشَّكِلَة بِلُغَةِ أَهْل مَكَّة . وَعَنْ زَيْد بْن أَسْلَم أَيْضًا : الْحَسَنَة الْكَلَام . وَعَنْ عِكْرِمَة أَيْضًا وَقَتَادَة : الْعُرُب الْمُتَحَبِّبَات إِلَى أَزْوَاجهنَّ , وَاشْتِقَاقه مِنْ أَعْرَبَ إِذَا بَيَّنَ , فَالْعَرُوب تُبَيِّن مَحَبَّتهَا لِزَوْجِهَا بِشَكْلٍ وَغُنْج وَحُسْن كَلَام . وَقِيلَ : إِنَّهَا الْحَسَنَة التَّبَعُّل لِتَكُونَ أَلَذّ اِسْتِمْتَاعًا . وَرَوَى جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عُرُبًا " قَالَ : ( كَلَامهنَّ عَرَبِيّ ) . وَقَرَأَ حَمْزَة وَأَبُو بَكْر عَنْ عَاصِم " عُرْبًا " بِإِسْكَانِ الرَّاء . وَضَمَّ الْبَاقُونَ وَهُمَا جَائِزَانِ فِي جَمْع فَعُول . " أَتْرَابًا " عَلَى مِيلَاد وَاحِد فِي الِاسْتِوَاء وَسِنّ وَاحِدَة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سَنَة . يُقَال فِي النِّسَاء أَتْرَاب وَفِي الرِّجَال أَقْرَان . وَكَانَتْ الْعَرَب تَمِيل إِلَى مَنْ جَاوَزَتْ حَدّ الصِّبَا مِنْ النِّسَاء وَانْحَطَّتْ عَنْ الْكِبَر . وَقِيلَ : " أَتْرَابًا " أَمْثَالًا وَأَشْكَالًا , قَالَهُ مُجَاهِد . السُّدِّيّ : أَتْرَاب فِي الْأَخْلَاق لَا تَبَاغُض بَيْنهنَّ وَلَا تَحَاسُد .'; $TAFSEER['4']['56']['38'] = 'قِيلَ : الْحُور الْعِين لِلسَّابِقِينَ , وَالْأَتْرَاب الْعُرُب لِأَصْحَابِ الْيَمِين . " ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ . وَثُلَّة مِنْ الْآخِرِينَ " رَجَعَ الْكَلَام إِلَى قَوْله تَعَالَى : " وَأَصْحَاب الْيَمِين مَا أَصْحَاب الْيَمِين " أَيْ هُمْ " ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ . وَثُلَّة مِنْ الْآخِرِينَ " وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي مَعْنَاهُ . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَمُجَاهِد وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَالضَّحَّاك :'; $TAFSEER['4']['56']['39'] = 'يَعْنِي مِنْ سَابِقِي هَذِهِ الْأُمَّة'; $TAFSEER['4']['56']['40'] = 'مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة مِنْ آخِرهَا , يَدُلّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة " ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ . وَثُلَّة مِنْ الْآخِرِينَ " فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هُمْ جَمِيعًا مِنْ أُمَّتِي ) . وَقَالَ الْوَاحِدِيّ : أَصْحَاب الْجَنَّة نِصْفَانِ مِنْ الْأُمَم الْمَاضِيَة وَنِصْف مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة . وَهَذَا يَرُدّهُ مَا رَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه وَالتِّرْمِذِيّ فِي جَامِعه عَنْ بُرَيْدَة بْن خَصِيب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَهْل الْجَنَّة عِشْرُونَ وَمِائَة صَفّ ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِر الْأُمَم ) . قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث حَسَن . و " ثُلَّة " رُفِعَ عَلَى الِابْتِدَاء , أَوْ عَلَى حَذْف خَبَر حَرْف الصِّفَة , وَمَجَازه : لِأَصْحَابِ الْيَمِين ثُلَّتَانِ : ثُلَّة مِنْ هَؤُلَاءِ وَثُلَّة مِنْ هَؤُلَاءِ . وَالْأَوَّلُونَ الْأُمَم الْمَاضِيَة , وَالْآخِرُونَ هَذِهِ الْأُمَّة عَلَى الْقَوْل الثَّانِي .'; $TAFSEER['4']['56']['41'] = 'ذَكَرَ مَنَازِل أَهْل النَّار وَسَمَّاهُمْ أَصْحَاب الشِّمَال , لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ كُتُبهمْ بِشَمَائِلِهِمْ , ثُمَّ عَظَّمَ ذِكْرهمْ فِي الْبَلَاء وَالْعَذَاب فَقَالَ : " مَا أَصْحَاب الشِّمَال .'; $TAFSEER['4']['56']['42'] = 'وَالسَّمُوم الرِّيح الْحَارَّة الَّتِي تَدْخُل فِي مَسَامّ الْبَدَن . وَالْمُرَاد هُنَا حَرّ النَّار وَلَفْحهَا . أَيْ مَاء حَارّ قَدْ اِنْتَهَى حَرّه , إِذَا أَحْرَقَتْ النَّار أَكْبَادهمْ وَأَجْسَادهمْ فَزِعُوا إِلَى الْحَمِيم , كَاَلَّذِي يَفْزَع مِنْ النَّار إِلَى الْمَاء لِيُطْفِئ بِهِ الْحَرّ فَيَجِدهُ حَمِيمًا حَارًّا فِي نِهَايَة الْحَرَارَة وَالْغَلَيَان . وَقَدْ مَضَى فِي " مُحَمَّد " " وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ " [ مُحَمَّد : 15 ] .'; $TAFSEER['4']['56']['43'] = 'أَيْ يَفْزَعُونَ مِنْ السَّمُوم إِلَى الظِّلّ كَمَا يَفْزَع أَهْل الدُّنْيَا فَيَجِدُونَهُ ظِلًّا مِنْ يَحْمُوم , أَيْ مِنْ دُخَان جَهَنَّم أَسْوَد شَدِيد السَّوَاد . عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا . وَكَذَلِكَ الْيَحْمُوم فِي اللُّغَة : الشَّدِيد السَّوَاد وَهُوَ يَفْعُول مِنْ الْحَمّ وَهُوَ الشَّحْم الْمُسْوَدّ بِاحْتِرَاقِ النَّار . وَقِيلَ : هُوَ الْمَأْخُوذ مِنْ الْحُمَم وَهُوَ الْفَحْم . وَقَالَ الضَّحَّاك : النَّار سَوْدَاء وَأَهْلهَا سُود وَكُلّ مَا فِيهَا أَسْوَد . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : النَّار سَوْدَاء . وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْيَحْمُوم جَبَل فِي جَهَنَّم يَسْتَغِيث إِلَى ظِلّه أَهْل النَّار . وَقِيلَ : " وَظِلّ مِنْ يَحْمُوم " أَيْ مِنْ النَّار يُعَذَّبُونَ بِهَا , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " لَهُمْ مِنْ فَوْقهمْ ظُلَل مِنْ النَّار وَمِنْ تَحْتهمْ ظُلَل " [ الزُّمَر : 16 ] .'; $TAFSEER['4']['56']['44'] = 'بَلْ حَارّ لِأَنَّهُ مِنْ دُخَان شَفِير جَهَنَّم . عَذْب , عَنْ الضَّحَّاك . وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : وَلَا حَسُنَ مَنْظَره , وَكُلّ مَا لَا خَيْر فِيهِ فَلَيْسَ بِكَرِيمٍ .'; $TAFSEER['4']['56']['45'] = 'أَيْ إِنَّمَا اِسْتَحَقُّوا هَذِهِ الْعُقُوبَة لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا مُتَنَعِّمِينَ بِالْحَرَامِ . وَالْمُتْرَف الْمُنَعَّم , عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . وَقَالَ السُّدِّيّ : " مُتْرَفِينَ " أَيْ مُشْرِكِينَ .'; $TAFSEER['4']['56']['46'] = 'أَيْ يُقِيمُونَ عَلَى الشِّرْك , عَنْ الْحَسَن وَالضَّحَّاك وَابْن زَيْد . وَقَالَ قَتَادَة وَمُجَاهِد : الذَّنْب الْعَظِيم الَّذِي لَا يَتُوبُونَ مِنْهُ . الشَّعْبِيّ : هُوَ الْيَمِين الْغَمُوس وَهِيَ مِنْ الْكَبَائِر , يُقَال : حَنِثَ فِي يَمِينه أَيْ لَمْ يَبَرّهَا وَرَجَعَ فِيهَا . وَكَانُوا يُقْسِمُونَ أَنْ لَا بَعْث , وَأَنَّ الْأَصْنَام أَنْدَاد اللَّه فَذَلِكَ حِنْثهمْ , قَالَ اللَّه تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ : " وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ لَا يَبْعَث اللَّه مَنْ يَمُوت " [ النَّحْل : 38 ] وَفِي الْخَبَر : كَانَ يَتَحَنَّث فِي حِرَاء , أَيْ يَفْعَل مَا يُسْقِط عَنْ نَفْسه الْحِنْث وَهُوَ الذَّنْب .'; $TAFSEER['4']['56']['47'] = 'هَذَا اِسْتِبْعَاد مِنْهُمْ لِأَمْرِ الْبَعْث وَتَكْذِيب لَهُ .'; $TAFSEER['4']['56']['48'] = 'هَذَا اِسْتِبْعَاد مِنْهُمْ لِأَمْرِ الْبَعْث وَتَكْذِيب لَهُ .'; $TAFSEER['4']['56']['49'] = 'لَهُمْ يَا مُحَمَّد مِنْ آبَائِكُمْ مِنْكُمْ'; $TAFSEER['4']['56']['50'] = 'يُرِيد يَوْم الْقِيَامَة . وَمَعْنَى الْكَلَام الْقَسَم وَدُخُول اللَّام فِي قَوْله تَعَالَى : " لَمَجْمُوعُونَ " هُوَ دَلِيل الْقَسَم فِي الْمَعْنَى , أَيْ إِنَّكُمْ لَمَجْمُوعُونَ قَسَمًا حَقًّا خِلَاف قَسَمكُمْ الْبَاطِل'; $TAFSEER['4']['56']['51'] = 'عَنْ الْهُدَى بِالْبَعْثِ'; $TAFSEER['4']['56']['52'] = 'وَهُوَ شَجَر كَرِيه الْمَنْظَر , كَرِيه الطَّعْم , وَهِيَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي سُورَة " وَالصَّافَّات " .'; $TAFSEER['4']['56']['53'] = 'أَيْ مِنْ الشَّجَرَة , لِأَنَّ الْمَقْصُود مِنْ الشَّجَر شَجَرَة . وَيَجُوز أَنْ تَكُون " مِنْ " الْأُولَى زَائِدَة , وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَفْعُول مَحْذُوفًا كَأَنَّهُ قَالَ : " لَآكِلُونَ مِنْ شَجَر مِنْ زَقُّوم " طَعَامًا . وَقَوْله : " مِنْ زَقُّوم " صِفَة لِشَجَرٍ , وَالصِّفَة إِذَا قَدَّرْت الْجَار زَائِدًا نُصِبَتْ عَلَى الْمَعْنَى , أَوْ جَرَرْت عَلَى اللَّفْظ , فَإِنْ قَدَّرْت الْمَفْعُول مَحْذُوفًا لَمْ تَكُنْ الصِّفَة إِلَّا فِي مَوْضِع جَرّ .'; $TAFSEER['4']['56']['54'] = 'أَيْ عَلَى الزَّقُّوم أَوْ عَلَى الْأَكْل أَوْ عَلَى الشَّجَر , لِأَنَّهُ يُذَكَّر وَيُؤَنَّث . وَهُوَ الْمَاء الْمَغْلِيّ الَّذِي قَدْ اِشْتَدَّ غَلَيَانه وَهُوَ صَدِيد أَهْل النَّار . أَيْ يُوَرِّثهُمْ حَرّ مَا يَأْكُلُونَ مِنْ الزَّقُّوم مَعَ الْجُوع الشَّدِيد عَطَشًا فَيَشْرَبُونَ مَاء يَظُنُّونَ أَنَّهُ يُزِيل الْعَطَش فَيَجِدُونَهُ حَمِيمًا مُغْلًى .'; $TAFSEER['4']['56']['55'] = 'قِرَاءَة نَافِع وَعَاصِم وَحَمْزَة " شُرْب " بِضَمِّ الشِّين . الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا لُغَتَانِ جَيِّدَتَانِ , تَقُول الْعَرَب : شَرِبْت شُرْبًا وَشَرْبًا وَشِرْبًا وَشُرُبًا بِضَمَّتَيْنِ . قَالَ أَبُو زَيْد : سَمِعْت الْعَرَب تَقُول بِضَمِّ الشِّين وَفَتْحهَا وَكَسْرهَا , وَالْفَتْح هُوَ الْمَصْدَر الصَّحِيح , لِأَنَّ كُلّ مَصْدَر مِنْ ذَوَات الثَّلَاثَة فَأَصْله فَعْل , أَلَا تَرَى أَنَّك تَرُدّهُ إِلَى الْمَرَّة الْوَاحِدَة , فَتَقُول : فَعْلَة نَحْو شَرْبَة وَبِالضَّمِّ الِاسْم . وَقِيلَ : إِنَّ الْمَفْتُوح وَالِاسْم مَصْدَرَانِ , فَالشُّرْب كَالْأَكْلِ , وَالشُّرْب كَالذُّكْرِ , وَالشِّرْب بِالْكَسْرِ الْمَشْرُوب كَالطَّحْنِ الْمَطْحُون . وَالْهِيم الْإِبِل الْعِطَاش الَّتِي لَا تُرْوَى لِدَاءٍ يُصِيبهَا , عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ وَغَيْرهمْ , وَقَالَ عِكْرِمَة أَيْضًا : هِيَ الْإِبِل الْمِرَاض . الضَّحَّاك : الْهِيم الْإِبِل يُصِيبهَا دَاء تَعْطَش مِنْهُ عَطَشًا شَدِيدًا , وَاحِدهَا أَهْيَم وَالْأُنْثَى هَيْمَاء . وَيُقَال لِذَلِكَ الدَّاء الْهُيَام , قَالَ قَيْس بْن الْمُلَوَّح : يُقَال بِهِ دَاء الْهُيَام أَصَابَهُ وَقَدْ عَلِمْت نَفْسِي مَكَان شِفَائِهَا وَقَوْم هِيم أَيْضًا أَيْ عِطَاش , وَقَدْ هَامُوا هُيَامًا . وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول فِي الْإِبِل : هَائِم وَهَائِمَة وَالْجَمْع هِيم , قَالَ لَبِيد : أَجَزْت إِلَى مَعَارِفهَا بِشُعْثِ وَأَطْلَاح مِنْ الْعِيدِيّ هِيم وَقَالَ الضَّحَّاك وَالْأَخْفَش وَابْن عُيَيْنَة وَابْن كَيْسَان : الْهِيم الْأَرْض السَّهْلَة ذَات الرَّمَل . وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ اِبْن عَبَّاس : فَيَشْرَبُونَ شُرْب الرِّمَال الَّتِي لَا تُرْوَى بِالْمَاءِ . الْمَهْدَوِيّ : وَيُقَال لِكُلِّ مَا لَا يُرْوَى مِنْ الْإِبِل وَالرَّمَل أَهِيم وَهَيْمَاء . وَفِي الصِّحَاح : وَالْهُيَام بِالضَّمِّ أَشَدّ الْعَطَش . وَالْهُيَام كَالْجُنُونِ مِنْ الْعِشْق . وَالْهُيَام دَاء يَأْخُذ الْإِبِل فَتَهِيم فِي الْأَرْض لَا تَرْعَى . يُقَال : نَاقَة هَيْمَاء . وَالْهَيْمَاء أَيْضًا الْمَفَازَة لَا مَاء بِهَا . وَالْهَيَام بِالْفَتْحِ : الرَّمْل الَّذِي لَا يَتَمَاسَك أَنْ يَسِيل مِنْ الْيَد لِلِينِهِ وَالْجَمْع هِيم مِثْل قَذَال وَقُذُل . وَالْهِيَام بِالْكَسْرِ الْإِبِل الْعِطَاش الْوَاحِد هَيْمَان , وَنَاقَة هَيْمَاء مِثْل عَطْشَان وَعَطْشَى .'; $TAFSEER['4']['56']['56'] = 'أَيْ رِزْقهمْ الَّذِي يُعَدّ لَهُمْ , كَالنُّزُلِ الَّذِي يُعَدّ لِلْأَضْيَافِ تَكْرِمَة لَهُمْ , وَفِيهِ تَهَكُّم , كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : " فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم " [ آل عِمْرَان : 21 ] وَكَقَوْلِ أَبِي السَّعْد الضَّبِّيّ : وَكُنَّا إِذَا الْجَبَّار بِالْجَيْشِ ضَافَنَا جَعَلْنَا اِلْقَنَا وَالْمُرْهَفَات لَهُ نُزُلَا وَقَرَأَ يُونُس بْن حَبِيب وَعَبَّاس عَنْ أَبِي عَمْرو " هَذَا نُزْلُهُمْ " بِإِسْكَانِ الزَّاي , وَقَدْ مَضَى فِي آخِر " آل عِمْرَان " الْقَوْل فِيهِ . " يَوْم الدِّين " يَوْم الْجَزَاء , يَعْنِي فِي جَهَنَّم'; $TAFSEER['4']['56']['57'] = 'أَيْ فَهَلَّا تُصَدِّقُونَ بِالْبَعْثِ ؟ لِأَنَّ الْإِعَادَة كَالِابْتِدَاءِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى نَحْنُ خَلَقْنَا رِزْقكُمْ فَهَلَّا تُصَدِّقُونَ أَنَّ هَذَا طَعَامكُمْ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا ؟'; $TAFSEER['4']['56']['58'] = 'أَيْ مَا تَصُبُّونَهُ مِنْ الْمَنِيّ فِي أَرْحَام النِّسَاء .'; $TAFSEER['4']['56']['59'] = 'أَيْ تُصَوِّرُونَ مِنْهُ الْإِنْسَان الْمُقَدِّرُونَ الْمُصَوِّرُونَ . وَهَذَا اِحْتِجَاج عَلَيْهِمْ وَبَيَان لِلْآيَةِ الْأُولَى , أَيْ إِذَا أَقْرَرْتُمْ بِأَنَّا خَالِقُوهُ لَا غَيْرنَا فَاعْتَرِفُوا بِالْبَعْثِ . وَقَرَأَ أَبُو السِّمَال وَمُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع وَأَشْهَب الْعُقَيْلِيّ : " تَمْنُونَ " بِفَتْحِ التَّاء وَهُمَا لُغَتَانِ أَمْنَى وَمَنَى , وَأَمْذَى وَمَذَى يُمْنِي وَيَمْنِي وَيُمْذِي وَيَمْذِي . الْمَاوَرْدِيّ : وَيَحْتَمِل أَنْ يَخْتَلِف مَعْنَاهَا عِنْدِي , فَيَكُون أَمْنَى إِذَا أَنْزَلَ عَنْ جِمَاع , وَمَنَى إِذَا أَنْزَلَ عَنْ الِاحْتِلَام . وَفِي تَسْمِيَة الْمَنِيّ مَنِيًّا وَجْهَانِ : أَحَدهمَا لِإِمْنَائِهِ وَهُوَ إِرَاقَته . الثَّانِي لِتَقْدِيرِهِ , وَمِنْهُ الْمَنَا الَّذِي يُوزَن بِهِ لِأَنَّهُ مِقْدَار لِذَلِكَ , وَكَذَلِكَ الْمَنِيّ مِقْدَار صَحِيح لِتَصْوِيرِ الْخِلْقَة .'; $TAFSEER['4']['56']['60'] = 'احْتِجَاج أَيْضًا , أَيْ الَّذِي يَقْدِر عَلَى الْإِمَاتَة يَقْدِر عَلَى الْخَلْق , وَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْخَلْق قَدَرَ عَلَى الْبَعْث . وَقَرَأَ مُجَاهِد وَحُمَيْد وَابْن مُحَيْصِن وَابْن كَثِير " قَدَرْنَا " بِتَخْفِيفِ الدَّال . الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ , قَالَ الضَّحَّاك : أَيْ سَوَّيْنَا بَيْن أَهْل السَّمَاء وَأَهْل الْأَرْض . وَقِيلَ : قَضَيْنَا . وَقِيلَ : كَتَبْنَا , وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب , فَلَا أَحَد يَبْقَى غَيْره عَزَّ وَجَلَّ . أَيْ إِنْ أَرَدْنَا أَنْ نُبَدِّل أَمْثَالكُمْ لَمْ يَسْبِقنَا أَحَد , أَيْ لَمْ يَغْلِبنَا . " بِمَسْبُوقِينَ " مَعْنَاهُ بِمَغْلُوبِينَ .'; $TAFSEER['4']['56']['61'] = 'وَقَالَ الطَّبَرِيّ : الْمَعْنَى نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنكُمْ الْمَوْت " عَلَى أَنْ نُبَدِّل أَمْثَالكُمْ " بَعْد مَوْتكُمْ بِآخَرِينَ مِنْ جِنْسكُمْ , وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ فِي آجَالكُمْ , أَيْ لَا يَتَقَدَّم مُتَأَخِّر وَلَا يَتَأَخَّر مُتَقَدِّم . مِنْ الصُّوَر وَالْهَيْئَات . قَالَ الْحَسَن : أَيْ نَجْعَلكُمْ قِرَدَة وَخَنَازِير كَمَا فَعَلْنَا بِأَقْوَامٍ قَبْلكُمْ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى نُنْشِئكُمْ فِي الْبَعْث عَلَى غَيْر صُوَركُمْ فِي الدُّنْيَا , فَيُجَمَّل الْمُؤْمِن بِبَيَاضِ وَجْهه , وَيُقَبَّح الْكَافِر بِسَوَادِ وَجْهه . سَعِيد بْن جُبَيْر : قَوْله تَعَالَى : " فِيمَا لَا تَعْلَمُونَ " يَعْنِي فِي حَوَاصِل طَيْر سُود تَكُون بِبَرَهُوت كَأَنَّهَا الْخَطَاطِيف , وَبَرَهُوت وَادٍ فِي الْيَمَن . وَقَالَ مُجَاهِد : " فِيمَا لَا تَعْلَمُونَ " فِي أَيّ خَلْق شِئْنَا . وَقِيلَ : الْمَعْنَى نُنْشِئكُمْ فِي عَالَم لَا تَعْلَمُونَ , وَفِي مَكَان لَا تَعْلَمُونَ .'; $TAFSEER['4']['56']['62'] = 'أَيْ إِذْ خَلَقْتُمْ مِنْ نُطْفَة ثُمَّ مِنْ عَلَقَة ثُمَّ مِنْ مُضْغَة وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا , عَنْ مُجَاهِد وَغَيْره . قَتَادَة وَالضَّحَّاك : يَعْنِي خَلْق آدَم عَلَيْهِ السَّلَام . أَيْ فَهَلَّا تَذَكَّرُونَ . وَفِي الْخَبَر : عَجَبًا كُلّ الْعَجَب لِلْمُكَذِّبِ بِالنَّشْأَةِ الْأُخْرَى وَهُوَ يَرَى النَّشْأَة الْأُولَى , وَعَجَبًا لِلْمُصَدِّقِ بِالنَّشْأَةِ الْآخِرَة وَهُوَ لَا يَسْعَى لِدَارِ الْقَرَار . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " النَّشْأَة " بِالْقَصْرِ . وَقَرَأَ مُجَاهِد وَالْحَسَن وَابْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو : " النَّشَاءَة " بِالْمَدِّ , وَقَدْ مَضَى فِي " الْعَنْكَبُوت " بَيَانه .'; $TAFSEER['4']['56']['63'] = 'هَذِهِ حُجَّة أُخْرَى , أَيْ أَخْبِرُونِي عَمَّا تَحْرُثُونَ مِنْ أَرْضكُمْ فَتَطْرَحُونَ فِيهَا الْبَذْر , أَنْتُمْ تُنْبِتُونَهُ وَتُحَصِّلُونَهُ زَرْعًا فَيَكُون فِيهِ السُّنْبُل وَالْحَبّ أَمْ نَحْنُ نَفْعَل ذَلِكَ ؟ وَإِنَّمَا مِنْكُمْ الْبَذْر وَشَقّ الْأَرْض , فَإِذَا أَقْرَرْتُمْ بِأَنَّ إِخْرَاج السُّنْبُل مِنْ الْحَبّ لَيْسَ إِلَيْكُمْ , فَكَيْفَ تُنْكِرُونَ إِخْرَاج الْأَمْوَات مِنْ الْأَرْض وَإِعَادَتهمْ ؟ ! وَأَضَافَ الْحَرْث إِلَيْهِمْ وَالزَّرْع إِلَيْهِ تَعَالَى , لِأَنَّ الْحَرْث فِعْلهمْ وَيَجْرِي عَلَى اِخْتِيَارهمْ , وَالزَّرْع مِنْ فِعْل اللَّه تَعَالَى وَيَنْبُت عَلَى اِخْتِيَاره لَا عَلَى اِخْتِيَارهمْ . وَكَذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَا يَقُولَن أَحَدكُمْ زَرَعْت وَلْيَقُلْ حَرَثْت فَإِنَّ الزَّارِع هُوَ اللَّه ) قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْل اللَّه تَعَالَى :'; $TAFSEER['4']['56']['64'] = 'وَالْمُسْتَحَبّ لِكُلِّ مَنْ يُلْقِي الْبَذْر فِي الْأَرْض أَنْ يَقْرَأ بَعْد الِاسْتِعَاذَة " أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ " الْآيَة , ثُمَّ يَقُول : بَلْ اللَّه الزَّارِع وَالْمُنْبِت وَالْمُبَلِّغ , اللَّهُمَّ صَلِّي عَلَى مُحَمَّد , وَارْزُقْنَا ثَمَره , وَجَنِّبْنَا ضَرَره , وَاِجْعَلْنَا لِأَنْعُمِك مِنْ الشَّاكِرِينَ , وَلِآلَائِك مِنْ الذَّاكِرِينَ , وَبَارِكْ لَنَا فِيهِ يَا رَبّ الْعَالَمِينَ . وَيُقَال : إِنَّ هَذَا الْقَوْل أَمَان لِذَلِكَ الزَّرْع مِنْ جَمِيع الْآفَات : الدُّود وَالْجَرَاد وَغَيْر ذَلِكَ , سَمِعْنَاهُ مِنْ ثِقَة وَجَرَّبَ فَوَجَدَ كَذَلِكَ . وَمَعْنَى " أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ " أَيْ تَجْعَلُونَهُ زَرْعًا . وَقَدْ يُقَال : فُلَان زَرَّاع كَمَا يُقَال حَرَّاث , أَيْ يَفْعَل مَا يَئُول إِلَى أَنْ يَكُون زَرْعًا يُعْجِب الزُّرَّاع . وَقَدْ يُطْلَق لَفْظ الزَّرْع عَلَى بَذْر الْأَرْض وَتَكْرِيبهَا تَجَوُّزًا . قُلْت : فَهُوَ نَهْي إِرْشَاد وَأَدَب لَا نَهْي حَظْر وَإِيجَاب , وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( لَا يَقُولَن أَحَدكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي وَلْيَقُلْ غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي ) وَقَدْ مَضَى فِي " يُوسُف " الْقَوْل فِيهِ . وَقَدْ بَالَغَ بَعْض الْعُلَمَاء فَقَالَ : لَا يَقُلْ حَرَثْت فَأَصَبْت , بَلْ يَقُلْ : أَعَانَنِي اللَّه فَحَرَثْت , وَأَعْطَانِي بِفَضْلِهِ مَا أَصَبْت . قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَتَتَضَمَّن هَذِهِ الْآيَة أَمْرَيْنِ , أَحَدهمَا : الِامْتِنَان عَلَيْهِمْ بِأَنْ أَنْبَتَ زَرْعهمْ حَتَّى عَاشُوا بِهِ لِيَشْكُرُوهُ عَلَى نِعْمَته عَلَيْهِمْ . الثَّانِي : الْبُرْهَان الْمُوجِب لِلِاعْتِبَارِ , لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْبَتَ زَرْعهمْ بَعْد تَلَاشِي بَذْره , وَانْتِقَاله إِلَى اِسْتِوَاء حَاله مِنْ الْعَفَن وَالتَّتْرِيب حَتَّى صَارَ زَرْعًا أَخْضَر , ثُمَّ جَعَلَهُ قَوِيًّا مُشْتَدًّا أَضْعَاف مَا كَانَ عَلَيْهِ , فَهُوَ بِإِعَادَةِ مَنْ أَمَاتَ أَخَفّ عَلَيْهِ وَأَقْدَر , وَفِي هَذَا الْبُرْهَان مَقْنَع لِذَوِي الْفِطَر السَّلِيمَة . ثُمَّ قَالَ'; $TAFSEER['4']['56']['65'] = 'أَيْ مُتَكَسِّرًا يَعْنِي الزَّرْع . وَالْحُطَام الْهَشِيم الْهَالِك الَّذِي لَا يُنْتَفَع بِهِ فِي مَطْعَم وَلَا غِذَاء , فَنُبِّهَ بِذَلِكَ أَيْضًا عَلَى أَمْرَيْنِ : أَحَدهمَا : مَا أَوْلَاهُمْ بِهِ مِنْ النِّعَم فِي زَرْعهمْ إِذْ لَمْ يَجْعَلهُ حُطَامًا لِيَشْكُرُوهُ . الثَّانِي : لِيَعْتَبِرُوا بِذَلِكَ فِي أَنْفُسهمْ , كَمَا أَنَّهُ يَجْعَل الزَّرْع حُطَامًا إِذَا شَاءَ وَكَذَلِكَ يُهْلِكهُمْ إِذَا شَاءَ لِيَتَّعِظُوا فَيَنْزَجِرُوا . أَيْ تَعْجَبُونَ بِذَهَابِهَا وَتَنْدَمُونَ مِمَّا حَلَّ بِكُمْ , قَالَهُ الْحَسَن وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا . وَفِي الصِّحَاح : وَتَفَكَّهَ أَيْ تَعَجَّبَ , وَيُقَال : تَنَدَّمَ , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ " أَيْ تَنْدَمُونَ . وَتَفَكَّهْت بِالشَّيْءِ تَمَتَّعْت بِهِ . وَقَالَ يَمَان : تَنْدَمُونَ عَلَى نَفَقَاتكُمْ , دَلِيله : " فَأَصْبَحَ يُقَلِّب كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا " [ الْكَهْف : 42 ] وَقَالَ عِكْرِمَة : تَلَاوَمُونَ وَتَنْدَمُونَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْكُمْ مِنْ مَعْصِيَة اللَّه الَّتِي أَوْجَبَتْ عُقُوبَتكُمْ حَتَّى نَالَتْكُمْ فِي زَرْعكُمْ . اِبْن كَيْسَان : تَحْزَنُونَ , وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . وَفِيهِ لُغَتَانِ : تَفَكَّهُونَ وَتَفَكَّنُونَ : قَالَ الْفَرَّاء : وَالنُّون لُغَة عُكْل . وَفِي الصِّحَاح : اِلْتَفَكُّن التَّنَدُّم عَلَى مَا فَاتَ . وَقِيلَ : التَّفَكُّه التَّكَلُّم فِيمَا لَا يَعْنِيك , وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمُزَاحِ فُكَاهَة بِالضَّمِّ , فَأَمَّا الْفُكَاهَة بِالْفَتْحِ فَمَصْدَر فَكِهَ الرَّجُل بِالْكَسْرِ فَهُوَ فَكِه إِذَا كَانَ طَيِّب النَّفْس مَزَّاحًا . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " فَظَلْتُمْ " بِفَتْحِ الظَّاء . وَقَرَأَ عَبْد اللَّه " فَظِلْتُمْ " بِكَسْرِ الظَّاء وَرَوَاهَا هَارُون عَنْ حُسَيْن عَنْ أَبِي بَكْر . فَمَنْ فَتَحَ فَعَلَى الْأَصْل . وَالْأَصْل ظَلَلْتُمْ فَحَذَفَ اللَّام الْأُولَى تَخْفِيفًا , وَمَنْ كَسَرَ نَقَلَ كَسْرَة اللَّام الْأُولَى إِلَى الظَّاء ثُمَّ حَذَفَهَا .'; $TAFSEER['4']['56']['66'] = 'وَقَرَأَ أَبُو بَكْر وَالْمُفَضَّل " أَإِنَّا " بِهَمْزَتَيْنِ عَلَى الِاسْتِفْهَام , وَرَوَاهُ عَاصِم عَنْ زِرّ بْن حُبَيْش . الْبَاقُونَ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَة عَلَى الْخَبَر , أَيْ يَقُولُونَ " إِنَّا لَمُغْرَمُونَ " أَيْ مُعَذَّبُونَ , عَنْ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة قَالَا : وَالْغَرَام الْعَذَاب , وَمِنْهُ قَوْل اِبْن الْمُحَلِّم : وَثِقْت بِأَنَّ الْحِفْظ مِنِّي سَجِيَّة وَأَنَّ فُؤَادِي مُتْبَل بِك مُغْرَم وَقَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة : لَمُولَع بِنَا , وَمِنْهُ قَوْل النَّمِر بْن تَوْلَب : سَلَا عَنْ تَذَكُّره تُكْتَمَا وَكَانَ رَهِينًا بِهَا مُغْرَمَا يُقَال : أُغْرِمَ فُلَان بِفُلَانَة , أَيْ أُولِعَ بِهَا وَمِنْهُ الْغَرَام وَهُوَ الشَّرّ اللَّازِم . وَقَالَ مُجَاهِد أَيْضًا : لَمُلْقُونَ شَرًّا . وَقَالَ مُقَاتِل بْن حَيَّان : مُهْلِكُونَ . النَّحَّاس : " إِنَّا لَمُغْرَمُونَ " مَأْخُوذ مِنْ الْغَرَام وَهُوَ الْهَلَاك , كَمَا قَالَ : يَوْم النِّسَار وَيَوْم الْجِفَا كَانَا عَذَابًا وَكَانَا غَرَامَا وَالضَّحَّاك وَابْن كَيْسَان : هُوَ مِنْ الْغُرْم , وَالْمُغْرَم الَّذِي ذَهَبَ مَاله بِغَيْرِ عِوَض , أَيْ غَرِمْنَا الْحَبّ الَّذِي بَذَرْنَاهُ . وَقَالَ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ : مُحَاسَبُونَ .'; $TAFSEER['4']['56']['67'] = 'أَيْ حُرِمْنَا مَا طَلَبنَا مِنْ الرِّيع . وَالْمَحْرُوم الْمَمْنُوع مِنْ الرِّزْق . وَالْمَحْرُوم ضِدّ الْمَرْزُوق وَهُوَ الْمُحَارِف فِي قَوْل قَتَادَة . وَعَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِأَرْضِ الْأَنْصَار فَقَالَ : ( مَا يَمْنَعكُمْ مِنْ الْحَرْث ) قَالُوا : الْجُدُوبَة , فَقَالَ : ( لَا تَفْعَلُوا فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول أَنَا الزَّارِع إِنْ شِئْت زَرَعْت بِالْمَاءِ وَإِنْ شِئْت زَرَعْت بِالرِّيحِ وَإِنْ شِئْت زَرَعْت بِالْبَذْرِ ) ثُمَّ تَلَا " أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ " . قُلْت : وَفِي هَذَا الْخَبَر وَالْحَدِيث الَّذِي قَبْله مَا يُصَحِّح قَوْل مَنْ أَدْخَلَ الزَّارِع فِي أَسْمَاء اللَّه سُبْحَانه , وَأَبَاهُ الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء , وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي ( الْكِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى ) .'; $TAFSEER['4']['56']['68'] = 'لِتُحْيُوا بِهِ أَنْفُسكُمْ , وَتُسَكِّنُوا بِهِ عَطَشكُمْ , لِأَنَّ الشَّرَاب إِنَّمَا يَكُون تَبَعًا لِلْمَطْعُومِ , وَلِهَذَا جَاءَ الطَّعَام مُقَدَّمًا فِي الْآيَة قَبْل , أَلَا تَرَى أَنَّك تَسْقِي ضَيْفك بَعْد أَنْ تُطْعِمهُ . الزَّمَخْشَرِيّ : وَلَوْ عَكَسْت قَعَدْت تَحْت قَوْل أَبِي الْعَلَاء : إِذَا سُقِيَتْ ضُيُوف النَّاس مَحْضًا سَقَوْا أَضْيَافهمْ شَبِمًا زُلَالَا وَسُقِيَ بَعْض الْعَرَب فَقَالَ : أَنَا لَا أَشْرَب إِلَّا عَلَى ثَمِيلَة .'; $TAFSEER['4']['56']['69'] = 'أَيْ السَّحَاب , الْوَاحِدَة مُزْنَة , فَقَالَ الشَّاعِر : فَنَحْنُ كَمَاءِ الْمُزْن مَا فِي نِصَابنَا كَهَام وَلَا فِينَا يُعَدّ بَخِيل وَهَذَا قَوْل اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا أَنَّ الْمُزْن السَّحَاب . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَالثَّوْرِيّ : الْمُزْن السَّمَاء وَالسَّحَاب . وَفِي الصِّحَاح : أَبُو زَيْد : الْمُزْنَة السَّحَابَة الْبَيْضَاء وَالْجَمْع مُزْن , وَالْمُزْنَة الْمَطْرَة , قَالَ : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه أَنْزَلَ مُزْنَة وَعُفْر الظِّبَاء فِي الْكِنَاس تَقَمَّع أَيْ فَإِذَا عَرَفْتُمْ بِأَنِّي أَنْزَلْته فَلِمَ لَا تَشْكُرُونِي بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَة لِي ؟ وَلِمَ تُنْكِرُونَ قُدْرَتِي عَلَى الْإِعَادَة ؟ .'; $TAFSEER['4']['56']['70'] = 'أَيْ مِلْحًا شَدِيد الْمُلُوحَة , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . الْحَسَن : مُرًّا قُعَاعًا لَا تَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي شُرْب وَلَا زَرْع وَلَا غَيْرهمَا . أَيْ فَهَلَّا تَشْكُرُونَ الَّذِي صَنَعَ ذَلِكَ بِكُمْ .'; $TAFSEER['4']['56']['71'] = 'أَيْ أَخْبِرُونِي عَنْ النَّار الَّتِي تُظْهِرُونَهَا بِالْقَدْحِ مِنْ الشَّجَر الرُّطَب'; $TAFSEER['4']['56']['72'] = 'يَعْنِي الَّتِي تَكُون مِنْهَا الزِّنَاد وَهِيَ الْمَرْخ وَالْعَفَار , وَمِنْهُ قَوْلهمْ : فِي كُلّ شَجَر نَار , وَاسْتَمْجَدَ الْمَرْخ وَالْعَفَار , أَيْ اُسْتَكْثَرَ مِنْهَا , كَأَنَّهُمَا أَخَذَا مِنْ النَّار مَا هُوَ حَسْبهمَا . وَيُقَال : لِأَنَّهُمَا يُسْرِعَانِ الْوَرْي . يُقَال : أَوْرَيْت النَّار إِذَا قَدَحْتهَا . وَوَرَى الزَّنْد يَرِي إِذَا انْقَدَحَ مِنْهُ النَّار . وَفِيهِ لُغَة أُخْرَى : وَوَرِيَ الزَّنْد يَرِي بِالْكَسْرِ فِيهِمَا . أَيْ الْمُخْتَرِعُونَ الْخَالِقُونَ , أَيْ فَإِذَا عَرَفْتُمْ قُدْرَتِي فَاشْكُرُونِي وَلَا تُنْكِرُوا قُدْرَتِي عَلَى الْبَعْث .'; $TAFSEER['4']['56']['73'] = 'يَعْنِي نَار الدُّنْيَا مَوْعِظَة لِلنَّارِ الْكُبْرَى , قَالَ قَتَادَة . وَمُجَاهِد : تَبْصِرَة لِلنَّاسِ مِنْ الظَّلَام . وَصَحَّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( إِنَّ نَاركُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِد بَنُو آدَم جُزْء مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَار جَهَنَّم ) فَقَالُوا يَا رَسُول اللَّه : إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَة , قَالَ : ( فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلّهنَّ مِثْل حَرّهَا ) . قَالَ الضَّحَّاك : أَيْ مَنْفَعَة لِلْمُسَافِرِينَ , سُمُّوا بِذَلِكَ لِنُزُولِهِمْ الْقَوَى وَهُوَ الْقَفْر . الْفَرَّاء : إِنَّمَا يُقَال لِلْمُسَافِرِينَ : مُقْوِينَ إِذَا نَزَلُوا الْقِيّ وَهِيَ الْأَرْض الْقَفْر الَّتِي لَا شَيْء فِيهَا . وَكَذَلِكَ الْقَوَى وَالْقَوَاء بِالْمَدِّ وَالْقَصْر , وَمَنْزِل قَوَاء لَا أَنِيس بِهِ , يُقَال : أَقْوَتْ الدَّار وَقَوِيَتْ أَيْضًا أَيْ خَلَتْ مِنْ سُكَّانهَا , قَالَ النَّابِغَة : يَا دَار مَيَّة بِالْعَلْيَاءِ فَالسَّنَد أَقْوَتْ وَطَالَ عَلَيْهَا سَالِف الْأَمَد وَقَالَ عَنْتَرَة : حُيِّيت مِنْ طَلَل تَقَادَمَ عَهْده أَقْوَى وَأَقْفَر بَعْد أُمّ الْهَيْثَم وَيُقَال : أَقْوَى أَيْ قَوِيَ وَقَوِيَ أَصْحَابه , وَأَقْوَى إِذَا سَافَرَ أَيْ نَزَلَ الْقَوَاء وَالْقِيّ . وَقَالَ مُجَاهِد : " لِلْمُقْوِينَ " الْمُسْتَمْتَعِينَ بِهَا مِنْ النَّاس أَجْمَعِينَ فِي الطَّبْخ وَالْخَبْز وَالِاصْطِلَاء وَالِاسْتِضَاءَة , وَيَتَذَكَّر بِهَا نَار جَهَنَّم فَيُسْتَجَار بِاَللَّهِ مِنْهَا . وَقَالَ اِبْن زَيْد : لِلْجَائِعِينَ فِي , إِصْلَاح طَعَامهمْ . يُقَال : أَقْوَيْت مُنْذُ كَذَا وَكَذَا , أَيْ مَا أَكَلْت شَيْئًا , وَبَاتَ فُلَان الْقَوَاء وَبَاتَ الْقَفْر إِذَا بَاتَ جَائِعًا عَلَى غَيْر طَعْم , قَالَ الشَّاعِر : وَإِنِّي لَأَخْتَار الْقَوَى طَاوِيَ الْحَشَى مُحَافَظَة مِنْ أَنْ يُقَال لَئِيم وَقَالَ الرَّبِيع وَالسُّدِّيّ : " الْمُقْوِينَ " الْمُنْزِلِينَ الَّذِينَ لَا زِنَاد مَعَهُمْ , يَعْنِي نَارًا يُوقِدُونَ فَيَخْتَبِزُونَ بِهَا ؟ وَرَوَاهُ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ قُطْرُب : الْمُقْوِيّ مِنْ الْأَضْدَاد يَكُون بِمَعْنَى الْفَقِير وَيَكُون بِمَعْنَى الْغَنِيّ , يُقَال : أَقْوَى الرَّجُل إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ زَاد , وَأَقْوَى إِذَا قَوِيَتْ دَوَابّه وَكَثُرَ مَاله . الْمَهْدَوِيّ : وَالْآيَة تَصْلُح لِلْجَمِيعِ , لِأَنَّ النَّار يَحْتَاج إِلَيْهَا الْمُسَافِر وَالْمُقِيم وَالْغَنِيّ وَالْفَقِير . وَحَكَى الثَّعْلَبِيّ أَنَّ أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ عَلَى الْقَوْل الْأَوَّل . الْقُشَيْرِيّ : وَخَصَّ الْمُسَافِر بِالِانْتِفَاعِ بِهَا لِأَنَّ اِنْتِفَاعه بِهَا أَكْثَر مِنْ مَنْفَعَة الْمُقِيم , لِأَنَّ أَهْل الْبَادِيَة لَا بُدّ لَهُمْ مِنْ النَّار يُوقِدُونَهَا لَيْلًا لِتَهْرُب مِنْهُمْ السِّبَاع , وَفِي كَثِير مِنْ حَوَائِجهمْ .'; $TAFSEER['4']['56']['74'] = 'أَيْ فَنَزِّهِ اللَّه عَمَّا أَضَافَهُ إِلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ الْأَنْدَاد , وَالْعَجْز عَنْ الْبَعْث .'; $TAFSEER['4']['56']['75'] = '" لَا " صِلَة فِي قَوْل أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ , وَالْمَعْنَى فَأُقْسِم , بِدَلِيلِ قَوْله : " وَإِنَّهُ لَقَسَم " . وَقَالَ الْفَرَّاء : هِيَ نَفْي , وَالْمَعْنَى لَيْسَ الْأَمْر كَمَا تَقُولُونَ , ثُمَّ أَسْتَأْنَفَ " أُقْسِم " . وَقَدْ يَقُول الرَّجُل : لَا وَاَللَّه مَا كَانَ كَذَا فَلَا يُرِيد بِهِ نَفْي الْيَمِين , بَلْ يُرِيد بِهِ نَفْي كَلَام تَقَدَّمَ . أَيْ لَيْسَ الْأَمْر كَمَا ذَكَرْت , بَلْ هُوَ كَذَا . وَقِيلَ : " لَا " بِمَعْنَى إِلَّا لِلتَّنْبِيهِ كَمَا قَالَ : أَلَا عِمْ صَبَاحًا أَيّهَا الطَّلَل الْبَالِي وَنَبَّهَ بِهَذَا عَلَى فَضِيلَة الْقُرْآن لِيَتَدَبَّرُوهُ , وَأَنَّهُ لَيْسَ بِشِعْرٍ وَلَا سِحْر وَلَا كِهَانَة كَمَا زَعَمُوا . وَقَرَأَ الْحَسَن وَحُمَيْد وَعِيسَى بْن عُمَر فَلْأُقْسِمُ " بِغَيْرِ أَلِف بَعْد اللَّام عَلَى التَّحْقِيق وَهُوَ فِعْل حَال وَيُقَدَّر مُبْتَدَأ مَحْذُوف , التَّقْدِير : فَلَأَنَا أُقْسِم بِذَلِكَ . وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ الِاسْتِقْبَال لَلَزِمَتْ النُّون , وَقَدْ جَاءَ حَذْف النُّون مَعَ الْفِعْل الَّذِي يُرَاد بِهِ الِاسْتِقْبَال وَهُوَ شَاذّ . مَوَاقِع النُّجُوم مَسَاقِطهَا وَمَغَارِبهَا فِي قَوْل قَتَادَة وَغَيْره . عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح : مَنَازِلهَا . الْحَسَن : اِنْكِدَارهَا وَانْتِثَارهَا يَوْم الْقِيَامَة . الضَّحَّاك : هِيَ الْأَنْوَاء الَّتِي كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَقُولُونَ إِذَا مُطِرُوا قَالُوا مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا . الْمَاوَرْدِيّ : وَيَكُون قَوْله تَعَالَى : " فَلَا أُقْسِم " مُسْتَعْمَلًا عَلَى حَقِيقَته مِنْ نَفْي الْقَسَم . الْقُشَيْرِيّ : هُوَ قَسَم , وَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُقْسِم بِمَا يُرِيد , وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُقْسِم بِغَيْرِ اللَّه تَعَالَى وَصِفَاته الْقَدِيمَة . قُلْت : يَدُلّ عَلَى هَذَا قِرَاءَة الْحَسَن " فَلْأُقْسِمُ " وَمَا أَقْسَمَ بِهِ سُبْحَانه مِنْ مَخْلُوقَاته فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابه . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمُرَاد بِمَوَاقِع النُّجُوم نُزُول الْقُرْآن نُجُومًا , أَنْزَلَهُ اللَّه تَعَالَى مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ مِنْ السَّمَاء الْعُلْيَا إِلَى السَّفَرَة الْكَاتِبِينَ , فَنَجَّمَهُ السَّفَرَة عَلَى جِبْرِيل عِشْرِينَ لَيْلَة , وَنَجَّمَهُ جِبْرِيل عَلَى مُحَمَّد عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام عِشْرِينَ سَنَة , فَهُوَ يُنْزِلهُ عَلَى الْأَحْدَاث مِنْ أُمَّته , حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق الْقَاضِي حَدَّثَنَا حَجَّاج بْن الْمِنْهَال حَدَّثَنَا هَمَّام عَنْ الْكَلْبِيّ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : نَزَلَ الْقُرْآن إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا جُمْلَة وَاحِدَة , ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْأَرْض نُجُومًا , وَفُرِّقَ بَعْد ذَلِكَ خَمْس آيَات خَمْس آيَات وَأَقَلّ وَأَكْثَر , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : " فَلَا أُقْسِم بِمَوَاقِع النُّجُوم .'; $TAFSEER['4']['56']['76'] = 'وَحَكَى الْفَرَّاء عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّ مَوَاقِع النُّجُوم هُوَ مُحْكَم الْقُرْآن . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " بِمَوْقِعِ " عَلَى التَّوْحِيد , وَهِيَ قِرَاءَة عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود وَالنَّخَعِيّ وَالْأَعْمَش وَابْن مُحَيْصِن وَرُوَيْس عَنْ يَعْقُوب . الْبَاقُونَ عَلَى الْجَمْع فَمَنْ أَفْرَدَ فَلِأَنَّهُ اِسْم جِنْس يُؤَدِّي الْوَاحِد فِيهِ عَنْ الْجَمْع , وَمَنْ جَمَعَ فَلِاخْتِلَافِ أَنْوَاعه .'; $TAFSEER['4']['56']['77'] = 'قِيلَ : إِنَّ الْهَاء تَعُود عَلَى الْقُرْآن , أَيْ إِنَّ الْقُرْآن لَقَسَم عَظِيم , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . وَقِيلَ : مَا أَقْسَمَ اللَّه بِهِ عَظِيم " إِنَّهُ لَقُرْآن كَرِيم " ذُكِرَ الْمُقْسَم عَلَيْهِ , أَيْ أُقْسِم بِمَوَاقِع النُّجُوم إِنَّ هَذَا الْقُرْآن قُرْآن كَرِيم , لَيْسَ بِسِحْرٍ وَلَا كِهَانَة , وَلَيْسَ بِمُفْتَرًى , بَلْ هُوَ قُرْآن كَرِيم مَحْمُود , جَعَلَهُ اللَّه تَعَالَى مُعْجِزَة لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ كَرِيم عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , لِأَنَّهُ كَلَام رَبّهمْ , وَشِفَاء صُدُورهمْ , كَرِيم عَلَى أَهْل السَّمَاء , لِأَنَّهُ تَنْزِيل رَبّهمْ وَوَحْيه . وَقِيلَ : " كَرِيم " أَيْ غَيْر مَخْلُوق . وَقِيلَ : " كَرِيم " لِمَا فِيهِ مِنْ كَرِيم الْأَخْلَاق وَمَعَانِي الْأُمُور . وَقِيلَ : لِأَنَّهُ يُكَرِّم حَافِظه , وَيُعَظَّم قَارِئُهُ .'; $TAFSEER['4']['56']['78'] = 'مَصُون عِنْد اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : مَكْنُون مَحْفُوظ عَنْ الْبَاطِل . وَالْكِتَاب هُنَا كِتَاب فِي السَّمَاء , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ جَابِر بْن زَيْد وَابْن عَبَّاس أَيْضًا : هُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ . عِكْرِمَة : التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل فِيهِمَا ذِكْر الْقُرْآن وَمَنْ يَنْزِل عَلَيْهِ . السُّدِّيّ : الزَّبُور . مُجَاهِد وَقَتَادَة : هُوَ الْمُصْحَف الَّذِي فِي أَيْدِينَا .'; $TAFSEER['4']['56']['79'] = 'اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى " لَا يَمَسّهُ " هَلْ هُوَ حَقِيقَة فِي الْمَسّ بِالْجَارِحَةِ أَوْ مَعْنًى ؟ وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي " الْمُطَهَّرُونَ " مَنْ هُمْ ؟ فَقَالَ أَنَس وَسَعِيد وَابْن جُبَيْر : لَا يَمَسّ ذَلِكَ الْكِتَاب إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ مِنْ الذُّنُوب وَهُمْ الْمَلَائِكَة . وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَابْن زَيْد : إِنَّهُمْ الَّذِينَ طُهِّرُوا مِنْ الذُّنُوب كَالرُّسُلِ مِنْ الْمَلَائِكَة وَالرُّسُل مِنْ بَنِي آدَم , فَجِبْرِيل النَّازِل بِهِ مُطَهَّر , وَالرُّسُل الَّذِينَ يَجِيئهُمْ بِذَلِكَ مُطَهَّرُونَ . الْكَلْبِيّ : هُمْ السَّفَرَة الْكِرَام الْبَرَرَة . وَهَذَا كُلّه قَوْل وَاحِد , وَهُوَ نَحْو مَا اِخْتَارَهُ مَالِك حَيْثُ قَالَ : أَحْسَن مَا سَمِعْت فِي قَوْله " لَا يَمَسّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ " أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْآيَة الَّتِي فِي " عَبَسَ وَتَوَلَّى " [ عَبَسَ : 1 ] : " فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ . فِي صُحُف مُكَرَّمَة . مَرْفُوعَة مُطَهَّرَة . بِأَيْدِي سَفَرَة . كِرَام بَرَرَة " [ عَبَسَ : 12 - 16 ] يُرِيد أَنَّ الْمُطَهَّرِينَ هُمْ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ وُصِفُوا بِالطَّهَارَةِ فِي سُورَة " عَبَسَ " . وَقِيلَ : مَعْنَى " لَا يَمَسّهُ " لَا يَنْزِل بِهِ " إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ " أَيْ الرُّسُل مِنْ الْمَلَائِكَة عَلَى الرُّسُل مِنْ الْأَنْبِيَاء . وَقِيلَ : لَا يَمَسّ اللَّوْح الْمَحْفُوظ الَّذِي هُوَ الْكِتَاب الْمَكْنُون إِلَّا الْمَلَائِكَة الْمُطَهَّرُونَ . وَقِيلَ : إِنَّ إِسْرَافِيل هُوَ الْمُوَكَّل بِذَلِكَ , حَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا بَاطِل لِأَنَّ الْمَلَائِكَة لَا تَنَالهُ فِي وَقْت وَلَا تَصِل إِلَيْهِ بِحَالٍ , وَلَوْ كَانَ الْمُرَاد بِهِ ذَلِكَ لَمَا كَانَ لِلِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ مَجَال . وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إِنَّهُ الَّذِي بِأَيْدِي الْمَلَائِكَة فِي الصُّحُف فَهُوَ قَوْل مُحْتَمَل , وَهُوَ اِخْتِيَار مَالِك . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْكِتَابِ الْمُصْحَف الَّذِي بِأَيْدِينَا , وَهُوَ الْأَظْهَر . وَقَدْ رَوَى مَالِك وَغَيْره أَنَّ فِي كِتَاب عَمْرو بْن حَزْم الَّذِي كَتَبَهُ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُسْخَته : ( مِنْ مُحَمَّد النَّبِيّ إِلَى شُرَحْبِيل بْن عَبْد كُلَال وَالْحَارِث بْن عَبْد كُلَال وَنُعَيْم بْن عَبْد كُلَال قِيلَ ذِي رُعَيْن وَمَعَافِر وَهَمْدَان أَمَّا بَعْد ) وَكَانَ فِي كِتَابه : أَلَّا يَمَسّ الْقُرْآن إِلَّا طَاهِر . وَقَالَ اِبْن عُمَر : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَمَسّ الْقُرْآن إِلَّا وَأَنْت طَاهِر ) . وَقَالَتْ أُخْت عُمَر لِعُمَر عِنْد إِسْلَامه وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهَا وَدَعَا بِالصَّحِيفَةِ : " لَا يَمَسّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ " فَقَامَ وَاغْتَسَلَ وَأَسْلَمَ . وَقَدْ مَضَى فِي أَوَّل سُورَة " طَه " . وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَالَ قَتَادَة وَغَيْره : " لَا يَمَسّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ " مِنْ الْأَحْدَاث وَالْأَنْجَاس . الْكَلْبِيّ : مِنْ الشِّرْك . الرَّبِيع بْن أَنَس : مِنْ الذُّنُوب وَالْخَطَايَا . وَقِيلَ : مَعْنَى " لَا يَمَسّهُ " لَا يَقْرَؤُهُ " إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ " إِلَّا الْمُوَحِّدُونَ , قَالَهُ مُحَمَّد بْن فُضَيْل وَعَبْدَة . قَالَ عِكْرِمَة : كَانَ اِبْن عَبَّاس يَنْهَى أَنْ يُمَكَّن أَحَد مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى مِنْ قِرَاءَة الْقُرْآن وَقَالَ الْفَرَّاء : لَا يَجِد طَعْمه وَنَفْعه وَبَرَكَته إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ , أَيْ الْمُؤْمِنُونَ بِالْقُرْآنِ . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهُوَ اِخْتِيَار الْبُخَارِيّ , قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ذَاقَ طَعْم الْإِيمَان مَنْ رَضِيَ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا ) . وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : لَا يُعْرَف تَفْسِيره وَتَأْوِيله إِلَّا مَنْ طَهَّرَهُ اللَّه مِنْ الشِّرْك وَالنِّفَاق . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق : لَا يُوَفَّق لِلْعَمَلِ بِهِ إِلَّا السُّعَدَاء . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَا يَمَسّ ثَوَابه إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ . وَرَوَاهُ مُعَاذ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ قِيلَ : ظَاهِر الْآيَة خَبَر عَنْ الشَّرْع , أَيْ لَا يَمَسّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ شَرْعًا , فَإِنْ وُجِدَ خِلَاف ذَلِكَ فَهُوَ غَيْر الشَّرْع , وَهَذَا اِخْتِيَار الْقَاضِي أَبِي بَكْر بْن الْعَرَبِيّ . وَأُبْطِلَ أَنْ يَكُون لَفْظه لَفْظ الْخَبَر وَمَعْنَاهُ الْأَمْر . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَة " الْبَقَرَة " . الْمَهْدَوِيّ : يَجُوز أَنْ يَكُون أَمْرًا وَتَكُون ضَمَّة السِّين ضَمَّة إِعْرَاب . وَيَجُوز أَنْ يَكُون نَهْيًا وَتَكُون ضَمَّة بِنَاء السِّين ضَمَّة بِنَاء وَالْفِعْل مَجْزُوم . السَّادِسَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَسّ الْمُصْحَف عَلَى غَيْر وُضُوء , فَالْجُمْهُور عَلَى الْمَنْع مِنْ مَسّه لِحَدِيثِ عَمْرو بْن حَزْم . وَهُوَ مَذْهَب عَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَسَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَسَعِيد بْن زَيْد وَعَطَاء وَالزُّهْرِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالْحَكَم وَحَمَّاد , وَجَمَاعَة مِنْ الْفُقَهَاء مِنْهُمْ مَالِك وَالشَّافِعِيّ . وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة عَنْ أَبِي حَنِيفَة , فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَمَسّهُ الْمُحْدِث , وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ جَمَاعَة مِنْ السَّلَف مِنْهُمْ اِبْن عَبَّاس وَالشَّعْبِيّ وَغَيْرهمَا . وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَمَسّ ظَاهِره وَحَوَاشِيه وَمَا لَا مَكْتُوب فِيهِ , وَأَمَّا الْكِتَاب فَلَا يَمَسّهُ إِلَّا طَاهِر . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا إِنْ سَلَّمَهُ مِمَّا يُقَوِّي الْحُجَّة عَلَيْهِ , لِأَنَّ حَرِيم الْمَمْنُوع مَمْنُوع . وَفِيمَا كَتَبَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْن حَزْم أَقْوَى دَلِيل عَلَيْهِ . وَقَالَ مَالِك : لَا يَحْمِلهُ غَيْر طَاهِر بِعَلَاقَةٍ وَلَا عَلَى وِسَادَة . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا بَأْس بِذَلِكَ . وَلَمْ يُمْنَع مِنْ حَمْله بِعَلَاقَةٍ أَوْ مَسّه بِحَائِلٍ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَكَم وَحَمَّاد وَدَاوُد بْن عَلِيّ أَنَّهُ لَا بَأْس بِحَمْلِهِ وَمَسّه لِلْمُسْلِمِ وَالْكَافِر طَاهِرًا أَوْ مُحْدِثًا , إِلَّا أَنَّ دَاوُد قَالَ : لَا يَجُوز لِلْمُشْرِكِ حَمْله . وَاحْتَجُّوا فِي إِبَاحَة ذَلِكَ بِكِتَابِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَيْصَر , وَهُوَ مَوْضِع ضَرُورَة فَلَا حُجَّة فِيهِ . وَفِي مَسّ الصِّبْيَان إِيَّاهُ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا الْمَنْع اِعْتِبَارًا بِالْبَالِغِ . وَالثَّانِي الْجَوَاز , لِأَنَّهُ لَوْ مُنِعَ لَمْ يَحْفَظ الْقُرْآن , لِأَنَّ تَعَلُّمهُ حَال الصِّغَر , وَلِأَنَّ الصَّبِيّ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ طَهَارَة إِلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِكَامِلَةٍ , لِأَنَّ النِّيَّة لَا تَصِحّ مِنْهُ , فَإِذَا جَازَ أَنْ يَحْمِلهُ عَلَى غَيْر طَهَارَة كَامِلَة جَازَ أَنْ يَحْمِلهُ مُحْدِثًا .'; $TAFSEER['4']['56']['80'] = 'أَيْ مُنَزَّل , كَقَوْلِهِمْ : ضَرْب الْأَمِير وَنَسْج الْيَمَن . وَقِيلَ : " تَنْزِيل " صِفَة لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " إِنَّهُ لَقُرْآن كَرِيم " . وَقِيلَ : أَيْ هُوَ تَنْزِيل .'; $TAFSEER['4']['56']['81'] = 'يَعْنِي الْقُرْآن أَيْ مُكَذِّبُونَ , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَعَطَاء وَغَيْرهمَا . وَالْمُدَّهِن الَّذِي ظَاهِره خِلَاف بَاطِنه , كَأَنَّهُ شُبِّهَ بِالدُّهْنِ فِي سُهُولَة ظَاهِره . وَقَالَ مُقَاتِل بْن سُلَيْمَان وَقَتَادَة : مُدْهِنُونَ كَافِرُونَ , نَظِيره : " وَدُّوا لَوْ تُدْهِن فَيُدْهِنُونَ " [ الْقَلَم : 9 ] . وَقَالَ الْمُؤَرِّج : الْمُدَّهِن الْمُنَافِق أَوْ الْكَافِر الَّذِي يَلِين جَانِبه لِيُخْفِيَ كُفْره , وَالْإِدْهَان وَالْمُدَاهَنَة التَّكْذِيب وَالْكُفْر وَالنِّفَاق , وَأَصْله اللِّين , وَأَنْ يُسِرّ خِلَاف مَا يُظْهِر , وَقَالَ أَبُو قَيْس بْن الْأَسْلَت : الْحَزْم وَالْقُوَّة خَيْر مِنَ الْإِدْهَان وَالْفَهَّة وَالْهَاع وَأَدْهَنَ وَدَاهَنَ وَاحِد . وَقَالَ قَوْم : دَاهَنْت بِمَعْنَى وَارَيْت وَأَدْهَنْت بِمَعْنَى غَشَشْت . وَقَالَ الضَّحَّاك : " مُدْهِنُونَ " مُعْرِضُونَ . مُجَاهِد : مُمُالِئُونَ الْكُفَّار عَلَى الْكُفْر بِهِ . اِبْن كَيْسَان : الْمُدَّهِن الَّذِي لَا يَعْقِل مَا حَقّ اللَّه عَلَيْهِ وَيَدْفَعهُ بِالْعِلَلِ . وَقَالَ بَعْض اللُّغَوِيِّينَ : مُدْهِنُونَ تَارِكُونَ لِلْجَزْمِ فِي قَبُول الْقُرْآن .'; $TAFSEER['4']['56']['82'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس : تَجْعَلُونَ شُكْركُمْ التَّكْذِيب . وَذَكَرَ الْهَيْثَم بْن عَدِيّ : أَنَّ مِنْ لُغَة أَزْد شَنُوءَة مَا رِزْق فُلَان ؟ أَيْ مَا شُكْره . وَإِنَّمَا صَلَحَ أَنْ يُوضَع اِسْم الرِّزْق مَكَان شُكْره , لِأَنَّ شُكْر الرِّزْق يَقْتَضِي الزِّيَادَة فِيهِ فَيَكُون الشُّكْر رِزْقًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى . فَقِيلَ : " وَتَجْعَلُونَ رِزْقكُمْ " أَيْ شُكْر رِزْقكُمْ الَّذِي لَوْ وُجِدَ مِنْكُمْ لَعَادَ رِزْقًا لَكُمْ " أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ " بِالرِّزْقِ أَيْ تَضَعُوا الرِّزْق مَكَان الشُّكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة " أَيْ [ الْأَنْفَال : 35 ] أَيْ لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يُصَفِّرُونَ وَيُصَفِّقُونَ مَكَان الصَّلَاة . فَفِيهِ بَيَان أَنَّ مَا أَصَابَ الْعِبَاد مِنْ خَيْر فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرَوْهُ مِنْ قِبَل الْوَسَائِط الَّتِي جَرَتْ الْعَادَة بِأَنْ تَكُنْ أَسْبَابًا , بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَرَوْهُ مِنْ قِبَل اللَّه تَعَالَى , ثُمَّ يُقَابِلُونَهُ بِشُكْرٍ إِنْ كَانَ نِعْمَة , أَوْ صَبْر إِنْ كَانَ مَكْرُوهًا تَعَبُّدًا لَهُ وَتَذَلُّلًا . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ " وَتَجْعَلُونَ شُكْركُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ " حَقِيقَة . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الِاسْتِسْقَاء بِالْأَنْوَاءِ , وَهُوَ قَوْل الْعَرَب : مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا , رَوَاهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : مُطِرَ النَّاس عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَصْبَحَ مِنْ النَّاس شَاكِر وَمِنْهُمْ كَافِر قَالُوا هَذِهِ رَحْمَة اللَّه وَقَالَ بَعْضهمْ لَقَدْ صَدَقَ نَوْء كَذَا وَكَذَا , قَالَ : فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : " فَلَا أُقْسِم بِمَوَاقِع النُّجُوم حَتَّى بَلَغَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ " . وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي سَفَر فَعَطِشُوا فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَرَأَيْتُمْ إِنْ دَعَوْت اللَّه لَكُمْ فَسُقِيتُمْ لَعَلَّكُمْ تَقُولُونَ هَذَا الْمَطَر بِنَوْءِ كَذَا ) فَقَالُوا يَا رَسُول اللَّه مَا هَذَا بِحِينِ الْأَنْوَاء . فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَدَعَا رَبّه فَهَاجَتْ رِيح ثُمَّ هَاجَتْ سَحَابَة فَمُطِرُوا , فَمَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ عِصَابَة مِنْ أَصْحَابه بِرَجُلٍ يَغْتَرِف بِقَدَحٍ لَهُ وَهُوَ يَقُول سُقِينَا بِنَوْءِ كَذَا , وَلَمْ يَقُلْ هَذَا مِنْ رِزْق اللَّه فَنَزَلَتْ : " وَتَجْعَلُونَ رِزْقكُمْ أَنَّكُمْ تَكْذِبُونَ " أَيْ شُكْركُمْ لِلَّهِ عَلَى رِزْقه إِيَّاكُمْ " أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ " بِالنِّعْمَةِ وَتَقُولُونَ سُقِينَا بِنَوْءِ كَذَا , كَقَوْلِك : جَعَلْت إِحْسَانِي إِلَيْك إِسَاءَة مِنْك إِلَيَّ , وَجَعَلْت إِنْعَامِي لَدَيْك أَنْ اِتَّخَذْتنِي عَدُوًّا . وَفِي الْمُوَطَّأ عَنْ زَيْد بْن خَالِد الْجُهَنِيّ أَنَّهُ قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاة الصُّبْح بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْر سَمَاء كَانَتْ مِنْ اللَّيْل , فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاس وَقَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبّكُمْ ) قَالُوا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم , قَالَ : ( أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِن بِي وَكَافِر بِالْكَوْكَبِ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّه وَرَحْمَته فَذَلِكَ مُؤْمِن بِي كَافِر بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ مُؤْمِن بِالْكَوْكَبِ كَافِر بِي ) . قَالَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه : لَا أُحِبّ أَحَدًا أَنْ يَقُول مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا , وَإِنْ كَانَ النَّوْء عِنْدنَا الْوَقْت الْمَخْلُوق لَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَع , وَلَا يُمْطِر وَلَا يَحْبِس شَيْئًا مِنْ الْمَطَر , وَاَلَّذِي أُحِبّ أَنْ يَقُول : مُطِرْنَا وَقْت كَذَا كَمَا تَقُول مُطِرْنَا شَهْر كَذَا , وَمَنْ قَالَ : مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا , وَهُوَ يُرِيد أَنَّ النَّوْء أَنْزَلَ الْمَاء , كَمَا عَنَى بَعْض أَهْل الشِّرْك مِنْ الْجَاهِلِيَّة بِقَوْلِهِ فَهُوَ كَافِر , حَلَال دَمه إِنْ لَمْ يَتُبْ . وَقَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ : وَأَمَّا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حَاكِيًا عَنْ اللَّه سُبْحَانه : ( أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِن بِي وَكَافِر ) فَمَعْنَاهُ عِنْدِي عَلَى وَجْهَيْنِ : أَمَّا أَحَدهمَا فَإِنَّ الْمُعْتَقِد بِأَنَّ النَّوْء هُوَ الْمُوجِب لِنُزُولِ الْمَاء , وَهُوَ الْمُنْشِئ لِلسَّحَابِ دُون اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَذَلِكَ كَافِر كُفْرًا صَرِيحًا يَجِب اِسْتِتَابَته عَلَيْهِ وَقَتْله إِنْ أَبَى لِنَبْذِهِ الْإِسْلَام وَرَدّه الْقُرْآن . وَالْوَجْه الْآخَر أَنْ يَعْتَقِد أَنَّ النَّوْء يُنْزِل اللَّه بِهِ الْمَاء , وَأَنَّهُ سَبَب الْمَاء عَلَى مَا قَدَّرَهُ اللَّه وَسَبَقَ فِي عِلْمه , وَهَذَا وَإِنْ كَانَ وَجْهًا مُبَاحًا , فَإِنَّ فِيهِ أَيْضًا كُفْرًا بِنِعْمَةِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَجَهْلًا بِلَطِيفِ حِكْمَته فِي أَنَّهُ يُنْزِل الْمَاء مَتَى شَاءَ , مَرَّة بِنَوْءِ كَذَا , وَمَرَّة بِنَوْءِ كَذَا , وَكَثِيرًا مَا يَنُوء النَّوْء فَلَا يَنْزِل مَعَهُ شَيْء مِنْ الْمَاء , وَذَلِكَ مِنْ اللَّه تَعَالَى لَا مِنْ النَّوْء . وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَقُول إِذَا أَصْبَحَ وَقَدْ مُطِرَ : مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْفَتْح , ثُمَّ يَتْلُو : " مَا يَفْتَح اللَّه لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَة فَلَا مُمْسِك لَهَا " [ فَاطِر : 2 ] قَالَ أَبُو عُمَر : وَهَذَا عِنْدِي نَحْو قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّه وَرَحْمَته ) . وَمِنْ هَذَا الْبَاب قَوْل عُمَر بْن الْخَطَّاب لِلْعَبَّاسِ بْن عَبْد الْمُطَّلِب حِين اِسْتَسْقَى بِهِ : يَا عَمّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمْ بَقِيَ مِنْ نَوْء الثُّرَيَّا ؟ فَقَالَ الْعَبَّاس : الْعُلَمَاء يَزْعُمُونَ أَنَّهَا تَعْتَرِض فِي الْأُفُق سَبْعًا بَعْد سُقُوطهَا . فَمَا مَضَتْ سَابِعَة حَتَّى مُطِرُوا , فَقَالَ عُمَر : الْحَمْد لِلَّهِ هَذَا بِفَضْلِ اللَّه وَرَحْمَته . وَكَانَ عُمَر رَحِمَهُ اللَّه قَدْ عَلِمَ أَنَّ نَوْء الثُّرَيَّا وَقْت يُرْجَى فِيهِ الْمَطَر وَيُؤَمَّل فَسَأَلَهُ عَنْهُ أَخَرَجَ أَمْ بَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّة ؟ . وَرَوَى سُفْيَان بْن عُيَيْنَة عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا فِي بَعْض أَسْفَاره يَقُول : مُطِرْنَا بِبَعْضِ عَثَانِين الْأَسَد , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَذَبْت بَلْ هُوَ سُقْيَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ) قَالَ سُفْيَان : عَثَانِين الْأَسَد الذِّرَاع وَالْجَبْهَة . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " تُكَذِّبُونَ " مِنْ التَّكْذِيب . وَقَرَأَ الْمُفَضَّل عَنْ عَاصِم وَيَحْيَى بْن وَثَّاب " تَكْذِبُونَ " بِفَتْحِ التَّاء مُخَفَّفًا . وَمَعْنَاهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْل مَنْ قَالَ : مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا . وَثَبَتَ مِنْ حَدِيث أَنَس بْن مَالِك قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاث لَنْ يَزِلْنَ فِي أُمَّتِي التَّفَاخُر فِي الْأَحْسَاب وَالنِّيَاحَة وَالْأَنْوَاء ) وَلَفْظ مُسْلِم فِي هَذَا ( أَرْبَع فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْر الْجَاهِلِيَّة لَا يَتْرُكُونَهُنَّ الْفَخْر فِي الْأَحْسَاب وَالطَّعْن فِي الْأَنْسَاب وَالِاسْتِسْقَاء بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَة ) .'; $TAFSEER['4']['56']['83'] = 'أَيْ فَهَلَّا إِذَا بَلَغَتْ النَّفْس أَوْ الرُّوح الْحُلْقُوم . وَلَمْ يَتَقَدَّم لَهَا ذِكْر , لِأَنَّ الْمَعْنَى مَعْرُوف , قَالَ حَاتِم . أَمَاوِيّ مَا يُغْنِي الثَّرَاء عَنْ الْفَتَى إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْر وَفِي حَدِيث : ( إِنَّ مَلَك الْمَوْت لَهُ أَعْوَان يَقْطَعُونَ الْعُرُوق يَجْمَعُونَ الرُّوح شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَنْتَهِي بِهَا إِلَى الْحُلْقُوم فَيَتَوَفَّاهَا مَلَك الْمَوْت ) .'; $TAFSEER['4']['56']['84'] = 'أَمْرِي وَسُلْطَانِي . وَقِيلَ : تَنْظُرُونَ إِلَى الْمَيِّت لَا تَقْدِرُونَ لَهُ عَلَى شَيْء . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد مَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْل الْمَيِّت يَنْتَظِرُونَ مَتَى تَخْرُج نَفْسه . ثُمَّ قِيلَ : هُوَ رَدّ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلهمْ لِإِخْوَانِهِمْ " لَوْ كَانُوا عِنْدنَا مَا مَاتُوا وَمَا قَاتَلُوا " [ آل عِمْرَان : 156 ] أَيْ فَهَلْ رَدُّوا رُوح الْوَاحِد مِنْهُمْ إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُوم . وَقِيلَ : الْمَعْنَى فَهَلَّا إِذَا بَلَغَتْ نَفْس أَحَدكُمْ الْحُلْقُوم عِنْد النَّزْع وَأَنْتُمْ حُضُور أَمْسَكْتُمْ رُوحه فِي جَسَده , مَعَ حِرْصكُمْ عَلَى اِمْتِدَاد عُمُره , وَحُبّكُمْ لِبَقَائِهِ . وَهَذَا رَدّ لِقَوْلِهِمْ : " نَمُوت وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكنَا إِلَّا الدَّهْر " [ الْجَاثِيَة : 24 ] . وَقِيلَ : هُوَ خِطَاب لِمَنْ هُوَ فِي النَّزْع , أَيْ إِنْ لَمْ يَكُ مَا بِك مِنْ اللَّه فَهَلَّا حَفِظْت عَلَى نَفْسك الرُّوح .'; $TAFSEER['4']['56']['85'] = 'أَيْ بِالْقُدْرَةِ وَالْعِلْم وَالرُّؤْيَة . قَالَ عَامِر بْن عَبْد الْقَيْس : مَا نَظَرَ إِلَى شَيْء إِلَّا رَأَيْت اللَّه تَعَالَى أَقْرَب إِلَيَّ مِنْهُ . وَقِيلَ أَرَادَ وَرُسُلنَا الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ قَبْضه " أَقْرَب إِلَيْهِ مِنْكُمْ " أَيْ لَا تَرَوْنَهُمْ .'; $TAFSEER['4']['56']['86'] = 'أَيْ فَهَلَّا إِنْ كُنْتُمْ غَيْر مُحَاسَبِينَ وَلَا مَجْزِيِّينَ بِأَعْمَالِكُمْ , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " أَإِنَّا لَمَدِينُونَ " [ الصَّافَّات : 53 ] أَيْ مَجْزِيُّونَ مُحَاسَبُونَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَقِيلَ : غَيْر مَمْلُوكِينَ وَلَا مَقْهُورِينَ . قَالَ الْفَرَّاء وَغَيْره : دِنْته مَلَكْته , وَأَنْشَدَ لِلْحُطَيْئَة : لَقَدْ دُيِّنْتِ أَمْر بَنِيك حَتَّى تَرَكْتِهِمُ أَدَقَّ مِنْ الطَّحِين يَعْنِي مُلِّكْت . وَدَانَهُ أَيْ أَذَلَّهُ وَاسْتَعْبَدَهُ , يُقَال : دِنْته فَدَّان . وَقَدْ مَضَى فِي " الْفَاتِحَة " الْقَوْل فِي هَذَا عِنْد قَوْله تَعَالَى : " يَوْم الدِّين " .'; $TAFSEER['4']['56']['87'] = 'تَرْجِعُونَ الرُّوح إِلَى الْجَسَد . أَيْ وَلَنْ تَرْجِعُوهَا فَبَطَلَ زَعْمكُمْ أَنَّكُمْ غَيْر مَمْلُوكِينَ وَلَا مُحَاسَبِينَ . و " تَرْجِعُونَهَا " جَوَاب لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُوم " وَلِقَوْلِهِ : " فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْر مَدِينِينَ " أُجِيبَا بِجَوَابٍ وَاحِد , قَالَهُ الْفَرَّاء . وَرُبَّمَا أَعَادَتْ الْعَرَب الْحَرْفَيْنِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِد , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " [ الْبَقَرَة : 38 ] أُجِيبَا بِجَوَابٍ وَاحِد وَهُمَا شَرْطَانِ . وَقِيلَ : حُذِفَ أَحَدهمَا لِدَلَالَةِ الْآخَر عَلَيْهِ . وَقِيلَ : فِيهَا تَقْدِيم وَتَأْخِير , مَجَازهَا : فَلَوْلَا وَهَلَّا إِنْ كُنْتُمْ غَيْر مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا , تَرُدُّونَ نَفْس هَذَا الْمَيِّت إِلَى جَسَده إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُوم .'; $TAFSEER['4']['56']['88'] = 'ذَكَرَ طَبَقَات الْخَلْق عِنْد الْمَوْت وَعِنْد الْبَعْث , وَبَيَّنَ دَرَجَاتهمْ فَقَالَ : " فَأَمَّا إِنْ كَانَ " هَذَا الْمُتَوَفَّى " مِنْ الْمُقَرَّبِينَ " وَهُمْ السَّابِقُونَ .'; $TAFSEER['4']['56']['89'] = 'وَقِرَاءَة الْعَامَّة " فَرَوْح " بِفَتْحِ الرَّاء وَمَعْنَاهُ عِنْد اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : فَرَاحَة مِنْ الدُّنْيَا . قَالَ الْحَسَن : الرَّوْح الرَّحْمَة . الضَّحَّاك : الرَّوْح الِاسْتِرَاحَة . الْقُتَبِيّ : الْمَعْنَى لَهُ فِي الْقَبْر طِيب نَسِيم . وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس بْن عَطَاء : الرَّوْح النَّظَر إِلَى وَجْه اللَّه , وَالرَّيْحَان الِاسْتِمَاع لِكَلَامِهِ وَوَحْيه , " وَجَنَّة نَعِيم " هُوَ أَلَّا يُحْجَب فِيهَا عَنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَقَرَأَ الْحَسَن وَقَتَادَة وَنَصْر بْن عَاصِم وَالْجَحْدَرِيّ وَرُوَيْس وَزَيْد عَنْ يَعْقُوب " فَرُوح " بِضَمِّ الرَّاء , وَرُوِيَتْ عَنْ اِبْن عَبَّاس . قَالَ الْحَسَن : الرُّوح الرَّحْمَة , لِأَنَّهَا كَالْحَيَاةِ لِلْمَرْحُومِ . وَقَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : قَرَأَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَرُوح " بِضَمِّ الرَّاء وَمَعْنَاهُ فَبَقَاء لَهُ وَحَيَاة فِي الْجَنَّة وَهَذَا هُوَ الرَّحْمَة . " وَرَيْحَان " قَالَ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر : أَيْ رِزْق . قَالَ مُقَاتِل : هُوَ الرِّزْق بِلُغَةِ حِمْيَر , يُقَال : خَرَجْت أَطْلُب رَيْحَان اللَّه أَيْ رِزْقه , قَالَ النَّمِر بْن تَوْلَب : سَلَام الْإِلَه وَرَيْحَانه وَرَحْمَته وَسَمَاءٌ دِرَرْ وَقَالَ قَتَادَة : إِنَّهُ الْجَنَّة . الضَّحَّاك : الرَّحْمَة . وَقِيلَ هُوَ الرَّيْحَان الْمَعْرُوف الَّذِي يُشَمّ . قَالَهُ الْحَسَن وَقَتَادَة أَيْضًا . الرَّبِيع بْن خَيْثَم : هَذَا عِنْد الْمَوْت وَالْجَنَّة مَخْبُوءَة لَهُ إِلَى أَنْ يُبْعَث . أَبُو الْجَوْزَاء : هَذَا عِنْد قَبْض رُوحه يَتَلَقَّى بِضَبَائِر الرَّيْحَان . أَبُو الْعَالِيَة : لَا يُفَارِق أَحَد رُوحه مِنْ الْمُقَرَّبِينَ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يُؤْتَى بِغُصْنَيْنِ مِنْ رَيْحَان فَيَشُمّهُمَا ثُمَّ يُقْبَض رُوحه فِيهِمَا , وَأَصْل رَيْحَان وَاشْتِقَاقه تَقَدَّمَ فِي أَوَّل سُورَة " الرَّحْمَن " فَتَأَمَّلْهُ . وَقَدْ سَرَدَ الثَّعْلَبِيّ فِي الرَّوْح وَالرَّيْحَان أَقْوَالًا كَثِيرَة سِوَى مَا ذَكَرْنَا مَنْ أَرَادَهَا وَجَدَهَا هُنَاكَ .'; $TAFSEER['4']['56']['90'] = 'أَيْ إِنْ كَانَ هَذَا الْمُتَوَفَّى مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين'; $TAFSEER['4']['56']['91'] = 'أَيْ لَسْت تَرَى مِنْهُمْ إِلَّا مَا تُحِبّ مِنْ السَّلَامَة فَلَا تَهْتَمّ لَهُمْ , فَإِنَّهُمْ يَسْلَمُونَ مِنْ عَذَاب اللَّه . وَقِيلَ : الْمَعْنَى سَلَام لَك مِنْهُمْ , أَيْ أَنْتَ سَالِم مِنْ الِاغْتِمَام لَهُمْ . وَالْمَعْنَى وَاحِد . وَقِيلَ : أَيْ إِنَّ أَصْحَاب الْيَمِين يَدْعُونَ لَك يَا مُحَمَّد بِأَنْ يُصَلِّي اللَّه عَلَيْك وَيُسَلِّم . وَقِيلَ : الْمَعْنَى إِنَّهُمْ يُسَلِّمُونَ عَلَيْك يَا مُحَمَّد . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ سَلِمْت أَيّهَا الْعَبْد مِمَّا تَكْرَه فَإِنَّك مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين , فَحُذِفَ إِنَّك . وَقِيلَ : إِنَّهُ يُحَيَّا بِالسَّلَامِ إِكْرَامًا , فَعَلَى هَذَا فِي مَحَلّ السَّلَام ثَلَاثَة أَقَاوِيل : أَحَدهَا عِنْد قَبْض رُوحه فِي الدُّنْيَا يُسَلِّم عَلَيْهِ مَلَك الْمَوْت , قَالَهُ الضَّحَّاك . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود : إِذَا جَاءَ مَلَك الْمَوْت لِيَقْبِض رُوح الْمُؤْمِن قَالَ : رَبّك يُقْرِئك السَّلَام . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي سُورَة " النَّحْل " عِنْد قَوْله تَعَالَى : " الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة طَيِّبِينَ " [ النَّحْل : 32 ] . الثَّانِي عِنْد مُسَاءَلَته فِي الْقَبْر يُسَلِّم عَلَيْهِ مُنْكَر وَنَكِير . الثَّالِث عِنْد بَعْثه فِي الْقِيَامَة تُسَلِّم عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة قَبْل وُصُوله إِلَيْهَا . قُلْت : وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ تُسَلِّم عَلَيْهِ فِي الْمَوَاطِن الثَّلَاثَة وَيَكُون ذَلِكَ إِكْرَامًا بَعْد إِكْرَام . وَاَللَّه أَعْلَم . وَجَوَاب " إِنَّ " عِنْد الْمُبَرِّد مَحْذُوف التَّقْدِير مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْء " فَسَلَام لَك مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين " إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين " فَسَلَام لَك مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين " فَحُذِفَ جَوَاب الشَّرْط لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ , كَمَا حُذِفَ الْجَوَاب فِي نَحْو قَوْلك أَنْتَ ظَالِم إِنْ فَعَلْت , لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ . وَمَذْهَب الْأَخْفَش أَنَّ الْفَاء جَوَاب " أَمَّا " و " إِنْ" , وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْفَاء جَوَاب " أَمَّا " وَقَدْ سَدَّتْ مَسَدّ جَوَاب " إِنْ " عَلَى التَّقْدِير الْمُتَقَدِّم , وَالْفَاء جَوَاب لَهُمَا عَلَى هَذَا الْحَدّ . وَمَعْنَى " أَمَّا " عِنْد الزَّجَّاج : الْخُرُوج مِنْ شَيْء إِلَى شَيْء , أَيْ دَعْ مَا كُنَّا فِيهِ وَخُذْ فِي غَيْره .'; $TAFSEER['4']['56']['92'] = 'بِالْبَعْثِ عَنْ الْهُدَى وَطَرِيق الْحَقّ'; $TAFSEER['4']['56']['93'] = 'أَيْ فَلَهُمْ رِزْق مِنْ حَمِيم , كَمَا قَالَ : " ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ . لَآكِلُونَ " وَكَمَا قَالَ : " ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيم " [ الصَّافَّات : 67 ] " وَتَصْلِيَة جَحِيم " إِدْخَال فِي النَّار . وَقِيلَ : إِقَامَة فِي الْجَحِيم وَمُقَاسَاة لِأَنْوَاعِ عَذَابهَا , يُقَال : أَصْلَاهُ النَّار وَصَلَّاهُ , أَيْ جَعَلَهُ يَصْلَاهَا وَالْمَصْدَر هَهُنَا أُضِيفَ إِلَى الْمَفْعُول , كَمَا يُقَال : لِفُلَانٍ إِعْطَاء مَال أَيْ يُعْطَى الْمَال . وَقُرِئَ'; $TAFSEER['4']['56']['94'] = 'بِكَسْرِ التَّاء أَيْ وَنُزُل مِنْ تَصْلِيَة جَحِيم . ثُمَّ أَدْغَمَ أَبُو عَمْرو التَّاء فِي الْجِيم وَهُوَ بَعِيد .'; $TAFSEER['4']['56']['95'] = 'أَيْ هَذَا الَّذِي قَصَصْنَاهُ مَحْض الْيَقِين وَخَالِصه . وَجَازَ إِضَافَة الْحَقّ إِلَى الْيَقِين وَهُمَا وَاحِد لِاخْتِلَافِ لَفْظهمَا . قَالَ الْمُبَرِّد : هُوَ كَقَوْلِك عَيْن الْيَقِين وَمَحْض الْيَقِين , فَهُوَ مِنْ بَاب إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفْسه عِنْد الْكُوفِيِّينَ . وَعِنْد الْبَصْرِيِّينَ حَقّ الْأَمْر الْيَقِين أَوْ الْخَبَر الْيَقِين . وَقِيلَ : هُوَ تَوْكِيد . وَقِيلَ : أَصْل الْيَقِين أَنْ يَكُون نَعْتًا ل ( الْحَقّ ) فَأُضِيفَ الْمَنْعُوت إِلَى النَّعْت عَلَى الِاتِّسَاع وَالْمَجَاز , كَقَوْلِهِ : " وَلَدَار الْآخِرَة " [ يُوسُف : 109 ] وَقَالَ قَتَادَة فِي هَذِهِ الْآيَة : إِنَّ اللَّه لَيْسَ بِتَارِكٍ أَحَدًا مِنْ النَّاس حَتَّى يَقِفهُ عَلَى الْيَقِين مِنْ هَذَا الْقُرْآن , فَأَمَّا الْمُؤْمِن فَأَيْقَنَ فِي الدُّنْيَا فَنَفَعَهُ ذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة , وَأَمَّا الْكَافِر فَأَيْقَنَ يَوْم الْقِيَامَة حِين لَا يَنْفَعهُ الْيَقِين .'; $TAFSEER['4']['56']['96'] = 'أَيْ نَزِّه اللَّه تَعَالَى عَنْ السُّوء . وَالْبَاء زَائِدَة أَيْ سَبِّحْ اِسْم رَبّك , وَالِاسْم الْمُسَمَّى . وَقِيلَ : " فَسَبِّحْ " أَيْ فَصَلِّ بِذِكْرِ رَبّك وَبِأَمْرِهِ . وَقِيلَ : فَاذْكُرْ اِسْم رَبّك الْعَظِيم وَسَبِّحْهُ . وَعَنْ عُقْبَة بْن عَامِر قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ " فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبّك الْعَظِيم " قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اِجْعَلُوهَا فِي رُكُوعكُمْ ) وَلَمَّا نَزَلَتْ " سَبِّحْ اِسْم رَبّك الْأَعْلَى " [ الْأَعْلَى : 1 ] قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اِجْعَلُوهَا فِي سُجُودكُمْ ) خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد . وَاَللَّه أَعْلَم .'; $TAFSEER['4']['57']['1'] = 'عَنْ الْعِرْبَاض بْن سَارِيَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأ بِالْمُسَبِّحَاتِ قَبْل أَنْ يَرْقُد وَيَقُول : ( إِنَّ فِيهِنَّ آيَة أَفْضَل مِنْ أَلْف آيَة ) يَعْنِي بِالْمُسَبِّحَاتِ " الْحَدِيد " و " الْحَشْر " و " الصَّفّ " و " الْجُمُعَة " و " التَّغَابُن " . " سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض " أَيْ مَجَّدَ اللَّه وَنَزَّهَهُ عَنْ السُّوء . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : صَلَّى لِلَّهِ " مَا فِي السَّمَوَات " مِمَّنْ خَلَقَ مِنْ الْمَلَائِكَة " وَالْأَرْض " مِنْ شَيْء فِيهِ رُوح أَوْ لَا رُوح فِيهِ . وَقِيلَ : هُوَ تَسْبِيح الدَّلَالَة . وَأَنْكَرَ الزَّجَّاج هَذَا وَقَالَ : لَوْ كَانَ هَذَا تَسْبِيح الدَّلَالَة وَظُهُور آثَار الصَّنْعَة لَكَانَتْ مَفْهُومَة , فَلِمَ قَالَ : " وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحهمْ " [ الْإِسْرَاء : 44 ] وَإِنَّمَا هُوَ تَسْبِيح مَقَال . وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُد الْجِبَال يُسَبِّحْنَ " [ الْأَنْبِيَاء : 79 ] فَلَوْ كَانَ هَذَا تَسْبِيح دَلَالَة فَأَيّ تَخْصِيص لِدَاوُدَ ؟ ! قُلْت : وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الصَّحِيح , وَقَدْ مَضَى بَيَانه وَالْقَوْل فِيهِ فِي " الْإِسْرَاء " عِنْد قَوْله تَعَالَى : " وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلَّا يُسَبِّح بِحَمْدِهِ " [ الْإِسْرَاء : 44 ] مَعْنَاهُ الْمَنِيع الَّذِي لَا يُنَال وَلَا يُغَالَب . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : مَعْنَاهُ الَّذِي لَا يُعْجِزهُ شَيْء ; دَلِيله : " وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعْجِزهُ مِنْ شَيْء فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الْأَرْض " . [ فَاطِر : 44 ] . الْكِسَائِيّ : " الْعَزِيز " الْغَالِب ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَعَزَّنِي فِي الْخِطَاب " [ ص : 23 ] وَفِي الْمَثَل : { مَنْ عَزَّ بَزَّ } أَيْ مَنْ غَلَبَ سَلَبَ . وَقِيلَ : " الْعَزِيز " الَّذِي لَا مِثْل لَهُ ; بَيَانه " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء " [ الشُّورَى : 11 ] . مَعْنَاهُ الْحَاكِم , وَبَيْنهمَا مَزِيد الْمُبَالَغَة . وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْمُحْكِم وَيَجِيء الْحَكِيم عَلَى هَذَا مِنْ صِفَات الْفِعْل , صُرِفَ عَنْ مُفْعِل إِلَى فَعِيل , كَمَا صُرِفَ عَنْ مُسْمِع إِلَى سَمِيع وَمُؤْلِم إِلَى أَلِيم , قَالَهُ اِبْن الْأَنْبَارِيّ . وَقَالَ قَوْم : الْمَانِع مِنْ الْفَسَاد , وَمِنْهُ سُمِّيَتْ حَكَمَة اللِّجَام , لِأَنَّهَا تَمْنَع الْفَرَس مِنْ الْجَرْي وَالذَّهَاب فِي غَيْر قَصْد . قَالَ جَرِير : أَبَنِي حَنِيفَة أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ أَنْ أَغْضَبَا أَيْ اِمْنَعُوهُمْ مِنْ الْفَسَاد . وَقَالَ زُهَيْر : الْقَائِد الْخَيْل مَكْنُوبًا دَوَابِرهَا قَدْ أُحْكِمَتْ حَكَمَات الْقِدّ وَالْأَبَقَا الْقِدّ : الْجِلْد . وَالْأَبَق : الْقُنَّب . وَالْعَرَب تَقُول : أَحْكِمْ الْيَتِيم عَنْ كَذَا وَكَذَا , يُرِيدُونَ مَنْعه . وَالسُّورَة الْمُحْكَمَة : الْمَمْنُوعَة مِنْ التَّغْيِير وَكُلّ التَّبْدِيل , وَأَنْ يُلْحَق بِهَا مَا يَخْرُج عَنْهَا , وَيُزَاد عَلَيْهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا , وَالْحِكْمَة مِنْ هَذَا , لِأَنَّهَا تَمْنَع صَاحِبهَا مِنْ الْجَهْل . وَيُقَال : أَحْكَمَ الشَّيْء إِذَا أَتْقَنَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ الْخُرُوج عَمَّا يُرِيد . فَهُوَ مُحْكَم وَحَكِيم عَلَى التَّكْثِير .'; $TAFSEER['4']['57']['2'] = 'أَيْ اِنْفَرَدَ بِذَلِكَ . وَالْمُلْك عِبَارَة عَنْ الْمَلْك وَنُفُوذ الْأَمْر فَهُوَ سُبْحَانه الْمَلِك الْقَادِر الْقَاهِر . وَقِيلَ : أَرَادَ خَزَائِن الْمَطَر وَالنَّبَات وَسَائِر الرِّزْق . يُمِيت الْأَحْيَاء فِي الدُّنْيَا وَيُحْيِي الْأَمْوَات لِلْبَعْثِ . وَقِيلَ : يُحْيِي النُّطَف وَهِيَ مَوَات وَيُمِيت الْأَحْيَاء . وَمَوْضِع " يُحْيِي وَيُمِيت " رُفِعَ عَلَى مَعْنًى وَهُوَ يُحْيِي وَيُمِيت . وَيَجُوز أَنْ يَكُون نَصْبًا بِمَعْنَى " لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض " مُحْيِيًا وَمُمِيتًا عَلَى الْحَال مِنْ الْمَجْرُور فِي " لَهُ " وَالْجَار عَامِلًا فِيهَا . أَيْ هُوَ اللَّه لَا يُعْجِزهُ شَيْء .'; $TAFSEER['4']['57']['3'] = 'اُخْتُلِفَ فِي مَعَانِي هَذِهِ الْأَسْمَاء وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِي الْكِتَاب الْأَسْنَى . وَقَدْ شَرَحَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْحًا يُغْنِي عَنْ قَوْل كُلّ قَائِل , فَقَالَ فِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة : ( اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّل فَلَيْسَ قَبْلك شَيْء وَأَنْتَ الْآخِر فَلَيْسَ بَعْدك شَيْء وَأَنْتَ الظَّاهِر فَلَيْسَ فَوْقك شَيْء وَأَنْتَ الْبَاطِن فَلَيْسَ دُونك شَيْء اِقْضِ عَنَّا الدَّيْن وَاغْنِنَا مِنْ الْفَقْر ) عَنَى بِالظَّاهِرِ الْغَالِب , وَبِالْبَاطِنِ الْعَالِم , وَاَللَّه أَعْلَم . بِمَا كَانَ أَوْ يَكُون فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء .'; $TAFSEER['4']['57']['4'] = 'بَيَّنَ أَنَّهُ الْمُنْفَرِد بِقُدْرَةِ الْإِيجَاد , فَهُوَ الَّذِي يَجِب أَنْ يُعْبَد . وَأَصْل " سِتَّة " سِدْسَة , فَأَرَادُوا إِدْغَام الدَّال فِي السِّين فَالْتَقَيَا عِنْد مَخْرَج التَّاء فَغَلَبَتْ عَلَيْهِمَا . وَإِنْ شِئْت قُلْت : أُبْدِلَ مِنْ إِحْدَى السِّينَيْنِ تَاء وَأُدْغِمَ فِي الدَّال ; لِأَنَّك تَقُول فِي تَصْغِيرهَا : سُدَيْسَة , وَفِي الْجَمْع أَسْدَاس , وَالْجَمْع وَالتَّصْغِير يَرُدَّانِ الْأَسْمَاء إِلَى أُصُولهَا . وَيَقُولُونَ : جَاءَ فُلَان سَادِسًا وَسَادِتًا وَسَاتًّا ; فَمَنْ قَالَ : سَادِتًا أَبْدَلَ مِنْ السِّين تَاء . وَالْيَوْم : مِنْ طُلُوع الشَّمْس إِلَى غُرُوبهَا . فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَمْس فَلَا يَوْم ; قَالَ الْقُشَيْرِيّ . وَقَالَ : وَمَعْنَى ( فِي سِتَّة أَيَّام ) أَيْ مِنْ أَيَّام الْآخِرَة , كُلّ يَوْم أَلْف سَنَة ; لِتَفْخِيمِ خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض . وَقِيلَ : مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا . قَالَ مُجَاهِد وَغَيْره : أَوَّلهَا الْأَحَد وَآخِرهَا الْجُمُعَة . وَذَكَرَ هَذِهِ الْمُدَّة وَلَوْ أَرَادَ خَلْقهَا فِي لَحْظَة لَفَعَلَ ; إِذْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَقُول لَهَا كُونِي فَتَكُون . وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُعْلِم الْعِبَاد الرِّفْق وَالتَّثَبُّت فِي الْأُمُور , وَلِتَظْهَر قُدْرَته لِلْمَلَائِكَةِ شَيْئًا بَعْد شَيْء . وَهَذَا عِنْد مَنْ يَقُول : خَلْق الْمَلَائِكَة قَبْل خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض . وَحِكْمَة أُخْرَى - خَلَقَهَا فِي سِتَّة أَيَّام لِأَنَّ لِكُلِّ شَيْء عِنْده أَجَلًا . وَبَيَّنَ بِهَذَا تَرْك مُعَاجَلَة الْعُصَاة بِالْعِقَابِ ; لِأَنَّ لِكُلِّ شَيْء عِنْده أَجَلًا . وَهَذَا كَقَوْلِ : " وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا فِي سِتَّة أَيَّام وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوب . فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ " [ ق : 38 - 39 ] . بَعْد أَنْ قَالَ : " وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ مِنْ قَرْن هُمْ أَشَدّ مِنْهُمْ بَطْشًا " [ ق : 36 ] . هَذِهِ مَسْأَلَة الِاسْتِوَاء ; وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهَا كَلَام وَإِجْرَاء . وَقَدْ بَيَّنَّا أَقْوَال الْعُلَمَاء فِيهَا فِي الْكِتَاب ( الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى وَصِفَاته الْعُلَى ) وَذَكَرْنَا فِيهَا هُنَاكَ أَرْبَعَة عَشَر قَوْلًا . وَالْأَكْثَر مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ إِذَا وَجَبَ تَنْزِيه الْبَارِي سُبْحَانه عَنْ الْجِهَة وَالتَّحَيُّز فَمِنْ ضَرُورَة ذَلِكَ وَلَوَاحِقه اللَّازِمَة عَلَيْهِ عِنْد عَامَّة الْعُلَمَاء الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَادَتهمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ تَنْزِيهه تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ الْجِهَة , فَلَيْسَ بِجِهَةٍ فَوْق عِنْدهمْ ; لِأَنَّهُ يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ عِنْدهمْ مَتَى اِخْتَصَّ بِجِهَةِ أَنْ يَكُون فِي مَكَان أَوْ حَيِّز , وَيَلْزَم عَلَى الْمَكَان وَالْحَيِّز الْحَرَكَة وَالسُّكُون لِلْمُتَحَيِّزِ , وَالتَّغَيُّر وَالْحُدُوث . هَذَا قَوْل الْمُتَكَلِّمِينَ . وَقَدْ كَانَ السَّلَف الْأَوَّل رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ لَا يَقُولُونَ بِنَفْيِ الْجِهَة وَلَا يَنْطِقُونَ بِذَلِكَ , بَلْ نَطَقُوا هُمْ وَالْكَافَّة بِإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا نَطَقَ كِتَابه وَأَخْبَرَتْ رُسُله . وَلَمْ يُنْكِر أَحَد مِنْ السَّلَف الصَّالِح أَنَّهُ اِسْتَوَى عَلَى عَرْشه حَقِيقَة . وَخُصَّ الْعَرْش بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْظَم مَخْلُوقَاته , وَإِنَّمَا جَهِلُوا كَيْفِيَّة الِاسْتِوَاء فَإِنَّهُ لَا تُعْلَم حَقِيقَته . قَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : الِاسْتِوَاء مَعْلُوم - يَعْنِي فِي اللُّغَة - وَالْكَيْف مَجْهُول , وَالسُّؤَال عَنْ هَذَا بِدْعَة . وَكَذَا قَالَتْ أُمّ سَلَمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا . وَهَذَا الْقَدْر كَافٍ , وَمَنْ أَرَادَ زِيَادَة عَلَيْهِ فَلْيَقِفْ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعه مِنْ كُتُب الْعُلَمَاء . وَالِاسْتِوَاء فِي كَلَام الْعَرَب هُوَ الْعُلُوّ وَالِاسْتِقْرَار . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَاسْتَوَى مِنْ اِعْوِجَاج , وَاسْتَوَى عَلَى ظَهْر دَابَّته ; أَيْ اِسْتَقَرَّ . وَاسْتَوَى إِلَى السَّمَاء أَيْ قَصَدَ . وَاسْتَوَى أَيْ اِسْتَوْلَى وَظَهَرَ . قَالَ : قَدْ اِسْتَوَى بِشْر عَلَى الْعِرَاق مِنْ غَيْر سَيْف وَدَم مِهْرَاق وَاسْتَوَى الرَّجُل أَيْ اِنْتَهَى شَبَابه . وَاسْتَوَى الشَّيْء إِذَا اِعْتَدَلَ . وَحَكَى أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَة فِي قَوْل تَعَالَى : " الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى " [ طَه : 5 ] قَالَ : عَلَا . وَقَالَ الشَّاعِر : فَأَوْرَدْتهمْ مَاء بِفَيْفَاء قَفْرَة وَقَدْ حَلَّقَ النَّجْم الْيَمَانِيّ فَاسْتَوَى أَيْ عَلَا وَارْتَفَعَ . قُلْت : فَعُلُوّ اللَّه تَعَالَى وَارْتِفَاعه عِبَارَة عَنْ عُلُوّ مَجْده وَصِفَاته وَمَلَكُوته . أَيْ لَيْسَ فَوْقه فِيمَا يَجِب لَهُ مِنْ مَعَانِي الْجَلَال أَحَد , وَلَا مَعَهُ مَنْ يَكُون الْعُلُوّ مُشْتَرَكًا بَيْنه وَبَيْنه ; لَكِنَّهُ الْعَلِيّ بِالْإِطْلَاقِ سُبْحَانه . لَفْظ مُشْتَرَك يُطْلَق عَلَى أَكْثَر مِنْ وَاحِد . قَالَ الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره : الْعَرْش سَرِير الْمُلْك . وَفِي التَّنْزِيل " نَكِّرُوا لَهَا عَرْشهَا " [ النَّمْل : 41 ] , " وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْش " [ يُوسُف : 100 ] . وَالْعَرْش : سَقْف الْبَيْت . وَعَرْش الْقَدَم : مَا نَتَأَ فِي ظَهْرهَا وَفِيهِ الْأَصَابِع . وَعَرْش السِّمَاك : أَرْبَعَة كَوَاكِب صِغَار أَسْفَل مِنْ الْعَوَّاء , يُقَال : إِنَّهَا عَجُز الْأَسَد . وَعَرْش الْبِئْر : طَيّهَا بِالْخَشَبِ , بَعْد أَنْ يُطْوَى أَسْفَلهَا بِالْحِجَارَةِ قَدْر قَامَة ; فَذَلِكَ الْخَشَب هُوَ الْعَرْش , وَالْجَمْع عُرُوش . وَالْعَرْش اِسْم لِمَكَّة . وَالْعَرْش الْمُلْك وَالسُّلْطَان . يُقَال : ثُلَّ عَرْش فُلَان إِذَا ذَهَبَ مُلْكه وَسُلْطَانه وَعِزّه . قَالَ زُهَيْر : تَدَارَكْتُمَا عَبْسًا وَقَدْ ثُلَّ عَرْشهَا وَذُبْيَان إِذْ ذَلَّتْ بِأَقْدَامِهَا النَّعْل وَقَدْ يُؤَوَّل الْعَرْش فِي الْآيَة بِمَعْنَى الْمُلْك , أَيْ مَا اِسْتَوَى الْمُلْك إِلَّا لَهُ جَلَّ وَعَزَّ . وَهُوَ قَوْل حَسَن وَفِيهِ نَظَر , وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي جُمْلَة الْأَقْوَال فِي كِتَابنَا . وَالْحَمْد لِلَّهِ . أَيْ يَدْخُل فِيهَا مِنْ مَطَر وَغَيْره مِنْ نَبَات وَغَيْره مِنْ رِزْق وَمَطَر وَمَلَك يَصْعَد فِيهَا مِنْ مَلَائِكَة وَأَعْمَال الْعِبَاد يَعْنِي بِقُدْرَتِهِ وَسُلْطَانه وَعِلْمه يُبْصِر أَعْمَالكُمْ وَيَرَاهَا وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهَا . وَقَدْ جَمَعَ فِي هَذِهِ الْآيَة بَيْن " اِسْتَوَى عَلَى الْعَرْش " وَبَيْن " وَهُوَ مَعَكُمْ " وَالْأَخْذ بِالظَّاهِرَيْنِ تَنَاقُض فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدّ مِنْ التَّأْوِيل , وَالْإِعْرَاض عَنْ التَّأْوِيل اِعْتِرَاف بِالتَّنَاقُضِ . وَقَدْ قَالَ الْإِمَام أَبُو الْمَعَالِي : إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْإِسْرَاء لَمْ يَكُنْ بِأَقْرَب إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ يُونُس بْن مَتَّى حِين كَانَ فِي بَطْن الْحُوت . وَقَدْ تَقَدَّمَ .'; $TAFSEER['4']['57']['5'] = 'هَذَا التَّكْرِير لِلتَّأْكِيدِ أَيْ هُوَ الْمَعْبُود عَلَى الْحَقِيقَة أَيْ أُمُور الْخَلَائِق فِي الْآخِرَة . وَقَرَأَ الْحَسَن وَالْأَعْرَج وَيَعْقُوب وَابْن عَامِر وَأَبُو حَيْوَة وَابْن مُحَيْصِن وَحُمَيْد وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَخَلَف " تَرْجِع " بِفَتْحِ التَّاء وَكَسْر الْجِيم . الْبَاقُونَ " تُرْجَع " .'; $TAFSEER['4']['57']['6'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَاَلَّذِي فِي مَعْنَى قَوْله " تُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار " الْآيَة , أَيْ تُدْخِل مَا نَقَصَ مِنْ أَحَدهمَا فِي الْآخَر , حَتَّى يَصِير النَّهَار خَمْس عَشْرَة سَاعَة وَهُوَ أَطْوَل مَا يَكُون , وَاللَّيْل تِسْع سَاعَات وَهُوَ أَقْصَر مَا يَكُون . وَهُوَ قَوْل الْكَلْبِيّ , وَرُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود . وَتَحْتَمِل أَلْفَاظ الْآيَة أَنْ يَدْخُل فِيهَا تَعَاقُب اللَّيْل وَالنَّهَار , كَأَنَّ زَوَال أَحَدهمَا وُلُوج فِي الْآخَر . أَيْ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ الضَّمَائِر , وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَة فَلَا يَجُوز أَنْ يُعْبَد مَنْ سِوَاهُ .'; $TAFSEER['4']['57']['7'] = 'أَيْ صَدِّقُوا أَنَّ اللَّه وَاحِد وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُوله تَصَدَّقُوا . وَقِيلَ أَنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّه . وَقِيلَ : الْمُرَاد الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة . وَقِيلَ : الْمُرَاد غَيْرهَا مِنْ وُجُوه الطَّاعَات وَمَا يُقَرِّب مِنْهُ دَلِيل عَلَى أَنَّ أَصْل الْمُلْك لِلَّهِ سُبْحَانه , وَأَنَّ الْعَبْد لَيْسَ لَهُ فِيهِ إِلَّا التَّصَرُّف الَّذِي يُرْضِي اللَّه فَيُثِيبه عَلَى ذَلِكَ بِالْجَنَّةِ . فَمَنْ أَنْفَقَ مِنْهَا فِي حُقُوق اللَّه وَهَانَ عَلَيْهِ الْإِنْفَاق مِنْهَا , كَمَا يَهُون عَلَى الرَّجُل النَّفَقَة مِنْ مَال غَيْره إِذَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ , كَانَ لَهُ الثَّوَاب الْجَزِيل وَالْأَجْر الْعَظِيم . وَقَالَ الْحَسَن : " مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ " بِوِرَاثَتِكُمْ إِيَّاهُ عَمَّنْ كَانَ قَبْلكُمْ . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَمْوَالِكُمْ فِي الْحَقِيقَة , وَمَا أَنْتُمْ فِيهَا إِلَّا بِمَنْزِلَةِ النُّوَّاب وَالْوُكَلَاء , فَاغْتَنِمُوا الْفُرْصَة فِيهَا بِإِقَامَةِ الْحَقّ قَبْل أَنْ تُزَال عَنْكُمْ إِلَى مَنْ بَعْدكُمْ . وَعَمِلُوا الصَّالِحَات فِي سَبِيل اللَّه وَهُوَ الْجَنَّة .'; $TAFSEER['4']['57']['8'] = 'اِسْتِفْهَام يُرَاد بِهِ التَّوْبِيخ . أَيْ أَيّ عُذْر لَكُمْ فِي أَلَّا تُؤْمِنُوا وَقَدْ أُزِيحَتْ الْعِلَل ؟ بَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا حُكْم قَبْل وُرُود الشَّرَائِع . قَرَأَ أَبُو عَمْرو : " وَقَدْ أُخِذَ مِيثَاقكُمْ " عَلَى غَيْر مُسَمَّى الْفَاعِل . وَالْبَاقُونَ عَلَى مُسَمَّى الْفَاعِل , أَيْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاقكُمْ . قَالَ مُجَاهِد : هُوَ الْمِيثَاق الْأَوَّل الَّذِي كَانَ وَهُمْ فِي ظَهْر آدَم بِأَنَّ اللَّه رَبّكُمْ لَا إِلَه لَكُمْ سِوَاهُ . وَقِيلَ : أَخَذَ مِيثَاقكُمْ بِأَنْ رَكَّبَ فِيكُمْ الْعُقُول , وَأَقَامَ عَلَيْكُمْ الدَّلَائِل وَالْحُجَج الَّتِي تَدْعُو إِلَى مُتَابَعَة الرَّسُول أَيْ إِذْ كُنْتُمْ . وَقِيلَ : أَيْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِالْحُجَجِ وَالدَّلَائِل . وَقِيلَ : أَيْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِحَقٍّ يَوْمًا مِنْ الْأَيَّام , فَالْآن أَحْرَى الْأَوْقَات أَنْ تُؤْمِنُوا لِقِيَامِ الْحُجَج وَالْأَعْلَام بِبَعْثَةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ صَحَّتْ بَرَاهِينه . وَقِيلَ : إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ خَالِقكُمْ . وَكَانُوا يَعْتَرِفُونَ بِهَذَا . وَقِيلَ : هُوَ خِطَاب لِقَوْمٍ آمَنُوا وَأَخَذَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيثَاقهمْ فَارْتَدُّوا . وَقَوْله : " إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " أَيْ إِنْ كُنْتُمْ تُقِرُّونَ بِشَرَائِط الْإِيمَان .'; $TAFSEER['4']['57']['9'] = 'يُرِيد الْقُرْآن . وَقِيلَ : الْمُعْجِزَات , أَيْ لَزِمَكُمْ الْإِيمَان بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِمَا مَعَهُ مِنْ الْمُعْجِزَات , وَالْقُرْآن أَكْبَرهَا وَأَعْظَمهَا . أَيْ بِالْقُرْآنِ . وَقِيلَ : بِالرَّسُولِ . وَقِيلَ : بِالدَّعْوَةِ . وَهُوَ الشِّرْك وَالْكُفْر وَهُوَ الْإِيمَان . الرَّأْفَة أَشَدّ مِنْ الرَّحْمَة . وَقَالَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء : الرَّأْفَة أَكْثَر مِنْ الرَّحْمَة ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى لُغَته وَأَشْعَاره وَمَعَانِيه فِي الْكِتَاب " الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى " فَلْيُنْظَرْ هُنَاكَ . وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ وَأَبُو عَمْرو " لَرَؤُف " عَلَى وَزْن فَعُلْ ; وَهِيَ لُغَة بَنِي أَسَد ; وَمِنْهُ قَوْل الْوَلِيد بْن عُقْبَة : وَشَرّ الطَّالِبِينَ فَلَا تَكُنْهُ يُقَاتِل عَمّه الرَّؤُف الرَّحِيم وَحَكَى الْكِسَائِيّ أَنَّ لُغَة بَنِي أَسَد " لَرَأْف " , عَلَى فَعْل . وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر بْن الْقَعْقَاع " لَرَوُّف " مُثَقَّلًا بِغَيْرِ هَمْز ; وَكَذَلِكَ سَهَّلَ كُلّ هَمْزَة فِي كِتَاب اللَّه تَعَالَى , سَاكِنَة كَانَتْ أَوْ مُتَحَرِّكَة .'; $TAFSEER['4']['57']['10'] = 'أَيْ أَيّ شَيْء يَمْنَعكُمْ مِنْ الْإِنْفَاق فِي سَبِيل اللَّه , وَفِيمَا يُقَرِّبكُمْ مِنْ رَبّكُمْ وَأَنْتُمْ تَمُوتُونَ وَتَخْلُفُونَ أَمْوَالكُمْ وَهِيَ صَائِرَة إِلَى اللَّه تَعَالَى : فَمَعْنَى الْكَلَام التَّوْبِيخ عَلَى عَدَم الْإِنْفَاق . أَيْ إِنَّهُمَا رَاجِعَتَانِ إِلَيْهِ بِانْقِرَاضِ مَنْ فِيهِمَا كَرُجُوعِ الْمِيرَاث إِلَى الْمُسْتَحَقّ لَهُ . أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْفَتْحِ فَتْح مَكَّة . وَقَالَ الشَّعْبِيّ وَالزُّهْرِيّ : فَتْح الْحُدَيْبِيَة . قَالَ قَتَادَة : كَانَ قِتَالَانِ أَحَدهمَا أَفْضَل مِنْ الْآخَر , وَنَفَقَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَفْضَل مِنْ الْأُخْرَى , كَانَ الْقِتَال وَالنَّفَقَة قَبْل فَتْح مَكَّة أَفْضَل مِنْ الْقِتَال وَالنَّفَقَة بَعْد ذَلِكَ . وَفِي الْكَلَام حَذْف , أَيْ " لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْل الْفَتْح وَقَاتَلَ " وَمَنْ أَنْفَقَ مِنْ بَعْد الْفَتْح وَقَاتَلَ , فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ . وَإِنَّمَا كَانَتْ النَّفَقَة قَبْل الْفَتْح أَعْظَم , لِأَنَّ حَاجَة النَّاس كَانَتْ أَكْثَر لِضَعْفِ الْإِسْلَام , وَفِعْل ذَلِكَ كَانَ عَلَى الْمُنْفِقِينَ حِينَئِذٍ أَشَقّ وَالْأَجْر عَلَى قَدْر النَّصَب . وَاَللَّه أَعْلَم . رَوَى أَشْهَب عَنْ مَالِك قَالَ : يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّم أَهْل الْفَضْل وَالْعَزْم , وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : " لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْل الْفَتْح وَقَاتَلَ " وَقَالَ الْكَلْبِيّ : نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فَفِيهَا دَلِيل وَاضِح عَلَى تَفْضِيل أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَتَقْدِيمه , لِأَنَّهُ أَوَّل مَنْ أَسْلَمَ . وَعَنْ اِبْن مَسْعُود : أَوَّل مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَام بِسَيْفِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر , وَلِأَنَّهُ أَوَّل مَنْ أَنْفَقَ عَلَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَعَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : كُنْت عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْده أَبُو بَكْر وَعَلَيْهِ عَبَاءَة قَدْ خَلَّلَهَا فِي صَدْره بِخِلَالٍ فَنَزَلَ جِبْرِيل فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه ! مَا لِي أَرَى أَبَا بَكْر عَلَيْهِ عَبَاءَة قَدْ خَلَّلَهَا فِي صَدْره بِخِلَالٍ ؟ فَقَالَ : ( قَدْ أَنْفَقَ عَلَيَّ مَاله قَبْل الْفَتْح " قَالَ : فَإِنَّ اللَّه يَقُول لَك اِقْرَأْ عَلَى أَبِي بَكْر السَّلَام وَقُلْ لَهُ أَرَاضٍ أَنْتَ فِي فَقْرك هَذَا أَمْ سَاخِط ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا أَبَا بَكْر إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقْرَأ عَلَيْك السَّلَام وَيَقُول أَرَاضٍ أَنْتَ فِي فَقْرك هَذَا أَمْ سَاخِط ) ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْر : أَأَسْخَطُ ( عَلَى رَبِّي ؟ إِنِّي عَنْ رَبِّي لَرَاضٍ ! إِنِّي عَنْ رَبِّي لَرَاضٍ ! إِنِّي عَنْ رَبِّي لَرَاضٍ ! قَالَ : ( فَإِنَّ اللَّه يَقُول لَك قَدْ رَضِيت عَنْك كَمَا أَنْتَ عَنِّي رَاضٍ ) فَبَكَى أَبُو بَكْر فَقَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام : وَاَلَّذِي بَعَثَك يَا مُحَمَّد بِالْحَقِّ , لَقَدْ تَخَلَّلَتْ حَمَلَة الْعَرْش بِالْعُبِيّ مُنْذُ تَخَلَّلَ صَاحِبك هَذَا بِالْعَبَاءَةِ , وَلِهَذَا قَدَّمَتْهُ الصَّحَابَة عَلَى أَنْفُسهمْ , وَأَقَرُّوا لَهُ بِالتَّقَدُّمِ وَالسَّبْق . وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : سَبَقَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّى أَبُو بَكْر وَثَلَّثَ عُمَر , فَلَا أُوتَى بِرَجُلٍ فَضَلَّنِي عَلَى أَبِي بَكْر إِلَّا جَلَدْته حَدّ الْمُفْتَرِي ثَمَانِينَ جَلْدَة وَطُرِحَ الشَّهَادَة . فَنَالَ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ الْمَشَقَّة أَكْثَر مِمَّا نَالَ مِنْ بَعْدهمْ , وَكَانَتْ بَصَائِرهمْ أَيْضًا أَنْفَذ . التَّقَدُّم وَالتَّأَخُّر قَدْ يَكُون فِي أَحْكَام الدُّنْيَا , فَأَمَّا فِي أَحْكَام الدِّين فَقَدْ قَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : أَمَرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُنْزِل النَّاس مَنَازِلهمْ . وَأَعْظَم الْمَنَازِل مَرْتَبَة الصَّلَاة . وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضه : ( مُرُوا أَبَا بَكْر فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ) الْحَدِيث . وَقَالَ : ( يَؤُمّ الْقَوْم أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّه ) وَقَالَ : ( وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَركُمَا ) مِنْ حَدِيث مَالِك بْن الْحُوَيْرِث وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَفَهِمَ مِنْهُ الْبُخَارِيّ وَغَيْره مِنْ الْعُلَمَاء أَنَّهُ أَرَادَ كِبَر الْمَنْزِلَة , كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْوَلَاء لِلْكِبَر ) وَلَمْ يَعْنِ كِبَر السِّنّ . وَقَدْ قَالَ مَالِك وَغَيْره : إِنَّ لِلسِّنِّ حَقًّا . وَرَاعَاهُ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَهُوَ أَحَقّ بِالْمُرَاعَاةِ , لِأَنَّهُ إِذَا اِجْتَمَعَ الْعُلَمَاء وَالسِّنّ فِي خَيْرَيْنِ قَدَّمَ الْعِلْم , وَأَمَّا أَحْكَام الدُّنْيَا فَهِيَ مُرَتَّبَة عَلَى أَحْكَام الدِّين , فَمَنْ قَدَّمَ فِي الدِّين قَدَّمَ فِي الدُّنْيَا . وَفِي الْآثَار : ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّر كَبِيرنَا وَيَرْحَم صَغِيرنَا وَيَعْرِف لِعَالِمِنَا حَقّه ) . وَمِنْ الْحَدِيث الثَّابِت فِي الْأَفْرَاد : ( مَا أَكْرَمَ شَابّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّه لَهُ عِنْد سِنّه مَنْ يُكْرِمهُ ) . وَأَنْشَدُوا : يَا عَائِبًا لِلشُّيُوخِ مِنْ أَشَرِ دَاخَلَهُ فِي الصِّبَا وَمِنْ بَذَخ اُذْكُرْ إِذَا شِئْت أَنْ تُعَيِّرهُمْ جَدّك وَاذْكُرْ أَبَاك يَا بْن أَخِ وَاعْلَمْ بِأَنَّ الشَّبَاب مُنْسَلِخ عَنْك وَمَا وِزْره بِمُنْسَلِخِ مَنْ لَا يَعِزّ الشُّيُوخ لَا بَلَغَتْ يَوْمًا بِهِ سِنّه إِلَى الشَّيْخ أَيْ الْمُتَقَدِّمُونَ الْمُتَنَاهُونَ السَّابِقُونَ , وَالْمُتَأَخِّرُونَ اللَّاحِقُونَ , وَعَدَهُمْ اللَّه جَمِيعًا الْجَنَّة مَعَ تَفَاوُت الدَّرَجَات . وَقَرَأَ اِبْن عَامِر " وَكُلّ " بِالرَّفْعِ , وَكَذَلِكَ هُوَ بِالرَّفْعِ فِي مَصَاحِف أَهْل الشَّام . الْبَاقُونَ " وَكُلًّا " بِالنَّصْبِ عَلَى مَا فِي مَصَاحِفهمْ , فَمَنْ نَصَبَ فَعَلَى إِيقَاع الْفِعْل عَلَيْهِ أَيْ وَعَدَ اللَّه كُلًّا الْحُسْنَى . وَمَنْ رَفَعَ فَلِأَنَّ الْمَفْعُول إِذَا تَقَدَّمَ ضَعَّفَ عَمَل الْفِعْل , وَالْهَاء مَحْذُوفَة مِنْ وَعَدَهُ . فِيهِ مَعْنَى التَّحْذِير وَالْوَعِيد'; $TAFSEER['4']['57']['11'] = 'نَدَبَ إِلَى الْإِنْفَاق فِي سَبِيل اللَّه . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " الْقَوْل فِيهِ . وَالْعَرَب تَقُول لِكُلِّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا حَسَنًا : قَدْ أَقْرَضَ , كَمَا قَالَ : وَإِذَا جُوزِيت قَرْضًا فَاجْزِهِ إِنَّمَا يَجْزِي الْفَتَى لَيْسَ الْجَمَل وَسُمِّيَ قَرْضًا , لِأَنَّ الْقَرْض أُخْرِجَ لِاسْتِرْدَادِ الْبَدَل . أَيْ مَنْ ذَا الَّذِي يُنْفِق فِي سَبِيل اللَّه حَتَّى يُبَدِّلهُ اللَّه بِالْأَضْعَافِ الْكَثِيرَة . قَالَ الْكَلْبِيّ : " قَرْضًا " أَيْ صَدَقَة " حَسَنًا " أَيْ مُحْتَسِبًا مِنْ قَلْبه بِلَا مَنّ وَلَا أَذًى . مَا بَيْن السَّبْع إِلَى سَبْعمِائَةِ إِلَى مَا شَاءَ اللَّه مِنْ الْأَضْعَاف . وَقِيلَ : الْقَرْض الْحَسَن هُوَ أَنْ يَقُول سُبْحَان اللَّه وَالْحَمْد اللَّه وَلَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَاَللَّه أَكْبَر , رَوَاهُ سُفْيَان عَنْ أَبِي حَيَّان . وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَم : هُوَ النَّفَقَة عَلَى الْأَهْل . الْحَسَن : التَّطَوُّع بِالْعِبَادَاتِ . وَقِيلَ : إِنَّهُ عَمَل الْخَيْر , وَالْعَرَب تَقُول : لِي عِنْد فُلَان قَرْض صِدْق وَقَرْض سُوء . الْقُشَيْرِيّ : وَالْقَرْض الْحَسَن أَنْ يَكُون الْمُتَصَدِّق صَادِق النِّيَّة طَيِّب النَّفْس , يَبْتَغِي بِهِ وَجْه اللَّه دُون الرِّيَاء وَالسُّمْعَة , وَأَنْ يَكُون مِنْ الْحَلَال . وَمِنْ الْقَرْض الْحَسَن أَلَّا يَقْصِد إِلَى الرَّدِيء فَيُخْرِجهُ , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ " [ الْبَقَرَة : 267 ] وَأَنْ يَتَصَدَّق فِي حَال يَأْمُل الْحَيَاة , فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ أَفْضَل الصَّدَقَة فَقَالَ : ( أَنْ تُعْطِيه وَأَنْتَ صَحِيح شَحِيح تَأْمُل الْعَيْش وَلَا تُمْهَل حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِي قُلْت لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا ) وَأَنْ يُخْفِي صَدَقَته , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْر لَكُمْ " [ الْبَقَرَة : 271 ] وَأَلَّا يَمُنّ , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى " [ الْبَقَرَة : 264 ] وَأَنْ يَسْتَحْقِر كَثِير مَا يُعْطِي , لِأَنَّ الدُّنْيَا كُلّهَا قَلِيلَة , وَأَنْ يَكُون مِنْ أَحَبّ أَمْوَاله , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ " [ آل عِمْرَان : 92 ] وَأَنْ يَكُون كَثِيرًا , لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَفْضَل الرِّقَاب أَغْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسهَا عِنْد أَهْلهَا ) . " فَيُضَاعِفهُ لَهُ " وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن عَامِر " فَيُضَعِّفهُ " بِإِسْقَاطِ الْأَلِف إِلَّا اِبْن عَامِر وَيَعْقُوب نَصَبُوا الْفَاء . وَقَرَأَ نَافِع وَأَهْل الْكُوفَة وَالْبَصْرَة " فَيُضَاعِفهُ " بِالْأَلِفِ وَتَخْفِيف الْعَيْن إِلَّا أَنَّ عَاصِمًا نَصَبَ الْفَاء . وَرَفَعَ الْبَاقُونَ عَطْفًا عَلَى " يُقْرِض " . وَبِالنَّصْبِ جَوَابًا عَلَى الِاسْتِفْهَام . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " الْقَوْل فِي هَذَا مُسْتَوْفًى . يَعْنِي الْجَنَّة .'; $TAFSEER['4']['57']['12'] = 'الْعَامِلُ فِي " يَوْمَ " " وَلَهُ أَجْر كَرِيم " , وَفِي الْكَلَام حَذْف أَيْ " وَلَهُ أَجْر كَرِيم " فِي " يَوْم تَرَى " فِيهِ " الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُومِنَات يَسْعَى نُورهمْ " أَيْ يَمْضِي عَلَى الصِّرَاط فِي قَوْل الْحَسَن , وَهُوَ الضِّيَاء الَّذِي يَمُرُّونَ فِيهِ أَيْ قُدَّامهمْ . قَالَ الْفَرَّاء : الْبَاء بِمَعْنَى فِي , أَيْ فِي أَيْمَانهمْ . أَوْ بِمَعْنَى عَنْ أَيْ عَنْ أَيْمَانهمْ . وَقَالَ الضَّحَّاك : " نُورهمْ " هُدَاهُمْ " وَبِأَيْمَانِهِمْ " كُتُبهمْ , وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ . أَيْ يَسْعَى إِيمَانهمْ وَعَمَلهمْ الصَّالِح بَيْن أَيْدِيهمْ , وَفِي أَيْمَانهمْ كُتُب أَعْمَالهمْ . فَالْبَاء عَلَى هَذَا بِمَعْنَى فِي . وَيَجُوز عَلَى هَذَا أَنْ يُوقَف عَلَى " بَيْن أَيْدِيهمْ " وَلَا يُوقَف إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى عَنْ . وَقَرَأَ سَهْل بْن سَعْد السَّاعِدِيّ وَأَبُو حَيْوَة " وَبِإيمَانِهِمْ " بِكَسْرِ الْأَلِف , أَرَادَ الْإِيمَان الَّذِي هُوَ ضِدّ الْكُفْر وَعَطَفَ مَا لَيْسَ بِظَرْفٍ عَلَى الظَّرْف , لِأَنَّ مَعْنَى الظَّرْف الْحَال وَهُوَ مُتَعَلِّق بِمَحْذُوفٍ . وَالْمَعْنَى يَسْعَى كَائِنًا " بَيْن أَيْدِيهمْ " وَكَائِنًا " بِأَيْمَانِهِمْ " , وَلَيْسَ قَوْله : " بَيْن أَيْدِيهمْ " مُتَعَلِّقًا بِنَفْسِ " يَسْعَى " . وَقِيلَ : أَرَادَ بِالنُّورِ الْقُرْآن . وَعَنْ اِبْن مَسْعُود : يُؤْتَوْنَ نُورهمْ عَلَى قَدْر أَعْمَالهمْ , فَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْتَى نُوره كَالنَّخْلَةِ , وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْتَى نُوره كَالرَّجُلِ الْقَائِم , وَأَدْنَاهُمْ نُورًا مَنْ نُوره عَلَى إِبْهَام رِجْله فَيُطْفَأ مَرَّة وَيُوقَد أُخْرَى . وَقَالَ قَتَادَة : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يُضِيء نُوره كَمَا بَيْن الْمَدِينَة وَعَدَن أَوْ مَا بَيْن الْمَدِينَة وَصَنْعَاء وَدُون ذَلِكَ حَتَّى يَكُون مِنْهُمْ مَنْ لَا يُضِيء نُوره إِلَّا مَوْضِع قَدَمَيْهِ ) قَالَ الْحَسَن : لِيَسْتَضِيئُوا بِهِ عَلَى الصِّرَاط كَمَا تَقَدَّمَ . وَقَالَ مُقَاتِل : لِيَكُونَ دَلِيلًا لَهُمْ إِلَى الْجَنَّة . وَاَللَّه أَعْلَم . التَّقْدِير يُقَال لَهُمْ : " بُشْرَاكُمْ الْيَوْم " دُخُول جَنَّات . وَلَا بُدّ مِنْ تَقْدِير حَذْف الْمُضَاف , لِأَنَّ الْبُشْرَى حَدَث , وَالْجَنَّة عَيْن فَلَا تَكُون هِيَ هِيَ . " تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار " أَيْ مِنْ تَحْتهمْ أَنْهَار اللَّبَن وَالْمَاء وَالْخَمْر وَالْعَسَل مِنْ تَحْت مَسَاكِنهَا . حَال مِنْ الدُّخُول الْمَحْذُوف , التَّقْدِير " بُشْرَاكُمْ الْيَوْم " دُخُول جَنَّات " تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار " مُقَدَّرِينَ الْخُلُود فِيهَا وَلَا تَكُون الْحَال مِنْ بُشْرَاكُمْ , لِأَنَّ فِيهِ فَصْلًا بَيْن الصِّلَة وَالْمَوْصُول . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الْبُشْرَى , كَأَنَّهُ قَالَ : تُبَشَّرُونَ خَالِدِينَ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون الظَّرْف الَّذِي هُوَ " الْيَوْم " خَبَرًا عَنْ " بُشْرَاكُمْ " و " جَنَّات " بَدَلًا مِنْ الْبُشْرَى عَلَى تَقْدِير حَذْف الْمُضَاف كَمَا تَقَدَّمَ . و " خَالِدِينَ " حَال حَسَب مَا تَقَدَّمَ . وَأَجَازَ الْفَرَّاء نَصْب " جَنَّات " عَلَى الْحَال عَلَى أَنْ يَكُون " الْيَوْم " خَبَرًا عَنْ " بُشْرَاكُمْ " وَهُوَ بَعِيد , إِذْ لَيْسَ فِي " جَنَّات " مَعْنَى الْفِعْل . وَأَجَازَ أَنْ يَكُون " بُشْرَاكُمْ " نَصْبًا عَلَى مَعْنَى يُبَشِّرُونَهُمْ بُشْرَى وَيَنْصِب " جَنَّات " بِالْبُشْرَى وَفِيهِ تَفْرِقَة بَيْن الصِّلَة وَالْمَوْصُول . الْكَبِير'; $TAFSEER['4']['57']['13'] = 'الْعَامِل فِي " يَوْم " " ذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم " . وَقِيلَ : هُوَ بَدَل مِنْ الْيَوْم الْأَوَّل . " نَقْتَبِس مِنْ نُوركُمْ " قِرَاءَة الْعَامَّة بِوَصْلِ الْأَلِف مَضْمُومَة الظَّاء مِنْ نَظَر , وَالنَّظَر الِانْتِظَار أَيْ اِنْتَظِرُونَا . وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَحَمْزَة وَيَحْيَى بْن وَثَّاب " أَنْظِرُونَا " بِقَطْعِ الْأَلِف وَكَسْر الظَّاء مِنْ الْإِنْظَار . أَيْ أَمْهِلُونَا وَأَخِّرُونَا , أَنْظَرْته أَخَّرْته , وَاسْتَنْظَرْته أَيْ اسْتَمْهَلْته . وَقَالَ الْفَرَّاء : تَقُول الْعَرَب : أَنْظِرْنِي اِنْتَظِرْنِي , وَأُنْشِدَ لِعَمْرِو بْن كُلْثُوم : أَبَا هِنْد فَلَا تَعْجَل عَلَيْنَا وَأَنْظِرْنَا نُخَبِّرْك الْيَقِينَا أَيْ اِنْتَظِرْنَا . أَيْ نَسْتَضِيء مِنْ نُوركُمْ . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو أُمَامَة : يَغْشَى النَّاس يَوْم الْقِيَامَة ظُلْمَة - قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : أَظُنّهَا بَعْد فَصْل الْقَضَاء - ثُمَّ يُعْطُونَ نُورًا يَمْشُونَ فِيهِ . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : يُعْطِي اللَّه الْمُؤْمِنِينَ نُورًا يَوْم الْقِيَامَة عَلَى قَدْر أَعْمَالهمْ يَمْشُونَ بِهِ عَلَى الصِّرَاط , وَيُعْطِي الْمُنَافِقِينَ أَيْضًا نُورًا خَدِيعَة لَهُمْ , دَلِيله قَوْله تَعَالَى : " وَهُوَ خَادِعهمْ " [ النِّسَاء : 142 ] . وَقِيلَ : إِنَّمَا يُعْطُونَ النُّور , لِأَنَّ جَمِيعهمْ أَهْل دَعْوَة دُون الْكَافِر , ثُمَّ يُسْلَب الْمُنَافِق نُوره لِنِفَاقِهِ , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ أَبُو أُمَامَة : يُعْطَى الْمُؤْمِن النُّور وَيُتْرَك الْكَافِر وَالْمُنَافِق بِلَا نُور . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : بَلْ يَسْتَضِيء الْمُنَافِقُونَ بِنُورِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يُعْطُونَ النُّور , فَبَيْنَمَا هُمْ يَمْشُونَ إِذْ بَعَثَ اللَّه فِيهِمْ رِيحًا وَظُلْمَة فَأَطْفَأَ بِذَلِكَ نُور الْمُنَافِقِينَ , فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " رَبّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورنَا " [ التَّحْرِيم : 8 ] يَقُولهُ الْمُؤْمِنُونَ , خَشْيَة أَنْ يُسْلَبُوهُ كَمَا سَلَبَهُ الْمُنَافِقُونَ , فَإِذَا بَقِيَ الْمُنَافِقُونَ فِي الظُّلْمَة لَا يُبْصِرُونَ مَوَاضِع أَقْدَامهمْ قَالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ : " اُنْظُرُونَا نَقْتَبِس مِنْ نُوركُمْ " . أَيْ قَالَتْ لَهُمْ الْمَلَائِكَة " اِرْجِعُوا " . وَقِيلَ : بَلْ هُوَ قَوْل الْمُؤْمِنِينَ لَهُمْ " اِرْجِعُوا وَرَاءَكُمْ " إِلَى الْمَوْضِع الَّذِي أَخَذْنَا مِنْهُ النُّور فَاطْلُبُوا هُنَالِكَ لِأَنْفُسِكُمْ نُورًا فَإِنَّكُمْ لَا تَقْتَبِسُونَ مِنْ نُورنَا . فَلَمَّا رَجَعُوا وَانْعَزَلُوا فِي طَلَب النُّور وَقِيلَ : أَيْ هَلَّا طَلَبْتُمْ النُّور مِنْ الدُّنْيَا بِأَنْ تُؤْمِنُوا . " بِسُورٍ " أَيْ سُور , وَالْبَاء صِلَة . قَالَهُ الْكِسَائِيّ . وَالسُّور حَاجِز بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار . وَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ السُّور بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ عِنْد مَوْضِع يُعْرَف بِوَادِي جَهَنَّم . يَعْنِي مَا يَلِي مِنْهُ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي مَا يَلِي الْمُنَافِقِينَ . قَالَ كَعْب الْأَحْبَار : هُوَ الْبَاب الَّذِي بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ الْمَعْرُوف بِبَابِ الرَّحْمَة . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : إِنَّهُ سُور بَيْت الْمَقْدِسِ الشَّرْقِيّ بَاطِنه فِيهِ الْمَسْجِد " وَظَاهِره مِنْ قِبَله الْعَذَاب " يَعْنِي جَهَنَّم . وَنَحْوه عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ زِيَاد بْن أَبِي سَوَادَة : قَامَ عُبَادَة بْن الصَّامِت عَلَى سُور بَيْت الْمَقْدِسِ الشَّرْقِيّ فَبَكَى , وَقَالَ : مِنْ هَاهُنَا أَخْبَرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى جَهَنَّم . وَقَالَ قَتَادَة : هُوَ حَائِط بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار " بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة " يَعْنِي الْجَنَّة " وَظَاهِره مِنْ قِبَله الْعَذَاب " يَعْنِي جَهَنَّم . وَقَالَ مُجَاهِد : إِنَّهُ حِجَاب كَمَا فِي " الْأَعْرَاف " وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِيهِ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الرَّحْمَة الَّتِي فِي بَاطِنه نُور الْمُؤْمِنِينَ , وَالْعَذَاب الَّذِي فِي ظَاهِره ظُلْمَة الْمُنَافِقِينَ .'; $TAFSEER['4']['57']['14'] = 'أَيْ يُنَادِي الْمُنَافِقُونَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا يَعْنِي نُصَلِّي مِثْل مَا تُصَلُّونَ , وَنَغْزُو مِثْل مَا تَغْزُونَ , وَنَفْعَل مِثْل , مَا تَفْعَلُونَ أَيْ يَقُول الْمُؤْمِنُونَ " بَلَى " قَدْ كُنْتُمْ مَعَنَا فِي الظَّاهِر أَيْ اِسْتَعْمَلْتُمُوهَا فِي الْفِتْنَة . وَقَالَ مُجَاهِد : أَهْلَكْتُمُوهَا بِالنِّفَاقِ . وَقِيلَ : بِالْمَعَاصِي , قَالَهُ أَبُو سِنَان . وَقِيلَ : بِالشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّات , رَوَاهُ أَبُو نُمَيْر الْهَمْدَانِيّ . أَيْ " تَرَبَّصْتُمْ " بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَوْت , وَبِالْمُؤْمِنِينَ الدَّوَائِر . وَقِيلَ : " تَرَبَّصْتُمْ " بِالتَّوْبَةِ أَيْ شَكَكْتُمْ فِي التَّوْحِيد وَالنُّبُوَّة أَيْ الْأَبَاطِيل . وَقِيلَ : طُول الْأَمَل . وَقِيلَ : هُوَ مَا كَانُوا يَتَمَنَّوْنَهُ مِنْ ضَعْف الْمُؤْمِنِينَ وَنُزُول الدَّوَائِر بِهِمْ . وَقَالَ قَتَادَة : الْأَمَانِيّ هُنَا خُدُع الشَّيْطَان . وَقِيلَ : الدُّنْيَا , قَالَهُ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس . وَقَالَ أَبُو سِنَان : هُوَ قَوْلهمْ سَيُغْفَرُ لَنَا . وَقَالَ بِلَال بْن سَعْد : ذِكْرك حَسَنَاتك وَنِسْيَانك سَيِّئَاتك غِرَّة . يَعْنِي الْمَوْت . وَقِيلَ : نُصْرَة نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ قَتَادَة : إِلْقَاؤُهُمْ فِي النَّار . أَيْ خَدَعَكُمْ أَيْ الشَّيْطَان , قَالَهُ عِكْرِمَة . وَقِيلَ : الدُّنْيَا , قَالَهُ الضَّحَّاك . وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : إِنَّ لِلْبَاقِي بِالْمَاضِي مُعْتَبَرًا , وَلِلْآخَرِ بِالْأَوَّلِ مُزْدَجَرًا , وَالسَّعِيد مَنْ لَا يَغْتَرّ بِالطَّمَعِ , وَلَا يَرْكَن إِلَى الْخُدَع , وَمَنْ ذَكَرَ الْمَنِيَّة نَسِيَ الْأُمْنِيَّة , وَمَنْ أَطَالَ الْأَمَل نَسِيَ الْعَمَل , وَغَفَلَ عَنْ الْأَجَل . وَجَاءَ " الْغَرُور " عَلَى لَفْظ الْمُبَالَغَة لِلْكَثْرَةِ . وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة وَمُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع وَسِمَاك بْن حَرْب " الْغُرُور " بِضَمِّ الْغَيْن يَعْنِي الْأَبَاطِيل وَهُوَ مَصْدَر . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَّ لَنَا خُطُوطًا , وَخَطَّ مِنْهَا خَطًّا نَاحِيَة فَقَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَا هَذَا هَذَا مَثَل اِبْن آدَم وَمَثَل التَّمَنِّي وَتِلْكَ الْخُطُوط الْآمَال بَيْنَمَا هُوَ يَتَمَنَّى إِذْ جَاءَهُ الْمَوْت ) . وَعَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : خَطَّ لَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعًا , وَخَطَّ وَسَطه خَطًّا وَجَعَلَهُ خَارِجًا مِنْهُ , وَخَطَّ عَنْ يَمِينه وَيَسَاره خُطُوطًا صِغَارًا فَقَالَ : ( هَذَا اِبْن آدَم وَهَذَا أَجَله مُحِيط بِهِ وَهَذَا أَمَله قَدْ جَاوَزَ أَجَله وَهَذِهِ الْخُطُوط الصِّغَار الْأَعْرَاض فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا ) .'; $TAFSEER['4']['57']['15'] = 'أَيّهَا الْمُنَافِقُونَ " وَلَا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا " أَيْأَسهُمْ مِنْ النَّجَاة . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " يُؤْخَذ " بِالْيَاءِ , لِأَنَّ التَّأْنِيث غَيْر حَقِيقِيّ , وَلِأَنَّهُ قَدْ فَصَلَ بَيْنهَا وَبَيْن الْفِعْل . وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَيَعْقُوب " تُؤْخَذ " بِالتَّاءِ وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم لِتَأْنِيثِ الْفِدْيَة . وَالْأَوَّل اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد , أَيْ لَا يُقْبَل مِنْكُمْ بَدَل وَلَا عِوَض وَلَا نَفْس أُخْرَى . أَيْ مَقَامكُمْ وَمَنْزِلكُمْ أَيْ أَوْلَى بِكُمْ , وَالْمَوْلَى مَنْ يَتَوَلَّى مَصَالِح الْإِنْسَان , ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِيمَنْ كَانَ مُلَازِمًا لِلشَّيْءِ . وَقِيلَ : أَيْ النَّار تَمْلِك أَمْرهمْ , بِمَعْنَى أَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُرَكِّب فِيهَا الْحَيَاة وَالْعَقْل فَهِيَ تَتَمَيَّز غَيْظًا عَلَى الْكُفَّار , وَلِهَذَا خُوطِبَتْ فِي قَوْله تَعَالَى : " يَوْم نَقُول لِجَهَنَّم هَلْ اِمْتَلَأْت وَتَقُول هَلْ مِنْ مَزِيد " [ ق : 30 ] . أَيْ سَاءَتْ مَرْجِعًا وَمَصِيرًا .'; $TAFSEER['4']['57']['16'] = '" أَلَمْ يَأْنِ " أَيْ يَقْرَب وَيَحِين , قَالَ الشَّاعِر : أَلَمْ يَأْنِ لِي يَا قَلْب أَنْ أَتْرُك الْجَهْلَا وَأَنْ يُحْدِث الشَّيْب الْمُبِين لَنَا عَقْلَا وَمَاضِيه أَنَى بِالْقَصْرِ يَأْنِي . وَيُقَال : آنَ لَك - بِالْمَدِّ - أَنْ تَفْعَل كَذَا يَئِين أَيْنًا أَيْ حَانَ , مِثْل أَنَى لَك وَهُوَ مَقْلُوب مِنْهُ . وَأَنْشَدَ اِبْن السِّكِّيت : أَلَمَّا يَئِنْ لِي أَنْ تَجَلَّى عَمَايَتِي وَأَقْصُرُ عَنْ لَيْلَى بَلَى قَدْ أَنَى لِيَا فَجَمَعَ بَيْن اللُّغَتَيْنِ . وَقَرَأَ الْحَسَن " أَلَمَّا يَأْنِ " وَأَصْلهَا " أَلَمْ " زِيدَتْ " مَا " فَهِيَ نَفْي لِقَوْلِ الْقَائِل : قَدْ كَانَ كَذَا , و " لَمْ " نَفْي لِقَوْلِهِ : كَانَ كَذَا . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : مَا كُنَّا بَيْن إِسْلَامنَا وَبَيْن أَنْ عَاتَبَنَا اللَّه بِهَذِهِ الْآيَة " أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَع قُلُوبهمْ لِذِكْرِ اللَّه " إِلَّا أَرْبَع سِنِينَ . قَالَ الْخَلِيل : الْعِتَاب مُخَاطَبَة الْإِدْلَال وَمُذَاكَرَة الْمُوجِدَة , تَقُول عَاتَبْته مُعَاتَبَة " أَنْ تَخْشَع " أَيْ تُذِلّ وَتَلِينَ " قُلُوبهمْ لِذِكْرِ اللَّه وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقّ " رُوِيَ أَنَّ الْمِزَاح وَالضَّحِك كَثُرَ فِي أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَرَفَّهُوا بِالْمَدِينَةِ , فَنَزَلَتْ الْآيَة , وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه يَسْتَبْطِئكُمْ بِالْخُشُوعِ ) فَقَالُوا عِنْد ذَلِكَ : خَشَعْنَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ اللَّه اِسْتَبْطَأَ قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ , فَعَاتَبَهُمْ عَلَى رَأْس ثَلَاث عَشْرَة سَنَة مِنْ نُزُول الْقُرْآن . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ بَعْد الْهِجْرَة بِسَنَةٍ . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ سَأَلُوا سَلْمَان أَنْ يُحَدِّثهُمْ بِعَجَائِب التَّوْرَاة فَنَزَلَتْ : " الر تِلْكَ آيَات الْكِتَاب الْمُبِين " [ يُوسُف : 1 ] إِلَى قَوْله : " نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْك أَحْسَن الْقَصَص " [ يُوسُف : 3 ] الْآيَة , فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ هَذَا الْقَصَص أَحْسَن مِنْ غَيْره وَأَنْفَع لَهُمْ , فَكَفُّوا عَنْ سَلْمَان , ثُمَّ سَأَلُوهُ مِثْل الْأَوَّل فَنَزَلَتْ : " أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَع قُلُوبهمْ لِذِكْرِ اللَّه وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقّ " فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل يَكُون الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْعَلَانِيَة بِاللِّسَانِ . قَالَ السُّدِّيّ وَغَيْره : " أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا " بِالظَّاهِرِ وَأَسَرُّوا الْكُفْر " أَنْ تَخْشَع قُلُوبهمْ لِذِكْرِ اللَّه " . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ سَعْد : قِيلَ يَا رَسُول اللَّه لَوْ قَصَصْت عَلَيْنَا فَنَزَلَ : " نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْك " فَقَالُوا بَعْد زَمَان : لَوْ حَدَّثْتنَا فَنَزَلَ : " اللَّه نَزَّلَ أَحْسَن الْحَدِيث " [ الزُّمَر : 23 ] فَقَالُوا بَعْد مُدَّة : لَوْ ذَكَّرْتنَا فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُو أَنْ تَخْشَع قُلُوبهمْ لِذِكْرِ اللَّه وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقّ " وَنَحْوه عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : مَا كَانَ بَيْن إِسْلَامنَا وَبَيْن أَنْ عُوتِبْنَا بِهَذِهِ الْآيَة إِلَّا أَرْبَع سِنِينَ , فَجَعَلَ يَنْظُر بَعْضنَا إِلَى بَعْض وَيَقُول : مَا أَحْدَثنَا ؟ قَالَ الْحَسَن : أَسْتَبْطَأَهُمْ وَهُمْ أَحَبّ خَلْقه إِلَيْهِ . وَقِيلَ : هَذَا الْخِطَاب لِمَنْ آمَنَ بِمُوسَى وَعِيسَى دُون مُحَمَّد عَلَيْهِمْ السَّلَام لِأَنَّهُ قَالَ عَقِيب هَذَا : " وَاَلَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرُسُله " [ الْحَدِيد : 19 ] أَيْ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيل أَنْ تَلِينَ قُلُوبهمْ لِلْقُرْآنِ , وَأَلَّا يَكُونُوا كَمُتَقَدِّمِي قَوْم مُوسَى وَعِيسَى , إِذْ طَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَد بَيْنهمْ وَبَيْن نَبِيّهمْ فَقَسَتْ قُلُوبهمْ . أَيْ وَأَلَّا يَكُونُوا فَهُوَ مَنْصُوب عَطْفًا عَلَى " أَنْ تَخْشَع " . وَقِيلَ : مَجْزُوم عَلَى النَّهْي , مَجَازه وَلَا يَكُونَن , وَدَلِيل هَذَا التَّأْوِيل رِوَايَة رُوَيْس عَنْ يَعْقُوب " لَا تَكُونُوا " بِالتَّاءِ , وَهِيَ قِرَاءَة عِيسَى وَابْن إِسْحَاق . يَقُول : لَا تَسْلُكُوا سَبِيل الْيَهُود وَالنَّصَارَى , أَعْطُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل فَطَالَتْ الْأَزْمَان بِهِمْ . قَالَ اِبْن مَسْعُود : إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيل لَمَّا طَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَد قَسَتْ قُلُوبهمْ , فَاخْتَرَعُوا كِتَابًا مِنْ عِنْد أَنْفُسهمْ اِسْتَحَلَّتْهُ أَنْفُسهمْ , وَكَانَ الْحَقّ يَحُول بَيْنهمْ وَبَيْن كَثِير مِنْ شَهَوَاتهمْ , حَتَّى نَبَذُوا كِتَاب اللَّه وَرَاء ظُهُورهمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ , ثُمَّ قَالُوا : اِعْرِضُوا هَذَا الْكِتَاب عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل , فَإِنْ تَابَعُوكُمْ فَاتْرُكُوهُمْ وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُمْ . ثُمَّ اِصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يُرْسِلُوهُ إِلَى عَالِم مِنْ عُلَمَائِهِمْ , وَقَالُوا : إِنْ هُوَ تَابَعَنَا لَمْ يُخَالِفنَا أَحَد , وَإِنْ أَبَى قَتَلْنَاهُ فَلَا يَخْتَلِف عَلَيْنَا بَعْده أَحَد , فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ , فَكَتَبَ كِتَاب اللَّه فِي وَرَقَة وَجَعَلَهَا فِي قَرْن وَعَلَّقَهُ فِي عُنُقه ثُمَّ لَبِسَ عَلَيْهِ ثِيَابه , فَأَتَاهُمْ فَعَرَضُوا عَلَيْهِ كِتَابهمْ , وَقَالُوا : أَتُؤْمِنُ بِهَذَا ؟ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْره , وَقَالَ : آمَنْت بِهَذَا يَعْنِي الْمُعَلَّق عَلَى صَدْره . فَافْتَرَقَتْ بَنُو إِسْرَائِيل عَلَى بِضْع وَسَبْعِينَ مِلَّة , وَخَيْر مِلَلهمْ أَصْحَاب ذِي الْقَرْن . قَالَ عَبْد اللَّه : وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى مُنْكَرًا , وَبِحَسَبِ أَحَدكُمْ إِذَا رَأَى الْمُنْكَر لَا يَسْتَطِيع أَنْ يُغَيِّرهُ أَنْ يَعْلَم اللَّه مِنْ قَلْبه أَنَّهُ لَهُ كَارِه . وَقَالَ مُقَاتِل بْن حَيَّان : يَعْنِي مُؤْمِنِي أَهْل الْكِتَاب طَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَد وَاسْتَبْطَئُوا بَعْث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَقَسَتْ قُلُوبهمْ وَكَثِير مِنْهُمْ فَاسِقُونَ " يَعْنِي الَّذِينَ اِبْتَدَعُوا الرَّهْبَانِيَّة أَصْحَاب الصَّوَامِع . وَقِيلَ : مَنْ لَا يَعْلَم مَا يَتَدَيَّن بِهِ مِنْ الْفِقْه وَيُخَالِف مَنْ يَعْلَم . وَقِيلَ : هُمْ مَنْ لَا يُؤْمِن فِي عِلْم اللَّه تَعَالَى . ثَبَتَتْ طَائِفَة مِنْهُمْ عَلَى دِين عِيسَى حَتَّى بَعَثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنُوا بِهِ , وَطَائِفَة مِنْهُمْ رَجَعُوا عَنْ دِين عِيسَى وَهُمْ الَّذِينَ فَسَّقَهُمْ اللَّه . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : كَانَتْ الصَّحَابَة بِمَكَّة مُجْدِبِينَ , فَلَمَّا هَاجَرُوا أَصَابُوا الرِّيف وَالنِّعْمَة , فَفَتَرُوا عَمَّا كَانُوا فِيهِ , فَقَسَتْ قُلُوبهمْ , فَوَعَظَهُمْ اللَّه فَأَفَاقُوا . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك : أَخْبَرَنَا مَالِك بْن أَنَس , قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِقَوْمِهِ : لَا تُكْثِرُوا الْكَلَام بِغَيْرِ ذِكْر اللَّه تَعَالَى فَتَقْسُو قُلُوبكُمْ , فَإِنَّ الْقَلْب الْقَاسِي بَعِيد مِنْ اللَّه وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ . وَلَا تَنْظُرُوا فِي ذُنُوب النَّاس كَأَنَّكُمْ أَرْبَاب وَانْظُرُوا فِيهَا - أَوْ قَالَ فِي ذُنُوبكُمْ - كَأَنَّكُمْ عَبِيد , فَإِنَّمَا النَّاس رَجُلَانِ مُعَافًى وَمُبْتَلًى , فَارْحَمُوا أَهْل الْبَلَاء , وَاحْمَدُوا اللَّه عَلَى الْعَافِيَة . وَهَذِهِ الْآيَة " أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَع قُلُوبهمْ لِذِكْرِ اللَّه " كَانَتْ سَبَب تَوْبَة الْفُضَيْل بْن عِيَاض وَابْن الْمُبَارَك رَحِمَهُمَا اللَّه تَعَالَى . ذَكَرَ أَبُو الْمُطَّرِف عَبْد الرَّحْمَن بْن مَرْوَان الْقَلَانِسِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن بْن رَشِيق , قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن يَعْقُوب الزَّيَّات , قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن هِشَام , قَالَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْن أَبِي أَبَان , قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْث بْن الْحَارِث قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن دَاهِر , قَالَ سُئِلَ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك عَنْ بَدْء زُهْده قَالَ : كُنْت يَوْمًا مَعَ إِخْوَانِي فِي بُسْتَان لَنَا , وَذَلِكَ حِين حَمَلَتْ الثِّمَار مِنْ أَلْوَان الْفَوَاكِه , فَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا حَتَّى اللَّيْل فَنِمْنَا , وَكُنْت مُولَعًا بِضَرْبِ الْعُود وَالطُّنْبُور , فَقُمْت فِي بَعْض اللَّيْل فَضَرَبْت بِصَوْتٍ يُقَال لَهُ رَاشِينَ السَّحَر , وَأَرَادَ سِنَان يُغَنِّي , وَطَائِر يَصِيح فَوْق رَأْسِي عَلَى شَجَرَة , وَالْعُود بِيَدِي لَا يُجِيبنِي إِلَى مَا أُرِيد , وَإِذَا بِهِ يَنْطِق كَمَا يَنْطِق الْإِنْسَان - يَعْنِي الْعُود الَّذِي بِيَدِهِ - وَيَقُول : " أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَع قُلُوبهمْ لِذِكْرِ اللَّه وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقّ " قُلْت : بَلَى وَاَللَّه ! وَكَسَرْت الْعُود , وَصَرَفْت مَنْ كَانَ عِنْدِي , فَكَانَ هَذَا أَوَّل زُهْدِي وَتَشْمِيرِي . وَبَلَغْنَا عَنْ الشِّعْر الَّذِي أَرَادَ اِبْن الْمُبَارَك أَنْ يَضْرِب بِهِ الْعُود : أَلَمْ يَأْنِ لِي مِنْك أَنْ تَرْحَمَا وَتَعْصِ الْعَوَاذِل وَاللُّوَّمَا وَتَرْثِي لِصَبٍّ بِكُمْ مُغْرَم أَقَامَ عَلَى هَجْركُمْ مَأْتَمَا يَبِيت إِذَا جَنَّهُ لَيْله يُرَاعِي الْكَوَاكِب وَالْأَنْجُمَا وَمَاذَا عَلَى الظَّبْي لَوْ أَنَّهُ أَحَلَّ مِنْ الْوَصْل مَا حَرَّمَا وَأَمَّا الْفُضَيْل بْن عِيَاض فَكَانَ سَبَب تَوْبَته أَنَّهُ عَشِقَ جَارِيَة فَوَاعَدَتْهُ لَيْلًا , فَبَيْنَمَا هُوَ يَرْتَقِي الْجُدْرَان إِلَيْهَا إِذْ سَمِعَ قَارِئًا يَقْرَأ : " أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَع قُلُوبهمْ لِذِكْرِ اللَّه " فَرَجَعَ الْقَهْقَرَى وَهُوَ يَقُول : بَلَى وَاَللَّه قَدْ آنَ فَآوَاهُ اللَّيْل إِلَى خَرِبَة وَفِيهَا جَمَاعَة مِنْ السَّابِلَة , وَبَعْضهمْ يَقُول لِبَعْضٍ : إِنَّ فُضَيْلًا يَقْطَع الطَّرِيق . فَقَالَ الْفُضَيْل : أَوَّاه أَرَانِي بِاللَّيْلِ أَسْعَى فِي مَعَاصِي اللَّه , قَوْم مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَخَافُونَنِي ! اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ تُبْت إِلَيْك , وَجَعَلْت تَوْبَتِي إِلَيْك جِوَار بَيْتك الْحَرَام .'; $TAFSEER['4']['57']['17'] = 'أَيْ " يُحْيِي الْأَرْض " الْجَدْبَة " بَعْد مَوْتهَا " بِالْمَطَرِ . وَقَالَ صَالِح الْمُرِّيّ : الْمَعْنَى يَلِينَ الْقُلُوب بَعْد قَسَاوَتهَا . وَقَالَ جَعْفَر بْن مُحَمَّد : يُحْيِيهَا بِالْعَدْلِ بَعْد الْجَوْر . وَقِيلَ : الْمَعْنَى فَكَذَلِكَ يُحْيِي الْكَافِر بِالْهُدَى إِلَى الْإِيمَان بَعْد مَوْته بِالْكُفْرِ وَالضَّلَالَة . وَقِيلَ : كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّه الْمَوْتَى مِنْ الْأُمَم , وَيُمَيِّز بَيْن الْخَاشِع قَلْبه وَبَيْن الْقَاسِي قَلْبه . أَيْ إِحْيَاء اللَّه الْأَرْض بَعْد مَوْتهَا دَلِيل عَلَى قُدْرَة اللَّه , وَأَنَّهُ لَمُحْيِي الْمَوْتَى .'; $TAFSEER['4']['57']['18'] = 'قَرَأَ اِبْن كَثِير وَأَبُو بَكْر عَنْ عَاصِم بِتَخْفِيفِ الصَّاد فِيهِمَا مِنْ التَّصْدِيق , أَيْ الْمُصَّدِّقِينَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى . الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ الْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَات فَأُدْغِمَتْ التَّاء فِي الصَّاد , وَكَذَلِكَ فِي مُصْحَف أُبَيّ . وَهُوَ حَثّ عَلَى الصَّدَقَات , وَلِهَذَا بِالصَّدَقَةِ وَالنَّفَقَة فِي سَبِيل اللَّه . قَالَ الْحَسَن : كُلّ مَا فِي الْقُرْآن مِنْ الْقَرْض الْحَسَن فَهُوَ التَّطَوُّع . وَقِيلَ : هُوَ الْعَمَل الصَّالِح مِنْ الصَّدَقَة وَغَيْرهَا مُحْتَسِبًا صَادِقًا . وَإِنَّمَا عُطِفَ بِالْفِعْلِ عَلَى الِاسْم , لِأَنَّ ذَلِكَ الِاسْم فِي تَقْدِير الْفِعْل , أَيْ إِنَّ الَّذِينَ تَصَدَّقُوا وَأَقْرَضُوا أَمْثَالهَا . وَقِرَاءَة الْعَامَّة بِفَتْحِ الْعَيْن عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله . وَقَرَأَ الْأَعْمَش " يُضَاعِفهُ " بِكَسْرِ الْعَيْن وَزِيَادَة هَاء . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن عَامِر وَيَعْقُوب " يُضَعَّف " بِفَتْحِ الْعَيْن وَتَشْدِيدهَا . يَعْنِي الْجَنَّة .'; $TAFSEER['4']['57']['19'] = 'اُخْتُلِفَ فِي " الشُّهَدَاء " هَلْ هُوَ مَقْطُوع مِمَّا قَبْل أَوْ مُتَّصِل بِهِ . فَقَالَ مُجَاهِد وَزَيْد بْن أَسْلَم : إِنَّ الشُّهَدَاء وَالصِّدِّيقِينَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَنَّهُ مُتَّصِل , وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُوقَف عَلَى هَذَا عَلَى قَوْله : " الصِّدِّيقُونَ " وَهَذَا قَوْل اِبْن مَسْعُود فِي تَأْوِيل الْآيَة . قَالَ الْقُشَيْرِيّ قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ " [ النِّسَاء : 69 ] فَالصِّدِّيقُونَ هُمْ الَّذِينَ يَتْلُونَ الْأَنْبِيَاء , وَالشُّهَدَاء هُمْ الَّذِينَ يَتْلُونَ الصِّدِّيقِينَ , وَالصَّالِحُونَ يَتْلُونَ الشُّهَدَاء , فَيَجُوز أَنْ تَكُون هَذِهِ الْآيَة فِي جُمْلَة مَنْ صَدَّقَ بِالرُّسُلِ , أَعْنِي " وَاَلَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرُسُله أُولَئِكَ هُمْ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء " . وَيَكُون الْمَعْنَى بِالشُّهَدَاءِ مَنْ شَهِدَ لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ , فَيَكُون صِدِّيق فَوْق صِدِّيق فِي الدَّرَجَات , كَمَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَهْل الْجَنَّات الْعُلَا لَيَرَاهُمْ مَنْ دُونهمْ كَمَا يَرَى أَحَدكُمْ الْكَوْكَب الَّذِي فِي أُفُق السَّمَاء وَإِنَّ أَبَا بَكْر وَعُمَر مِنْهُمْ وَأَنْعَمَا ) وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمَسْرُوق أَنَّ الشُّهَدَاء غَيْر الصِّدِّيقِينَ . فَالشُّهَدَاء عَلَى هَذَا مُنْفَصِل مِمَّا قَبْله وَالْوَقْف عَلَى قَوْله : " الصِّدِّيقُونَ " حَسَن . وَالْمَعْنَى " وَالشُّهَدَاء عِنْد رَبّهمْ لَهُمْ أَجْرهمْ وَنُورهمْ " أَيْ لَهُمْ أَجْر أَنْفُسهمْ وَنُور أَنْفُسهمْ . وَفِيهِمْ قَوْلَانِ أَحَدهمَا : أَنَّهُمْ الرُّسُل يَشْهَدُونَ عَلَى أُمَمهمْ بِالتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيب , قَالَهُ الْكَلْبِيّ , وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى : " وَجِئْنَا بِك عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا " [ النِّسَاء : 41 ] . الثَّانِي : أَنَّهُمْ أُمَم الرُّسُل يَشْهَدُونَ يَوْم الْقِيَامَة , وَفِيمَا يَشْهَدُونَ بِهِ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ بِمَا عَمِلُوا مِنْ طَاعَة وَمَعْصِيَة . وَهَذَا مَعْنَى قَوْل مُجَاهِد . الثَّانِي : يَشْهَدُونَ لِأَنْبِيَائِهِمْ بِتَبْلِيغِهِمْ الرِّسَالَة إِلَى أُمَمهمْ , قَالَ الْكَلْبِيّ . وَقَالَ مُقَاتِل قَوْلًا ثَالِثًا : إِنَّهُمْ الْقَتْلَى فِي سَبِيل اللَّه تَعَالَى . وَنَحْوه عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا قَالَ : أَرَادَ شُهَدَاء الْمُؤْمِنِينَ . وَالْوَاو وَاو الِابْتِدَاء . وَالصِّدِّيقُونَ عَلَى هَذَا الْقَوْل مَقْطُوع مِنْ الشُّهَدَاء . وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَعْيِينهمْ , فَقَالَ الضَّحَّاك : هُمْ ثَمَانِيَة نَفَر , أَبُو بَكْر وَعَلِيّ وَزَيْد وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسَعْد وَحَمْزَة . وَتَابَعَهُمْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ , أَلْحَقَهُ اللَّه بِهِمْ لَمَّا صَدَّقَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ مُقَاتِل بْن حَيَّان : الصِّدِّيقُونَ هُمْ الَّذِينَ آمَنُوا بِالرُّسُلِ وَلَمْ يُكَذِّبُوهُمْ طَرْفَة عَيْن , مِثْل مُؤْمِن آل فِرْعَوْن , وَصَاحِب آل يَاسِين , وَأَبِي بَكْر الصِّدِّيق , وَأَصْحَاب الْأُخْدُود . أَيْ بِالرُّسُلِ وَالْمُعْجِزَات فَلَا أَجْر لَهُمْ وَلَا نُور .'; $TAFSEER['4']['57']['20'] = 'وَجْه الِاتِّصَال أَنَّ الْإِنْسَان قَدْ يَتْرُك الْجِهَاد خَوْفًا عَلَى نَفْسه مِنْ الْقَتْل , وَخَوْفًا مِنْ لُزُوم الْمَوْت , فَبَيَّنَ أَنَّ الْحَيَاة الدُّنْيَا مُنْقَضِيَة فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَك أَمْر اللَّه مُحَافَظَة عَلَى مَا لَا يَبْقَى . و " مَا " صِلَة تَقْدِيره : اِعْلَمُوا أَنَّ الْحَيَاة الدُّنْيَا لَعِب بَاطِل وَلَهْو فَرَح ثُمَّ يَنْقَضِي . وَقَالَ قَتَادَة : لَعِب وَلَهْو : أَكْل وَشُرْب . وَقِيلَ : إِنَّهُ عَلَى الْمَعْهُود مِنْ اِسْمه , قَالَ مُجَاهِد : كُلّ لَعِب لَهْو . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْأَنْعَام " وَقِيلَ : اللَّعِب مَا رَغِبَ فِي الدُّنْيَا , وَاللَّهْو مَا أَلْهَى عَنْ الْآخِرَة , أَيْ شُغِلَ عَنْهَا . وَقِيلَ : اللَّعِب الِاقْتِنَاء , وَاللَّهْو النِّسَاء . الزِّينَة مَا يُتَزَيَّن بِهِ , فَالْكَافِر يَتَزَيَّن بِالدُّنْيَا وَلَا يَعْمَل لِلْآخِرَةِ , وَكَذَلِكَ مَنْ تَزَيَّنَ فِي غَيْر طَاعَة اللَّه . أَيْ يَفْخَر بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض بِهَا . وَقِيلَ : بِالْخِلْقَةِ وَالْقُوَّة . وَقِيلَ : بِالْأَنْسَابِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْمُفَاخَرَة بِالْآبَاءِ . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّه أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِي أَحَد عَلَى أَحَد وَلَا يَفْخَر أَحَد عَلَى أَحَد ) وَصَحَّ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنَّهُ قَالَ : ( أَرْبَع فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْر الْجَاهِلِيَّة الْفَخْر فِي الْأَحْسَاب ) الْحَدِيث . وَقَدْ تَقَدَّمَ جَمِيع هَذَا . لِأَنَّ عَادَة الْجَاهِلِيَّة أَنْ تَتَكَاثَر بِالْأَبْنَاءِ وَالْأَمْوَال , وَتَكَاثُر الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِيمَانِ وَالطَّاعَة . قَالَ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ : " لَعِب " كَلَعِبِ الصِّبْيَان " وَلَهْو " كَلَهْوِ الْفِتْيَان " وَزِينَة " كَزِينَةِ النِّسْوَانِ " وَتَفَاخُر " كَتَفَاخُرِ الْأَقْرَان " وَتَكَاثُر " كَتَكَاثُرِ الدِّهْقَان . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنَّ الدُّنْيَا كَهَذِهِ الْأَشْيَاء فِي الزَّوَال وَالْفَنَاء . وَعَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ لِعَمَّارٍ : لَا تَحْزَن عَلَى الدُّنْيَا فَإِنَّ الدُّنْيَا سِتَّة أَشْيَاء : مَأْكُول وَمَشْرُوب وَمَلْبُوس وَمَشْمُوم وَمَرْكُوب وَمَنْكُوح , فَأَحْسَن طَعَامهَا الْعَسَل وَهُوَ بَزْقَة ذُبَابَة , وَأَكْثَر شَرَابهَا الْمَاء يَسْتَوِي فِيهِ جَمِيع الْحَيَوَان , وَأَفْضَل مَلْبُوسهَا الدِّيبَاج وَهُوَ نَسْج دُودَة , وَأَفْضَل الْمَشْمُوم الْمِسْك وَهُوَ دَم فَأْرَة , وَأَفْضَل الْمَرْكُوب الْفَرَس وَعَلَيْهَا يُقْتَل الرِّجَال , وَأَمَّا الْمَنْكُوح فَالنِّسَاء وَهُوَ مَبَال فِي مَبَال , وَاَللَّه إِنَّ الْمَرْأَة لَتُزَيِّن أَحْسَنهَا يُرَاد بِهِ أَقْبَحهَا . ثُمَّ ضَرَبَ اللَّه تَعَالَى لَهَا مَثَلًا بِالزَّرْعِ فِي غَيْث فَقَالَ : أَيْ مَطَر الْكُفَّار هُنَا : الزُّرَّاع لِأَنَّهُمْ يَغُطُّونَ الْبَذْر . وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحَيَاة الدُّنْيَا كَالزَّرْعِ يُعْجِب النَّاظِرِينَ إِلَيْهِ لِخُضْرَتِهِ بِكَثْرَةِ الْأَمْطَار , ثُمَّ لَا يَلْبَث أَنْ يَصِير هَشِيمًا كَأَنْ لَمْ يَكُنْ , وَإِذَا أَعْجَبَ الزُّرَّاع فَهُوَ غَايَة مَا يُسْتَحْسَن . وَقَدْ مَضَى مَعْنَى هَذَا الْمَثَل فِي " يُونُس " و " الْكَهْف " . وَقِيلَ : الْكُفَّار هُنَا الْكَافِرُونَ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , لِأَنَّهُمْ أَشَدّ إِعْجَابًا بِزِينَةِ الدُّنْيَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَهَذَا قَوْل حَسَن , فَإِنَّ أَصْل الْإِعْجَاب لَهُمْ وَفِيهِمْ , وَمِنْهُمْ يَظْهَر ذَلِكَ , وَهُوَ التَّعْظِيم لِلدُّنْيَا وَمَا فِيهَا . وَفِي الْمُوَحِّدِينَ مِنْ ذَلِكَ فُرُوع تَحْدُث مِنْ شَهَوَاتهمْ , وَتَتَقَلَّل عِنْدهمْ وَتَدُقّ إِذَا ذَكَرُوا الْآخِرَة . وَمَوْضِع الْكَاف رَفْع عَلَى الصِّفَة . أَيْ يَجِفّ بَعْد خُضْرَته أَيْ مُتَغَيِّرًا عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ النُّضْرَة . أَيْ فُتَاتًا وَتِبْنًا فَيَذْهَب بَعْد حُسْنه , كَذَلِكَ دُنْيَا الْكَافِر . أَيْ لِلْكَافِرِينَ . وَالْوَقْف عَلَيْهِ حَسَن , وَيَبْتَدِئ . وَقَالَ الْفَرَّاء : " وَفِي الْآخِرَة عَذَاب شَدِيد وَمَغْفِرَة " تَقْدِيره إِمَّا عَذَاب شَدِيد وَإِمَّا مَغْفِرَة , فَلَا يُوقَف عَلَى " شَدِيد " . أَيْ لِلْمُؤْمِنِينَ . هَذَا تَأْكِيد مَا سَبَقَ , أَيْ تَغُرّ الْكُفَّار , فَأَمَّا الْمُؤْمِن فَالدُّنْيَا لَهُ مَتَاع بَلَاغ إِلَى الْجَنَّة . وَقِيلَ : الْعَمَل لِلْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَتَاع الْغُرُور تَزْهِيدًا فِي الْعَمَل لِلدُّنْيَا , وَتَرْغِيبًا فِي الْعَمَل لِلْآخِرَةِ .'; $TAFSEER['4']['57']['21'] = 'أَيْ سَارِعُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة الَّتِي تُوجِب الْمَغْفِرَة لَكُمْ مِنْ رَبّكُمْ . وَقِيلَ : سَارِعُوا بِالتَّوْبَةِ , لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إِلَى الْمَغْفِرَة , قَالَهُ الْكَلْبِيّ . وَقِيلَ التَّكْبِيرَة الْأُولَى مَعَ الْإِمَام , قَالَهُ مَكْحُول . وَقِيلَ : الصَّفّ الْأَوَّل . لَوْ وَصَلَ بَعْضهَا بِبَعْضٍ . قَالَ الْحَسَن : يَعْنِي جَمِيع السَّمَوَات وَالْأَرَضِينَ مَبْسُوطَتَانِ كُلّ وَاحِدَة إِلَى صَاحِبَتهَا . وَقِيلَ : يُرِيد لِرَجُلٍ وَاحِد أَيْ لِكُلِّ وَاحِد جَنَّة بِهَذِهِ السَّعَة . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : عَنَى بِهِ جَنَّة وَاحِدَة مِنْ الْجَنَّات . وَالْعَرْض أَقَلّ مِنْ الطُّول , وَمِنْ عَادَة الْعَرَب أَنَّهَا تُعَبِّر عَنْ سَعَة الشَّيْء بِعَرْضِهِ دُون طُوله . قَالَ : كَأَنَّ بِلَاد اللَّه وَهِيَ عَرِيضَة عَلَى الْخَائِف الْمَطْلُوب كِفَّة حَابِل وَقَدْ مَضَى هَذَا كُلّه فِي " آل عِمْرَان " . وَقَالَ طَارِق بْن شِهَاب : قَالَ قَوْم مِنْ أَهْل الْحِيرَة لِعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : أَرَأَيْت قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " وَجَنَّة عَرْضهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْض " فَأَيْنَ النَّار ؟ فَقَالَ لَهُمْ عُمَر : أَرَأَيْتُمْ اللَّيْل إِذَا وَلَّى وَجَاءَ النَّهَار أَيْنَ يَكُون اللَّيْل ؟ فَقَالُوا : لَقَدْ نُزِعَتْ بِمَا فِي التَّوْرَاة مِثْله . شَرْط الْإِيمَان لَا غَيْر , وَفِيهِ تَقْوِيَة الرَّجَاء . وَقَدْ قِيلَ : شَرْط الْإِيمَان هُنَا وَزَادَ عَلَيْهِ فِي " آل عِمْرَان " فَقَالَ : " أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاس " [ آل عِمْرَان : 133 - 134 ] أَيْ إِنَّ الْجَنَّة لَا تُنَال وَلَا تُدْخَل إِلَّا بِرَحْمَةِ اللَّه تَعَالَى وَفَضْله . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي " الْأَعْرَاف " وَغَيْرهَا . " ذُو " بِمَعْنَى صَاحِب أَيْ صَاحِب الْفَضْل الْكَبِير'; $TAFSEER['4']['57']['22'] = 'قَالَ مُقَاتِل : الْقَحْط وَقِلَّة النَّبَات وَالثِّمَار . وَقِيلَ : الْجَوَائِح فِي الزَّرْع . بِالْأَوْصَابِ وَالْأَسْقَام , قَالَهُ قَتَادَة . وَقِيلَ : إِقَامَة الْحُدُود , قَالَهُ اِبْن حَيَّان . وَقِيلَ : ضِيق الْمَعَاش , وَهَذَا مَعْنًى رَوَاهُ اِبْن جُرَيْج . يَعْنِي فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ . الضَّمِير فِي " نَبْرَأهَا " عَائِد عَلَى النُّفُوس أَوْ الْأَرْض أَوْ الْمَصَائِب أَوْ الْجَمِيع . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : مِنْ قَبْل أَنْ يَخْلُق الْمُصِيبَة . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : مِنْ قَبْل أَنْ يَخْلُق الْأَرْض وَالنَّفْس . أَيْ خَلْق ذَلِكَ وَحِفْظ جَمِيعه " عَلَى اللَّه يَسِير " هَيِّن . قَالَ الرَّبِيع بْن صَالِح : لَمَّا أُخِذَ سَعِيد بْن جُبَيْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بَكَيْت , فَقَالَ : مَا يُبْكِيك ؟ قُلْت : أَبْكِي لِمَا أَرَى بِك وَلِمَا تَذْهَب إِلَيْهِ . قَالَ : فَلَا تَبْكِ فَإِنَّهُ كَانَ فِي عِلْم اللَّه أَنْ يَكُون , أَلَمْ تَسْمَع قَوْله تَعَالَى : " مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَة فِي الْأَرْض وَلَا فِي أَنْفُسكُمْ " الْآيَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمَّا خَلَقَ اللَّه الْقَلَم قَالَ لَهُ اُكْتُبْ , فَكَتَبَ مَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . وَلَقَدْ تَرَكَ لِهَذِهِ الْآيَة جَمَاعَة مِنْ الْفُضَلَاء الدَّوَاء فِي أَمْرَاضهمْ فَلَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ ثِقَة بِرَبِّهِمْ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ , وَقَالُوا قَدْ عَلِمَ اللَّه أَيَّام الْمَرَض وَأَيَّام الصِّحَّة , فَلَوْ حَرَصَ الْخَلْق عَلَى تَقْلِيل ذَلِكَ أَوْ زِيَادَته مَا قَدَرُوا , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَة فِي الْأَرْض وَلَا فِي أَنْفُسكُمْ إِلَّا فِي كِتَاب مِنْ قَبْل أَنْ نَبْرَأهَا " . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة تَتَّصِل بِمَا قَبْل , وَهُوَ أَنَّ اللَّه سُبْحَانه هَوَّنَ عَلَيْهِمْ مَا يُصِيبهُمْ فِي الْجِهَاد مِنْ قَتْل وَجَرْح , وَبَيَّنَ أَنَّ مَا يُخَلِّفهُمْ عَنْ الْجِهَاد مِنْ الْمُحَافَظَة عَلَى الْأَمْوَال وَمَا يَقَع فِيهَا مِنْ خُسْرَان , فَالْكُلّ مَكْتُوب مُقَدَّر لَا مَدْفَع لَهُ , وَإِنَّمَا عَلَى الْمَرْء اِمْتِثَال الْأَمْر . ثُمَّ أَدَّبَهُمْ فَقَالَ هَذَا : ( لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ )'; $TAFSEER['4']['57']['23'] = 'أَيْ حَتَّى لَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ الرِّزْق , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا عَلِمُوا أَنَّ الرِّزْق قَدْ فَرَغَ مِنْهُ لَمْ يَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنْهُ . وَعَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَجِد أَحَدكُمْ طَعْم الْإِيمَان حَتَّى يَعْلَم أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئهُ وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ ) ثُمَّ قَرَأَ " لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ " إِي كَيْ لَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ لَمْ يُقَدَّر لَكُمْ وَلَوْ قُدِّرَ لَكُمْ لَمْ يَفُتْكُمْ أَيْ مِنْ الدُّنْيَا , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : مِنْ الْعَافِيَة وَالْخِصْب . وَرَوَى عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : لَيْسَ مِنْ أَحَد إِلَّا وَهُوَ يَحْزَن وَيَفْرَح , وَلَكِنَّ الْمُؤْمِن يَجْعَل مُصِيبَته صَبْرًا , وَغَنِيمَته شُكْرًا . وَالْحُزْن وَالْفَرَح الْمَنْهِيّ عَنْهُمَا هُمَا اللَّذَانِ يَتَعَدَّى فِيهِمَا إِلَى مَا لَا يَجُوز . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " آتَاكُمْ " بِمَدِّ الْأَلِف أَيْ أَعْطَاكُمْ مِنْ الدُّنْيَا . وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم . وَقَرَأَ أَبُو الْعَالِيَة وَنَصْر بْن عَاصِم وَأَبُو عَمْرو " أَتَاكُمْ " بِقَصْرِ الْأَلِف وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد . أَيْ جَاءَكُمْ , وَهُوَ مُعَادِل ل " فَاتَكُمْ " وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ أَفَاتَكُمْ . قَالَ جَعْفَر بْن مُحَمَّد الصَّادِق : يَا ابْن آدَم مَا لَك تَأْسَى عَلَى مَفْقُود لَا يَرُدّهُ عَلَيْك الْفَوْت , أَوْ تَفْرَح بِمَوْجُودٍ لَا يَتْرُكهُ فِي يَدَيْك الْمَوْت . وَقِيلَ لبرزجمهر : أَيّهَا الْحَكِيم ! مَالَك لَا تَحْزَن عَلَى مَا فَاتَ , وَلَا تَفْرَح بِمَا هُوَ آتٍ ؟ قَالَ : لِأَنَّ الْفَائِت لَا يُتَلَافَى بِالْعَبْرَةِ , وَالْآتِي لَا يُسْتَدَام بِالْحَبْرَةِ . وَقَالَ الْفُضَيْل بْن عِيَاض فِي هَذَا الْمَعْنَى : الدُّنْيَا مُبِيد وَمُفِيد , فَمَا أَبَادَ فَلَا رَجْعَة لَهُ , وَمَا أَفَادَ آذَنَ بِالرَّحِيلِ . وَقِيلَ : الْمُخْتَال الَّذِي يَنْظُر إِلَى نَفْسه بِعَيْنِ الِافْتِخَار , وَالْفَخُور الَّذِي يَنْظُر إِلَى النَّاس بِعَيْنِ الِاحْتِقَار , وَكِلَاهُمَا شِرْك خَفِيّ . وَالْفَخُور بِمَنْزِلَةِ الْمُصَرَّاة تَشُدّ أَخْلَافهَا لِيَجْتَمِع فِيهَا اللَّبَن , فَيَتَوَهَّم الْمُشْتَرِي أَنَّ ذَلِكَ مُعْتَاد وَلَيْسَ كَذَلِكَ , فَكَذَلِكَ الَّذِي يَرَى مِنْ نَفْسه حَالًا وَزِينَة وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُدَّعٍ فَهُوَ الْفَخُور . أَيْ مُتَكَبِّر بِمَا أُوتِيَ مِنْ الدُّنْيَا , فَخُور بِهِ عَلَى النَّاس .'; $TAFSEER['4']['57']['24'] = 'أَيْ لَا يُحِبّ الْمُخْتَالِينَ " الَّذِينَ يَبْخَلُونَ " ف " الَّذِينَ " فِي مَوْضِع خَفْض نَعْتًا لِلْمُخْتَالِ . وَقِيلَ : رَفْع بِابْتِدَاءٍ أَيْ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ فَاَللَّه غَنِيّ عَنْهُمْ . قِيلَ : أَرَادَ رُؤَسَاء الْيَهُود الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِبَيَانِ صِفَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي فِي كُتُبهمْ , لِئَلَّا يُؤْمِن بِهِ النَّاس فَتَذْهَب مَأْكَلَتهمْ , قَالَ السُّدِّيّ وَالْكَلْبِيّ . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : " الَّذِينَ يَبْخَلُونَ " يَعْنِي بِالْعِلْمِ أَيْ بِأَلَّا يُعَلِّمُوا النَّاس شَيْئًا . زَيْد بْن أَسْلَم : إِنَّهُ الْبُخْل بِأَدَاءِ حَقّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَقِيلَ : إِنَّهُ الْبُخْل بِالصَّدَقَةِ وَالْحُقُوق , قَالَ عَامِر بْن عَبْد اللَّه الْأَشْعَرِيّ . وَقَالَ طَاوُس : إِنَّهُ الْبُخْل بِمَا فِي يَدَيْهِ . وَهَذِهِ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة مُتَقَارِبَة الْمَعْنَى . وَفَرَّقَ أَصْحَاب الْخَوَاطِر بَيْن الْبُخْل وَالسَّخَاء بِفَرْقَيْنِ : أَحَدهمَا أَنَّ الْبَخِيل الَّذِي يَلْتَذّ بِالْإِمْسَاكِ . وَالسَّخِيّ الَّذِي يَلْتَذّ بِالْإِعْطَاءِ . الثَّانِي : أَنَّ الْبَخِيل الَّذِي يُعْطِي عِنْد السُّؤَال , وَالسَّخِيّ الَّذِي يُعْطِي بِغَيْرِ سُؤَال . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " بِالْبُخْلِ " بِضَمِّ الْبَاء وَسُكُون الْخَاء . وَقَرَأَ أَنَس وَعُبَيْد بْن عُمَيْر وَيَحْيَى بْن يَعْمَر وَمُجَاهِد وَحُمَيْد وَابْن مُحَيْصِن وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " بِالْبُخْلِ " بِفَتْحَتَيْنِ وَهِيَ لُغَة الْأَنْصَار . وَقَرَأَ أَبُو الْعَالِيَة وَابْن السَّمَيْقَع " بِالْبَخْلِ " بِفَتْحِ الْبَاء وَإِسْكَان الْخَاء . وَعَنْ نَصْر بْن عَاصِم " الْبُخُل " بِضَمَّتَيْنِ وَكُلّهَا لُغَات مَشْهُورَة . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْق بَيْن الْبُخْل وَالشُّحّ فِي آخِر " آل عِمْرَان " . أَيْ عَنْ الْإِيمَان غَنِيّ عَنْهُ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون لَمَّا حَثَّ عَلَى الصَّدَقَة أَعْلَمَهُمْ أَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِهَا وَيَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبُخْلِ بِهَا فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْهُمْ . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامِر " فَإِنَّ اللَّه الْغَنِيّ الْحَمِيد " بِغَيْرِ " هُوَ " . وَالْبَاقُونَ " هُوَ الْغَنِيّ " عَلَى أَنْ يَكُون فَصْلًا . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مُبْتَدَأ و " الْغَنِيّ " خَبَره وَالْجُمْلَة خَبَر إِنَّ . وَمَنْ حَذَفَهَا فَالْأَحْسَن أَنْ يَكُون فَصْلًا , لِأَنَّ حَذْف الْفَصْل أَسْهَل مِنْ حَذْف الْمُبْتَدَأ .'; $TAFSEER['4']['57']['25'] = 'أَيْ بِالْمُعْجِزَاتِ الْبَيِّنَة وَالشَّرَائِع الظَّاهِرَة . وَقِيلَ : الْإِخْلَاص لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْعِبَادَة , وَإِقَام الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة , بِذَلِكَ دَعَتْ الرُّسُل : نُوح فَمَنْ دُونه إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . أَيْ الْكُتُب , أَيْ أَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ خَبَر مَا كَانَ قَبْلهمْ قَالَ اِبْن زَيْد : هُوَ مَا يُوزَن بِهِ وَمُتَعَامِل أَيْ بِالْعَدْلِ فِي مُعَامَلَاتهمْ . وَقَوْله : " بِالْقِسْطِ " يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْمِيزَان الْمَعْرُوف وَقَالَ قَوْم : أَرَادَ بِهِ الْعَدْل . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَإِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْمِيزَان الْمَعْرُوف , فَالْمَعْنَى أَنْزَلْنَا الْكِتَاب وَوَضَعْنَا الْمِيزَان فَهُوَ مِنْ بَاب : عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاء بَارِدًا وَيَدُلّ عَلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى : " وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَان " [ الرَّحْمَن : 7 ] ثُمَّ قَالَ : " وَأَقِيمُوا الْوَزْن بِالْقِسْطِ " [ الرَّحْمَن : 9 ] وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِيهِ . رَوَى عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّه أَنْزَلَ أَرْبَع بَرَكَات مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض : الْحَدِيد وَالنَّار وَالْمَاء وَالْمِلْح ) . وَرَوَى عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : ثَلَاثَة أَشْيَاء نَزَلَتْ مَعَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام : الْحَجَر الْأَسْوَد وَكَانَ أَشَدّ بَيَاضًا مِنْ الثَّلْج , وَعَصَا مُوسَى وَكَانَتْ مِنْ آسِ الْجَنَّة , طُولهَا عَشَرَة أَذْرُع مَعَ طُول مُوسَى , وَالْحَدِيد أَنْزَلَ مَعَهُ ثَلَاثَة أَشْيَاء : السِّنْدَان وَالْكَلْبَتَانِ وَالْمِيقَعَة وَهِيَ الْمِطْرَقَة , ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ : قَالَ اِبْن عَبَّاس نَزَلَ آدَم مِنْ الْجَنَّة وَمَعَهُ مِنْ الْحَدِيد خَمْسَة أَشْيَاء مِنْ آلَة الْحَدَّادِينَ : السِّنْدَان , وَالْكَلْبَتَانِ , وَالْمِيقَعَة , وَالْمِطْرَقَة , وَالْإِبْرَة . وَحَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ قَالَ : وَالْمِيقَعَة مَا يُحَدَّد بِهِ , يُقَال وَقَعْت الْحَدِيدَة أَقَعهَا أَيْ حَدَدْتهَا . وَفِي الصِّحَاح : وَالْمِيقَعَة الْمَوْضِع الَّذِي يَأْلَفهُ الْبَازِي فَيَقَع عَلَيْهِ , وَخَشَبَة الْقَصَّار الَّتِي يُدَقّ عَلَيْهَا , وَالْمِطْرَقَة وَالْمِسَنّ الطَّوِيل . وَرُوِيَ أَنَّ الْحَدِيد أُنْزِلَ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء . " فِيهِ بَأْس شَدِيد " أَيْ لِإِهْرَاقِ الدِّمَاء . وَلِذَلِكَ نَهَى عَنْ الْفَصْد وَالْحِجَامَة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ; لِأَنَّهُ يَوْم جَرَى فِيهِ الدَّم . و رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَاعَة لَا يُرْقَأ فِيهَا الدَّم ) . وَقِيلَ : " أَنْزَلْنَا الْحَدِيد " أَيْ أَنْشَأْنَاهُ وَخَلَقْنَاهُ , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ الْأَنْعَام ثَمَانِيَة أَزْوَاج " [ الزُّمَر : 6 ] وَهَذَا قَوْل الْحَسَن . فَيَكُون مِنْ الْأَرْض غَيْر مُنَزَّل مِنْ السَّمَاء . وَقَالَ أَهْل الْمَعَانِي : أَيْ أَخْرَجَ الْحَدِيد مِنْ الْمَعَادِن وَعَلَّمَهُمْ صَنْعَته بِوَحْيِهِ . " فِيهِ بَأْس شَدِيد " يَعْنِي السِّلَاح وَالْكُرَاع وَالْجَنَّة . وَقِيلَ : أَيْ فِيهِ مِنْ خَشْيَة الْقَتْل خَوْف شَدِيد . قَالَ مُجَاهِد : يَعْنِي جَنَّة . وَقِيلَ : يَعْنِي اِنْتِفَاع النَّاس بِالْمَاعُونِ مِنْ الْحَدِيد , مِثْل السِّكِّين وَالْفَأْس وَالْإِبْرَة وَنَحْوه . أَيْ أَنْزَلَ الْحَدِيد لِيَعْلَم مَنْ يَنْصُرهُ . وَقِيلَ : هُوَ عَطْف عَلَى قَوْله تَعَالَى : " لِيَقُومَ النَّاس بِالْقِسْطِ " أَيْ أَرْسَلْنَا رُسُلنَا وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَاب , وَهَذِهِ الْأَشْيَاء , لِيُتَعَامَل النَّاس بِالْحَقِّ , " وَلِيَعْلَم اللَّه مَنْ يَنْصُرهُ " وَلِيَرَى اللَّه مَنْ يَنْصُر دِينه وَيَنْصُر رُسُله قَالَ اِبْن عَبَّاس : يَنْصُرُونَهُمْ لَا يُكَذِّبُونَهُمْ , وَيُؤْمِنُونَ بِهِمْ " بِالْغَيْبِ " أَيْ وَهُمْ لَا يَرَوْنَهُمْ . وَقِيلَ : " بِالْغَيْبِ " بِالْإِخْلَاصِ . " قَوِيّ " فِي أَخْذه أَيْ مَنِيع غَالِب .'; $TAFSEER['4']['57']['26'] = 'فَصَّلَ مَا أَجْمَلَ مِنْ إِرْسَال الرُّسُل بِالْكُتُبِ , وَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَرْسَلَ نُوحًا وَإِبْرَاهِيم وَجَعَلَ النُّبُوَّة فِي نَسْلهمَا أَيْ جَعَلْنَا بَعْض ذُرِّيَّتهمَا الْأَنْبِيَاء , وَبَعْضهمْ أُمَمًا يَتْلُونَ الْكُتُب الْمُنَزَّلَة مِنْ السَّمَاء : التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَالْفُرْقَان . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْكِتَاب الْخَطّ بِالْقَلَمِ أَيْ مَنْ اِئْتَمَّ بِإِبْرَاهِيم وَنُوح وَقِيلَ : " فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ " أَيْ مِنْ ذُرِّيَّتهمَا مُهْتَدُونَ . كَافِرُونَ خَارِجُونَ عَنْ الطَّاعَة .'; $TAFSEER['4']['57']['27'] = 'أَيْ أَتْبَعْنَا أَيْ عَلَى آثَار الذُّرِّيَّة . وَقِيلَ : عَلَى آثَار نُوح وَإِبْرَاهِيم مُوسَى وَإِلْيَاس وَدَاوُد وَسُلَيْمَان وَيُونُس وَغَيْرهمْ فَهُوَ مِنْ ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم مِنْ جِهَة أُمّه وَهُوَ الْكِتَاب الْمُنَزَّل عَلَيْهِ . وَتَقَدَّمَ اِشْتِقَاقه فِي أَوَّل سُورَة " آل عِمْرَان " . عَلَى دِينه يَعْنِي الْحَوَارِيِّينَ وَأَتْبَاعهمْ أَيْ مَوَدَّة فَكَانَ يُوَادّ بَعْضهمْ بَعْضًا . وَقِيلَ : هَذَا إِشَارَة إِلَى أَنَّهُمْ أُمِرُوا فِي الْإِنْجِيل بِالصُّلْحِ وَتَرْك إِيذَاء النَّاس وَأَلَانَ اللَّه قُلُوبهمْ لِذَلِكَ , بِخِلَافِ الْيَهُود الَّذِينَ قَسَتْ قُلُوبهمْ وَحَرَّفُوا الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه . وَالرَّأْفَة اللِّين , وَالرَّحْمَة الشَّفَقَة . وَقِيلَ : الرَّأْفَة تَخْفِيف الْكُلّ , وَالرَّحْمَة تَحْمِل الثِّقَل . وَقِيلَ : الرَّأْفَة أَشَدّ الرَّحْمَة . وَتَمَّ الْكَلَام . ثُمَّ قَالَ : أَيْ مِنْ قِبَل أَنْفُسهمْ . وَالْأَحْسَن أَنْ تَكُون الرَّهْبَانِيَّة مَنْصُوبَة بِإِضْمَارِ فَعَلَ , قَالَ أَبُو عَلِيّ : وَابْتَدَعُوهَا رَهْبَانِيَّة اِبْتَدَعُوهَا . وَقَالَ الزَّجَّاج : أَيْ اِبْتَدَعُوهَا رَهْبَانِيَّة , كَمَا تَقُول رَأَيْت زَيْدًا وَعُمَرًا كَلَّمْت . وَقِيلَ : إِنَّهُ مَعْطُوف عَلَى الرَّأْفَة وَالرَّحْمَة , وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَعْطَاهُمْ إِيَّاهَا فَغَيَّرُوا وَابْتَدَعُوا فِيهَا . قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَفِيهَا قِرَاءَتَانِ , إِحْدَاهُمَا بِفَتْحِ الرَّاء وَهِيَ الْخَوْف مِنْ الرَّهَب . الثَّانِيَة بِضَمِّ الرَّاء وَهِيَ مَنْسُوبَة إِلَى الرُّهْبَان كَالرَّضْوَانِيَّةِ مِنْ الرُّضْوَان , وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ حَمَلُوا أَنْفُسهمْ عَلَى الْمَشَقَّات فِي الِامْتِنَاع مِنْ الْمَطْعَم وَالْمَشْرَب وَالنِّكَاح وَالتَّعَلُّق بِالْكُهُوفِ وَالصَّوَامِع , وَذَلِكَ أَنَّ مُلُوكهمْ غَيَّرُوا وَبَدَّلُوا وَبَقِيَ نَفَر قَلِيل فَتَرَهَّبُوا وَتَبَتَّلُوا . قَالَ الضَّحَّاك : إِنَّ مُلُوكًا بَعْد عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام اِرْتَكَبُوا الْمَحَارِم ثَلَاثمِائَةِ سَنَة , فَأَنْكَرَهَا عَلَيْهِمْ مَنْ كَانَ بَقِيَ عَلَى مِنْهَاج عِيسَى فَقَتَلُوهُمْ , فَقَالَ قَوْم بَقُوا بَعْدهمْ : نَحْنُ إِذَا نَهَيْنَاهُمْ قَتَلُونَا فَلَيْسَ يَسَعنَا الْمَقَام بَيْنهمْ , فَاعْتَزَلُوا النَّاس وَاِتَّخَذُوا الصَّوَامِع . وَقَالَ قَتَادَة : الرَّهْبَانِيَّة الَّتِي اِبْتَدَعُوهَا رَفْض النِّسَاء وَاِتِّخَاذ الصَّوَامِع . وَفِي خَبَر مَرْفُوع : ( هِيَ لُحُوقهمْ بِالْبَرَارِيِّ وَالْجِبَال ) . وَهَذِهِ الْآيَة دَالَّة عَلَى أَنَّ كُلّ مُحْدَثَة بِدْعَة , فَيَنْبَغِي لِمَنْ اِبْتَدَعَ خَيْرًا أَنْ يَدُوم عَلَيْهِ , وَلَا يَعْدِل عَنْهُ إِلَى ضِدّه فَيَدْخُل فِي الْآيَة . وَعَنْ أَبِي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ - وَاسْمه صُدَيّ بْن عَجْلَان - قَالَ : أَحْدَثْتُمْ قِيَام رَمَضَان وَلَمْ يُكْتَب عَلَيْكُمْ , إِنَّمَا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام , فَدُومُوا عَلَى الْقِيَام إِذْ فَعَلْتُمُوهُ وَلَا تَتْرُكُوهُ , فَإِنَّ نَاسًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل اِبْتَدَعُوا بِدَعًا لَمْ يَكْتُبهَا اللَّه عَلَيْهِمْ اِبْتَغَوْا بِهَا رِضْوَان اللَّه فَمَا رَعَوْهَا حَقّ رِعَايَتهَا , فَعَابَهُمْ اللَّه بِتَرْكِهَا فَقَالَ : " وَرَهْبَانِيَّة اِبْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا اِبْتِغَاء رِضْوَان اللَّه فَمَا رَعَوْهَا حَقّ رِعَايَتهَا " . وَفِي الْآيَة دَلِيل عَلَى الْعُزْلَة عَنْ النَّاس فِي الصَّوَامِع وَالْبُيُوت , وَذَلِكَ مَنْدُوب إِلَيْهِ عِنْد فَسَاد الزَّمَان وَتَغَيُّر الْأَصْدِقَاء وَالْإِخْوَان . وَقَدْ مَضَى بَيَان هَذَا فِي سُورَة " الْكَهْف " مُسْتَوْفًى وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَفِي مُسْنَد أَحْمَد بْن حَنْبَل مِنْ حَدِيث أَبِي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّة مِنْ سَرَايَاهُ فَقَالَ : مَرَّ رَجُل بِغَارٍ فِيهِ شَيْء مِنْ مَاء , فَحَدَّثَ نَفْسه بِأَنْ يُقِيم فِي ذَلِكَ الْغَار , فَيَقُوتهُ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ مَاء وَيُصِيب مَا حَوْله مِنْ الْبَقْل وَيَتَخَلَّى عَنْ الدُّنْيَا . قَالَ : لَوْ أَنِّي أَتَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَإِنْ أَذِنَ لِي فَعَلْت وَإِلَّا لَمْ أَفْعَل , فَأَتَاهُ فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه ! إِنِّي مَرَرْت بِغَارٍ فِيهِ مَا يَقُوتنِي مِنْ الْمَاء وَالْبَقْل , فَحَدَّثَتْنِي نَفْسِي بِأَنْ أُقِيمَ فِيهِ وَأَتَخَلَّى مِنْ الدُّنْيَا . قَالَ : فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي لَمْ أُبْعَث بِالْيَهُودِيَّةِ وَلَا بِالنَّصْرَانِيَّةِ وَلَكِنِّي بُعِثْت بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَة وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَغَدْوَة أَوْ رَوْحَة فِي سَبِيل اللَّه خَيْر مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَلَمَقَام أَحَدكُمْ فِي الصَّفّ الْأَوَّل خَيْر مِنْ صَلَاته سِتِّينَ سَنَة ) . وَرَوَى الْكُوفِيُّونَ عَنْ اِبْن مَسْعُود , قَالَ قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَلْ تَدْرِي أَيّ النَّاس أَعْلَم ) قَالَ قُلْت : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم . قَالَ : ( أَعْلَم النَّاس أَبْصَرهمْ بِالْحَقِّ إِذَا اِخْتَلَفَ النَّاس فِيهِ وَإِنْ كَانَ مُقَصِّرًا فِي الْعَمَل وَإِنْ كَانَ يَزْحَف عَلَى اِسْته هَلْ تَدْرِي مِنْ أَيْنَ اِتَّخَذَ بَنُو إِسْرَائِيل الرَّهْبَانِيَّة ظَهَرَتْ عَلَيْهِمْ الْجَبَابِرَة بَعْد عِيسَى يَعْمَلُونَ بِمَعَاصِي اللَّه فَغَضِبَ أَهْل الْإِيمَان فَقَاتَلُوهُمْ فَهُزِمَ أَهْل الْإِيمَان ثَلَاث مَرَّات فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيل فَقَالُوا إِنْ أَفَنَوْنَا فَلَمْ يَبْقَ لِلدِّينِ أَحَد يَدْعُونَ إِلَيْهِ فَتَعَالَوْا نَفْتَرِق فِي الْأَرْض إِلَى أَنْ يَبْعَث اللَّه النَّبِيّ الْأُمِّيّ الَّذِي وَعَدَنَا عِيسَى - يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَفَرَّقُوا فِي غِيرَانِ الْجِبَال وَأَحْدَثُوا رَهْبَانِيَّة فَمِنْهُمْ مَنْ تَمَسَّكَ بِدِينِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ - وَتَلَا " وَرَهْبَانِيَّة " الْآيَة - أَتَدْرِي مَا رَهْبَانِيَّة أُمَّتِي الْهِجْرَة وَالْجِهَاد وَالصَّوْم وَالْحَجّ وَالْعُمْرَة وَالتَّكْبِير عَلَى التِّلَاع يَا ابْن مَسْعُود اِخْتَلَفَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ مِنْ الْيَهُود عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَة فَنَجَا مِنْهُمْ فِرْقَة وَهَلَكَ سَائِرهَا وَاخْتَلَفَ مَنْ كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ مِنْ النَّصَارَى عَلَى اِثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَة فَنَجَا مِنْهُمْ ثَلَاثَة وَهَلَكَ سَائِرهَا فِرْقَة وَازَتْ الْمُلُوك وَقَاتَلَتْهُمْ عَلَى دِين اللَّه وَدِين عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَام - حَتَّى قُتِلُوا وَفِرْقَة لَمْ تَكُنْ لَهُمْ طَاقَة بِمُوَازَاةِ الْمُلُوك أَقَامُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ قَوْمهمْ فَدَعَوْهُمْ إِلَى دِين اللَّه وَدِين عِيسَى اِبْن مَرْيَم فَأَخَذَتْهُمْ الْمُلُوك وَقَتَلَتْهُمْ وَقَطَعَتْهُمْ بِالْمَنَاشِيرِ وَفِرْقَة لَمْ تَكُنْ لَهُمْ طَاقَة بِمُوَازَاةِ الْمُلُوك - وَلَا بِأَنْ يُقِيمُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ قَوْمهمْ فَيَدْعُوهُمْ إِلَى دِين اللَّه وَدِين عِيسَى اِبْن مَرْيَم فَسَاحُوا فِي الْجِبَال وَتَرَهَّبُوا فِيهَا وَهِيَ الَّتِي قَالَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ : " وَرَهْبَانِيَّة اِبْتَدَعُوهَا " - الْآيَة - فَمَنْ آمَنَ بِي وَاتَّبَعَنِي وَصَدَّقَنِي فَقَدْ رَعَاهَا حَقّ رِعَايَتهَا وَمَنْ لَمْ يُؤْمِن بِي فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ) يَعْنِي الَّذِي تَهَوَّدُوا وَتَنَصَّرُوا . وَقِيلَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَدْرَكُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ . وَفِي الْآيَة تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَيْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ أَصَرُّوا عَلَى الْكُفْر أَيْضًا فَلَا تَعْجَب مِنْ أَهْل عَصْرك إِنْ أَصَرُّوا عَلَى الْكُفْر . وَاَللَّه أَعْلَم . أَيْ مَا فَرَضْنَاهَا عَلَيْهِمْ وَلَا أَمَرْنَاهُمْ بِهَا , قَالَهُ اِبْن زَيْد . أَيْ مَا أَمَرْنَاهُمْ إِلَّا بِمَا يُرْضِي اللَّه , قَالَهُ اِبْن مُسْلِم . وَقَالَ الزَّجَّاج : " مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ " مَعْنَاهُ لَمْ نَكْتُب عَلَيْهِمْ شَيْئًا الْبَتَّة . وَيَكُون " اِبْتِغَاء رِضْوَان اللَّه " بَدَلًا مِنْ الْهَاء وَالْأَلِف فِي " كَتَبْنَاهَا " وَالْمَعْنَى : مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا اِبْتِغَاء رِضْوَان اللَّه . وَقِيلَ : " إِلَّا اِبْتِغَاء " الِاسْتِئْنَاء مُنْقَطِع , وَالتَّقْدِير مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ لَكِنْ اِبْتَدَعُوهَا اِبْتِغَاء رِضْوَان اللَّه . أَيْ فَمَا قَامُوا بِهَا حَقّ الْقِيَام . وَهَذَا خُصُوص , لِأَنَّ الَّذِينَ لَمْ يَرْعَوْهَا بَعْض الْقَوْم , وَإِنَّمَا تَسَبَّبُوا بِالتَّرَهُّبِ إِلَى طَلَب الرِّيَاسَة عَلَى النَّاس وَأَكْل أَمْوَالهمْ , كَمَا قَالَ تَعَالَى : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْبَار وَالرُّهْبَان لَيَأْكُلُونَ أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه " [ التَّوْبَة : 34 ] وَهَذَا فِي قَوْم أَدَّاهُمْ التَّرَهُّب إِلَى طَلَب الرِّيَاسَة فِي آخِر الْأَمْر . وَرَوَى سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى : " وَرَهْبَانِيَّة اِبْتَدَعُوهَا " قَالَ : كَانَتْ مُلُوك بَعْد عِيسَى بَدَّلُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , وَكَانَ فِيهِمْ مُؤْمِنُونَ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاة وَالْأَنْجِيل وَيَدْعُونَ إِلَى دِين اللَّه تَعَالَى , فَقَالَ أُنَاس لِمَلِكِهِمْ : لَوْ قَتَلْت هَذِهِ الطَّائِفَة . فَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ : نَحْنُ نَكْفِيكُمْ أَنْفُسنَا . فَطَائِفَة قَالَتْ : اِبْنُوا لَنَا أُسْطُوَانَة اِرْفَعُونَا فِيهَا , وَأَعْطَوْنَا شَيْئًا نَرْفَع بِهِ طَعَامنَا وَشَرَابنَا وَلَا نَرُدّ عَلَيْكُمْ . وَقَالَتْ طَائِفَة : دَعُونَا نَهِيم فِي الْأَرْض وَنَسِيح , وَنَشْرَب كَمَا تَشْرَب الْوُحُوش فِي الْبَرِيَّة , فَإِذَا قَدَرْتُمْ عَلَيْنَا فَاقْتُلُونَا . وَطَائِفَة قَالَتْ : اِبْنُوا لَنَا دُورًا فِي الْفَيَافِي وَنَحْفِر الْآبَار وَنَحْتَرِث الْبُقُول فَلَا تَرَوْنَنَا . وَلَيْسَ أَحَد مِنْ هَؤُلَاءِ إِلَّا وَلَهُ حَمِيم مِنْهُمْ فَفَعَلُوا , فَمَضَى أُولَئِكَ عَلَى مِنْهَاج عِيسَى , وَخَلَفَ قَوْم مِنْ بَعْدهمْ مِمَّنْ قَدْ غَيَّرَ الْكِتَاب فَقَالُوا : نَسِيح وَنَتَعَبَّد كَمَا تَعَبَّدَ أُولَئِكَ , وَهُمْ عَلَى شِرْكهمْ لَا عِلْم لَهُمْ بِإِيمَانِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الَّذِينَ اِقْتَدَوْا بِهِمْ , فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " وَرَهْبَانِيَّة اِبْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا اِبْتِغَاء رِضْوَان اللَّه " الْآيَة . يَقُول : اِبْتَدَعَهَا هَؤُلَاءِ الصَّالِحُونَ " فَمَا رَعَوْهَا " الْمُتَأَخِّرُونَ " حَقّ رِعَايَتهَا " يَعْنِي الَّذِينَ اِبْتَدَعُوهَا أَوَّلًا وَرَعَوْهَا يَعْنِي الْمُتَأَخِّرِينَ , فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيل , جَاءُوا مِنْ الْكُهُوف وَالصَّوَامِع وَالْغِيرَان فَآمَنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .'; $TAFSEER['4']['57']['28'] = 'أَيْ آمَنُوا بِمُوسَى وَعِيسَى بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ مِثْلَيْنِ مِنْ الْأَجْر عَلَى إِيمَانكُمْ بِعِيسَى وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهَذَا مِثْل قَوْله تَعَالَى : " أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرهمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا " [ الْقَصَص : 54 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ . وَالْكِفْل الْحَظّ وَالنَّصِيب وَقَدْ مَضَى فِي " النِّسَاء " وَهُوَ فِي الْأَصْل كِسَاء يَكْتَفِل بِهِ الرَّاكِب فَيَحْفَظهُ مِنْ السُّقُوط , قَالَهُ اِبْن جُرَيْج . وَنَحْوه قَالَ الْأَزْهَرِيّ , قَالَ : اِشْتِقَاقه مِنْ الْكِسَاء الَّذِي يَحْوِيه رَاكِب الْبَعِير عَلَى سَنَامه إِذَا اِرْتَدَفَهُ لِئَلَّا يَسْقُط , فَتَأْوِيله يُؤْتِكُمْ نَصِيبَيْنِ يَحْفَظَانِكُمْ مِنْ هَلَكَة الْمَعَاصِي كَمَا يَحْفَظ الْكِفْل الرَّاكِب . وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ : " كِفْلَيْنِ " ضِعْفَيْنِ بِلِسَانِ الْحَبَشَة . وَعَنْ اِبْن زَيْد : " كِفْلَيْنِ " أَجْر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . وَقِيلَ : لَمَّا نَزَلَتْ " أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرهمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا " [ الْقَصَص : 54 ] اِفْتَخَرَ مُؤْمِنُو أَهْل الْكِتَاب عَلَى أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بَعْض الْعُلَمَاء بِهَذِهِ الْآيَة عَلَى أَنَّ الْحَسَنَة إِنَّمَا لَهَا مِنْ الْأَجْر مِثْل وَاحِد , فَقَالَ : الْحَسَنَة اِسْم عَامّ يَنْطَلِق عَلَى كُلّ نَوْع مِنْ الْإِيمَان , وَيَنْطَلِق عَلَى عُمُومه , فَإِذَا اِنْطَلَقَتْ الْحَسَنَة عَلَى نَوْع وَاحِد فَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا مِنْ الثَّوَاب إِلَّا مِثْل وَاحِد . وَإِنْ اِنْطَلَقَتْ عَلَى حَسَنَة تَشْتَمِل عَلَى نَوْعَيْنِ كَانَ الثَّوَاب عَلَيْهَا مِثْلَيْنِ , بِدَلِيلِ هَذِهِ الْآيَة فَإِنَّهُ قَالَ : " كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَته " وَالْكِفْل النَّصِيب كَالْمِثْلِ , فَجَعَلَ لِمَنْ اِتَّقَى اللَّه وَآمَنَ بِرَسُولِهِ نَصِيبَيْنِ , نَصِيبًا لِتَقْوَى اللَّه وَنَصِيبًا لِإِيمَانِهِ بِرَسُولِهِ . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَسَنَة الَّتِي جُعِلَ لَهَا عَشْر هِيَ الَّتِي جَمَعَتْ عَشَرَة أَنْوَاع مِنْ الْحَسَنَات , وَهُوَ الْإِيمَان الَّذِي جَمَعَ اللَّه تَعَالَى فِي صِفَته عَشَرَة أَنْوَاع , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات " [ الْأَحْزَاب : 35 ] الْآيَة بِكَمَالِهَا . فَكَانَتْ هَذِهِ الْأَنْوَاع الْعَشَرَة الَّتِي هِيَ ثَوَابهَا أَمْثَالهَا فَيَكُون لِكُلِّ نَوْع مِنْهَا مِثْل . وَهَذَا تَأْوِيل فَاسِد لِخُرُوجِهِ عَنْ عُمُوم الظَّاهِر فِي قَوْله تَعَالَى : " مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْر أَمْثَالهَا " [ الْأَنْعَام : 160 ] بِمَا لَا يَحْتَمِلهُ تَخْصِيص الْعُمُوم , لِأَنَّ مَا جَمَعَ عَشْر حَسَنَات فَلَيْسَ يُجْزَى عَنْ كُلّ حَسَنَة إِلَّا بِمِثْلِهَا . وَبَطَلَ أَنْ يَكُون جَزَاء الْحَسَنَة عَشْر أَمْثَالهَا وَالْأَخْبَار دَالَّة عَلَيْهِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرهَا . وَلَوْ كَانَ كَمَا ذُكِرَ لَمَا كَانَ بَيْن الْحَسَنَة وَالسَّيِّئَة فَرْق . أَيْ بَيَانًا وَهُدًى , عَنْ مُجَاهِد . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ الْقُرْآن . وَقِيلَ : ضِيَاء فِي الْآخِرَة عَلَى الصِّرَاط , وَفِي الْقِيَامَة إِلَى الْجَنَّة . وَقِيلَ تَمْشُونَ بِهِ فِي النَّاس تَدْعُونَهُمْ إِلَى الْإِسْلَام فَتَكُونُونَ رُؤَسَاء فِي دِين الْإِسْلَام لَا تَزُول عَنْكُمْ رِيَاسَة كُنْتُمْ فِيهَا . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ خَافُوا أَنْ تَزُول رِيَاسَتهمْ لَوْ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَام . وَإِنَّمَا كَانَ يَفُوتهُمْ أَخْذ رِشْوَة يَسِيرَة مِنْ الضَّعَفَة بِتَحْرِيفِ أَحْكَام اللَّه , لَا الرِّيَاسَة الْحَقِيقِيَّة فِي الدِّين . ذُنُوبكُمْ يَغْفِر الْمَعَاصِي وَالذُّنُوب وَيَرْحَم الْمُؤْمِنِينَ'; $TAFSEER['4']['57']['29'] = 'أَيْ لِيَعْلَم , و " أَنْ لَا " صِلَة زَائِدَة مُؤَكَّدَة , قَالَهُ الْأَخْفَش . وَقَالَ الْفَرَّاء : مَعْنَاهُ لِأَنْ يَعْلَم و " لَا " صِلَة زَائِدَة فِي كُلّ كَلَام دَخَلَ عَلَيْهِ جَحْد . قَالَ قَتَادَة : حَسَدَ أَهْل الْكِتَاب الْمُسْلِمِينَ فَنَزَلَتْ : " لِئَلَّا يَعْلَم أَهْل الْكِتَاب " أَيْ لِأَنْ يَعْلَم أَهْل الْكِتَاب أَنَّهُمْ " لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْء مِنْ فَضْل اللَّه وَأَنَّ الْفَضْل بِيَدِ اللَّه " وَقَالَ مُجَاهِد : قَالَتْ الْيَهُود يُوشِك أَنْ يَخْرُج مِنَّا نَبِيّ يَقْطَع الْأَيْدِي وَالْأَرْجُل . فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ الْعَرَب كَفَرُوا فَنَزَلَتْ : " لِئَلَّا يَعْلَم " أَيْ لِيَعْلَم أَهْل الْكِتَاب " أَنْ لَا يَقْدِرُونَ " أَيْ أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " أَنْ لَا يَرْجِع إِلَيْهِمْ قَوْلًا " [ طَه : 89 ] . وَعَنْ الْحَسَن : " لَيْلَا يَعْلَم أَهْل الْكِتَاب " وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن مُجَاهِد . وَرَوَى قُطْرُب بِكَسْرِ اللَّام وَإِسْكَان الْيَاء . وَفَتْح لَام الْجَرّ لُغَة مَعْرُوفَة . وَوَجْه إِسْكَان الْيَاء أَنَّ هَمْزَة " أَنْ " حُذِفَتْ فَصَارَتْ " لَنْ " فَأُدْغِمَتْ النُّون فِي اللَّام فَصَارَ " لِلَّا " فَلَمَّا اِجْتَمَعَتْ اللَّامَات أُبْدِلَتْ الْوُسْطَى مِنْهَا يَاء , كَمَا قَالُوا فِي أَمَّا : أَيْمَا . وَكَذَلِكَ الْقَوْل فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ " لِيلَا " بِكَسْرِ اللَّام إِلَّا أَنَّهُ أَبْقَى اللَّام عَلَى اللُّغَة الْمَشْهُورَة فِيهَا فَهُوَ أَقْوَى مِنْ هَذِهِ الْجِهَة . وَعَنْ اِبْن مَسْعُود " لِكَيْلَا يَعْلَم " وَعَنْ حِطَّان بْن عَبْد اللَّه " لِأَنْ يَعْلَم " . وَعَنْ عِكْرِمَة " لِيَعْلَم " وَهُوَ خِلَاف الْمَرْسُوم . " مِنْ فَضْل اللَّه " قِيلَ : الْإِسْلَام . وَقِيلَ : الثَّوَاب . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : مِنْ رِزْق اللَّه . وَقِيلَ : نِعَم اللَّه الَّتِي لَا تُحْصَى . لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ فَيَصْرِفُونَ النُّبُوَّة عَنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَنْ يُحِبُّونَ . وَقِيلَ : " وَأَنَّ الْفَضْل بِيَدِ اللَّه " أَيْ هُوَ لَهُ وَفِي الْبُخَارِيّ : حَدَّثَنَا الْحَكَم بْن نَافِع , قَالَ حَدَّثَنَا شُعَيْب عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِم بْن عَبْد اللَّه , أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عُمَر قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول وَهُوَ قَائِم عَلَى الْمِنْبَر : ( إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلكُمْ مِنْ الْأُمَم كَمَا بَيَّنَ صَلَاة الْعَصْر إِلَى غُرُوب الشَّمْس أُعْطِيَ أَهْل التَّوْرَاة التَّوْرَاة فَعَمِلُوا بِهَا حَتَّى اِنْتَصَفَ النَّهَار ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ثُمَّ أُعْطِيَ أَهْل الْإِنْجِيل الْإِنْجِيل فَعَمِلُوا بِهِ حَتَّى صَلَاة الْعَصْر ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ثُمَّ أُعْطِيتُمْ الْقُرْآن فَعَمِلْتُمْ بِهِ حَتَّى غُرُوب الشَّمْس فَأُعْطِيتُمْ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ قَالَ أَهْل التَّوْرَاة رَبّنَا هَؤُلَاءِ أَقَلّ عَمَلًا وَأَكْثَر أَجْرًا قَالَ هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْركُمْ مِنْ شَيْء قَالُوا لَا فَقَالَ فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيه مَنْ أَشَاء ) فِي رِوَايَة : ( فَغَضِبَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَقَالُوا رَبّنَا ... ) الْحَدِيث . " وَاَللَّه ذُو الْفَضْل الْعَظِيم " تَمّ تَفْسِير سُورَة ( الْحَدِيد ) وَالْحَمْد لِلَّه .'; $TAFSEER['4']['58']['1'] = 'سُورَة الْمُجَادَلَة مَدَنِيَّة فِي قَوْل الْجَمِيع . إِلَّا رِوَايَة عَنْ عَطَاء : أَنَّ الْعَشْر الْأُوَل مِنْهَا مَدَنِيّ وَبَاقِيهَا مَكِّيّ , وَقَالَ الْكَلْبِيّ : نَزَلَ جَمِيعهَا بِالْمَدِينَةِ غَيْر قَوْله تَعَالَى : " مَا يَكُون مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رَابِعهمْ " [ الْمُجَادَلَة : 7 ] نَزَلَتْ بِمَكَّة . " قَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوْجهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّه وَاَللَّه يَسْمَع تَحَاوُركُمَا " الَّتِي اِشْتَكَتْ إِلَى اللَّه هِيَ خَوْلَة بِنْت ثَعْلَبَة . وَقِيلَ بِنْت حَكِيم . وَقِيلَ اِسْمهَا جَمِيلَة . وَخَوْلَة أَصَحّ , وَزَوْجهَا أَوْس بْن الصَّامِت أَخُو عُبَادَة بْن الصَّامِت , وَقَدْ مَرَّ بِهَا عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي خِلَافَته وَالنَّاس مَعَهُ عَلَى حِمَار فَاسْتَوْقَفَتْهُ طَوِيلًا وَوَعَظَتْهُ وَقَالَتْ : يَا عُمَر قَدْ كُنْت تُدْعَى عُمَيْرًا , ثُمَّ قِيلَ لَك عُمَر , ثُمَّ قِيلَ لَك أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , فَاتَّقِ اللَّه يَا عُمَر , فَإِنَّهُ مَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ خَافَ الْفَوْت , وَمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ خَافَ الْعَذَاب , وَهُوَ وَاقِف يَسْمَع كَلَامهَا , فَقِيلَ لَهُ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أَتَقِفُ لِهَذِهِ الْعَجُوز هَذَا الْوُقُوف ؟ فَقَالَ : وَاَللَّه لَوْ حَبَسَتْنِي مِنْ أَوَّل النَّهَار إِلَى آخِره لَا زِلْت إِلَّا لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَة , أَتَدْرُونَ مَنْ هَذِهِ الْعَجُوز ؟ هِيَ خَوْلَة بِنْت ثَعْلَبَة سَمِعَ اللَّه قَوْلهَا مِنْ فَوْق سَبْع سَمَوَات , أَيَسْمَعُ رَبّ الْعَالَمِينَ قَوْلهَا وَلَا يَسْمَعهُ عُمَر ؟ وَقَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعه كُلّ شَيْء , إِنِّي لَأَسْمَع كَلَام خَوْلَة بِنْت ثَعْلَبَة وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضه , وَهِيَ تَشْتَكِي زَوْجهَا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهِيَ تَقُول : يَا رَسُول اللَّه ! أَكَلَ شَبَابِي وَنَثَرْت لَهُ بَطْنِي , حَتَّى إِذَا كَبِرَ سِنِّي وَانْقَطَعَ وَلَدِي ظَاهَرَ مِنِّي , اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْك ! فَمَا بَرِحْت حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيل بِهَذِهِ الْآيَة : " قَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوْجهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّه " خَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي السُّنَن . وَاَلَّذِي فِي الْبُخَارِيّ مِنْ هَذَا عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعه الْأَصْوَات , لَقَدْ جَاءَتْ الْمُجَادِلَة تَشْكُو إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنَا فِي نَاحِيَة الْبَيْت مَا أَسْمَع مَا تَقُول , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " قَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوْجهَا " . وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ : هِيَ خَوْلَة بِنْت ثَعْلَبَة . وَقِيلَ : بِنْت خُوَيْلِد . وَلَيْسَ هَذَا بِمُخْتَلَفٍ , لِأَنَّ أَحَدهمَا أَبُوهَا وَالْآخَر جَدّهَا فَنُسِبَتْ إِلَى كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا . وَزَوْجهَا أَوْس بْن الصَّامِت أَخُو عُبَادَة بْن الصَّامِت . وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ قَالَ اِبْن عَبَّاس : هِيَ خَوْلَة بِنْت خُوَيْلِد . الْخَزْرَجِيَّة , كَانَتْ تَحْت أَوْس بْن الصَّامِت أَخُو عُبَادَة بْن الصَّامِت , وَكَانَتْ حَسَنَة الْجِسْم , فَرَآهَا زَوْجهَا سَاجِدَة فَنَظَرَ عَجِيزَتهَا فَأَعْجَبَهُ أَمْرهَا , فَلَمَّا اِنْصَرَفَتْ أَرَادَهَا فَأَبَتْ فَغَضِبَ عَلَيْهَا قَالَ عُرْوَة : وَكَانَ امْرَأً بِهِ لَمَم فَأَصَابَهُ بَعْض لَمَمه فَقَالَ لَهَا : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي . وَكَانَ الْإِيلَاء وَالظِّهَار مِنْ الطَّلَاق فِي الْجَاهِلِيَّة , فَسَأَلْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا : ( حَرُمْت عَلَيْهِ ) فَقَالَتْ : وَاَللَّه مَا ذَكَرَ طَلَاقًا , ثُمَّ قَالَتْ : أَشْكُو إِلَى اللَّه فَاقَتِي وَوَحْدَتِي وَوَحْشَتِي وَفِرَاق زَوْجِي وَابْن عَمِّي وَقَدْ نَفَضْت لَهُ بَطْنِي , فَقَالَ : ( حَرُمْت عَلَيْهِ ) فَمَا زَالَتْ تُرَاجِعهُ وَيُرَاجِعهَا حَتَّى نَزَلَتْ عَلَيْهِ الْآيَة . وَرَوَى الْحَسَن : أَنَّهَا قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه ! قَدْ نَسَخَ اللَّه سُنَن الْجَاهِلِيَّة وَإِنَّ زَوْجِي ظَاهَرَ مِنِّي , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أُوحِيَ إِلَيَّ فِي هَذَا شَيْء ) فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه , أُوحِيَ إِلَيْك فِي كُلّ شَيْء وَطُوِيَ عَنْك هَذَا ؟ ! فَقَالَ : ( هُوَ مَا قُلْت لَك ) فَقَالَتْ : إِلَى اللَّه أَشْكُو لَا إِلَى رَسُوله . فَأَنْزَلَ اللَّه : " قَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوْجهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّه " الْآيَة . وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيث قَتَادَة أَنَّ أَنَس بْن مَالِك حَدَّثَهُ قَالَ : إِنَّ أَوْس بْن الصَّامِت ظَاهَرَ مِنْ اِمْرَأَته خُوَيْلَة بِنْت ثَعْلَبَة فَشَكَتْ ذَلِكَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : ظَاهَرَ حِين كَبِرَتْ سِنِّي وَرَقَّ عَظْمِي . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى آيَة الظِّهَار , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَوْسٍ : ( اِعْتِقْ رَقَبَة ) قَالَ : مَالِي بِذَلِكَ يَدَانِ . قَالَ : ( فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ) قَالَ : أَمَا إِنِّي إِذَا أَخْطَأَنِي أَنْ آكُل فِي يَوْم ثَلَاث مَرَّات يَكِلّ بَصَرِي . قَالَ : ( فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا ) قَالَ : مَا أَجِد إِلَّا أَنْ تُعِيننِي مِنْك بِعَوْنٍ وَصِلَة . قَالَ : فَأَعَانَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا حَتَّى جَمَعَ اللَّه لَهُ وَاَللَّه غَفُور رَحِيم . " إِنَّ اللَّه سَمِيع بَصِير " قَالَ : فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ عِنْده مِثْلهَا وَذَلِكَ لِسِتِّينَ مِسْكِينًا , وَفِي التِّرْمِذِيّ وَسُنَن اِبْن مَاجَهْ : أَنَّ سَلَمَة بْن صَخْر الْبَيَاضِيّ ظَاهَرَ مِنْ اِمْرَأَته , وَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ ( اِعْتِقْ رَقَبَة ) قَالَ : فَضَرَبْت صَفْحَة عُنُقِي بِيَدِي . فَقُلْت : لَا وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أَصْبَحْت أَمْلِك غَيْرهَا . قَالَ : ( فَصُمْ شَهْرَيْنِ ) فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه ! وَهَلْ أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي إِلَّا فِي الصِّيَام . قَالَ : ( فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا ) الْحَدِيث . وَذَكَرَ اِبْن الْعَرَبِيّ فِي أَحْكَامه : رُوِيَ أَنَّ خَوْلَة بِنْت دُلَيْج ظَاهَرَ مِنْهَا زَوْجهَا , فَأَتَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَدْ حَرُمْت عَلَيْهِ ) فَقَالَتْ : أَشْكُو إِلَى اللَّه حَاجَتِي . ثُمَّ عَادَتْ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( حَرُمْت عَلَيْهِ ) فَقَالَتْ : إِلَى اللَّه أَشْكُو حَاجَتِي إِلَيْهِ وَعَائِشَة تَغْسِل شِقّ رَأْسه الْأَيْمَن , ثُمَّ تَحَوَّلَتْ إِلَى الشِّقّ الْآخَر وَقَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْي , فَذَهَبَتْ أَنْ تُعِيد , فَقَالَتْ عَائِشَة : اُسْكُتِي فَإِنَّهُ قَدْ نَزَلَ الْوَحْي . فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآن قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَوْجِهَا : ( اِعْتِقْ رَقَبَة ) قَالَ : لَا أَجِد . قَالَ : ( صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ) قَالَ : إِنْ لَمْ آكُل فِي الْيَوْم ثَلَاث مَرَّات خِفْت أَنْ يَعْشُو بَصَرِي . قَالَ : ( فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا ) . قَالَ : فَأَعِنِّي . فَأَعَانَهُ بِشَيْءٍ . قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : أَهْل التَّفْسِير عَلَى أَنَّهَا خَوْلَة وَزَوْجهَا أَوْس بْن الصَّامِت , وَاخْتَلَفُوا فِي نَسَبهَا , قَالَ بَعْضهمْ : هِيَ أَنْصَارِيَّة وَهِيَ بِنْت ثَعْلَبَة , وَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ بِنْت دُلَيْج , وَقِيلَ : هِيَ بِنْت خُوَيْلِد , وَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ بِنْت الصَّامِت , وَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ أَمَة كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّه بْن أُبَيّ , وَهِيَ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّه فِيهَا " وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا " [ النُّور : 33 ] لِأَنَّهُ كَانَ يُكْرِههَا عَلَى الزِّنَى . وَقِيلَ : هِيَ بِنْت حَكِيم . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا لَيْسَ بِمُتَنَاقِضٍ , يَجُوز أَنْ تُنْسَب مَرَّة إِلَى أَبِيهَا , وَمَرَّة إِلَى أُمّهَا , وَمَرَّة إِلَى جَدّهَا , وَيَجُوز أَنْ تَكُون أَمَة كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّه بْن أُبَيّ فَقِيلَ لَهَا أَنْصَارِيَّة بِالْوَلَاءِ , لِأَنَّهُ كَانَ فِي عِدَاد الْأَنْصَار وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ . وَقُرِئَ " تُحَاوِرك " أَيْ تُرَاجِعك الْكَلَام و " تُجَادِلك " أَيْ تُسَائِلك . قُرِئَ " قَدْ سَمِعَ اللَّه " بِالْاِدْغَامِ و " قَدْ سَمِعَ اللَّه " بِالْإِظْهَارِ . وَالْأَصْل فِي السَّمَاع إِدْرَاك الْمَسْمُوعَات , وَهُوَ اِخْتِيَار الشَّيْخ أَبِي الْحَسَن . وَقَالَ اِبْن فَوْرك : الصَّحِيح أَنَّهُ إِدْرَاك الْمَسْمُوع . قَالَ الْحَاكِم أَبُو عَبْد اللَّه فِي مَعْنَى السَّمِيع : إِنَّهُ الْمُدْرِك لِلْأَصْوَاتِ الَّتِي يُدْرِكهَا الْمُخَلِّقُونَ بِآذَانِهِمْ مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون لَهُ أُذُن , وَذَلِكَ رَاجِع إِلَى أَنَّ الْأَصْوَات لَا تَخْفَى عَلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ غَيْر مَوْصُوف بِالْحِسِّ الْمُرَكَّب فِي الْأُذُن , كَالْأَصَمِّ مِنْ النَّاس لَمَّا لَمْ تَكُنْ لَهُ هَذِهِ الْحَاسَّة لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِإِدْرَاكِ الصَّوْت . وَالسَّمْع وَالْبَصَر صِفَتَانِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَة وَالْحَيَاة وَالْإِرَادَة , فَهُمَا مِنْ صِفَات الذَّات لَمْ يَزَلْ الْخَالِق سُبْحَانه وَتَعَالَى مُتَّصِفًا بِهِمَا . وَشَكَى وَاشْتَكَى بِمَعْنًى وَاحِد .'; $TAFSEER['4']['58']['2'] = 'فِيهِ إِحْدَى وَعِشْرُونَ مَسْأَلَة : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : " الَّذِينَ يُظْهِرُونَ " قَرَأَ اِبْن عَامِر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَخَلَف " يَظَّاهَرُونَ " بِفَتْحِ الْيَاء وَتَشْدِيد الظَّاء وَأَلِف . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو وَيَعْقُوب " يَظَّهَّرُونَ " بِحَذْفِ الْأَلِف وَتَشْدِيد الْهَاء وَالظَّاء وَفَتْح الْيَاء . وَقَرَأَ أَبُو الْعَالِيَة وَعَاصِم وَزِرّ بْن حُبَيْش " يُظَاهِرُونَ " بِضَمِّ الْيَاء وَتَخْفِيف الظَّاء وَأَلِف وَكَسْر الْهَاء . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي " الْأَحْزَاب " . وَفِي قِرَاءَة أُبَيّ " يَتَظَاهَرُونَ " وَهِيَ مَعْنَى قِرَاءَة اِبْن عَامِر وَحَمْزَة . وَذَكَرَ الظُّهْر كِنَايَة عَنْ مَعْنَى الرُّكُوب , وَالْآدَمِيَّة إِنَّمَا يُرْكَب بَطْنهَا وَلَكِنْ كَنَّى عَنْهُ بِالظَّهْرِ , لِأَنَّ مَا يُرْكَب مِنْ غَيْر الْآدَمِيَّات فَإِنَّمَا يُرْكَب ظَهْره , فَكَنَّى بِالظَّهْرِ عَنْ الرُّكُوب . وَيُقَال : نَزَلَ عَنْ اِمْرَأَته أَيْ طَلَّقَهَا كَأَنَّهُ نَزَلَ عَنْ مَرْكُوب . وَمَعْنَى أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي : أَيْ أَنْتِ عَلَيَّ مُحَرَّمَة لَا يَحِلّ لِي رُكُوبك . الثَّانِيَة : حَقِيقَة الظِّهَار تَشْبِيه ظَهْر بِظَهْرٍ , وَالْمُوجِب لِلْحُكْمِ مِنْهُ تَشْبِيه ظَهْر مُحَلَّل بِظَهْرٍ مُحَرَّم , وَلِهَذَا أَجْمَعَ الْفُقَهَاء عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَنَّهُ مُظَاهِر . وَأَكْثَرهمْ عَلَى أَنَّهُ إِنْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ اِبْنَتِي أَوْ أُخْتِي أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ ذَوَات الْمَحَارِم أَنَّهُ مُظَاهِر . وَهُوَ مَذْهَب مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَغَيْرهمَا . وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فَرُوِيَ عَنْهُ نَحْو قَوْل مَالِك , لِأَنَّهُ شَبَّهَ اِمْرَأَته بِظَهْرٍ مُحَرَّم عَلَيْهِ مُؤَبَّد كَالْأُمِّ . وَرَوَى عَنْهُ أَبُو ثَوْر : أَنَّ الظِّهَار لَا يَكُون إِلَّا بِالْأُمِّ وَحْدهَا . وَهُوَ مَذْهَب قَتَادَة وَالشَّعْبِيّ . وَالْأَوَّل قَوْل الْحَسَن وَالنَّخَعِيّ وَالزُّهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْرِيّ . الثَّالِثَة : أَصْل الظِّهَار أَنْ يَقُول الرَّجُل لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي . وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّه الظَّهْر كِنَايَة عَنْ الْبَطْن وَسِتْرًا . فَإِنْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي وَلَمْ يَذْكُر الظَّهْر , أَوْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ مِثْل أُمِّي , فَإِنْ أَرَادَ الظِّهَار فَلَهُ نِيَّته , وَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاق كَانَ مُطْلَقًا الْبَتَّة عِنْد مَالِك , وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّة فِي طَلَاق وَلَا ظِهَار كَانَ مُظَاهِرًا . وَلَا يَنْصَرِف صَرِيح الظِّهَار بِالنِّيَّةِ إِلَى الطَّلَاق , كَمَا لَا يَنْصَرِف صَرِيح الطَّلَاق وَكِنَايَته الْمَعْرُوفَة لَهُ إِلَى الظِّهَار , وَكَنَايَة الظِّهَار خَاصَّة تَنْصَرِف بِالنِّيَّةِ إِلَى الطَّلَاق الْبَتّ . الرَّابِعَة : أَلْفَاظ الظِّهَار ضَرْبَانِ : صَرِيح وَكِنَايَة , فَالصَّرِيح أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي , وَأَنْتِ عِنْدِي وَأَنْتِ مِنِّي وَأَنْتِ مَعِي كَظَهْرِ أُمِّي . وَكَذَلِكَ أَنْتِ عَلَيَّ كَبَطْنِ أُمِّي أَوْ كَرَأْسِهَا أَوْ فَرْجهَا أَوْ نَحْوه , وَكَذَلِكَ فَرْجك أَوْ رَأْسك أَوْ ظَهْرك أَوْ بَطْنك أَوْ رِجْلك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَهُوَ مُظَاهِر , مِثْل قَوْله : يَدك أَوْ رِجْلك أَوْ رَأْسك أَوْ فَرْجك طَالِق تَطْلُق عَلَيْهِ . وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي أَحَد قَوْلَيْهِ : لَا يَكُون ظِهَارًا . وَهَذَا ضَعِيف مِنْهُ , لِأَنَّهُ قَدْ وَافَقَنَا عَلَى أَنَّهُ يَصِحّ إِضَافَة الطَّلَاق إِلَيْهِ خَاصَّة حَقِيقَة خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَة فَصَحَّ إِضَافَة الظِّهَار إِلَيْهِ . وَمَتَى شَبَّهَهَا بِأُمِّهِ أَوْ بِإِحْدَى جَدَّاته مِنْ قِبَل أَبِيهِ أَوْ أُمّه فَهُوَ ظِهَار بِلَا خِلَاف . وَإِنْ شَبَّهَهَا بِغَيْرِهِنَّ مِنْ ذَوَات الْمَحَارِم الَّتِي لَا تَحِلّ لَهُ بِحَالٍ كَالْبِنْتِ وَالْأُخْت , وَالْعَمَّة وَالْخَالَة كَانَ مُظَاهِرًا عِنْد أَكْثَر الْفُقَهَاء , وَعِنْد الْإِمَام الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَلَى الصَّحِيح مِنْ الْمَذْهَب عَلَى مَا ذَكَرْنَا . وَالْكِنَايَة أَنْ يَقُول : أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي أَوْ مِثْل أُمِّي فَإِنَّهُ يَعْتَبِر فِيهِ النِّيَّة . فَإِنْ أَرَادَ الظِّهَار كَانَ ظِهَارًا , وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الظِّهَار لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا عِنْد الشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة . وَقَدْ تَقَدَّمَ مَذْهَب مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي ذَلِكَ , وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنَّهُ أَطْلَقَ تَشْبِيه اِمْرَأَته بِأُمِّهِ فَكَانَ ظِهَارًا . أَصْله إِذَا ذَكَرَ الظَّهْر وَهَذَا قَوِيّ فَإِنَّ مَعْنَى اللَّفْظ فِيهِ مَوْجُود - وَاللَّفْظ بِمَعْنَاهُ - وَلَمْ يَلْزَم حُكْم الظَّهْر لِلَفْظِهِ وَإِنَّمَا أَلْزَمَهُ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ التَّحْرِيم , قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ . الْخَامِسَة : إِذَا شَبَّهَ جُمْلَة أَهْله بِعُضْوٍ مِنْ أَعْضَاء أُمّه كَانَ مُظَاهِرًا , خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَة فِي قَوْله : إِنَّهُ إِنْ شَبَّهَهَا بِعُضْوٍ يَحِلّ لَهُ النَّظَر إِلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا . وَهَذَا لَا يَصِحّ , لِأَنَّ النَّظَر إِلَيْهِ عَلَى طَرِيق الِاسْتِمْتَاع لَا يَحِلّ لَهُ , وَفِيهِ وَقَعَ التَّشْبِيه وَإِيَّاهُ قَصَدَ الْمُظَاهِر , وَقَدْ قَالَ الْإِمَام الشَّافِعِيّ فِي قَوْل : إِنَّهُ لَا يَكُون ظِهَارًا إِلَّا فِي الظَّهْر وَحْده . وَهَذَا فَاسِد , لِأَنَّ كُلّ عُضْو مِنْهَا مُحَرَّم , فَكَانَ التَّشْبِيه بِهِ ظِهَارًا كَالظَّهْرِ , وَلِأَنَّ الْمُظَاهِر إِنَّمَا يَقْصِد تَشْبِيه الْمُحَلَّل بِالْمُحَرَّمِ فَلَزِمَ عَلَى الْمَعْنَى . السَّادِسَة : إِنْ شَبَّهَ اِمْرَأَته بِأَجْنَبِيَّةٍ فَإِنْ ذَكَرَ الظَّهْر كَانَ ظِهَارًا حَمْلًا عَلَى الْأَوَّل , وَإِنْ لَمْ يَذْكُر الظَّهْر فَاخْتَلَفَ فِيهِ عُلَمَاؤُنَا , فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَكُون ظِهَارًا . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَكُون طَلَاقًا . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ : لَا يَكُون شَيْئًا . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا فَاسِد , لِأَنَّهُ شَبَّهَ مُحَلَّلًا مِنْ الْمَرْأَة بِمُحَرَّمٍ فَكَانَ مُقَيَّدًا بِحُكْمِهِ كَالظَّهْرِ , وَالْأَسْمَاء بِمَعَانِيهَا عِنْدنَا , وَعِنْدهمْ بِأَلْفَاظِهَا وَهَذَا نَقْض لِلْأَصْلِ مِنْهُمْ . قُلْت : الْخِلَاف فِي الظِّهَار بِالْأَجْنَبِيَّةِ قَوِيّ عِنْد مَالِك . وَأَصْحَابه مِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَى الظِّهَار إِلَّا بِذَوَاتِ الْمَحَارِم خَاصَّة وَلَا يَرَى الظِّهَار بِغَيْرِهِنَّ . وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَجْعَلهُ شَيْئًا . وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلهُ فِي الْأَجْنَبِيَّة طَلَاقًا . وَهُوَ عِنْد مَالِك إِذَا قَالَ : كَظَهْرِ اِبْنِي أَوْ غُلَامِي أَوْ كَظَهْرِ زَيْد أَوْ كَظَهْرِ أَجْنَبِيَّة ظِهَار لَا يَحِلّ لَهُ وَطْؤُهَا فِي حِين يَمِينه . وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا : أَنَّ الظِّهَار بِغَيْرِ ذَوَات الْمَحَارِم لَيْسَ بِشَيْءٍ , كَمَا قَالَ الْكُوفِيّ وَالشَّافِعِيّ . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ : لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ فُلَان رَجُل فَهُوَ يَمِين يُكَفِّرهَا . وَاَللَّه أَعْلَم . السَّابِعَة : إِذَا قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَام كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ ظِهَارًا وَلَمْ يَكُنْ طَلَاقًا , لِأَنَّ قَوْله : أَنْتِ حَرَام عَلَيَّ يَحْتَمِل التَّحْرِيم بِالطَّلَاقِ فَهِيَ مُطْلَقَة , وَيَحْتَمِل التَّحْرِيم بِالظِّهَارِ فَلَمَّا صَرَّحَ بِهِ كَانَ تَفْسِيرًا لِأَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ يَقْضِي بِهِ فِيهِ . الثَّامِنَة : الظِّهَار لَازِم فِي كُلّ زَوْجَة مَدْخُول بِهَا أَوْ غَيْر مَدْخُول بِهَا عَلَى أَيّ الْأَحْوَال كَانَتْ مِنْ زَوْج يَجُوز طَلَاقه . وَكَذَلِكَ عِنْد مَالِك مَنْ يَجُوز لَهُ وَطْؤُهَا مِنْ إِمَائِهِ , إِذَا ظَاهَرَ مِنْهُنَّ لَزِمَهُ الظِّهَار فِيهِنَّ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ : لَا يَلْزَم . قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : وَهِيَ مَسْأَلَة عَسِيرَة جِدًّا عَلَيْنَا , لِأَنَّ مَالِكًا يَقُول : إِذَا قَالَ لِأَمَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَام لَا يَلْزَم . فَكَيْفَ يَبْطُل فِيهَا صَرِيح التَّحْرِيم وَتَصِحّ كِنَايَته . وَلَكِنْ تَدْخُل الْأَمَة فِي عُمُوم قَوْله : " مِنْ نِسَائِهِمْ " لِأَنَّهُ أَرَادَ مِنْ مُحَلَّلَاتهمْ . وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَفْظ يَتَعَلَّق بِالْبُضْعِ دُون رَفْع الْعَقْد فَصَحَّ فِي الْأَمَة , أَصْله الْحَلِف بِاَللَّهِ تَعَالَى . التَّاسِعَة : وَيَلْزَم الظِّهَار قَبْل النِّكَاح إِذَا نَكَحَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا عِنْد مَالِك . وَلَا يَلْزَم عِنْد الشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " مِنْ نِسَائِهِمْ " وَهَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ نِسَائِهِ . وَقَدْ مَضَى أَصْل هَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي سُورَة " التَّوْبَة " عِنْد قَوْله تَعَالَى " وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّه " [ التَّوْبَة : 75 ] الْآيَة . الْعَاشِرَة : الذِّمِّيّ لَا يَلْزَم ظِهَاره . وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَة . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : يَصِحّ ظِهَار الذِّمِّيّ , وَدَلِيلنَا قَوْله تَعَالَى : " مِنْكُمْ " يَعْنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ . وَهَذَا يَقْتَضِي خُرُوج الذِّمِّيّ مِنْ الْخِطَاب . فَإِنْ قِيلَ : هَذَا اِسْتِدْلَال بِدَلِيلِ الْخِطَاب . قُلْنَا : هُوَ اِسْتِدْلَال بِالِاشْتِقَاقِ وَالْمَعْنَى , فَإِنَّ أَنْكِحَة الْكُفَّار فَاسِدَة مُسْتَحَقَّة الْفَسْخ فَلَا يَتَعَلَّق بِهَا حُكْم طَلَاق وَلَا ظِهَار , وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْل مِنْكُمْ " [ الطَّلَاق : 2 ] وَإِذَا خَلَتْ الْأَنْكِحَة عَنْ شُرُوط الصِّحَّة فَهِيَ فَاسِدَة , وَلَا ظِهَار فِي النِّكَاح الْفَاسِد بِحَالٍ . الْحَادِيَة عَشَر : " مِنْكُمْ " يَقْتَضِي صِحَّة ظِهَار الْعَبْد خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَهُ . وَحَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ عَنْ مَالِك , لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَة الْمُسْلِمِينَ وَأَحْكَام النِّكَاح فِي حَقّه ثَابِتَة وَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْعِتْق وَالْإِطْعَام فَإِنَّهُ قَادِر عَلَى الصِّيَام . الثَّانِيَة عَشَر : وَقَالَ مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : لَيْسَ عَلَى النِّسَاء تَظَاهُر , وَإِنَّمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَاَلَّذِينَ يَظَّهَّرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ " وَلَمْ يَقُلْ اللَّائِي يَظْهَرْنَ مِنْكُنَّ مِنْ أَزْوَاجهنَّ , إِنَّمَا الظِّهَار عَلَى الرِّجَال . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : هَكَذَا رُوِيَ عَنْ اِبْن الْقَاسِم وَسَالِم وَيَحْيَى بْن سَعِيد وَرَبِيعَة وَأَبِي الزِّنَاد . وَهُوَ صَحِيح مَعْنًى , لِأَنَّ الْحَلّ وَالْعَقْد وَالتَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم فِي النِّكَاح بِيَدِ الرِّجَال لَيْسَ بِيَدِ الْمَرْأَة مِنْهُ شَيْء وَهَذَا إِجْمَاع . قَالَ أَبُو عُمَر : لَيْسَ عَلَى النِّسَاء ظِهَار فِي قَوْل جُمْهُور الْعُلَمَاء . وَقَالَ الْحَسَن بْن زِيَاد : هِيَ مُظَاهَرَة . وَقَالَ الثَّوْرِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَمُحَمَّد : لَيْسَ ظِهَار الْمَرْأَة مِنْ الرَّجُل بِشَيْءٍ قَبْل النِّكَاح كَانَ أَوْ بَعْده . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : لَا ظِهَار لِلْمَرْأَةِ مِنْ الرَّجُل . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذَا قَالَتْ الْمَرْأَة لِزَوْجِهَا , أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فُلَانَة فَهِيَ يَمِين تُكَفِّرهَا . وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاق , قَالَ : لَا تَكُون اِمْرَأَة مُتَظَاهِرَة مِنْ رَجُل وَلَكِنْ عَلَيْهَا يَمِين تُكَفِّرهَا . وَقَالَ الزُّهْرِيّ : أَرَى أَنْ تُكَفِّر الظِّهَار , وَلَا يَحُول قَوْلهَا هَذَا بَيْنهَا وَبَيْن زَوْجهَا أَنْ يُصِيبهَا , رَوَاهُ عَنْهُ مَعْمَر . وَابْن جُرَيْج عَنْ عَطَاء قَالَ : حَرَّمَتْ مَا أَحَلَّ اللَّه , عَلَيْهَا كَفَّارَة يَمِين . وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُف . وَقَالَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن : لَا شَيْء عَلَيْهَا الثَّالِثَة عَشَر : مَنْ بِهِ لَمَم وَانْتَظَمَتْ لَهُ فِي بَعْض الْأَوْقَات الْكَلِم إِذَا ظَاهَرَ لَزِمَ ظِهَاره , لِمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيث : أَنَّ خَوْلَة بِنْت ثَعْلَبَة وَكَانَ زَوْجهَا أَوْس بْن الصَّامِت وَكَانَ بِهِ لَمَم فَأَصَابَهُ بَعْض لَمَمه فَظَاهَرَ مِنْ اِمْرَأَته . الرَّابِعَة عَشَر : مَنْ غَضِبَ وَظَاهَرَ مِنْ اِمْرَأَته أَوْ طَلَّقَ لَمْ يُسْقِط عَنْهُ غَضَبه حُكْمه . وَفِي بَعْض طُرُق هَذَا الْحَدِيث , قَالَ يُوسُف بْن عَبْد اللَّه بْن سَلَّام : حَدَّثَتْنِي خَوْلَة اِمْرَأَة أَوْس بْن الصَّامِت , قَالَتْ : كَانَ بَيْنِي وَبَيْنه شَيْء , فَقَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ خَرَجَ إِلَى نَادِي قَوْمه . فَقَوْلهَا : كَانَ بَيْنِي وَبَيْنه شَيْء , دَلِيل عَلَى مُنَازَعَة أَحْرَجَتْهُ فَظَاهَرَ مِنْهَا . وَالْغَضَب لَغْو لَا يَرْفَع حُكْمًا وَلَا يُغَيِّر شَرْعًا وَكَذَلِكَ السَّكْرَان . الْخَامِسَة عَشَر : يَلْزَمهُ حُكْم الظِّهَار وَالطَّلَاق فِي حَال سُكْره إِذَا عَقَلَ قَوْله وَنَظَمَ قَوْله وَنَظَمَ كَلَامه , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ " [ النِّسَاء : 43 ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " النِّسَاء " بَيَانه . وَاَللَّه أَعْلَم . السَّادِسَة عَشَر : وَلَا يَقْرَب الْمُظَاهِر اِمْرَأَته وَلَا يُبَاشِرهَا وَلَا يَتَلَذَّذ مِنْهَا بِشَيْءٍ حَتَّى يُكَفِّر , خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي أَحَد قَوْلَيْهِ , لِأَنَّ قَوْله : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يَقْتَضِي تَحْرِيم كُلّ اِسْتِمْتَاع بِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ , فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْل أَنْ يُكَفِّر , وَهِيَ : السَّابِعَة عَشَر : اِسْتَغْفَرَ اللَّه تَعَالَى وَأَمْسَكَ عَنْهَا حَتَّى يُكَفِّر كَفَّارَة وَاحِدَة . وَقَالَ مُجَاهِد وَغَيْره : عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ . رَوَى سَعِيد عَنْ قَتَادَة , وَمُطَرِّف عَنْ رَجَاء بْن حَيْوَة عَنْ قَبِيصَة بْن ذُؤَيْب عَنْ عَمْرو بْن الْعَاصِ فِي الْمُظَاهِر : إِذَا وَطِئَ قَبْل أَنْ يُكَفِّر عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ . وَمَعْمَر عَنْ قَتَادَة قَالَ : قَالَ قَبِيصَة بْن ذُؤَيْب : عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ . وَرَوَى جَمَاعَة مِنْ الْأَئِمَّة مِنْهُمْ اِبْن مَاجَهْ وَالنَّسَائِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنْ اِمْرَأَته فَغَشِيَهَا قَبْل أَنْ يُكَفِّر فَأَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : ( مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ ) فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه ! رَأَيْت بَيَاض خَلْخَالهَا فِي ضَوْء الْقَمَر فَلَمْ أَمْلِك نَفْسِي أَنْ وَقَعْت عَلَيْهَا فَضَحِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَلَّا يَقْرَبهَا حَتَّى يُكَفِّر . وَرَوَى اِبْن مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ سُلَيْمَان بْن يَسَار عَنْ سَلَمَة بْن صَخْر أَنَّهُ ظَاهَرَ فِي زَمَان النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ قَبْل أَنْ يُكَفِّر , فَأَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُكَفِّر تَكْفِيرًا وَاحِدًا . الثَّامِنَة عَشَر : إِذَا ظَاهَرَ مِنْ أَرْبَع نِسْوَة فِي كَلِمَة وَاحِدَة , كَقَوْلِهِ : أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ مُظَاهِرًا مِنْ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ , وَلَمْ يَجُزْ لَهُ وَطْء إِحْدَاهُنَّ وَأَجْزَأَتْهُ كَفَّارَة وَاحِدَة . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : تَلْزَمهُ أَرْبَع كَفَّارَات . وَلَيْسَ فِي الْآيَة دَلِيل عَلَى شَيْء مِنْ ذَلِكَ , لِأَنَّ لَفْظ الْجَمْع إِنَّمَا وَقَعَ فِي عَامَّة الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُعَوَّل عَلَى الْمَعْنَى . وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول : إِذَا كَانَ تَحْت الرَّجُل أَرْبَع نِسْوَة فَظَاهَرَ مِنْهُنَّ يُجْزِيه كَفَّارَة وَاحِدَة , فَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ وَاحِدَة بَعْد أُخْرَى لَزِمَهُ فِي كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ كَفَّارَة . وَهَذَا إِجْمَاع . التَّاسِعَة عَشَر : فَإِنْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَة : إِنْ تَزَوَّجْتُكُنَّ فَأَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُنَّ لَمْ يَقْرَبهَا حَتَّى يُكَفِّر , ثُمَّ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْيَمِين فِي سَائِرهنَّ . وَقَدْ قِيلَ : لَا يَطَأ الْبَوَاقِي مِنْهُنَّ حَتَّى يُكَفِّر . وَالْأَوَّل هُوَ الْمَذْهَب . الْمُوفِيَة عِشْرِينَ : وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَأَنْتِ طَالِق الْبَتَّة , لَزِمَهُ الطَّلَاق وَالظِّهَار مَعًا , وَلَمْ يُكَفِّر حَتَّى يَنْكِحهَا بَعْد زَوْج آخَر وَلَا يَطَأهَا إِذَا نَكَحَهَا حَتَّى يُكَفِّر , فَإِنْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِق الْبَتَّة وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَزِمَهُ الطَّلَاق وَلَمْ يَلْزَمهُ الظِّهَار , لِأَنَّ الْمَبْتُوتَة لَا يَلْحَقهَا طَلَاق . الْحَادِيَة وَالْعِشْرُونَ : قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : لَا يَصِحّ ظِهَار غَيْر الْمَدْخُول بِهَا . وَقَالَ الْمُزَنِيّ : لَا يَصِحّ الظِّهَار مِنْ الْمُطَلَّقَة الرَّجْعِيَّة , وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ , لِأَنَّ أَحْكَام الزَّوْجِيَّة فِي الْمَوْضِعَيْنِ ثَابِتَة , وَكَمَا يَلْحَقهَا الطَّلَاق كَذَلِكَ يَلْحَقهَا الظِّهَار قِيَاسًا وَنَظَرًا . وَاَللَّه أَعْلَم . أَيْ مَا نِسَاؤُهُمْ بِأُمَّهَاتِهِمْ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " أُمَّهَاتهمْ " بِخَفْضِ التَّاء عَلَى لُغَة أَهْل الْحِجَاز , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " مَا هَذَا بَشَرًا " [ يُوسُف : 31 ] . وَقَرَأَ أَبُو مَعْمَر وَالسُّلَمِيّ وَغَيْرهمَا " أُمَّهَاتهمْ " بِالرَّفْعِ عَلَى لُغَة تَمِيم . قَالَ الْفَرَّاء : أَهْل نَجْد وَبَنُو تَمِيم يَقُولُونَ " مَا هَذَا بَشَر " , و " مَا هُنَّ أُمَّهَاتهمْ " بِالرَّفْعِ . أَيْ مَا أُمَّهَاتهمْ إِلَّا الْوَالِدَات . وَفِي الْمِثْل : وَلَدك مِنْ دَمِي عَقِبَيْك . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي اللَّائِي فِي " الْأَحْزَاب " . أَيْ فَظِيعًا مِنْ الْقَوْل لَا يُعْرَف فِي الشَّرْع . وَالزُّور الْكَذِب إِذْ جَعَلَ الْكَفَّارَة عَلَيْهِمْ مُخَلِّصَة لَهُمْ مِنْ هَذَا الْقَوْل الْمُنْكَر .'; $TAFSEER['4']['58']['3'] = 'هَذَا اِبْتِدَاء وَالْخَبَر " فَتَحْرِير رَقَبَة " وَحُذِفَ عَلَيْهِمْ لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ , أَيْ فَعَلَيْهِمْ تَحْرِير رَقَبَة . وَقِيلَ : أَيْ فَكَفَّارَتهمْ عِتْق رَقَبَة . وَالْمُجْمَع عَلَيْهِ عِنْد الْعُلَمَاء فِي الظِّهَار قَوْل الرَّجُل لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي . وَهُوَ قَوْل الْمُنْكَر وَالزُّور الَّذِي عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : " وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْل وَزُورًا " [ الْمُجَادَلَة : 2 ] فَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْل حُرِّمَ عَلَيْهِ وَطْء اِمْرَأَته . فَمَنْ عَادَ لِمَا قَالَ لَزِمَتْهُ كَفَّارَة الظِّهَار , لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : " وَاَلَّذِينَ يَظَّهَّرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِير رَقَبَة " وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ كَفَّارَة الظِّهَار لَا تَلْزَم بِالْقَوْلِ خَاصَّة حَتَّى يَنْضَمّ إِلَيْهَا الْعَوْد , وَهَذَا حَرْف مُشَكَّل اِخْتَلَفَ النَّاس فِيهِ عَلَى أَقْوَال سَبْعَة : الْأَوَّل : أَنَّهُ الْعَزْم عَلَى الْوَطْء , وَهُوَ مَشْهُور قَوْل الْعِرَاقِيِّينَ أَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه . وَرُوِيَ عَنْ مَالِك : فَإِنْ عَزَمَ عَلَى وَطْئِهَا كَانَ عَوْدًا , وَإِنْ لَمْ يَعْزِم لَمْ يَكُنْ عَوْدًا . الثَّانِي : الْعَزْم عَلَى الْإِمْسَاك بَعْد التَّظَاهُر مِنْهَا , قَالَهُ مَالِك . الثَّالِث : الْعَزْم عَلَيْهِمَا . وَهُوَ قَوْل مَالِك فِي مُوَطَّئِهِ , قَالَ مَالِك فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " وَاَلَّذِينَ يَظَّهَّرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا " قَالَ : سَمِعْت أَنَّ تَفْسِير ذَلِكَ أَنْ يُظَاهِر الرَّجُل مِنْ اِمْرَأَته ثُمَّ يُجْمِع عَلَى إِصَابَتهَا وَإِمْسَاكهَا , فَإِنْ أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَة , وَإِنْ طَلَّقَهَا وَلَمْ يُجْمِع بَعْد تَظَاهُره مِنْهَا عَلَى إِمْسَاكهَا وَإِصَابَتهَا فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ . قَالَ مَالِك : وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْد ذَلِكَ لَمْ يَمَسّهَا حَتَّى يُكَفِّر كَفَّارَة التَّظَاهُر . الْقَوْل الرَّابِع : أَنَّهُ الْوَطْء نَفْسه فَإِنْ لَمْ يَطَأ لَمْ يَكُنْ عَوْدًا , قَالَهُ الْحَسَن وَمَالِك أَيْضًا . الْخَامِس : وَقَالَ الْإِمَام الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : هُوَ أَنْ يُمْسِكهَا زَوْجَة بَعْد الظِّهَار مَعَ الْقُدْرَة عَلَى الطَّلَاق , لِأَنَّهُ لَمَّا ظَاهَرَ قَصْد التَّحْرِيم , فَإِنْ وَصَلَ بِهِ الطَّلَاق فَقَدْ جَرَى عَلَى خِلَاف مَا اِبْتَدَأَهُ مِنْ إِيقَاع التَّحْرِيم وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ . وَإِنْ أَمْسَكَ عَنْ الطَّلَاق فَقَدْ عَادَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فَتَجِب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة . السَّادِس : أَنَّ الظِّهَار يُوجِب تَحْرِيمًا لَا يَرْفَعهُ إِلَّا الْكَفَّارَة . وَمَعْنَى الْعَوْد عِنْد الْقَائِلِينَ بِهَذَا : أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيح وَطْأَهَا إِلَّا بِكَفَّارَةٍ يُقَدِّمهَا , قَالَهُ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَاللَّيْث بْن سَعْد . السَّابِع هُوَ تَكْرِير الظِّهَار بِلَفْظِهِ . وَهَذَا قَوْل أَهْل الظَّاهِر النَّافِينَ لِلْقِيَاسِ , قَالُوا : إِذَا كَرَّرَ اللَّفْظ بِالظِّهَارِ فَهُوَ الْعَوْد , وَإِنْ لَمْ يُكَرِّر فَلَيْسَ بِعُودٍ . وَيُسْنَد ذَلِكَ إِلَى بُكَيْر بْن الْأَشَجّ وَأَبِي الْعَالِيَة وَأَبِي حَنِيفَة أَيْضًا , وَهُوَ قَوْل الْفَرَّاء . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة : وَظَاهِر الْآيَة يَشْهَد لَهُ , لِأَنَّهُ قَالَ : " ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا " أَيْ إِلَى قَوْل مَا قَالُوا . وَرَوَى عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : " وَاَلَّذِينَ يَظَّهَّرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا " هُوَ أَنْ يَقُول لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِذَا قَالَ لَهَا ذَلِكَ فَلَيْسَتْ تَحِلّ لَهُ حَتَّى يُكَفِّر كَفَّارَة الظِّهَار . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فَأَمَّا الْقَوْل بِأَنَّهُ الْعَوْد إِلَى لَفْظ الظِّهَار فَهُوَ بَاطِل قَطْعًا لَا يَصِحّ عَنْ بُكَيْر , وَإِنَّمَا يُشْبِه أَنْ يَكُون مِنْ جَهَالَة دَاوُد وَأَشْيَاعه . وَقَدْ رُوِيَتْ قَصَص الْمُتَظَاهِرِينَ وَلَيْسَ فِي ذِكْر الْكَفَّارَة عَلَيْهِمْ ذِكْر لِعَوْدِ الْقَوْل مِنْهُمْ , وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَعْنَى يَنْقُضهُ , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى وَصَفَهُ بِأَنَّهُ مُنْكَر مِنْ الْقَوْل وَزُور , فَكَيْفَ يُقَال لَهُ إِذَا أَعَدْت الْقَوْل الْمُحَرَّم وَالسَّبَب الْمَحْظُور وَجَبَتْ عَلَيْك الْكَفَّارَة , وَهَذَا لَا يُعْقَل , أَلَا تَرَى أَنَّ كُلّ سَبَب يُوجِب الْكَفَّارَة لَا تُشْتَرَط فِيهِ الْإِعَادَة مِنْ قَتْل وَوَطْء فِي صَوْم أَوْ غَيْره . قُلْت : قَوْل يُشْبِه أَنْ يَكُون مِنْ جَهَالَة دَاوُد وَأَشْيَاعه حُمِلَ مِنْهُ عَلَيْهِ , وَقَدْ قَالَ بِقَوْلِ دَاوُد مَنْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ , وَأَمَّا قَوْل الشَّافِعِيّ : بِأَنَّهُ تَرَكَ الطَّلَاق مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ فَيَنْقُضهُ ثَلَاثَة أُمُور أُمَّهَات : الْأَوَّل : أَنَّهُ قَالَ : " ثُمَّ " وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يَقْتَضِي التَّرَاخِي . الثَّانِي : أَنَّ قَوْله تَعَالَى : " ثُمَّ يَعُودُونَ " يَقْتَضِي وُجُود فِعْل مِنْ جِهَة وَمُرُور الزَّمَان لَيْسَ بِفِعْلٍ مِنْهُ . الثَّالِث : أَنَّ الطَّلَاق الرَّجْعِيّ لَا يُنَافِي الْبَقَاء عَلَى الْمِلْك فَلَمْ يَسْقُط حُكْم الظِّهَار كَالْإِيلَاءِ . فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا رَآهَا كَالْأُمِّ لَمْ يُمْسِكهَا إِذْ لَا يَصِحّ إِمْسَاك الْأُمّ بِالنِّكَاحِ . وَهَذِهِ عُمْدَة أَهْل مَا وَرَاء النَّهَر . قُلْنَا : إِذَا عَزَمَ عَلَى خِلَاف مَا قَالَ وَرَّاهَا خِلَاف الْأُمّ كُفْر وَعَادَ إِلَى أَهْله . وَتَحْقِيق هَذَا الْقَوْل : أَنَّ الْعَزْم قَوْل نَفْسِي , وَهَذَا رَجُل قَالَ قَوْلًا اِقْتَضَى التَّحْلِيل وَهُوَ النِّكَاح , وَقَالَ قَوْلًا اِقْتَضَى التَّحْرِيم وَهُوَ الظِّهَار , ثُمَّ عَادَ لِمَا قَالَ وَهُوَ التَّحْلِيل , وَلَا يَصِحّ أَنْ يَكُون مِنْهُ اِبْتِدَاء عَقْد , لِأَنَّ الْعَقْد بَاقٍ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنَّهُ قَوْل عَزْم يُخَالِف مَا اِعْتَقَدَهُ وَقَالَهُ فِي نَفْسه مِنْ الظِّهَار الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كُفْر وَعَادَ إِلَى أَهْله , لِقَوْلِهِ : " مِنْ قَبْل أَنْ يَتَمَاسَّا " . وَهَذَا تَفْسِير بَالِغ فِي فَنّه . قَالَ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل : الْآيَة فِيهَا تَقْدِيم وَتَأْخِير , وَالْمَعْنَى " وَاَلَّذِينَ يَظَّهَّرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ " إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْجِمَاع " فَتَحْرِير رَقَبَة " لِمَا قَالُوا , أَيْ فَعَلَيْهِمْ تَحْرِير رَقَبَة مِنْ أَجْل مَا قَالُوا , فَالْجَار فِي قَوْله : " لِمَا قَالُوا " مُتَعَلِّق بِالْمَحْذُوفِ الَّذِي هُوَ خَبَر الِابْتِدَاء وَهُوَ عَلَيْهِمْ , قَالَ الْأَخْفَش . وَقَالَ الزَّجَّاج : الْمَعْنَى ثُمَّ يَعُودُونَ إِلَى إِرَادَة الْجِمَاع مِنْ أَجْل مَا قَالُوا . وَقِيلَ : الْمَعْنَى الَّذِينَ كَانُوا يَظَّهَّرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّة , ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا كَانُوا قَالُوهُ فِي الْجَاهِلِيَّة فِي الْإِسْلَام فَكَفَّارَة مَنْ عَادَ أَنْ يُحَرِّر رَقَبَة . الْفَرَّاء : اللَّام بِمَعْنَى عَنْ وَالْمَعْنَى ثُمَّ يَرْجِعُونَ عَمَّا قَالُوا وَيُرِيدُونَ الْوَطْء . وَقَالَ الْأَخْفَش : لِمَا قَالُوا وَإِلَى مَا قَالُوا وَاحِد , وَاللَّام وَإِلَى يَتَعَاقَبَانِ , قَالَ : " الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا " [ الْأَعْرَاف : 43 ] وَقَالَ : " فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاط الْجَحِيم " [ الصَّافَّات : 23 ] وَقَالَ : " بِأَنَّ رَبّك أَوْحَى لَهَا " [ الزَّلْزَلَة : 5 ] وَقَالَ : " وَأُوحِيَ إِلَى نُوح " [ هُود : 36 ] . أَيْ فَعَلَيْهِ إِعْتَاق رَقَبَة , يُقَال : حَرَّرْته أَيْ جَعَلْته حُرًّا . ثُمَّ هَذِهِ الرَّقَبَة يَجِب أَنْ تَكُون كَامِلَة سَلِيمَة مِنْ كُلّ عَيْب , مِنْ كَمَالِهَا إِسْلَامهَا عِنْد مَالِك وَالشَّافِعِيّ , كَالرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَة الْقَتْل . وَعِنْد أَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه تُجْزِي الْكَفَّارَة وَمَنْ فِيهَا شَائِبَة رِقّ كَالْمُكَاتَبَةِ وَغَيْرهَا . فَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ فَلَا يُجْزِيه عِنْدنَا وَلَا عِنْد أَبِي حَنِيفَة . وَقَالَ الشَّافِعِيّ يُجْزِئ , لِأَنَّ نِصْف الْعَبْدَيْنِ فِي مَعْنَى الْعَبْد الْوَاحِد , وَلِأَنَّ الْكَفَّارَة بِالْعِتْقِ طَرِيقهَا الْمَال فَجَازَ أَنْ يَدْخُلهَا التَّبْعِيض وَالتَّجْزِيء كَالْإِطْعَامِ , وَدَلِيلنَا قَوْله تَعَالَى : " فَتَحْرِير رَقَبَة " وَهَذَا الِاسْم عِبَارَة عَنْ شَخْص وَاحِد , وَبَعْض الرَّقَبَة لَيْسَ بِرَقَبَةٍ , وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَدْخُلهُ التَّلْفِيق , لِأَنَّ الْعِبَادَة الْمُتَعَلِّقَة بِالرَّقَبَةِ لَا يَقُوم النِّصْف مِنْ رَقَبَتَيْنِ مَقَامهَا , أَصْله إِذَا اِشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي أُضْحِيَّتَيْنِ , وَلِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَ رَجُلَيْنِ أَنْ يَحُجَّا عَنْهُ حَجَّة لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحُجّ عَنْهُ وَاحِد مِنْهُمَا نِصْفهَا كَذَلِكَ هَذَا , وَلِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ تُشْتَرَى رَقَبَة فَتَعْتِق عَنْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْتِق عَنْهُ نِصْف عَبْدَيْنِ , كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتنَا وَبِهَذَا يَبْطُل دَلِيلهمْ . وَالْإِطْعَام وَغَيْره لَا يَتَجَزَّى فِي الْكَفَّارَة عِنْدنَا . أَيْ يُجَامِعهَا فَلَا يَجُوز لِلْمُظَاهِرِ الْوَطْء قَبْل التَّكْفِير , فَإِنْ جَامَعَهَا قَبْل التَّكْفِير أَثِمَ وَعَصَى وَلَا يَسْقُط عَنْهُ التَّكْفِير . وَحُكِيَ عَنْ مُجَاهِد : أَنَّهُ إِذَا وَطِئَ قَبْل أَنْ يَشْرَع فِي التَّكْفِير لَزِمَتْهُ كَفَّارَة أُخْرَى . وَعَنْ غَيْره : أَنَّ الْكَفَّارَة الْوَاجِبَة بِالظِّهَارِ تَسْقُط عَنْهُ وَلَا يَلْزَمهُ شَيْء أَصْلًا , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْجَبَ الْكَفَّارَة وَأَمَرَ بِهَا قَبْل الْمَسِيس , فَإِذَا أَخَّرَهَا حَتَّى مَسَّ فَقَدْ فَاتَ وَقْتهَا . وَالصَّحِيح ثُبُوت الْكَفَّارَة , لِأَنَّهُ بِوَطْئِهِ اِرْتَكَبَ إِثْمًا فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُسْقِطًا لِلْكَفَّارَةِ , وَيَأْتِي بِهَا قَضَاء كَمَا لَوْ أَخَّرَ الصَّلَاة عَنْ وَقْتهَا . وَفِي حَدِيث أَوْس بْن الصَّامِت لَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ وَطِئَ اِمْرَأَته أَمَرَهُ بِالْكَفَّارَةِ . وَهَذَا نَصّ وَسَوَاء كَانَتْ كَفَّارَة بِالْعِتْقِ أَوْ الصَّوْم أَوْ الْإِطْعَام . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِنْ كَانَتْ كَفَّارَته بِالْإِطْعَامِ جَازَ أَنْ يَطَأ ثُمَّ يُطْعِم , فَأَمَّا غَيْر الْوَطْء مِنْ , الْقُبْلَة وَالْمُبَاشَرَة وَالتَّلَذُّذ فَلَا يَحْرُم فِي قَوْل أَكْثَر الْعُلَمَاء . وَقَالَهُ الْحَسَن وَسُفْيَان , وَهُوَ الصَّحِيح مِنْ مَذْهَب الشَّافِعِيّ . وَقِيلَ : وَكُلّ ذَلِكَ مُحَرَّم وَكُلّ مَعَانِي الْمَسِيس , وَهُوَ قَوْل مَالِك وَأَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ . وَقَدْ تَقَدَّمَ . أَيْ تُؤْمَرُونَ بِهِ مِنْ التَّكْفِير وَغَيْره .'; $TAFSEER['4']['58']['4'] = 'مَنْ لَمْ يَجِد الرَّقَبَة وَلَا ثَمَنهَا , أَوْ كَانَ مَالِكًا لَهَا إِلَّا أَنَّهُ شَدِيد الْحَاجَة إِلَيْهَا لِخِدْمَتِهِ , أَوْ كَانَ مَالِكًا لِثَمَنِهَا إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَاج إِلَيْهِ لِنَفَقَتِهِ , أَوْ كَانَ لَهُ مَسْكَن لَيْسَ لَهُ غَيْره وَلَا يَجِد شَيْئًا سِوَاهُ , فَلَهُ أَنْ يَصُوم عِنْد الشَّافِعِيّ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا يَصُوم وَعَلَيْهِ عِتْق وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى ذَلِكَ . وَقَالَ مَالِك : إِذَا كَانَ لَهُ دَار وَخَادِم لَزِمَهُ الْعِتْق فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الرَّقَبَة , وَهِيَ : فَعَلَيْهِ صَوْم شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ . فَإِنْ أَفْطَرَ فِي أَثْنَائِهِمَا بِغَيْرِ عُذْر اِسْتَأْنَفَهُمَا , وَإِنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ مِنْ سَفَر أَوْ مَرَض , فَقِيلَ : يَبْنِي , قَالَهُ اِبْن الْمُسَيِّب وَالْحَسَن وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَعَمْرو بْن دِينَار وَالشَّعْبِيّ . وَهُوَ أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ وَهُوَ الصَّحِيح مِنْ مَذْهَبَيْهِ . وَقَالَ مَالِك : إِنَّهُ إِذَا مَرِضَ فِي صِيَام كَفَّارَة الظِّهَار بَنَى إِذَا صَحَّ . وَمَذْهَب أَبِي حَنِيفَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ يَبْتَدِئ . وَهُوَ أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ . إِذَا اِبْتَدَأَ الصِّيَام ثُمَّ وَجَدَ الرَّقَبَة أَتَمَّ الصِّيَام وَأَجْزَأَهُ عِنْد مَالِك وَالشَّافِعِيّ , لِأَنَّهُ بِذَلِكَ أُمِرَ حِين دَخَلَ فِيهِ . وَيَهْدِم الصَّوْم وَيَعْتِق عِنْد أَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه , قِيَاسًا عَلَى الصَّغِيرَة الْمُعْتَدَّة بِالشُّهُورِ تَرَى الدَّم قَبْل اِنْقِضَائِهَا , فَإِنَّهَا تَسْتَأْنِف الْحَيْض إِجْمَاعًا مِنْ الْعُلَمَاء . وَإِذَا اِبْتَدَأَ سَفَرًا فِي صِيَامه فَأَفْطَرَ , اِبْتَدَأَ الصِّيَام عِنْد مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة , لِقَوْلِهِ : " مُتَتَابِعَيْنِ " . وَيَبْنِي فِي قَوْل الْحَسَن الْبَصْرِيّ , لِأَنَّهُ عُذْر وَقِيَاسًا عَلَى رَمَضَان , فَإِنْ تَخَلَّلَهَا زَمَان لَا يَحِلّ صَوْمه فِي الْكَفَّارَة كَالْعِيدَيْنِ وَشَهْر رَمَضَان اِنْقَطَعَ . إِذَا وَطِئَ الْمُتَظَاهِر فِي خِلَال الشَّهْرَيْنِ نَهَارًا , بَطَلَ التَّتَابُع فِي قَوْل الشَّافِعِيّ , وَلَيْلًا فَلَا يَبْطُل , لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ . وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة : يَبْطُل بِكُلِّ حَال وَوَجَبَ عَلَيْهِ اِبْتِدَاء الْكَفَّارَة , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " مِنْ قَبْل أَنْ يَتَمَاسَّا " وَهَذَا الشَّرْط عَائِد إِلَى جُمْلَة الشَّهْرَيْنِ , وَإِلَى أَبْعَاضهمَا , فَإِذَا وَطِئَ قَبْل اِنْقِضَائِهِمَا فَلَيْسَ هُوَ الصِّيَام الْمَأْمُور بِهِ , فَلَزِمَهُ اِسْتِئْنَافه , كَمَا لَوْ قَالَ : صَلِّ قَبْل أَنْ تُكَلِّم زَيْدًا . فَكَلَّمَ زَيْدًا فِي الصَّلَاة , أَوْ قَالَ : صَلِّ قَبْل أَنْ تُبْصِر زَيْدًا فَأَبْصَرَهُ فِي الصَّلَاة لَزِمَهُ اِسْتِئْنَافهَا , لِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاة لَيْسَتْ هِيَ الصَّلَاة الْمَأْمُور بِهَا كَذَلِكَ هَذَا , وَاَللَّه أَعْلَم . وَمَنْ تَطَاوَلَ مَرَضه طُولًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعَاجِز مِنْ كِبَر , وَجَازَ لَهُ الْعُدُول عَنْ الصِّيَام إِلَى الْإِطْعَام . وَلَوْ كَانَ مَرَضه مِمَّا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَاشْتَدَّتْ حَاجَته إِلَى وَطْء اِمْرَأَته كَانَ الِاخْتِيَار لَهُ أَنْ يَنْتَظِر الْبُرْء حَتَّى يَقْدِر عَلَى الصِّيَام . وَلَوْ كَفَرَ بِالْإِطْعَامِ وَلَمْ يَنْتَظِر الْقُدْرَة عَلَى الصِّيَام أَجْزَأَهُ . وَمَنْ تَظَاهَرَ وَهُوَ مُعْسِر ثُمَّ أَيْسَرَ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْم . وَمَنْ تَظَاهَرَ وَهُوَ مُوسِر ثُمَّ أَعْسَرَ قَبْل أَنْ يُكَفِّر صَامَ . وَإِنَّمَا يُنْظَر إِلَى حَال يَوْم يُكَفِّر . وَلَوْ جَامَعَهَا فِي عَدَمه وَعُسْره وَلَمْ يَصُمْ حَتَّى أَيْسَرَ لَزِمَهُ الْعِتْق . وَلَوْ اِبْتَدَأَ بِالصَّوْمِ ثُمَّ أَيْسَرَ فَإِنْ كَانَ مَضَى مِنْ صَوْمه صَدْر صَالِح نَحْو الْجُمُعَة وَشَبَههَا تَمَادَى . وَإِنْ كَانَ الْيَوْم وَالْيَوْمَيْنِ وَنَحْوهمَا تَرَكَ الصَّوْم وَعَادَ إِلَى الْعِتْق وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ . أَلَا تَرَى أَنَّهُ غَيْر وَاجِب عَلَى مَنْ طَرَأَ الْمَاء عَلَيْهِ وَهُوَ قَدْ دَخَلَ بِالتَّيَمُّمِ فِي الصَّلَاة أَنْ يَقْطَع وَيَبْتَدِئ الطَّهَارَة عِنْد مَالِك . وَلَوْ أَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ عَنْ كَفَّارَتَيْ ظِهَار أَوْ قَتْل أَوْ فَطَرَ فِي رَمَضَان وَأَشْرَكَ بَيْنهمَا فِي كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا لَمْ يُجْزِهِ . وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَة وَاحِدَة عَنْ كَفَّارَتَيْنِ . وَكَذَلِكَ لَوْ صَامَ عَنْهُمَا أَرْبَعَة أَشْهُر حَتَّى يَصُوم عَنْ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا شَهْرَيْنِ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ يُجْزِيه . وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْ اِمْرَأَتَيْنِ لَهُ فَأَعْتَقَ رَقَبَة عَنْ إِحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ وَطْء وَاحِدَة مِنْهُمَا حَتَّى يُكَفِّر كَفَّارَة أُخْرَى . وَلَوْ عَيَّنَ الْكَفَّارَة عَنْ إِحْدَاهُمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَطَأهَا قَبْل أَنْ يُكَفِّر الْكَفَّارَة عَنْ الْأُخْرَى . وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْ أَرْبَع نِسْوَة فَأَعْتَقَ عَنْهُنَّ ثَلَاث رِقَاب , وَصَامَ شَهْرَيْنِ , لَمْ يُجْزِهِ الْعِتْق وَلَا الصِّيَام , لِأَنَّهُ إِنَّمَا صَامَ عَنْ كُلّ وَاحِدَة خَمْسَة عَشَر يَوْمًا , فَإِنْ كَفَّرَ عَنْهُنَّ بِالْإِطْعَامِ جَازَ أَنْ يُطْعِم عَنْهُنَّ مِائَتَيْ مِسْكِين , وَإِنْ لَمْ يَقْدِر فَرَّقَ بِخِلَافِ الْعِتْق وَالصِّيَام , لِأَنَّ صِيَام الشَّهْرَيْنِ لَا يُفَرَّق وَالْإِطْعَام يُفَرَّق . فَصْل وَفِيهِ أَرْبَع مَسَائِل : الْأُولَى : ذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْكَفَّارَة هُنَا مُرَتَّبَة , فَلَا سَبِيل إِلَى الصِّيَام إِلَّا عِنْد الْعَجْز عَنْ الرَّقَبَة , وَكَذَلِكَ لَا سَبِيل إِلَى الْإِطْعَام إِلَّا عِنْد عَدَم الِاسْتِطَاعَة عَلَى الصِّيَام , فَمَنْ لَمْ يُطِقْ الصِّيَام وَجَبَ عَلَيْهِ إِطْعَام سِتِّينَ مِسْكِينًا لِكُلِّ مِسْكِين مُدَّانِ بِمُدِّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَإِنْ أَطْعَمَ مُدًّا بِمُدِّ هِشَام , وَهُوَ مُدَّانِ إِلَّا ثُلُثًا , أَوْ أَطْعَمَ مُدًّا وَنِصْفًا بِمُدِّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْزَأَهُ . قَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ : وَأَفْضَل ذَلِكَ مُدَّانِ بِمُدِّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَقُلْ فِي كَفَّارَة الظِّهَار " مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ " [ الْمَائِدَة : 89 ] فَوَاجِب قَصْد الشِّبَع . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَقَالَ مَالِك فِي رِوَايَة اِبْن الْقَاسِم وَابْن عَبْد الْحَكَم : مُدّ بِمُدِّ هِشَام وَهُوَ الشِّبَع هَاهُنَا , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَطْلَقَ الطَّعَام وَلَمْ يَذْكُر الْوَسَط . وَقَالَ فِي رِوَايَة أَشْهَب : مُدَّانِ بِمُدِّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قِيلَ لَهُ : أَلَمْ تَكُنْ قُلْت مُدّ هِشَام ؟ قَالَ : بَلَى , مُدَّانِ بِمُدِّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبّ إِلَيَّ . وَكَذَلِكَ قَالَ عَنْهُ اِبْن الْقَاسِم أَيْضًا . قُلْت : وَهِيَ رِوَايَة اِبْن وَهْب وَمُطَرِّف عَنْ مَالِك : أَنَّهُ يُعْطِي مُدَّيْنِ لِكُلِّ مِسْكِين بِمُدِّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهُوَ مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه . وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَغَيْره مُدّ وَاحِد لِكُلِّ مِسْكِين لَا يَلْزَمهُ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ , لِأَنَّهُ يُكَفِّر بِالْإِطْعَامِ وَلَمْ يَلْزَمهُ صَرْف زِيَادَة عَلَى الْمُدّ , أَصْله كَفَّارَة الْإِفْطَار وَالْيَمِين . وَدَلِيلنَا قَوْله تَعَالَى : " فَإِطْعَام سِتِّينَ مِسْكِينًا " وَإِطْلَاق الْإِطْعَام يَتَنَاوَل الشِّبَع , وَذَلِكَ لَا يَحْصُل بِالْعَادَةِ بِمُدٍّ وَاحِد إِلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ . وَكَذَلِكَ قَالَ أَشْهَب : قُلْت لِمَالِك أَيُخْتَلَفُ الشِّبَع عِنْدنَا وَعِنْدكُمْ ؟ قَالَ نَعَمْ ! الشِّبَع عِنْدنَا مُدّ بِمُدِّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشِّبَع عِنْدكُمْ أَكْثَر , لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لَنَا بِالْبَرَكَةِ دُونكُمْ , فَأَنْتُمْ تَأْكُلُونَ أَكْثَر مِمَّا نَأْكُل نَحْنُ . وَقَالَ أَبُو الْحَسَن الْقَابِسِيّ : إِنَّمَا أَخَذَ أَهْل الْمَدِينَة بِمُدِّ هِشَام فِي كَفَّارَة الظِّهَار تَغْلِيظًا عَلَى الْمُتَظَاهِرِينَ الَّذِينَ شَهِدَ اللَّه عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْل وَزُورًا . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَقَعَ الْكَلَام هَاهُنَا فِي مُدّ هِشَام كَمَا تَرَوْنَ , وَوَدِدْت أَنْ يُهَشِّم الزَّمَان ذِكْره , وَيَمْحُو مِنْ الْكُتُب رَسْمه , فَإِنَّ الْمَدِينَة الَّتِي نَزَلَ الْوَحْي بِهَا وَاسْتَقَرَّ الرَّسُول , بِهَا وَوَقَعَ عِنْدهمْ الظِّهَار , وَقِيلَ لَهُمْ فِيهِ : " فَإِطْعَام سِتِّينَ مِسْكِينًا " فَهِمُوهُ وَعَرَفُوا الْمُرَاد بِهِ وَأَنَّهُ الشِّبَع , وَقَدْره مَعْرُوف عِنْدهمْ مُتَقَرِّر لَدَيْهِمْ , وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ الشِّبَع فِي الْأَخْبَار كَثِيرًا , وَاسْتَمَرَّتْ الْحَال عَلَى ذَلِكَ أَيَّام الْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ حَتَّى نَفَخَ الشَّيْطَان فِي أُذُن هِشَام , فَرَأَى أَنَّ مُدّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُشْبِعهُ , وَلَا مِثْله مِنْ حَوَاشِيه وَنُظَرَائِهِ , فَسَوَّلَ لَهُ أَنْ يَتَّخِذ مُدًّا يَكُون فِيهِ شِبَعه , فَجَعَلَهُ رِطْلَيْنِ وَحَمَلَ النَّاس عَلَيْهِ , فَإِذَا اِبْتَلَّ عَادَ نَحْو الثَّلَاثَة الْأَرْطَال , فَغَيَّرَ السُّنَّة وَأَذْهَبَ مَحَلّ الْبَرَكَة . قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين دَعَا رَبّه لِأَهْلِ الْمَدِينَة بِأَنْ تَبْقَى لَهُمْ الْبَرَكَة فِي مُدّهمْ وَصَاعهمْ , مِثْل مَا بَارَكَ لِإِبْرَاهِيم بِمَكَّة , فَكَانَتْ الْبَرَكَة تَجْرِي بِدَعْوَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُدّه , فَسَعَى الشَّيْطَان فِي تَغْيِير هَذِهِ السُّنَّة وَإِذْهَاب هَذِهِ الْبَرَكَة , فَلَمْ يَسْتَجِبْ لَهُ فِي ذَلِكَ إِلَّا هِشَام , فَكَانَ مِنْ حَقّ الْعُلَمَاء أَنْ يُلْغُوا ذِكْره وَيَمْحُوَا رَسْمه إِذَا لَمْ يُغَيِّرُوا أَمْره , وَأَمَّا أَنْ يُحِيلُوا عَلَى ذِكْره فِي الْأَحْكَام , وَيَجْعَلُوهُ تَفْسِيرًا لِمَا ذَكَرَ اللَّه وَرَسُوله بَعْد أَنْ كَانَ مُفَسَّرًا عِنْد الصَّحَابَة الَّذِينَ نَزَلَ عَلَيْهِمْ فَخَطْب جَسِيم , وَلِذَلِكَ كَانَتْ رِوَايَة أَشْهَب فِي ذِكْر مُدَّيْنِ بِمُدِّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَفَّارَة الظِّهَار أَحَبّ إِلَيْنَا مِنْ الرِّوَايَة بِأَنَّهَا بِمُدِّ هِشَام . أَلَا تَرَى كَيْفَ نَبَّهَ مَالِك عَلَى هَذَا الْعِلْم بِقَوْلِهِ لِأَشْهَب : الشِّبَع عِنْدنَا بِمُدِّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالشِّبَع عِنْدكُمْ أَكْثَر لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لَنَا بِالْبَرَكَةِ . وَبِهَذَا أَقُول , فَإِنَّ الْعِبَادَة إِذَا أُدِّيَتْ بِالسُّنَّةِ , فَإِنْ كَانَتْ بِالْبَدَنِ كَانَتْ أَسْرَع إِلَى الْقَبُول , وَإِنْ كَانَتْ بِالْمَالِ كَانَ قَلِيلهَا أَثْقَل فِي الْمِيزَان , وَأَبْرَك فِي يَد الْآخِذ , وَأَطْيَب فِي شِدْقه , وَأَقَلّ آفَة فِي بَطْنه , وَأَكْثَر إِقَامَة لِصُلْبِهِ . وَاَللَّه أَعْلَم . الثَّانِيَة : وَلَا يُجْزِئ عِنْد مَالِك وَالشَّافِعِيّ أَنْ يُطْعِم أَقَلّ مِنْ سِتِّينَ مِسْكِينًا . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه : إِنْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا كُلّ يَوْم نِصْف صَاع حَتَّى يُكْمِل الْعَدَد أَجْزَأَهُ . الثَّالِثَة : قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : مِنْ غَرِيب الْأَمْر أَنَّ أَبَا حَنِيفَة قَالَ إِنَّ الْحَجَر عَلَى الْحُرّ بَاطِل . وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " فَتَحْرِير رَقَبَة " وَلَمْ يُفَرِّق بَيْن الرَّشِيد وَالسَّفِيه , وَهَذَا فِقْه ضَعِيف لَا يُنَاسِب قَدْره , فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَة عَامَّة , وَقَدْ كَانَ الْقَضَاء بِالْحَجَرِ فِي أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشِيًا وَالنَّظَر يَقْتَضِيه , وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ حَجَر لِصِغَرٍ أَوْ لِوِلَايَةٍ وَبَلَغَ سَفِيهًا قَدْ نُهِيَ عَنْ دَفْع الْمَال إِلَيْهِ , فَكَيْفَ يَنْفُذ فِعْله فِيهِ وَالْخَاصّ يَقْضِي عَلَى الْعَامّ . الرَّابِعَة : وَحُكْم الظِّهَار عِنْد بَعْض الْعُلَمَاء نَاسِخ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ كَوْن الظِّهَار طَلَاقًا , وَقَدْ رُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَأَبِي قِلَابَة وَغَيْرهمَا . أَيْ ذَلِكَ الَّذِي وَصَفْنَا مِنْ التَّغْلِيظ فِي الْكَفَّارَة " لِتُؤْمِنُوا " أَيْ لِتُصَدِّقُوا أَنَّ اللَّه أَمَرَ بِهِ . وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بَعْض الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَة إِيمَان بِاَللَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى , لِمَا ذَكَرَهَا وَأَوْجَبَهَا قَالَ : " ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله " أَيْ ذَلِكَ لِتَكُونُوا مُطِيعِينَ لِلَّهِ تَعَالَى وَاقِفِينَ عِنْد حُدُوده لَا تَتَعَدَّوْهَا , فَسَمَّى التَّكْفِير لِأَنَّهُ طَاعَة وَمُرَاعَاة لِلْحَدِّ إِيمَانًا , فَثَبَتَ أَنَّ كُلّ مَا أَشْبَهَهُ فَهُوَ إِيمَان . فَإِنْ قِيلَ : مَعْنَى قَوْله : " ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله " أَيْ لِئَلَّا تَعُودُوا لِلظِّهَارِ الَّذِي هُوَ مُنْكَر مِنْ الْقَوْل وَزُور . وَقِيلَ لَهُ : قَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون هَذَا مَقْصُودًا وَالْأَوَّل مَقْصُودًا , فَيَكُون الْمَعْنَى ذَلِكَ لِئَلَّا تَعُودُوا لِلْقَوْلِ الْمُنْكَر وَالزُّور , بَلْ تَدْعُونَهُمَا طَاعَة لِلَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى إِذْ كَانَ قَدْ حَرَّمَهُمَا , وَلِتَجْتَنِبُوا الْمُظَاهِر مِنْهَا إِلَى أَنْ تُكَفِّرُوا , إِذْ كَانَ اللَّه مَنَعَ مِنْ مَسِيسهَا , وَتُكَفِّرُوا إِذْ كَانَ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ بِالْكَفَّارَةِ وَأَلْزَمَ إِخْرَاجهَا مِنْكُمْ , فَتَكُونُوا بِهَذَا كُلّه مُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , لِأَنَّهَا حُدُود تَحْفَظُونَهَا , وَطَاعَات تَوَدُّونَهَا وَالطَّاعَة لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيمَان . وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق . أَيْ بَيَّنَ مَعْصِيَته وَطَاعَته , فَمَعْصِيَته الظِّهَار وَطَاعَته الْكَفَّارَة . أَيْ لِمَنْ لَمْ يُصَدِّق بِأَحْكَامِ اللَّه تَعَالَى عَذَاب جَهَنَّم .'; $TAFSEER['4']['58']['5'] = 'لَمَّا ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ الْوَاقِفِينَ عِنْد حُدُوده ذَكَرَ الْمُحَادِّينَ الْمُخَالِفِينَ لَهَا . وَالْمُحَادَة الْمُعَادَاة وَالْمُخَالَفَة فِي الْحُدُود , وَهُوَ مِثْل قَوْله تَعَالَى : " ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّه وَرَسُوله " [ الْأَنْفَال : 13 ] . وَقِيلَ : " يُحَادُّونَ اللَّه " أَيْ أَوْلِيَاء اللَّه كَمَا فِي الْخَبَر : ( مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ ) . وَقَالَ الزَّجَّاج : الْمُحَادَة أَنْ تَكُون فِي حَدّ يُخَالِف حَدّ صَاحِبك . وَأَصْلهَا الْمُمَانَعَة , وَمِنْهُ الْحَدِيد , وَمِنْهُ الْحَدَّاد لِلْبَوَّابِ . قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَالْأَخْفَش : أُهْلِكُوا . وَقَالَ قَتَادَة : اِخْزُوا كَمَا أُخْزِيَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ . وَقَالَ اِبْن زَيْد : عُذِّبُوا . وَقَالَ السُّدِّيّ : لُعِنُوا . وَقَالَ الْفَرَّاء : غِيظُوا يَوْم الْخَنْدَق . وَقِيلَ : يَوْم بَدْر . وَالْمُرَاد الْمُشْرِكُونَ . وَقِيلَ : الْمُنَافِقُونَ . " كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ " وَقِيلَ : " كُبِتُوا " أَيْ سَيُكْبَتُونَ , وَهُوَ بِشَارَة مِنْ اللَّه تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ , وَأُخْرِجَ الْكَلَام بِلَفْظِ الْمَاضِي تَقْرِيبًا لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ . وَقِيلَ : هِيَ بِلُغَةِ مَدْحَج . فِيمَنْ حَادَّ اللَّه وَرَسُوله مِنْ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ فِيمَا فَعَلْنَا بِهِمْ .'; $TAFSEER['4']['58']['6'] = 'نُصِبَ ب " عَذَاب مُهِين " أَوْ بِفِعْلٍ مُضْمَر تَقْدِيره وَاذْكُرْ تَعْظِيمًا لِلْيَوْمِ . أَيْ الرِّجَال وَالنِّسَاء يَبْعَثهُمْ مِنْ قُبُورهمْ فِي حَالَة وَاحِدَة أَيْ يُخْبِرهُمْ فِي الدُّنْيَا عَلَيْهِمْ فِي صَحَائِف أَعْمَالهمْ هُمْ حَتَّى ذَكَّرَهُمْ بِهِ فِي صَحَائِفهمْ لِيَكُونَ أَبْلَغ فِي الْحُجَّة عَلَيْهِمْ . مُطَّلِع وَنَاظِر لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء .'; $TAFSEER['4']['58']['7'] = 'فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ سِرّ وَلَا عَلَانِيَة . قَرَاءَهُ الْعَامَّة بِالْيَاءِ , لِأَجْلِ الْحَائِل بَيْنهمَا . وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر بْن الْقَعْقَاع وَالْأَعْرَج وَأَبُو حَيْوَة وَعِيسَى " مَا تَكُون " بِالتَّاءِ لِتَأْنِيثِ الْفِعْل . وَالنَّجْوَى : السِّرَار , وَهُوَ مَصْدَر وَالْمَصْدَر قَدْ يُوصَف بِهِ , يُقَال : قَوْم نَجْوَى أَيْ ذَوُو نَجْوَى , وَنَجْوَى , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَإِذْ هُمْ نَجْوَى " [ الْإِسْرَاء : 47 ] . خُفِضَ بِإِضَافَةِ " نَجْوَى " إِلَيْهَا . قَالَ الْفَرَّاء : " ثَلَاثَة " نَعْت لِلنَّجْوَى فَانْخَفَضَتْ وَإِنْ شِئْت أَضَفْت " نَجْوَى " إِلَيْهَا . وَلَوْ نُصِبَ عَلَى إِضْمَار فِعْل جَازَ , وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن أَبِي عَبْلَة " ثَلَاثَة " و " خَمْسَة " بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَال بِإِضْمَارِ يَتَنَاجَوْنَ , لِأَنَّ نَجْوَى يَدُلّ عَلَيْهِ , قَالَهُ الزَّمَخْشَرِي . وَيَجُوز رَفْع " ثَلَاثَة " عَلَى الْبَدَل مِنْ مَوْضِع " نَجْوَى " . ثُمَّ قِيلَ : كُلّ سِرَار نَجْوَى . وَقِيلَ : النَّجْوَى مَا يَكُون مِنْ خَلْوَة ثَلَاثَة يُسِرُّونَ شَيْئًا وَيَتَنَاجَوْنَ بِهِ . وَالسِّرَار مَا كَانَ بَيْن اِثْنَيْنِ . يَعْلَم وَيَسْمَع نَجْوَاهُمْ , يَدُلّ عَلَيْهِ اِفْتِتَاح الْآيَة بِالْعِلْمِ ثُمَّ خَتَمَهَا بِالْعِلْمِ . وَقِيلَ : النَّجْوَى مِنْ النَّجْوَة وَهِيَ مَا اِرْتَفَعَ مِنْ الْأَرْض , فَالْمُتَنَاجِيَانِ يَتَنَاجَيَانِ وَيَخْلُوَانِ بِسِرِّهِمَا كَخُلُوِّ الْمُرْتَفِع مِنْ الْأَرْض عَمَّا يَتَّصِل بِهِ , وَالْمَعْنَى : أَنَّ سَمْع اللَّه مُحِيط بِكُلِّ كَلَام , وَقَدْ سَمِعَ اللَّه مُجَادَلَة الْمَرْأَة الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا زَوْجهَا . قَرَأَ سَلَّام وَيَعْقُوب وَأَبُو الْعَالِيَة وَنَصْر وَعِيسَى بِالرَّفْعِ عَلَى مَوْضِع " مِنْ نَجْوَى " قَبْل دُخُول " مَنْ " لِأَنَّ تَقْدِيره مَا يَكُون نَجْوَى , و " ثَلَاثَة " يَجُوز أَنْ يَكُون مَرْفُوعًا عَلَى مَحَلّ " لَا " مَعَ " أَدْنَى " كَقَوْلِك : لَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ بِفَتْحِ الْحَوْل وَرَفْع الْقُوَّة . وَيَجُوز أَنْ يَكُونَا مَرْفُوعَيْنِ عَلَى الِابْتِدَاء , كَقَوْلِك لَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " بَيَان هَذَا مُسْتَوْفًى . وَقَرَأَ الزُّهْرِيّ وَعِكْرِمَة " أَكْبَر " بِالْبَاءِ . وَالْعَامَّة بِالثَّاءِ وَفَتْح الرَّاء عَلَى اللَّفْظ وَمَوْضِعهَا جَرّ . وَقَالَ الْفَرَّاء فِي قَوْله : " مَا يَكُون مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رَابِعهمْ وَلَا خَمْسَة إِلَّا هُوَ سَادِسهمْ " قَالَ : الْمَعْنَى غَيْر مَصْمُود وَالْعَدَد غَيْر مَقْصُود لِأَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا قَصَدَ وَهُوَ أَعْلَم أَنَّهُ مَعَ كُلّ عَدَد قَلَّ أَوْ كَثُرَ , يَعْلَم مَا يَقُولُونَ سِرًّا وَجَهْرًا وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَة , فَمِنْ أَجْل ذَلِكَ اِكْتَفَى بِذِكْرِ بَعْض الْعَدَد دُون بَعْض . وَقِيلَ : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّه مَعَهُمْ بِعِلْمِهِ حَيْثُ كَانُوا مِنْ غَيْر زَوَال وَلَا اِنْتِقَال . وَنَزَلَ ذَلِكَ فِي قَوْم مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا فَعَلُوا شَيْئًا سِرًّا فَأَعْلَمَ اللَّه أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ , قَالَ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ قَتَادَة وَمُجَاهِد : نَزَلَتْ فِي الْيَهُود . يُخْبِرهُمْ مِنْ حَسَن وَسَيِّئ'; $TAFSEER['4']['58']['8'] = 'قِيلَ : إِنَّ هَذَا فِي الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ حَسَب مَا قَدَّمْنَاهُ . وَقِيلَ : فِي الْمُسْلِمِينَ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ فِي الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَتَنَاجَوْنَ فِيمَا بَيْنهمْ , وَيَنْظُرُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَتَغَامَزُونَ بِأَعْيُنِهِمْ , فَيَقُول الْمُؤْمِنُونَ : لَعَلَّهُمْ بَلَغَهُمْ عَنْ إِخْوَاننَا وَقَرَابَتنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار قَتْل أَوْ مُصِيبَة أَوْ هَزِيمَة , وَيَسُوءهُمْ ذَلِكَ فَكَثُرَتْ شَكْوَاهُمْ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَهَاهُمْ عَنْ النَّجْوَى فَلَمْ يَنْتَهُوا فَنَزَلَتْ . وَقَالَ مُقَاتِل : كَانَ بَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن الْيَهُود مُوَادَعَة , فَإِذَا مَرَّ بِهِمْ رَجُل مِنْ الْمُؤْمِنِينَ تَنَاجَوْا بَيْنهمْ حَتَّى يَظُنّ الْمُؤْمِن شَرًّا , فَيَعْرُج عَنْ طَرِيقه , فَنَهَاهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَنْتَهُوا فَنَزَلَتْ . وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم : كَانَ الرَّجُل يَأْتِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْأَل الْحَاجَة وَيُنَاجِيه وَالْأَرْض يَوْمئِذٍ حَرْب , فَيَتَوَهَّمُونَ أَنَّهُ يُنَاجِيه فِي حَرْب أَوْ بَلِيَّة أَوْ أَمْر مُهِمّ فَيَفْزَعُونَ لِذَلِكَ فَنَزَلَتْ . رَوَى أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : كُنَّا ذَات لَيْلَة نَتَحَدَّث إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( مَا هَذِهِ النَّجْوَى أَلَمْ تُنْهَوْا عَنْ النَّجْوَى ) فَقُلْنَا : تُبْنَا إِلَى اللَّه يَا رَسُول اللَّه , إِنَّا كُنَّا فِي ذِكْر الْمَسِيخ - يَعْنِي الدَّجَّال - فَرَقًا مِنْهُ . فَقَالَ : ( أَلَا أُخْبِركُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَف عِنْدِي مِنْهُ ) قُلْنَا : بَلَى يَا رَسُول اللَّه , قَالَ : ( الشِّرْك الْخَفِيّ أَنْ يَقُوم الرَّجُل يَعْمَل لِمَكَانِ رَجُل ) ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقَرَأَ حَمْزَة وَخَلَف وَرُوَيْس عَنْ يَعْقُوب " وَيَنْتَجُونَ " فِي وَزْن يَفْتَعَلُونَ وَهِيَ قِرَاءَة عَبْد اللَّه وَأَصْحَابه . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ " وَيَتَنَاجَوْنَ " فِي وَزْن يَتَفَاعَلَوْنَ , وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " إِذَا تَنَاجَيْتُمْ " [ الْمُجَادَلَة : 9 ] و " تَنَاجَوْا " . النَّحَّاس : وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَنْ تَفَاعَلُوا وَافْتَعَلُوا يَأْتِيَانِ بِمَعْنًى وَاحِد , نَحْو تَخَاصَمُوا وَاخْتَصَمُوا , وَتَقَاتَلُوا وَاقْتَتَلُوا فَعَلَى هَذَا " يَتَنَاجَوْنَ " و " يَنْتَجُونَ " وَاحِد . وَمَعْنَى " بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَان " أَيْ الْكَذِب وَالظُّلْم . أَيْ مُخَالَفَته . وَقَرَأَ الضَّحَّاك وَمُجَاهِد وَحُمَيْد " وَمَعْصِيَات الرَّسُول " بِالْجَمْعِ . لَا خِلَاف بَيْن النَّقَلَة أَنَّ الْمُرَاد بِهَا الْيَهُود , كَانُوا يَأْتُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ : السَّلَام عَلَيْك . يُرِيدُونَ بِذَلِكَ السَّلَام ظَاهِرًا وَهُمْ يَعْنُونَ الْمَوْت بَاطِنًا , فَيَقُول النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَلَيْكُمْ ) فِي رِوَايَة , وَفِي رِوَايَة أُخْرَى ( وَعَلَيْكُمْ ) . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهِيَ مُشْكِلَة . وَكَانُوا يَقُولُونَ : لَوْ كَانَ مُحَمَّد نَبِيًّا لَمَا أَمْهَلَنَا اللَّه بِسَبِّهِ وَالِاسْتِخْفَاف بِهِ , وَجَهِلُوا أَنَّ الْبَارِي تَعَالَى حَلِيم لَا يُعَاجِل مَنْ سَبَّهُ , فَكَيْفَ مَنْ سَبَّ نَبِيّه . وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا أَحَد أَصْبَر عَلَى الْأَذَى مِنْ اللَّه يَدْعُونَ لَهُ الصَّاحِبَة وَالْوَلَد وَهُوَ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقهُمْ ) فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذَا كَشْفًا لِسَرَائِرِهِمْ , وَفَضْحًا لِبَوَاطِنِهِمْ , مُعْجِزَة لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ قَتَادَة عَنْ أَنَس أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى أَصْحَابه فَقَالَ : السَّام عَلَيْكُمْ . فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَا قَالَ هَذَا ) قَالُوا : اللَّه وَرَسُول أَعْلَم . قَالَ : ( قَالَ كَذَا رُدُّوهُ عَلَيَّ ) فَرَدُّوهُ , قَالَ : ( قُلْت السَّام عَلَيْكُمْ ) قَالَ : نَعَمْ . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد ذَلِكَ : ( إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْل الْكِتَاب فَقُولُوا عَلَيْك مَا قُلْت ) فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " وَإِذَا جَاءُوك حَيَّوْك بِمَا لَمْ يُحَيِّك بِهِ اللَّه " . قُلْت : خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَثَبَتَ عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا قَالَتْ : جَاءَ أُنَاس مِنْ الْيَهُود إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : السَّام عَلَيْك يَا أَبَا الْقَاسِم . فَقُلْت : السَّام عَلَيْكُمْ وَفَعَلَ اللَّه بِكُمْ وَفَعَلَ . فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( مَهْ يَا عَائِشَة فَإِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْفُحْش وَلَا التَّفَحُّش ) فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه أَلَسْت تَرَى مَا يَقُولُونَ ؟ فَقَالَ : ( أَلَسْت تَرَيْنَ أَرُدّ عَلَيْهِمْ مَا يَقُولُونَ أَقُول وَعَلَيْكُمْ ) فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة " بِمَا لَمْ يُحَيِّك بِهِ اللَّه " أَيْ إِنَّ اللَّه سَلَّمَ عَلَيْك وَهُمْ يَقُولُونَ السَّام عَلَيْك , وَالسَّام الْمَوْت . خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم بِمَعْنَاهُ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث أَنَس بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْل الْكِتَاب فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ ) كَذَا الرِّوَايَة ( وَعَلَيْكُمْ ) بِالْوَاوِ تَكَلَّمَ عَلَيْهَا الْعُلَمَاء , لِأَنَّ الْوَاو الْعَاطِفَة يَقْتَضِي التَّشْرِيك فَيَلْزَم مِنْهُ أَنْ يَدْخُل مَعَهُمْ فِيمَا دَعَوْا بِهِ عَلَيْنَا مِنْ الْمَوْت , أَوْ مِنْ سَآمَة دِيننَا وَهُوَ الْمَلَال . يُقَال : سَئِمَ يَسْأَم سَآمَة وَسَآمًا . فَقَالَ بَعْضهمْ : الْوَاو زَائِدَة كَمَا زِيدَتْ فِي قَوْل الشَّاعِر : فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَة الْحَيّ وَانْتَحَى أَيْ لَمَّا أَجَزْنَا انْتَحَى فَزَادَ الْوَاو . وَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ لِلِاسْتِئْنَافِ , كَأَنَّهُ قَالَ : وَالسَّام عَلَيْكُمْ . وَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ عَلَى بَابهَا مِنْ الْعَطْف وَلَا يَضُرّنَا ذَلِكَ , لِأَنَّا نُجَاب عَلَيْهِمْ وَلَا يُجَابُونَ عَلَيْنَا , كَمَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رَوَى الزُّبَيْر أَنَّهُ سَمِعَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : سَلَّمَ نَاس مِنْ يَهُود عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا : السَّام عَلَيْك يَا أَبَا الْقَاسِم , فَقَالَ : ( وَعَلَيْكُمْ ) فَقَالَتْ عَائِشَة وَغَضِبَتْ : أَلَمْ تَسْمَع مَا قَالُوا ؟ قَالَ : ( بَلَى قَدْ سَمِعْت فَرَدَدْت عَلَيْهِمْ وَإِنَّا نُجَاب عَلَيْهِمْ وَلَا يُجَابُونَ عَلَيْنَا ) خَرَّجَهُ مُسْلِم . وَرِوَايَة الْوَاو أَحْسَن مَعْنًى , وَإِثْبَاتهَا أَصَحّ رِوَايَة وَأَشْهَر . وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي رَدّ السَّلَام عَلَى أَهْل الذِّمَّة هَلْ هُوَ وَاجِب كَالرَّدِّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , وَإِلَيْهِ ذَهَبَ اِبْن عَبَّاس وَالشَّعْبِيّ وَقَتَادَة , لِلْأَمْرِ بِذَلِكَ . وَذَهَبَ مَالِك فِيمَا رَوَى عَنْهُ أَشْهَب وَابْن وَهْب إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَإِنْ رَدَدْت فَقُلْ عَلَيْك . وَقَدْ اِخْتَارَ اِبْن طَاوُس أَنْ يَقُول فِي الرَّدّ عَلَيْهِمْ : عَلَاك السَّلَام أَيْ اِرْتَفَعَ عَنْك . وَاخْتَارَ بَعْض أَصْحَابنَا : السِّلَام بِكَسْرِ السِّين يَعْنِي الْحِجَارَة . وَمَا قَالَهُ مَالِك أَوْلَى اِتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ , وَاَللَّه أَعْلَم . وَرَوَى مَسْرُوق عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاس مِنْ الْيَهُود , فَقَالُوا : السَّام عَلَيْك يَا أَبَا الْقَاسِم , قَالَ : ( وَعَلَيْكُمْ ) قَالَتْ عَائِشَة : قُلْت بَلْ عَلَيْكُمْ السَّام وَالذَّام . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا عَائِشَة لَا تَكُونِي فَاحِشَة ) فَقَالَتْ : مَا سَمِعْت مَا قَالُوا ! فَقَالَ : ( أَوَلَيْسَ قَدْ رَدَدْت عَلَيْهِمْ الَّذِي قَالُوا قُلْت وَعَلَيْكُمْ ) . وَفِي رِوَايَة قَالَ : فَفَطِنَتْ بِهِمْ عَائِشَة فَسَبَّتْهُمْ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَهْ يَا عَائِشَة فَإِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْفُحْش وَالتَّفَحُّش ) وَزَادَ فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : " وَإِذَا جَاءُوك حَيَّوْك بِمَا لَمْ يُحَيِّك بِهِ اللَّه " إِلَى آخِر الْآيَة . الذَّام بِتَخْفِيفِ الْمِيم هُوَ الْعَيْب , وَفِي الْمَثَل ( لَا تَعْدَم الْحَسْنَاء ذَامًا ) أَيْ عَيْبًا , وَيُهْمَز وَلَا يُهْمَز , يُقَال : ذَأَمَهُ يَذْأَمهُ , مِثْل ذَأَبَ يَذْأَب , وَالْمَفْعُول مَذْءُوم مَهْمُوزًا , وَمِنْهُ " مَذْءُومًا مَدْحُورًا " [ الْأَعْرَاف : 18 ] وَيُقَال : ذَامَهُ يَذُومه مُخَفَّفًا كَرَامَهُ يَرُومهُ . قَالُوا : لَوْ كَانَ مُحَمَّد نَبِيًّا لَعَذَّبَنَا اللَّه بِمَا نَقُول فَهَلَّا يُعَذِّبنَا اللَّه . وَقِيلَ : قَالُوا إِنَّهُ يَرُدّ عَلَيْنَا وَيَقُول وَعَلَيْكُمْ السَّام وَالسَّام الْمَوْت , فَلَوْ كَانَ نَبِيًّا لَاسْتُجِيبَ لَهُ فِينَا وَمُتْنَا . وَهَذَا مَوْضِع تَعَجُّب مِنْهُمْ , فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَهْل كِتَاب , وَكَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْأَنْبِيَاء قَدْ يُغْضَبُونَ فَلَا يُعَاجَل مَنْ يُغْضِبهُمْ بِالْعَذَابِ . أَيْ كَافِيهمْ جَهَنَّم عِقَابًا غَدًا يَدْخُلُونَهَا أَيْ الْمَرْجِع .'; $TAFSEER['4']['58']['9'] = 'نَهَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَنَاجَوْا فِيمَا بَيْنهمْ كَفِعْلِ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُود فَقَالَ : " يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ " أَيْ تَسَارَرْتُمْ . هَذِهِ قِرَاءَة الْعَامَّة . وَقَرَأَ يَحْيَى بْن وَثَّاب وَعَاصِم وَرُوَيْس عَنْ يَعْقُوب " فَلَا تَنْتَجُوا " مِنْ الِانْتِجَاء أَيْ بِالطَّاعَةِ بِالْعَفَافِ عَمَّا نَهَى اللَّه عَنْهُ . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْمُنَافِقِينَ , أَيْ يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِزَعْمِهِمْ . وَقِيلَ : أَيْ يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِمُوسَى . أَيْ تُجْمَعُونَ فِي الْآخِرَة .'; $TAFSEER['4']['58']['10'] = 'أَيْ مِنْ تَزْيِين الشَّيَاطِين إِذْ تَوَهَّمُوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أُصِيبُوا فِي السَّرَايَا , أَوْ إِذَا أَجْرَوْا اِجْتِمَاعهمْ عَلَى مُكَايَدَة الْمُسْلِمِينَ , وَرُبَّمَا كَانُوا يُنَاجُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَظُنّ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُمْ يَنْتَقِصُونَهُمْ عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا كَانَ ثَلَاثَة فَلَا يَتَنَاجَى اِثْنَانِ دُون الْوَاحِد ) . وَعَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَة فَلَا يَتَنَاجَى اِثْنَانِ دُون الْآخَر حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ مِنْ أَجْل أَنْ يُحْزِنهُ ) فَبَيَّنَ فِي هَذَا الْحَدِيث غَايَة الْمَنْع وَهِيَ أَنْ يَجِد الثَّالِث مَنْ يَتَحَدَّث مَعَهُ كَمَا فَعَلَ اِبْن عُمَر , ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَتَحَدَّث مَعَ رَجُل فَجَاءَ آخَر يُرِيد أَنْ يُنَاجِيه فَلَمْ يُنَاجِهِ حَتَّى دَعَا رَابِعًا , فَقَالَ لَهُ وَلِلْأَوَّلِ : تَأَخَّرَا وَنَاجَى الرَّجُل الطَّالِب لِلْمُنَاجَاةِ . خَرَّجَهُ الْمُوَطَّأ . وَفِيهِ أَيْضًا التَّنْبِيه عَلَى التَّعْلِيل بِقَوْلِهِ : ( مِنْ أَجْل أَنْ يُحْزِنهُ ) أَيْ يَقَع فِي نَفْسه مَا يَحْزَن لِأَجْلِهِ . وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَدِّر فِي نَفْسه أَنَّ الْحَدِيث عَنْهُ بِمَا يَكْرَه , أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَرَوْهُ أَهْلًا لِيُشْرِكُوهُ فِي حَدِيثهمْ , إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ أُلْقِيَات الشَّيْطَان وَأَحَادِيث النَّفْس . وَحَصَلَ ذَلِكَ كُلّه مِنْ بَقَائِهِ وَحْده , فَإِذَا كَانَ مَعَهُ غَيْره أَمِنَ ذَلِكَ , وَعَلَى هَذَا يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ كُلّ الْأَعْدَاد , فَلَا يَتَنَاجَى أَرْبَعَة دُون وَاحِد وَلَا عَشْرَة وَلَا أَلْف مَثَلًا , لِوُجُودِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي حَقّه , بَلْ وُجُوده فِي الْعَدَد الْكَثِير أَمْكَن وَأَوْقَع , فَيَكُون بِالْمَنْعِ أَوْلَى . وَإِنَّمَا خَصَّ الثَّلَاثَة بِالذِّكْرِ , لِأَنَّهُ أَوَّل عَدَد يَتَأَتَّى ذَلِكَ الْمَعْنَى فِيهِ . وَظَاهِر الْحَدِيث يَعُمّ جَمِيع الْأَزْمَان وَالْأَحْوَال , وَإِلَيْهِ ذَهَبَ اِبْن عُمَر وَمَالِك وَالْجُمْهُور . وَسَوَاء أَكَانَ التَّنَاجِي فِي مَنْدُوب أَوْ مُبَاح أَوْ وَاجِب فَإِنَّ الْحُزْن يَقَع بِهِ . وَقَدْ ذَهَبَ بَعْض النَّاس إِلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّل الْإِسْلَام , لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَال الْمُنَافِقِينَ فَيَتَنَاجَى الْمُنَافِقُونَ دُون الْمُؤْمِنِينَ , فَلَمَّا فَشَا الْإِسْلَام سَقَطَ ذَلِكَ . وَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ خَاصّ بِالسَّفَرِ فِي الْمَوَاضِع الَّتِي لَا يَأْمَن الرَّجُل فِيهَا صَاحِبه , فَأَمَّا فِي الْحَضَر وَبَيْن الْعِمَارَة فَلَا , فَإِنَّهُ يَجِد مَنْ يُعِينهُ , بِخِلَافِ السَّفَر فَإِنَّهُ مَظِنَّة الِاغْتِيَال وَعَدَم الْمُغِيث . وَاَللَّه أَعْلَم . أَيْ التَّنَاجِي أَيْ بِمَشِيئَتِهِ وَقِيلَ : بِعِلْمِهِ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : بِأَمْرِهِ . أَيْ يَكِلُونَ أَمْرهمْ إِلَيْهِ , وَيُفَوِّضُونَ جَمِيع شُؤُونهمْ إِلَى عَوْنه , وَيَسْتَعِيذُونَ بِهِ مِنْ الشَّيْطَان وَمِنْ كُلّ شَرّ , فَهُوَ الَّذِي سَلَّطَ الشَّيْطَان بِالْوَسَاوِسِ اِبْتِلَاء لِلْعَبْدِ وَامْتِحَانًا وَلَوْ شَاءَ لَصَرَفَهُ عَنْهُ .'; $TAFSEER['4']['58']['11'] = 'فِيهِ خَمْس مَسَائِل : الْأُولَى : لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ الْيَهُود يُحَيُّونَهُ بِمَا لَمْ يُحَيِّهِ بِهِ اللَّه وَذَمَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَصَلَ بِهِ الْأَمْر بِتَحْسِينِ الْأَدَب فِي مُجَالَسَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَتَّى لَا يُضَيِّقُوا عَلَيْهِ الْمَجْلِس , وَأَمَرَ الْمُسْلِمِينَ بِالتَّعَاطُفِ وَالتَّآلُف حَتَّى يَفْسَح بَعْضهمْ لِبَعْضٍ , حَتَّى يَتَمَكَّنُوا مِنْ الِاسْتِمَاع مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّظَر إِلَيْهِ . قَالَ قَتَادَة وَمُجَاهِد : كَانُوا يَتَنَافَسُونَ فِي مَجْلِس النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأُمِرُوا أَنْ يُفْسِح بَعْضهمْ لِبَعْضٍ . وَقَالَ الضَّحَّاك . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمُرَاد بِذَلِكَ مَجَالِس الْقِتَال إِذَا اِصْطَفُّوا لِلْحَرْبِ . قَالَ الْحَسَن وَيَزِيد بْن أَبِي حَبِيب : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَاتَلَ الْمُشْرِكِينَ تَشَاحَّ أَصْحَابه عَلَى الصَّفّ الْأَوَّل فَلَا يُوَسِّع بَعْضهمْ لِبَعْضٍ , رَغْبَة فِي الْقِتَال وَالشَّهَادَة فَنَزَلَتْ . فَيَكُون كَقَوْلِهِ : " مَقَاعِد لِلْقِتَالِ " [ آل عِمْرَان : 121 ] . وَقَالَ مُقَاتِل : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّفَّة , وَكَانَ فِي الْمَكَان ضِيق يَوْم الْجُمُعَة , وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْرِم أَهْل بَدْر مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار , فَجَاءَ أُنَاس مِنْ أَهْل بَدْر فِيهِمْ ثَابِت بْن قَيْس بْن شَمَّاس وَقَدْ سُبِقُوا فِي الْمَجْلِس , فَقَامُوا حِيَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَرْجُلهمْ يَنْتَظِرُونَ أَنْ يُوَسَّع لَهُمْ فَلَمْ يُفْسِحُوا لَهُمْ , فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ مِنْ غَيْر أَهْل بَدْر : ( قُمْ يَا فُلَان وَأَنْتَ يَا فُلَان ) بِعَدَدِ الْقَائِمِينَ مِنْ أَهْل بَدْر , فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى مَنْ أُقِيمَ , وَعَرَفَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَرَاهِيَة فِي وُجُوههمْ , فَغَمَزَ الْمُنَافِقُونَ وَتَكَلَّمُوا بِأَنْ قَالُوا : مَا أَنْصَفَ هَؤُلَاءِ وَقَدْ أَحَبُّوا الْقُرْب مِنْ نَبِيّهمْ فَسَبَقُوا إِلَى الْمَكَان , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَة . " تَفَسَّحُوا " أَيْ تَوَسَّعُوا . وَفَسَحَ فُلَان لِأَخِيهِ فِي مَجْلِسه يَفْسَح فَسْحًا أَيْ وُسِّعَ لَهُ , وَمِنْهُ قَوْلهمْ : بَلَد فَسِيح وَلَك فِي كَذَا فُسْحَة , وَفَسَحَ يَفْسَح مِثْل مَنَعَ يَمْنَع , أَيْ وَسَّعَ فِي الْمَجْلِس , وَفَسَحَ يَفْسُحُ فَسَاحَة مِثْل كَرُمَ يُكْرِم كَرَامَة أَيْ صَارَ وَاسِعًا , وَمِنْهُ مَكَان فَسِيح . الثَّانِيَة : قَرَأَ السُّلَمِيّ وَزِرّ بْن حُبَيْش وَعَاصِم " فِي الْمَجَالِس " . وَقَرَأَ قَتَادَة وَدَاوُد بْن أَبِي هِنْد وَالْحَسَن بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ " إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَاسَحُوا " الْبَاقُونَ " تَفَسَّحُوا فِي الْمَجْلِس " فَمَنْ جَمَعَ فَلِأَنَّ قَوْل : " تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِس " يُنْبِئ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِد مَجْلِسًا . وَكَذَلِكَ إِنْ أُرِيدَ بِهِ الْحَرْب . وَكَذَلِكَ يَجُوز أَنْ يُرَاد مَسْجِد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَمَعَ لِأَنَّ لِكُلِّ جَالِس مَجْلِسًا . وَكَذَلِكَ يَجُوز إِنْ أُرِيدَ بِالْمَجْلِسِ الْمُفْرَد مَجْلِس النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيَجُوز أَنْ يُرَاد بِهِ الْجَمْع عَلَى مَذْهَب الْجِنْس , كَقَوْلِهِمْ : كَثُرَ الدِّينَار وَالدِّرْهَم . قُلْت : الصَّحِيح فِي الْآيَة أَنَّهَا عَامَّة فِي كُلّ مَجْلِس اِجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ لِلْخَيْرِ وَالْأَجْر , سَوَاء كَانَ مَجْلِس حَرْب أَوْ ذِكْر أَوْ مَجْلِس يَوْم الْجُمُعَة , فَإِنَّ كُلّ وَاحِد أَحَقّ بِمَكَانِهِ الَّذِي سَبَقَ إِلَيْهِ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يُسْبَق إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقّ بِهِ ) وَلَكِنْ يُوَسَّع لِأَخِيهِ مَا لَمْ يَتَأَذَّ فَيُخْرِجهُ الضِّيق عَنْ مَوْضِعه . رَوَى الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يُقِيم الرَّجُل الرَّجُل مِنْ مَجْلِسه ثُمَّ يَجْلِس فِيهِ ) . وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقَام الرَّجُل مِنْ مَجْلِسه وَيَجْلِس فِيهِ آخَر , وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا . وَكَانَ اِبْن عُمَر يَكْرَه أَنْ يَقُوم الرَّجُل مِنْ مَجْلِسه ثُمَّ يُجْلَس مَكَانه . لَفْظ الْبُخَارِيّ . الثَّالِثَة : إِذَا قَعَدَ وَاحِد مِنْ النَّاس فِي مَوْضِع مِنْ الْمَسْجِد لَا يَجُوز لِغَيْرِهِ أَنْ يُقِيمهُ حَتَّى يَقْعُد مَكَانه , لِمَا رَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يُقِيمَن أَحَدكُمْ أَخَاهُ يَوْم الْجُمُعَة ثُمَّ يُخَالِف إِلَى مَقْعَده فَيَقْعُد فِيهِ وَلَكِنْ يَقُول اِفْسَحُوا ) . فَرْع : الْقَاعِد فِي الْمَكَان إِذَا قَامَ حَتَّى يُقْعِد غَيْره مَوْضِعه نُظِرَ , فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِع الَّذِي قَامَ إِلَيْهِ مِثْل الْأَوَّل فِي سَمَاع كَلَام الْإِمَام لَمْ يُكْرَه لَهُ ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ أَبْعَد مِنْ الْإِمَام كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ , لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيت حَظّه . الرَّابِعَة : إِذَا أَمَرَ إِنْسَان إِنْسَانًا أَنْ يُبَكِّر إِلَى الْجَامِع فَيَأْخُذ لَهُ مَكَانًا يَقْعُد فِيهِ لَا يُكْرَه , فَإِذَا جَاءَ الْآمِر يَقُوم مِنْ الْمَوْضِع , لِمَا رُوِيَ : أَنَّ اِبْن سِيرِينَ كَانَ يُرْسِل غُلَامه إِلَى مَجْلِس لَهُ فِي يَوْم الْجُمُعَة فَيَجْلِس لَهُ فِيهِ , فَإِذَا جَاءَ قَامَ لَهُ مِنْهُ . فَرْع : وَعَلَى هَذَا مَنْ أَرْسَلَ بِسَاطًا أَوْ سَجَّادَة فَتُبْسَط لَهُ فِي مَوْضِع مِنْ الْمَسْجِد . الْخَامِسَة : رَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا قَامَ أَحَدكُمْ - وَفِي حَدِيث أَبِي عَوَانَة مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسه - ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقّ بِهِ ) قَالَ عُلَمَاؤُنَا : هَذَا يَدُلّ عَلَى صِحَّة الْقَوْل بِوُجُوبِ اِخْتِصَاص الْجَالِس بِمَوْضِعِهِ إِلَى أَنْ يَقُوم مِنْهُ , لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ أَوْلَى بِهِ بَعْد قِيَامه فَقَبْله أَوْلَى بِهِ وَأَحْرَى . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ عَلَى النَّدْب , لِأَنَّهُ مَوْضِع غَيْر مُتَمَلَّك لِأَحَدٍ لَا قَبْل الْجُلُوس وَلَا بَعْد . وَهَذَا فِيهِ نَظَر , وَهُوَ أَنْ يُقَال : سَلَّمْنَا أَنَّهُ غَيْر مُتَمَلَّك لَكِنَّهُ يَخْتَصّ بِهِ إِلَى أَنْ يَفْرُغ غَرَضه مِنْهُ , فَصَارَ كَأَنَّهُ يَمْلِك مَنْفَعَته , إِذْ قَدْ مَنَعَ غَيْره مَنْ يُزَاحِمهُ عَلَيْهِ . وَاَللَّه أَعْلَم . أَيْ فِي قُبُوركُمْ . وَقِيلَ : فِي قُلُوبكُمْ . وَقِيلَ : يُوَسِّع عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامِر وَعَاصِم بِضَمِّ الشِّين فِيهِمَا . وَكَسَرَ الْبَاقُونَ , وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْل " يَعْكُِفُونَ " [ الْأَعْرَاف : 138 ] و " يَعْرُِشُونَ " [ الْأَعْرَاف : 137 ] وَالْمَعْنَى اِنْهَضُوا إِلَى الصَّلَاة وَالْجِهَاد وَعَمَل الْخَيْر , قَالَ أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ . وَقَالَ مُجَاهِد وَالضَّحَّاك : إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ فَقُومُوا إِلَيْهَا . وَذَلِكَ أَنَّ رِجَالًا تَثَاقَلُوا عَنْ الصَّلَاة فَنَزَلَتْ . وَقَالَ الْحَسَن وَمُجَاهِد أَيْضًا : أَيْ اِنْهَضُوا إِلَى الْحَرْب . وَقَالَ اِبْن زَيْد : هَذَا فِي بَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَانَ كُلّ رَجُل مِنْهُمْ يُحِبّ أَنْ يَكُون آخِر عَهْده بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا " عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَانْشُزُوا " فَإِنَّ لَهُ حَوَائِج فَلَا تَمْكُثُوا . وَقَالَ قَتَادَة : الْمَعْنَى أَجِيبُوا إِذَا دُعِيتُمْ إِلَى أَمْر بِمَعْرُوفٍ . وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح , لِأَنَّهُ يَعُمّ . وَالنَّشْز الِارْتِفَاع , مَأْخُوذ مِنْ نَشْز الْأَرْض وَهُوَ اِرْتِفَاعهَا , يُقَال نَشَزَ يَنْشُز وَيَنْشِز إِذَا اِنْتَحَى مِنْ مَوْضِعه , أَيْ اِرْتَفَعَ مِنْهُ . وَامْرَأَة نَاشِز مُنْتَحِيَة عَنْ زَوْجهَا . وَأَصْل هَذَا مِنْ النَّشَز , وَالنَّشَز هُوَ مَا اِرْتَفَعَ مِنْ الْأَرْض وَتَنَحَّى , ذَكَرَهُ النَّحَّاس . أَيْ فِي الثَّوَاب فِي الْآخِرَة وَفِي الْكَرَامَة فِي الدُّنْيَا , فَيَرْفَع الْمُؤْمِن عَلَى مَنْ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَالْعَالِم عَلَى مَنْ لَيْسَ بِعَالِمٍ . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود : مَدَحَ اللَّه الْعُلَمَاء فِي هَذِهِ الْآيَة . وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَرْفَع اللَّه الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُؤْتَوْا الْعِلْم " دَرَجَات " أَيْ دَرَجَات فِي دِينهمْ إِذَا فَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ . وَقِيلَ : كَانَ أَهْل الْغِنَى يَكْرَهُونَ أَنْ يُزَاحِمهُمْ مَنْ يَلْبَس الصُّوف فَيَسْتَبِقُونَ إِلَى مَجْلِس النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْخِطَاب لَهُمْ . وَرَأَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رَجُلًا مِنْ الْأَغْنِيَاء يَقْبِض ثَوْبه نُفُورًا مِنْ بَعْض الْفُقَرَاء أَرَادَ أَنْ يَجْلِس إِلَيْهِ فَقَالَ : ( يَا فُلَان خَشِيت أَنْ يَتَعَدَّى غِنَاك إِلَيْهِ أَوْ فَقْره إِلَيْك ) وَبَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّ الرِّفْعَة عِنْد اللَّه تَعَالَى بِالْعِلْمِ وَالْإِيمَان لَا بِالسَّبْقِ إِلَى صُدُور الْمَجَالِس . وَقِيلَ : أَرَادَ بِاَلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم الَّذِينَ قَرَءُوا الْقُرْآن . وَقَالَ يَحْيَى بْن يَحْيَى عَنْ مَالِك : " يَرْفَع اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ " الصَّحَابَة " وَاَلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم دَرَجَات " يَرْفَع اللَّه بِهَا الْعَالِم وَالطَّالِب لِلْحَقِّ . قُلْت : وَالْعُمُوم أَوْقَع فِي الْمَسْأَلَة وَأَوْلَى بِمَعْنَى الْآيَة , فَيَرْفَع الْمُؤْمِن بِإِيمَانِهِ أَوَّلًا ثُمَّ بِعِلْمِهِ ثَانِيًا . وَفِي الصَّحِيح أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَ يُقَدِّم عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس عَلَى الصَّحَابَة , فَكَلَّمُوهُ فِي ذَلِكَ فَدَعَاهُمْ وَدَعَاهُ , وَسَأَلَهُمْ عَنْ تَفْسِير " إِذَا جَاءَ نَصْر اللَّه وَالْفَتْح " [ النَّصْر : 1 ] فَسَكَتُوا , فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ أَجَل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ اللَّه إِيَّاهُ . فَقَالَ عُمَر : مَا أَعْلَم مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَم . وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس قَالَ : قَدِمَ عُيَيْنَة بْن حِصْن بْن حُذَيْفَة بْن بَدْر فَنَزَلَ عَلَى اِبْن أَخِيهِ الْحُرّ بْن قَيْس بْن حِصْن , وَكَانَ مِنْ النَّفَر الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَر , وَكَانَ الْقُرَّاء أَصْحَاب مَجَالِس عُمَر وَمُشَاوِرَته كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا . الْحَدِيث وَقَدْ مَضَى فِي آخِر " الْأَعْرَاف " . وَفِي صَحِيح مُسْلِم أَنَّ نَافِع بْن الْحَارِث لَقِيَ عُمَر بِعُسْفَانَ وَكَانَ عُمَر يَسْتَعْمِلهُ عَلَى مَكَّة فَقَالَ : مَنْ اِسْتَعْمَلْته عَلَى أَهْل الْوَادِي ؟ فَقَالَ : اِبْن أَبْزَى . فَقَالَ : وَمَنْ اِبْن أَبْزَى ؟ قَالَ : مَوْلَى مِنْ مَوَالِينَا . قَالَ : فَاسْتَخْلَفْت عَلَيْهِمْ مَوْلًى ! قَالَ : إِنَّهُ قَارِئ لِكِتَابِ اللَّه وَإِنَّهُ عَالِم بِالْفَرَائِضِ . قَالَ عُمَر : أَمَا إِنَّ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ : ( إِنَّ اللَّه يَرْفَع بِهَذَا الْكِتَاب أَقْوَامًا وَيَضَع بِهِ آخَرِينَ ) وَقَدْ مَضَى أَوَّل الْكِتَاب . وَمَضَى الْقَوْل فِي فَضْل الْعِلْم وَالْعُلَمَاء فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ هَذَا الْكِتَاب وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( بَيْن الْعَالِم وَالْعَابِد مِائَة دَرَجَة بَيْن كُلّ دَرَجَتَيْنِ حَضْر الْجَوَاد الْمُضَمَّر سَبْعِينَ سَنَة ) . وَعَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَضْل الْعَالِم عَلَى الْعَابِد كَفَضْلِ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر عَلَى سَائِر الْكَوَاكِب ) . وَعَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( يَشْفَع يَوْم الْقِيَامَة ثَلَاثَةٌ الْأَنْبِيَاء ثُمَّ الْعُلَمَاء ثُمَّ الشُّهَدَاء ) فَأَعْظِمْ بِمَنْزِلَةٍ هِيَ وَاسِطَة بَيْن النُّبُوَّة وَالشَّهَادَة بِشَهَادَةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : خُيِّرَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام بَيْن الْعِلْم وَالْمَال وَالْمُلْك فَاخْتَارَ الْعِلْم فَأُعْطِيَ الْمَال وَالْمُلْك مَعَهُ .'; $TAFSEER['4']['58']['12'] = 'فِيهِ ثَلَاث مَسَائِل : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : " يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُول " " نَاجَيْتُمْ " سَارَرْتُمْ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ بِسَبَبِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يُكْثِرُونَ الْمَسَائِل عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى شَقُّوا عَلَيْهِ , فَأَرَادَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخَفِّف عَنْ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ كَفَّ كَثِير مِنْ النَّاس . ثُمَّ وَسَّعَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِالْآيَةِ الَّتِي بَعْدهَا . وَقَالَ الْحَسَن : نَزَلَتْ بِسَبَب أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَسْتَخْلُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُنَاجُونَهُ , فَظَنَّ بِهِمْ قَوْم مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ يَنْتَقِصُونَهُمْ فِي النَّجْوَى , فَشَقَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَأَمَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى بِالصَّدَقَةِ عِنْد النَّجْوَى لِيَقْطَعهُمْ عَنْ اِسْتِخْلَائِهِ . وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَم : نَزَلَتْ بِسَبَبِ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُود كَانُوا يُنَاجُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُونَ : إِنَّهُ إِذَنْ يَسْمَع كُلّ مَا قِيلَ لَهُ , وَكَانَ لَا يَمْنَع أَحَدًا مُنَاجَاته . فَكَانَ ذَلِكَ يَشُقّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , لِأَنَّ الشَّيْطَان كَانَ يُلْقِي فِي أَنْفُسهمْ أَنَّهُمْ نَاجُوهُ بِأَنَّ جُمُوعًا اِجْتَمَعَتْ لِقِتَالِهِ . قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَان وَمَعْصِيَة الرَّسُول " [ الْمُجَادَلَة : 9 ] الْآيَة , فَلَمْ يَنْتَهُوا فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة , فَانْتَهَى أَهْل الْبَاطِل عَنْ النَّجْوَى , لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَدِّمُوا بَيْن يَدَيْ نَجْوَاهُمْ صَدَقَة , وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَهْل الْإِيمَان وَامْتَنَعُوا مِنْ النَّجْوَى , لِضَعْفِ مَقْدِرَة كَثِير مِنْهُمْ عَنْ الصَّدَقَة فَخَفَّفَ اللَّه عَنْهُمْ بِمَا بَعْد الْآيَة . الثَّانِيَة : قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَفِي هَذَا الْخَبَر عَنْ زَيْد مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْأَحْكَام لَا تَتَرَتَّب بِحَسَبِ الْمَصَالِح , فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ : " ذَلِكَ خَيْر لَكُمْ وَأَطْهَر " ثُمَّ نَسَخَهُ مَعَ كَوْنه خَيْرًا وَأَطْهَر . وَهَذَا رَدّ عَلَى الْمُعْتَزِلَة عَظِيم فِي اِلْتِزَام الْمَصَالِح , لَكِنَّ رَاوِي الْحَدِيث عَنْ زَيْد اِبْنه عَبْد الرَّحْمَن وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْعُلَمَاء . وَالْأَمْر فِي قَوْله تَعَالَى : " ذَلِكَ خَيْر لَكُمْ وَأَطْهَر " نَصّ مُتَوَاتِر فِي الرَّدّ عَلَى الْمُعْتَزِلَة . وَاَللَّه أَعْلَم . الثَّالِثَة : رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ عَلِيّ بْن عَلْقَمَة الْأَنْمَارِيّ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ " يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُول فَقَدِّمُوا بَيْن يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة " سَأَلْته قَالَ لِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا تَرَى دِينَارًا ) قُلْت لَا يُطِيقُونَهُ . قَالَ : ( فَنِصْف دِينَار ) قُلْت : لَا يُطِيقُونَهُ . قَالَ : ( فَكَمْ ) قُلْت : شَعِيرَة . قَالَ : ( إِنَّك لَزَهِيد ) قَالَ فَنَزَلَتْ : " أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْن يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَات " [ الْمُجَادَلَة : 13 ] الْآيَة . قَالَ : فَبِي خَفَّفَ اللَّه عَنْ هَذِهِ الْأُمَّة . قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث حَسَن غَرِيب إِنَّمَا نَعْرِفهُ مِنْ هَذَا الْوَجْه , وَمَعْنَى قَوْله : شَعِيرَة يَعْنِي وَزْن شَعِيرَة مِنْ ذَهَب . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا يَدُلّ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ أُصُولِيَّتَيْنِ : الْأُولَى : نَسْخ الْعِبَادَة قَبْل فِعْلهَا . وَالثَّانِيَة : النَّظَر فِي الْمُقَدَّرَات بِالْقِيَاسِ , خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَة . قُلْت : الظَّاهِر أَنَّ النَّسْخ إِنَّمَا وَقَعَ بَعْد فِعْل الصَّدَقَة . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد : أَنَّ أَوَّل مَنْ تَصَدَّقَ فِي ذَلِكَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَنَاجَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رُوِيَ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِخَاتَمٍ . وَذَكَرَ الْقُشَيْرِيّ وَغَيْره عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب أَنَّهُ قَالَ : فِي كِتَاب اللَّه آيَة مَا عَمِلَ بِهَا أَحَد قَبْلِي وَلَا يَعْمَل بِهَا أَحَد بَعْدِي , وَهِيَ : " يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُول فَقَدِّمُوا بْن يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة " كَانَ لِي دِينَار فَبِعْته , فَكُنْت إِذَا نَاجَيْت الرَّسُول تَصَدَّقْت بِدِرْهَمٍ حَتَّى نَفِدَ , فَنُسِخَتْ بِالْآيَةِ الْأُخْرَى " أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْن يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَات " [ الْمُجَادَلَة : 13 ] . وَكَذَلِكَ قَالَ اِبْن عَبَّاس : نَسَخَهَا اللَّه بِالْآيَةِ الَّتِي بَعْدهَا . وَقَالَ اِبْن عُمَر : لَقَدْ كَانَتْ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ثَلَاثَة لَوْ كَانَتْ لِي وَاحِدَة مِنْهُنَّ كَانَتْ أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ حُمُر النِّعَم : تَزْوِيجه فَاطِمَة , وَإِعْطَاؤُهُ الرَّايَة يَوْم خَيْبَر , وَآيَة النَّجْوَى . أَيْ مِنْ إِمْسَاكهَا لِقُلُوبِكُمْ مِنْ الْمَعَاصِي " فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا " يَعْنِي الْفُقَرَاء " فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم " .'; $TAFSEER['4']['58']['13'] = '" أَأَشْفَقْتُمْ " اِسْتِفْهَام مَعْنَاهُ التَّقْرِير . قَالَ اِبْن عَبَّاس : " أَأَشْفَقْتُمْ " أَيْ أَبَخِلْتُمْ بِالصَّدَقَةِ , وَقُلْ : خِفْتُمْ , وَالْإِشْفَاق الْخَوْف مِنْ الْمَكْرُوه . أَيْ خِفْتُمْ وَبَخِلْتُمْ بِالصَّدَقَةِ وَشَقَّ عَلَيْكُمْ " أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْن يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَات " قَالَ مُقَاتِل بْن حَيَّان : إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ عَشْر لَيَالٍ ثُمَّ نُسِخَ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : مَا كَانَ ذَلِكَ إِلَّا لَيْلَة وَاحِدَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : مَا بَقِيَ إِلَّا سَاعَة مِنْ النَّهَار حَتَّى نُسِخَ . وَكَذَا قَالَ قَتَادَة . وَاَللَّه أَعْلَم . أَيْ نَسَخَ اللَّه ذَلِكَ الْحُكْم . وَهَذَا خِطَاب لِمَنْ وَجَدَ مَا يَتَصَدَّق بِهِ فَنُسِخَتْ فَرْضِيَّة الزَّكَاة هَذِهِ الصَّدَقَة . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى جَوَاز النَّسْخ قَبْل الْفِعْل , وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ضَعِيف , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ : " فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا " وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ أَحَدًا لَمْ يَتَصَدَّق بِشَيْءٍ . وَاَللَّه أَعْلَم . فِي فَرَائِضه فِي سُنَنه'; $TAFSEER['4']['58']['14'] = 'قَالَ قَتَادَة : هُمْ الْمُنَافِقُونَ تَوَلَّوْا الْيَهُود يَقُول : لَيْسَ الْمُنَافِقُونَ مِنْ الْيَهُود وَلَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَلْ هُمْ مُذَبْذَبُونَ بَيْن ذَلِكَ , وَكَانُوا يَحْمِلُونَ أَخْبَار الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ . قَالَ السُّدِّيّ وَمُقَاتِل : نَزَلَتْ فِي عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ وَعَبْد اللَّه بْن نَبْتَل الْمُنَافِقَيْنِ , كَانَ أَحَدهمَا يُجَالِس النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَرْفَع حَدِيثه إِلَى الْيَهُود , فَبَيْنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُجْرَة مِنْ حُجُرَاته إِذْ قَالَ : ( يَدْخُل عَلَيْكُمْ الْآن رَجُل قَلْبه قَلْب جَبَّار وَيَنْظُر بِعَيْنَيْ شَيْطَان ) فَدَخَلَ عَبْد اللَّه بْن نَبْتَل - وَكَانَ أَزْرَق أَسْمَر قَصِيرًا خَفِيف اللِّحْيَة - فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( عَلَامَ تَشْتُمنِي أَنْتَ وَأَصْحَابك ) فَحَلَفَ بِاَللَّهِ مَا فَعَلَ ذَلِكَ . فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَعَلْت ) فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِأَصْحَابِهِ فَحَلَفُوا بِاَللَّهِ مَا سَبُّوهُ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . وَقَالَ مَعْنَاهُ اِبْن عَبَّاس . رَوَى عِكْرِمَة عَنْهُ , قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي ظِلّ شَجَرَة قَدْ كَادَ الظِّلّ يَتَقَلَّص عَنْهُ إِذْ قَالَ : ( يَجِيئكُمْ السَّاعَة رَجُل أَزْرَق يَنْظُر إِلَيْكُمْ نَظَر الشَّيْطَان ) فَنَحْنُ عَلَى ذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ رَجُل أَزْرَق , فَدَعَا بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( عَلَامَ تَشْتُمنِي أَنْتَ وَأَصْحَابك ) قَالَ : دَعْنِي أَجِيئك بِهِمْ . فَمَرَّ فَجَاءَ بِهِمْ فَحَلَفُوا جَمِيعًا أَنَّهُ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ شَيْء , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " يَوْم يَبْعَثهُمْ اللَّه جَمِيعًا " [ الْمُجَادَلَة : 18 ] إِلَى قَوْله : " هُمْ الْخَاسِرُونَ " وَالْيَهُود مَذْكُورُونَ فِي الْقُرْآن ب " وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِمْ " [ الْفَتْح : 6 ] .'; $TAFSEER['4']['58']['15'] = 'أَيْ لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ فِي جَهَنَّم وَهُوَ الدَّرْك الْأَسْفَل . أَيْ بِئْسَ الْأَعْمَال أَعْمَالهمْ'; $TAFSEER['4']['58']['16'] = 'يَسْتَجِنُّونَ بِهَا مِنْ الْقَتْل . وَقَرَأَ الْحَسَن وَأَبُو الْعَالِيَة " إِيمَانهمْ " بِكَسْرِ الْهَمْزَة هُنَا وَفِي " الْمُنَافِقُونَ " . أَيْ إِقْرَارهمْ اِتَّخَذُوهُ جُنَّة , فَآمَنَتْ أَلْسِنَتهمْ مِنْ خَوْف الْقَتْل , وَكَفَرَتْ قُلُوبهمْ وَالصَّدّ الْمَنْع " عَنْ سَبِيل اللَّه " أَيْ عَنْ الْإِسْلَام . وَقِيلَ : فِي قَتْلهمْ بِالْكُفْرِ لِمَا أَظْهَرُوهُ مِنْ النِّفَاق . وَقِيلَ : أَيْ بِإِلْقَاءِ الْأَرَاجِيف وَتَثْبِيط الْمُسْلِمِينَ عَنْ الْجِهَاد وَتَخْوِيفهمْ . فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَفِي الْآخِرَة بِالنَّارِ .'; $TAFSEER['4']['58']['17'] = 'أَيْ مِنْ عَذَابه شَيْئًا . وَقَالَ مُقَاتِل : قَالَ الْمُنَافِقُونَ إِنَّ مُحَمَّدًا يَزْعُم أَنَّهُ يُنْصَر يَوْم الْقِيَامَة , لَقَدْ شَقِينَا إِذًا فَوَاَللَّهِ لَنُنْصَرَنَّ يَوْم الْقِيَامَة بِأَنْفُسِنَا وَأَوْلَادنَا وَأَمْوَالنَا إِنْ كَانَتْ قِيَامَة .'; $TAFSEER['4']['58']['18'] = 'أَيْ لَهُمْ عَذَاب مُهِين يَوْم يَبْعَثهُمْ الْيَوْم وَهَذَا أَمْر عَجِيب وَهُوَ مُغَالَطَتهمْ بِالْيَمِينِ غَدًا , وَقَدْ صَارَتْ الْمَعَارِف ضَرُورِيَّة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ قَوْلهمْ " وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ " [ الْأَنْعَام : 23 ] . " وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْء " بِإِنْكَارِهِمْ وَحِلْفهمْ . قَالَ اِبْن زَيْد : ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَنْفَعهُمْ فِي الْآخِرَة . وَقِيلَ : " وَيَحْسَبُونَ " فِي الدُّنْيَا " أَنَّهُمْ عَلَى شَيْء " لِأَنَّهُمْ فِي الْآخِرَة يَعْلَمُونَ الْحَقّ بِاضْطِرَارٍ . وَالْأَوَّل أَظْهَر . وَعَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُنَادِي مُنَادٍ يَوْم الْقِيَامَة أَيْنَ خُصَمَاء اللَّه فَتَقُوم الْقَدَرِيَّة مُسْوَدَّة وُجُوهُهُمْ مُزْرَقَّة أَعْيُنهمْ مَائِل شِدْقهمْ يَسِيل لُعَابهمْ فَيَقُولُونَ وَاَللَّه مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونك شَمْسًا وَلَا قَمَرًا وَلَا صَنَمًا وَلَا وَثَنًا , وَلَا اِتَّخَذْنَا مِنْ دُونك إِلَهًا ) . قَالَ اِبْن عَبَّاس : صَدَقُوا وَاَللَّه ! أَتَاهُمْ الشِّرْك مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ , ثُمَّ تَلَا " وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْء أَلَا إِنَّهُمْ هُمْ الْكَاذِبُونَ " هُمْ وَاَللَّه الْقَدَرِيَّة . ثَلَاثًا .'; $TAFSEER['4']['58']['19'] = 'أَيْ غَلَبَ وَاسْتَعْلَى , أَيْ بِوَسْوَسَتِهِ فِي الدُّنْيَا . وَقِيلَ : قَوِيّ عَلَيْهِمْ . وَقَالَ الْمُفَضَّل : أَحَاطَ بِهِمْ . وَيَحْتَمِل رَابِعًا أَيْ جَمَعَهُمْ وَضَمَّهُمْ . يُقَال : أَحْوَذَ الشَّيْء أَيْ جَمَعَهُ وَضَمَّ بَعْضه إِلَى بَعْض , وَإِذَا جَمَعَهُمْ فَقَدْ غَلَبَهُمْ وَقَوِيّ عَلَيْهِمْ وَأَحَاطَ بِهِمْ . أَيْ أَوَامِره فِي الْعَمَل بِطَاعَتِهِ . وَقِيلَ : زَوَاجِره فِي النَّهْي عَنْ مَعْصِيَته . وَالنِّسْيَان قَدْ يَكُون بِمَعْنَى الْغَفْلَة , وَيَكُون بِمَعْنَى التَّرْك , وَالْوَجْهَانِ مُحْتَمَلَانِ هُنَا . طَائِفَته وَرَهْطه فِي بَيْعهمْ , لِأَنَّهُمْ بَاعُوا الْجَنَّة بِجَهَنَّم , وَبَاعُوا الْهُدَى بِالضَّلَالَةِ .'; $TAFSEER['4']['58']['20'] = 'لَمَّا ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ الْوَاقِفِينَ عِنْد حُدُوده ذَكَرَ الْمُحَادِّينَ الْمُخَالِفِينَ لَهَا . وَالْمُحَادَّة الْمُعَادَاة وَالْمُخَالَفَة فِي الْحُدُود , وَهُوَ مِثْل قَوْله تَعَالَى : " ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّه وَرَسُوله " [ الْأَنْفَال : 13 ] . وَقِيلَ : " يُحَادُّونَ اللَّه " أَيْ أَوْلِيَاء اللَّه كَمَا فِي الْخَبَر : ( مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ ) . وَقَالَ الزَّجَّاج : الْمُحَادَّة أَنْ تَكُون فِي حَدّ يُخَالِف حَدّ صَاحِبك . وَأَصْلهَا الْمُمَانَعَة , وَمِنْهُ الْحَدِيد , وَمِنْهُ الْحَدَّاد لِلْبَوَّابِ . أَيْ مِنْ جُمْلَة الْأَذِلَّاء لَا أَذَلّ مِنْهُمْ'; $TAFSEER['4']['58']['21'] = 'أَيْ قَضَى اللَّه ذَلِكَ . وَقِيلَ : كَتَبَ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ , عَنْ قَتَادَة . الْفَرَّاء : كَتَبَ بِمَعْنَى قَالَ . " أَنَا " تَوْكِيد " وَرُسُلِي " مَنْ بُعِثَ مِنْهُمْ بِالْحَرْبِ فَإِنَّهُ غَالِب بِالْحَرْبِ , وَمَنْ بُعِثَ مِنْهُمْ بِالْحُجَّةِ فَإِنَّهُ غَالِب بِالْحُجَّةِ . قَالَ مُقَاتِل قَالَ الْمُؤْمِنُونَ : لَئِنْ فَتَحَ اللَّه لَنَا مَكَّة وَالطَّائِف وَخَيْبَر وَمَا حَوْلهنَّ رَجَوْنَا أَنْ يُظْهِرنَا اللَّه عَلَى فَارِس وَالرُّوم , فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول : أَتَظُنُّونَ الرُّوم وَفَارِس مِثْل الْقُرَى الَّتِي غَلَبْتُمْ عَلَيْهَا ؟ ! وَاَللَّه إِنَّهُمْ لَأَكْثَر عَدَدًا , وَأَشَدّ بَطْشًا مِنْ أَنْ تَظُنُّوا فِيهِمْ ذَلِكَ , فَنَزَلَتْ : " لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي " . نَظِيره : " وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ . إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنْصُورُونَ . وَإِنَّ جُنْدنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ " [ الصَّافَّات : 171 - 173 ] .'; $TAFSEER['4']['58']['22'] = 'أَيْ يُحِبُّونَ وَيُوَالُونَ لَمَّا ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ الْوَاقِفِينَ عِنْد حُدُوده ذَكَرَ الْمُحَادِّينَ الْمُخَالِفِينَ لَهَا . وَالْمُحَادَّة الْمُعَادَاة وَالْمُخَالَفَة فِي الْحُدُود , وَهُوَ مِثْل قَوْله تَعَالَى : " ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّه وَرَسُوله " [ الْأَنْفَال : 13 ] . وَقِيلَ : " يُحَادُّونَ اللَّه " أَيْ أَوْلِيَاء اللَّه كَمَا فِي الْخَبَر : ( مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ ) . وَقَالَ الزَّجَّاج : الْمُحَادَّة أَنْ تَكُون فِي حَدّ يُخَالِف حَدّ صَاحِبك . وَأَصْلهَا الْمُمَانَعَة , وَمِنْهُ الْحَدِيد , وَمِنْهُ الْحَدَّاد لِلْبَوَّابِ . قَالَ السُّدِّيّ : نَزَلَتْ فِي عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ , جَلَسَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَرِبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاء , فَقَالَ لَهُ : بِاَللَّهِ يَا رَسُول اللَّه مَا أَبْقَيْت مِنْ شَرَابك فَضْلَة أُسْقِيهَا أَبِي , لَعَلَّ اللَّه يُطَهِّر بِهَا قَلْبه ؟ فَأَفْضَلَ لَهُ فَأَتَاهُ بِهَا , فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه : مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : هِيَ فَضْلَة مِنْ شَرَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِئْتُك بِهَا تَشْرَبهَا لَعَلَّ اللَّه يُطَهِّر قَلْبك بِهَا . فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ : فَهَلَّا جِئْتنِي بِبَوْلِ أُمّك فَإِنَّهُ أَطْهَر مِنْهَا . فَغَضِبَ وَجَاءَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه ! أَمَا أَذِنْت لِي فِي قَتْل أَبِي ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَلْ تَرْفُق بِهِ وَتُحْسِن إِلَيْهِ ) . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : حُدِّثْت أَنَّ أَبَا قُحَافَة سَبَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَكَّهُ أَبُو بَكْر اِبْنه صَكَّة فَسَقَطَ مِنْهَا عَلَى وَجْهه , ثُمَّ أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ , فَقَالَ : ( أَوَ فَعَلْته , لَا تَعُدْ إِلَيْهِ ) فَقَالَ : وَالَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَوْ كَانَ السَّيْف مِنِّي قَرِيبًا لِقِتْلَتِهِ . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود : نَزَلَتْ فِي أَبِي عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح , قَتَلَ أَبَاهُ عَبْد اللَّه بْن الْجَرَّاح يَوْم أُحُد وَقِيلَ : يَوْم بَدْر . وَكَانَ الْجَرَّاح يَتَصَدَّى لِأَبِي عُبَيْدَة وَأَبُو عُبَيْدَة يَحِيد عَنْهُ , فَلَمَّا أَكْثَرَ قَصَدَ إِلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَة فَقَتَلَهُ , فَأَنْزَلَ اللَّه حِين قَتَلَ أَبَاهُ : " لَا تَجِد قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر " الْآيَة . قَالَ الْوَاقِدِيّ : كَذَلِكَ يَقُول أَهْل الشَّام . وَلَقَدْ سَأَلْت رِجَالًا مِنْ بَنِي الْحَارِث بْن فِهْر فَقَالُوا : تُوُفِّيَ أَبُوهُ مِنْ قَبْل الْإِسْلَام . " أَوْ أَبْنَاءَهُمْ " يَعْنِي أَبَا بَكْر دَعَا اِبْنه عَبْد اللَّه إِلَى الْبِرَاز يَوْم بَدْر , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَتِّعْنَا بِنَفْسِك يَا أَبَا بَكْر أَمَا تَعْلَم أَنَّك عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ السَّمْع وَالْبَصَر ) . " أَوْ إِخْوَانهمْ " يَعْنِي مُصْعَب بْن عُمَيْر قَتَلَ أَخَاهُ عُبَيْد بْن عُمَيْر يَوْم بَدْر . " أَوْ عَشِيرَتهمْ " يَعْنِي عُمَر بْن الْخَطَّاب قَتَلَ خَاله الْعَاصِ بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَة يَوْم بَدْر , وَعَلِيًّا وَحَمْزَة قَتَلَا عُتْبَة وَشَيْبَة وَالْوَلِيد يَوْم بَدْر . وَقِيلَ : إِنَّ الْآيَة نَزَلَتْ فِي حَاطِب بْن أَبِي بَلْتَعَةَ , لَمَّا كَتَبَ إِلَى أَهْل مَكَّة بِمَسِيرِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام الْفَتْح , عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه أَوَّل سُورَة " الْمُمْتَحَنَة " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . بَيَّنَ أَنَّ الْإِيمَان يَفْسُد بِمُوَالَاةِ الْكُفَّار وَإِنْ كَانُوا أَقَارِب . اِسْتَدَلَّ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه مِنْ هَذِهِ الْآيَة عَلَى مُعَادَاة الْقَدَرِيَّة وَتَرْك مُجَالَسَتهمْ . قَالَ أَشْهَب عَنْ مَالِك : لَا تُجَالِس الْقَدَرِيَّة وَعَادهمْ فِي اللَّه , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " لَا تَجِد قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّه وَرَسُوله " . قُلْت : وَفِي مَعْنَى أَهْل الْقَدَر جَمِيع أَهْل الظُّلْم وَالْعُدْوَان . وَعَنْ الثَّوْرِيّ أَنَّهُ قَالَ : كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَنْ كَانَ يَصْحَب السُّلْطَان . وَعَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي دَاوُد أَنَّهُ لَقِيَ الْمَنْصُور فِي الطَّوَاف فَلَمَّا عَرَفَهُ هَرَبَ مِنْهُ وَتَلَاهَا . وَعَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : ( اللَّهُمَّ لَا تَجْعَل لِفَاجِرٍ عِنْدِي نِعْمَة فَإِنِّي وَجَدْت فِيمَا أَوْحَيْت ) " لَا تَجِد قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر - إِلَى قَوْله - أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبهمْ الْإِيمَان " أَيْ خَلَقَ فِي قُلُوبهمْ التَّصْدِيق , يَعْنِي مَنْ لَمْ يُوَالِ مَنْ حَادَّ اللَّه . وَقِيلَ : كَتَبَ أَثْبَتَ , قَالَهُ الرَّبِيع بْن أَنَس . وَقِيلَ : جَعَلَ , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ " [ آل عِمْرَان : 53 ] أَيْ اِجْعَلْنَا . وَقَوْله : " فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ " [ الْأَعْرَاف : 156 ] وَقِيلَ : " كَتَبَ " أَيْ جَمَعَ , وَمِنْهُ الْكَتِيبَة , أَيْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَقُول نُؤْمِن بِبَعْضٍ وَنَكْفُر بِبَعْضٍ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة بِفَتْحِ الْكَاف مِنْ " كَتَبَ " وَنَصْب النُّون مِنْ " الْإِيمَان " بِمَعْنَى كَتَبَ اللَّه وَهُوَ الْأَجْوَد , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ " وَقَرَأَ أَبُو الْعَالِيَة وَزِرّ بْن حُبَيْش وَالْمُفَضَّل عَنْ عَاصِم " كَتَبَ " عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله " الْإِيمَان " بِرَفْعِ النُّون . وَقَرَأَ زِرّ بْن حُبَيْش " وَعَشِيرَاتهمْ " بِأَلِفٍ وَكَسْر التَّاء عَلَى الْجَمْع , وَرَوَاهَا الْأَعْمَش عَنْ أَبِي بَكْر عَنْ عَاصِم . وَقِيلَ : " كَتَبَ فِي قُلُوبهمْ " أَيْ عَلَى قُلُوبهمْ , كَمَا فِي قَوْله " فِي جُذُوع النَّخْل " [ طَه : 71 ] وَخَصَّ الْقُلُوب بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا مَوْضِع الْإِيمَان . قَوَّاهُمْ وَنَصَرَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ , قَالَ الْحَسَن : وَبِنَصْرٍ مِنْهُ . وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : بِالْقُرْآنِ وَحُجَجه . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : بِنُورٍ وَإِيمَان وَبُرْهَان وَهُدًى . وَقِيلَ : بِرَحْمَةٍ مِنْ اللَّه . وَقَالَ بَعْضهمْ : أَيَّدَهُمْ بِجِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام . أَيْ قَبِلَ أَعْمَالهمْ فَرِحُوا بِمَا أَعْطَاهُمْ قَالَ سَعِيد بْن أَبِي سَعِيد الْجُرْجَانِيّ عَنْ بَعْض مَشَايِخه , قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام : إِلَهِي ! مَنْ حِزْبك وَحَوْل عَرْشك ؟ فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ : " يَا دَاوُد الْغَاضَّة أَبْصَارهمْ , النَّقِيَّة قُلُوبهمْ , السَّلِيمَة أَكُفّهُمْ , أُولَئِكَ حِزْبِي وَحَوْل عَرْشِي " . خُتِمَتْ وَالْحَمْد لِلَّهِ سُورَة ( الْمُجَادَلَة )'; $TAFSEER['4']['59']['1'] = 'رَوَى اِبْن عَبَّاس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَرَأَ سُورَة الْحَشْر لَمْ يَبْقَ شَيْء مِنْ الْجَنَّة وَالنَّار وَالْعَرْش وَالْكُرْسِيّ وَالسَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْهَوَامّ وَالرِّيح وَالسَّحَاب وَالطَّيْر وَالدَّوَابّ وَالشَّجَر وَالْجِبَال وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَالْمَلَائِكَة إِلَّا صَلَّوْا عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرُوا لَهُ . فَإِنْ مَاتَ مِنْ يَوْمه أَوْ لَيْلَته مَاتَ شَهِيدًا ) . خَرَّجَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَخَرَّجَ الثَّعَالِبِيّ عَنْ يَزِيد الرَّقَاشِيّ عَنْ أَنَس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَرَأَ آخِر سُورَة الْحَشْر " لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآن عَلَى جَبَل " [ الْحَشْر : 21 ] - إِلَى آخِرهَا - فَمَاتَ مِنْ لَيْلَته مَاتَ شَهِيدًا ) . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ مَعْقِل بْن يَسَار قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَالَ حِين يُصْبِح ثَلَاث مَرَّات أَعُوذ بِاَللَّهِ السَّمِيع الْعَلِيم مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم وَقَرَأَ ثَلَاث آيَات مِنْ آخِر سُورَة الْحَشْر وَكَّلَ اللَّه بِهِ سَبْعِينَ أَلْف مَلَك يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْسِي وَإِنْ مَاتَ فِي يَوْمه مَاتَ شَهِيدًا وَمَنْ قَرَأَهَا حِين يُمْسِي فَكَذَلِكَ ) . قَالَ : حَدِيث حَسَن غَرِيب . " سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض " أَيْ مَجَّدَ اللَّه وَنَزَّهَهُ عَنْ السُّوء . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : صَلَّى لِلَّهِ " مَا فِي السَّمَوَات " مِمَّنْ خَلَقَ مِنْ الْمَلَائِكَة " وَالْأَرْض " مِنْ شَيْء فِيهِ رُوح أَوْ لَا رُوح فِيهِ . وَقِيلَ : هُوَ تَسْبِيح الدَّلَالَة . وَأَنْكَرَ الزَّجَّاج هَذَا وَقَالَ : لَوْ كَانَ هَذَا تَسْبِيح الدَّلَالَة وَظُهُور آثَار الصَّنْعَة لَكَانَتْ مَفْهُومَة , فَلِمَ قَالَ : " وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحهمْ " [ الْإِسْرَاء : 44 ] وَإِنَّمَا هُوَ تَسْبِيح مُقَال . وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُد الْجِبَال يُسَبِّحْنَ " [ الْأَنْبِيَاء : 79 ] فَلَوْ كَانَ هَذَا تَسْبِيح دَلَالَة فَأَيّ تَخْصِيص لِدَاوُدَ ؟ ! قُلْت : وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الصَّحِيح , وَقَدْ مَضَى بَيَانه وَالْقَوْل فِيهِ فِي " الْإِسْرَاء " عِنْد قَوْله تَعَالَى : " وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلَّا يُسَبِّح بِحَمْدِهِ " [ الْإِسْرَاء : 44 ] مَعْنَاهُ الْمَنِيع الَّذِي لَا يُنَال وَلَا يُغَالَب . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : مَعْنَاهُ الَّذِي لَا يُعْجِزهُ شَيْء ; دَلِيله : " وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعْجِزهُ مِنْ شَيْء فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الْأَرْض " . [ فَاطِر : 44 ] . الْكِسَائِيّ : " الْعَزِيز " الْغَالِب ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَعَزَّنِي فِي الْخِطَاب " [ ص : 23 ] وَفِي الْمَثَل : { مَنْ عَزَّ بَزَّ } أَيْ مَنْ غَلَبَ سَلَبَ . وَقِيلَ : " الْعَزِيز " الَّذِي لَا مِثْل لَهُ ; بَيَانه " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء " [ الشُّورَى : 11 ] . مَعْنَاهُ الْحَاكِم , وَبَيْنهمَا مَزِيد الْمُبَالَغَة . وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْمُحْكِم وَيَجِيء الْحَكِيم عَلَى هَذَا مِنْ صِفَات الْفِعْل , صُرِفَ عَنْ مُفْعِل إِلَى فَعِيل , كَمَا صُرِفَ عَنْ مُسْمِع إِلَى سَمِيع وَمُؤْلِم إِلَى أَلِيم , قَالَهُ اِبْن الْأَنْبَارِيّ . وَقَالَ قَوْم : الْمَانِع مِنْ الْفَسَاد , وَمِنْهُ سُمِّيَتْ حَكَمَة اللِّجَام , لِأَنَّهَا تَمْنَع الْفَرَس مِنْ الْجَرْي وَالذَّهَاب فِي غَيْر قَصْد . قَالَ جَرِير : أَبَنِي حَنِيفَة أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ أَنْ أَغْضَبَا أَيْ اِمْنَعُوهُمْ مِنْ الْفَسَاد . وَقَالَ زُهَيْر : الْقَائِد الْخَيْل مَكْنُوبًا دَوَابِرهَا قَدْ أُحْكِمَتْ حَكَمَات الْقِدّ وَالْأَبَقَا الْقِدّ : الْجِلْد . وَالْأَبَق : الْقُنَّب . وَالْعَرَب تَقُول : أَحْكِمْ الْيَتِيم عَنْ كَذَا وَكَذَا , يُرِيدُونَ مَنْعه . وَالسُّورَة الْمُحْكَمَة : الْمَمْنُوعَة مِنْ التَّغْيِير وَكُلّ التَّبْدِيل , وَأَنْ يَلْحَق بِهَا مَا يَخْرُج عَنْهَا , وَيُزَاد عَلَيْهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا , وَالْحِكْمَة مِنْ هَذَا , لِأَنَّهَا تَمْنَع صَاحِبهَا مِنْ الْجَهْل . وَيُقَال : أَحْكَمَ الشَّيْء إِذَا أَتْقَنَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ الْخُرُوج عَمَّا يُرِيد . فَهُوَ مُحْكَم وَحَكِيم عَلَى التَّكْثِير .'; $TAFSEER['4']['59']['2'] = 'فِيهِ ثَلَاث مَسَائِل : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : " هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْل الْكِتَاب مِنْ دِيَارهمْ " قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : قُلْت لِابْنِ عَبَّاس : سُورَة الْحَشْر ؟ قَالَ : قُلْ سُورَة النَّضِير ; وَهُمْ رَهْط مِنْ الْيَهُود مِنْ ذُرِّيَّة هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام , نَزَلُوا الْمَدِينَة فِي فِتَن بَنِي إِسْرَائِيل اِنْتِظَارًا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ مِنْ أَمْرهمْ مَا نَصَّ اللَّه عَلَيْهِ . الثَّانِيَة : قَوْله تَعَالَى : " لِأَوَّلِ الْحَشْر " الْحَشْر الْجَمْع ; وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَة أَوْجُه : حَشْرَانِ فِي الدُّنْيَا وَحَشْرَانِ فِي الْآخِرَة ; أَمَّا الَّذِي فِي الدُّنْيَا فَقَوْله تَعَالَى : " هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْل الْكِتَاب مِنْ دِيَارهمْ لِأَوَّلِ الْحَشْر " قَالَ الزُّهْرِيّ : كَانُوا مِنْ سَبْط لَمْ يُصِبْهُمْ جَلَاء , وَكَانَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ كَتَبَ عَلَيْهِمْ الْجَلَاء ; فَلَوْلَا ذَلِكَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَكَانَ أَوَّل حَشْر حُشِرُوا فِي الدُّنْيَا إِلَى الشَّام . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة : مَنْ شَكَّ أَنَّ الْمَحْشَر فِي الشَّام فَلْيَقْرَأْ هَذِهِ الْآيَة , وَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ : ( اُخْرُجُوا ) قَالُوا إِلَى أَيْنَ ؟ قَالَ : ( إِلَى أَرْض الْمَحْشَر ) . قَالَ قَتَادَة : هَذَا أَوَّل الْمَحْشَر . قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُمْ أَوَّل مَنْ حُشِرَ مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَأُخْرِجَ مِنْ دِيَاره . وَقِيلَ : إِنَّهُمْ أُخْرِجُوا إِلَى خَيْبَر , وَأَنَّ مَعْنَى " لِأَوَّلِ الْحَشْر " إِخْرَاجهمْ مِنْ حُصُونهمْ إِلَى خَيْبَر , وَآخِره إِخْرَاج عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِيَّاهُمْ مِنْ خَيْبَر إِلَى نَجْد وَأَذْرِعَات . وَقِيلَ تَيْمَاء وَأَرِيحَاء , وَذَلِكَ بِكُفْرِهِمْ وَنَقْضِ عَهْدهمْ . وَأَمَّا الْحَشْر الثَّانِي : فَحَشْرهمْ قُرْب الْقِيَامَة . قَالَ قَتَادَة : تَأْتِي نَار تَحْشُر النَّاس مِنْ الْمَشْرِق إِلَى الْمَغْرِب , تَبِيت مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا , وَتَقِيل مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا , وَتَأْكُل مِنْهُمْ مَنْ تَخَلَّفَ . وَهَذَا ثَابِت فِي الصَّحِيح , وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي ( كِتَاب التَّذْكِرَة ) . وَنَحْوه رَوَى اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك قَالَ : قُلْت لِمَالِكٍ هُوَ جَلَاؤُهُمْ مِنْ دِيَارهمْ ؟ فَقَالَ لِي : الْحَشْر يَوْم الْقِيَامَة حَشْر الْيَهُود . قَالَ : وَأَجْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُود إِلَى خَيْبَر حِين سُئِلُوا عَنْ الْمَال فَكَتَمُوهُ ; فَاسْتَحَلَّهُمْ بِذَلِكَ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : لِلْحَشْرِ أَوَّل وَوَسَط وَآخِر ; فَالْأَوَّل إِجْلَاء بَنِي النَّضِير , وَالْأَوْسَط إِجْلَاء خَيْبَر , وَالْآخِر حَشْر يَوْم الْقِيَامَة . وَعَنْ الْحَسَن : هُمْ بَنُو قُرَيْظَة . وَخَالَفَهُ بَقِيَّة الْمُفَسِّرِينَ وَقَالُوا : بَنُو قُرَيْظَة مَا حُشِرُوا وَلَكِنَّهُمْ قُتِلُوا . حَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ . الثَّالِثَة : قَالَ إِلْكِيَا الطَّبَرِيّ : وَمُصَالَحَة أَهْل الْحَرْب عَلَى الْجَلَاء مِنْ دِيَارهمْ مِنْ غَيْر شَيْء لَا يَجُوز الْآن , وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّل الْإِسْلَام ثُمَّ نُسِخَ . وَالْآن فَلَا بُدّ مِنْ قِتَالهمْ أَوْ سَبْيهمْ أَوْ ضَرْب الْجِزْيَة عَلَيْهِمْ . يُرِيد لِعِظَمِ أَمْر الْيَهُود وَمَنَعَتهمْ وَقُوَّتهمْ فِي صُدُور الْمُسْلِمِينَ , وَاجْتِمَاع كَلِمَتهمْ . قِيلَ : هِيَ الْوَطِيح وَالنَّطَاة وَالسُّلَالِم وَالْكَتِيبَة . أَيْ مِنْ أَمْره . وَكَانُوا أَهْل حَلْقَة - أَيْ سِلَاح كَثِير - وَحُصُون مَنِيعَة ; فَلَمْ يَمْنَعهُمْ شَيْء مِنْهَا . أَيْ أَمْره وَعَذَابه . أَيْ لَمْ يَظُنُّوا . وَقِيلَ : مِنْ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمُوا . وَقِيلَ : " مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا " بِقَتْلِ كَعْب بْن الْأَشْرَف ; قَالَ اِبْن جُرَيْج وَالسُّدِّيّ وَأَبُو صَالِح . بِقَتْلِ سَيِّدهمْ كَعْب بْن الْأَشْرَف ; وَكَانَ الَّذِي قَتَلَهُ هُوَ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَة وَأَبُو نَائِلَة سِلْكَان بْن سَلَامَة بْن وَقْش - وَكَانَ أَخَا كَعْب بْن الْأَشْرَف مِنْ الرَّضَاعَة - وَعَبَّاد بْن بِشْر بْن وَقْش , وَالْحَارِث بْن أَوْس بْن مُعَاذ , وَأَبُو عَبْس بْن جَبْر . وَخَبَره مَشْهُور فِي السِّيرَة . وَفِي الصَّحِيح أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( نُصِرْت بِالرُّعْبِ بَيْن يَدَيْ مَسِيرَة شَهْر ) فَكَيْفَ لَا يُنْصَر بِهِ مَسِيرَة مِيل مِنْ الْمَدِينَة إِلَى مَحَلَّة بَنِي النَّضِير . وَهَذِهِ خِصِّيصَى لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُون غَيْره . قِرَاءَة الْعَامَّة بِالتَّخْفِيفِ مِنْ أَخْرَبَ ; أَيْ يَهْدِمُونَ . وَقَرَأَ السُّلَمِيّ وَالْحَسَن وَنَصْر بْن عَاصِم وَأَبُو الْعَالِيَة وَقَتَادَة وَأَبُو عَمْرو " يُخْرِبُونَ " بِالتَّشْدِيدِ مِنْ التَّخْرِيب . قَالَ أَبُو عَمْرو : إِنَّمَا اِخْتَرْت التَّشْدِيد لِأَنَّ الْإِخْرَاب تَرْك الشَّيْء خَرَابًا بِغَيْرِ سَاكِن , وَبَنُو النَّضْر لَمْ يَتْرُكُوهَا خَرَابًا وَإِنَّمَا خَرَّبُوهَا بِالْهَدْمِ ; وَقَالَ آخَرُونَ : التَّخْرِيب وَالْإِخْرَاب بِمَعْنًى وَاحِد , وَالتَّشْدِيد بِمَعْنَى التَّكْثِير . وَحَكَى سِيبَوَيْهِ : أَنَّ مَعْنَى فَعَّلْت وَأَفْعَلْت يَتَعَاقَبَانِ ; نَحْو أَخْرَبْته وَخَرَّبْته وَأَفْرَحْته وَفَرَّحْته . وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم الْأُولَى . قَالَ قَتَادَة وَالضَّحَّاك : كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يُخَرِّبُونَ مِنْ خَارِج لِيَدْخُلُوا , وَالْيَهُود يُخَرِّبُونَ مِنْ دَاخِل لِيَبْنُوا بِهِ مَا خَرِبَ مِنْ حِصْنهمْ . فَرُوِيَ أَنَّهُمْ صَالَحُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَلَّا يَكُونُوا عَلَيْهِ وَلَا لَهُ ; فَلَمَّا ظَهَرَ يَوْم بَدْر قَالُوا : هُوَ النَّبِيّ الَّذِي نُعِتَ فِي التَّوْرَاة , فَلَا تَرِد لَهُ رَايَة . فَلَمَّا هُزِمَ الْمُسْلِمُونَ يَوْم أُحُد اِرْتَابُوا وَنَكَثُوا , فَخَرَجَ كَعْب بْن الْأَشْرَف فِي أَرْبَعِينَ رَاكِبًا إِلَى مَكَّة , فَخَالَفُوا عَلَيْهِ قُرَيْشًا عِنْد الْكَعْبَة , فَأَمَرَ عَلَيْهِ السَّلَام مُحَمَّد بْن مَسْلَمَة الْأَنْصَارِيّ فَقُتِلَ كَعْبًا غِيلَة ثُمَّ صَبَّحَهُمْ بِالْكَتَائِبِ ; فَقَالَ لَهُمْ . اُخْرُجُوا مِنْ الْمَدِينَة . فَقَالُوا : الْمَوْت أَحَبّ إِلَيْنَا مِنْ ذَلِكَ ; فَتَنَادَوْا بِالْحَرْبِ . وَقِيلَ : اِسْتَمْهَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَة أَيَّام لِيَتَجَهَّزُوا لِلْخُرُوجِ , فَدَسَّ إِلَيْهِمْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ الْمُنَافِق وَأَصْحَابه لَا تَخْرُجُوا مِنْ الْحِصْن , فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَنَحْنُ مَعَكُمْ لَا نَخْذُلكُمْ , وَلَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ . فَدُرِّبُوا عَلَى الْأَزِقَّة وَحَصَّنُوهَا إِحْدَى وَعِشْرِينَ لَيْلَة , فَلَمَّا قَذَفَ اللَّه فِي قُلُوبهمْ الرُّعْب وَأَيِسُوا مِنْ نَصْر الْمُنَافِقِينَ طَلَبُوا الصُّلْح ; فَأَبَى عَلَيْهِمْ إِلَّا الْجَلَاء ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه . وَقَالَ الزُّهْرِيّ وَابْن زَيْد وَعُرْوَة بْن الزُّبَيْر : لَمَّا صَالَحَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا أَقَلَّتْ الْإِبِل ; كَانُوا يَسْتَحْسِنُونَ الْخَشَبَة وَالْعَمُود فَيَهْدِمُونَ بُيُوتهمْ وَيَحْمِلُونَ ذَلِكَ عَلَى إِبِلهمْ وَيُخَرِّب الْمُؤْمِنُونَ بَاقِيهَا . وَعَنْ اِبْن زَيْد أَيْضًا : كَانُوا يُخَرِّبُونَهَا لِئَلَّا يَسْكُنهَا الْمُسْلِمُونَ بَعْدهمْ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانُوا كُلَّمَا ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى دَار مِنْ دُورهمْ هَدَمُوهَا لِيَتَّسِع مَوْضِع الْقِتَال , وَهُمْ يَنْقُبُونَ دُورهمْ مِنْ أَدْبَارهَا إِلَى الَّتِي بَعْدهَا لِيَتَحَصَّنُوا فِيهَا , وَيَرْمُوا بِاَلَّتِي أَخْرَجُوا مِنْهَا الْمُسْلِمِينَ . وَقِيلَ : لِيَسُدُّوا بِهَا أَزِقَّتهمْ . وَقَالَ عِكْرِمَة " بِأَيْدِيهِمْ " فِي إِخْرَاب دَوَاخِلهَا وَمَا فِيهَا لِئَلَّا يَأْخُذهُ الْمُسْلِمُونَ . و " أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ " فِي إِخْرَاب ظَاهِرهَا لِيَصِلُوا بِذَلِكَ إِلَيْهِمْ . قَالَ عِكْرِمَة : كَانَتْ مَنَازِلهمْ مُزَخْرَفَة فَحَسَدُوا الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْكُنُوهَا " فَخَرَّبُوهَا مِنْ دَاخِل وَخَرَّبَهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ خَارِج . وَقِيلَ : " يُخْرِبُونَ بُيُوتهمْ " بِنَقْضِ الْمُوَاعَدَة " وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ " بِالْمُقَاتَلَةِ ; قَالَهُ الزُّهْرِيّ أَيْضًا . وَقَالَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء " بِأَيْدِيهِمْ " فِي تَرْكهمْ لَهَا . و " أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ " فِي إِجْلَائِهِمْ عَنْهَا . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : التَّنَاوُل لِلْإِفْسَادِ إِذَا كَانَ بِالْيَدِ كَانَ حَقِيقَة , وَإِذَا كَانَ بِنَقْضِ الْعَهْد كَانَ مَجَازًا ; إِلَّا أَنَّ قَوْل الزُّهْرِيّ فِي الْمَجَاز أَمْثَل مِنْ قَوْل أَبِي عَمْرو بْن الْعَلَاء . أَيْ اِتَّعِظُوا يَا أَصْحَاب الْعُقُول وَالْأَلْبَاب . وَقِيلَ : يَا مَنْ عَايَنَ ذَلِكَ بِبَصَرِهِ ; فَهُوَ جَمْع لِلْبَصَرِ . وَمِنْ جُمْلَة الِاعْتِبَار هُنَا أَنَّهُمْ اِعْتَصَمُوا بِالْحُصُونِ مِنْ اللَّه فَأَنْزَلَهُمْ اللَّه مِنْهَا . وَمِنْ وُجُوهه : أَنَّهُ سَلَّطَ عَلَيْهِمْ مَنْ كَانَ يَنْصُرهُمْ . وَمِنْ وُجُوهه أَيْضًا : أَنَّهُمْ هَدَمُوا أَمْوَالهمْ بِأَيْدِيهِمْ . وَمَنْ لَمْ يَعْتَبِر بِغَيْرِهِ اُعْتُبِرَ فِي نَفْسه . وَفِي الْأَمْثَال الصَّحِيحَة : " السَّعِيد مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ " .'; $TAFSEER['4']['59']['3'] = 'أَيْ لَوْلَا أَنَّهُ قَضَى أَنَّهُ سَيُجْلِيهِمْ عَنْ دَارهمْ وَأَنَّهُمْ يَبْقَوْنَ مُدَّة فَيُؤْمِن بَعْضهمْ وَيُولَد لَهُمْ مَنْ يُؤْمِن . أَيْ بِالْقَتْلِ وَالسَّبْي كَمَا فَعَلَ بِبَنِي قُرَيْظَة . وَالْجَلَاء مُفَارَقَة الْوَطَن يُقَال : جَلَّا بِنَفْسِهِ جَلَاء , وَأَجْلَاهُ غَيْره إِجْلَاء . وَالْفَرْق بَيْن الْجَلَاء وَالْإِخْرَاج وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُمَا فِي الْإِبْعَاد وَاحِدًا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّ الْجَلَاء مَا كَانَ مَعَ الْأَهْل وَالْوَلَد , وَالْإِخْرَاج قَدْ يَكُون مَعَ بَقَاء الْأَهْل وَالْوَلَد . الثَّانِي : أَنَّ الْجَلَاء لَا يَكُون إِلَّا لِجَمَاعَةٍ , وَالْإِخْرَاج يَكُون لِوَاحِدٍ وَلِجَمَاعَةٍ ; قَالَهُ الْمَاوَرْدِيّ .'; $TAFSEER['4']['59']['4'] = 'أَيْ ذَلِكَ الْجَلَاء أَيْ عَادُوهُ وَخَالَفُوا أَمْره . قَرَأَ طَلْحَة بْن مُصَرِّف وَمُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع " وَمَنْ يُشَاقِقْ اللَّه " بِإِظْهَارِ التَّضْعِيف كَاَلَّتِي فِي " الْأَنْفَال " , وَأَدْغَمَ الْبَاقُونَ .'; $TAFSEER['4']['59']['5'] = 'فِيهِ خَمْس مَسَائِل : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : " مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَة " " مَا " فِي مَحَلّ نَصْب ب " قَطَعْتُمْ " ; كَأَنَّهُ قَالَ : أَيّ شَيْء قَطَعْتُمْ . وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ عَلَى حُصُون بَنِي النَّضِير - وَهِيَ الْبُوَيْرَة - حِين نَقَضُوا الْعَهْد بِمَعُونَةِ قُرَيْش عَلَيْهِ يَوْم أُحُد , أَمَرَ بِقَطْعِ نَخِيلهمْ وَإِحْرَاقهَا . وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَد ذَلِكَ ; فَقَالَ قَتَادَة وَالضَّحَّاك : إِنَّهُمْ قَطَعُوا مِنْ نَخِيلهمْ وَأَحْرَقُوا سِتّ نَخَلَات . وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : إِنَّهُمْ قَطَعُوا نَخْلَة وَأَحْرَقُوا نَخْلَة . وَكَانَ ذَلِكَ عَنْ إِقْرَار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بِأَمْرِهِ ; إِمَّا لِإِضْعَافِهِمْ بِهَا وَإِمَّا لِسَعَةِ الْمَكَان بِقَطْعِهَا . فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا وَهُمْ يَهُود أَهْل الْكِتَاب : يَا مُحَمَّد , أَلَسْت تَزْعُم أَنَّك نَبِيّ تُرِيد الصَّلَاح , أَفَمِنْ الصَّلَاح قَطْع النَّخْل وَحَرْق الشَّجَر ؟ وَهَلْ وَجَدْت فِيمَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْك إِبَاحَة الْفَسَاد فِي الْأَرْض ؟ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَوَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ فِي أَنْفُسهمْ حَتَّى اِخْتَلَفُوا ; فَقَالَ بَعْضهمْ : لَا تَقْطَعُوا مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَيْنَا . وَقَالَ بَعْضهمْ : اقْطَعُوا لِنَغِيظَهُمْ بِذَلِكَ . فَنَزَلَتْ الْآيَة بِتَصْدِيقِ مَنْ نَهَى عَنْ الْقَطْع وَتَحْلِيل مَنْ قَطَعَ مِنْ الْإِثْم , وَأَخْبَرَ أَنَّ قَطْعه وَتَرْكه بِإِذْنِ اللَّه . وَقَالَ شَاعِرهمْ سِمَاك الْيَهُودِيّ فِي ذَلِكَ : أَلَسْنَا وِرْثنَا الْكِتَاب الْحَكِيم عَلَى عَهْد مُوسَى وَلَمْ نَصْدِف وَأَنْتُمْ رِعَاء لِشَاءٍ عِجَاف بِسَهْلِ تِهَامَة وَالْأَخْيَف تَرَوْنَ الرِّعَايَة مَجْدًا لَكُمْ لَدَى كُلّ دَهْر لَكُمْ مُجْحِف فَيَا أَيّهَا الشَّاهِدُونَ اِنْتَهُوا عَنْ الظُّلْم وَالْمَنْطِق الْمُؤْنِف لَعَلَّ اللَّيَالِي وَصَرْف الدُّهُور يُدِلْنَ مَنْ الْعَادِل الْمُنْصِف بِقَتْلِ النَّضِير وَإِجْلَائِهَا وَعَقْر النَّخِيل وَلَمْ تُقْطِف فَأَجَابَهُ حَسَّان بْن ثَابِت : تَفَاقَدَ مَعْشَرٌ نَصَرُوا قُرَيْشًا وَلَيْسَ لَهُمْ بِبَلْدَتِهِمْ نَصِير هُمُوا أُوتُوا الْكِتَاب فَضَيَّعُوهُ وَهُمْ عُمْي عَنْ التَّوْرَاة بُور كَفَرْتُمْ بِالْقُرَانِ وَقَدْ أَبَيْتُمْ بِتَصْدِيقِ الَّذِي قَالَ النَّذِير وَهَانَ عَلَى سَرَاة بَنِي لُؤَيّ حَرِيق بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِير فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَان بْن الْحَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِب : أَدَامَ اللَّه ذَلِكَ مِنْ صَنِيع وَحَرَّقَ فِي نَوَاحِيهَا السَّعِير سَتَعْلَمُ أَيّنَا مِنْهَا بِنُزْهٍ وَتَعْلَم أَيَّ أَرْضَيْنَا تَصِير فَلَوْ كَانَ النَّخِيل بِهَا رِكَابًا لَقَالُوا لَا مُقَام لَكُمْ فَسِيرُوا الثَّانِيَة : كَانَ خُرُوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فِي رَبِيع الْأَوَّل أَوَّل السَّنَة الرَّابِعَة مِنْ الْهِجْرَة , وَتَحَصَّنُوا مِنْهُ فِي الْحُصُون , وَأَمَرَ بِقَطْعِ النَّخْل وَإِحْرَاقهَا , وَحِينَئِذٍ نَزَلَ تَحْرِيم الْخَمْر . وَدَسَّ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُنَافِقِينَ إِلَى بَنِي النَّضِير : إِنَّا مَعَكُمْ , وَإِنْ قُوتِلْتُمْ قَاتَلْنَا مَعَكُمْ , وَإِنْ أُخْرِجْتُمْ خَرَجْنَا مَعَكُمْ ; فَاغْتَرُّوا بِذَلِكَ . فَلَمَّا جَاءَتْ الْحَقِيقَة خَذَلُوهُمْ وَأَسْلَمُوهُمْ وَأَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ , وَسَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُفّ عَنْ دِمَائِهِمْ وَيُجْلِيهِمْ ; عَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا حَمَلَتْ الْإِبِل مِنْ أَمْوَالهمْ إِلَّا السِّلَاح , فَاحْتَمَلُوا كَذَلِكَ إِلَى خَيْبَر , وَمِنْهُمْ مَنْ سَارَ إِلَى الشَّام . وَكَانَ مِمَّنْ سَارَ مِنْهُمْ إِلَى خَيْبَر أَكَابِرهمْ ; كَحُيَيّ بْن أَخْطَب , وَسَلَّام بْن أَبِي الْحُقَيْق , وَكِنَانَة بْن الرَّبِيع . فَدَانَتْ لَهُمْ خَيْبَر . الثَّالِثَة : ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ نَخْل بَنِي النَّضِير وَحَرَّقَ . وَلَهَا يَقُول حَسَّان : وَهَانَ عَلَى سَرَاة بَنِي لُؤَيّ حَرِيق بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِير وَفِي ذَلِكَ نَزَلَتْ : " مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَة " الْآيَة . وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي تَخْرِيب دَار الْعَدُوّ وَتَحْرِيقهَا وَقَطْع ثِمَارهَا عَلَى قَوْلَيْنِ : الْأَوَّل : أَنَّ ذَلِكَ جَائِز ; قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَة . الثَّانِي : إِنْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ ذَلِكَ لَهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا , وَإِنْ يَئِسُوا فَعَلُوا ; قَالَهُ مَالِك فِي الْوَاضِحَة . وَعَلَيْهِ يُنَاظِر أَصْحَاب الشَّافِعِيّ . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَالصَّحِيح الْأَوَّل . وَقَدْ عَلِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ نَخْل بَنِي النَّضِير لَهُ ; وَلَكِنَّهُ قَطَعَ وَحَرَّقَ لِيَكُونَ ذَلِكَ نِكَايَة لَهُمْ وَوَهْنًا فِيهِمْ حَتَّى يَخْرُجُوا عَنْهَا . وَإِتْلَاف بَعْض الْمَال لِصَلَاحِ بَاقِيه مَصْلَحَة جَائِزَة شَرْعًا , مَقْصُودَة عَقْلًا . الرَّابِعَة : قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : إِنَّ فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيلًا عَلَى أَنَّ كُلّ مُجْتَهِد مُصِيب . وَقَالَهُ إِلْكِيَا الطَّبَرِيّ قَالَ : وَإِنْ كَانَ الِاجْتِهَاد يَبْعُد فِي مِثْله مَعَ وُجُود النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن أَظْهُرهمْ , وَلَا شَكَّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى ذَلِكَ وَسَكَتَ ; فَتَلَقَّوْا الْحُكْم مِنْ تَقْرِيره فَقَطْ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا بَاطِل ; لِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَعَهُمْ , وَلَا اِجْتِهَاد مَعَ حُضُور رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِنَّمَا يَدُلّ عَلَى اِجْتِهَاد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا لَمْ يَنْزِل عَلَيْهِ ; أَخْذًا بِعُمُومِ الْأَذِيَّة لَلْكُفَّار , وَدُخُولًا فِي الْإِذْن لِلْكُلِّ لِمَا يَقْضِي عَلَيْهِمْ بِالِاجْتِيَاحِ وَالْبَوَار ; وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ " . الْخَامِسَة : اُخْتُلِفَ فِي اللِّينَة مَا هِيَ ; عَلَى أَقْوَال عَشَرَة : الْأَوَّل : النَّخْل كُلّه إِلَّا الْعَجْوَة ; قَالَهُ الزُّهْرِيّ وَمَالِك وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَعِكْرِمَة وَالْخَلِيل . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَالْحَسَن : أَنَّهَا النَّخْل كُلّه , وَلَمْ يَسْتَثْنُوا عَجْوَة وَلَا غَيْرهَا . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : أَنَّهَا لَوْن مِنْ النَّخْل . وَعَنْ الثَّوْرِيّ : أَنَّهَا كِرَام النَّخْل . وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَة : أَنَّهَا جَمِيع أَلْوَان التَّمْر سِوَى الْعَجْوَة وَالْبَرْنِيّ . وَقَالَ جَعْفَر بْن مُحَمَّد : إِنَّهَا الْعَجْوَة خَاصَّة . وَذُكِرَ أَنَّ الْعَتِيق وَالْعَجْوَة كَانَتَا مَعَ نُوح عَلَيْهِ السَّلَام فِي السَّفِينَة . وَالْعَتِيق : الْفَحْل . وَكَانَتْ الْعَجْوَة أَصْل الْإِنَاث كُلّهَا فَلِذَلِكَ شَقَّ عَلَى الْيَهُود قَطْعهَا ; حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقِيلَ : هِيَ ضَرْب مِنْ النَّخْل يُقَال لِتَمْرِهِ : اللَّوْن , تَمْره أَجْوَد التَّمْر , وَهُوَ شَدِيد الصُّفْرَة , يُرَى نَوَاهُ مِنْ خَارِجه وَيَغِيب فِيهِ الضِّرْس ; النَّخْلَة مِنْهَا أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنْ وَصِيف . وَقِيلَ : هِيَ النَّخْلَة الْقَرِيبَة مِنْ الْأَرْض . وَأَنْشَدَ الْأَخْفَش . قَدْ شَجَانِي الْحَمَام حِين تَغَنَّى بِفِرَاقِ الْأَحْبَاب مِنْ فَوْق لِينَهْ وَقِيلَ : إِنَّ اللِّينَة الْفَسِيلَة ; لِأَنَّهَا أَلْيَن مِنْ النَّخْلَة . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : غَرَسُوا لِينهَا بِمَجْرَى مَعِين ثُمَّ حَفُّوا النَّخِيل بِالْآجَامِ وَقِيلَ : إِنَّ اللِّينَة الْأَشْجَار كُلّهَا لِلِينِهَا بِالْحَيَاةِ ; قَالَ ذُو الرِّمَّة : طِرَاق الْخَوَافِي وَاقِع فَوْق لِينَة نَدَى لَيْله فِي رِيشه يَتَرَقْرَق وَالْقَوْل الْعَاشِر : أَنَّهَا الدَّقَل ; قَالَهُ الْأَصْمَعِيّ . قَالَ : وَأَهْل الْمَدِينَة يَقُولُونَ لَا تَنْتَفِخ الْمَوَائِد حَتَّى تُوجَد الْأَلْوَان ; يَعْنُونَ الدَّقَل . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَالصَّحِيح مَا قَالَهُ الزُّهْرِيّ وَمَالِك لِوَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُمَا أَعْرَف بِبَلَدِهِمَا وَأَشْجَارهمَا . الثَّانِي : أَنَّ الِاشْتِقَاق يَعْضُدهُ , وَأَهْل اللُّغَة يُصَحِّحُونَهُ ; فَإِنَّ اللِّينَة وَزْنهَا لُونَة , وَاعْتَلَّتْ عَلَى أُصُولهمْ فَآلَتْ إِلَى لِينَة فَهِيَ لَوْن , فَإِذَا دَخَلَتْ الْهَاء كُسِرَ أَوَّلهَا ; كَبَرْك الصَّدْر ( بِفَتْحِ الْبَاء ) وَبِرْكه ( بِكَسْرِهَا ) لِأَجْلِ الْهَاء . وَقِيلَ لِينَة أَصْلهَا لِوْنَة فَقُلِبَتْ الْوَاو يَاء لِانْكِسَارِ مَا قَبْلهَا . وَجَمْع اللِّينَة لِين . وَقِيلَ : لِيَان ; قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس يَصِف عُنُق فَرَسه : وَسَالِفَة كَسَحُوقِ اللِّيَا نِ أَضْرَمَ فِيهَا الْغَوِيّ السُّعُر وَقَالَ الْأَخْفَش : إِنَّمَا سُمِّيَتْ لِينَة اِشْتِقَاقًا مِنْ اللَّوْن لَا مِنْ اللَّيْن . الْمَهْدَوِيّ : وَاخْتُلِفَ فِي اِشْتِقَاقهَا ; فَقِيلَ : هِيَ مِنْ اللَّوْن وَأَصْلهَا لُونَة . وَقِيلَ : أَصْلهَا لِينَة مِنْ لَانَ يَلِين . وَقَرَأَ عَبْد اللَّه " مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَة وَلَا تَرَكْتُمْ قَوْمَاء عَلَى أُصُولهَا " أَيْ قَائِمَة عَلَى سُوقهَا . وَقَرَأَ الْأَعْمَش " مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَة أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قُوَّمًا عَلَى أُصُولهَا " الْمَعْنَى لَمْ تَقْطَعُوهَا . وَقُرِئَ " قَوْمَاء عَلَى أُصُلهَا " . وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ جَمْع أَصْل ; كَرَهْنٍ وَرُهُن . وَالثَّانِي : اُكْتُفِيَ فِيهِ بِالضَّمَّةِ عَنْ الْوَاو . وَقُرِئَ " قَائِمًا عَلَى أُصُوله " ذَهَابًا إِلَى لَفْظ " مَا " . " فَبِإِذْنِ اللَّه " أَيْ بِأَمْرِهِ " وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ " أَيْ لِيُذِلّ الْيَهُود الْكُفَّار بِهِ وَبِنَبِيِّهِ وَكُتُبه .'; $TAFSEER['4']['59']['6'] = 'هَذِهِ الْآيَة وَاَلَّتِي بَعْدهَا إِلَى قَوْله " شَدِيد الْعِقَاب " قَوْله تَعَالَى : " وَمَا أَفَاءَ اللَّه " يَعْنِي مَا رَدَّهُ اللَّه تَعَالَى " عَلَى رَسُوله " مِنْ أَمْوَال بَنِي النَّضِير . " فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ " أَوْضَعْتُمْ عَلَيْهِ . وَالْإِيجَاف : الْإِيضَاع فِي السَّيْر وَهُوَ الْإِسْرَاع ; يُقَال : وَجَفَ الْفَرَس إِذَا أَسْرَعَ , وَأَوْجَفْته أَنَا أَيْ حَرَّكْته وَأَتْعَبْته ; وَمِنْهُ قَوْل تَمِيم بْن مُقْبِل : مَذَاوِيد بِالْبِيضِ الْحَدِيث صِقَالهَا عَنْ الرَّكْب أَحْيَانًا إِذَا الرَّكْب أَوْجَفُوا وَالرِّكَاب الْإِبِل , وَاحِدهَا رَاحِلَة . يَقُول : لَمْ تَقْطَعُوا إِلَيْهَا شُقَّة وَلَا لَقِيتُمْ بِهَا حَرْبًا وَلَا مَشَقَّة ; وَإِنَّمَا كَانَتْ مِنْ الْمَدِينَة عَلَى مِيلَيْنِ ; قَالَهُ الْفَرَّاء . فَمَشَوْا إِلَيْهَا مَشْيًا وَلَمْ يَرْكَبُوا خَيْلًا وَلَا إِبِلًا ; إِلَّا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ رَكِبَ جَمَلًا وَقِيلَ حِمَارًا مَخْطُومًا بِلِيفٍ , فَافْتَتَحَهَا صُلْحًا وَأَجْلَاهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالهمْ . فَسَأَلَ الْمُسْلِمُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْسِم لَهُمْ فَنَزَلَتْ : " وَمَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ " الْآيَة . فَجَعَلَ أَمْوَال بَنِي النَّضِير لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة يَضَعهَا حَيْثُ شَاءَ ; فَقَسَمَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن الْمُهَاجِرِينَ . قَالَ الْوَاقِدِيّ : وَرَوَاهُ اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك ; وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَار مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا ثَلَاثَة نَفَر مُحْتَاجِينَ ; مِنْهُمْ أَبُو دُجَانَة سِمَاك بْن خَرَشَة , وَسَهْل بْن حُنَيْف , وَالْحَارِث بْن الصِّمَّة . وَقِيلَ : إِنَّمَا أَعْطَى رَجُلَيْنِ , سَهْلًا وَأَبَا دُجَانَة . وَيُقَال : أَعْطَى سَعْد بْن مُعَاذ سَيْف ابْن أَبِي الْحُقَيْق , وَكَانَ سَيْفًا لَهُ ذُكِرَ عِنْدهمْ . وَلَمْ يُسْلِم مِنْ بَنِي النَّضِير إِلَّا رَجُلَانِ : سُفْيَان بْن عُمَيْر , وَسَعْد بْن وَهْب ; أَسْلَمَا عَلَى أَمْوَالهمَا فَأَحْرَزَاهَا . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عُمَر قَالَ : كَانَتْ أَمْوَال بَنِي النَّضِير مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِمَّا لَمْ يُوجِف عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَاب , وَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة , فَكَانَ يُنْفِق عَلَى أَهْله نَفَقَة سَنَة , وَمَا بَقِيَ يَجْعَلهُ فِي الْكُرَاع وَالسِّلَاح عُدَّة فِي سَبِيل اللَّه تَعَالَى . وَقَالَ الْعَبَّاس لِعُمَر - رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا - : اِقْضِ بَيْنِي وَبَيْن هَذَا الْكَاذِب الْآثِم الْغَادِر الْخَائِن - يَعْنِي عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - فِيمَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْ أَمْوَال بَنِي النَّضِير . فَقَالَ عُمَر : أَتَعْلَمَانِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا نُورَث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة ) قَالَا نَعَمْ . قَالَ عُمَر : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كَانَ خَصَّ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَاصَّةٍ وَلَمْ يُخَصِّص بِهَا أَحَدًا غَيْره . قَالَ : " مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْ أَهْل الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ " ( مَا أَدْرِي هَلْ قَرَأَ الْآيَة الَّتِي قَبْلهَا أَمْ لَا ) فَقَسَمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنكُمْ أَمْوَال بَنِي النَّضِير , فَوَاَللَّهِ مَا اِسْتَأْثَرَهَا عَلَيْكُمْ وَلَا أَخَذَهَا دُونكُمْ حَتَّى بَقِيَ هَذَا الْمَال ; فَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذ مِنْهُ نَفَقَة سَنَة , ثُمَّ يَجْعَل مَا بَقِيَ أُسْوَة الْمَال ... الْحَدِيث بِطُولِهِ , خَرَّجَهُ مُسْلِم . وَقِيلَ : لَمَّا تَرَكَ بَنُو النَّضِير دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ طَلَبَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَكُون لَهُمْ فِيهَا حَظّ كَالْغَنَائِمِ ; فَبَيَّنَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهَا فَيْء وَكَانَ جَرَى ثَمَّ بَعْض الْقِتَال ; لِأَنَّهُمْ حُوصِرُوا أَيَّامًا وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا , ثُمَّ صَالَحُوا عَلَى الْجَلَاء . وَلَمْ يَكُنْ قِتَال عَلَى التَّحْقِيق ; بَلْ جَرَى مَبَادِئ الْقِتَال وَجَرَى الْحِصَار , وَخَصَّ اللَّه تِلْكَ الْأَمْوَال بِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ مُجَاهِد : أَعْلَمَهُمْ اللَّه تَعَالَى وَذَكَّرَهُمْ أَنَّهُ إِنَّمَا نَصَرَ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَصَرَهُمْ بِغَيْرِ كُرَاع وَلَا عُدَّة . " وَلَكِنَّ اللَّه يُسَلِّط رُسُله عَلَى مَنْ يَشَاء " أَيْ مِنْ أَعْدَائِهِ . وَفِي هَذَا بَيَان أَنَّ تِلْكَ الْأَمْوَال كَانَتْ خَاصَّة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُون أَصْحَابه .'; $TAFSEER['4']['59']['7'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس : هِيَ قُرَيْظَة وَالنَّضِير , وَهُمَا بِالْمَدِينَةِ وَفَدَك , وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَة أَيَّام مِنْ الْمَدِينَة وَخَيْبَر . وَقُرَى عُرَيْنَة وَيَنْبُع جَعَلَهَا اللَّه لِرَسُولِهِ . وَبَيَّنَ أَنَّ فِي ذَلِكَ الْمَال الَّذِي خَصَّهُ بِالرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَام سُهْمَانًا لِغَيْرِ الرَّسُول نَظَرًا مِنْهُ لِعِبَادِهِ . وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاء فِي هَذِهِ الْآيَة وَاَلَّتِي قَبْلهَا , هَلْ مَعْنَاهُمَا وَاحِد أَوْ مُخْتَلَف , وَالْآيَة الَّتِي فِي الْأَنْفَال ; فَقَالَ قَوْم مِنْ الْعُلَمَاء : إِنَّ قَوْله تَعَالَى : " مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْ أَهْل الْقُرَى " مَنْسُوخ بِمَا فِي سُورَة الْأَنْفَال مِنْ كَوْن الْخُمُس لِمَنْ سُمِّيَ لَهُ , وَالْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة لِمَنْ قَاتَلَ . وَكَانَ فِي أَوَّل الْإِسْلَام تُقْسَم الْغَنِيمَة عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَاف وَلَا يَكُون لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا شَيْء . وَهَذَا قَوْل يَزِيد بْن رُومَان وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا . وَنَحْوه عَنْ مَالِك . وَقَالَ قَوْم : إِنَّمَا غَنِمَ بِصُلْحٍ مِنْ غَيْر إِيجَاف خَيْل وَلَا رِكَاب ; فَيَكُون لِمَنْ سَمَّى اللَّه تَعَالَى فِيهِ فَيْئًا وَالْأُولَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة , إذَا أَخَذَ مِنْهُ حَاجَته كَانَ الْبَاقِي فِي مَصَالِح الْمُسْلِمِينَ . وَقَالَ مَعْمَر : الْأُولَى : لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالثَّانِيَة : هِيَ الْجِزْيَة وَالْخَرَاج لِلْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَة فِيهِ . وَالثَّالِثَة : الْغَنِيمَة فِي سُورَة الْأَنْفَال لِلْغَانِمِينَ . وَقَالَ قَوْم مِنْهُمْ الشَّافِعِيّ : إِنَّ مَعْنَى الْآيَتَيْنِ وَاحِد ; أَيْ مَا حَصَلَ مِنْ أَمْوَال الْكُفَّار بِغَيْرِ قِتَال قُسِّمَ عَلَى خَمْسَة أَسْهُم ; أَرْبَعَة مِنْهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَكَانَ الْخُمُس الْبَاقِي عَلَى خَمْسَة أَسْهُم : سَهْم لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا وَسَهْم لِذَوِي الْقُرْبَى - وَهُمْ بَنُو هَاشِم وَبَنُو الْمُطَّلِب - لِأَنَّهُمْ مُنِعُوا الصَّدَقَة فَجَعَلَ لَهُمْ حَقّ فِي الْفَيْء . وَسَهْم لِلْيَتَامَى . وَسَهْم لِلْمَسَاكِينِ . وَسَهْم لِابْنِ السَّبِيل . وَأَمَّا بَعْد وَفَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاَلَّذِي كَانَ مِنْ الْفَيْء لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْرَف عِنْد الشَّافِعِيّ فِي قَوْل إِلَى الْمُجَاهِدِينَ الْمُتَرَصِّدِينَ لِلْقِتَالِ فِي الثُّغُور ; لِأَنَّهُمْ الْقَائِمُونَ مَقَام الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام . وَفِي قَوْل آخَر لَهُ : يُصْرَف إِلَى مَصَالِح الْمُسْلِمِينَ مِنْ سَدّ الثُّغُور وَحَفْر الْأَنْهَار وَبِنَاء الْقَنَاطِر ; يُقَدَّم الْأَهَمّ فَالْأَهَمّ , وَهَذَا فِي أَرْبَعَة أَخْمَاس الْفَيْء . فَأَمَّا السَّهْم الَّذِي كَانَ لَهُ مِنْ خُمُس الْفَيْء وَالْغَنِيمَة فَهُوَ لِمَصَالِح الْمُسْلِمِينَ بَعْد مَوْته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا خِلَاف ; كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( لَيْسَ لِي مِنْ غَنَائِمكُمْ إِلَّا الْخُمُس وَالْخُمُس مَرْدُود فِيكُمْ ) . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِيهِ فِي سُورَة " الْأَنْفَال " . وَكَذَلِكَ مَا خَلَّفَهُ مِنْ الْمَال غَيْر مَوْرُوث , بَلْ هُوَ صَدَقَة يُصْرَف عَنْهُ إِلَى مَصَالِح الْمُسْلِمِينَ ; كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( إِنَّا لَا نُوَرِّث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة ) . وَقِيلَ : كَانَ مَال الْفَيْء لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله " فَأَضَافَهُ إِلَيْهِ ; غَيْر أَنَّهُ كَانَ لَا يَتَأَثَّل مَالًا , إِنَّمَا كَانَ يَأْخُذ بِقَدْرِ حَاجَة عِيَاله وَيَصْرِف الْبَاقِي فِي مَصَالِح الْمُسْلِمِينَ . قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : لَا إِشْكَال أَنَّهَا ثَلَاثَة مَعَانٍ فِي ثَلَاث آيَات ; أَمَّا الْآيَة الْأُولَى فَهِيَ قَوْله : " هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْل الْكِتَاب مِنْ دِيَارهمْ لِأَوَّلِ الْحَشْر " [ الْحَشْر : 2 ] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : " وَمَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْهُمْ " يَعْنِي مِنْ أَهْل الْكِتَاب مَعْطُوفًا عَلَيْهِمْ . " فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلَا رِكَاب " يُرِيد كَمَا بَيَّنَّا ; فَلَا حَقّ لَكُمْ فِيهِ , وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَر : إِنَّهَا كَانَتْ خَالِصَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَعْنِي بَنِي النَّضِير وَمَا كَانَ مِثْلهَا . فَهَذِهِ آيَة وَاحِدَة وَمَعْنًى مُتَّحِد . الْآيَة الثَّانِيَة : قَوْله تَعَالَى : " مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْ أَهْل الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ " وَهَذَا كَلَام مُبْتَدَأ غَيْر الْأَوَّل لِمُسْتَحَقٍّ غَيْر الْأَوَّل . وَسَمَّى الْآيَة الثَّالِثَة آيَة الْغَنِيمَة , وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ مَعْنًى آخَر بِاسْتِحْقَاقٍ ثَانٍ لِمُسْتَحِقٍّ آخَر , بَيْد أَنَّ الْآيَة الْأُولَى وَالثَّانِيَة , اِشْتَرَكَتَا فِي أَنَّ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا تَضَمَّنَتْ شَيْئًا أَفَاءَهُ اللَّه عَلَى رَسُوله , وَاقْتَضَتْ الْآيَة الْأُولَى أَنَّهُ حَاصِل بِغَيْرِ قِتَال , وَاقْتَضَتْ آيَة الْأَنْفَال أَنَّهُ حَاصِل بِقِتَالٍ , وَعَرِيَتْ الْآيَة الثَّالِثَة وَهِيَ قَوْله تَعَالَى : " مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْ أَهْل الْقُرَى " عَنْ ذِكْر حُصُوله بِقِتَالٍ أَوْ بِغَيْرِ قِتَال ; فَنَشَأَ الْخِلَاف مِنْ هَاهُنَا , فَمِنْ طَائِفَة قَالَتْ : هِيَ مُلْحَقَة بِالْأُولَى , وَهُوَ مَال الصُّلْح كُلّه وَنَحْوه . وَمِنْ طَائِفَة قَالَتْ : هِيَ مُلْحَقَة بِالثَّانِيَةِ وَهِيَ آيَة الْأَنْفَال . وَاَلَّذِينَ قَالُوا أَنَّهَا مُلْحَقَة بِآيَةِ الْأَنْفَال اِخْتَلَفُوا ; هَلْ هِيَ مَنْسُوخَة - كَمَا تَقَدَّمَ - أَوْ مُحْكَمَة ؟ وَإِلْحَاقهَا بِشَهَادَةِ اللَّه بِاَلَّتِي قَبْلهَا أَوْلَى ; لِأَنَّ فِيهِ تَجْدِيد فَائِدَة وَمَعْنًى . وَمَعْلُوم أَنَّ حَمْل الْحَرْف مِنْ الْآيَة فَضْلًا عَنْ الْآيَة عَلَى فَائِدَة مُتَجَدِّدَة أَوْلَى مِنْ حَمْله عَلَى فَائِدَة مُعَادَة . وَرَوَى اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك فِي قَوْله تَعَالَى : " فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلَا رِكَاب " بَنِي النَّضِير , لَمْ يَكُنْ فِيهَا خُمُس وَلَمْ يُوجَف عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَاب . كَانَتْ صَافِيَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَسَمَهَا بَيْن الْمُهَاجِرِينَ وَثَلَاثَة مِنْ الْأَنْصَار ; حَسَب مَا تَقَدَّمَ . وَقَوْله : " مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْ أَهْل الْقُرَى " هِيَ قُرَيْظَة , وَكَانَتْ قُرَيْظَة وَالْخَنْدَق فِي يَوْم وَاحِد . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : قَوْل مَالِك إِنَّ الْآيَة الثَّانِيَة فِي بَنِي قُرَيْظَة , إِشَارَة إِلَى أَنَّ مَعْنَاهَا يَعُود إِلَى آيَة الْأَنْفَال , وَيَلْحَقهَا النَّسْخ . وَهَذَا أَقْوَى مِنْ الْقَوْل بِالْإِحْكَامِ . وَنَحْنُ لَا نَخْتَار إِلَّا مَا قَسَمْنَا وَبَيَّنَّا أَنَّ الْآيَة الثَّانِيَة لَهَا مَعْنًى مُجَدِّد حَسَب مَا دَلَّلْنَا عَلَيْهِ . وَاَللَّه أَعْلَم . قُلْت : مَا اِخْتَارَهُ حَسَن . وَقَدْ قِيلَ إِنَّ سُورَة " الْحَشْر " نَزَلَتْ بَعْد الْأَنْفَال , فَمِنْ الْمُحَال أَنْ يَنْسَخ الْمُتَقَدِّم الْمُتَأَخِّر . وَقَالَ اِبْن أَبِي نَجِيح : الْمَال ثَلَاثَة : مَغْنَم , أَوْ فَيْء , أَوْ صَدَقَة , وَلَيْسَ مِنْهُ دِرْهَم إِلَّا وَقَدْ بَيَّنَ اللَّه مَوْضِعه . وَهَذَا أَشْبَه . الْأَمْوَال الَّتِي لِلْأَئِمَّةِ وَالْوُلَاة فِيهَا مَدْخَل ثَلَاثَة أَضْرُب : مَا أُخِذَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى طَرِيق التَّطْهِير لَهُمْ ; كَالصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَات . وَالثَّانِي : الْغَنَائِم ; وَهُوَ مَا يَحْصُل فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَال الْكَافِرِينَ بِالْحَرْبِ وَالْقَهْر وَالْغَلَبَة . وَالثَّالِث : الْفَيْء , وَهُوَ مَا رَجَعَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَال الْكُفَّار عَفْوًا صَفْوًا مِنْ غَيْر قِتَال وَلَا إِيجَاف ; كَالصُّلْحِ وَالْجِزْيَة وَالْخَرَاج وَالْعُشُور الْمَأْخُوذَة مِنْ تُجَّار الْكُفَّار . وَمِثْله أَنْ يَهْرَب الْمُشْرِكُونَ وَيَتْرُكُوا أَمْوَالهمْ , أَوْ يَمُوت أَحَد مِنْهُمْ فِي دَار الْإِسْلَام وَلَا وَارِث لَهُ . فَأَمَّا الصَّدَقَة فَمَصْرِفهَا الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ; حَسَب مَا ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى , وَقَدْ مَضَى فِي " بَرَاءَة " . وَأَمَّا الْغَنَائِم فَكَانَتْ فِي صَدْر الْإِسْلَام لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَع فِيهَا مَا شَاءَ ; كَمَا قَالَ فِي سُورَة " الْأَنْفَال " : " قُلْ الْأَنْفَال لِلَّهِ وَالرَّسُول " [ الْأَنْفَال : 1 ] , ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء " [ الْأَنْفَال : 41 ] الْآيَة . وَقَدْ مَضَى فِي الْأَنْفَال بَيَانه . فَأَمَّا الْفَيْء فَقِسْمَته وَقِسْمَة الْخُمُس سَوَاء . وَالْأَمْر عِنْد مَالِك فِيهِمَا إِلَى الْإِمَام , فَإِنْ رَأَى حَبْسهمَا لِنَوَازِل تَنْزِل بِالْمُسْلِمِينَ فَعَلَ , وَإِنْ رَأَى قِسْمَتهمَا أَوْ قِسْمَة أَحَدهمَا قَسَمَهُ كُلّه بَيْن النَّاس , وَسَوَّى فِيهِ بَيْن عَرَبِيّهمْ وَمَوْلَاهُمْ . وَيَبْدَأ بِالْفُقَرَاءِ مِنْ رِجَال وَنِسَاء حَتَّى يَغْنَوْا , وَيُعْطُوا ذَوُو الْقُرْبَى مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْفَيْء سَهْمهمْ عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَام , وَلَيْسَ لَهُ حَدّ مَعْلُوم . وَاخْتُلِفَ فِي إِعْطَاء الْغَنِيّ مِنْهُمْ ; فَأَكْثَر النَّاس عَلَى إِعْطَائِهِ لِأَنَّهُ حَقّ لَهُمْ . وَقَالَ مَالِك : لَا يُعْطَى مِنْهُ غَيْر فُقَرَائِهِمْ , لِأَنَّهُ جُعِلَ لَهُمْ عِوَضًا مِنْ الصَّدَقَة . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : أَيّمَا حَصَلَ مِنْ أَمْوَال الْكُفَّار مِنْ غَيْر قِتَال كَانَ يُقْسَم فِي عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَمْسَة وَعِشْرِينَ سَهْمًا : عِشْرُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَل فِيهَا مَا يَشَاء . وَالْخُمُس يُقْسَم عَلَى مَا يُقَسِّم عَلَيْهِ خُمُس الْغَنِيمَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر أَحْمَد بْن الدَّاوُدِيّ : وَهَذَا قَوْل مَا سَبَقَهُ بِهِ أَحَد عَلِمْنَاهُ , بَلْ كَانَ ذَلِكَ خَالِصًا لَهُ ; كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيح عَنْ عُمَر مُبَيِّنًا لِلْآيَةِ . وَلَوْ كَانَ هَذَا لَكَانَ قَوْله : " خَالِصَة لَك مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ " [ الْأَحْزَاب : 50 ] يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوز الْمَوْهُوبَة لِغَيْرِهِ , وَأَنَّ قَوْله : " خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة " [ الْأَعْرَاف : 32 ] يَجُوز أَنْ يُشْرِكهُمْ فِيهَا غَيْرهمْ . وَقَدْ مَضَى قَوْل الشَّافِعِيّ مُسْتَوْعَبًا فِي ذَلِكَ وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : أَنَّ سَبِيل خُمُس الْفَيْء سَبِيل خُمُس الْغَنِيمَة , وَأَنَّ أَرْبَعَة أَخْمَاسه كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهِيَ بَعْده لِمَصَالِح الْمُسْلِمِينَ . وَلَهُ قَوْل آخَر : أَنَّهَا بَعْده لِلْمُرْصِدِينَ أَنْفُسهمْ لِلْقِتَالِ بَعْده خَاصَّة ; كَمَا تَقَدَّمَ . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَيُقْسَم كُلّ مَال فِي الْبَلَد الَّذِي جُبِيَ فِيهِ , وَلَا يُنْقَل عَنْ ذَلِكَ الْبَلَد الَّذِي جُبِيَ فِيهِ حَتَّى يَغْنَوْا , ثُمَّ يُنْقَل إِلَى الْأَقْرَب مِنْ غَيْرهمْ , إِلَّا أَنْ يَنْزِل بِغَيْرِ الْبَلَد الَّذِي جُبِيَ فِيهِ فَاقَة شَدِيدَة , فَيَنْتَقِل ذَلِكَ إِلَى أَهْل الْفَاقَة حَيْثُ كَانُوا , كَمَا فَعَلَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي أَعْوَام الرَّمَادَة , وَكَانَتْ خَمْسَة أَعْوَام أَوْ سِتَّة . وَقَدْ قِيلَ عَامَيْنِ وَقِيلَ : عَام فِيهِ اِشْتَدَّ الطَّاعُون مَعَ الْجُوع . وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا وَصَفْنَا وَرَأَى الْإِمَام إِيقَاف الْفَيْء أَوْقَفَهُ لِنَوَائِب الْمُسْلِمِينَ , وَيُعْطِي مِنْهُ الْمَنْفُوس وَيَبْدَأ بِمَنْ أَبُوهُ فَقِير . وَالْفَيْء حَلَال لِلْأَغْنِيَاءِ . وَيُسَوِّي بَيْن النَّاس فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ يُؤْثِر أَهْل الْحَاجَة وَالْفَاقَة . وَالتَّفْضِيل فِيهِ إِنَّمَا يَكُون عَلَى قَدْر الْحَاجَة . وَيُعْطَى مِنْهُ الْغُرَمَاء مَا يُؤَدُّونَ بِهِ دُيُونهمْ . وَيُعْطِي مِنْهُ الْجَائِزَة وَالصِّلَة إِنْ كَانَ ذَلِكَ أَهْلًا , وَيَرْزُق الْقُضَاة وَالْحُكَّام وَمَنْ فِيهِ مَنْفَعَة لِلْمُسْلِمِينَ . وَأَوْلَاهُمْ بِتَوَفُّرِ الْحَظّ مِنْهُمْ أَعْظَمهمْ لِلْمُسْلِمِينَ نَفْعًا . وَمَنْ أَخَذَ مِنْ الْفَيْء شَيْئًا فِي الدِّيوَان كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْزُو إِذَا غَزَى . قَوْله تَعَالَى : " كَيْ لَا يَكُون دُولَة " قِرَاءَة الْعَامَّة " يَكُون " بِالْيَاءِ . " دُولَةً " بِالنَّصْبِ , أَيْ كَيْ لَا يَكُون الْفَيْء دُولَةً وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَالْأَعْرَج وَهِشَام - عَنْ اِبْن عَامِر - وَأَبُو حَيْوَة " تَكُون " بِتَاءِ " دُولَةٌ " بِالرَّفْعِ , أَيْ كَيْ لَا تَقَع دُولَةٌ . فَكَانَ تَامَّة . و " دُولَةٌ " رُفِعَ عَلَى اِسْم كَانَ وَلَا خَبَر لَهُ . وَيَجُوز أَنْ تَكُون نَاقِصَة وَخَبَرهَا " بَيْن الْأَغْنِيَاء مِنْكُمْ " . وَإِذَا كَانَتْ تَامَّة فَقَوْله : " بَيْن الْأَغْنِيَاء مِنْكُمْ " مُتَعَلِّق ب " دُولَة " عَلَى مَعْنَى تَدَاوَلَ بَيْن الْأَغْنِيَاء مِنْكُمْ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " بَيْن الْأَغْنِيَاء مِنْكُمْ " وَصْفًا ل " دُولَة " . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " دُولَة " بِضَمِّ الدَّال . وَقَرَأَهَا السُّلَمِيّ وَأَبُو حَيْوَة بِالنَّصْبِ . قَالَ عِيسَى بْن عُمَر وَيُونُس وَالْأَصْمَعِيّ : هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد . وَقَالَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء : الدَّوْلَة ( بِالْفَتْحِ ) الظَّفَر فِي الْحَرْب وَغَيْره , وَهِيَ الْمَصْدَر . وَبِالضَّمِّ اِسْم الشَّيْء الَّذِي يَتَدَاوَل مِنْ الْأَمْوَال . وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الدُّولَة اِسْم الشَّيْء الَّذِي يُتَدَاوَل . وَالدَّوْلَة الْفِعْل . وَمَعْنَى الْآيَة : فَعَلْنَا ذَلِكَ فِي هَذَا الْفَيْء , كَيْ لَا تَقْسِمهُ الرُّؤَسَاء وَالْأَغْنِيَاء وَالْأَقْوِيَاء بَيْنهمْ دُون الْفُقَرَاء وَالضُّعَفَاء , لِأَنَّ أَهْل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا إِذَا غَنِمُوا أَخَذَ الرَّئِيس رُبُعهَا لِنَفْسِهِ , وَهُوَ الْمِرْبَاع . ثُمَّ يَصْطَفِي مِنْهَا أَيْضًا بَعْد الْمِرْبَاع مَا شَاءَ ; وَفِيهَا قَالَ شَاعِرهمْ : لَك الْمِرْبَاع مِنْهَا وَالصَّفَايَا يَقُول : كَيْ لَا يَعْمَل فِيهِ كَمَا كَانَ يَعْمَل فِي الْجَاهِلِيَّة . فَجَعَلَ اللَّه هَذَا لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; يَقْسِمهُ فِي الْمَوَاضِع الَّتِي أَمَرَ بِهَا لَيْسَ فِيهَا خُمُس , فَإِذَا جَاءَ خُمُس وَقَعَ بَيْن الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا . قَوْله تَعَالَى : " وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عِه فَانْتَهُوا " أَيْ مَا أَعْطَاكُمْ مِنْ مَال الْغَنِيمَة فَخُذُوهُ , وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ الْأَخْذ وَالْغُلُول فَانْتَهُوا ; قَالَهُ الْحَسَن وَغَيْره . السُّدِّيّ : مَا أَعْطَاكُمْ مِنْ مَال الْفَيْء فَاقْبَلُوهُ , وَمَا مَنَعَكُمْ مِنْهُ فَلَا تَطْلُبُوهُ . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : مَا آتَاكُمْ مِنْ طَاعَتِي فَافْعَلُوهُ , وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَتِي فَاجْتَنِبُوهُ . الْمَاوَرْدِيّ : وَقِيلَ إِنَّهُ مَحْمُول عَلَى الْعُمُوم فِي جَمِيع أَوَامِره وَنَوَاهِيه ; لَا يَأْمُر إِلَّا بِصَلَاحٍ وَلَا يَنْهَى إِلَّا عَنْ فَسَاد . قُلْت : هَذَا هُوَ مَعْنَى الْقَوْل الَّذِي قَبْله . فَهِيَ ثَلَاثَة أَقْوَال . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : قَوْله تَعَالَى : " وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " هَذَا يُوجِب أَنَّ كُلّ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْر مِنْ اللَّه تَعَالَى . وَالْآيَة وَإِنْ كَانَتْ فِي الْغَنَائِم فَجَمِيع أَوَامِره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَوَاهِيه دَخَلَ فِيهَا . وَقَالَ الْحَكَم بْن عُمَيْر - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَة - قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآن صَعْب مُسْتَصْعَب عَسِير عَلَى مَنْ تَرَكَهُ يَسِير عَلَى مَنْ اِتَّبَعَهُ وَطَلَبَهُ , وَحَدِيثِي صَعْب مُسْتَصْعَب وَهُوَ الْحُكْم فَمَنْ اِسْتَمْسَكَ بِحَدِيثِي وَحَفِظَهُ نَجَا مَعَ الْقُرْآن . وَمَنْ تَهَاوَنَ بِالْقُرْآنِ وَحَدِيثِي خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . وَأُمِرْتُمْ أَنْ تَأْخُذُوا بِقَوْلِي وَتَكْتَنِفُوا أَمْرِي وَتَتَّبِعُوا سُنَّتِي فَمَنْ رَضِيَ بِقَوْلِي فَقَدْ رَضِيَ بِالْقُرْآنِ وَمَنْ اِسْتَهْزَأَ بِقَوْلِي فَقَدْ اِسْتَهْزَأَ بِالْقُرْآنِ قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " ) . قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد : لَقِيَ اِبْن مَسْعُود رَجُلًا مُحْرِمًا وَعَلَيْهِ ثِيَابه فَقَالَ لَهُ : اِنْزِعْ عَنْك هَذَا . فَقَالَ الرَّجُل : أَتَقْرَأُ عَلَيَّ بِهَذَا آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه تَعَالَى ؟ قَالَ : نَعَمْ , " وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن هَارُون الْفِرْيَابِيّ : سَمِعْت الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول : سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ أُخْبِركُمْ مِنْ كِتَاب اللَّه تَعَالَى وَسُنَّة نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; قَالَ فَقُلْت لَهُ : مَا تَقُول - أَصْلَحَك اللَّه - فِي الْمُحْرِم يَقْتُل الزُّنْبُور ؟ قَالَ فَقَالَ : بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " . وَحَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر عَنْ رِبْعِيّ بْن حِرَاش عَنْ حُذَيْفَة بْن الْيَمَان قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اِقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْر وَعُمَر ) . حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة عَنْ مِسْعَر بْن كِدَام عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم عَنْ طَارِق بْن شِهَاب عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ الزُّنْبُور . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَهَذَا جَوَاب فِي نِهَايَة الْحُسْن , أَفْتَى بِجَوَازِ قَتْل الزُّنْبُور فِي الْإِحْرَام , وَبَيَّنَ أَنَّهُ يَقْتَدِي فِيهِ بِعُمَر , وَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ , وَأَنَّ اللَّه سُبْحَانه أَمَرَ بِقَبُولِ مَا يَقُولهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَجَوَاز قَتْله مُسْتَنْبَط مِنْ الْكِتَاب وَالسُّنَّة . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ قَوْل عِكْرِمَة حِين سُئِلَ عَنْ أُمَّهَات الْأَوْلَاد فَقَالَ : هُنَّ أَحْرَار فِي سُورَة " النِّسَاء " عِنْد قَوْله تَعَالَى : " أَطِيعُوا اللَّه وَأَطِيعُوا الرَّسُول وَأُولِي الْأَمْر مِنْكُمْ " [ النِّسَاء : 59 ] . وَفِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره عَنْ عَلْقَمَة عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَعَنَ اللَّه الْوَاشِمَات وَالْمُسْتَوْشِمَات وَالْمُتَنَمِّصَات وَالْمُتَفَلِّجَات لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَات خَلْق اللَّه ) فَبَلَغَ ذَلِكَ اِمْرَأَة مِنْ بَنِي أَسَد يُقَال لَهَا أُمّ يَعْقُوب ; فَجَاءَتْ فَقَالَتْ : بَلَغَنِي أَنَّك لَعَنْت كَيْت وَكَيْت ! فَقَالَ : وَمَا لِي لَا أَلْعَن مَنْ لَعَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي كِتَاب اللَّه ! فَقَالَتْ : لَقَدْ قَرَأْت مَا بَيْن اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْت فِيهِ مَا تَقُول . فَقَالَ : لَئِنْ كُنْت قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ ! أَمَا قَرَأْت " وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " ! قَالَتْ : بَلَى . قَالَ : فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ ..... الْحَدِيث . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِيهِ فِي " النِّسَاء " مُسْتَوْفًى . وَإِنْ جَاءَ بِلَفْظِ الْإِيتَاء وَهُوَ الْمُنَاوَلَة فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْأَمْر ; فَقَابَلَهُ بِالنَّهْيِ , وَلَا يُقَابَل النَّهْي إِلَّا بِالْأَمْرِ ; وَالدَّلِيل عَلَى فَهْم ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْل مَعَ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اِسْتَطَعْتُمْ , وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْء فَاجْتَنِبُوهُ ) . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي رُؤَسَاء الْمُسْلِمِينَ , قَالُوا فِيمَا ظَهَرَ عَلَيْهِ رَسُول اللَّه مِنْ أَمْوَال الْمُشْرِكِينَ : يَا رَسُول اللَّه , خُذْ صَفِيّك وَالرُّبُع , وَدَعْنَا وَالْبَاقِي ; فَهَكَذَا كُنَّا نَفْعَل فِي الْجَاهِلِيَّة . وَأَنْشَدُوهُ : لَك الْمِرْبَاع مِنْهَا وَالصَّفَايَا وَحُكْمك وَالنَّشِيطَة وَالْفُضُول فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة . أَيْ عَذَاب اللَّه , إِنَّهُ شَدِيد لِمَنْ عَصَاهُ . وَقِيلَ : اِتَّقُوا اللَّه فِي أَوَامِره وَنَوَاهِيه فَلَا تُضَيِّعُوهَا . لِمَنْ خَالَفَ مَا أَمَرَهُ بِهِ .'; $TAFSEER['4']['59']['8'] = 'أَيْ الْفَيْء وَالْغَنَائِم " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ " . وَقِيلَ : " كَيْ لَا يَكُون دُولَة بَيْن الْأَغْنِيَاء " وَلَكِنْ يَكُون " لِلْفُقَرَاءِ " . وَقِيلَ : هُوَ بَيَان لِقَوْلِهِ : " وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل " فَلَمَّا ذُكِّرُوا بِأَصْنَافِهِمْ قِيلَ الْمَال لِهَؤُلَاءِ , لِأَنَّهُمْ فُقَرَاء وَمُهَاجِرُونَ وَقَدْ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارهمْ ; فَهُمْ أَحَقّ النَّاس بِهِ . وَقِيلَ : " وَلَكِنَّ اللَّه يُسَلِّط رُسُله عَلَى مَنْ يَشَاء " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ لِكَيْلَا يَكُون الْمَال دُولَة لِلْأَغْنِيَاءِ مِنْ بَنِي الدُّنْيَا . وَقِيلَ : وَاَللَّه شَدِيد الْعِقَاب لِلْمُهَاجِرِينَ ; أَيْ شَدِيد الْعِقَاب لِلْكُفَّارِ بِسَبَبِ الْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ وَمِنْ أَجْلهمْ . وَدَخَلَ فِي هَؤُلَاءِ الْفُقَرَاء الْمُتَقَدِّم ذِكْرهمْ فِي قَوْله تَعَالَى : " وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى " . وَقِيلَ : هُوَ عَطْف عَلَى مَا مَضَى , وَلَمْ يَأْتِ بِوَاوِ الْعَطْف كَقَوْلِك : هَذَا الْمَال لِزَيْدٍ لِبَكْرٍ لِفُلَانٍ لِفُلَانٍ . وَالْمُهَاجِرُونَ هُنَا : مَنْ هَاجَرَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُبًّا فِيهِ وَنُصْرَة لَهُ . قَالَ قَتَادَة : هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ تَرَكُوا الدِّيَار وَالْأَمْوَال وَالْأَهْلِينَ وَالْأَوْطَان حُبًّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ , حَتَّى إِنَّ الرَّجُل مِنْهُمْ كَانَ يَعْصِب الْحَجَر عَلَى بَطْنه لِيُقِيمَ بِهِ صُلْبه مِنْ الْجُوع , وَكَانَ الرَّجُل يَتَّخِذ الْحَفِيرَة فِي الشِّتَاء مَاله دِثَار غَيْرهَا . وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبْزَى وَسَعِيد بْن جُبَيْر : كَانَ نَاس مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لِأَحَدِهِمْ الْعَبْد وَالزَّوْجَة وَالدَّار وَالنَّاقَة يَحُجّ عَلَيْهَا وَيَغْزُو فَنَسَبَهُمْ اللَّه إِلَى الْفَقْر وَجَعَلَ لَهُمْ سَهْمًا فِي الزَّكَاة . وَمَعْنَى " أَخْرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ " أَيْ أَخْرَجَهُمْ كُفَّار مَكَّة ; أَيْ أَحْوَجُوهُمْ إِلَى الْخُرُوج ; وَكَانُوا مِائَة رَجُل . يَطْلُبُونَ . أَيْ غَنِيمَة فِي الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة ; أَيْ مَرْضَاة رَبّهمْ . فِي الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه . فِي فِعْلهمْ ذَلِكَ . وَرُوِيَ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ خَطَبَ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ : مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَل عَنْ الْقُرْآن فَلْيَأْتِ أُبَيّ بْن كَعْب , وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَل عَنْ الْفَرَائِض فَلْيَأْتِ زَيْد بْن ثَابِت , وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَل عَنْ الْفِقْه فَلْيَأْتِ مُعَاذ بْن جَبَل , وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَل عَنْ الْمَال فَلْيَأْتِنِي ; فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَنِي لَهُ خَازِنًا وَقَاسِمًا . أَلَا وَإِنِّي بَادٍ بِأَزْوَاجِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمُعْطِيهنَّ , ثُمَّ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ ; أَنَا وَأَصْحَابِي أُخْرِجْنَا مِنْ مَكَّة مِنْ دِيَارنَا وَأَمْوَالنَا .'; $TAFSEER['4']['59']['9'] = 'قَوْله تَعَالَى : " وَاَلَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّار وَالْإِيمَان مِنْ قَبْلهمْ " لَا خِلَاف أَنَّ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّار هُمْ الْأَنْصَار الَّذِينَ اِسْتَوْطَنُوا الْمَدِينَة قَبْل الْمُهَاجِرِينَ إِلَيْهَا . " وَالْإِيمَان " نُصِبَ بِفِعْلٍ غَيْر تَبَوَّأَ ; لِأَنَّ التَّبَوُّء إِنَّمَا يَكُون فِي الْأَمَاكِن . و " مِنْ قَبْلهمْ " " مِنْ " صِلَة تَبَوَّأَ وَالْمَعْنَى : وَاَلَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّار مِنْ قِبَل الْمُهَاجِرِينَ وَاعْتَقَدُوا الْإِيمَان وَأَخْلَصُوهُ ; لِأَنَّ الْإِيمَان لَيْسَ بِمَكَانٍ يُتَبَوَّأ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " فَأَجْمِعُوا أَمْركُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ " [ يُونُس : 71 ] أَيْ وَادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ; ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيّ وَالزَّمَخْشَرِي وَغَيْرهمَا . وَيَكُون مِنْ بَاب قَوْله : عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاء بَارِدًا . وَيَجُوز حَمْله عَلَى حَذْف الْمُضَاف كَأَنَّهُ قَالَ : تَبَوَّءُوا الدَّار وَمَوَاضِع الْإِيمَان . وَيَجُوز حَمْله عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ تَبَوَّأَ ; كَأَنَّهُ قَالَ : لَزِمُوا الدَّار وَلَزِمُوا الْإِيمَان فَلَمْ يُفَارِقُوهُمَا . وَيَجُوز أَنْ يَكُون تَبَوَّأَ الْإِيمَان عَلَى طَرِيق الْمَثَل ; كَمَا تَقُول : تَبَوَّأَ مِنْ بَنِي فُلَان الصَّمِيم . وَالتَّبَوُّء : التَّمَكُّن وَالِاسْتِقْرَار . وَلَيْسَ يُرِيد أَنَّ الْأَنْصَار آمَنُوا قَبْل الْمُهَاجِرِينَ , بَلْ أَرَادَ آمَنُوا قَبْل هِجْرَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ . وَاخْتُلِفَ أَيْضًا هَلْ هَذِهِ الْآيَة مَقْطُوعَة مِمَّا قَبْلهَا أَوْ مَعْطُوفَة ; فَتَأَوَّلَ قَوْم أَنَّهَا مَعْطُوفَة عَلَى قَوْله : " " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ " وَأَنَّ الْآيَات الَّتِي فِي الْحَشْر كُلّهَا مَعْطُوفَة بَعْضهَا عَلَى بَعْض . وَلَوْ تَأَمَّلُوا ذَلِكَ وَأَنْصَفُوا لَوَجَدُوهُ عَلَى خِلَاف مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول : " هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْل الْكِتَاب مِنْ دِيَارهمْ لِأَوَّلِ الْحَشْر مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا " إِلَى قَوْله " الْفَاسِقِينَ " [ الْحَشْر : 2 - 5 ] فَأَخْبَرَ عَنْ بَنِي النَّضِير وَبَنِي قَيْنُقَاع . ثُمَّ قَالَ : " وَمَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلَا رِكَاب وَلَكِنَّ اللَّه يُسَلِّط رُسُله عَلَى مَنْ يَشَاء " فَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِف عَلَيْهِ حِين خَلُّوهُ . وَمَا تَقَدَّمَ فِيهِمْ مِنْ الْقِتَال وَقَطْع شَجَرهمْ فَقَدْ كَانُوا رَجَعُوا عَنْهُ وَانْقَطَعَ ذَلِكَ الْأَمْر . ثُمَّ قَالَ : " مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْ أَهْل الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل " وَهَذَا كَلَام غَيْر مَعْطُوف عَلَى الْأَوَّل . وَكَذَا " وَاَلَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّار وَالْإِيمَان " اِبْتِدَاء كَلَام فِي مَدْح الْأَنْصَار وَالثَّنَاء عَلَيْهِمْ ; فَإِنَّهُمْ سَلَّمُوا ذَلِكَ الْفَيْء لِلْمُهَاجِرِينَ ; وَكَأَنَّهُ قَالَ ; الْفَيْء لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ ; وَالْأَنْصَار يُحِبُّونَ لَهُمْ وَلَمْ يَحْسُدُوهُمْ عَلَى مَا صَفَا لَهُمْ مِنْ الْفَيْء . وَكَذَا " وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدهمْ " [ الْحَشْر : 10 ] اِبْتِدَاء كَلَام ; وَالْخَبَر " يَقُولُونَ رَبّنَا اِغْفِرْ لَنَا " [ الْحَشْر : 10 ] . وَقَالَ إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق : إِنَّ قَوْله " وَاَلَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّار " " وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مَعْطُوف عَلَى مَا قَبْلُ , وَأَنَّهُمْ شُرَكَاء فِي الْفَيْء ; أَيْ هَذَا الْمَال لِلْمُهَاجِرِينَ وَاَلَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّار . وَقَالَ مَالِك بْن أَوْس : قَرَأَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ هَذِهِ الْآيَة " إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ " [ التَّوْبَة : 60 ] فَقَالَ : هَذِهِ لِهَؤُلَاءِ . ثُمَّ قَرَأَ " وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه " فَقَالَ : هَذِهِ لِهَؤُلَاءِ . ثُمَّ قَرَأَ " مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله - حَتَّى بَلَغَ - لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ " , " وَاَلَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّار وَالْإِيمَان " , " وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدهمْ " ثُمَّ قَالَ : لَئِنْ عِشْت لَيَأْتِيَن الرَّاعِي وَهُوَ بِسَرْوِ حِمْيَر نَصِيبه مِنْهَا لَمْ يَعْرَق فِيهَا جَبِينه . وَقِيلَ : إِنَّهُ دَعَا الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار وَاسْتَشَارَهُمْ فِيمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ , وَقَالَ لَهُمْ : تَثَبَّتُوا الْأَمْر وَتَدَبَّرُوهُ ثُمَّ اُغْدُوَا عَلَيَّ . فَفَكَّرَ فِي لَيْلَته فَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَات فِي ذَلِكَ أُنْزِلَتْ . فَلَمَّا غَدَوْا عَلَيْهِ قَالَ : قَدْ مَرَرْت الْبَارِحَة بِالْآيَاتِ الَّتِي فِي سُورَة " الْحَشْر " وَتَلَا " مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْ أَهْل الْقُرَى - إِلَى قَوْله - لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ " فَلَمَّا بَلَغَ قَوْله : " أُولَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ " [ الْحُجُرَات : 15 ] قَالَ : مَا هِيَ لِهَؤُلَاءِ فَقَطْ . وَتَلَا قَوْله : " وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدهمْ " إِلَى قَوْله " رَءُوف رَحِيم " [ الْحَشْر : 10 ] ثُمَّ قَالَ : مَا بَقِيَ أَحَد مِنْ أَهْل الْإِسْلَام إِلَّا وَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ . وَاَللَّه أَعْلَم . رَوَى مَالِك عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَر قَالَ : لَوْلَا مَنْ يَأْتِي مِنْ آخِر النَّاس مَا فُتِحَتْ قَرْيَة إِلَّا قَسَمْتهَا كَمَا قَسَمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَر . وَفِي الرِّوَايَات الْمُسْتَفِيضَة مِنْ الطُّرُق الْكَثِيرَة : أَنَّ عُمَر أَبْقَى سَوَاد الْعِرَاق وَمِصْر وَمَا ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْغَنَائِم ; لِتَكُونَ مِنْ أَعْطِيَات الْمُقَاتِلَة وَأَرْزَاق الْحِشْوَة وَالذَّرَارِيّ , وَأَنَّ الزُّبَيْر وَبِلَالًا وَغَيْر وَاحِد مِنْ الصَّحَابَة أَرَادُوهُ عَلَى قَسْم مَا فُتِحَ عَلَيْهِمْ ; فَكَرِهَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَاخْتَلَفَ فِيمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ ; فَقِيلَ : إِنَّهُ اِسْتَطَابَ أَنْفُس أَهْل الْجَيْش ; فَمَنْ رَضِيَ لَهُ بِتَرْكِ حَظّه بِغَيْرِ ثَمَن لِيُبْقِيَهُ لِلْمُسْلِمِينَ قِلَّة . وَمَنْ أَبَى أَعْطَاهُ ثَمَن حَظّه . فَمَنْ قَالَ : إِنَّمَا أَبْقَى الْأَرْض بَعْد اِسْتِطَابَة أَنْفُس الْقَوْم جَعَلَ فِعْله كَفِعْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ قَسَمَ خَيْبَر , لِأَنَّ اِشْتِرَاءَهُ إِيَّاهَا وَتَرْك مَنْ تَرَكَ عَنْ طِيب نَفْسه بِمَنْزِلَةِ قَسْمهَا . وَقِيلَ : إِنَّهُ أَبْقَاهَا بِغَيْرِ شَيْء أَعْطَاهُ أَهْل الْجُيُوش . وَقِيلَ إِنَّهُ تَأَوَّلَ فِي ذَلِكَ قَوْل اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى : " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ - إِلَى قَوْله - رَبّنَا إِنَّك رَءُوف رَحِيم " عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَاَللَّه أَعْلَم . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي قِسْمَة الْعَقَار ; فَقَالَ مَالِك : لِلْإِمَامِ أَنْ يُوقِفهَا لِمَصَالِح الْمُسْلِمِينَ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : الْإِمَام مُخَيَّر بَيْن أَنْ يَقْسِمهَا أَوْ يَجْعَلهَا وَقْفًا لِمَصَالِح الْمُسْلِمِينَ . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : لَيْسَ لِلْإِمَامِ حَبْسهَا عَنْهُمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ , بَلْ يَقْسِمهَا عَلَيْهِمْ كَسَائِرِ الْأَمْوَال . فَمَنْ طَابَ نَفْسًا عَنْ حَقّه لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلهُ وَقْفًا عَلَيْهِمْ فَلَهُ . وَمَنْ لَمْ تَطِبْ نَفْسه فَهُوَ أَحَقّ بِمَالِهِ . وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ اِسْتَطَابَ نُفُوس الْغَانِمِينَ وَاشْتَرَاهَا مِنْهُمْ . قُلْت : وَعَلَى هَذَا يَكُون قَوْله : " وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدهمْ " [ الْحَشْر : 10 ] مَقْطُوعًا مِمَّا قَبْله , وَأَنَّهُمْ نُدِبُوا بِالدُّعَاءِ لِلْأَوَّلِينَ وَالثَّنَاء عَلَيْهِمْ . قَالَ اِبْن وَهْب : سَمِعْت مَالِكًا يَذْكُر فَضْل الْمَدِينَة عَلَى غَيْرهَا مِنْ الْآفَاق فَقَالَ : إِنَّ الْمَدِينَة تُبُوِّئَتْ بِالْإِيمَانِ وَالْهِجْرَة , وَإِنَّ غَيْرهَا مِنْ الْقُرَى اُفْتُتِحَتْ بِالسَّيْفِ ; ثُمَّ قَرَأَ " وَاَلَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّار وَالْإِيمَان مِنْ قَبْلهمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ " الْآيَة . وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي هَذَا , وَفِي فَضْل الصَّلَاة فِي الْمَسْجِدَيْنِ : الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد الْمَدِينَة ; فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ . يَعْنِي لَا يَحْسُدُونَ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى مَا خُصُّوا بِهِ مِنْ مَال الْفَيْء وَغَيْره ; كَذَلِكَ قَالَ النَّاس . وَفِيهِ تَقْدِير حَذْف مُضَافَيْنِ ; الْمَعْنَى مَسّ حَاجَة مِنْ فَقْد مَا أُوتُوا . وَكُلّ مَا يَجِد الْإِنْسَان فِي صَدْره مِمَّا يَحْتَاج إِلَى إِزَالَته فَهُوَ حَاجَة . وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ فِي دُور الْأَنْصَار , فَلَمَّا غَنِمَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَمْوَال بَنِي النَّضِير , دَعَا الْأَنْصَار وَشَكَرَهُمْ فِيمَا صَنَعُوا مَعَ الْمُهَاجِرِينَ فِي إِنْزَالهمْ إِيَّاهُمْ فِي مَنَازِلهمْ , وَإِشْرَاكهمْ فِي أَمْوَالهمْ . ثُمَّ قَالَ : ( إِنْ أَحْبَبْتُمْ قَسَمْت مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَيَّ مِنْ بَنِي النَّضِير بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ , وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ السُّكْنَى فِي مَسَاكِنكُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَعْطَيْتهمْ وَخَرَجُوا مِنْ دُوركُمْ ) . فَقَالَ سَعْد بْن عُبَادَة وَسَعْد بْن مُعَاذ : بَلْ نَقْسِمهُ بَيْن الْمُهَاجِرِينَ , وَيَكُونُونَ فِي دُورنَا كَمَا كَانُوا . وَنَادَتْ الْأَنْصَار : رَضِينَا وَسَلَّمْنَا يَا رَسُول اللَّه , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّهُمَّ اِرْحَمْ الْأَنْصَار وَأَبْنَاء الْأَنْصَار ) . وَأَعْطَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرِينَ وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَار شَيْئًا إِلَّا الثَّلَاثَة الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ . وَيَحْتَمِل أَنْ يُرِيد بِهِ " وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا " إِذَا كَانَ قَلِيلًا بَلْ يَقْنَعُونَ بِهِ وَيَرْضَوْنَ عَنْهُ . وَقَدْ كَانُوا عَلَى هَذِهِ الْحَالَة حِين حَيَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُنْيَا , ثُمَّ كَانُوا عَلَيْهِ بَعْد مَوْته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُكْمِ الدُّنْيَا . وَقَدْ أَنْذَرَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : ( سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَة فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْض ) . فِي التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة : أَنَّ رَجُلًا بَاتَ بِهِ ضَيْف فَلَمْ يَكُنْ عِنْده إِلَّا قُوته وَقُوت صِبْيَانه ; فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ : نَوِّمِي الصِّبْيَة وَأَطْفِئِي السِّرَاج وَقَرِّبِي لِلضَّيْفِ مَا عِنْدك ; فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة " وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة " قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . خَرَّجَهُ مُسْلِم أَيْضًا . وَخُرِّجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي مَجْهُود . فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْض نِسَائِهِ فَقَالَتْ : وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاء . ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى الْأُخْرَى فَقَالَتْ مِثْل ذَلِكَ ; حَتَّى قُلْنَ كُلّهنَّ مِثْل ذَلِكَ : لَا وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاء . فَقَالَ : مَنْ يُضَيِّف هَذَا اللَّيْلَة رَحِمَهُ اللَّه ؟ فَقَامَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار فَقَالَ : أَنَا يَا رَسُول اللَّه . فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْله فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ : هَلْ عِنْدك شَيْء ؟ قَالَتْ : لَا , إِلَّا قُوت صِبْيَانِي . قَالَ : فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفنَا فَأَطْفِئِي السِّرَاج وَأَرِيه أَنَّا نَأْكُل ; فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُل فَقُومِي إِلَى السِّرَاج حَتَّى تُطْفِئِيهِ . قَالَ : فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْف . فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( قَدْ عَجِبَ اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ صَنِيعكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَة ) . وَفِي رِوَايَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُضَيِّفهُ فَلَمْ يَكُنْ عِنْده مَا يُضَيِّفهُ . فَقَالَ : ( أَلَا رَجُل يُضَيِّف هَذَا رَحِمَهُ اللَّه ) ؟ فَقَامَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار يُقَال لَهُ أَبُو طَلْحَة . فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْله ... ; وَسَاقَ الْحَدِيث بِنَحْوِ الَّذِي قَبْله , وَذَكَرَ فِيهِ نُزُول الْآيَة . وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ هَذَا نَزَلَ فِي ثَابِت بْن قَيْس وَرَجُل مِنْ الْأَنْصَار - نَزَلَ بِهِ ثَابِت - يُقَال لَهُ أَبُو الْمُتَوَكِّل , فَلَمْ يَكُنْ عِنْد أَبِي الْمُتَوَكِّل إِلَّا قُوته وَقُوت صِبْيَانه ; فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَطْفِئِي السِّرَاج وَنَوِّمِي الصِّبْيَة ; وَقَدَّمَ مَا كَانَ عِنْده إِلَى ضَيْفه . وَكَذَا ذَكَرَ النَّحَّاس قَالَ : قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : نَزَلَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَار - يُقَال لَهُ أَبُو الْمُتَوَكِّل - ثَابِت بْن قَيْس ضَيْفًا , وَلَمْ يَكُنْ عِنْده إِلَّا قُوته وَقُوت صِبْيَانه ; فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَطْفِئِي السِّرَاج وَنَوِّمِي الصِّبْيَة ; فَنَزَلَتْ " وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة - إِلَى قَوْله - فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ " . وَقِيلَ : إِنَّ فَاعِل ذَلِكَ أَبُو طَلْحَة . وَذَكَرَ الْقُشَيْرِيّ أَبُو نَصْر عَبْد الرَّحِيم بْن عَبْد الْكَرِيم : وَقَالَ اِبْن عُمَر : أُهْدِيَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْس شَاة فَقَالَ : إِنَّ أَخِي فُلَانًا وَعِيَاله أَحْوَج إِلَى هَذَا مِنَّا ; فَبَعَثَهُ إِلَيْهِمْ , فَلَمْ يَزَلْ يَبْعَث بِهِ وَاحِد إِلَى آخَر حَتَّى تَدَاوَلَهَا سَبْعَة أَبْيَات , حَتَّى رَجَعَتْ إِلَى أُولَئِكَ ; فَنَزَلَتْ " وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ " . ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ عَنْ أَنَس قَالَ : أُهْدِيَ لِرَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَة رَأْس شَاة وَكَانَ مَجْهُودًا فَوَجَّهَ بِهِ إِلَى جَارٍ لَهُ , فَتَدَاوَلَتْهُ سَبْعَة أَنْفُس فِي سَبْعَة أَبْيَات , ثُمَّ عَادَ إِلَى الْأَوَّل ; فَنَزَلَتْ : " وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ " الْآيَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ يَوْم بَنِي النَّضِير : ( إِنْ شِئْتُمْ قَسَمْت لِلْمُهَاجِرِينَ مِنْ دِيَاركُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَشَارَكْتُمُوهُمْ فِي هَذِهِ الْغَنِيمَة وَإِنْ شِئْتُمْ كَانَتْ لَكُمْ دِيَاركُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَلَمْ نَقْسِم لَكُمْ مِنْ الْغَنِيمَة شَيْئًا ) فَقَالَتْ الْأَنْصَار : بَلْ نَقْسِم لِإِخْوَانِنَا مِنْ دِيَارنَا وَأَمْوَالنَا وَنُؤْثِرهُمْ بِالْغَنِيمَةِ ; فَنَزَلَتْ " وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ " الْآيَة . وَالْأَوَّل أَصَحّ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَس : أَنَّ الرَّجُل كَانَ يَجْعَل لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخَلَات مِنْ أَرْضه حَتَّى فُتِحَتْ عَلَيْهِ قُرَيْظَة وَالنَّضِير , فَجَعَلَ بَعْد ذَلِكَ يَرُدّ عَلَيْهِ مَا كَانَ أَعْطَاهُ . لَفْظ مُسْلِم . وَقَالَ الزُّهْرِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك : لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ مَكَّة الْمَدِينَةَ قَدِمُوا وَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْء , وَكَانَ الْأَنْصَار أَهْل الْأَرْض وَالْعَقَار , فَقَاسَمَهُمْ الْأَنْصَار عَلَى أَنْ أَعْطَوْهُمْ أَنْصَاف ثِمَار أَمْوَالهمْ كُلّ عَام وَيَكْفُونَهُمْ الْعَمَل وَالْمُؤُونَة ; وَكَانَتْ أُمّ أَنَس بْن مَالِك تُدْعَى أُمّ سُلَيْم , وَكَانَتْ أُمّ عَبْد اللَّه بْن أَبِي طَلْحَة , كَانَ أَخًا لِأَنَسٍ لِأُمِّهِ ; وَكَانَتْ أَعْطَتْ أُمّ أَنَس رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِذَاقًا لَهَا ; فَأَعْطَاهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمّ أَيْمَن مَوْلَاته , ثُمَّ أُسَامَة بْن زَيْد . قَالَ اِبْن شِهَاب : فَأَخْبَرَنِي أَنَس بْن مَالِك : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ قِتَال أَهْل خَيْبَر وَانْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَة , رَدَّ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى الْأَنْصَار مَنَائِحَهُمْ الَّتِي كَانُوا مَنَحُوهُمْ مِنْ ثِمَارهمْ . قَالَ : فَرَدَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّي عِذَاقهَا , وَأَعْطَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمّ أَيْمَن مَكَانهنَّ مِنْ حَائِطه . خَرَّجَهُ مُسْلِم أَيْضًا . الْإِيثَار : هُوَ تَقْدِيم الْغَيْر عَلَى النَّفْس وَحُظُوظهَا الدُّنْيَوِيَّة , وَرَغْبَة فِي الْحُظُوظ الدِّينِيَّة . وَذَلِكَ يَنْشَأ عَنْ قُوَّة الْيَقِين , وَتَوْكِيد الْمَحَبَّة , وَالصَّبْر عَلَى الْمَشَقَّة . يُقَال : آثَرْته بِكَذَا ; أَيْ خَصَصْته بِهِ وَفَضَّلْته . وَمَفْعُول الْإِيثَار مَحْذُوف ; أَيْ يُؤْثِرُونَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ بِأَمْوَالِهِمْ وَمَنَازِلهمْ , لَا عَنْ غِنًى بَلْ مَعَ اِحْتِيَاجهمْ إِلَيْهَا ; حَسَب مَا تَقَدَّمَ بَيَانه . وَفِي مُوَطَّأ مَالِك : " أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَائِشَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّ مِسْكِينًا سَأَلَهَا وَهِيَ صَائِمَة وَلَيْسَ فِي بَيْتهَا إِلَّا رَغِيف ; فَقَالَتْ لِمَوْلَاةٍ لَهَا : أَعْطِيهِ إِيَّاهُ ; فَقَالَتْ : لَيْسَ لَك مَا تُفْطِرِينَ عَلَيْهِ ؟ فَقَالَتْ : أَعْطِيهِ إِيَّاهُ . قَالَتْ : فَفَعَلَتْ . قَالَتْ : فَلَمَّا أَمْسَيْنَا أَهْدَى لَنَا أَهْل بَيْت أَوْ إِنْسَان مَا كَانَ يُهْدَى لَنَا : شَاة وَكَفَنهَا . فَدَعَتْنِي عَائِشَة فَقَالَتْ : كُلِي مِنْ هَذَا , فَهَذَا خَيْر مِنْ قُرْصك . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : هَذَا مِنْ الْمَال الرَّابِح , وَالْفِعْل الزَّاكِي عِنْد اللَّه تَعَالَى يُعَجِّل مِنْهُ مَا يَشَاء , وَلَا يَنْقُص ذَلِكَ مِمَّا يَدَّخِرهُ عَنْهُ . وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا لِلَّهِ لَمْ يَجِد فَقْده . وَعَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا فِي فِعْلهَا هَذَا مِنْ الَّذِينَ أَثْنَى اللَّه عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ الْخَصَاصَة , وَأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَقَى شُحّ نَفْسه وَأَفْلَحَ فَلَاحًا لَا خَسَارَة بَعْده . وَمَعْنَى ( شَاة وَكَفَنهَا ) فَإِنَّ الْعَرَب - أَوْ بَعْض الْعَرَب أَوْ بَعْض وُجُوههمْ - كَانَ هَذَا مِنْ طَعَامهمْ , يَأْتُونَ إِلَى الشَّاة أَوْ الْخَرُوف إِذَا سَلَخُوهُ غَطَّوْهُ كُلّه بِعَجِينِ الْبُرّ وَكَفَنُوهُ بِهِ ثُمَّ عَلَّقُوهُ فِي التَّنُّور , فَلَا يَخْرُج مِنْ وَدَكه شَيْء إِلَّا فِي ذَلِكَ الْكَفَن ; وَذَلِكَ مِنْ طِيب الطَّعَام عِنْدهمْ . وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ نَافِع أَنَّ اِبْن عُمَر اِشْتَكَى وَاشْتَهَى عِنَبًا , فَاشْتُرِيَ لَهُ عُنْقُود بِدِرْهَمٍ , فَجَاءَ مِسْكِين فَسَأَلَ ; فَقَالَ : أَعْطُوهُ إِيَّاهُ ; فَخَالَفَ إِنْسَان فَاشْتَرَاهُ بِدِرْهَمٍ , ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَى اِبْن عُمَر , فَجَاءَ الْمِسْكِين فَسَأَلَ ; فَقَالَ : أَعْطُوهُ إِيَّاهُ ; ثُمَّ خَالَفَ إِنْسَان فَاشْتَرَاهُ بِدِرْهَمٍ , ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَيْهِ ; فَأَرَادَ السَّائِل أَنْ يَرْجِع فَمُنِعَ . وَلَوْ عَلِمَ اِبْن عُمَر أَنَّهُ ذَلِكَ الْعُنْقُود مَا ذَاقَهُ ; لِأَنَّ مَا خَرَجَ لِلَّهِ لَا يَعُود فِيهِ . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن مُطَرِّف قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حَازِم عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعِيد بْن يَرْبُوع عَنْ مَالِك الدَّار : أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَخَذَ أَرْبَعمِائَةِ دِينَار , فَجَعَلَهَا فِي صُرَّة ثُمَّ قَالَ لِلْغُلَامِ : اِذْهَبْ بِهَا إِلَى أَبِي عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح , ثُمَّ تَلَكَّأَ سَاعَة فِي الْبَيْت حَتَّى تَنْظُر مَاذَا يَصْنَع بِهَا . فَذَهَبَ بِهَا الْغُلَام إِلَيْهِ فَقَالَ : يَقُول لَك أَمِير الْمُؤْمِنِينَ : اِجْعَلْ هَذِهِ فِي بَعْض حَاجَتك ; فَقَالَ : وَصَلَهُ اللَّه وَرَحِمَهُ , ثُمَّ قَالَ : تَعَالَيْ يَا جَارِيَة , اِذْهَبِي بِهَذِهِ السَّبْعَة إِلَى فُلَان , وَبِهَذِهِ الْخَمْسَة إِلَى فُلَان ; حَتَّى أَنْفَذَهَا . فَرَجَعَ الْغُلَام إِلَى عُمَر , فَأَخْبَرَهُ فَوَجَدَهُ قَدْ أَعَدَّ مِثْلهَا لِمُعَاذِ بْن جَبَل ; وَقَالَ : اِذْهَبْ بِهَذَا إِلَى مُعَاذ بْن جَبَل ; وَتَلَكَّأَ فِي الْبَيْت سَاعَة حَتَّى تَنْظُر مَاذَا يَصْنَع , فَذَهَبَ بِهَا إِلَيْهِ فَقَالَ : يَقُول لَك أَمِير الْمُؤْمِنِينَ : اِجْعَلْ هَذِهِ فِي بَعْض حَاجَتك , فَقَالَ : رَحِمَهُ اللَّه وَوَصَلَهُ , وَقَالَ : يَا جَارِيَة , اِذْهَبِي إِلَى بَيْت فُلَان بِكَذَا وَبَيْت فُلَان بِكَذَا , فَاطَّلَعَتْ اِمْرَأَة مُعَاذ فَقَالَتْ : وَنَحْنُ ! وَاَللَّه مَسَاكِين فَأَعْطِنَا . وَلَمْ يَبْقَ فِي الْخِرْقَة إِلَّا دِينَارَانِ قَدْ جَاءَ بِهِمَا إِلَيْهَا . فَرَجَعَ الْغُلَام إِلَى عُمَر فَأَخْبَرَهُ فَسُرَّ بِذَلِكَ عُمَر وَقَالَ : إِنَّهُمْ إِخْوَة ! بَعْضهمْ مِنْ بَعْض . وَنَحْوه عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا فِي إِعْطَاء مُعَاوِيَة إِيَّاهَا , وَكَانَ عَشَرَة آلَاف وَكَانَ الْمُنْكَدِر دَخَلَ عَلَيْهَا . فَإِنْ قِيلَ : وَرَدَتْ أَخْبَار صَحِيحَة فِي النَّهْي عَنْ التَّصَدُّق بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكهُ الْمَرْء , قِيلَ لَهُ : إِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ فِي حَقّ مَنْ لَا يَوْثُق مِنْهُ الصَّبْر عَلَى الْفَقْر , وَخَافَ أَنْ يَتَعَرَّض لِلْمَسْأَلَةِ إِذَا فَقَدَ مَا يُنْفِقهُ . فَأَمَّا الْأَنْصَار الَّذِينَ أَثْنَى اللَّه عَلَيْهِمْ بِالْإِيثَارِ عَلَى أَنْفُسهمْ , فَلَمْ يَكُونُوا بِهَذِهِ الصِّفَة , بَلْ كَانُوا كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِين الْبَأْس " [ الْبَقَرَة : 177 ] . وَكَانَ الْإِيثَار فِيهِمْ أَفْضَل مِنْ الْإِمْسَاك . وَالْإِمْسَاك لِمَنْ لَا يَصْبِر وَيَتَعَرَّض لِلْمَسْأَلَةِ أَوْلَى مِنْ الْإِيثَار . وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ الْبَيْضَة مِنْ الذَّهَب فَقَالَ : هَذِهِ صَدَقَة , فَرَمَاهُ بِهَا وَقَالَ : ( يَأْتِي أَحَدكُمْ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكهُ فَيَتَصَدَّق بِهِ ثُمَّ يَقْعُد يَتَكَفَّف النَّاس ) . وَاَللَّه أَعْلَم . وَالْإِيثَار بِالنَّفْسِ فَوْق الْإِيثَار بِالْمَالِ وَإِنْ عَادَ إِلَى النَّفْس . وَمِنْ الْأَمْثَال السَّائِرَة : وَالْجُود بِالنَّفْسِ أَقْصَى غَايَة الْجُود وَمِنْ عِبَارَات الصُّوفِيَّة الرَّشِيقَة فِي حَدّ الْمَحَبَّة : أَنَّهَا الْإِيثَار , أَلَا تَرَى أَنَّ أَمْرَأَة الْعَزِيز لَمَّا تَنَاهَتْ فِي حُبّهَا لِيُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام , آثَرَتْهُ عَلَى نَفْسهَا فَقَالَتْ : أَنَا رَاوَدْته عَنْ نَفْسه . وَأَفْضَل الْجُود بِالنَّفْسِ الْجُود عَلَى حِمَايَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَفِي الصَّحِيح أَنَّ أَبَا طَلْحَة تَرَّسَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أُحُد , وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَطَلَّع لِيَرَى الْقَوْم . فَيَقُول لَهُ أَبُو طَلْحَة : لَا تُشْرِف يَا رَسُول اللَّه ! لَا يُصِيبُونَك ! نَحْرِي دُون نَحْرك وَوَقَى بِيَدِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشُلَّتْ . وَقَالَ حُذَيْفَة الْعَدَوِيّ : اِنْطَلَقْت يَوْم الْيَرْمُوك أَطْلُب اِبْن عَمّ لِي - وَمَعِي شَيْء مِنْ الْمَاء - وَأَنَا أَقُول : إِنْ كَانَ بِهِ رَمَق سَقَيْته , فَإِذَا أَنَا بِهِ , فَقُلْت لَهُ : أَسْقِيك , فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ , فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ يَقُول : آهْ ! آهْ ! فَأَشَارَ إِلَيَّ اِبْن عَمِّي أَنْ اِنْطَلِقْ إِلَيْهِ , فَإِذَا هُوَ هِشَام بْن الْعَاصِ فَقُلْت : أَسْقِيك ؟ فَأَشَارَ أَنْ نَعَمْ . فَسَمِعَ آخَر يَقُول : آهْ ! آهْ ! فَأَشَارَ هِشَام أَنْ اِنْطَلِقْ إِلَيْهِ فَجِئْته فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ . فَرَجَعْت إِلَى هِشَام فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ . فَرَجَعْت إِلَى اِبْن عَمِّي فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ . وَقَالَ أَبُو يَزِيد الْبِسْطَامِيّ : مَا غَلَبَنِي أَحَد مَا غَلَبَنِي شَابّ مِنْ أَهْل بَلْخ ! قَدِمَ عَلَيْنَا حَاجًّا فَقَالَ لِي : يَا أَبَا يَزِيد , مَا حَدّ الزُّهْد عِنْدكُمْ ؟ فَقُلْت : إِنْ وَجَدْنَا أَكْلنَا . وَإِنْ فَقَدْنَا صَبَرْنَا . فَقَالَ : هَكَذَا كِلَاب بَلْخ عِنْدنَا . فَقُلْت : وَمَا حَدّ الزُّهْد عِنْدكُمْ ؟ قَالَ : إِنْ فَقَدْنَا شَكَرْنَا , وَإِنْ وَجَدْنَا آثَرْنَا . وَسُئِلَ ذُو النُّون الْمِصْرِيّ : مَا حَدّ الزَّاهِد الْمُنْشَرِح صَدْره ؟ قَالَ ثَلَاث : تَفْرِيق الْمَجْمُوع , وَتَرْك طَلَب الْمَفْقُود , وَالْإِيثَار عِنْد الْقُوت . وَحُكِيَ عَنْ أَبِي الْحَسَن الْأَنْطَاكِيّ : أَنَّهُ اُجْتُمِعَ عِنْده نَيِّف وَثَلَاثُونَ رَجُلًا بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الرَّيّ , وَمَعَهُمْ أَرْغِفَة مَعْدُودَة لَا تُشْبِع جَمِيعهمْ , فَكَسَرُوا الرُّغْفَان وَأَطْفَئُوا السِّرَاج وَجَلَسُوا لِلطَّعَامِ ; فَلَمَّا رَفَعَ فَإِذَا الطَّعَام بِحَالِهِ لَمْ يَأْكُل مِنْهُ أَحَد شَيْئًا ; إِيثَارًا لِصَاحِبِهِ عَلَى نَفْسه . قَوْله تَعَالَى : " وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة " الْخَصَاصَة : الْحَاجَة الَّتِي تَخْتَلّ بِهَا الْحَال . وَأَصْلهَا مِنْ الِاخْتِصَاص وَهُوَ اِنْفِرَاد بِالْأَمْرِ . فَالْخَصَاصَة الِانْفِرَاد بِالْحَاجَةِ ; أَيْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ فَاقَة وَحَاجَة . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر . أَمَّا الرَّبِيع إِذَا تَكُون خَصَاصَة عَاشَ السَّقِيم بِهِ وَأَثْرَى الْمُقْتَر الشُّحّ وَالْبُخْل سَوَاء ; يُقَال : رَجُل شَحِيح بَيْن الشُّحّ وَالشَّحّ وَالشَّحَاحَة . قَالَ عَمْرو بْن كُلْثُوم : تَرَى اللَّحِز الشَّحِيح إِذَا أُمِرَّتْ عَلَيْهِ لِمَالِهِ فِيهَا مُهِينَا وَجَعَلَ بَعْض أَهْل اللُّغَة الشُّحّ أَشَدّ مِنْ الْبُخْل . وَفِي الصِّحَاح : الشُّحّ الْبُخْل مَعَ حِرْص ; تَقُول : شَحِحْت ( بِالْكَسْرِ ) تَشَحّ . وَشَحَحْت أَيْضًا تَشُحّ وَتَشِحّ . وَرَجُل شَحِيح , وَقَوْم شِحَاح وَأَشِحَّة . وَالْمُرَاد بِالْآيَةِ : الشُّحّ بِالزَّكَاةِ وَمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ مِنْ صِلَة ذَوِي الْأَرْحَام وَالضِّيَافَة , وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ . فَلَيْسَ بِشَحِيحٍ وَلَا بِخَيْلٍ مَنْ أَنْفَقَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ أَمْسَكَ عَنْ نَفْسه . وَمَنْ وَسَّعَ عَلَى نَفْسه وَلَمْ يُنْفِق فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الزَّكَوَات وَالطَّاعَات فَلَمْ يُوقَ شُحّ نَفْسه . وَرَوَى الْأَسْوَد عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ : إِنِّي أَخَاف أَنْ أَكُون قَدْ هَلَكْت ؟ قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : سَمِعْت اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول : " وَمَنْ يُوقَ شُحّ نَفْسه فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ " وَأَنَا رَجُل شَحِيح لَا أَكَاد أَنْ أُخْرِج مِنْ يَدِي شَيْئًا . فَقَالَ اِبْن مَسْعُود : لَيْسَ ذَلِكَ بِالشُّحِّ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى فِي الْقُرْآن , إِنَّمَا الشُّحّ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى فِي الْقُرْآن أَنْ تَأْكُل مَال أَخِيك ظُلْمًا , وَلَكِنْ ذَلِكَ الْبُخْل , وَبِئْسَ الشَّيْء الْبُخْل . فَفَرَّقَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بَيْن الشُّحّ وَالْبُخْل . وَقَالَ طَاوُس : الْبُخْل أَنْ يَبْخَل الْإِنْسَان بِمَا فِي يَده , وَالشُّحّ أَنْ يَشِحّ بِمَا فِي أَيْدِي النَّاس , يُحِبّ أَنْ يَكُون لَهُ مَا فِي أَيْدِيهمْ بِالْحِلِّ وَالْحَرَام , لَا يَقْنَع . اِبْن جُبَيْر : الشُّحّ مَنْع الزَّكَاة وَادِّخَار الْحَرَام . اِبْن عُيَيْنَة : الشُّحّ الظُّلْم . اللَّيْث : تَرْك الْفَرَائِض وَانْتِهَاك الْمَحَارِم . اِبْن عَبَّاس : مَنْ اِتَّبَعَ هَوَاهُ وَلَمْ يَقْبَل الْإِيمَان فَذَلِكَ الشَّحِيح . اِبْن زَيْد : مَنْ لَمْ يَأْخُذ شَيْئًا لِشَيْءٍ نَهَاهُ اللَّه عَنْهُ , وَلَمْ يَدَعهُ الشُّحّ عَلَى أَنْ يَمْنَع شَيْئًا مِنْ شَيْء أَمَرَهُ اللَّه بِهِ , فَقَدْ وَقَاهُ اللَّه شُحّ نَفْسه . وَقَالَ أَنَس : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَرِيء مِنْ الشُّحّ مَنْ أَدَّى الزَّكَاة وَقَرَى الضَّيْف وَأَعْطَى فِي النَّائِبَة ) . وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِك مِنْ شُحّ نَفْسِي وَإِسْرَافهَا وَوَسَاوِسهَا ) . وَقَالَ أَبُو الْهَيَّاج الْأَسَدِيّ : رَأَيْت رَجُلًا فِي الطَّوَاف يَدْعُو : اللَّهُمَّ قِنِي شُحّ نَفْسِي . لَا يَزِيد عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا , فَقُلْت لَهُ ؟ فَقَالَ : إِذَا وُقِيت شُحّ نَفْسِي لَمْ أَسْرِق وَلَمْ أَزْنِ وَلَمْ أَفْعَل . فَإِذَا الرَّجُل عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف . قُلْت : يَدُلّ عَلَى هَذَا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اِتَّقُوا الظُّلْم فَإِنَّ الظُّلْم ظُلُمَات يَوْم الْقِيَامَة وَاتَّقُوا الشُّحّ فَإِنَّ الشُّحّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمهمْ ) . وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي آخِر " آل عِمْرَان " . وَقَالَ كِسْرَى لِأَصْحَابِهِ : أَيّ شَيْء أَضَرّ بِابْنِ آدَم ؟ قَالُوا : الْفَقْر . فَقَالَ كِسْرَى : الشُّحّ أَضَرّ مِنْ الْفَقْر ; لِأَنَّ الْفَقِير إِذَا وَجَدَ شَبِعَ , وَالشَّحِيح إِذَا وَجَدَ لَمْ يَشْبَع أَبَدًا .'; $TAFSEER['4']['59']['10'] = 'يَعْنِي التَّابِعِينَ وَمَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . قَالَ اِبْن أَبِي لَيْلَى : النَّاس عَلَى ثَلَاثَة مَنَازِل : الْمُهَاجِرُونَ , وَاَلَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّار وَالْإِيمَان , وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدهمْ . فَاجْهَدْ أَلَّا تَخْرُج مِنْ هَذِهِ الْمَنَازِل . وَقَالَ بَعْضهمْ : كُنْ شَمْسًا , فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَكُنْ قَمَرًا , فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَكُنْ كَوْكَبًا مُضِيئًا , فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَكُنْ كَوْكَبًا صَغِيرًا , وَمِنْ جِهَة النُّور لَا تَنْقَطِع . وَمَعْنَى هَذَا : كُنْ مُهَاجِرِيًّا . فَإِنْ قُلْت : لَا أَجِد , فَكُنْ أَنْصَارِيًّا . فَإِنْ لَمْ تَجِد فَاعْمَلْ كَأَعْمَالِهِمْ , فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَأَحِبَّهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ كَمَا أَمَرَك اللَّه . وَرَوَى مُصْعَب بْن سَعْد قَالَ : النَّاس عَلَى ثَلَاثَة مَنَازِل , فَمَضَتْ مَنْزِلَتَانِ وَبَقِيَتْ مَنْزِلَة ; فَأَحْسَن مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ أَنْ تَكُونُوا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَة الَّتِي بَقِيَتْ . وَعَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه عَلِيّ بْن الْحُسَيْن رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , أَنَّهُ جَاءَهُ رَجُل فَقَالَ لَهُ : يَا اِبْن بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَا تَقُول فِي عُثْمَان ؟ فَقَالَ لَهُ : يَا أَخِي أَنْتَ مِنْ قَوْم قَالَ اللَّه فِيهِمْ : " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ " الْآيَة . قَالَ لَا قَالَ : فَوَاَللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْل الْآيَة فَأَنْتَ مِنْ قَوْم قَالَ اللَّه فِيهِمْ : " وَاَلَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّار وَالْإِيمَان " الْآيَة . قَالَ لَا قَالَ : فَوَاَللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْل الْآيَة الثَّالِثَة لَتَخْرُجَن مِنْ الْإِسْلَام وَهِيَ قَوْله تَعَالَى : " وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدهمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اِغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ " الْآيَة . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن , رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ , رَوَى عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَهْل الْعِرَاق جَاءُوا إِلَيْهِ , فَسَبُّوا أَبَا بَكْر وَعُمَر - رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا - ثُمَّ عُثْمَان - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - فَأَكْثَرُوا ; فَقَالَ لَهُمْ : أَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَنْتُمْ ؟ قَالُوا لَا . فَقَالَ : أَفَمِنْ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّار وَالْإِيمَان مِنْ قَبْلهمْ ؟ فَقَالُوا لَا . فَقَالَ : قَدْ تَبَرَّأْتُمْ مِنْ هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ ! أَنَا أَشْهَد أَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنْ الَّذِينَ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدهمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اِغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَل فِي قُلُوبنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبّنَا إِنَّك رَءُوف رَحِيم " قُومُوا , فَعَلَ اللَّه بِكُمْ وَفَعَلَ ذَكَرَهُ النَّحَّاس . هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى وُجُوب مَحَبَّة الصَّحَابَة ; لِأَنَّهُ جَعَلَ لِمَنْ بَعْدهمْ حَظًّا فِي الْفَيْء مَا أَقَامُوا عَلَى مَحَبَّتهمْ وَمُوَالَاتهمْ وَالِاسْتِغْفَار لَهُمْ , وَأَنَّ مَنْ سَبَّهُمْ أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَوْ اِعْتَقَدَ فِيهِ شَرًّا إِنَّهُ لَا حَقّ لَهُ فِي الْفَيْء ; رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِك وَغَيْره . قَالَ مَالِك : مَنْ كَانَ يُبْغِض أَحَدًا مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ كَانَ فِي قَلْبه عَلَيْهِمْ غِلّ , فَلَيْسَ لَهُ حَقّ فِي فَيْء الْمُسْلِمِينَ ; ثُمَّ قَرَأَ " وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدهمْ " الْآيَة . هَذِهِ الْآيَة تَدُلّ عَلَى أَنَّ الصَّحِيح مِنْ أَقْوَال الْعُلَمَاء قِسْمَة الْمَنْقُول , وَإِبْقَاء الْعَقَار وَالْأَرْض شَمْلًا بَيْن الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ ; كَمَا فَعَلَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ; إِلَّا أَنْ يَجْتَهِد الْوَالِي فَيُنْفِذ أَمْرًا فَيُمْضِي عَمَله فِيهِ لِاخْتِلَافِ النَّاس عَلَيْهِ وَأَنَّ هَذِهِ الْآيَة قَاضِيَة بِذَلِكَ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ الْفَيْء وَجَعَلَهُ لِثَلَاثِ طَوَائِف : الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار - وَهُمْ مُعَلَّمُونَ - " وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدهمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اِغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ " . فَهِيَ عَامَّة فِي جَمِيع التَّابِعِينَ وَالْآتِينَ بَعْدهمْ إِلَى يَوْم الدِّين . وَفِي الْحَدِيث الصَّحِيح : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْمَقْبَرَة فَقَالَ : ( السَّلَام عَلَيْكُمْ دَار قَوْم مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّه بِكُمْ لَاحِقُونَ وَدِدْت أَنْ رَأَيْت إِخْوَاننَا ) قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , أَلَسْنَا بِإِخْوَانِك ؟ فَقَالَ : ( بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَاننَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْد وَأَنَا فَرَطهمْ عَلَى الْحَوْض ) . فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ إِخْوَانهمْ كُلّ مَنْ يَأْتِي بَعْدهمْ ; لَا كَمَا قَالَ السُّدِّيّ وَالْكَلْبِيّ : إِنَّهُمْ الَّذِينَ هَاجَرُوا بَعْد ذَلِكَ . وَعَنْ الْحَسَن أَيْضًا " وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدهمْ " مَنْ قَصَدَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة بَعْد اِنْقِطَاع الْهِجْرَة . نُصِبَ فِي مَوْضِع الْحَال ; أَيْ قَائِلِينَ . فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِمَنْ سَبَقَ هَذِهِ الْأُمَّة مِنْ مُؤْمِنِي أَهْل الْكِتَاب . قَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : فَأُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لَهُمْ فَسَبُّوهُمْ . الثَّانِي : أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار . قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِالِاسْتِغْفَارِ لِأَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُمْ سَيُفْتَنُونَ . وَقَالَتْ عَائِشَة : أُمِرْتُمْ بِالِاسْتِغْفَارِ لِأَصْحَابِ مُحَمَّد فَسَبَبْتُمُوهُمْ , سَمِعْت نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( لَا تَذْهَب هَذِهِ الْأُمَّة حَتَّى يَلْعَن آخِرهَا أَوَّلهَا ) وَقَالَ اِبْن عُمَر : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( إِذَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يَسُبُّونَ أَصْحَابِي فَقُولُوا لَعَنَ اللَّه أَشَرّكُمْ ) . وَقَالَ الْعَوَّام بْن حَوْشَب : أَدْرَكْت صَدْر هَذِهِ الْأُمَّة يَقُولُونَ : اُذْكُرُوا مَحَاسِن أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَأَلَّفَ عَلَيْهِمْ الْقُلُوب , وَلَا تَذْكُرُوا مَا شَجَرَ بَيْنهمْ فَتُجَسِّرُوا النَّاس عَلَيْهِمْ . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : تَفَاضَلَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى عَلَى الرَّافِضَة بِخَصْلَةٍ , سُئِلَتْ الْيَهُود : مَنْ خَيْر أَهْل مِلَّتكُمْ ؟ فَقَالُوا : أَصْحَاب مُوسَى . وَسُئِلَتْ النَّصَارَى : مَنْ خَيْر أَهْل مِلَّتكُمْ ؟ فَقَالُوا : أَصْحَاب عِيسَى . وَسُئِلَتْ الرَّافِضَة مَنْ شَرّ أَهْل مِلَّتكُمْ ؟ فَقَالُوا : أَصْحَاب مُحَمَّد , أُمِرُوا بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ فَسَبُّوهُمْ , فَالسَّيْف عَلَيْهِمْ مَسْلُول إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , لَا تَقُوم لَهُمْ رَايَة , وَلَا تَثْبُت لَهُمْ قَدَم , وَلَا تَجْتَمِع لَهُمْ كَلِمَة كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّه بِسَفْكِ دِمَائِهِمْ وَإِدْحَاض حُجَّتهمْ . أَعَاذَنَا اللَّه وَإِيَّاكُمْ مِنْ الْأَهْوَاء الْمُضِلَّة . " وَلَا تَجْعَل فِي قُلُوبنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبّنَا إِنَّك رَءُوف رَحِيم " أَيْ حِقْدًا وَحَسَدًا " رَبّنَا إِنَّك رَءُوف رَحِيم "'; $TAFSEER['4']['59']['11'] = 'تَعَجُّب مِنْ اِغْتِرَار الْيَهُود بِمَا وَعَدَهُمْ الْمُنَافِقُونَ مِنْ النَّصْر مَعَ عِلْمهمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ دِينًا وَلَا كِتَابًا . وَمِنْ جُمْلَة الْمُنَافِقِينَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول , وَعَبْد اللَّه بْن نَبْتَل , وَرِفَاعَة بْن زَيْد . وَقِيلَ : رَافِعَة بْن تَابُوت , وَأَوْس بْن قَيْظِيّ , كَانُوا مِنْ الْأَنْصَار وَلَكِنَّهُمْ نَافَقُوا , وَقَالُوا لِيَهُودِ قُرَيْظَة وَالنَّضِير . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل بَنِي النَّضِير لِقُرَيْظَة . يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لَا نُطِيعهُ فِي قِتَالكُمْ . وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى صِحَّة نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جِهَة عِلْم الْغَيْب ; لِأَنَّهُمْ أُخْرِجُوا فَلَمْ يَخْرُجُوا , وَقُوتِلُوا فَلَمْ يَنْصُرُوهُمْ ; كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى . أَيْ فِي قَوْلهمْ وَفِعْلهمْ .'; $TAFSEER['4']['59']['12'] = 'قَوْله تَعَالَى : " لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَار " أَيْ مُنْهَزِمِينَ . " ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ " قِيلَ : مَعْنَى " لَا يَنْصُرُونَهُمْ " طَائِعِينَ . " وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ " مُكْرَهِينَ " لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَار " . وَقِيلَ : مَعْنَى " لَا يَنْصُرُونَهُمْ " لَا يَدُومُونَ عَلَى نَصْرهمْ . هَذَا عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَيْنِ مُتَّفِقَانِ . وَقِيلَ : إِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ ; وَالْمَعْنَى لَئِنْ أُخْرِجَ الْيَهُود لَا يَخْرُج مَعَهُمْ الْمُنَافِقُونَ , وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ . " وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ " أَيْ وَلَئِنْ نَصَرَ الْيَهُود الْمُنَافِقِينَ " لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَار " . وَقِيلَ : " لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ " أَيْ عَلِمَ اللَّه مِنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ إِنْ أُخْرِجُوا . " وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ " أَيْ عَلِمَ اللَّه مِنْهُمْ ذَلِكَ . ثُمَّ قَالَ : " لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَار " فَأَخْبَرَ عَمَّا قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَكُون كَيْفَ كَانَ يَكُون لَوْ كَانَ ؟ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ " [ الْأَنْعَام : 28 ] . وَقِيلَ : مَعْنَى " وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ " أَيْ وَلَئِنْ شِئْنَا أَنْ يَنْصُرُوهُمْ زَيَّنَّا ذَلِكَ لَهُمْ . " لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَار " .'; $TAFSEER['4']['59']['13'] = 'يَا مَعْشَر الْمُسْلِمِينَ أَيْ خَوْفًا وَخَشْيَة يَعْنِي صُدُور بَنِي النَّضِير . وَقِيلَ : فِي صُدُور الْمُنَافِقِينَ . وَيَحْتَمِل أَنْ يَرْجِع إِلَى الْفَرِيقَيْنِ ; أَيْ يَخَافُونَ مِنْكُمْ أَكْثَر مِمَّا يَخَافُونَ مِنْ رَبّهمْ ذَلِكَ الْخَوْف . أَيْ لَا يَفْقَهُونَ قَدْر عَظَمَة اللَّه وَقُدْرَته .'; $TAFSEER['4']['59']['14'] = 'يَعْنِي الْيَهُود أَيْ بِالْحِيطَانِ وَالدُّور ; يَظُنُّونَ أَنَّهَا تَمْنَعهُمْ مِنْكُمْ . أَيْ مِنْ خَلْف حِيطَان يَسْتَتِرُونَ بِهَا لِجُبْنِهِمْ وَرَهْبَتهمْ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " جُدُر " عَلَى الْجَمْع , وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْدَة وَأَبِي حَاتِم ; لِأَنَّهَا نَظِير قَوْله تَعَالَى : " فِي قُرًى مُحَصَّنَة " وَذَلِكَ جَمْع . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَابْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَأَبُو عَمْرو " جِدَار " عَلَى التَّوْحِيد ; لِأَنَّ التَّوْحِيد يُؤَدِّي عَنْ الْجَمْع . وَرُوِيَ عَنْ بَعْض الْمَكِّيِّينَ " جَدْر " ( بِفَتْحِ الْجِيم وَإِسْكَان الدَّال ) ; وَهِيَ لُغَة فِي الْجِدَار . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ مِنْ وَرَاء نَخِيلهمْ وَشَجَرهمْ ; يُقَال : أَجْدَرَ النَّخْل إِذَا طَلَعَتْ رُءُوسه فِي أَوَّل الرَّبِيع . وَالْجِدْر : نَبْت وَاحِدَته جِدْرَة . وَقُرِئَ " جُدْر " ( بِضَمِّ الْجِيم وَإِسْكَان الدَّال ) جَمْع الْجِدَار . وَيَجُوز أَنْ تَكُون الْأَلِف فِي الْوَاحِد كَأَلِفِ كِتَاب , وَفِي الْجَمْع كَأَلِفِ ظِرَاف . وَمِثْله نَاقَة هِجَان وَنُوق هِجَان ; لِأَنَّك تَقُول فِي التَّثْنِيَة : هِجَانَانِ ; فَصَارَ لَفْظ الْوَاحِد وَالْجَمْع مُشْتَبِهَيْنِ فِي اللَّفْظ مُخْتَلِفَيْنِ فِي الْمَعْنَى ; قَالَهُ اِبْن جِنِّي . يَعْنِي عَدَاوَة بَعْضهمْ لِبَعْضٍ . وَقَالَ مُجَاهِد : " بَأْسهمْ بَيْنهمْ شَدِيد " أَيْ بِالْكَلَامِ وَالْوَعِيد لَنَفْعَلَنَّ كَذَا . وَقَالَ السُّدِّيّ : الْمُرَاد اِخْتِلَاف قُلُوبهمْ حَتَّى لَا يَتَّفِقُوا عَلَى أَمْر وَاحِد . وَقِيلَ : " بَأْسهمْ بَيْنهمْ شَدِيد " أَيْ إِذَا لَمْ يَلْقَوْا عَدُوًّا نَسَبُوا أَنْفُسهمْ إِلَى الشِّدَّة وَالْبَأْس , وَلَكِنْ إِذَا لَقُوا الْعَدُوّ اِنْهَزَمُوا . يَعْنِي الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ ; قَالَهُ مُجَاهِد . وَعَنْهُ أَيْضًا يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ . الثَّوْرِيّ : هُمْ الْمُشْرِكُونَ وَأَهْل الْكِتَاب . وَقَالَ قَتَادَة : " تَحْسَبهُمْ جَمِيعًا " أَيْ مُجْتَمَعِينَ عَلَى أَمْر وَرَأْي . مُتَفَرِّقَة . فَأَهْل الْبَاطِل مُخْتَلِفَة آرَاؤُهُمْ , مُخْتَلِفَة شَهَادَتهمْ , مُخْتَلِفَة أَهْوَاؤُهُمْ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فِي عَدَاوَة أَهْل الْحَقّ . وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا : أَرَادَ أَنَّ دِين الْمُنَافِقِينَ مُخَالِف لِدِينِ الْيَهُود ; وَهَذَا لِيُقَوِّيَ أَنْفُس الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ . وَقَالَ الشَّاعِر : إِلَى اللَّه أَشْكُو نِيَّة شَقَّتْ الْعَصَا هِيَ الْيَوْم شَتَّى وَهِيَ أَمَسّ جُمَّعُ وَفِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود " وَقُلُوبهمْ أَشَتّ " يَعْنِي أَشَدّ تَشْتِيتًا ; أَيْ أَشَدّ اِخْتِلَافًا . أَيْ ذَلِكَ التَّشْتِيت وَالْكُفْر بِأَنَّهُمْ لَا عَقْل لَهُمْ يَعْقِلُونَ بِهِ أَمْر اللَّه .'; $TAFSEER['4']['59']['15'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس : يَعْنِي بِهِ قَيْنُقَاع ; أَمْكَنَ اللَّه مِنْهُمْ قَبْل بَنِي النَّضِير . وَقَالَ قَتَادَة : يَعْنِي بَنِي النَّضِير ; أَمْكَنَ اللَّه مِنْهُمْ قَبْل قُرَيْظَة . مُجَاهِد : يَعْنِي كُفَّار قُرَيْش يَوْم بَدْر . وَقِيلَ : هُوَ عَامّ فِي كُلّ مَنْ اِنْتَقَمَ مِنْهُ عَلَى كُفْره قَبْل بَنِي النَّضِير مِنْ نُوح إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمَعْنَى " وَبَال " جَزَاء كُفْرهمْ . وَمَنْ قَالَ : هُمْ بَنُو قُرَيْظَة , جَعَلَ " وَبَال أَمْرهمْ " نُزُولهمْ عَلَى حُكْم سَعْد بْن مُعَاذ ; فَحَكَمَ فِيهِمْ بِقَتْلِ الْمُقَاتِلَة وَسَبْي الذُّرِّيَّة . وَهُوَ قَوْل الضَّحَّاك . وَمَنْ قَالَ الْمُرَاد بَنُو النَّضِير قَالَ : " وَبَال أَمْرهمْ " الْجَلَاء وَالنَّفْي . وَكَانَ بَيْن النَّضِير وَقُرَيْظَة سَنَتَانِ . وَكَانَتْ وَقْعَة بَدْر قَبْل غَزْوَة بَنِي النَّضِير بِسِتَّةِ أَشْهُر , فَلِذَلِكَ قَالَ : " قَرِيبًا " وَقَدْ قَالَ قَوْم : غَزْوَة بَنِي النَّضِير بَعْد وَقْعَة أُحُد . " وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم " فِي الْآخِرَة .'; $TAFSEER['4']['59']['16'] = 'هَذَا ضَرْب مَثَل لِلْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُود فِي تَخَاذُلهمْ وَعَدَم الْوَفَاء فِي نُصْرَتهمْ . وَحُذِفَ حَرْف الْعَطْف , وَلَمْ يَقُلْ : وَكَمَثَلِ الشَّيْطَان ; لِأَنَّ حَذْف حَرْف الْعَطْف كَثِير كَمَا تَقُول : أَنْتَ عَاقِل أَنْتَ كَرِيم أَنْتَ عَالِم . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّ الْإِنْسَان الَّذِي قَالَ لَهُ الشَّيْطَان اُكْفُرْ , رَاهِب تُرِكَتْ عِنْده اِمْرَأَة أَصَابَهَا لَمَم لِيَدْعُوَ لَهَا , فَزَيَّنَ لَهُ الشَّيْطَان فَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ , ثُمَّ قَتَلَهَا خَوْفًا أَنْ يَفْتَضِح , فَدَلَّ الشَّيْطَان قَوْمهَا عَلَى مَوْضِعهَا , فَجَاءُوا فَاسْتَنْزَلُوا الرَّاهِب لِيَقْتُلُوهُ , فَجَاءَ الشَّيْطَان فَوَعَدَهُ أَنَّهُ إِنْ سَجَدَ لَهُ أَنْجَاهُ مِنْهُمْ , فَسَجَدَ لَهُ فَتَبَرَّأَ مِنْهُ فَأَسْلَمَهُ . ذَكَرَهُ الْقَاضِي إِسْمَاعِيل وَعَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ عُرْوَة بْن عَامِر عَنْ عُبَيْد بْن رِفَاعَة الزُّرَقِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَذَكَرَ خَبَره مُطَوَّلًا اِبْن عَبَّاس وَوَهْب بْن مُنَبِّه . وَلَفْظهمَا مُخْتَلِف . قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى : " كَمَثَلِ الشَّيْطَان " : كَانَ رَاهِب فِي الْفَتْرَة يُقَال لَهُ : بِرْصِيصَا ; قَدْ تَعَبَّدَ فِي صَوْمَعَته سَبْعِينَ سَنَة , لَمْ يَعْصِ اللَّه فِيهَا طَرْفَة عَيْن , حَتَّى أَعْيَا إِبْلِيس , فَجَمَعَ إِبْلِيس مَرَدَة الشَّيَاطِين فَقَالَ : أَلَا أَجِد مِنْكُمْ مَنْ يَكْفِينِي أَمْر بِرْصِيصَا ؟ فَقَالَ الْأَبْيَض , وَهُوَ صَاحِب الْأَنْبِيَاء , وَهُوَ الَّذِي قَصَدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُورَة جِبْرِيل لِيُوَسْوِس إِلَيْهِ عَلَى وَجْه الْوَحْي , فَجَاءَ جِبْرِيل فَدَخَلَ بَيْنهمَا , ثُمَّ دَفَعَهُ بِيَدِهِ حَتَّى وَقَعَ بِأَقْصَى الْهِنْد فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " ذِي قُوَّة عِنْد ذِي الْعَرْش مَكِين " [ التَّكْوِير : 20 ] فَقَالَ : أَنَا أَكْفِيكَهُ ; فَانْطَلَقَ فَتَزَيَّا بِزِيِّ الرُّهْبَان , وَحَلَقَ وَسَط رَأْسه حَتَّى أَتَى صَوْمَعَة بِرْصِيصَا فَنَادَاهُ فَلَمْ يُجِبْهُ ; وَكَانَ لَا يَنْفَتِل مِنْ صَلَاته إِلَّا فِي كُلّ عَشَرَة أَيَّام يَوْمًا , وَلَا يُفْطِر إِلَّا فِي كُلّ عَشَرَة أَيَّام ; وَكَانَ يُوَاصِل الْعَشَرَة الْأَيَّام وَالْعِشْرِينَ وَالْأَكْثَر ; فَلَمَّا رَأَى الْأَبْيَض أَنَّهُ لَا يُجِيبهُ أَقْبَلَ عَلَى الْعِبَادَة فِي أَصْل صَوْمَعَته ; فَلَمَّا اِنْفَتَلَ بِرْصِيصَا مِنْ صَلَاته , رَأَى الْأَبْيَض قَائِمًا يُصَلِّي فِي هَيْئَة حَسَنَة مِنْ هَيْئَة الرُّهْبَان ; فَنَدِمَ حِين لَمْ يُجِبْهُ , فَقَالَ : مَا حَاجَتك ؟ فَقَالَ : أَنْ أَكُون مَعَك , فَأَتَأَدَّب بِأَدَبِك , وَأَقْتَبِس مِنْ عَمَلك , وَنَجْتَمِع عَلَى الْعِبَادَة ; فَقَالَ : إِنِّي فِي شُغْل عَنْك ; ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى صَلَاته ; وَأَقْبَلَ الْأَبْيَض أَيْضًا عَلَى الصَّلَاة ; فَلَمَّا رَأَى بِرْصِيصَا شِدَّة اِجْتِهَاده وَعِبَادَته قَالَ لَهُ : مَا حَاجَتك ؟ فَقَالَ : أَنْ تَأْذَن لِي فَأَرْتَفِع إِلَيْك . فَأَذِنَ لَهُ فَأَقَامَ الْأَبْيَض مَعَهُ حَوْلًا لَا يُفْطِر إِلَّا فِي كُلّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَوْمًا وَاحِدًا , وَلَا يَنْفَتِل مِنْ صَلَاته إِلَّا فِي كُلّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا , وَرُبَّمَا مَدّ إِلَى الثَّمَانِينَ ; فَلَمَّا رَأَى بِرْصِيصَا اِجْتِهَاده تَقَاصَرَتْ إِلَيْهِ نَفْسه . ثُمَّ قَالَ الْأَبْيَض : عِنْدِي دَعَوَات يَشْفِي اللَّه بِهَا السَّقِيم وَالْمُبْتَلَى وَالْمَجْنُون ; فَعَلَّمَهُ إِيَّاهَا . ثُمَّ جَاءَ إِلَى إِبْلِيس فَقَالَ : قَدْ وَاَللَّه أَهْلَكْت الرَّجُل . ثُمَّ تَعَرَّضَ لِرَجُلٍ فَخَنَقَهُ , ثُمَّ قَالَ لِأَهْلِهِ - وَقَدْ تَصَوَّرَ فِي صُورَة الْآدَمِيِّينَ - : إِنَّ بِصَاحِبِكُمْ جُنُونًا أَفَأَطِبُّهُ ؟ قَالُوا نَعَمْ . فَقَالَ : لَا أَقْوَى عَلَى جِنِّيَّته , وَلَكِنْ اِذْهَبُوا بِهِ إِلَى بِرْصِيصَا , فَإِنَّ عِنْده اِسْم اللَّه الْأَعْظَم الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى , وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ ; فَجَاءُوهُ فَدَعَا بِتِلْكَ الدَّعَوَات , فَذَهَبَ عَنْهُ الشَّيْطَان . ثُمَّ جَعَلَ الْأَبْيَض يَفْعَل بِالنَّاسِ ذَلِكَ وَيُرْشِدهُمْ إِلَى بِرْصِيصَا فَيُعَافُونَ . فَانْطَلَقَ إِلَى جَارِيَة مِنْ بَنَات الْمُلُوك بَيْن ثَلَاثَة إِخْوَة , وَكَانَ أَبُوهُمْ مَلِكًا فَمَاتَ وَاسْتَخْلَفَ أَخَاهُ , وَكَانَ عَمّهَا مَلِكًا فِي بَنِي إِسْرَائِيل فَعَذَّبَهَا وَخَنَقَهَا . ثُمَّ جَاءَ إِلَيْهِمْ فِي صُورَة رَجُل مُتَطَبِّب لِيُعَالِجهَا فَقَالَ : إِنَّ شَيْطَانهَا مَارِد لَا يُطَاق , وَلَكِنْ اِذْهَبُوا بِهَا إِلَى بِرْصِيصَا فَدَعُوهَا عِنْده , فَإِذَا جَاءَ شَيْطَانهَا دَعَا لَهَا فَبَرِئَتْ ; فَقَالُوا : لَا يُجِيبنَا إِلَى هَذَا ; قَالَ : فَابْنُوا صَوْمَعَة فِي جَانِب صَوْمَعَته ثُمَّ ضَعُوهَا فِيهَا , وَقُولُوا : هِيَ أَمَانَة عِنْدك فَاحْتَسِبْ فِيهَا . فَسَأَلُوهُ ذَلِكَ فَأَبَى , فَبَنَوْا صَوْمَعَة وَوَضَعُوا فِيهَا الْجَارِيَة ; فَلَمَّا اِنْفَتَلَ مِنْ صَلَاته عَايَنَ الْجَارِيَة وَمَا بِهَا مِنْ الْجَمَال فَأُسْقِطَ فِي يَده , فَجَاءَهَا الشَّيْطَان فَخَنَقَهَا فَانْفَتَلَ مِنْ صَلَاته وَدَعَا لَهَا فَذَهَبَ عَنْهَا الشَّيْطَان , ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى صَلَاته فَجَاءَهَا الشَّيْطَان فَخَنَقَهَا . وَكَانَ يَكْشِف عَنْهَا وَيَتَعَرَّض بِهَا لِبِرْصِيصَا , ثُمَّ جَاءَهُ الشَّيْطَان فَقَالَ : وَيْحك ! وَاقِعهَا , فَمَا تَجِد مِثْلهَا ثُمَّ تَتُوب بَعْد ذَلِكَ . فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى وَاقَعَهَا فَحَمَلَتْ وَظَهَرَ حَمْلهَا . فَقَالَ لَهُ الشَّيْطَان : وَيْحك ! قَدْ اِفْتَضَحْت . فَهَلْ لَك أَنْ تَقْتُلهَا ثُمَّ تَتُوب فَلَا تَفْتَضِح , فَإِنْ جَاءُوك وَسَأَلُوك فَقُلْ جَاءَهَا شَيْطَانهَا فَذَهَبَ بِهَا . فَقَتَلَهَا بِرْصِيصَا وَدَفْنهَا لَيْلًا ; فَأَخَذَ الشَّيْطَان طَرَف ثَوْبهَا حَتَّى بَقِيَ خَارِجًا مِنْ التُّرَاب ; وَرَجَعَ بِرْصِيصَا إِلَى صَلَاته . ثُمَّ جَاءَ الشَّيْطَان إِلَى إِخْوَتهَا فِي الْمَنَام فَقَالَ : إِنَّ بِرْصِيصَا فَعَلَ بِأُخْتِكُمْ كَذَا وَكَذَا , وَقَتَلَهَا وَدَفَنَهَا فِي جَبَل كَذَا وَكَذَا ; فَاسْتَعْظَمُوا ذَلِكَ وَقَالُوا لِبِرْصِيصَا : مَا فَعَلَتْ أُخْتنَا ؟ فَقَالَ : ذَهَبَ بِهَا شَيْطَانهَا ; فَصَدَّقُوهُ وَانْصَرَفُوا . ثُمَّ جَاءَهُمْ الشَّيْطَان فِي الْمَنَام وَقَالَ : إِنَّهَا مَدْفُونَة فِي مَوْضِع كَذَا وَكَذَا , وَإِنَّ طَرَف رِدَائِهَا خَارِج مِنْ التُّرَاب ; فَانْطَلَقُوا فَوَجَدُوهَا , فَهَدَمُوا صَوْمَعَته وَأَنْزَلُوهُ وَخَنَقُوهُ , وَحَمَلُوهُ إِلَى الْمَلِك فَأَقَرَّ عَلَى نَفْسه فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ . فَلَمَّا صُلِبَ قَالَ الشَّيْطَان : أَتَعْرِفُنِي ؟ قَالَ لَا وَاَللَّه قَالَ : أَنَا صَاحِبك الَّذِي عَلَّمْتُك الدَّعَوَات , أَمَا اِتَّقَيْت اللَّه أَمَا اسْتَحَيْت وَأَنْتَ أَعْبَد بَنِي إِسْرَائِيل ثُمَّ لَمْ يَكْفِك صَنِيعك حَتَّى فَضَحْت نَفْسك , وَأَقْرَرْت عَلَيْهَا وَفَضَحْت أَشْبَاهك مِنْ النَّاس فَإِنْ مِتّ عَلَى هَذِهِ الْحَالَة لَمْ يُفْلِح أَحَد مِنْ نُظَرَائِك بَعْدك . فَقَالَ : كَيْفَ أَصْنَع ؟ قَالَ : تُطِيعنِي فِي خَصْلَة وَاحِدَة وَأُنْجِيك مِنْهُمْ وَآخُذ بِأَعْيُنِهِمْ . قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ تَسْجُد لِي سَجْدَة وَاحِدَة ; فَقَالَ : أَنَا أَفْعَل ; فَسَجَدَ لَهُ مِنْ دُون اللَّه . فَقَالَ : يَا بِرْصِيصَا , هَذَا أَرَدْت مِنْك ; كَانَ عَاقِبَة أَمْرك أَنْ كَفَرْت بِرَبِّك , إِنِّي بَرِيء مِنْك , إِنِّي أَخَاف اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ . وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : إِنَّ عَابِدًا كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل , وَكَانَ مِنْ أَعْبَد أَهْل زَمَانه , وَكَانَ فِي زَمَانه ثَلَاثَة إِخْوَة لَهُمْ أُخْت , وَكَانَتْ بِكْرًا , لَيْسَتْ لَهُمْ أُخْت غَيْرهَا , فَخَرَجَ الْبَعْث عَلَى ثَلَاثَتهمْ , فَلَمْ يَدْرُوا عِنْد مَنْ يَخْلُفُونَ أُخْتهمْ , وَلَا عِنْد مَنْ يَأْمَنُونَ عَلَيْهَا , وَلَا عِنْد مَنْ يَضَعُونَهَا . قَالَ فَاجْتَمَعَ رَأْيهمْ عَلَى أَنْ يَخْلُفُوهَا عِنْد عَابِد بَنِي إِسْرَائِيل , وَكَانَ ثِقَة فِي أَنْفُسهمْ , فَأَتَوْهُ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَخْلُفُوهَا عِنْده , فَتَكُون فِي كَنَفه وَجِوَاره إِلَى أَنْ يَقْفِلُوا مِنْ غُزَاتهمْ , فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَتَعَوَّذَ بِاَللَّهِ مِنْهُمْ وَمِنْ أُخْتهمْ . قَالَ فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَطْمَعَهُمْ فَقَالَ : أَنْزِلُوهَا فِي بَيْت حِذَاء صَوْمَعَتِي , فَأَنْزَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْبَيْت ثُمَّ اِنْطَلَقُوا وَتَرَكُوهَا , فَمَكَثَتْ فِي جِوَار ذَلِكَ الْعَابِد زَمَانًا , يُنْزِل إِلَيْهَا الطَّعَام مِنْ صَوْمَعَته , فَيَضَعهُ عِنْد بَاب الصَّوْمَعَة , ثُمَّ يُغْلِق بَابه وَيَصْعَد فِي صَوْمَعَته , ثُمَّ يَأْمُرهَا فَتَخْرُج مِنْ بَيْتهَا فَتَأْخُذ مَا وُضِعَ لَهَا مِنْ الطَّعَام . قَالَ : فَتَلَطَّفَ لَهُ الشَّيْطَان فَلَمْ يَزَلْ يُرَغِّبهُ فِي الْخَيْر , وَيُعَظِّم عَلَيْهِ خُرُوج الْجَارِيَة مِنْ بَيْتهَا نَهَارًا , وَيُخَوِّفهُ أَنْ يَرَاهَا أَحَد فَيَعْلَقهَا . قَالَ : فَلَبِثَ بِذَلِكَ زَمَانًا , ثُمَّ جَاءَهُ إِبْلِيس فَرَغَّبَهُ فِي الْخَيْر وَالْأَجْر , وَقَالَ لَهُ : لَوْ كُنْت تَمْشِي إِلَيْهَا بِطَعَامِهَا حَتَّى تَضَعهُ فِي بَيْتهَا كَانَ أَعْظَم لِأَجْرِك ; قَالَ : فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى مَشَى إِلَيْهَا بِطَعَامِهَا فَوَضَعَهُ فِي بَيْتهَا , قَالَ : فَلَبِثَ بِذَلِكَ زَمَانًا ثُمَّ جَاءَهُ إِبْلِيس فَرَغَّبَهُ فِي الْخَيْر وَحَضَّهُ عَلَيْهِ , وَقَالَ : لَوْ كُنْت تُكَلِّمهَا وَتُحَدِّثهَا فَتَأْنَس بِحَدِيثِك , فَإِنَّهَا قَدْ اِسْتَوْحَشَتْ وَحْشَة شَدِيدَة . قَالَ : فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى حَدَّثَهَا زَمَانًا يَطَّلِع عَلَيْهَا مِنْ فَوْق صَوْمَعَته . قَالَ : ثُمَّ أَتَاهُ إِبْلِيس بَعْد ذَلِكَ فَقَالَ : لَوْ كُنْت تَنْزِل إِلَيْهَا فَتَقْعُد عَلَى بَاب صَوْمَعَتك وَتُحَدِّثهَا وَتَقْعُد عَلَى بَاب بَيْتهَا فَتُحَدِّثك كَانَ آنَس لَهَا . فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَنْزَلَهُ وَأَجْلَسَهُ عَلَى بَاب صَوْمَعَته يُحَدِّثهَا , وَتَخْرُج الْجَارِيَة مِنْ بَيْتهَا , فَلَبِثَا زَمَانًا يَتَحَدَّثَانِ , ثُمَّ جَاءَهُ إِبْلِيس فَرَغَّبَهُ فِي الْخَيْر وَالثَّوَاب فِيمَا يَصْنَع بِهَا , وَقَالَ : لَوْ خَرَجْت مِنْ بَاب صَوْمَعَتك فَجَلَسْت قَرِيبًا مِنْ بَاب بَيْتهَا كَانَ آنَس لَهَا . فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى فَعَلَ . قَالَ : فَلَبِثَا زَمَانًا , ثُمَّ جَاءَهُ إِبْلِيس فَرَغَّبَهُ فِي الْخَيْر وَفِيمَا لَهُ مِنْ حُسْن الثَّوَاب فِيمَا يَصْنَع بِهَا , وَقَالَ لَهُ : لَوْ دَنَوْت مِنْ بَاب بَيْتهَا فَحَدَّثْتهَا وَلَمْ تَخْرُج مِنْ بَيْتهَا , فَفَعَلَ . فَكَانَ يَنْزِل مِنْ صَوْمَعَته فَيَقْعُد عَلَى بَاب بَيْتهَا فَيُحَدِّثهَا . فَلَبِثَا بِذَلِكَ حِينًا ثُمَّ جَاءَهُ إِبْلِيس فَقَالَ : لَوْ دَخَلْت الْبَيْت مَعَهَا تُحَدِّثهَا وَلَمْ تَتْرُكهَا تُبْرِز وَجْههَا لِأَحَدٍ كَانَ أَحْسَن بِك . فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْت , فَجَعَلَ يُحَدِّثهَا نَهَاره كُلّه , فَإِذَا أَمْسَى صَعِدَ فِي صَوْمَعَته . قَالَ : ثُمَّ أَتَاهُ إِبْلِيس بَعْد ذَلِكَ , فَلَمْ يَزَلْ يُزَيِّنهَا لَهُ حَتَّى ضَرَبَ الْعَابِد عَلَى فَخِذهَا وَقَبَّلَهَا . فَلَمْ يَزَلْ بِهِ إِبْلِيس يُحَسِّنهَا فِي عَيْنه وَيُسَوِّل لَهُ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا فَأَحْبَلَهَا , فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا , فَجَاءَهُ إِبْلِيس فَقَالَ لَهُ : أَرَأَيْت أَنْ جَاءَ إِخْوَة هَذِهِ الْجَارِيَة وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْك ! كَيْفَ تَصْنَع ! لَا آمَن عَلَيْك أَنْ تَفْتَضِح أَوْ يَفْضَحُوك ! فَاعْمِدْ إِلَى اِبْنهَا فَاذْبَحْهُ وَادْفِنْهُ , فَإِنَّهَا سَتَكْتُمُ عَلَيْك مَخَافَة إِخْوَتهَا أَنْ يَطَّلِعُوا عَلَى مَا صَنَعْت بِهَا , فَفَعَلَ . فَقَالَ لَهُ : أَتَرَاهَا تَكْتُم إِخْوَتهَا مَا صَنَعْت بِهَا وَقَتَلْت اِبْنهَا ! خُذْهَا فَاذْبَحْهَا وَادْفِنْهَا مَعَ اِبْنهَا . فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى ذَبَحَهَا وَأَلْقَاهَا فِي الْحَفِيرَة مَعَ اِبْنهَا , وَأَطْبَقَ عَلَيْهَا صَخْرَة عَظِيمَة , وَسَوَّى عَلَيْهَا التُّرَاب , وَصَعِدَ فِي صَوْمَعَته يَتَعَبَّد فِيهَا ; فَمَكَثَ بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَمْكُث ; حَتَّى قَفَلَ إِخْوَتهَا مِنْ الْغَزْو , فَجَاءُوهُ فَسَأَلُوهُ عَنْهَا فَنَعَاهَا لَهُمْ وَتَرَحَّمَ عَلَيْهَا , وَبَكَى لَهُمْ وَقَالَ : كَانَتْ خَيْر أُمَّة , وَهَذَا قَبْرهَا فَانْظُرُوا إِلَيْهِ . فَأَتَى إِخْوَتهَا الْقَبْر فَبَكَوْا عَلَى قَبْرهَا وَتَرَحَّمُوا عَلَيْهَا , وَأَقَامُوا عَلَى قَبْرهَا أَيَّامًا ثُمَّ اِنْصَرَفُوا إِلَى أَهَالِيهمْ . فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِمْ اللَّيْل وَأَخَذُوا مَضَاجِعهمْ , أَتَاهُمْ الشَّيْطَان فِي صُورَة رَجُل مُسَافِر , فَبَدَأَ بِأَكْبَرِهِمْ فَسَأَلَهُ عَنْ أُخْتهمْ ; فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ الْعَابِد وَمَوْتهَا وَتَرَحُّمه عَلَيْهَا , وَكَيْفَ أَرَاهُمْ مَوْضِع قَبْرهَا ; فَكَذَّبَهُ الشَّيْطَان وَقَالَ : لَمْ يَصْدُقكُمْ أَمْر أُخْتكُمْ , إِنَّهُ قَدْ أَحْبَلَ أُخْتكُمْ وَوَلَدَتْ مِنْهُ غُلَامًا فَذَبَحَهُ وَذَبَحَهَا مَعَهُ فَزَعًا مِنْكُمْ , وَأَلْقَاهَا فِي حَفِيرَة اِحْتَفَرَهَا خَلْف الْبَاب الَّذِي كَانَتْ فِيهِ عَنْ يَمِين مَنْ دَخَلَهُ . فَانْطَلَقُوا فَدَخَلُوا الْبَيْت الَّذِي كَانَتْ فِيهِ عَنْ يَمِين مَنْ دَخَلَهُ فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَهُمَا هُنَالِكَ جَمِيعًا كَمَا أَخْبَرْتُكُمْ . قَالَ : وَأَتَى الْأَوْسَط فِي مَنَامه وَقَالَ لَهُ مِثْل ذَلِكَ . ثُمَّ أَتَى أَصْغَرهمْ فَقَالَ لَهُ مِثْل ذَلِكَ . فَلَمَّا اِسْتَيْقَظَ الْقَوْم اِسْتَيْقَظُوا مُتَعَجِّبِينَ لِمَا رَأَى كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ . فَأَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , يَقُول كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ : لَقَدْ رَأَيْت عَجَبًا , فَأَخْبَرَ بَعْضهمْ بَعْضًا بِمَا رَأَى . قَالَ أَكْبَرهمْ : هَذَا حُلْم لَيْسَ بِشَيْءٍ , فَامْضُوا بِنَا وَدَعُوا هَذَا . قَالَ أَصْغَرهمْ : لَا أَمْضِي حَتَّى آتِي ذَلِكَ الْمَكَان فَأَنْظُر فِيهِ . قَالَ : فَانْطَلَقُوا جَمِيعًا حَتَّى دَخَلُوا الْبَيْت الَّذِي كَانَتْ فِيهِ أُخْتهمْ , فَفَتَحُوا الْبَاب وَبَحَثُوا الْمَوْضِع الَّذِي وَصَفَ لَهُمْ فِي مَنَامهمْ , فَوَجَدُوا أُخْتهمْ وَابْنهَا مَذْبُوحَيْنِ فِي الْحَفِيرَة كَمَا قِيلَ لَهُمْ , فَسَأَلُوا الْعَابِد فَصَدَّقَ قَوْل إِبْلِيس فِيمَا صَنَعَ بِهِمَا . فَاسْتَعْدَوْا عَلَيْهِ مَلِكهمْ , فَأُنْزِلَ مِنْ صَوْمَعَته فَقَدَّمُوهُ لِيُصْلَب , فَلَمَّا أَوْقَفُوهُ عَلَى الْخَشَبَة أَتَاهُ الشَّيْطَان فَقَالَ لَهُ : قَدْ عَلِمْت أَنِّي صَاحِبك الَّذِي فَتَنْتُك فِي الْمَرْأَة حَتَّى أَحَبَلْتهَا وَذَبَحْتهَا وَذَبَحْت اِبْنهَا , فَإِنْ أَنْتَ أَطَعْتنِي الْيَوْم وَكَفَرْت بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَك خَلَّصْتُك مِمَّا أَنْتَ فِيهِ . قَالَ : فَكَفَرَ الْعَابِد بِاَللَّهِ ; فَلَمَّا كَفَرَ خَلَّى عَنْهُ الشَّيْطَان بَيْنه وَبَيْن أَصْحَابه فَصَلَبُوهُ . قَالَ : فَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : " كَمَثَلِ الشَّيْطَان إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اُكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيء مِنْك إِنِّي أَخَاف اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ - إِلَى قَوْله - جَزَاء الظَّالِمِينَ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَضَرَبَ اللَّه هَذَا مَثَلًا لِلْمُنَافِقِينَ مِنْ الْيَهُود . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يُجْلِي بَنِي النَّضِير مِنْ الْمَدِينَة , فَدَسَّ إِلَيْهِمْ الْمُنَافِقُونَ أَلَّا تَخْرُجُوا مِنْ دِيَاركُمْ , فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ كُنَّا مَعَكُمْ , وَإِنْ أَخْرَجُوكُمْ كُنَّا مَعَكُمْ , فَحَارَبُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَذَلَهُمْ الْمُنَافِقُونَ , وَتَبَرَّءُوا مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأَ الشَّيْطَان مِنْ بِرْصِيصَا الْعَابِد . فَكَانَ الرُّهْبَان بَعْد ذَلِكَ لَا يَمْشُونَ إِلَّا بِالتَّقِيَّةِ وَالْكِتْمَان . وَطَمِعَ أَهْل الْفُسُوق وَالْفُجُور فِي الْأَحْبَار فَرَمَوْهُمْ بِالْبُهْتَانِ وَالْقَبِيح , حَتَّى كَانَ أَمْر جُرَيْج الرَّاهِب , وَبَرَّأَهُ اللَّه فَانْبَسَطَتْ بَعْده الرُّهْبَان وَظَهَرُوا لِلنَّاسِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى مَثَل الْمُنَافِقِينَ فِي غَدْرهمْ لِبَنِي النَّضِير كَمَثَلِ إِبْلِيس إِذْ قَالَ لِكُفَّارِ قُرَيْش : " لَا غَالِب لَكُمْ الْيَوْم مِنْ النَّاس وَإِنِّي جَار لَكُمْ " [ الْأَنْفَال : 48 ] الْآيَة . وَقَالَ مُجَاهِد الْمُرَاد بِالْإِنْسَانِ هَاهُنَا جَمِيع النَّاس فِي غُرُور الشَّيْطَان إِيَّاهُمْ . وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى : " إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اُكْفُرْ " أَيْ أَغْوَاهُ حَتَّى قَالَ : إِنِّي كَافِر . وَلَيْسَ قَوْل الشَّيْطَان : حَقِيقَة , إِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْه التَّبَرُّؤ مِنْ الْإِنْسَان , فَهُوَ تَأْكِيد لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " إِنِّي بَرِيء مِنْك " وَفَتَحَ الْيَاء مِنْ " إِنِّي " نَافِع وَابْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو . وَأَسْكَنَ الْبَاقُونَ .'; $TAFSEER['4']['59']['17'] = 'أَيْ عَاقِبَة الشَّيْطَان وَذَلِكَ الْإِنْسَان نُصِبَ عَلَى الْحَال . وَالتَّثْنِيَة ظَاهِرَة فِيمَنْ جَعَلَ الْآيَة مَخْصُوصَة فِي الرَّاهِب وَالشَّيْطَان . وَمَنْ جَعَلَهَا فِي الْجِنْس فَالْمَعْنَى : وَكَانَ عَاقِبَة الْفَرِيقَيْنِ أَوْ الصِّنْفَيْنِ . وَنُصِبَ " عَاقِبَتهمَا " عَلَى أَنَّهُ خَبَر كَانَ . وَالِاسْم " أَنَّهُمَا فِي النَّار " وَقَرَأَ الْحَسَن " فَكَانَ عَاقِبَتهمَا " بِالرَّفْعِ عَلَى الضِّدّ مِنْ ذَلِكَ . وَقَرَأَ الْأَعْمَش " خَالِدَانِ فِيهَا " بِالرَّفْعِ وَذَلِكَ خِلَاف الْمَرْسُوم . وَرَفَعَهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَر " أَنَّ " وَالظَّرْف مُلْغًى .'; $TAFSEER['4']['59']['18'] = 'فِي أَوَامِره وَنَوَاهِيه , وَأَدَاء فَرَائِضه وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه . يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة . وَالْعَرَب تَكُنِّي عَنْ الْمُسْتَقْبَل بِالْغَدِ . وَقِيلَ : ذَكَرَ الْغَد تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ السَّاعَة قَرِيبَة ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَإِنَّ غَدًا لِنَاظِرِهِ قَرِيب وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة : قَرَّبَ السَّاعَة حَتَّى جَعَلَهَا كَغَدٍ . وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلّ آتٍ قَرِيب ; وَالْمَوْت لَا مَحَالَة آتٍ . وَمَعْنَى " مَا قَدَّمَتْ " يَعْنِي مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ . أَعَادَ هَذَا تَكْرِيرًا , كَقَوْلِك : اِعْجَلْ اِعْجَلْ , اِرْمِ اِرْمِ . وَقِيلَ التَّقْوَى الْأُولَى التَّوْبَة فِيمَا مَضَى مِنْ الذُّنُوب , وَالثَّانِيَة اِتِّقَاء الْمَعَاصِي فِي الْمُسْتَقْبَل . قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : أَيْ بِمَا يَكُون مِنْكُمْ . وَاَللَّه أَعْلَم .'; $TAFSEER['4']['59']['19'] = 'أَيْ تَرَكُوا أَمْره أَنْ يَعْمَلُوا لَهَا خَيْرًا ; قَالَهُ اِبْن حِبَّان . وَقِيلَ : نَسُوا حَقّ اللَّه فَأَنْسَاهُمْ حَقّ أَنْفُسهمْ ; قَالَهُ سُفْيَان . وَقِيلَ : " نَسُوا اللَّه " بِتَرْكِ شُكْره وَتَعْظِيمه . " فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسهمْ " بِالْعَذَابِ أَنْ يُذَكِّر بَعْضهمْ بَعْضًا ; حَكَاهُ اِبْن عِيسَى . وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه : " نَسُوا اللَّه " عِنْد الذُّنُوب " فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسهمْ " عِنْد التَّوْبَة . وَنَسَبَ تَعَالَى الْفِعْل إِلَى نَفْسه فِي " أَنْسَاهُمْ " إِذْ كَانَ ذَلِكَ بِسَبَبِ أَمْره وَنَهْيه الَّذِي تَرَكُوهُ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ وَجَدَهُمْ تَارِكِينَ أَمْره وَنَهْيه ; كَقَوْلِك : أَحْمَدْت الرَّجُل إِذَا وَجَدْته مَحْمُودًا . وَقِيلَ : " نَسُوا اللَّه " فِي الرَّخَاء ( فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسهمْ " فِي الشَّدَائِد . قَالَ اِبْن جُبَيْر : الْعَاصُونَ . وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْكَاذِبُونَ . وَأَصْل الْفِسْق الْخُرُوج ; أَيْ الَّذِينَ خَرَجُوا عَنْ طَاعَة اللَّه .'; $TAFSEER['4']['59']['20'] = 'أَيْ فِي الْفَضْل وَالرُّتْبَة أَيْ الْمُقَرَّبُونَ الْمُكَرَّمُونَ . وَقِيلَ : النَّاجُونَ مِنْ النَّار . وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَة فِي " الْمَائِدَة " عِنْد قَوْله تَعَالَى : " قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيث وَالطَّيِّب " [ الْمَائِدَة : 100 ] وَفِي سُورَة " السَّجْدَة " عِنْد قَوْله تَعَالَى : " أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ " [ السَّجْدَة : 18 ] . وَفِي سُورَة " ص " " أَمْ نَجْعَل الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْض أَمْ نَجْعَل الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ " [ ص : 28 ] فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ , وَالْحَمْد لِلَّهِ .'; $TAFSEER['4']['59']['21'] = 'حَثَّ عَلَى تَأَمُّل مَوَاعِظ الْقُرْآن وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا عُذْر فِي تَرْك التَّدَبُّر ; فَإِنَّهُ لَوْ خُوطِبَ بِهَذَا الْقُرْآن الْجِبَال مَعَ تَرْكِيب الْعَقْل فِيهَا لَانْقَادَتْ لِمَوَاعِظِهِ , وَلَرَأَيْتهَا عَلَى صَلَابَتهَا وَرَزَانَتهَا خَاشِعَة مُتَصَدِّعَة ; أَيْ مُتَشَقِّقَة مِنْ خَشْيَة اللَّه . وَالْخَاشِع : الذَّلِيل . وَالْمُتَصَدِّع : الْمُتَشَقِّق . وَقِيلَ : " خَاشِعًا " لِلَّهِ بِمَا كُلِّفَهُ مِنْ طَاعَته . أَنْ يَعْصِيه فَيُعَاقِبهُ . وَقِيلَ : هُوَ عَلَى وَجْه الْمَثَل لِلْكُفَّارِ . أَيْ أَنَّهُ لَوْ أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآن عَلَى جَبَل لَخَشَعَ لِوَعْدِهِ وَتَصَدَّعَ لِوَعِيدِهِ وَأَنْتُمْ أَيّهَا الْمَقْهُورُونَ بِإِعْجَازِهِ لَا تَرْغَبُونَ فِي وَعْده , وَلَا تَرْهَبُونَ مِنْ وَعِيده وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أَيْ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآن يَا مُحَمَّد عَلَى جَبَل لَمَا ثَبَتَ , وَتَصَدَّعَ مِنْ نُزُوله عَلَيْهِ ; وَقَدْ أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْك وَثَبَّتْنَاك لَهُ ; فَيَكُون ذَلِكَ اِمْتِنَانًا عَلَيْهِ أَنْ ثَبَّتَهُ لِمَا لَا تَثْبُت لَهُ الْجِبَال . وَقِيلَ : إِنَّهُ خِطَاب لِلْأُمَّةِ , وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَوْ أَنْذَرَ بِهَذَا الْقُرْآن الْجِبَال لَتَصَدَّعَتْ مِنْ خَشْيَة اللَّه . وَالْإِنْسَان أَقَلّ قُوَّة وَأَكْثَر ثَبَاتًا ; فَهُوَ يَقُوم بِحَقِّهِ إِنْ أَطَاعَ , وَيَقْدِر عَلَى رَدّه إِنْ عَصَى ; لِأَنَّهُ مَوْعُود بِالثَّوَابِ , وَمَزْجُور بِالْعِقَابِ .'; $TAFSEER['4']['59']['22'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس : عَالِم السِّرّ وَالْعَلَانِيَة . وَقِيلَ : مَا كَانَ وَمَا يَكُون . وَقَالَ سَهْل . عَالِم بِالْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا . وَقِيلَ : " الْغَيْب " مَا لَمْ يَعْلَم الْعِبَاد وَلَا عَايَنُوهُ . " وَالشَّهَادَة " مَا عَلِمُوا وَشَاهَدُوا .'; $TAFSEER['4']['59']['23'] = 'أَيْ الْمُنَزَّه عَنْ كُلّ نَقْص , وَالطَّاهِر عَنْ كُلّ عَيْب . وَالْقَدَس ( بِالتَّحْرِيكِ ) : السَّطْل بِلُغَةِ أَهْل الْحِجَاز ; لِأَنَّهُ يُتَطَهَّر بِهِ . وَمِنْهُ الْقَادُوس لِوَاحِدِ الْأَوَانِي الَّتِي يُسْتَخْرَج بِهَا الْمَاء مِنْ الْبِئْر بِالسَّانِيَةِ . وَكَانَ سِيبَوَيْهِ يَقُول : قُدُّوس وَسَبُّوح ; بِفَتْحِ أَوَّلهمَا . وَحَكَى أَبُو حَاتِم عَنْ يَعْقُوب أَنَّهُ سَمِعَ عِنْد الْكِسَائِيّ أَعْرَابِيًّا فَصِيحًا يُكْنَى أَبَا الدِّينَار يَقْرَأ " الْقَدُّوس " بِفَتْحِ الْقَاف . قَالَ ثَعْلَب : كُلّ اِسْم عَلَى فَعُّول فَهُوَ مَفْتُوح الْأَوَّل ; مِثْل سَفُّود وَكَلُّوب وَتَنُّور وَسَمُّور وَشَبُّوط , إِلَّا السُّبُّوح وَالْقُدُّوس فَإِنَّ الضَّمّ فِيهِمَا أَكْثَر ; وَقَدْ يُفْتَحَانِ . وَكَذَلِكَ الذُّرُّوح ( بِالضَّمِّ ) وَقَدْ يُفْتَح . أَيْ ذُو السَّلَامَة مِنْ النَّقَائِص . وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلنَا فِي اللَّه " السَّلَام " : النِّسْبَة , تَقْدِيره ذُو السَّلَامَة . ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي تَرْجَمَة النِّسْبَة عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال : الْأَوَّل : مَعْنَاهُ الَّذِي سَلِمَ مِنْ كُلّ عَيْب وَبَرِئَ مِنْ كُلّ نَقْص . الثَّانِي : مَعْنَاهُ ذُو السَّلَام ; أَيْ الْمُسَلِّم عَلَى عِبَاده فِي الْجَنَّة ; كَمَا قَالَ : " سَلَام قَوْلًا مِنْ رَبّ رَحِيم " [ يس : 58 ] . الثَّالِث : أَنَّ مَعْنَاهُ الَّذِي سَلِمَ الْخَلْق مِنْ ظُلْمه . قُلْت : وَهَذَا قَوْل الْخَطَّابِيّ ; وَعَلَيْهِ وَاَلَّذِي قَبْله يَكُون صِفَة فَعِلَ . وَعَلَى أَنَّهُ الْبَرِيء مِنْ الْعُيُوب وَالنَّقَائِص يَكُون صِفَة ذَات . وَقِيلَ : السَّلَام مَعْنَاهُ الْمُسَلِّم لِعِبَادِهِ . أَيْ الْمُصَدِّق لِرُسُلِهِ بِإِظْهَارِ مُعْجِزَاته عَلَيْهِمْ وَمُصَدِّق الْمُؤْمِنِينَ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنْ الثَّوَاب وَمُصَدِّق الْكَافِرِينَ مَا أَوْعَدَهُمْ مِنْ الْعِقَاب . وَقِيلَ : الْمُؤْمِن الَّذِي يُؤْمِن أَوْلِيَاءَهُ مِنْ عَذَابه وَيُؤْمِن عِبَاده مِنْ ظُلْمه ; يُقَال : آمَنَهُ مِنْ الْأَمَان الَّذِي هُوَ ضِدّ الْخَوْف ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف " [ قُرَيْش : 4 ] فَهُوَ مُؤْمِن ; قَالَ النَّابِغَة : وَالْمُؤْمِن الْعَائِذَات الطَّيْر يَمْسَحهَا رُكْبَان مَكَّة بَيْن الْغِيل وَالسَّنَد وَقَالَ مُجَاهِد : الْمُؤْمِن الَّذِي وَحَّدَ نَفْسه بِقَوْلِهِ : " شَهِدَ اللَّه أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ " [ آل عِمْرَان : 18 ] . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أُخْرِجَ أَهْل التَّوْحِيد مِنْ النَّار . وَأَوَّل مَنْ يَخْرُج مَنْ وَافَقَ اِسْمه اِسْم نَبِيّ , حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ فِيهَا مَنْ يُوَافِق اِسْمه اِسْم نَبِيّ قَالَ اللَّه تَعَالَى لِبَاقِيهِمْ : أَنْتُمْ الْمُسْلِمُونَ وَأَنَا السَّلَام , وَأَنْتُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَنَا الْمُؤْمِن , فَيُخْرِجهُمْ مِنْ النَّار بِبَرَكَةِ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ . وَقَالَ قَتَادَة : الْمُهَيْمِن مَعْنَاهُ الْمُشَاهِد . وَقِيلَ : الْحَافِظ . وَقَالَ الْحَسَن : الْمُصَدِّق ; قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ الْعَظِيم . وَجَبَرُوت اللَّه عَظَمَته . وَهُوَ عَلَى هَذَا الْقَوْل صِفَة ذَات , مِنْ قَوْلهمْ : نَخْلَة جَبَّارَة . قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : سَوَامِق جَبَّار أَثِيث فُرُوعه وَعَالِينَ قِنْوَانًا مِنْ الْبُسْر أَحْمَرَا يَعْنِي النَّخْلَة الَّتِي فَاتَتْ الْيَد . فَكَانَ هَذَا الِاسْم يَدُلّ عَلَى عَظَمَة اللَّه وَتَقْدِيسه عَنْ أَنْ تَنَالهُ النَّقَائِص وَصِفَات الْحَدَث . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ الْجَبْر وَهُوَ الْإِصْلَاح , يُقَال : جَبَرْت الْعَظْم فَجَبَرَ , إِذَا أَصْلَحْته بَعْد الْكَسْر , فَهُوَ فَعَّال مِنْ جَبَرَ إِذَا أَصْلَحَ الْكَسِير وَأَغْنَى الْفَقِير . وَقَالَ الْفَرَّاء : هُوَ مِنْ أَجْبَرَهُ عَلَى الْأَمْر أَيْ قَهَرَهُ . قَالَ : وَلَمْ أَسْمَع فَعَّالًا مِنْ أَفْعَلَ إِلَّا فِي جَبَّار وَدَرَّاك مِنْ أَدْرَكَ . وَقِيلَ : الْجَبَّار الَّذِي لَا تُطَاق سَطْوَته . الَّذِي تَكَبَّرَ بِرُبُوبِيَّتِهِ فَلَا شَيْء مِثْله . وَقِيلَ : الْمُتَكَبِّر عَنْ كُلّ سُوء الْمُتَعَظِّم عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ مِنْ صِفَات الْحَدَث وَالذَّمّ . وَأَصْل الْكِبْر وَالْكِبْرِيَاء الِامْتِنَاع وَقِلَّة الِانْقِيَاد . وَقَالَ حُمَيْد بْن ثَوْر : عَفَتْ مِثْل مَا يَعْفُو الْفَصِيل فَأَصْبَحَتْ بِهَا كِبْرِيَاء الصَّعْب وَهِيَ ذَلُول وَالْكِبْرِيَاء فِي صِفَات اللَّه مَدْح , وَفِي صِفَات الْمَخْلُوقِينَ ذَمّ . وَفِي الصَّحِيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِيمَا يَرْوِيه عَنْ رَبّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : ( الْكِبْرِيَاء رِدَائِي وَالْعَظَمَة إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي فِي وَاحِد مِنْهُمَا قَصَمْته ثُمَّ قَذَفْته فِي النَّار ) . وَقِيلَ : الْمُتَكَبِّر مَعْنَاهُ الْعَالِي . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ الْكَبِير لِأَنَّهُ أَجَلّ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّف كِبْرًا . وَقَدْ يُقَال : تَظَلَّمَ بِمَعْنَى ظَلَمَ , وَتَشَتَّمَ بِمَعْنَى شَتَمَ , وَاسْتَقَرَّ بِمَعْنَى قَرَّ . كَذَلِكَ الْمُتَكَبِّر بِمَعْنَى الْكَبِير . وَلَيْسَ كَمَا يُوصَف بِهِ الْمَخْلُوق إِذَا وُصِفَ بِتَفَعَّلَ إِذَا نُسِبَ إِلَى مَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ . ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسه فَقَالَ : " سُبْحَان اللَّه عَمَّا يُشْرِكُونَ " أَيْ تَنْزِيهًا لِجَلَالَتِهِ وَعَظَمَته عَمَّا يُشْرِكُونَ " .'; $TAFSEER['4']['59']['24'] = '" الْخَالِق " هُنَا الْمُقَدِّر . و " الْبَارِئ " الْمُنْشِئ الْمُخْتَرِع . و " الْمُصَوِّر " مُصَوِّر الصُّوَر وَمُرَكِّبهَا عَلَى هَيْئَات مُخْتَلِفَة . فَالتَّصْوِير مُرَتَّب عَلَى الْخَلْق وَالْبَرَايَة وَتَابِع لَهُمَا . وَمَعْنَى التَّصْوِير التَّخْطِيط وَالتَّشْكِيل . وَخَلَقَ اللَّه الْإِنْسَان فِي أَرْحَام الْأُمَّهَات ثَلَاث خِلَق : جَعَلَهُ عَلَقَة , ثُمَّ مُضْغَة , ثُمَّ جَعَلَهُ صُورَة وَهُوَ التَّشْكِيل الَّذِي يَكُون بِهِ صُورَة وَهَيْئَة يُعْرَف بِهَا وَيَتَمَيَّز عَنْ غَيْره بِسِمَتِهَا . فَتَبَارَكَ اللَّه أَحْسَن الْخَالِقِينَ . وَقَالَ النَّابِغَة : الْخَالِق الْبَارِئ الْمُصَوِّر فِي الْأَرْحَام مَاء حَتَّى يَصِير دَمًا وَقَدْ جَعَلَ بَعْض النَّاس الْخَلْق بِمَعْنَى التَّصْوِير , وَلَيْسَ كَذَلِكَ , وَإِنَّمَا التَّصْوِير آخِرًا وَالتَّقْدِير أَوَّلًا وَالْبَرَايَة بَيْنهمَا . وَمِنْهُ قَوْله الْحَقّ : " وَإِذْ تَخْلُق مِنْ الطِّين كَهَيْئَةِ الطَّيْر " [ الْمَائِدَة : 110 ] . وَقَالَ زُهَيْر : وَلَأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْت وَبَعْض الْقَوْم يَخْلُق ثُمَّ لَا يَفْرِي يَقُول : تُقَدِّر مَا تُقَدِّر ثُمَّ تَفْرِيه , أَيْ تُمْضِيه عَلَى وَفْق تَقْدِيرك , وَغَيْرك يُقَدِّر مَا لَا يَتِمّ لَهُ وَلَا يَقَع فِيهِ مُرَاده , إِمَّا لِقُصُورِهِ فِي تَصَوُّر تَقْدِيره أَوْ لِعَجْزِهِ عَنْ تَمَام مُرَاده . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى هَذَا كُلّه فِي " الْكِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى " وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَعَنْ حَاطِب بْن أَبِي بَلْتَعَةَ أَنَّهُ قَرَأَ " الْبَارِئ الْمُصَوِّر " بِفَتْحِ الْوَاو وَنَصْب الرَّاء , أَيْ الَّذِي يَبْرَأ الْمُصَوَّر , أَيْ يُمَيِّز مَا يُصَوِّرهُ بِتَفَاوُتِ الْهَيْئَات . ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِي . تَقَدَّمَ الْكَلَام فِيهِ . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : سَأَلْت خَلِيلِي أَبَا الْقَاسِم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اِسْم اللَّه الْأَعْظَم فَقَالَ : ( يَا أَبَا هُرَيْرَة , عَلَيْك بِآخِرِ سُورَة الْحَشْر فَأَكْثَر قِرَاءَتهَا ) فَأَعَدْت عَلَيْهِ فَأَعَادَ عَلَيَّ , فَأَعَدْت عَلَيْهِ فَأَعَادَ عَلَيَّ . وَقَالَ جَابِر بْن زَيْد : إِنَّ اِسْم اللَّه الْأَعْظَم هُوَ اللَّه لِمَكَانِ هَذِهِ الْآيَة . وَعَنْ أَنَس بْن مَالِك : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَرَأَ سُورَة الْحَشْر غَفَرَ اللَّه لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه وَمَا تَأَخَّرَ ) . وَعَنْ أَبِي أُمَامَة قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَرَأَ خَوَاتِيم سُورَة الْحَشْر فِي لَيْل أَوْ نَهَار فَقَبَضَهُ اللَّه فِي تِلْكَ اللَّيْلَة أَوْ ذَلِكَ الْيَوْم فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّه لَهُ الْجَنَّة ) .'; $TAFSEER['4']['60']['1'] = 'الْمُمْتَحِنَة ( بِكَسْرِ الْحَاء ) أَيْ الْمُخْتَبِرَة , أُضِيفَ الْفِعْل إِلَيْهَا مَجَازًا , كَمَا سُمِّيَتْ سُورَة " التَّوْبَة " الْمُبَعْثَرَة وَالْفَاضِحَة ; لِمَا كَشَفَتْ مِنْ عُيُوب الْمُنَافِقِينَ . وَمَنْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : الْمُمْتَحَنَة ( بِفَتْحِ الْحَاء ) فَإِنَّهُ أَضَافَهَا إِلَى الْمَرْأَة الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا , وَهِيَ أُمّ كُلْثُوم بِنْت عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّه أَعْلَم بِإِيمَانِهِنَّ " [ الْمُمْتَحَنَة : 10 ] الْآيَة . وَهِيَ اِمْرَأَة عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , وَلَدَتْ لَهُ إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الرَّحْمَن . " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوّكُمْ أَوْلِيَاء " عَدَّى اِتَّخَذَ إِلَى مَفْعُولَيْنِ وَهُمَا " عَدُوّكُمْ أَوْلِيَاء " . وَالْعَدُوّ فَعُول مِنْ عَدَا , كَعَفُوّ مِنْ عَفَا . وَلِكَوْنِهِ عَلَى زِنَة الْمَصْدَر أَوْقَع عَلَى الْجَمَاعَة إِيقَاعه عَلَى الْوَاحِد . رَوَى الْأَئِمَّة - وَاللَّفْظ لِمُسْلِمٍ - عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : بَعَثَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْر وَالْمِقْدَاد فَقَالَ : ( اِئْتُوا رَوْضَة خَاخ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَة مَعَهَا كِتَاب فَخُذُوهُ مِنْهَا ) فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلنَا , فَإِذَا نَحْنُ بِالْمَرْأَةِ , فَقُلْنَا : أَخْرِجِي الْكِتَاب , فَقَالَتْ : مَا مَعِي كِتَاب . فَقُلْنَا : لَتُخْرِجَنَّ الْكِتَاب أَوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَاب , فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصهَا . فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِيهِ : مِنْ حَاطِب بْن أَبِي بَلْتَعَةَ ... إِلَى نَاس مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْل مَكَّة يُخْبِرهُمْ بِبَعْضِ أَمْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا حَاطِب مَا هَذَا ؟ قَالَ لَا تَعْجَل عَلَيَّ يَا رَسُول اللَّه , إِنِّي كُنْت اِمْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْش - قَالَ سُفْيَان : كَانَ حَلِيفًا لَهُمْ , وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَنْفُسهَا - وَكَانَ مِمَّنْ كَانَ مَعَك مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَات يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ , فَأَحْبَبْت إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنْ النَّسَب فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذ فِيهِمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي , وَلَمْ أَفْعَلهُ كُفْرًا وَلَا اِرْتِدَادًا عَنْ دِينِي , وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْد الْإِسْلَام . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صَدَقَ ) . فَقَالَ عُمَر : دَعْنِي يَا رَسُول اللَّه أَضْرِب عُنُق هَذَا الْمُنَافِق . فَقَالَ : ( إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيك لَعَلَّ اللَّه اِطَّلَعَ عَلَى أَهْل بَدْر فَقَالَ اِعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ ) فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوّكُمْ أَوْلِيَاء " . قِيلَ : اِسْم الْمَرْأَة سَارَّة مِنْ مَوَالِي قُرَيْش . وَكَانَ فِي الْكِتَاب : " أَمَّا بَعْد , فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَوَجَّهَ إِلَيْكُمْ بِجَيْشٍ كَاللَّيْلِ يَسِير كَالسَّيْلِ , وَأُقْسِم بِاَللَّهِ لَوْ لَمْ يَسِرْ إِلَيْكُمْ إِلَّا وَحْده لَأَظْفَرَهُ اللَّه بِكُمْ , وَأَنْجَزَ لَهُ مَوْعِده فِيكُمْ , فَإِنَّ اللَّه وَلِيّه وَنَاصِره . ذَكَرَهُ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ . وَذَكَرَ الْقُشَيْرِيّ وَالثَّعْلَبِيّ : أَنَّ حَاطِب بْن أَبِي بَلْتَعَةَ كَانَ رَجُلًا مِنْ أَهْل الْيَمَن , وَكَانَ لَهُ حِلْف بِمَكَّة فِي بَنِي أَسَد بْن عَبْد الْعُزَّى رَهْط الزُّبَيْر بْن الْعَوَّام . وَقِيلَ : كَانَ حَلِيفًا لِلزُّبَيْرِ بْن الْعَوَّام , فَقَدِمَتْ مِنْ مَكَّة سَارَّة مَوْلَاة أَبِي عَمْرو بْن صَيْفِيّ بْن هِشَام بْن عَبْد مَنَاف إِلَى الْمَدِينَة وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَجَهَّز لِفَتْحِ مَكَّة . وَقِيلَ : كَانَ هَذَا فِي زَمَن الْحُدَيْبِيَة ; فَقَالَ لَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَمُهَاجِرَة جِئْت يَا سَارَّة ) . فَقَالَتْ لَا . قَالَ : ( أَمُسْلِمَة جِئْت ) قَالَتْ لَا . قَالَ : ( فَمَا جَاءَ بِك ) قَالَتْ : كُنْتُمْ الْأَهْل وَالْمَوَالِي وَالْأَصْل وَالْعَشِيرَة , وَقَدْ ذَهَبَ الْمَوَالِي - تَعْنِي قُتِلُوا يَوْم بَدْر - وَقَدْ اِحْتَجْت حَاجَة شَدِيدَة فَقَدِمْت عَلَيْكُمْ لِتُعْطُونِي وَتُكْسُونِي ; فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( فَأَيْنَ أَنْتِ عَنْ شَبَاب أَهْل مَكَّة ) وَكَانَتْ مُغْنِيَة , قَالَتْ : مَا طُلِبَ مِنِّي شَيْء بَعْد وَقْعَة بَدْر . فَحَثَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي عَبْد الْمُطَّلِب وَبَنِي الْمُطَّلِب عَلَى إِعْطَائِهَا ; فَكَسَوْهَا وَأَعْطَوْهَا وَحَمَلُوهَا فَخَرَجَتْ إِلَى مَكَّة , وَأَتَاهَا حَاطِب فَقَالَ : أُعْطِيك عَشَرَة دَنَانِير وَبُرُدًا عَلَى أَنْ تُبَلِّغِي هَذَا الْكِتَاب إِلَى أَهْل مَكَّة . وَكَتَبَ فِي الْكِتَاب : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدكُمْ فَخُذُوا حِذْركُمْ . فَخَرَجَتْ سَارَّة , وَنَزَلَ جِبْرِيل فَأَخْبَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ , فَبَعَثَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْر وَأَبَا مَرْثَد الْغَنَوِيّ . وَفِي رِوَايَة : عَلِيًّا وَالزُّبَيْر وَالْمِقْدَاد . وَفِي رِوَايَة : أَرْسَلَ عَلِيًّا وَعَمَّار بْن يَاسِر . وَفِي رِوَايَة : عَلِيًّا وَعَمَّارًا وَعُمَر وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة وَالْمِقْدَاد وَأَبَا مَرْثَد - وَكَانُوا كُلّهمْ فُرْسَانًا - وَقَالَ لَهُمْ : ( اِنْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَة خَاخ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَة وَمَعَهَا كِتَاب مِنْ حَاطِب إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَخُذُوهُ مِنْهَا وَخَلُّوا سَبِيلهَا فَإِنْ لَمْ تَدْفَعهُ لَكُمْ فَاضْرِبُوا عُنُقهَا ) فَأَدْرَكُوهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَان , فَقَالُوا لَهَا : أَيْنَ الْكِتَاب ؟ فَحَلَفَتْ مَا مَعَهَا كِتَاب , فَفَتَّشُوا أَمْتِعَتهَا فَلَمْ يَجِدُوا مَعَهَا كِتَابًا , فَهَمُّوا بِالرُّجُوعِ فَقَالَ عَلِيّ : وَاَللَّه مَا كَذَبْنَا وَلَا كَذَّبْنَا ! وَسَلَّ سَيْفه وَقَالَ : أَخْرِجِي الْكِتَاب وَإِلَّا وَاَللَّه لَأُجَرِّدَنك وَلَأَضْرِبَن عُنُقك , فَلَمَّا رَأَتْ الْجَدّ أَخْرَجَتْهُ مِنْ ذُؤَابَتهَا - وَفِي رِوَايَة مِنْ حُجْزَتهَا - فَخَلَّوْا سَبِيلهَا وَرَجَعُوا بِالْكِتَابِ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَأَرْسَلَ إِلَى حَاطِب فَقَالَ : ( هَلْ تَعْرِف الْكِتَاب ؟ ) قَالَ نَعَمْ . وَذَكَرَ الْحَدِيث بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ . وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّنَ جَمِيع النَّاس يَوْم الْفَتْح إِلَّا أَرْبَعَة هِيَ أَحَدهمْ . السُّورَة أَصْل فِي النَّهْي عَنْ مُوالَاة الْكُفَّار . وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فِي غَيْر مَوْضِع . مِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " لَا يَتَّخِذ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ " [ آل عِمْرَان : 28 ] . " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ " [ آل عِمْرَان : 118 ] . " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء " [ الْمَائِدَة : 51 ] . وَمِثْله كَثِير . وَذُكِرَ أَنَّ حَاطِبًا لَمَّا سَمِعَ " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا " غُشِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْفَرَح بِخِطَابِ الْإِيمَان . يَعْنِي بِالظَّاهِرِ ; لِأَنَّ قَلْب حَاطِب كَانَ سَلِيمًا ; بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ : ( أَمَّا صَاحِبكُمْ فَقَدْ صَدَقَ ) وَهَذَا نَصّ فِي سَلَامَة فُؤَاده وَخُلُوص اِعْتِقَاده . وَالْبَاء فِي " بِالْمَوَدَّةِ " زَائِدَة ; كَمَا تَقُول : قَرَأْت السُّورَة وَقَرَأْت بِالسُّورَةِ , وَرَمَيْت إِلَيْهِ مَا فِي نَفْسِي وَبِمَا فِي نَفْسِي . وَيَجُوز أَنْ تَكُون ثَابِتَة عَلَى أَنَّ مَفْعُول " تَلْقَوْنَ " مَحْذُوف ; مَعْنَاهُ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ أَخْبَار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِ الْمَوَدَّة الَّتِي بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ . وَكَذَلِكَ " تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ " أَيْ بِسَبَبِ الْمَوَدَّة . وَقَالَ الْفَرَّاء : " تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ " مِنْ صِلَة " أَوْلِيَاء " وَدُخُول الْبَاء فِي الْمَوَدَّة وَخُرُوجهَا سَوَاء . وَيَجُوز أَنْ تَتَعَلَّق بِ " لَا تَتَّخِذُوا " حَالًا مِنْ ضَمِيره . وَبِ " أَوْلِيَاء " صِفَة لَهُ , وَيَجُوز أَنْ تَكُون اِسْتِئْنَافًا . وَمَعْنَى " تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ " تُخْبِرُونَهُمْ بِسَرَائِر الْمُسْلِمِينَ وَتَنْصَحُونَ لَهُمْ ; وَقَالَهُ الزَّجَّاج . الرَّابِعَة : مَنْ كَثُرَ تَطَلُّعه عَلَى عَوْرَات الْمُسْلِمِينَ وَيُنَبِّه عَلَيْهِمْ وَيُعَرِّف عَدُوّهُمْ بِأَخْبَارِهِمْ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ كَافِرًا إِذَا كَانَ فَعَلَهُ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيّ وَاعْتِقَاده عَلَى ذَلِكَ سَلِيم ; كَمَا فَعَلَ حَاطِب حِين قَصَدَ بِذَلِكَ اِتِّخَاذ الْيَد وَلَمْ يَنْوِ الرِّدَّة عَنْ الدِّين . إِذَا قُلْنَا لَا يَكُون بِذَلِكَ كَافِرًا فَهَلْ يُقْتَل بِذَلِكَ حَدًّا أَمْ لَا ؟ اِخْتَلَفَ النَّاس فِيهِ ; فَقَالَ مَالِك وَابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب : يَجْتَهِد فِي ذَلِكَ الْإِمَام . وَقَالَ عَبْد الْمَلِك : إِذَا كَانَتْ عَادَته تِلْكَ قُتِلَ , لِأَنَّهُ جَاسُوس , وَقَدْ قَالَ مَالِك بِقَتْلِ الْجَاسُوس - وَهُوَ صَحِيح لِإِضْرَارِهِ بِالْمُسْلِمِينَ وَسَعْيه بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْض . وَلَعَلَّ اِبْن الْمَاجِشُون إِنَّمَا اِتَّخَذَ التَّكْرَار فِي هَذَا لِأَنَّ حَاطِبًا أَخَذَ فِي أَوَّل فِعْله . وَاَللَّه أَعْلَم فَإِنْ كَانَ الْجَاسُوس كَافِرًا فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ : يَكُون نَقْضًا لِعَهْدِهِ . وَقَالَ أَصْبَغ : الْجَاسُوس الْحَرْبِيّ يُقْتَل , وَالْجَاسُوس الْمُسْلِم وَالذِّمِّيّ يُعَاقَبَانِ إِلَّا إِنْ تَظَاهَرَا عَلَى الْإِسْلَام فَيُقْتَلَانِ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بِعَيْنٍ لِلْمُشْرِكِينَ اِسْمه فُرَات بْن حَيَّان , فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُقْتَل ; فَصَاحَ : يَا مَعْشَر الْأَنْصَار , أُقْتَل وَأَنَا أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه ! فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَلَّى سَبِيله . ثُمَّ قَالَ : ( إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ أَكِلهُ إِلَى إِيمَانه مِنْهُمْ فُرَات بْن حَيَّان ) . وَقَوْله : " وَقَدْ كَفَرُوا " حَال , إِمَّا مِنْ " لَا تَتَّخِذُوا " وَإِمَّا مِنْ " تَلْقَوْنَ " أَيْ لَا تَتَوَلَّوْهُمْ أَوْ تُوَادُّوهُمْ , وَهَذِهِ حَالهمْ . وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ " لَمَّا جَاءَكُمْ " أَيْ كَفَرُوا لِأَجْلِ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقّ . " يُخْرِجُونَ الرَّسُول " اِسْتِئْنَاف كَلَام كَالتَّفْسِيرِ لِكُفْرِهِمْ وَعُتُوّهُمْ , أَوْ حَال مِنْ " كَفَرُوا " . " وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ رَبّكُمْ " تَعْلِيل ل " يُخْرِجُونَ " الْمَعْنَى يُخْرِجُونَ الرَّسُول وَيَخْرُجُونَكُمْ مِنْ مَكَّة لِأَنْ تُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ أَيْ لِأَجْلِ إِيمَانكُمْ بِاَللَّهِ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَكَانَ حَاطِب مِمَّنْ أُخْرِجَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير , وَالتَّقْدِير لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوّكُمْ أَوْلِيَاء إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ مُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِي . وَقِيلَ : فِي الْكَلَام حَذْف , وَالْمَعْنَى إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي , فَلَا تُلْقُوا إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ . قِيلَ : " إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي " شَرْط وَجَوَابه مُقَدَّم . وَالْمَعْنَى إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي فَلَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوّكُمْ أَوْلِيَاء . وَنُصِبَ " جِهَادًا " و " اِبْتِغَاء " لِأَنَّهُ مَفْعُول . وَقَوْله : تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ " بَدَل مِنْ " تُلْقُونَ " وَمُبِين عَنْهُ . وَالْأَفْعَال تُبَدَّل مِنْ الْأَفْعَال , كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَف لَهُ الْعَذَاب " [ الْفُرْقَان : 68 - 69 ] . وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ : مَتَى تَأْتِنَا تُلْمِمْ بِنَا فِي دِيَارنَا تَجِد حَطَبًا جَزْلًا وَنَارًا تَأَجَّجَا وَقِيلَ : هُوَ عَلَى تَقْدِير أَنْتُمْ تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ , فَيَكُون اِسْتِئْنَافًا . وَهَذَا كُلّه مُعَاتَبَة لِحَاطِبٍ . وَهُوَ يَدُلّ عَلَى فَضْله وَكَرَامَته وَنَصِيحَته لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِدْق إِيمَانه , فَإِنَّ الْمُعَاتَبَة لَا تَكُون إِلَّا مِنْ مُحِبّ لِحَبِيبِهِ . كَمَا قَالَ : أُعَاتِب ذَا الْمَوَدَّة مِنْ صَدِيق إِذَا مَا رَابَنِي مِنْهُ اِجْتِنَاب إِذَا ذَهَبَ الْعِتَاب فَلَيْسَ وُدّ وَيَبْقَى الْوُدّ مَا بَقِيَ الْعِتَاب وَمَعْنَى " بِالْمَوَدَّةِ " أَيْ بِالنَّصِيحَةِ فِي الْكِتَاب إِلَيْهِمْ . وَالْبَاء زَائِدَة كَمَا ذَكَرْنَا , أَوْ ثَابِتَة غَيْر زَائِدَة . " بِمَا أَخْفَيْتُمْ " أَضْمَرْتُمْ " وَمَا أَعْلَنْتُمْ " أَظْهَرْتُمْ . وَالْبَاء فِي " بِمَا " زَائِدَة ; يُقَال : عَلِمْت كَذَا وَعَلِمْت بِكَذَا . وَقِيلَ : وَأَنَا أَعْلَم مِنْ كُلّ أَحَد بِمَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ , فَحُذِفَ مِنْ كُلّ أَحَد . كَمَا يُقَال : فُلَان أَعْلَم وَأَفْضَل مِنْ غَيْره . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : وَأَنَا أَعْلَم بِمَا أَخْفَيْتُمْ فِي صُدُوركُمْ , وَمَا أَظْهَرْتُمْ بِأَلْسِنَتِكُمْ مِنْ الْإِقْرَار وَالتَّوْحِيد . أَيْ مَنْ يُسِرّ إِلَيْهِمْ وَيُكَاتِبهُمْ مِنْكُمْ أَيْ أَخْطَأَ قَصْد الطَّرِيق .'; $TAFSEER['4']['60']['2'] = 'يَلْقَوْكُمْ وَيُصَادِفُوكُمْ ; وَمِنْهُ الْمُثَاقَفَة ; أَيْ طَلَب مُصَادَفَة الْغِرَّة فِي الْمُسَايَفَة وَشِبْههَا . وَقِيلَ : " يَثْقَفُوكُمْ " يَظْفَرُوا بِكُمْ وَيَتَمَكَّنُوا مِنْكُمْ أَيْ أَيْدِيهمْ بِالضَّرْبِ وَالْقَتْل , وَأَلْسِنَتهمْ بِالشَّتْمِ . بِمُحَمَّدٍ ; فَلَا تُنَاصِحُوهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يُنَاصِحُونَكُمْ .'; $TAFSEER['4']['60']['3'] = 'لَمَّا اِعْتَذَرَ حَاطِب بِأَنَّ لَهُ أَوْلَادًا وَأَرْحَامًا فِيمَا بَيْنهمْ , بَيَّنَ الرَّبّ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الْأَهْل وَالْأَوْلَاد لَا يَنْفَعُونَ شَيْئًا يَوْم الْقِيَامَة إِنْ عُصِيَ مِنْ أَجْل ذَلِكَ . فَيُدْخِل الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّة وَيُدْخِل الْكَافِرِينَ النَّار . وَفِي " يَفْصِل " قِرَاءَات سَبْع : قَرَأَ عَاصِم " يَفْصِل " بِفَتْحِ الْيَاء وَكَسْر الصَّاد مُخَفَّفًا . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ مُشَدَّدًا إِلَّا أَنَّهُ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله . وَقَرَأَ طَلْحَة وَالنَّخَعِيّ بِالنُّونِ وَكَسْر الصَّاد مُشَدَّدَة . وَرُوِيَ عَنْ عَلْقَمَة كَذَلِكَ بِالنُّونِ مُخَفَّفَة . وَقَرَأَ قَتَادَة وَأَبُو حَيْوَة " يُفْصِل " بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الصَّاد مُخَفَّفَة مِنْ أَفْصَلَ . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ " يُفْصِل " بِيَاءٍ مَضْمُومَة وَتَخْفِيف الْفَاء وَفَتْح الصَّاد عَلَى الْفِعْل الْمَجْهُول , وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد . فَمَنْ خَفَّفَ فَلِقَوْلِهِ : " وَهُوَ خَيْر الْفَاصِلِينَ " [ الْأَنْعَام : 57 ] وَقَوْله : " إِنَّ يَوْم الْفَصْل " [ الدُّخَان : 40 ] . وَمَنْ شَدَّدَ فَلِأَنَّ ذَلِكَ أَبْيَن فِي الْفِعْل الْكَثِير الْمُكَرَّر الْمُتَرَدِّد . وَمَنْ أَتَى بِهِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله فَلِأَنَّ الْفَاعِل مَعْرُوف . وَمَنْ أَتَى بِهِ مُسَمَّى الْفَاعِل رَدَّ الضَّمِير إِلَى اللَّه تَعَالَى . وَمَنْ قَرَأَ بِالنُّونِ فَعَلَى التَّعْظِيم . وَقَالَ الْعُلَمَاء : وَصَفَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَفْسه بِأَنَّهُ بَصِير عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ عَالِم بِخَفِيَّاتِ الْأُمُور . وَالْبَصِير فِي كَلَام الْعَرَب : الْعَالِم بِالشَّيْءِ الْخَبِير بِهِ ; وَمِنْهُ قَوْلهمْ : فُلَان بَصِير بِالطِّبِّ , وَبَصِير بِالْفِقْهِ , وَبَصِير بِمُلَاقَاةِ الرِّجَال ; قَالَ : فَإِنْ تَسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فَإِنَّنِي بَصِير بِأَدْوَاءِ النِّسَاء طَبِيب قَالَ الْخَطَّابِيّ : الْبَصِير الْعَالِم , وَالْبَصِير الْمُبْصِر . وَقِيلَ : وَصَفَ تَعَالَى نَفْسه بِأَنَّهُ بَصِير عَلَى مَعْنَى جَاعِل الْأَشْيَاء الْمُبْصِرَة ذَوَات إِبْصَار , أَيْ مُدْرِكَة لِلْمُبْصِرَاتِ بِمَا خَلَقَ لَهَا مِنْ الْآلَة الْمُدْرِكَة وَالْقُوَّة ; فَاَللَّه بَصِير بِعِبَادِهِ , أَيْ جَاعِل عِبَاده مُبْصِرِينَ .'; $TAFSEER['4']['60']['4'] = 'لَمَّا نَهَى عَزَّ وَجَلَّ عَنْ مُوَالَاة الْكُفَّار ذَكَرَ قِصَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام , وَأَنَّ مِنْ سِيرَته التَّبَرُّؤ مِنْ الْكُفَّار ; أَيْ فَاقْتَدُوا بِهِ وَأَتِمُّوا ; إِلَّا فِي اِسْتِغْفَاره لِأَبِيهِ . وَالْإِسْوَة وَالْأُسْوَة مَا يُتَأَسَّى بِهِ , مِثْل الْقِدْوَة وَالْقُدْوَة . وَيُقَال : هُوَ إِسْوَتك ; أَيْ مِثْلك وَأَنْتَ مِثْله . وَقَرَأَ عَاصِم " أُسْوَة " بِضَمِّ الْهَمْزَة لُغَتَانِ . يَعْنِي أَصْحَاب إِبْرَاهِيم مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَقَالَ اِبْن زَيْد : هُمْ الْأَنْبِيَاء الْكُفَّار أَيْ الْأَصْنَام . وَبُرَآء جَمْع بَرِيء ; مِثْل شَرِيك وَشُرَكَاء , وَظَرِيف وَظُرَفَاء . وَقِرَاءَة الْعَامَّة عَلَى وَزْن فُعَلَاء . وَقَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر وَابْن أَبِي إِسْحَاق " بِرَاء " بِكَسْرِ الْبَاء عَلَى وَزْن فِعَال ; مِثْل قَصِير وَقِصَار , وَطَوِيل وَطِوَال , وَظَرِيف وَظِرَاف . وَيَجُوز تَرْك الْهَمْزَة حَتَّى تَقُول : بَرًا ; وَتُنَوَّن . وَقُرِئَ " بَرَاء " عَلَى الْوَصْف بِالْمَصْدَرِ . وَقُرِئَ " بُرَاء " عَلَى إِبْدَال الضَّمّ مِنْ الْكَسْر ; كَرُخَال وَرُبَاب . وَالْآيَة نَصّ فِي الْأَمْر بِالِاقْتِدَاءِ بِإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي فِعْله . وَذَلِكَ يُصَحِّح أَنَّ شَرْع مَنْ قَبْلنَا شَرْع لَنَا فِيمَا أَخْبَرَ اللَّه وَرَسُوله . أَيْ بِمَا آمَنْتُمْ بِهِ مِنْ الْأَوْثَان . وَقِيلَ : أَيْ بِأَفْعَالِكُمْ وَكَذَبْنَاهَا وَأَنْكَرْنَا أَنْ تَكُونُوا عَلَى حَقّ . أَيْ هَذَا دَأْبنَا مَعَكُمْ مَا دُمْتُمْ عَلَى كُفْركُمْ فَحِينَئِذٍ تَنْقَلِب الْمُعَادَاة مُوَالَاة فَلَا تَتَأَسَّوْا بِهِ فِي الِاسْتِغْفَار فَتَسْتَغْفِرُونَ لِلْمُشْرِكِينَ ; فَإِنَّهُ كَانَ عَنْ مَوْعِدَة مِنْهُ لَهُ ; قَالَهُ قَتَادَة وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا . وَقِيلَ : مَعْنَى الِاسْتِثْنَاء أَنَّ إِبْرَاهِيم هَجَرَ قَوْمه وَبَاعَدَهُمْ إِلَّا فِي الِاسْتِغْفَار لِأَبِيهِ , ثُمَّ بَيَّنَ عُذْره فِي سُورَة " التَّوْبَة " . وَفِي هَذَا دَلَالَة عَلَى تَفْضِيل نَبِيّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَى سَائِر الْأَنْبِيَاء ; لِأَنَّا حِين أُمِرْنَا بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ أُمِرْنَا أَمْرًا مُطْلَقًا فِي قَوْله تَعَالَى : " وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " [ الْحَشْر : 7 ] وَحِين أُمِرْنَا بِالِاقْتِدَاءِ بِإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام اِسْتَثْنَى بَعْض أَفْعَاله . وَقِيلَ : هُوَ اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع ; أَيْ لَكِنَّ قَوْل إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَن لَك , إِنَّمَا جَرَى لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ أَسْلَمَ , فَلَمَّا بَانَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُسْلِم تَبَرَّأَ مِنْهُ . وَعَلَى هَذَا يَجُوز الِاسْتِغْفَار لِمَنْ يَظُنّ أَنَّهُ أَسْلَمَ ; وَأَنْتُمْ لَمْ تَجِدُوا مِثْل هَذَا الظَّنّ , فَلِمَ تُوَالُوهُمْ . هَذَا مِنْ قَوْل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لِأَبِيهِ ; أَيْ مَا أَدْفَع عَنْك مِنْ عَذَاب اللَّه شَيْئًا إِنْ أَشْرَكْت بِهِ . هَذَا مِنْ دُعَاء إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَأَصْحَابه . وَقِيلَ : عَلَّمَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُولُوا هَذَا . أَيْ تَبَرَّءُوا مِنْ الْكُفَّار وَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّه وَقُولُوا : " رَبّنَا عَلَيْك تَوَكَّلْنَا " أَيْ اِعْتَمَدْنَا أَيْ رَجَعْنَا لَك الرُّجُوع فِي الْآخِرَة'; $TAFSEER['4']['60']['5'] = 'أَيْ لَا تُظْهِر عَدُوّنَا عَلَيْنَا فَيَظُنُّوا أَنَّهُمْ عَلَى حَقّ فَيُفْتَتَنُوا بِذَلِكَ . وَقِيلَ : لَا تُسَلِّطهُمْ عَلَيْنَا فَيَفْتِنُونَا وَيُعَذِّبُونَا . ذُنُوبنَا " الْعَزِيز " الَّذِي لَا يُغَالَب أَوْ الْمَنِيع فِي مُلْكه وَسُلْطَانه " الْحَكِيم " مَعْنَاهُ الْحَاكِم , وَبَيْنهمَا مَزِيد الْمُبَالَغَة . وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْمُحْكِم وَيَجِيء الْحَكِيم عَلَى هَذَا مِنْ صِفَات الْفِعْل , صُرِفَ عَنْ مُفْعِل إِلَى فَعِيل , كَمَا صُرِفَ عَنْ مُسْمِع إِلَى سَمِيع وَمُؤْلِم إِلَى أَلِيم , قَالَهُ اِبْن الْأَنْبَارِيّ . وَقَالَ قَوْم : الْمَانِع مِنْ الْفَسَاد , وَمِنْهُ سُمِّيَتْ حَكَمَة اللِّجَام , لِأَنَّهَا تَمْنَع الْفَرَس مِنْ الْجَرْي وَالذَّهَاب فِي غَيْر قَصْد . قَالَ جَرِير : أَبَنِي حَنِيفَة أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ أَنْ أَغْضَبَا أَيْ اِمْنَعُوهُمْ مِنْ الْفَسَاد . وَقَالَ زُهَيْر : الْقَائِد الْخَيْل مَكْنُوبًا دَوَابِرهَا قَدْ أُحْكِمَتْ حَكَمَات الْقِدّ وَالْأَبَقَا الْقِدّ : الْجِلْد . وَالْأَبَق : الْقُنَّب . وَالْعَرَب تَقُول : أُحْكِمَ الْيَتِيم عَنْ كَذَا وَكَذَا , يُرِيدُونَ مَنْعه . وَالسُّورَة الْمُحْكَمَة : الْمَمْنُوعَة مِنْ التَّغْيِير وَكُلّ التَّبْدِيل , وَأَنْ يَلْحَق بِهَا مَا يَخْرُج عَنْهَا , وَيُزَاد عَلَيْهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا , وَالْحِكْمَة مِنْ هَذَا , لِأَنَّهَا تَمْنَع صَاحِبهَا مِنْ الْجَهْل . وَيُقَال : أَحْكَمَ الشَّيْء إِذَا أَتْقَنَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ الْخُرُوج عَمَّا يُرِيد . فَهُوَ مُحْكِم وَحَكِيم عَلَى التَّكْثِير .'; $TAFSEER['4']['60']['6'] = 'أَيْ فِي إِبْرَاهِيم وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاء وَالْأَوْلِيَاء . أَيْ فِي التَّبَرُّؤ مِنْ الْكُفَّار . وَقِيلَ : كُرِّرَ لِلتَّأْكِيدِ . وَقِيلَ : نَزَلَ الثَّانِي بَعْد الْأَوَّل بِمُدَّةٍ ; وَمَا أَكْثَر الْمُكَرَّرَات فِي الْقُرْآن عَلَى هَذَا الْوَجْه . أَيْ عَنْ الْإِسْلَام وَقَبُول هَذِهِ الْمَوَاعِظ أَيْ لَمْ يَتَعَبَّدهُمْ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِمْ . فِي نَفْسه وَصِفَاته . وَلَمَّا نَزَلَتْ عَادَى الْمُسْلِمُونَ أَقْرِبَاءَهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَعَلِمَ اللَّه شِدَّة وَجْد الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ فَنَزَلَتْ'; $TAFSEER['4']['60']['7'] = 'وَهَذَا بِأَنْ يُسْلِم الْكَافِر . وَقَدْ أَسْلَمَ قَوْم مِنْهُمْ بَعْد فَتْح مَكَّة وَخَالَطَهُمْ الْمُسْلِمُونَ ; كَأَبِي سُفْيَان بْن حَرْب , وَالْحَارِث بْن هِشَام , وَسُهَيْل بْن عَمْرو , وَحَكِيم بْن حِزَام . وَقِيلَ : الْمَوَدَّة تَزْوِيج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمّ حَبِيبَة بِنْت أَبِي سُفْيَان ; فَلَانَتْ عِنْد ذَلِكَ عَرِيكَة أَبِي سُفْيَان , وَاسْتَرْخَتْ شَكِيمَته فِي الْعَدَاوَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَتْ الْمَوَدَّة بَعْد الْفَتْح تَزْوِيج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمّ حَبِيبَة بِنْت أَبِي سُفْيَان ; وَكَانَتْ تَحْت عَبْد اللَّه بْن جَحْش , وَكَانَتْ هِيَ وَزَوْجهَا مِنْ مُهَاجِرَة الْحَبَشَة . فَأَمَّا زَوْجهَا فَتَنَصَّرَ وَسَأَلَهَا أَنْ تُتَابِعهُ عَلَى دِينه فَأَبَتْ وَصَبَرَتْ عَلَى دِينهَا , وَمَاتَ زَوْجهَا عَلَى النَّصْرَانِيَّة . فَبَعَثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّجَاشِيّ فَخَطَبَهَا ; فَقَالَ النَّجَاشِيّ لِأَصْحَابِهِ : مَنْ أَوْلَاكُمْ بِهَا ؟ قَالُوا : خَالِد بْن سَعِيد بْن الْعَاصِ . قَالَ فَزَوَّجَهَا مِنْ نَبِيّكُمْ . فَفَعَلَ ; وَأَمْهَرَهَا النَّجَاشِيّ مِنْ عِنْده أَرْبَعمِائَةِ دِينَار . وَقِيلَ : خَطَبَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُثْمَان بْن عَفَّان , فَلَمَّا زَوَّجَهُ إِيَّاهَا بَعَثَ إِلَى النَّجَاشِيّ فِيهَا ; فَسَاقَ عَنْهُ الْمَهْر وَبَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ . فَقَالَ أَبُو سُفْيَان وَهُوَ مُشْرِك لَمَّا بَلَغَهُ تَزْوِيج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِبْنَته : ذَلِكَ الْفَحْل لَا يُقْدَع أَنْفه . " يُقْدَع " بِالدَّالِ غَيْر الْمُعْجَمَة ; يُقَال : هَذَا فَحْل لَا يُقْدَع أَنْفه ; أَيْ لَا يُضْرَب أَنْفه . وَذَلِكَ إِذَا كَانَ كَرِيمًا . عَلَى ذَلِكَ لِذُنُوبِكُمْ وَخَطَايَاكُمْ بِكُمْ فِي الْآخِرَة'; $TAFSEER['4']['60']['8'] = 'هَذِهِ الْآيَة رُخْصَة مِنْ اللَّه تَعَالَى فِي صِلَة الَّذِينَ لَمْ يُعَادُوا الْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ يُقَاتِلُوهُمْ . قَالَ اِبْن زَيْد : كَانَ هَذَا فِي أَوَّل الْإِسْلَام عِنْد الْمُوَادَعَة وَتَرْك الْأَمْر بِالْقِتَالِ ثُمَّ نُسِخَ . قَالَ قَتَادَة : نَسَخَتْهَا " فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ " [ التَّوْبَة : 5 ] . وَقِيلَ : كَانَ هَذَا الْحُكْم لِعِلَّةٍ وَهُوَ الصُّلْح , فَلَمَّا زَالَ الصُّلْح بِفَتْحِ مَكَّة نُسِخَ الْحُكْم وَبَقِيَ الرَّسْم يُتْلَى . وَقِيلَ : هِيَ مَخْصُوصَة فِي حُلَفَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَيْنه وَبَيْنه عَهْد لَمْ يَنْقُضهُ ; قَالَهُ الْحَسَن . الْكَلْبِيّ : هُمْ خُزَاعَة وَبَنُو الْحَارِث بْن عَبْد مَنَاف . وَقَالَهُ أَبُو صَالِح , وَقَالَ : هُمْ خُزَاعَة . وَقَالَ مُجَاهِد : هِيَ مَخْصُوصَة فِي الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا . وَقِيلَ : يَعْنِي بِهِ النِّسَاء وَالصِّبْيَان لِأَنَّهُمْ مِمَّنْ لَا يُقَاتِل ; فَأَذِنَ اللَّه فِي بِرّهمْ . حَكَاهُ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ . وَقَالَ أَكْثَر أَهْل التَّأْوِيل : هِيَ مُحْكَمَة . وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ أَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر سَأَلَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ تَصِل أُمّهَا حِين قَدِمَتْ عَلَيْهَا مُشْرِكَة ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ) خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم . وَقِيلَ : إِنَّ الْآيَة فِيهَا نَزَلَتْ . رَوَى عَامِر بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق طَلَّقَ اِمْرَأَته قُتَيْلَة فِي الْجَاهِلِيَّة , وَهِيَ أُمّ أَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر , فَقَدِمَتْ عَلَيْهِمْ فِي الْمُدَّة الَّتِي كَانَتْ فِيهَا الْمُهَادَنَة بَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن كُفَّار قُرَيْش , فَأَهْدَتْ إِلَى أَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر الصِّدِّيق قُرْطًا وَأَشْيَاء ; فَكَرِهَتْ أَنْ تَقْبَل مِنْهَا حَتَّى أَتَتْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " لَا يَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّين " . ذَكَرَ هَذَا الْخَبَر الْمَاوَرْدِيّ وَغَيْره , وَخَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنَده . قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر فِي كِتَاب الْأَحْكَام لَهُ : " اِسْتَدَلَّ بِهِ بَعْض مَنْ تُعْقَد عَلَيْهِ الْخَنَاصِر عَلَى وُجُوب نَفَقَة الِابْن الْمُسْلِم عَلَى أَبِيهِ الْكَافِر . وَهَذِهِ وَهْلَة عَظِيمَة , إِذْ الْإِذْن فِي الشَّيْء أَوْ تَرْك النَّهْي عَنْهُ لَا يَدُلّ عَلَى وُجُوبه , وَإِنَّمَا يُعْطِيك الْإِبَاحَة خَاصَّة . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق الْقَاضِي دَخَلَ عَلَيْهِ ذِمِّيّ فَأَكْرَمَهُ , فَأَخَذَ عَلَيْهِ الْحَاضِرُونَ فِي ذَلِكَ ; فَتَلَا هَذِهِ الْآيَة عَلَيْهِمْ " . " أَنْ " فِي مَوْضِع خَفْض عَلَى الْبَدَل مِنْ " الَّذِينَ " ; أَيْ لَا يَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ أَنْ تَبَرُّوا الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ . وَهُمْ خُزَاعَة , صَالَحُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَلَّا يُقَاتِلُوهُ وَلَا يُعِينُوا عَلَيْهِ أَحَدًا ; فَأَمَرَ بِبِرِّهِمْ وَالْوَفَاء لَهُمْ إِلَى أَجَلهمْ ; حَكَاهُ الْفَرَّاء . أَيْ تُعْطُوهُمْ قِسْطًا مِنْ أَمْوَالكُمْ عَلَى وَجْه الصِّلَة . وَلَيْسَ يُرِيد بِهِ مِنْ الْعَدْل ; فَإِنَّ الْعَدْل وَاجِب فِيمَنْ قَاتَلَ وَفِيمَنْ لَمْ يُقَاتِل ; قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ . الْعَادِلِينَ الْمُحِقِّينَ'; $TAFSEER['4']['60']['9'] = 'أَيْ جَاهَدُوكُمْ عَلَى الدِّين وَهُمْ عُتَاة أَهْل مَكَّة . أَيْ عَاوَنُوا عَلَى إِخْرَاجكُمْ وَهُمْ مُشْرِكُو أَهْل مَكَّة " أَنْ " فِي مَوْضِع جَرّ عَلَى الْبَدَل عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " أَنْ تَبَرُّوهُمْ " . أَيْ يَتَّخِذهُمْ أَوْلِيَاء وَأَنْصَارًا وَأَحْبَابًا لِأَنْفُسِهِمْ'; $TAFSEER['4']['60']['10'] = 'لَمَّا أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ بِتَرْكِ مُوَالَاة الْمُشْرِكِينَ اِقْتَضَى ذَلِكَ مُهَاجَرَة الْمُسْلِمِينَ عَنْ بِلَاد الشِّرْك إِلَى بِلَاد الْإِسْلَام , وَكَانَ التَّنَاكُح مِنْ أَوْكَد أَسْبَاب الْمُوَالَاة ; فَبَيَّنَ أَحْكَام مُهَاجَرَة النِّسَاء . قَالَ اِبْن عَبَّاس : جَرَى الصُّلْح مَعَ مُشْرِكِي قُرَيْش عَام الْحُدَيْبِيَة , عَلَى أَنَّ مَنْ أَتَاهُ مِنْ أَهْل مَكَّة رَدَّهُ إِلَيْهِمْ , فَجَاءَتْ سَعِيدَة بِنْت الْحَارِث الْأَسْلَمِيَّة بَعْد الْفَرَاغ مِنْ الْكِتَاب , وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ بَعْد ; فَأَقْبَلَ زَوْجهَا وَكَانَ كَافِرًا - وَهُوَ صَيْفِيّ بْن الرَّاهِب . وَقِيلَ : مُسَافِر الْمَخْزُومِيّ - فَقَالَ : يَا مُحَمَّد , اُرْدُدْ عَلَيَّ اِمْرَأَتِي فَإِنَّك شَرَطْت ذَلِكَ ! وَهَذِهِ طِينَة الْكِتَاب لَمْ تَجِفّ بَعْد , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة . وَقِيلَ : جَاءَتْ أُمّ كُلْثُوم بِنْت عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط , فَجَاءَ أَهْلهَا يَسْأَلُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرُدّهَا . وَقِيلَ : هَرَبَتْ مِنْ زَوْجهَا عَمْرو بْن الْعَاصِ وَمَعَهَا أَخَوَاهَا عُمَارَة وَالْوَلِيد , فَرَدَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَوَيْهَا وَحَبَسَهَا , فَقَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; رُدَّهَا عَلَيْنَا لِلشَّرْطِ , فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَانَ الشَّرْط فِي الرِّجَال لَا فِي النِّسَاء ) فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة . وَعَنْ عُرْوَة قَالَ : كَانَ مِمَّا اِشْتَرَطَ سُهَيْل بْن عَمْرو عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة : أَلَّا يَأْتِيك مِنَّا أَحَد وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينك إِلَّا رَدَدْته إِلَيْنَا , حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِي الْمُؤْمِنَات مَا أَنْزَلَ ; يُومِئ إِلَى أَنَّ الشَّرْط فِي رَدّ النِّسَاء نُسِخَ بِذَلِكَ . وَقِيلَ : إِنَّ الَّتِي جَاءَتْ أُمَيْمَة بِنْت بِشْر , كَانَتْ عِنْد ثَابِت بْن الشِّمْرَاخ فَفَرَّتْ مِنْهُ وَهُوَ يَوْمئِذٍ كَافِر , فَتَزَوَّجَهَا سَهْل بْن حُنَيْف فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْد اللَّه , قَالَ زَيْد بْن حَبِيب . كَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : أُمَيْمَة بِنْت بِشْر كَانَتْ عِنْد ثَابِت بْن الشِّمْرَاخ . وَقَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَرَوَى اِبْن وَهْب عَنْ خَالِد أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي أُمَيْمَة بِنْت بِشْر مِنْ بَنِي عَمْرو بْن عَوْف . وَهِيَ اِمْرَأَة حَسَّان بْن الدَّحْدَاح , وَتَزَوَّجَهَا بَعْد هِجْرَتهَا سَهْل بْن حُنَيْف . وَقَالَ مُقَاتِل : إِنَّهَا سَعِيدَة زَوْجَة صَيْفِيّ بْن الرَّاهِب مُشْرِك مِنْ أَهْل مَكَّة . وَالْأَكْثَر مِنْ أَهْل الْعِلْم أَنَّهَا أُمّ كُلْثُوم بِنْت عُقْبَة . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم هَلْ دَخَلَ النِّسَاء فِي عَقْد الْمُهَادَنَة لَفْظًا أَوْ عُمُومًا ; فَقَالَتْ طَائِفَة مِنْهُمْ : قَدْ كَانَ شَرْط رَدّهنَّ فِي عَقْد الْمُهَادَنَة لَفْظًا صَرِيحًا فَنَسَخَ اللَّه رَدّهنَّ مِنْ الْعَقْد وَمَنَعَ مِنْهُ , وَبَقَاه فِي الرِّجَال عَلَى مَا كَانَ . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْتَهِد رَأْيه فِي الْأَحْكَام , وَلَكِنْ لَا يُقِرّهُ اللَّه عَلَى خَطَأ . وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْعِلْم : لَمْ يَشْتَرِط رَدّهنَّ فِي الْعَقْد لَفْظًا , وَإِنَّمَا أَطْلَقَ الْعَقْد فِي رَدّ مَنْ أَسْلَمَ ; فَكَانَ ظَاهِر الْعُمُوم اِشْتِمَاله عَلَيْهِنَّ مَعَ الرِّجَال . فَبَيَّنَ اللَّه تَعَالَى خُرُوجهنَّ عَنْ عُمُومه . وَفَرَّقَ بَيْنهنَّ وَبَيْن الرِّجَال لِأَمْرَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُنَّ ذَوَات فُرُوج يَحْرُمْنَ عَلَيْهِمْ . الثَّانِي : أَنَّهُنَّ أَرَقّ قُلُوبًا وَأَسْرَع تَقَلُّبًا مِنْهُمْ . فَأَمَّا الْمُقِيمَة مِنْهُنَّ عَلَى شِرْكهَا فَمَرْدُودَة عَلَيْهِمْ . : قَوْله تَعَالَى : " فَامْتَحِنُوهُنَّ " قِيلَ : إِنَّهُ كَانَ مَنْ أَرَادَتْ مِنْهُنَّ إِضْرَار زَوْجهَا فَقَالَتْ : سَأُهَاجِرُ إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَلِذَلِكَ أَمَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْتِحَانِهِنَّ . وَاخْتُلِفَ فِيمَا كَانَ يَمْتَحِنهُنَّ بِهِ عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال : الْأَوَّل : قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَتْ الْمِحْنَة أَنْ تُسْتَحْلَف بِاَللَّهِ أَنَّهَا مَا خَرَجَتْ مِنْ بُغْض زَوْجهَا , وَلَا رَغْبَة مِنْ أَرْض إِلَى أَرْض , وَلَا اِلْتِمَاس دُنْيَا , وَلَا عِشْقًا لِرَجُلٍ مِنَّا ; بَلْ حُبًّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ . فَإِذَا حَلَفَتْ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَلَى ذَلِكَ , أَعْطَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوْجهَا مَهْرهَا وَمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَرُدّهَا ; فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَات فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّار لَا هُنَّ حِلّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ " . الثَّانِي : أَنَّ الْمِحْنَة كَانَتْ أَنْ تَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا الثَّالِث : بِمَا بَيَّنَهُ فِي السُّورَة بَعْد مِنْ قَوْله تَعَالَى : " يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِذَا جَاءَك الْمُؤْمِنَات " [ الْمُمْتَحَنَة : 12 ] قَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : مَا كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْتَحِن إِلَّا بِالْآيَةِ الَّتِي قَالَ اللَّه : " إِذَا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يُبَايِعْنَك " [ الْمُمْتَحَنَة : 12 ] رَوَاهُ مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عَائِشَة . خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . أَكْثَر الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ هَذَا نَاسِخ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَاهَدَ عَلَيْهِ قُرَيْشًا , مِنْ أَنَّهُ يَرُدّ إِلَيْهِمْ مَنْ جَاءَهُ مِنْهُمْ مُسْلِمًا ; فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ النِّسَاء . وَهَذَا مَذْهَب مَنْ يَرَى نَسْخ السُّنَّة بِالْقُرْآنِ . وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : كُلّه مَنْسُوخ فِي الرِّجَال وَالنِّسَاء , وَلَا يَجُوز أَنْ يُهَادِن الْإِمَام الْعَدُوّ عَلَى أَنْ يَرُدّ إِلَيْهِمْ مَنْ جَاءَهُ مُسْلِمًا , لِأَنَّ إِقَامَة الْمُسْلِم بِأَرْضِ الشِّرْك لَا تَجُوز . وَهَذَا مَذْهَب الْكُوفِيِّينَ . وَعَقْد الصُّلْح عَلَى ذَلِكَ جَائِز عِنْد مَالِك . وَقَدْ اِحْتَجَّ الْكُوفِيُّونَ لِمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بِحَدِيثِ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد عَنْ قَيْس بْن أَبِي حَازِم عَنْ خَالِد بْن الْوَلِيد , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى قَوْم مِنْ خَثْعَمَ فَاعْتَصَمُوا بِالسُّجُودِ فَقَتَلَهُمْ , فَوَدَاهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِصْفِ الدِّيَة , وَقَالَ " أَنَا بَرِيء مِنْ كُلّ مُسْلِم أَقَامَ مَعَ مُشْرِك فِي دَار الْحَرْب لَا تَرَاءَى نَارهمَا ) قَالُوا : فَهَذَا نَاسِخ لِرَدِّ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ , إِذْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَرِئَ مِمَّنْ أَقَامَ مَعَهُمْ فِي دَار الْحَرْب . وَمَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ أَنَّ هَذَا الْحُكْم غَيْر مَنْسُوخ . قَالَ الشَّافِعِيّ : وَلَيْسَ لِأَحَدٍ هَذَا الْعَقْد إِلَّا الْخَلِيفَة أَوْ رَجُل يَأْمُرهُ , لِأَنَّهُ يَلِي الْأَمْوَال كُلّهَا . فَمَنْ عَقَدَ غَيْر الْخَلِيفَة هَذَا الْعَقْد فَهُوَ مَرْدُود . أَيْ هَذَا الِامْتِحَان لَكُمْ , وَاَللَّه أَعْلَم بِإِيمَانِهِنَّ , لِأَنَّهُ مُتَوَلِّي السَّرَائِر . أَيْ بِمَا يَظْهَر مِنْ الْإِيمَان . وَقِيلَ : إِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَات قَبْل الِامْتِحَان فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى أَزْوَاجهمْ الْكُفَّار أَيْ لَمْ يَحِلّ اللَّه مُؤْمِنَة لِكَافِرٍ , وَلَا نِكَاح مُؤْمِن لِمُشْرِكَةٍ . وَهَذَا أَدَلّ دَلِيل عَلَى أَنَّ الَّذِي أَوْجَبَ فُرْقَة الْمُسْلِمَة مِنْ زَوْجهَا إِسْلَامهَا لَا هِجْرَتهَا . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : الَّذِي فَرَّقَ بَيْنهمَا هُوَ اِخْتِلَاف الدَّارَيْنِ . وَإِلَيْهِ إِشَارَة فِي مَذْهَب مَالِك بَلْ عِبَارَة . وَالصَّحِيح الْأَوَّل , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ : " لَا هُنَّ حِلّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ " فَبَيَّنَ أَنَّ الْعِلَّة عَدَم الْحِلّ بِالْإِسْلَامِ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافِ الدَّار . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ أَبُو عُمَر : لَا فَرْق بَيْن الدَّارَيْنِ لَا فِي الْكِتَاب وَلَا فِي السُّنَّة وَلَا فِي الْقِيَاس , وَإِنَّمَا الْمُرَاعَاة فِي ذَلِكَ الدِّينَانِ , فَبِاخْتِلَافِهِمَا يَقَع الْحُكْم وَبِاجْتِمَاعِهِمَا , لَا بِالدَّارِ . وَاَللَّه الْمُسْتَعَان . أَمَرَ اللَّه تَعَالَى إِذَا أُمْسِكَتْ الْمَرْأَة الْمُسْلِمَة أَنْ يُرَدّ عَلَى زَوْجهَا مَا أَنْفَقَ وَذَلِكَ مِنْ الْوَفَاء بِالْعَهْدِ , لِأَنَّهُ لَمَّا مُنِعَ مِنْ أَهْله بِحُرْمَةِ الْإِسْلَام , أَمَرَ بِرَدِّ الْمَال إِلَيْهِ حَتَّى لَا يَقَع عَلَيْهِمْ خُسْرَان مِنْ الْوَجْهَيْنِ : الزَّوْجَة وَالْمَال . وَلَا غُرْم إِلَّا إِذَا طَالَبَ الزَّوْج الْكَافِر , فَإِذَا حَضَرَ وَطَالَبَ مَنَعْنَاهَا وَغَرِمْنَا . فَإِنْ كَانَتْ مَاتَتْ قَبْل حُضُور الزَّوْج لَمْ نَغْرَم الْمَهْر إِذْ لَمْ يَتَحَقَّق الْمَنْع . وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا لَمْ نَغْرَم شَيْئًا , لِأَنَّهُ لَا قِيمَة لَهُ . وَلِلشَّافِعِيّ فِي هَذِهِ الْآيَة قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّ هَذَا مَنْسُوخ . قَالَ الشَّافِعِيّ : وَإِذَا جَاءَتْنَا الْمَرْأَة الْحُرَّة مِنْ أَهْل الْهُدْنَة مُسْلِمَة مُهَاجِرَة مِنْ دَار الْحَرْب إِلَى الْإِمَام فِي دَار السَّلَام أَوْ فِي دَار الْحَرْب , فَمَنْ طَلَبَهَا مِنْ وَلِيّ سِوَى زَوْجهَا مُنِعَ مِنْهَا بِلَا عِوَض . وَإِذَا طَلَبَهَا زَوْجهَا لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْره بِوَكَالَتِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : يُعْطِي الْعِوَض , وَالْقَوْل مَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , . وَفِيهِ قَوْل آخَر : أَنَّهُ لَا يُعْطَى الزَّوْج الْمُشْرِك الَّذِي جَاءَتْ زَوْجَته مُسْلِمَة الْعِوَض . فَإِنْ شَرَطَ الْإِمَام رَدَّ النِّسَاء كَانَ الشَّرْط وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّا يُرَدّ النِّسَاء كَانَ شَرْط مَنْ شَرَط رَدّ النِّسَاء مَنْسُوخًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ عِوَض , لِأَنَّ الشَّرْط الْمَنْسُوخ بَاطِل وَلَا عِوَض لِلْبَاطِلِ . أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِرَدِّ مِثْل مَا أَنْفَقُوا إِلَى الْأَزْوَاج , وَأَنَّ الْمُخَاطَب بِهَذَا الْإِمَام , يُنَفِّذ مِمَّا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ بَيْت الْمَال الَّذِي لَا يَتَعَيَّن لَهُ مَصْرِف . وَقَالَ مُقَاتِل : يَرُدّ الْمَهْر الَّذِي يَتَزَوَّجهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَإِنْ لَمْ يَتَزَوَّجهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَحَد فَلَيْسَ لِزَوْجِهَا الْكَافِر شَيْء . وَقَالَ قَتَادَة : الْحُكْم فِي رَدّ الصَّدَاق إِنَّمَا هُوَ فِي نِسَاء أَهْل الْعَهْد ; فَأَمَّا مَنْ لَا عَهْد بَيْنه وَبَيْن الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُرَدّ إِلَيْهِمْ الصَّدَاق . وَالْأَمْر كَمَا قَالَهُ . يَعْنِي إِذَا أَسْلَمْنَ وَانْقَضَتْ عِدَّتهنَّ لِمَا ثَبَتَ مِنْ تَحْرِيم نِكَاح الْمُشْرِكَة وَالْمُعْتَدَّة . فَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْل الدُّخُول ثَبَتَ النِّكَاح فِي الْحَال وَلَهَا التَّزَوُّج . أَبَاحَ نِكَاحهَا بِشَرْطِ الْمَهْر ; لِأَنَّ الْإِسْلَام فَرَّقَ بَيْنهَا وَبَيْن زَوْجهَا الْكَافِر . قِرَاءَة الْعَامَّة بِالتَّخْفِيفِ مِنْ الْإِمْسَاك . وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ " [ الْبَقَرَة : 231 ] . وَقَرَأَ الْحَسَن وَأَبُو الْعَالِيَة وَأَبُو عَمْرو " وَلَا تُمَسِّكُوا " مُشَدَّدَة مِنْ التَّمَسُّك . يُقَال : مَسَّك يُمَسِّك تَمَسُّكًا ; بِمَعْنَى أَمْسَكَ يُمْسِك . وَقُرِئَ " وَلَا تَمْسِكُوا " بِنَصْبِ التَّاء ; أَيْ لَا تَتَمَسَّكُوا . وَالْعِصَم جَمْع الْعِصْمَة ; وَهُوَ مَا اِعْتَصَمَ بِهِ . وَالْمُرَاد بِالْعِصْمَةِ هُنَا النِّكَاح . يَقُول : مَنْ كَانَتْ لَهُ اِمْرَأَة كَافِرَة بِمَكَّة فَلَا يَعْتَدّ بِهَا , فَلَيْسَتْ لَهُ اِمْرَأَة , فَقَدْ اِنْقَطَعَتْ عِصْمَتهَا لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ . وَعَنْ النَّخَعِيّ : هِيَ الْمُسْلِمَة تَلْحَق بِدَارِ الْحَرْب فَتَكْفُر ; وَكَانَ الْكُفَّار يَتَزَوَّجُونَ الْمُسْلِمَات وَالْمُسْلِمُونَ يَتَزَوَّجُونَ الْمُشْرِكَات ; ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَة . فَطَلَّقَ عُمَر بْن الْخَطَّاب حِينَئِذٍ اِمْرَأَتَيْنِ لَهُ بِمَكَّة مُشْرِكَتَيْنِ : قُرَيْبَة بِنْت أَبِي أُمَيَّة فَتَزَوَّجَهَا مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان وَهُمَا عَلَى شِرْكهمَا بِمَكَّة . وَأُمّ كُلْثُوم بِنْت عَمْرو الْخُزَاعِيَّة أُمّ عَبْد اللَّه بْن الْمُغِيرَة ; فَتَزَوَّجَهَا أَبُو جَهْم بْن حُذَافَة وَهُمَا عَلَى شِرْكهمَا . فَلَمَّا وَلِيَ عُمَر قَالَ أَبُو سُفْيَان لِمُعَاوِيَة : طَلِّقْ قُرَيْبَة لِئَلَّا يَرَى عُمَر سَلَبَهُ فِي بَيْتك , فَأَبَى مُعَاوِيَة مِنْ ذَلِكَ . وَكَانَتْ عِنْد طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه أَرْوَى بِنْت رَبِيعَة بْن الْحَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِب فَفَرَّقَ الْإِسْلَام بَيْنهمَا , ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْإِسْلَام خَالِد بْن سَعِيد بْن الْعَاصِ , وَكَانَتْ مِمَّنْ فَرَّ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَاء الْكُفَّار , فَحَبَسَهَا وَزَوَّجَهَا خَالِدًا . وَزَوَّجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَب اِبْنَته - وَكَانَتْ كَافِرَة - مِنْ أَبِي الْعَاصِ بْن الرَّبِيع , ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَأَسْلَمَ زَوْجهَا بَعْدهَا . ذَكَرَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ اِبْن جُرَيْج عَنْ رَجُل عَنْ اِبْن شِهَاب قَالَ : أَسْلَمَتْ زَيْنَب بِنْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَاجَرَتْ بَعْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِجْرَة الْأُولَى , وَزَوْجهَا أَبُو الْعَاصِ بْن الرَّبِيع عَبْد الْعُزَّى مُشْرِك بِمَكَّة . الْحَدِيث . وَفِيهِ : أَنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدهَا . وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّعْبِيّ . قَالَ الشَّعْبِيّ : وَكَانَتْ زَيْنَب بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِمْرَأَة أَبِي الْعَاصِ بْن الرَّبِيع , فَأَسْلَمَتْ ثُمَّ لَحِقَتْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ أَتَى زَوْجهَا الْمَدِينَة فَأَمَّنَتْهُ فَأَسْلَمَ فَرَدَّهَا عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ أَبُو دَاوُد عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : بِالنِّكَاحِ الْأَوَّل ; وَلَمْ يُحْدِث شَيْئًا . قَالَ مُحَمَّد بْن عُمَر فِي حَدِيثه : بَعْد سِتّ سِنِينَ . وَقَالَ الْحَسَن بْن عَلِيّ : بَعْد سَنَتَيْنِ . قَالَ أَبُو عُمَر : فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَلَا يَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ : إِمَّا أَنَّهَا لَمْ تَحِضْ حَتَّى أَسْلَمَ زَوْجهَا , وَإِمَّا أَنَّ الْأَمْر فِيهَا مَنْسُوخ بِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " وَبُعُولَتهنَّ أَحَقّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ " [ الْبَقَرَة : 228 ] يَعْنِي فِي عِدَّتهنَّ . وَهَذَا مَا لَا خِلَاف فِيهِ بَيْن الْعُلَمَاء أَنَّهُ عَنَى بِهِ الْعِدَّة . وَقَالَ اِبْن شِهَاب الزُّهْرِيّ رَحِمَهُ اللَّه فِي قِصَّة زَيْنَب هَذِهِ : كَانَ قَبْل أَنْ تَنْزِل الْفَرَائِض . وَقَالَ قَتَادَة : كَانَ هَذَا قَبْل أَنْ تَنْزِل سُورَة " التَّوْبَة " بِقَطْعِ الْعُهُود بَيْنهمْ وَبَيْن الْمُشْرِكِينَ . وَاَللَّه أَعْلَم . " بِعِصَمِ الْكَوَافِر " الْمُرَاد بِالْكَوَافِرِ هُنَا عَبَدَة الْأَوْثَان مَنْ لَا يَجُوز اِبْتِدَاء نِكَاحهَا , فَهِيَ خَاصَّة بِالْكَوَافِرِ مِنْ غَيْر أَهْل الْكِتَاب . وَقِيلَ : هِيَ عَامَّة , نُسِخَ مِنْهَا نِسَاء أَهْل الْكِتَاب . وَلَوْ كَانَ إِلَى ظَاهِر الْآيَة لَمْ تَحِلّ كَافِرَة بِوَجْهٍ . وَعَلَى الْقَوْل الْأَوَّل إِذَا أَسْلَمَ وَثَنِيّ أَوْ مَجُوسِيّ وَلَمْ تُسْلِم اِمْرَأَته فُرِّقَ بَيْنهمَا . وَهَذَا قَوْل بَعْض أَهْل الْعِلْم . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَنْتَظِر بِهَا تَمَام الْعِدَّة . فَمَنْ قَالَ يُفَرِّق بَيْنهمَا فِي الْوَقْت وَلَا يَنْتَظِر تَمَام الْعِدَّة إِذَا عَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَام وَلَمْ تُسْلِم - مَالِك بْن أَنَس . وَهُوَ قَوْل الْحَسَن وَطَاوُس وَمُجَاهِد وَعَطَاء وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة وَالْحَكَم , وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِر " . وَقَالَ الزُّهْرِيّ : يَنْتَظِر بِهَا الْعِدَّة . وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد . وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ أَبَا سُفْيَان بْن حَرْب أَسْلَمَ قَبْل هِنْد بِنْت عُتْبَة اِمْرَأَته , وَكَانَ إِسْلَامه بِمَرِّ الظَّهْرَانِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة وَهِنْد بِهَا كَافِرَة مُقِيمَة عَلَى كُفْرهَا , فَأَخَذَتْ بِلِحْيَتِهِ وَقَالَتْ : اُقْتُلُوا الشَّيْخ الضَّالّ . ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْده بِأَيَّامٍ , فَاسْتَقَرَّا عَلَى نِكَاحهمَا لِأَنَّ عِدَّتهَا لَمْ تَكُنْ اِنْقَضَتْ . قَالُوا : وَمِثْله حَكِيم بْن حِزَام أَسْلَمَ قَبْل اِمْرَأَته , ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْده فَكَانَا عَلَى نِكَاحهمَا . قَالَ الشَّافِعِيّ : وَلَا حُجَّة لِمَنْ اِحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِر " لِأَنَّ نِسَاء الْمُسْلِمِينَ مُحَرَّمَات عَلَى الْكُفَّار ; كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا تَحِلّ لَهُمْ الْكَوَافِر وَالْوَثَنِيَّات وَلَا الْمَجُوسِيَّات بِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " وَلَا هُنَّ حِلّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ " ثُمَّ بَيَّنَتْ السُّنَّة أَنَّ مُرَاد اللَّه مِنْ قَوْله هَذَا أَنَّهُ لَا يَحِلّ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ إِلَّا أَنْ يُسْلِم الْبَاقِي مِنْهُمَا فِي الْعِدَّة . وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ وَهُمْ سُفْيَان وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي الْكَافِرِينَ الذِّمِّيِّينَ : إِذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَة عُرِضَ عَلَى الزَّوْج الْإِسْلَام , فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنهمَا . قَالُوا : وَلَوْ كَانَا حَرْبِيَّيْنِ فَهِيَ اِمْرَأَته حَتَّى تَحِيض ثَلَاث حِيَض إِذَا كَانَا جَمِيعًا فِي دَار الْحَرْب أَوْ فِي دَار الْإِسْلَام . وَإِنْ كَانَ أَحَدهمَا فِي دَار الْإِسْلَام وَالْآخَر فِي دَار الْحَرْب اِنْقَطَعَتْ الْعِصْمَة بَيْنهمَا فَرَاعُوا الدَّار ; وَلَيْسَ بِشَيْءٍ . وَقَدْ تَقَدَّمَ . هَذَا الِاخْتِلَاف إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَدْخُول بِهَا , فَإِنْ كَانَتْ غَيْر مَدْخُول بِهَا فَلَا نَعْلَم اِخْتِلَافًا فِي اِنْقِطَاع الْعِصْمَة بَيْنهمَا ; إِذْ لَا عِدَّة عَلَيْهَا . كَذَا يَقُول مَالِك فِي الْمَرْأَة تَرْتَدّ وَزَوْجهَا مُسْلِم : اِنْقَطَعَتْ الْعِصْمَة بَيْنهمَا . وَحُجَّته " وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِر " وَهُوَ قَوْل الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالْحَسَن بْن صَالِح بْن حَيّ . وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد أَنَّهُ يَنْتَظِر بِهَا تَمَام الْعِدَّة . فَإِنْ كَانَ الزَّوْجَانِ نَصْرَانِيَّيْنِ فَأَسْلَمَتْ الزَّوْجَة فَفِيهَا أَيْضًا اِخْتِلَاف . وَمَذْهَب مَالِك وَأَحْمَد وَالشَّافِعِيّ الْوُقُوف إِلَى تَمَام الْعِدَّة . وَهُوَ قَوْل مُجَاهِد . وَكَذَا الْوَثَنِيّ تُسْلِم زَوْجَته , إِنَّهُ إِنْ أَسْلَمَ فِي عِدَّتهَا فَهُوَ أَحَقّ بِهَا ; كَمَا كَانَ صَفْوَان بْن أُمَيَّة وَعِكْرِمَة بْن أَبِي جَهْل أَحَقّ بِزَوْجَتَيْهِمَا لَمَّا أَسْلَمَا فِي عِدَّتَيْهِمَا ; عَلَى حَدِيث اِبْن شِهَاب . ذَكَرَهُ مَالِك فِي الْمُوَطَّأ . قَالَ اِبْن شِهَاب : كَانَ بَيْن إِسْلَام صَفْوَان وَبَيْن إِسْلَام زَوْجَته نَحْو مِنْ شَهْر . قَالَ اِبْن شِهَاب : وَلَمْ يَبْلُغنَا أَنَّ اِمْرَأَة هَاجَرَتْ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوْجهَا كَافِر مُقِيم بِدَارِ الْحَرْب إِلَّا فَرَّقَتْ هِجْرَتهَا بَيْنه وَبَيْنهَا ; إِلَّا أَنْ يَقْدَم زَوْجهَا مُهَاجِرًا قَبْل أَنْ تَنْقَضِي عِدَّتهَا . وَمِنْ الْعُلَمَاء مَنْ قَالَ : يَنْفَسِخ النِّكَاح بَيْنهمَا . قَالَ يَزِيد بْن عَلْقَمَة : أَسْلَمَ جَدِّي وَلَمْ تُسْلِم جَدَّتِي فَفَرَّقَ عُمَر بَيْنهمَا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ; وَهُوَ قَوْل طَاوُس . وَجَمَاعَة غَيْره مِنْهُمْ عَطَاء وَالْحَسَن وَعِكْرِمَة قَالُوا : لَا سَبِيل عَلَيْهَا إِلَّا بِخُطْبَةٍ . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : كَانَ مَنْ ذَهَبَ مِنْ الْمُسْلِمَات مُرْتَدَّات إِلَى الْكُفَّار مِنْ أَهْل الْعَهْد يُقَال لِلْكُفَّارِ : هَاتُوا مَهْرهَا . وَيُقَال لِلْمُسْلِمِينَ إِذَا جَاءَ أَحَد مِنْ الْكَافِرَات مُسْلِمَة مُهَاجِرَة : رَدُّوا إِلَى الْكُفَّار مَهْرهَا . وَكَانَ ذَلِكَ نِصْفًا وَعَدْلًا بَيْن الْحَالَتَيْنِ . وَكَانَ هَذَا حُكْم اللَّه مَخْصُوصًا بِذَلِكَ الزَّمَان فِي تِلْكَ النَّازِلَة خَاصَّة بِإِجْمَاعِ الْأُمَّة ; قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ . أَيْ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَة هُوَ حُكْم اللَّه . " عَلِيم " بِمَا أَوْحَى إِلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . " حَكِيم " فِي شُؤُون خَلْقه .'; $TAFSEER['4']['60']['11'] = 'فِي الْخَبَر : أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا : رَضِينَا بِمَا حَكَمَ اللَّه ; وَكَتَبُوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَامْتَنَعُوا فَنَزَلَتْ : " وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْء مِنْ أَزْوَاجكُمْ إِلَى الْكُفَّار فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجهمْ مِثْل مَا أَنْفَقُوا " . وَرَوَى الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : حَكَمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَيْنكُمْ فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : " وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيُسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا " فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ : قَدْ حَكَمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَيْننَا بِأَنَّهُ إِنْ جَاءَتْكُمْ اِمْرَأَة مِنَّا أَنْ تُوَجِّهُوا إِلَيْنَا بِصَدَاقِهَا , وَإِنْ جَاءَتْنَا اِمْرَأَة مِنْكُمْ وَجَّهْنَا إِلَيْكُمْ بِصَدَاقِهَا . فَكَتَبُوا إِلَيْهِمْ : أَمَّا نَحْنُ فَلَا نَعْلَم لَكُمْ عِنْدنَا شَيْئًا , فَإِنْ كَانَ لَنَا عِنْدكُمْ شَيْء فَوَجِّهُوا بِهِ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْء مِنْ أَزْوَاجكُمْ إِلَى الْكُفَّار فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجهمْ مِثْل مَا أَنْفَقُوا " . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى : " ذَلِكُمْ حُكْم اللَّه يَحْكُم بَيْنكُمْ " أَيْ بَيْن الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّار مِنْ أَهْل الْعَهْد مِنْ أَهْل مَكَّة يَرُدّ بَعْضهمْ إِلَى بَعْض . قَالَ الزُّهْرِيّ : وَلَوْلَا الْعَهْد لَأَمْسَكَ النِّسَاء وَلَمْ يَرُدّ إِلَيْهِمْ صَدَاقًا . وَقَالَ قَتَادَة وَمُجَاهِد : إِنَّمَا أُمِرُوا أَنْ يُعْطُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجهمْ مِثْل مَا أَنْفَقُوا مِنْ الْفَيْء وَالْغَنِيمَة . وَقَالَا : هِيَ فِيمَنْ بَيْننَا وَبَيْنه عَهْد وَلَيْسَ بَيْننَا وَبَيْنه عَهْد . وَقَالَا : وَمَعْنَى " فَعَاقَبْتُمْ " فَاقْتَصَصْتُمْ . " فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجهمْ مِثْل مَا أَنْفَقُوا " يَعْنِي الصَّدَقَات . فَهِيَ عَامَّة فِي جَمِيع الْكُفَّار . وَقَالَ قَتَادَة أَيْضًا : وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْء مِنْ أَزْوَاجكُمْ إِلَى الْكُفَّار الَّذِينَ بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ عَهْد , فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجهمْ مِثْل مَا أَنْفَقُوا . ثُمَّ نَسَخَ هَذَا فِي سُورَة " التَّوْبَة " . وَقَالَ الزُّهْرِيّ : اِنْقَطَعَ هَذَا عَام الْفَتْح . وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ : لَا يَعْمَل بِهِ الْيَوْم . وَقَالَ قَوْم : هُوَ ثَابِت الْحُكْم الْآن أَيْضًا . حَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ . قِرَاءَة الْعَامَّة " فَعَاقَبْتُمْ " وَقَرَأَ عَلْقَمَة وَالنَّخَعِيّ وَحُمَيْد وَالْأَعْرَج " فَعَقَّبْتُمْ " مُشَدَّدَة . وَقَرَأَ مُجَاهِد " فَأَعْقَبْتُمْ " وَقَالَ : صَنَعْتُمْ كَمَا صَنَعُوا بِكُمْ . وَقَرَأَ الزُّهْرِيّ " فَعَقَبْتُمْ " خَفِيفَة بِغَيْرِ أَلِف . وَقَرَأَ مَسْرُوق وَشَقِيق بْن سَلَمَة " فَعَقِبْتُمْ " بِكَسْرِ الْقَاف خَفِيفَة . وَقَالَ : غَنِمْتُمْ . وَكُلّهَا لُغَات بِمَعْنًى وَاحِد . يُقَال : عَاقَبَ وَعَقَبَ وَعَقَّبَ وَأَعْقَبَ وَتَعَقَّبَ وَاعْتَقَبَ وَتَعَاقَبَ إِذَا غَنِمَ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ " فَعَاقَبْتُمْ " فَغَزَوْتُمْ مُعَاقَبِينَ غَزْوًا بَعْد غَزْو . وَقَالَ اِبْن بَحْر : أَيْ فَعَاقَبْتُمْ الْمُرْتَدَّة بِالْقَتْلِ فَلِزَوْجِهَا مَهْرهَا مِنْ غَنَائِم الْمُسْلِمِينَ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : يَقُول إِنْ لَحِقَتْ اِمْرَأَة مُؤْمِنَة بِكُفَّارِ أَهْل مَكَّة , وَلَيْسَ بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ عَهْد , وَلَهَا زَوْج مُسْلِم قَبْلكُمْ فَغَنِمْتُمْ , فَأَعْطُوا هَذَا الزَّوْج الْمُسْلِم مَهْره مِنْ الْغَنِيمَة قَبْل أَنْ تُخْمَس . وَقَالَ الزُّهْرِيّ : يُعْطَى مِنْ مَال الْفَيْء . وَعَنْهُ يُعْطَى مِنْ صَدَاق مَنْ لَحِقَ بِنَا . وَقِيلَ : أَيْ إِنْ اِمْتَنَعُوا مِنْ أَنْ يَغْرَمُوا مَهْر هَذِهِ الْمَرْأَة الَّتِي ذَهَبَتْ إِلَيْهِمْ , فَانْبِذُوا الْعَهْد إِلَيْهِمْ حَتَّى إِذَا ظَفِرْتُمْ فَخُذُوا ذَلِكَ مِنْهُمْ . قَالَ الْأَعْمَش : هِيَ مَنْسُوخَة . وَقَالَ عَطَاء : بَلْ حُكْمهَا ثَابِت . وَقَدْ تَقَدَّمَ جَمِيع هَذَا . الْقُشَيْرِيّ : وَالْآيَة نَزَلَتْ فِي أُمّ الْحَكَم بِنْت أَبِي سُفْيَان , اِرْتَدَّتْ وَتَرَكَتْ زَوْجهَا عِيَاض بْن غَنْم الْقُرَشِيّ , وَلَمْ تَرْتَدّ اِمْرَأَة مِنْ قُرَيْش غَيْرهَا , ثُمَّ عَادَتْ إِلَى الْإِسْلَام . وَحَكَى الثَّعْلَبِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس : هُنَّ سِتّ نِسْوَة رَجَعْنَ عَنْ الْإِسْلَام وَلَحِقْنَ بِالْمُشْرِكِينَ مِنْ نِسَاء الْمُؤْمِنِينَ الْمُهَاجِرِينَ : أُمّ الْحَكَم بِنْت أَبِي سُفْيَان كَانَتْ تَحْت عِيَاض بْن أَبِي شَدَّاد الْفِهْرِيّ . وَفَاطِمَة بِنْت أَبِي أُمَيَّة بْن الْمُغِيرَة أُخْت أُمّ سَلَمَة , وَكَانَتْ تَحْت عُمَر بْن الْخَطَّاب , فَلَمَّا هَاجَرَ عُمَر أَبَتْ وَارْتَدَّتْ . وَبَرْوَع بِنْت عُقْبَة , كَانَتْ تَحْت شَمَّاس بْن عُثْمَان . وَعَبْدَة بِنْت عَبْد الْعُزَّى , كَانَتْ تَحْت هِشَام بْن الْعَاصِ . وَأُمّ كُلْثُوم بِنْت جَرْوَل تَحْت عُمَر بْن الْخَطَّاب . وَشِهْبَة بِنْت غَيْلَان . فَأَعْطَاهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهُور نِسَائِهِمْ مِنْ الْغَنِيمَة . اِحْذَرُوا أَنْ تَتَعَدَّوْا مَا أَمَرَكُمْ بِهِ اللَّه الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنِينَ .'; $TAFSEER['4']['60']['12'] = 'فِيهَا ثَمَانِي مَسَائِل : الْأُولَى : لَمَّا فَتَحَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّة جَاءَ نِسَاء أَهْل مَكَّة يُبَايِعْنَهُ , فَأَمَرَ أَنْ يَأْخُذ عَلَيْهِنَّ أَلَّا يُشْرِكْنَ . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَائِشَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : كَانَ الْمُؤْمِنَات إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْتَحِن بِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : " يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِذَا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يُبَايِعْنَك عَلَى أَلَّا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ " إِلَى آخِر الْآيَة . قَالَتْ عَائِشَة : فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا مِنْ الْمُؤْمِنَات فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلهنَّ قَالَ لَهُنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اِنْطَلِقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ ) وَلَا وَاَللَّه مَا مَسَّتْ يَد رَسُول اللَّه يَد اِمْرَأَة قَطُّ , غَيْر أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ بِالْكَلَامِ . قَالَتْ عَائِشَة : وَاَللَّه مَا أَخَذَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّسَاء قَطُّ إِلَّا بِمَا أَمَرَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَمَا مَسَّتْ كَفّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفّ اِمْرَأَة قَطُّ ; وَكَانَ يَقُول لَهُنَّ إِذَا أَخَذَ عَلَيْهِنَّ ( قَدْ بَايَعْتُكُنَّ كَلَامًا ) . وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بَايَعَ النِّسَاء وَبَيْن يَدَيْهِ وَأَيْدِيهنَّ ثَوْب , وَكَانَ يَشْتَرِط عَلَيْهِنَّ . وَقِيلَ : لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيْعَة الرِّجَال جَلَسَ عَلَى الصَّفَا وَمَعَهُ عُمَر أَسْفَل مِنْهُ , فَجَعَلَ يَشْتَرِط عَلَى النِّسَاء الْبَيْعَة وَعُمَر يُصَافِحهُنَّ . وَرُوِيَ أَنَّهُ كَلَّفَ اِمْرَأَة وَقَفَتْ عَلَى الصَّفَا فَبَايَعَتْهُنَّ . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَذَلِكَ ضَعِيف , وَإِنَّمَا يَنْبَغِي التَّعْوِيل عَلَى مَا فِي الصَّحِيح . وَقَالَتْ أُمّ عَطِيَّة : لَمَّا قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة جَمَعَ نِسَاء الْأَنْصَار فِي بَيْت , ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْنَا عُمَر بْن الْخَطَّاب , فَقَامَ عَلَى الْبَاب فَسَلَّمَ فَرَدَدْنَ عَلَيْهِ السَّلَام , فَقَالَ : أَنَا رَسُول رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكُنَّ ; أَلَّا تُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا . فَقُلْنَ نَعَمْ . فَمَدَّ يَده مِنْ خَارِج الْبَيْت وَمَدَدْنَا أَيْدِينَا مِنْ دَاخِل الْبَيْت ; ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ اِشْهَدْ . وَرَوَى عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا بَايَعَ النِّسَاء دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاء , فَغَمَسَ يَده فِيهِ ثُمَّ أَمَرَ النِّسَاء فَغَمَسْنَ أَيْدِيهنَّ فِيهِ . الثَّانِيَة : رُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَالَ : ( عَلَى أَلَّا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا ) قَالَتْ هِنْد بِنْت عُتْبَة وَهِيَ مُنْتَقِبَة خَوْفًا مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْرِفهَا لِمَا صَنَعَتْهُ بِحَمْزَة يَوْم أُحُد : وَاَللَّه إِنَّك لَتَأْخُذ عَلَيْنَا أَمْرًا مَا رَأَيْتُك أَخَذْته عَلَى الرِّجَال وَكَانَ بَايَعَ الرِّجَال يَوْمئِذٍ عَلَى الْإِسْلَام وَالْجِهَاد فَقَطْ - فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَا يَسْرِقْنَ ) فَقَالَتْ هِنْد : إِنَّ أَبَا سُفْيَان رَجُل شَحِيح وَإِنِّي أُصِيب مِنْ مَاله قُوتنَا . فَقَالَ أَبُو سُفْيَان : هُوَ لَك حَلَال . فَضَحِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَرَفَهَا وَقَالَ : ( أَنْتَ هِنْد ) ؟ فَقَالَتْ : عَفَا اللَّه عَمَّا سَلَفَ . ثُمَّ قَالَ : ( وَلَا يَزْنِينَ ) فَقَالَتْ هِنْد : أَوَتَزْنِي الْحُرَّة ! ثُمَّ قَالَ : ( وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادهنَّ ) أَيْ لَا يَئِدْنَ الْمَوْءُودَات وَلَا يُسْقِطْنَ الْأَجِنَّة . فَقَالَتْ هِنْد : رَبَّيْنَاهُمْ صِغَارًا وَقَتَلْتهمْ كِبَارًا يَوْم بَدْر , فَأَنْتُمْ وَهُمْ أَبْصَر . وَرَوَى مُقَاتِل أَنَّهَا قَالَتْ : رَبَّيْنَاهُمْ صِغَارًا وَقَتَلْتُمُوهُمْ كِبَارًا , وَأَنْتُمْ وَهُمْ أَعْلَم . فَضَحِكَ عُمَر بْن الْخَطَّاب حَتَّى اِسْتَلْقَى . وَكَانَ حَنْظَلَة بْن أَبِي سُفْيَان وَهُوَ بِكْرهَا قُتِلَ يَوْم بَدْر . ثُمَّ قَالَ : " وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْن أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلهنَّ وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف " قِيلَ : مَعْنَى " بَيْن أَيْدِيهنَّ " أَلْسِنَتهنَّ بِالنَّمِيمَةِ . وَمَعْنَى بَيْن " أَرْجُلهنَّ " فُرُوجهنَّ . وَقِيلَ : مَا كَانَ بَيْن أَيْدِيهنَّ مِنْ قُبْلَة أَوْ جَسَّة , وَبَيْن أَرْجُلهنَّ الْجِمَاع وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَا يُلْحِقْنَ بِرِجَالِهِنَّ وَلَدًا مِنْ غَيْرهمْ . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور . وَكَانَتْ الْمَرْأَة تَلْتَقِط وَلَدًا فَتَلْحَقهُ بِزَوْجِهَا وَتَقُول : هَذَا وَلَدِي مِنْك . فَكَانَ هَذَا مِنْ الْبُهْتَان وَالِافْتِرَاء . وَقِيلَ : مَا بَيْن يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا كِنَايَة عَنْ الْوَلَد ; لِأَنَّ بَطْنهَا الَّذِي تَحْمِل فِيهِ الْوَلَد بَيْن يَدَيْهَا , وَفَرْجهَا الَّذِي تَلِد مِنْهُ بَيْن رِجْلَيْهَا . وَهَذَا عَامّ فِي الْإِتْيَان بِوَلَدٍ وَإِلْحَاقه بِالزَّوْجِ وَإِنْ سَبَقَ النَّهْي عَنْ الزِّنَى . وَرُوِيَ أَنَّ هِنْدًا لَمَّا سَمِعَتْ ذَلِكَ قَالَتْ : وَاَللَّه إِنَّ الْبُهْتَان لَأَمْر قَبِيح ; مَا تَأْمُر إِلَّا بِالْأَرْشَدِ وَمَكَارِم الْأَخْلَاق ! . ثُمَّ قَالَ : " وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف " قَالَ قَتَادَة : لَا يَنُحْنَ . وَلَا تَخْلُو اِمْرَأَة مِنْهُنَّ إِلَّا بِذِي مَحْرَم . وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , وَمُحَمَّد بْن السَّائِب وَزَيْد بْن أَسْلَم : هُوَ أَلَّا يَخْمِشْنَ وَجْهًا . وَلَا يَشْقُقْنَ جَيْبًا , وَلَا يَدْعُونَ وَيْلًا وَلَا يَنْشُرْنَ شَعْرًا وَلَا يُحَدِّثْنَ الرِّجَال إِلَّا ذَا مَحْرَم . وَرَوَتْ أُمّ عَطِيَّة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ذَلِكَ فِي النَّوْح . وَهُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس . وَرَوَى شَهْر بْن حَوْشَب عَنْ أُمّ سَلَمَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف " فَقَالَ : ( هُوَ النَّوْح ) . وَقَالَ مُصْعَب بْن نُوح : أَدْرَكْت عَجُوزًا مِمَّنْ بَايَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَحَدَّثَتْنِي عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي قَوْل : " وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف " فَقَالَ : ( النَّوْح ) . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أُمّ عَطِيَّة لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : " يُبَايِعْنَك عَلَى أَلَّا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا - إِلَى قَوْله - وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف " قَالَ : ( كَانَ مِنْهُ النِّيَاحَة ) قَالَتْ : فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه , إِلَّا آل فُلَان فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَسْعَدُونِي فِي الْجَاهِلِيَّة ; فَلَا بُدّ لِي مِنْ أَنْ أُسْعِدهُمْ . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِلَّا آل فُلَان ) . وَعَنْهَا قَالَتْ : أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْبَيْعَة أَلَّا نَنُوح ; فَمَا وَفَتْ مِنَّا أَمْرَأَة إِلَّا خَمْس : أُمّ سُلَيْم , وَأُمّ الْعَلَاء , وَابْنَة أَبِي سَبْرَة اِمْرَأَة مُعَاذ أَوْ اِبْنَة أَبِي سَبْرَة , وَامْرَأَة مُعَاذ . وَقِيلَ : إِنَّ الْمَعْرُوف هَاهُنَا الطَّاعَة لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ; قَالَهُ مَيْمُون بْن مِهْرَان . وَقَالَ بَكْر بْن عَبْد اللَّه الْمُزَنِيّ : لَا يَعْصِينَك فِي كُلّ أَمْر فِيهِ رُشْدهنَّ . الْكَلْبِيّ : هُوَ عَام فِي كُلّ مَعْرُوف أَمَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُوله بِهِ . فَرُوِيَ أَنَّ هِنْدًا قَالَتْ عِنْد ذَلِكَ : مَا جَلَسْنَا فِي مَجْلِسنَا هَذَا وَفِي أَنْفُسنَا أَنْ نَعْصِيك فِي شَيْء . الثَّالِثَة : ذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي صِفَة الْبَيْعَة خِصَالًا شَتَّى ; صَرَّحَ فِيهِنَّ بِأَرْكَانِ النَّهْي فِي الدِّين وَلَمْ يَذْكُر أَرْكَان الْأَمْر . وَهِيَ سِتَّة أَيْضًا : الشَّهَادَة , وَالصَّلَاة , وَالزَّكَاة , وَالصِّيَام , وَالْحَجّ , وَالِاغْتِسَال مِنْ الْجَنَابَة . وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّهْي دَائِم فِي كُلّ الْأَزْمَان وَكُلّ الْأَحْوَال ; فَكَانَ التَّنْبِيه عَلَى اِشْتِرَاط الدَّائِم آكَد . وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْمَنَاهِي كَانَ فِي النِّسَاء كَثِير مَنْ يَرْتَكِبهَا وَلَا يَحْجِزهُنَّ عَنْهَا شَرَف النَّسَب , فَخُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِهَذَا . وَنَحْو مِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِوَفْدِ عَبْد الْقَيْس : ( وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الدُّبَّاء وَالْحَنْتَم وَالنَّقِير وَالْمُزَفَّت ) فَنَبَّهَهُمْ عَلَى تَرْك الْمَعْصِيَة فِي شُرْب الْخَمْر دُون سَائِر الْمَعَاصِي , لِأَنَّهَا كَانَتْ شَهْوَتهمْ وَعَادَتهمْ , وَإِذَا تَرَكَ الْمَرْء شَهْوَته مِنْ الْمَعَاصِي هَانَ عَلَيْهِ تَرْك سَائِرهَا مِمَّا لَا شَهْوَة لَهُ فِيهَا . الرَّابِعَة : لَمَّا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْعَة : ( وَلَا يَسْرِقْنَ ) قَالَتْ هِنْد : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ أَبَا سُفْيَان رَجُل مَسِيك فَهَلْ عَلَيَّ حَرَج أَنْ آخُذ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي ؟ قَالَ ( لَا إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ ) فَخَشِيَتْ هِنْد أَنْ تَقْتَصِر عَلَى مَا يُعْطِيهَا فَتَضِيع , أَوْ تَأْخُذ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ فَتَكُون سَارِقَة نَاكِثَة لِلْبَيْعَةِ الْمَذْكُورَة . فَقَالَ لَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا ) أَيْ لَا حَرَج عَلَيْك فِيمَا أَخَذْت بِالْمَعْرُوفِ , يَعْنِي مِنْ غَيْر اِسْتِطَالَة إِلَى أَكْثَر مِنْ الْحَاجَة . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يَخْزُنهُ عَنْهَا فِي حِجَاب وَلَا يَضْبِط عَلَيْهِ بِقُفْلٍ فَإِنَّهُ إِذَا هَتَكَتْهُ الزَّوْجَة وَأَخَذَتْ مِنْهُ كَانَتْ سَارِقَة تَعْصِي بِهِ وَتُقْطَع يَدهَا . الْخَامِسَة : قَالَ عُبَادَة بْن الصَّامِت : أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَخَذَ عَلَى النِّسَاء : ( أَلَّا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُمْ وَلَا يَعْضَه بَعْضكُمْ بَعْضًا وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوف أَمَرَكُمْ بِهِ ) . مَعْنَى " يَعْضَه " يَسْحَر . وَالْعَضْه : السِّحْر . وَلِهَذَا قَالَ اِبْن بَحْر وَغَيْره فِي قَوْله تَعَالَى : " وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ " إِنَّهُ السِّحْر . وَقَالَ الضَّحَّاك : هَذَا نَهْي عَنْ الْبُهْتَان , أَيْ لَا يَعْضَهْنَ رَجُلًا وَلَا اِمْرَأَة . " بِبُهْتَانٍ " أَيْ بِسِحْرٍ . وَاَللَّه أَعْلَم . " يَفْتَرِينَهُ بَيْن أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلهنَّ " وَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّ مَعْنَى " بِبُهْتَانٍ " بِوَلَدٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْن أَيْدِيهنَّ " مَا أَخَذَتْهُ لَقِيطًا . " وَأَرْجُلهنَّ " مَا وَلَدَتْهُ مِنْ زِنًى . وَقَدْ تَقَدَّمَ . السَّادِسَة : " وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف " فِي الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى : " وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف " قَالَ : إِنَّمَا هُوَ شَرْط شَرَطَهُ اللَّه لِلنِّسَاءِ . وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا . وَالصَّحِيح أَنَّهُ عَامّ فِي جَمِيع مَا يَأْمُر بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْهَى عَنْهُ ; فَيَدْخُل فِيهِ النَّوْح وَتَخْرِيق الثِّيَاب وَجَزّ الشَّعْر وَالْخَلْوَة بِغَيْرِ مَحْرَم إِلَى غَيْر ذَلِكَ . وَهَذِهِ كُلّهَا كَبَائِر وَمِنْ أَفْعَال الْجَاهِلِيَّة . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي مَالِك الْأَشْعَرِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَرْبَع فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْر الْجَاهِلِيَّة ) فَذَكَرَ مِنْهَا النِّيَاحَة . وَرَوَى يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَذِهِ النَّوَائِح يُجْعَلْنَ يَوْم الْقِيَامَة صَفَّيْنِ صَفًّا عَنْ الْيَمِين وَصَفًّا عَنْ الْيَسَار يَنْبَحَن كَمَا تَنْبَح الْكِلَاب فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة ثُمَّ يُؤْمَر بِهِنَّ إِلَى النَّار ) . وَعَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تُصَلِّي الْمَلَائِكَة عَلَى نَائِحَة وَلَا مَرِنَة ) . وَرُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ نَائِحَة فَأَتَاهَا فَضَرَبَهَا بِالدِّرَّةِ حَتَّى وَقَعَ خِمَارهَا عَنْ رَأْسهَا . فَقِيلَ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , الْمَرْأَة الْمَرْأَة ! قَدْ وَقَعَ خِمَارهَا . فَقَالَ : إِنَّهَا لَا حُرْمَة لَهَا . أَسْنَدَ جَمِيعه الثَّعْلَبِيّ رَحِمَهُ اللَّه . أَمَّا تَخْصِيص قَوْله : " فِي مَعْرُوف " مَعَ قُوَّة قَوْله : " وَلَا يَعْصِينَك " فَفِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ تَفْسِير لِلْمَعْنَى عَلَى التَّأْكِيد ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : " قَالَ رَبّ اُحْكُمْ بِالْحَقِّ " [ الْأَنْبِيَاء : 112 ] لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ اُحْكُمْ لَكَفَى . الثَّانِي : إِنَّمَا شَرَطَ الْمَعْرُوف فِي بَيْعَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَكُون تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ غَيْره أَوْلَى بِذَلِكَ وَأَلْزَم لَهُ وَأَنْفَى لِلْإِشْكَالِ . السَّابِعَة : رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ عُبَادَة بْن الصَّامِت قَالَ : كُنَّا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( أَتُبَايِعُونَنِي عَلَى أَلَّا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَسْرِقُوا قَرَأَ آيَة النِّسَاء , وَأَكْثَر لَفْظ سُفْيَان قَرَأَ فِي الْآيَة فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْره عَلَى اللَّه وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّه فَهُوَ إِلَى اللَّه إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ مِنْهَا ) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : شَهِدْت الصَّلَاة يَوْم الْفِطْر مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان ; فَكُلّهمْ يُصَلِّيهَا قَبْل الْخُطْبَة ثُمَّ يَخْطُب ; فَنَزَلَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنِّي أَنْظُر إِلَيْهِ حِين يُجَلِّس الرِّجَال بِيَدِهِ , ثُمَّ أَقْبَلَ يَشُقّهُمْ حَتَّى أَتَى النِّسَاء مَعَ بِلَال فَقَالَ : ( يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِذَا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يُبَايِعْنَك عَلَى أَلَّا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادهنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْن أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلهنَّ " - حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْآيَة كُلّهَا , ثُمَّ قَالَ حِين فَرَغَ - : أَنْتُنَّ عَلَى ذَلِكَ ) ؟ فَقَالَتْ اِمْرَأَة وَاحِدَة لَمْ يُجِبْهُ غَيْرهَا : نَعَمْ يَا رَسُول اللَّه ; لَا يَدْرِي الْحَسَن مَنْ هِيَ . قَالَ : ( فَتَصَدَّقْنَ ) وَبَسَطَ بِلَال ثَوْبه فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الْفَتَخ وَالْخَوَاتِيم فِي ثَوْب بِلَال . لَفْظ الْبُخَارِيّ . الثَّامِنَة : قَالَ الْمَهْدَوِيّ : أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَشْتَرِط عَلَيْهِنَّ هَذَا ; وَالْأَمْر بِذَلِكَ نَدْب لَا إِلْزَام . وَقَالَ بَعْض أَهْل النَّظَر : إِذَا اُحْتِيجَ إِلَى الْمِحْنَة مِنْ أَجْل تَبَاعُد الدَّار كَانَ عَلَى إِمَام الْمُسْلِمِينَ إِقَامَة الْمِحْنَة . لِذُنُوبِكُمْ وَذُنُوبهمْ بِكُمْ فِي الْآخِرَة'; $TAFSEER['4']['60']['13'] = 'يَعْنِي الْيَهُود . وَذَلِكَ أَنَّ نَاسًا مِنْ فُقَرَاء الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يُخْبِرُونَ الْيَهُود بِأَخْبَارِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُوَاصِلُونَهُمْ فَيُصِيبُونَ بِذَلِكَ مِنْ ثِمَارهمْ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى خَتَمَ السُّورَة بِمَا بَدَأَهَا مِنْ تَرْك مُوَالَاة الْكُفَّار ; وَهِيَ خِطَاب لِحَاطِبِ بْن أَبِي بَلْتَعَةَ وَغَيْره . قَالَ اِبْن عَبَّاس : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا " أَيْ لَا تُوَالُوهُمْ وَلَا تُنَاصِحُوهُمْ ; رَجَعَ تَعَالَى بِطُولِهِ وَفَضْله عَلَى حَاطِب بْن أَبِي بَلْتَعَةَ . يُرِيد أَنَّ كُفَّار قُرَيْش قَدْ يَئِسُوا مِنْ خَيْر الْآخِرَة كَمَا يَئِسَ الْكُفَّار الْمَقْبُورُونَ مِنْ حَظّ يَكُون لَهُمْ فِي الْآخِرَة مِنْ رَحْمَة اللَّه تَعَالَى . وَقَالَ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة فِي قَوْله تَعَالَى : " قَدْ يَئِسُوا مِنْ الْآخِرَة كَمَا يَئِسَ الْكُفَّار مِنْ أَصْحَاب الْقُبُور " قَالَ : مَنْ مَاتَ مِنْ الْكُفَّار يَئِسَ مِنْ الْخَيْر . يَعْنِي الْيَهُود قَالَهُ اِبْن زَيْد . وَقِيلَ : هُمْ الْمُنَافِقُونَ . وَقَالَ الْحَسَن : هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى . قَالَ اِبْن مَسْعُود : مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ تَرَكُوا الْعَمَل لِلْآخِرَةِ وَآثَرُوا الدُّنْيَا . وَقِيلَ : الْمَعْنَى يَئِسُوا مِنْ ثَوَاب الْآخِرَة , قَالَهُ مُجَاهِد . أَيْ الْأَحْيَاء مِنْ الْكُفَّار . أَنْ يَرجِعوا إلَيْهِم ; قَالَهُ الْحَسَن وَقَتَادَة . قَالَ اِبْن عَرَفَة : وَهُمْ الَّذِينَ قَالُوا : " وَمَا يُهْلِكنَا إِلَّا الدَّهْر " [ الْجَاثِيَة : 24 ] . وَقَالَ مُجَاهِد : الْمَعْنَى كَمَا يَئِسَ الْكُفَّار الَّذِينَ فِي الْقُبُور أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى الدُّنْيَا . وَاَللَّه أَعْلَم .'; $TAFSEER['4']['61']['1'] = 'سُورَة الصَّفّ مَدَنِيَّة فِي قَوْل الْجَمِيع , فِيمَا ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ . وَقِيلَ : إِنَّهَا مَكِّيَّة , ذَكَرَهُ النَّحَّاس عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَهِيَ أَرْبَع عَشْرَة آيَة . أَيْ مَجِّدْ اللَّه وَنَزِّهْهُ عَنْ السُّوء . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : صَلَّى لِلَّهِ " مَا فِي السَّمَاوَات " مِمَّنْ خَلَقَ مِنْ الْمَلَائِكَة " وَالْأَرْض " مِنْ شَيْء فِيهِ رُوح أَوْ لَا رُوح فِيهِ . وَقِيلَ : هُوَ تَسْبِيح الدَّلَالَة . وَأَنْكَرَ الزَّجَّاج هَذَا وَقَالَ : لَوْ كَانَ هَذَا تَسْبِيح الدَّلَالَة وَظُهُور آثَار الصَّنْعَة لَكَانَتْ مَفْهُومَة , فَلِمَ قَالَ : " وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحهمْ " [ الْإِسْرَاء : 44 ] وَإِنَّمَا هُوَ تَسْبِيح مَقَال . وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَال يُسَبِّحْنَ " [ الْأَنْبِيَاء : 79 ] فَلَوْ كَانَ هَذَا تَسْبِيح دَلَالَة فَأَيّ تَخْصِيص لِدَاوُدَ ؟ ! وَقِيلَ الْمُرَاد بِهِ تَسْبِيح الدَّلَالَة , وَكُلّ مُحْدَث يَشْهَد عَلَى نَفْسه بِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خَالِق قَادِر . وَقَالَتْ طَائِفَة : هَذَا التَّسْبِيح حَقِيقَة , وَكُلّ شَيْء عَلَى الْعُمُوم يُسَبِّح تَسْبِيحًا لَا يَسْمَعهُ الْبَشَر وَلَا يَفْقَههُ , وَلَوْ كَانَ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُونَ مِنْ أَنَّهُ أَثَر الصَّنْعَة وَالدَّلَالَة لَكَانَ أَمْرًا مَفْهُومًا , وَالْآيَة تَنْطِق بِأَنَّ هَذَا التَّسْبِيح لَا يُفْقَه . وَأُجِيبُوا بِأَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ : " لَا تَفْقَهُونَ " الْكُفَّار الَّذِينَ يُعْرِضُونَ عَنْ الِاعْتِبَار فَلَا يَفْقَهُونَ حِكْمَة اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى فِي الْأَشْيَاء . وَقَالَتْ فِرْقَة : قَوْله " مِنْ شَيْء " عُمُوم , وَمَعْنَاهُ الْخُصُوص فِي كُلّ حَيّ وَنَامٍ , وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْجَمَادَات . وَمِنْ هَذَا قَوْل عِكْرِمَة : الشَّجَرَة تُسَبِّح وَالْأُسْطُوَان لَا يُسَبِّح . وَقَالَ يَزِيد الرَّقَاشِيّ لِلْحَسَنِ وَهُمَا فِي طَعَام وَقَدْ قُدِّمَ الْخِوَان : أَيُسَبِّحُ هَذَا الْخِوَان يَا أَبَا سَعِيد ؟ فَقَالَ : قَدْ كَانَ يُسَبِّح مَرَّة ; يُرِيد أَنَّ الشَّجَرَة فِي زَمَن ثَمَرهَا وَاعْتِدَالهَا كَانَتْ تُسَبِّح , وَأَمَّا الْآن فَقَدْ صَارَ خِوَانًا مَدْهُونًا . قُلْت : وَيُسْتَدَلّ لِهَذَا الْقَوْل مِنْ السُّنَّة بِمَا ثَبَتَ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ : ( إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِير أَمَّا أَحَدهمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا الْآخَر فَكَانَ لَا يَسْتَبْرِئ مِنْ الْبَوْل ) قَالَ : فَدَعَا بِعَسِيبٍ رَطْب فَشَقَّهُ اِثْنَيْنِ , ثُمَّ غَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا ثُمَّ قَالَ : ( لَعَلَّهُ يُخَفِّف عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا ) . فَقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام . ( مَا لَمْ يَيْبَسَا ) إِشَارَة إِلَى أَنَّهُمَا مَا دَامَا رَطْبَيْنِ يُسَبِّحَانِ , فَإِذَا يَبِسَا صَارَا جَمَادًا . وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِي مُسْنَد أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ : فَتُوضَع عَلَى أَحَدهمَا نِصْفًا وَعَلَى الْآخَر نِصْفًا وَقَالَ : ( لَعَلَّهُ أَنْ يُهَوِّن عَلَيْهِمَا الْعَذَاب مَا دَامَ فِيهِمَا مِنْ بُلُولَتهِمَا شَيْء ) . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَيُسْتَفَاد مِنْ هَذَا غَرْس الْأَشْجَار وَقِرَاءَة الْقُرْآن عَلَى الْقُبُور , وَإِذَا خُفِّفَ عَنْهُمْ بِالْأَشْجَارِ فَكَيْفَ بِقِرَاءَةِ الرَّجُل الْمُؤْمِن الْقُرْآن . وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَاب التَّذْكِرَة بَيَانًا شَافِيًا , وَأَنَّهُ يَصِل إِلَى الْمَيِّت ثَوَاب مَا يُهْدَى إِلَيْهِ . وَالْحَمْد لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ . وَعَلَى التَّأْوِيل الثَّانِي لَا يَحْتَاج إِلَى ذَلِكَ ; فَإِنَّ كُلّ شَيْء مِنْ الْجَمَاد وَغَيْره يُسَبِّح . قُلْت : وَيُسْتَدَلّ لِهَذَا التَّأْوِيل وَهَذَا الْقَوْل مِنْ الْكِتَاب بِقَوْلِهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى : " وَاذْكُرْ عَبْدنَا دَاوُد ذَا الْأَيْد إِنَّهُ أَوَّاب . إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَال مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاق " [ ص : 17 - 18 ] , وَقَوْله : " وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِط مِنْ خَشْيَة اللَّه " [ الْبَقَرَة : 74 ] - عَلَى قَوْل مُجَاهِد - , وَقَوْله : " وَتَخِرّ الْجِبَال هَدًّا . أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا " [ مَرْيَم : 90 - 91 ] . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك فِي ( دَقَائِقه ) أَخْبَرَنَا مِسْعَر عَنْ عَبْد اللَّه بْن وَاصِل عَنْ عَوْف بْن عَبْد اللَّه قَالَ قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : إِنَّ الْجَبَل يَقُول لِلْجَبَلِ : يَا فُلَان , هَلْ مَرَّ بِك الْيَوْم ذَاكِر لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ سُرَّ بِهِ . ثُمَّ قَرَأَ عَبْد اللَّه " وَقَالُوا اِتَّخَذَ الرَّحْمَن وَلَدًا " الْآيَة . قَالَ : أَفَتَرَاهُنَّ يَسْمَعْنَ الزُّور وَلَا يَسْمَعْنَ الْخَيْر . وَفِيهِ عَنْ أَنَس بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : مَا مِنْ صَبَاح وَلَا رَوَاح إِلَّا تُنَادِي بِقَاع الْأَرْض بَعْضهَا بَعْضًا . يَا جَارَاهُ ; هَلْ مَرَّ بِك الْيَوْم عَبْد فَصَلَّى لِلَّهِ أَوْ ذَكَرَ اللَّه عَلَيْك ؟ فَمِنْ قَائِلَة لَا , وَمِنْ قَائِلَة نَعَمْ , فَإِذَا قَالَتْ نَعَمْ رَأَتْ لَهَا بِذَلِكَ فَضْلًا عَلَيْهَا . وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَسْمَع صَوْتَ الْمُؤَذِّن جِنٌّ وَلَا إِنْس وَلَا شَجَر وَلَا حَجَر وَلَا مَدَر وَلَا شَيْء إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْم الْقِيَامَة ) . رَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه , وَمَالِك فِي مُوَطَّئِهِ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَخَرَّجَ الْبُخَارِيّ عَنْ عَبْد اللَّه رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : لَقَدْ كُنَّا نَسْمَع تَسْبِيح الطَّعَام وَهُوَ يُؤْكَل . فِي غَيْر هَذِهِ الرِّوَايَة عَنْ اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ : كُنَّا نَأْكُل مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّعَام وَنَحْنُ نَسْمَع تَسْبِيحه . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ جَابِر بْن سَمُرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي لَأَعْرِف حَجَرًا بِمَكَّة كَانَ يُسَلِّم عَلَيَّ قَبْل أَنْ أُبْعَث إِنِّي لَأَعْرِفهُ الْآن ) . قِيلَ : إِنَّهُ الْحَجَر الْأَسْوَد , وَاَللَّه أَعْلَم . وَالْأَخْبَار فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَة ; وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى جُمْلَة مِنْهَا فِي اللُّمَع اللُّؤْلُئِيَّة فِي شَرْح الْعِشْرِينِيَّات النَّبَوِيَّة لِلْفَادَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّه , وَخَبَر الْجِذْع أَيْضًا مَشْهُور فِي هَذَا الْبَاب خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ فِي مَوْضِع مِنْ كِتَابه . وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي جَمَاد وَاحِد جَازَ فِي جَمِيع الْجَمَادَات , وَلَا اِسْتِحَالَة فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ ; فَكُلّ شَيْء يُسَبِّح لِلْعُمُومِ . وَكَذَا قَالَ النَّخَعِيّ وَغَيْره : هُوَ عَامّ فِيمَا فِيهِ رُوح وَفِيمَا لَا رُوح فِيهِ حَتَّى صَرِير الْبَاب . وَاحْتَجُّوا بِالْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا . وَقِيلَ : تَسْبِيح الْجَمَادَات أَنَّهَا تَدْعُو النَّاظِر إِلَيْهَا إِلَى أَنْ يَقُول : سُبْحَان اللَّه ! لِعَدَمِ الْإِدْرَاك مِنْهَا . وَقَالَ الشَّاعِر : تُلْقَى بِتَسْبِيحَةٍ مِنْ حَيْثُ مَا اِنْصَرَفَتْ وَتَسْتَقِرّ حَشَا الرَّائِي بِتَرْعَادِ أَيْ يَقُول مَنْ رَآهَا : سُبْحَان خَالِقهَا . فَالصَّحِيح أَنَّ الْكُلّ يُسَبِّح لِلْأَخْبَارِ الدَّالَّة عَلَى ذَلِكَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ التَّسْبِيح تَسْبِيح دَلَالَة فَأَيّ تَخْصِيص لِدَاوُدَ , وَإِنَّمَا ذَلِكَ تَسْبِيح الْمَقَال بِخَلْقِ الْحَيَاة وَالْإِنْطَاق بِالتَّسْبِيحِ كَمَا ذَكَرْنَا . وَقَدْ نَصَّتْ السُّنَّة عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر الْقُرْآن مِنْ تَسْبِيح كُلّ شَيْء فَالْقَوْل بِهِ أَوْلَى . وَاَللَّه أَعْلَم . " الْعَزِيز " مَعْنَاهُ الْمَنِيع الَّذِي لَا يُنَال وَلَا يُغَالَب . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : مَعْنَاهُ الَّذِي لَا يُعْجِزهُ شَيْء ; دَلِيله : " وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعْجِزهُ مِنْ شَيْء فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الْأَرْض " . [ فَاطِر : 44 ] . الْكِسَائِيّ : " الْعَزِيز " الْغَالِب ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَعَزَّنِي فِي الْخِطَاب " [ ص : 23 ] وَفِي الْمَثَل : " مَنْ عَزَّ بَزَّ " أَيْ مَنْ غَلَبَ سَلَبَ . وَقِيلَ : " الْعَزِيز " الَّذِي لَا مِثْل لَهُ ; بَيَانه " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء " [ الشُّورَى : 11 ] . " الْحَكِيم " مَعْنَاهُ الْحَاكِم , وَبَيْنهمَا مَزِيد الْمُبَالَغَة . وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْمُحْكِم وَيَجِيء الْحَكِيم عَلَى هَذَا مِنْ صِفَات الْفِعْل , صُرِفَ عَنْ مُفْعِل إِلَى فَعِيل , كَمَا صُرِفَ عَنْ مُسْمِع إِلَى سَمِيع وَمُؤْلِم إِلَى أَلِيم , قَالَهُ اِبْن الْأَنْبَارِيّ . وَقَالَ قَوْم : الْمَانِع مِنْ الْفَسَاد , وَمِنْهُ سُمِّيَتْ حَكَمَة اللِّجَام , لِأَنَّهَا تَمْنَع الْفَرَس مِنْ الْجَرْي وَالذَّهَاب فِي غَيْر قَصْد . قَالَ جَرِير : أَبَنِي حَنِيفَة أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ أَنْ أَغْضَبَا أَيْ اِمْنَعُوهُمْ مِنْ الْفَسَاد . وَقَالَ زُهَيْر : الْقَائِد الْخَيْل مَنْكُوبًا دَوَابِرهَا قَدْ أُحْكِمَتْ حَكَمَات الْقِدّ وَالْأَبَقَا الْقِدّ : الْجِلْد . وَالْأَبَق : الْقِنَّب . وَالْعَرَب تَقُول : أُحْكِمَ الْيَتِيم عَنْ كَذَا وَكَذَا , يُرِيدُونَ مَنْعه . وَالسُّورَة الْمُحْكَمَة : الْمَمْنُوعَة مِنْ التَّغْيِير وَكُلّ التَّبْدِيل , وَأَنْ يَلْحَق بِهَا مَا يَخْرُج عَنْهَا , وَيُزَاد عَلَيْهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا , وَالْحِكْمَة مِنْ هَذَا , لِأَنَّهَا تَمْنَع صَاحِبهَا مِنْ الْجَهْل . وَيُقَال : أَحْكَمَ الشَّيْء إِذَا أَتْقَنَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ الْخُرُوج عَمَّا يُرِيد . فَهُوَ مُحْكَم وَحَكِيم عَلَى التَّكْثِير .'; $TAFSEER['4']['61']['2'] = 'رَوَى الدَّارِمِيّ أَبُو مُحَمَّد فِي مُسْنَده أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن كَثِير عَنْ الْأَوْزَاعِيّ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَام قَالَ : قَعَدْنَا نَفَر مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَذَاكَرْنَا فَقُلْنَا : لَوْ نَعْلَم أَيّ الْأَعْمَال أَحَبّ إِلَى اللَّه تَعَالَى لَعَمِلْنَاهُ ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ " حَتَّى خَتَمَهَا . قَالَ عَبْد اللَّه : فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى خَتَمَهَا . قَالَ أَبُو سَلَمَة : فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا اِبْن سَلَام . قَالَ يَحْيَى : فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا أَبُو سَلَمَة وَقَرَأَهَا عَلَيْنَا يَحْيَى وَقَرَأَهَا عَلَيْنَا الْأَوْزَاعِيّ وَقَرَأَهَا عَلَيْنَا مُحَمَّد . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس قَالَ عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة : لَوْ عَلِمْنَا أَحَبّ الْأَعْمَال إِلَى اللَّه لَعَمِلْنَاهُ ; فَلَمَّا نَزَلَ الْجِهَاد كَرِهُوهُ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : قَالَ الْمُؤْمِنُونَ يَا رَسُول اللَّه , لَوْ نَعْلَم أَحَبّ الْأَعْمَال إِلَى اللَّه لَسَارَعْنَا إِلَيْهَا ; فَنَزَلَتْ " هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى تِجَارَة تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَاب أَلِيم " [ الصَّفّ : 10 ] فَمَكَثُوا زَمَانًا يَقُولُونَ : لَوْ نَعْلَم مَا هِيَ لَاشْتَرَيْنَاهَا بِالْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُس وَالْأَهْلِينَ ; فَدَلَّهُمْ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ : " تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسكُمْ " [ الصَّفّ : 11 ] الْآيَة . فَابْتُلُوا يَوْم أُحُد فَفَرُّوا ; فَنَزَلَتْ تُعَيِّرهُمْ بِتَرْكِ الْوَفَاء . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : لَمَّا أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوَابِ شُهَدَاء بَدْر قَالَتْ الصَّحَابَة : اللَّهُمَّ اِشْهَدْ ! لَئِنْ لَقِينَا قِتَالًا لَنُفْرِغَنَّ فِيهِ وُسْعنَا ; فَفَرُّوا يَوْم أُحُد فَعَيَّرَهُمْ اللَّه بِذَلِكَ . وَقَالَ مِهْرَان وَالضَّحَّاك : نَزَلَتْ فِي قَوْم كَانُوا يَقُولُونَ : نَحْنُ جَاهَدْنَا وَأَبْلَيْنَا وَلَمْ يَفْعَلُوا . وَقَالَ وَاعَجَبًا : كَانَ رَجُل قَدْ آذَى الْمُسْلِمِينَ يَوْم بَدْر وَأَنْكَاهُمْ فَقَتَلْته . فَقَالَ رَجُل يَا نَبِيّ اللَّه , إِنِّي قَتَلْت فُلَانًا , فَفَرِحَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ . فَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف : يَا صُهَيْب , أَمَا أَخْبَرْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّك قَتَلْت فُلَانًا ! فَإِنَّ فُلَانًا اِنْتَحَلَ قَتْله ; فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ : ( أَكَذَلِكَ يَا أَبَا يَحْيَى ) ؟ قَالَ نَعَمْ , وَاَللَّه يَا رَسُول اللَّه ; فَنَزَلَتْ الْآيَة فِي الْمُنْتَحِل . وَقَالَ اِبْن زَيْد : نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ ; كَانُوا يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه : إِنْ خَرَجْتُمْ وَقَاتَلْتُمْ خَرَجْنَا مَعَكُمْ وَقَاتَلْنَا ; فَلَمَّا خَرَجُوا نَكَصُوا عَنْهُمْ وَتَخَلَّفُوا . هَذِهِ الْآيَة تُوجِب عَلَى كُلّ مَنْ أَلْزَمَ نَفْسه عَمَلًا فِيهِ طَاعَة أَنْ يَفِيَ بِهَا . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ بَعَثَ إِلَى قُرَّاء أَهْل الْبَصْرَة فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثَلَاثمِائَةِ رَجُل قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآن ; فَقَالَ : أَنْتُمْ خِيَار أَهْل الْبَصْرَة وَقُرَّاؤُهُمْ , فَاتْلُوهُ وَلَا يَطُولَن عَلَيْكُمْ الْأَمَد فَتَقْسُو قُلُوبكُمْ كَمَا قَسَتْ قُلُوب مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ . وَإِنَّا كُنَّا نَقْرَأ سُورَة كُنَّا نُشَبِّههَا فِي الطُّول وَالشِّدَّة ب " بَرَاءَة " فَأُنْسِيتهَا ; غَيْر أَنِّي قَدْ حَفِظْت مِنْهَا " لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَم وَادِيَانِ مِنْ مَال لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا وَلَا يَمْلَأ جَوْف اِبْن آدَم إِلَّا التُّرَاب " . وَكُنَّا نَقْرَأ سُورَة كُنَّا نُشَبِّههَا بِإِحْدَى الْمُسَبِّحَات فَأُنْسِيتهَا ; غَيْر أَنِّي حَفِظْت مِنْهَا : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ " فَتُكْتَب شَهَادَة فِي أَعْنَاقكُمْ فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْم الْقِيَامَة . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا كُلّه ثَابِت فِي الدِّين . أَمَّا قَوْله تَعَالَى : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ " فَثَابِت فِي الدِّين لَفْظًا وَمَعْنًى فِي هَذِهِ السُّورَة . وَأَمَّا قَوْله : " شَهَادَة فِي أَعْنَاقكُمْ فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْم الْقِيَامَة " فَمَعْنًى ثَابِت فِي الدِّين ; فَإِنَّ مَنْ اِلْتَزَمَ شَيْئًا لَزِمَهُ شَرْعًا . وَالْمُلْتَزَم عَلَى قِسْمَيْنِ : أَحَدهمَا : النَّذْر , وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ , نَذْر تَقَرُّب مُبْتَدَأ كَقَوْلِهِ : لِلَّهِ عَلَيَّ صَلَاة وَصَوْم وَصَدَقَة , وَنَحْوه مِنْ الْقُرَب . فَهَذَا يَلْزَم الْوَفَاء بِهِ إِجْمَاعًا . وَنَذْر مُبَاح وَهُوَ مَا عُلِّقَ بِشَرْطِ رَغْبَة , كَقَوْلِهِ : إِنْ قَدِمَ غَائِبِي فَعَلَيَّ صَدَقَة , أَوْ عُلِّقَ بِشَرْطِ رَهْبَة , كَقَوْلِهِ : إِنْ كَفَانِي اللَّه شَرّ كَذَا فَعَلَيَّ صَدَقَة . فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيهِ , فَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة , يَلْزَمهُ الْوَفَاء بِهِ . وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي أَحَد أَقْوَاله : إِنَّهُ لَا يَلْزَمهُ الْوَفَاء بِهِ . وَعُمُوم الْآيَة حُجَّة لَنَا , لِأَنَّهَا بِمُطْلَقِهَا تَتَنَاوَل ذَمّ مَنْ قَالَ مَا لَا يَفْعَلهُ عَلَى أَيّ وَجْه كَانَ مِنْ مُطْلَق أَوْ مُقَيَّد بِشَرْطٍ . وَقَدْ قَالَ أَصْحَابه : إِنَّ النَّذْر إِنَّمَا يَكُون بِمَا الْقَصْد مِنْهُ الْقُرْبَة مِمَّا هُوَ مِنْ جِنْس الْقُرْبَة . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْس الْقُرْبَة لَكِنَّهُ لَمْ يُقْصَد بِهِ الْقُرْبَة , وَإِنَّمَا قُصِدَ مَنْع نَفْسه عَنْ فِعْل أَوْ الْإِقْدَام عَلَى فِعْل . قُلْنَا : الْقُرَب الشَّرْعِيَّة مَشَقَّات وَكُلَف وَإِنْ كَانَتْ قُرُبَات . وَهَذَا تَكَلُّف اِلْتِزَام هَذِهِ الْقُرْبَة بِمَشَقَّةٍ لِجَلْبِ نَفْع أَوْ دَفْع ضُرّ , فَلَمْ يَخْرُج عَنْ سَنَن التَّكْلِيف وَلَا زَالَ عَنْ قَصْد التَّقَرُّب . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فَإِنْ كَانَ الْمَقُول مِنْهُ وَعْدًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُون مَنُوطًا بِسَبَبٍ كَقَوْلِهِ : إِنْ تَزَوَّجْت أَعَنْتُك بِدِينَارٍ , أَوْ اِبْتَعْت حَاجَة كَذَا أَعْطَيْتُك كَذَا . فَهَذَا لَازِم إِجْمَاعًا مِنْ الْفُقَهَاء . وَإِنْ كَانَ وَعْدًا مُجَرَّدًا فَقِيلَ يَلْزَم بِتَعَلُّقِهِ . وَتَعَلَّقُوا بِسَبَبِ الْآيَة , فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ : لَوْ نَعْلَم أَيّ الْأَعْمَال أَفْضَل أَوْ أَحَبّ إِلَى اللَّه لَعَمِلْنَاهُ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة . وَهُوَ حَدِيث لَا بَأْس بِهِ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد أَنَّ عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة لَمَّا سَمِعَهَا قَالَ : لَا أَزَال حَبِيسًا فِي سَبِيل اللَّه حَتَّى أُقْتَل . وَالصَّحِيح عِنْدِي أَنَّ الْوَعْد يَجِب الْوَفَاء بِهِ عَلَى كُلّ حَال إِلَّا لِعُذْرٍ . قُلْت : قَالَ مَالِك : فَأَمَّا الْعِدَّة مِثْل أَنْ يَسْأَل الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَنْ يَهَب لَهُ الْهِبَة فَيَقُول لَهُ نَعَمْ ; ثُمَّ يَبْدُو لَهُ أَلَّا يَفْعَل فَمَا أَرَى ذَلِكَ يَلْزَمهُ . وَقَالَ اِبْن الْقَاسِم : إِذَا وَعَدَ الْغُرَمَاء فَقَالَ : أُشْهِدكُمْ أَنِّي قَدْ وَهَبْت لَهُ مِنْ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْكُمْ ; فَإِنَّ هَذَا يَلْزَمهُ . وَأَمَّا أَنْ يَقُول نَعَمْ أَنَا أَفْعَل ; ثُمَّ يَبْدُو لَهُ , فَلَا أَرَى عَلَيْهِ ذَلِكَ . قُلْت : أَيْ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ ; فَأَمَّا فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق وَحُسْن الْمُرُوءَة فَنَعَمْ . وَقَدْ أَثْنَى اللَّه تَعَالَى عَلَى مَنْ صَدَقَ وَعْده وَوَفَى بِنَذْرِهِ فَقَالَ : " وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا " [ الْبَقَرَة : 177 ] , وَقَالَ تَعَالَى : " وَاذْكُرْ فِي الْكِتَاب إِسْمَاعِيل إِنَّهُ كَانَ صَادِق الْوَعْد " [ مَرْيَم : 54 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه . قَالَ الْمُثَنَّى : ثَلَاث آيَات مَنَعَتْنِي أَنْ أَقُصّ عَلَى النَّاس " أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسكُمْ " [ الْبَقَرَة : 44 ] , " وَمَا أُرِيد أَنْ أُخَالِفكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ " [ هُود : 88 ] , " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ " . وَخَرَّجَ أَبُو نُعَيْم الْحَافِظ مِنْ حَدِيث مَالِك بْن دِينَار عَنْ ثُمَامَة أَنَّ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتَيْت لَيْلَة أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْم تُقْرَض شِفَاههمْ بِمَقَارِيض مِنْ نَار كُلَّمَا قُرِضَتْ وَفَتْ ) قُلْت : ( مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل ) ؟ قَالَ : ( هَؤُلَاءِ خُطَبَاء أُمَّتك الَّذِينَ يَقُولُونَ وَلَا يَفْعَلُونَ وَيَقْرَءُونَ كِتَاب اللَّه وَلَا يَعْمَلُونَ ) . وَعَنْ بَعْض السَّلَف أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : حَدِّثْنَا ; فَسَكَتَ . ثُمَّ قِيلَ لَهُ : حَدِّثْنَا . فَقَالَ : أَتَرَوْنَنِي أَنْ أَقُول مَا لَا أَفْعَل فَأَسْتَعْجِل مَقْت اللَّه ! . " لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ " اِسْتِفْهَام عَلَى جِهَة الْإِنْكَار وَالتَّوْبِيخ , عَلَى أَنْ يَقُول الْإِنْسَان عَنْ نَفْسه مِنْ الْخَيْر مَا لَا يَفْعَلهُ . أَمَّا فِي الْمَاضِي فَيَكُون كَذِبًا , وَأَمَّا فِي الْمُسْتَقْبَل فَيَكُون خُلْفًا , وَكِلَاهُمَا مَذْمُوم . وَتَأَوَّلَ سُفْيَان بْن وَجِبْرَائِيل قَوْله تَعَالَى : " لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ " أَيْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَيْسَ الْأَمْر فِيهِ إِلَيْكُمْ , فَلَا تَدْرُونَ هَلْ تَفْعَلُونَ أَوْ لَا تَفْعَلُونَ . فَعَلَى هَذَا يَكُون الْكَلَام مَحْمُولًا عَلَى ظَاهِره فِي إِنْكَار الْقَوْل .'; $TAFSEER['4']['61']['3'] = 'قَدْ يُحْتَجّ بِهِ فِي وُجُوب الْوَفَاء فِي اللِّجَاج وَالْغَضَب عَلَى أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ . و " أَنْ " وَقَعَ بِالِابْتِدَاءِ وَمَا قَبْلهَا الْخَبَر ; وَكَأَنَّهُ قَالَ : قَوْلكُمْ مَا لَا تَفْعَلُونَ مَذْمُوم , وَيَجُوز أَنْ يَكُون خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف . الْكِسَائِيّ : " أَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع ; لِأَنَّ " كَبُرَ " فِعْل بِمَنْزِلَةِ بِئْسَ رَجُلًا أَخُوك . و " مَقْتًا " نَصْب بِالتَّمْيِيزِ ; الْمَعْنَى كَبُرَ قَوْلهمْ مَا لَا يَفْعَلُونَ مَقْتًا . وَقِيلَ : هُوَ حَال . وَالْمَقْت وَالْمَقَاتَة مَصْدَرَانِ ; يُقَال : رَجُل مَقِيت وَمَمْقُوت إِذَا لَمْ يُحِبّهُ النَّاس .'; $TAFSEER['4']['61']['4'] = 'أَيْ يَصُفُّونَ صَفًّا : وَالْمَفْعُول مُضْمَر ; أَيْ يَصُفُّونَ أَنْفُسهمْ صَفًّا . قَالَ الْفَرَّاء : مَرْصُوص بِالرَّصَاصِ . وَقَالَ الْمُبَرِّد : هُوَ مِنْ رَصَصْت الْبِنَاء إِذَا لَاءَمْت بَيْنه وَقَارَبْت حَتَّى يَصِير كَقِطْعَةٍ وَاحِدَة . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ الرَّصِيص وَهُوَ اِنْضِمَام الْأَسْنَان بَعْضهَا إِلَى بَعْض . وَالتَّرَاصّ التَّلَاصُق ; وَمِنْهُ وَتَرَاصُّوا فِي الصَّفّ . وَمَعْنَى الْآيَة : يُحِبّ مَنْ يَثْبُت فِي الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه وَيَلْزَم مَكَانه كَثُبُوتِ الْبِنَاء . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : هَذَا تَعْلِيم مِنْ اللَّه تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ كَيْفَ يَكُونُونَ عِنْد قِتَال عَدُوّهُمْ . وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل بِهَذَا عَلَى أَنَّ قِتَال الرَّاجِل أَفْضَل مِنْ قِتَال الْفَارِس , لِأَنَّ الْفُرْسَان لَا يَصْطَفُّونَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَة . الْمَهْدَوِيّ : وَذَلِكَ غَيْر مُسْتَقِيم , لِمَا جَاءَ فِي فَضْل الْفَارِس فِي الْأَجْر وَالْغَنِيمَة . وَلَا يَخْرُج الْفُرْسَان مِنْ مَعْنَى الْآيَة ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ الثَّبَات . لَا يَجُوز الْخُرُوج عَنْ الصَّفّ إِلَّا لِحَاجَةٍ تَعْرِض لِلْإِنْسَانِ , أَوْ فِي رِسَالَة يُرْسِلهَا الْإِمَام , أَوْ فِي مَنْفَعَة تَظْهَر فِي الْمَقَام , كَفُرْصَةٍ تُنْتَهَز وَلَا خِلَاف فِيهَا . وَفِي الْخُرُوج عَنْ الصَّفّ لِلْمُبَارَزَةِ خِلَاف عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدهمَا أَنَّهُ لَا بَأْس بِذَلِكَ إِرْهَابًا لِلْعَدُوِّ , وَطَلَبًا لِلشَّهَادَةِ وَتَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَال . وَقَالَ أَصْحَابنَا : لَا يَبْرُز أَحَد طَالِبًا لِذَلِكَ , لِأَنَّ فِيهِ رِيَاء وَخُرُوجًا إِلَى مَا نَهَى اللَّه عَنْهُ مِنْ لِقَاء الْعَدُوّ . وَإِنَّمَا تَكُون الْمُبَارَزَة إِذَا طَلَبَهَا الْكَافِر ; كَمَا كَانَتْ فِي حُرُوب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَدْر وَفِي غَزْوَة خَيْبَر , وَعَلَيْهِ دَرَجَ السَّلَف . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل مُسْتَوْفًى فِي هَذَا فِي " الْبَقَرَة " عِنْد قَوْله تَعَالَى : " وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة " [ الْبَقَرَة : 195 ] .'; $TAFSEER['4']['61']['5'] = 'لَمَّا ذَكَرَ أَمْر الْجِهَاد بَيَّنَ أَنَّ مُوسَى وَعِيسَى أَمَرَا بِالتَّوْحِيدِ وَجَاهَدَا فِي سَبِيل اللَّه ; وَحَلَّ الْعِقَاب بِمَنْ خَالَفَهُمَا ; أَيْ وَاذْكُرْ لِقَوْمِك يَا مُحَمَّد هَذِهِ الْقِصَّة . وَذَلِكَ حِين رَمَوْهُ بِالْأُدْرَةِ ; حَسْب مَا تَقَدَّمَ فِي آخِر سُورَة " الْأَحْزَاب " . وَمِنْ الْأَذَى مَا ذُكِرَ فِي قِصَّة قَارُون : إِنَّهُ دَسَّ إِلَى اِمْرَأَة تَدَّعِي عَلَى مُوسَى الْفُجُور . وَمِنْ الْأَذَى قَوْلهمْ : " اِجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَة " [ الْأَعْرَاف : 138 ] . وَقَوْلهمْ : " فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا " [ الْمَائِدَة : 24 ] . وَقَوْلهمْ : إِنَّك قَتَلْت هَارُون . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا . وَالرَّسُول يُحْتَرَم وَيُعَظَّم . وَدَخَلَتْ " قَدْ " عَلَى " تَعْلَمُونَ " لِلتَّأْكِيدِ ; كَأَنَّهُ قَالَ : وَتَعْلَمُونَ عِلْمًا يَقِينًا لَا شُبْهَة لَكُمْ فِيهِ . أَيْ مَالُوا عَنْ الْحَقّ أَيْ أَمَالَهَا عَنْ الْهُدَى . وَقِيلَ : " فَلَمَّا زَاغُوا " عَنْ الطَّاعَة " أَزَاغَ اللَّه قُلُوبهمْ " عَنْ الْهِدَايَة . وَقِيلَ : " فَلَمَّا زَاغُوا " عَنْ الْإِيمَان " أَزَاغَ اللَّه قُلُوبهمْ " عَنْ الثَّوَاب . وَقِيلَ : أَيْ لَمَّا تَرَكُوا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ اِحْتِرَام الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام وَطَاعَة الرَّبّ , خَلَقَ اللَّه الضَّلَالَة فِي قُلُوبهمْ عُقُوبَة لَهُمْ عَلَى فِعْلهمْ . أَيْ مَنْ كَانَ فِي حُكْمه أَنَّهُ يُخْتَم لَهُ بِالْفِسْقِ'; $TAFSEER['4']['61']['6'] = 'أَيْ وَاذْكُرْ لَهُمْ هَذِهِ الْقِصَّة أَيْضًا . وَقَالَ : " يَا بَنِي إِسْرَائِيل " وَلَمْ يَقُلْ " يَا قَوْم " كَمَا قَالَ مُوسَى ; لِأَنَّهُ لَا نَسَب لَهُ فِيهِمْ فَيَكُونُونَ قَوْمه . أَيْ بِالْإِنْجِيلِ . لِأَنَّ فِي التَّوْرَاة صِفَتِي , وَأَنِّي لَمْ آتِكُمْ بِشَيْءٍ يُخَالِف التَّوْرَاة فَتَنْفِرُوا عَنِّي . مُصَدِّقًا . " وَمُبَشِّرًا " نَصْب عَلَى الْحَال ; وَالْعَامِل فِيهَا مَعْنَى الْإِرْسَال . و " إِلَيْكُمْ " صِلَة الرَّسُول . قَرَأَ نَافِع وَابْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو " مِنْ بَعْدِيَ " بِفَتْحِ الْيَاء . وَهِيَ قِرَاءَة الْأَزْدِيّ وَزِرّ بْن السِّينَانِيّ وَأَبِي بَكْر عَنْ عَاصِم . وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم لِأَنَّهُ اِسْم ; مِثْل الْكَاف مِنْ بَعْدك , وَالتَّاء مِنْ قُمْت . الْبَاقُونَ بِالْإِسْكَانِ . وَقُرِئَ " مِنْ بَعْدِي اِسْمه أَحْمَد " بِحَذْفِ الْيَاء مِنْ اللَّفْظ . و " أَحْمَد " اِسْم نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهُوَ اِسْم عَلَم مَنْقُول مِنْ صِفَة لَا مِنْ فِعْل ; فَتِلْكَ الصِّفَة أَفْعَل الَّتِي يُرَاد بِهَا التَّفْضِيل . فَمَعْنَى " أَحْمَد " أَيْ أَحْمَد الْحَامِدِينَ لِرَبِّهِ . وَالْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ كُلّهمْ حَامِدُونَ اللَّه , وَنَبِيّنَا أَحْمَد أَكْثَرهمْ حَمْدًا . وَأَمَّا مُحَمَّد فَمَنْقُول مِنْ صِفَة أَيْضًا , وَهِيَ فِي مَعْنَى مَحْمُود ; وَلَكِنْ فِيهِ مَعْنَى الْمُبَالَغَة وَالتَّكْرَار . فَالْمُحَمَّد هُوَ الَّذِي حُمِدَ مَرَّة بَعْد مَرَّة . كَمَا أَنَّ الْمُكَرَّم مِنْ الْكَرَم مَرَّة بَعْد مَرَّة . وَكَذَلِكَ الْمُمَدَّح وَنَحْو ذَلِكَ . فَاسْم مُحَمَّد مُطَابِق لِمَعْنَاهُ , وَاَللَّه سُبْحَانه سَمَّاهُ قَبْل أَنْ يُسَمِّيَ بِهِ نَفْسه . فَهَذَا عَلَم مِنْ أَعْلَام نُبُوَّته , إِذْ كَانَ اِسْمه صَادِقًا عَلَيْهِ ; فَهُوَ مَحْمُود فِي الدُّنْيَا لِمَا هُدِيَ إِلَيْهِ وَنَفَعَ بِهِ مِنْ الْعِلْم وَالْحِكْمَة . وَهُوَ مَحْمُود فِي الْآخِرَة بِالشَّفَاعَةِ . فَقَدْ تَكَرَّرَ مَعْنَى الْحَمْد كَمَا يَقْتَضِي اللَّفْظ . ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحَمَّدًا حَتَّى كَانَ أَحْمَد , حَمِدَ رَبّه فَنَبَّأَهُ وَشَرَّفَهُ ; فَلِذَلِكَ تَقَدَّمَ اِسْم أَحْمَد عَلَى الِاسْم الَّذِي هُوَ مُحَمَّد فَذَكَرَهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ : " اِسْمه أَحْمَد " . وَذَكَرَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حِين قَالَ لَهُ رَبّه : تِلْكَ أُمَّة أَحْمَد , فَقَالَ : اللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي مِنْ أُمَّة أَحْمَد . فَبِأَحْمَد ذَكَرَهُ قَبْل أَنْ يَذْكُرهُ بِمُحَمَّدٍ , لِأَنَّ حَمْده لِرَبِّهِ كَانَ قَبْل حَمْد النَّاس لَهُ . فَلَمَّا وُجِدَ وَبُعِثَ كَانَ مُحَمَّدًا بِالْفِعْلِ . وَكَذَلِكَ فِي الشَّفَاعَة يَحْمَد رَبّه بِالْمَحَامِدِ الَّتِي يَفْتَحهَا عَلَيْهِ , فَيَكُون أَحْمَد النَّاس لِرَبِّهِ ثُمَّ يَشْفَع فَيُحْمَد عَلَى شَفَاعَته . وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( اِسْمِي فِي التَّوْرَاة أَحْيَد لِأَنِّي أُحِيد أُمَّتِي عَنْ النَّار وَاسْمِي فِي الزَّبُور الْمَاحِي مَحَا اللَّه بِي عَبَدَة الْأَوْثَان وَاسْمِي فِي الْإِنْجِيل أَحْمَد وَاسْمِي فِي الْقُرْآن مُحَمَّد لِأَنِّي مَحْمُود فِي أَهْل السَّمَاء وَالْأَرْض ) . وَفِي الصَّحِيح ( لِي خَمْسَة أَسْمَاء أَنَا مُحَمَّد وَأَحْمَد وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّه بِي الْكُفْر وَأَنَا الْحَاشِر الَّذِي تُحْشَر النَّاس عَلَى قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِب ) . وَقَدْ تَقَدَّمَ . قِيلَ عِيسَى . وَقِيلَ : مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَرَأَ الْكِسَائِيّ وَحَمْزَة " سَاحِر " نَعْتًا لِلرَّجُلِ . وَرُوِيَ أَنَّهَا قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود . الْبَاقُونَ " سِحْر " نَعْتًا لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول .'; $TAFSEER['4']['61']['7'] = 'الْمَعْنَى أَيْ ظُلْم أَشْنَع مِنْ الِافْتِرَاء عَلَى اللَّه تَعَالَى وَالتَّكْذِيب بِآيَاتِهِ . وَهَذَا اِسْتِفْهَام بِمَعْنَى الْجَحْد ; أَيْ لَا أَحَد أَظْلَم مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه الْكَذِب , وَبَدَّلَ كَلَامه وَأَضَافَ شَيْئًا إِلَيْهِ مِمَّا لَمْ يُنَزِّلهُ . وَكَذَلِكَ لَا أَحَد أَظْلَم مِنْكُمْ إِذَا أَنْكَرْتُمْ الْقُرْآن وَافْتَرَيْتُمْ عَلَى اللَّه الْكَذِب , وَهَذَا مِمَّا أُمِرَ بِهِ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولهُ لَهُمْ . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل اللَّه اِبْتِدَاء . وَقِيلَ : الْمُفْتَرِي الْمُشْرِك , وَالْمُكَذِّب بِالْآيَاتِ أَهْل الْكِتَاب . هَذَا تَعَجُّب مِمَّنْ كَفَرَ بِعِيسَى وَمُحَمَّد بَعْد الْمُعْجِزَات الَّتِي ظَهَرَتْ لَهُمَا . وَقَرَأَ طَلْحَة بْن مُصَرِّف " وَهُوَ يَدَّعِي " بِفَتْحِ الْيَاء وَالدَّال وَشَدّهَا وَكَسْر الْعَيْن , أَيْ يَنْتَسِب . وَيَدَّعِي وَيَنْتَسِب سَوَاء . أَيْ مَنْ كَانَ فِي حُكْمه أَنَّهُ يُخْتَم لَهُ بِالضَّلَالَةِ .'; $TAFSEER['4']['61']['8'] = 'الْإِطْفَاء هُوَ الْإِخْمَاد , يُسْتَعْمَلَانِ فِي النَّار , وَيُسْتَعْمَلَانِ فِيمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا مِنْ الضِّيَاء وَالظُّهُور . وَيَفْتَرِق الْإِطْفَاء وَالْإِخْمَاد مِنْ وَجْه ; وَهُوَ أَنَّ الْإِطْفَاء يُسْتَعْمَل فِي الْقَلِيل وَالْكَثِير , وَالْإِخْمَاد إِنَّمَا يُسْتَعْمَل فِي الْكَثِير دُون الْقَلِيل ; فَيُقَال : أَطْفَأْت السِّرَاج ; وَلَا يُقَال أَخْمَدْت السِّرَاج . وَفِي " نُور اللَّه " هُنَا خَمْسَة أَقَاوِيل : أَحَدهَا : أَنَّهُ الْقُرْآن ; يُرِيدُونَ إِبْطَاله وَتَكْذِيبه بِالْقَوْلِ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَابْن زَيْد . وَالثَّانِي : إِنَّهُ الْإِسْلَام ; يُرِيدُونَ دَفْعه بِالْكَلَامِ ; قَالَهُ السُّدِّيّ . الثَّالِث : أَنَّهُ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; يُرِيدُونَ هَلَاكه بِالْأَرَاجِيفِ ; قَالَهُ الضَّحَّاك . الرَّابِع : حُجَج اللَّه وَدَلَائِله ; يُرِيدُونَ إِبْطَالهَا بِإِنْكَارِهِمْ وَتَكْذِيبهمْ ; قَالَهُ اِبْن بَحْر . الْخَامِس : أَنَّهُ مَثَل مَضْرُوب ; أَيْ مَنْ أَرَادَ إِطْفَاء نُور الشَّمْس بِفِيهِ فَوَجَدَهُ مُسْتَحِيلًا مُمْتَنِعًا فَكَذَلِكَ مَنْ أَرَادَ إِبْطَال الْحَقّ ; حَكَاهُ اِبْن عِيسَى . وَسَبَب نُزُول هَذِهِ الْآيَة مَا حَكَاهُ عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْطَأَ عَلَيْهِ الْوَحْي أَرْبَعِينَ يَوْمًا ; فَقَالَ كَعْب بْن الْأَشْرَف : يَا مَعْشَر الْيَهُود , أَبْشِرُوا ! فَقَدْ أَطْفَأَ اللَّه نُور مُحَمَّد فِيمَا كَانَ يُنْزِل عَلَيْهِ , وَمَا كَانَ لِيُتِمّ أَمْره ; فَحَزِنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة وَاتَّصَلَ الْوَحْي بَعْدهَا ; حَكَى جَمِيعه الْمَاوَرْدِيّ رَحِمَهُ اللَّه . أَيْ بِإِظْهَارِهِ فِي الْآفَاق . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَحَفْص عَنْ عَاصِم " وَاَللَّه مُتُّمْ نُوره " بِالْإِضَافَةِ عَلَى نِيَّة الِانْفِصَال ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " كُلّ نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت " [ آل عِمْرَان : 185 ] وَشَبَهه , حَسْب مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي " آل عِمْرَان " . الْبَاقُونَ " مُتُّمْ نُوره " لِأَنَّهُ فِيمَا يُسْتَقْبَل ; فَعَمِلَ . مِنْ سَائِر الْأَصْنَاف .'; $TAFSEER['4']['61']['9'] = 'أَيْ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ وَالرَّشَاد . أَيْ بِالْحُجَجِ . وَمِنْ الظُّهُور الْغَلَبَة بِالْيَدِ فِي الْقِتَال ; وَلَيْسَ الْمُرَاد بِالظُّهُورِ أَلَّا يَبْقَى دِين آخَر مِنْ الْأَدْيَان , بَلْ الْمُرَاد يَكُون أَهْل الْإِسْلَام عَالِينَ غَالِبِينَ . وَمِنْ الْإِظْهَار أَلَّا يَبْقَى دِين سِوَى الْإِسْلَام فِي آخِر الزَّمَان . قَالَ مُجَاهِد : وَذَلِكَ إِذَا نَزَلَ عِيسَى لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْض دِين إِلَّا دِين الْإِسْلَام . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : " لِيُظْهِرهُ عَلَى الدِّين كُلّه " بِخُرُوجِ عِيسَى . وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى كَافِر إِلَّا أَسْلَمَ . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لِيَنْزِلَن اِبْن مَرْيَم حَكَمًا عَادِلًا فَلْيَكْسِرَن الصَّلِيب وَلْيَقْتُلَن الْخِنْزِير وَلَيَضَعَن الْجِزْيَة وَلَتُتْرَكَن الْقِلَاص فَلَا يُسْعَى عَلَيْهَا وَلَتَذْهَبَن الشَّحْنَاء وَالتَّبَاغُض وَالتَّحَاسُد وَلَيَدْعُوَن إِلَى الْمَال فَلَا يَقْبَلهُ أَحَد ) . وَقِيلَ : " لِيُظْهِرهُ " أَيْ لِيُطْلِع مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَائِر الْأَدْيَان ; حَتَّى يَكُون عَالِمًا بِهَا عَارِفًا بِوُجُوهِ بُطْلَانهَا , وَبِمَا حَرَّفُوا وَغَيَّرُوا مِنْهَا . " عَلَى الدِّين " أَيْ الْأَدْيَان ; لِأَنَّ الدِّين مَصْدَر يُعَبَّر بِهِ عَنْ جَمْع .'; $TAFSEER['4']['61']['10'] = 'قَالَ مُقَاتِل : نَزَلَتْ فِي عُثْمَان بْن مَظْعُون ; وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ أَذِنْت لِي فَطَلَّقْت خَوْلَة , وَتَرَهَّبْت وَاخْتَصَيْت وَحَرَّمْت اللَّحْم , وَلَا أَنَام بِلَيْلٍ أَبَدًا , وَلَا أُفْطِر بِنَهَارٍ أَبَدًا ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مِنْ سُنَّتِي النِّكَاح وَلَا رَهْبَانِيَّة فِي الْإِسْلَام إِنَّمَا رَهْبَانِيَّة أُمَّتِي الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه وَخِصَاء أُمَّتِي الصَّوْم وَلَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ . وَمِنْ سُنَّتِي أَنَام وَأَقُوم وَأُفْطِر وَأَصُوم فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ) . فَقَالَ عُثْمَان : وَاَللَّه لَوَدِدْت يَا نَبِيّ اللَّه أَيّ التِّجَارَات أَحَبّ إِلَى اللَّه فَأَتَّجِر فِيهَا ; فَنَزَلَتْ . وَقِيلَ : " أَدُلّكُمْ " أَيْ سَأَدُلُّكُمْ . وَالتِّجَارَة الْجِهَاد ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ " [ التَّوْبَة : 111 ] الْآيَة . وَهَذَا خِطَاب لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ . وَقِيلَ : لِأَهْلِ الْكِتَاب . أَيْ تُخَلِّصكُمْ وَقِرَاءَة الْعَامَّة " تُنْجِيكُمْ " بِإِسْكَانِ النُّون مِنْ الْإِنْجَاء . وَقَرَأَ الْحَسَن وَابْن عَامِر وَأَبُو حَيْوَة " تُنَجِّيكُمْ " مُشَدَّدًا مِنْ التَّنْجِيَة . أَيْ مُؤْلِم .'; $TAFSEER['4']['61']['11'] = 'ذَكَرَ الْأَمْوَال أَوَّلًا لِأَنَّهَا الَّتِي يُبْدَأ بِهَا فِي الْإِنْفَاق . و " تُؤْمِنُونَ " عِنْد الْمُبَرِّد وَالزَّجَّاج فِي مَعْنَى آمَنُوا , وَلِذَلِكَ جَاءَ " يَغْفِر لَكُمْ " مَجْزُومًا عَلَى أَنَّهُ جَوَاب الْأَمْر . وَفِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه " آمَنُوا بِاَللَّهِ " وَقَالَ الْفَرَّاء " يَغْفِر لَكُمْ " جَوَاب الِاسْتِفْهَام ; وَهَذَا إِنَّمَا يَصِحّ عَلَى الْحَمْل عَلَى الْمَعْنَى ; وَذَلِكَ أَنْ يَكُون " تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ , وَتُجَاهِدُونَ " عَطْف بَيَان عَلَى قَوْله : " هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى تِجَارَة تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَاب أَلِيم " كَأَنَّ التِّجَارَة لَمْ يُدْرَ مَا هِيَ ; فَبُيِّنَتْ بِالْإِيمَانِ وَالْجِهَاد ; فَهِيَ هُمَا فِي الْمَعْنَى . فَكَأَنَّهُ قَالَ : هَلْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَتُجَاهِدُونَ يَغْفِر لَكُمْ . الزَّمَخْشَرِيّ : وَجْه قَوْل الْفَرَّاء أَنَّ مُتَعَلِّق الدَّلَالَة هُوَ التِّجَارَة وَالتِّجَارَة مُفَسَّرَة بِالْإِيمَانِ وَالْجِهَاد . كَأَنَّهُ قِيلَ : هَلْ تَتَّجِرُونَ بِالْإِيمَانِ وَالْجِهَاد يَغْفِر لَكُمْ . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : فَإِنْ لَمْ تُقَدَّر هَذَا التَّقْدِير لَمْ تَصِحّ الْمَسْأَلَة ; لِأَنَّ التَّقْدِير يَصِير إِنْ دَلَلْتُمْ يَغْفِر لَكُمْ ; وَالْغُفْرَان إِنَّمَا نَعْت بِالْقَبُولِ وَالْإِيمَان لَا بِالدَّلَالَةِ . قَالَ الزَّجَّاج : لَيْسَ إِذَا دَلَّهُمْ عَلَى مَا يَنْفَعهُمْ يَغْفِر لَهُمْ ; إِنَّمَا يَغْفِر لَهُمْ إِذَا آمَنُوا وَجَاهَدُوا . وَقَرَأَ زَيْد بْن عَلِيّ " تُؤْمِنُوا " , و " تُجَاهِدُوا " عَلَى إِضْمَار لَام الْأَمْر ; كَقَوْلِهِ : مُحَمَّد تَفْدِ نَفْسك كُلّ نَفْس إِذَا مَا خِفْت مِنْ شَيْء تَبَالًا أَرَادَ لِتَفْدِ . وَأَدْغَمَ بَعْضهمْ فَقَالَ : " يَغْفِر لَكُمْ " وَالْأَحْسَن تَرْك الْإِدْغَام ; لِأَنَّ الرَّاء حَرْف مُتَكَرِّر قَوِيّ فَلَا يَحْسُن إِدْغَامه فِي اللَّام ; لِأَنَّ الْأَقْوَى لَا يُدْغَم فِي الْأَضْعَف . أَيْ هَذَا الْفِعْل خَيْر لَكُمْ مِنْ أَمْوَالكُمْ وَأَنْفُسكُمْ " إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ "'; $TAFSEER['4']['61']['12'] = 'خَرَّجَ أَبُو الْحُسَيْن الْآجُرِّيّ عَنْ الْحَسَن قَالَ : سَأَلْت عِمْرَان بْن الْحُصَيْن وَأَبَا هُرَيْرَة عَنْ تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة " وَمَسَاكِن طَيِّبَة " فَقَالَا : عَلَى الْخَبِير سَقَطْت , سَأَلْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا فَقَالَ : ( قَصْر مِنْ لُؤْلُؤَة فِي الْجَنَّة فِيهِ سَبْعُونَ دَارًا مِنْ يَاقُوتَة حَمْرَاء فِي كُلّ دَار سَبْعُونَ بَيْتًا مِنْ زَبَرْجَدَة خَضْرَاء فِي كُلّ بَيْت سَبْعُونَ سَرِيرًا عَلَى كُلّ سَرِير سَبْعُونَ فِرَاشًا مِنْ كُلّ لَوْن عَلَى كُلّ فِرَاش سَبْعُونَ اِمْرَأَة مِنْ الْحُور الْعِين فِي كُلّ بَيْت سَبْعُونَ مَائِدَة عَلَى كُلّ مَائِدَة سَبْعُونَ لَوْنًا مِنْ الطَّعَام فِي كُلّ بَيْت سَبْعُونَ وَصِيفًا وَوَصِيفَة فَيُعْطِي اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْمُؤْمِن مِنْ الْقُوَّة فِي غَدَاة وَاحِدَة مَا يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلّه ) . " فِي جَنَّات عَدْن " أَيْ إِقَامَة . أَيْ السَّعَادَة الدَّائِمَة الْكَبِيرَة . وَأَصْل الْفَوْز الظَّفَر بِالْمَطْلُوبِ .'; $TAFSEER['4']['61']['13'] = 'قَالَ الْفَرَّاء وَالْأَخْفَش : " أُخْرَى " مَعْطُوفَة عَلَى " تِجَارَة " فَهِيَ فِي مَحَلّ خَفْض . وَقِيلَ : مَحَلّهَا رَفْع أَيْ وَلَكُمْ خَصْلَة أُخْرَى وَتِجَارَة أُخْرَى تُحِبُّونَهَا أَيْ هُوَ نَصْر مِنْ اللَّه ; ف " نَصْر " عَلَى هَذَا تَفْسِير " وَأُخْرَى " . وَقِيلَ : رَفْع عَلَى الْبَدَل مِنْ " أُخْرَى " أَيْ وَلَكُمْ نَصْر مِنْ اللَّه . أَيْ غَنِيمَة فِي عَاجِل الدُّنْيَا ; وَقِيلَ فَتْح مَكَّة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد فَتْح فَارِس وَالرُّوم . بِرِضَا اللَّه عَنْهُمْ .'; $TAFSEER['4']['61']['14'] = 'أَكَّدَ أَمْر الْجِهَاد ; أَيْ كُونُوا حَوَارِيِّي نَبِيّكُمْ لِيُظْهِركُمْ اللَّه عَلَى مَنْ خَالَفَكُمْ كَمَا أَظْهَرَ حَوَارِيِّي عِيسَى عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو وَنَافِع " أَنْصَارًا لِلَّهِ " بِالتَّنْوِينِ . قَالُوا : لِأَنَّ مَعْنَاهُ اُثْبُتُوا وَكُونُوا أَعْوَانًا لِلَّهِ بِالسَّيْفِ عَلَى أَعْدَائِهِ . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ مِنْ أَهْل الْبَصْرَة وَالْكُوفَة وَالشَّام " أَنْصَار اللَّه " بِلَا تَنْوِين ; وَحَذَفُوا لَام الْإِضَافَة مِنْ اِسْم اللَّه تَعَالَى . وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدَة لِقَوْلِهِ : " نَحْنُ أَنْصَار اللَّه " وَلَمْ يُنَوَّن ; وَمَعْنَاهُ كُونُوا أَنْصَارًا لِدِينِ اللَّه . ثُمَّ قِيلَ : فِي الْكَلَام إِضْمَار ; أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد كُونُوا أَنْصَار اللَّه . وَقِيلَ : هُوَ اِبْتِدَاء خِطَاب مِنْ اللَّه ; أَيْ كُونُوا أَنْصَارًا كَمَا فَعَلَ أَصْحَاب عِيسَى فَكَانُوا بِحَمْدِ اللَّه أَنْصَارًا وَكَانُوا حَوَارِيِّينَ . وَالْحَوَارِيُّونَ خَوَاصّ الرُّسُل . قَالَ مَعْمَر : كَانَ ذَلِكَ بِحَمْدِ اللَّه ; أَيْ نَصَرُوهُ وَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا , وَهُمْ الَّذِينَ بَايَعُوهُ لَيْلَة الْعَقَبَة . وَقِيلَ : هُمْ مِنْ قُرَيْش . وَسَمَّاهُمْ قَتَادَة : أَبَا بَكْر وَعُمَر وَعَلِيّ وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسَعْد بْن مَالِك وَأَبَا عُبَيْدَة - وَاسْمه عَامِر - وَعُثْمَان بْن مَظْعُون وَحَمْزَة بْن عَبْد الْمُطَّلِب ; وَلَمْ يَذْكُر سَعِيدًا فِيهِمْ , وَذَكَرَ جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ . وَهُمْ أَصْفِيَاؤُهُ اِثْنَا عَشَر رَجُلًا , وَقَدْ مَضَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي " آل عِمْرَان " , وَهُمْ أَوَّل مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ مُقَاتِل : قَالَ اللَّه لِعِيسَى إِذَا دَخَلْت الْقَرْيَة فَأْتِ النَّهْر الَّذِي عَلَيْهِ الْقَصَّارُونَ فَاسْأَلْهُمْ النُّصْرَة , فَأَتَاهُمْ عِيسَى وَقَالَ : مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّه ؟ قَالُوا : نَحْنُ نَنْصُرك . فَصَدَّقُوهُ وَنَصَرُوهُ . أَيْ مَنْ أَنْصَارِي مَعَ اللَّه , كَمَا تَقُول : الذَّوْد إِلَى الذَّوْد إِبِل , أَيْ مَعَ الذَّوْد . وَقِيلَ : أَيْ مَنْ أَنْصَارِي فِيمَا يُقَرِّب إِلَى اللَّه . " قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَار اللَّه " وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي آل عِمْرَان " وَالطَّائِفَتَانِ فِي زَمَن عِيسَى اِفْتَرَقُوا بَعْد رَفْعه إِلَى السَّمَاء , عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " آل عِمْرَان " بَيَانه . " فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوّهُمْ " الَّذِينَ كَفَرُوا بِعِيسَى . " فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ " أَيْ غَالِبِينَ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيَّدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا فِي زَمَن عِيسَى بِإِظْهَارِ مُحَمَّد عَلَى دِين الْكُفَّار . وَقَالَ مُجَاهِد : أُيِّدُوا فِي زَمَانهمْ عَلَى مَنْ كَفَرَ بِعِيسَى . وَقِيلَ أَيَّدْنَا الْآن الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْفِرْقَتَيْنِ الضَّالَّتَيْنِ , مَنْ قَالَ كَانَ اللَّه فَارْتَفَعَ , وَمَنْ قَالَ كَانَ اِبْن اللَّه فَرَفَعَهُ اللَّه إِلَيْهِ ; لِأَنَّ عِيسَى اِبْن مَرْيَم لَمْ يُقَاتِل أَحَدًا وَلَمْ يَكُنْ فِي دِين أَصْحَابه بَعْده قِتَال . وَقَالَ زَيْد بْن عَلِيّ وَقَتَادَة : " فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ " غَالِبِينَ بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَان ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِيمَا رُوِيَ : أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عِيسَى كَانَ يَنَام وَاَللَّه لَا يَنَام , وَأَنَّ عِيسَى كَانَ يَأْكُل وَاَللَّه تَعَالَى لَا يَأْكُل ! . وَقِيلَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي رُسُل عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام . قَالَ اِبْن إِسْحَاق : وَكَانَ الَّذِي بَعَثَهُمْ عِيسَى مِنْ الْحَوَارِيِّينَ وَالْأَتْبَاع بُطْرُس وبولس إِلَى رُومِيَّة , واندراييس وَمَشَى إِلَى الْأَرْض الَّتِي يَأْكُل أَهْلهَا النَّاس . وتوماس إِلَى أَرْض بَابِل مِنْ أَرْض الْمَشْرِق . وفيلبس إِلَى قَرْطَاجَنَّة وَهِيَ أَفْرِيقِيَّة . وَيُحَنَّس إِلَى دقسوس قَرْيَة أَهْل الْكَهْف . ويعقوبس إِلَى أُورْشَلِيم وَهِيَ بَيْت الْمَقْدِس , . وَابْن تلما إِلَى العرابية وَهِيَ أَرْض الْحِجَاز . وسيمن إِلَى أَرْض الْبَرْبَر . وَيَهُودَا وبردس إِلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَمَا حَوْلهَا . فَأَيَّدَهُمْ اللَّه بِالْحُجَّةِ . " فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ " أَيْ عَالِينَ ; مِنْ قَوْلك : ظَهَرْت عَلَى الْحَائِط أَيْ عَلَوْت عَلَيْهِ . وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم بِالصَّوَابِ , وَإِلَيْهِ الْمَرْجِع وَالْمَآب .'; $TAFSEER['4']['62']['1'] = 'سُورَة الْجُمْعَة مَدَنِيَّة فِي قَوْل الْجَمِيع , وَهِيَ إِحْدَى عَشْرَة آيَة . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( خَيْر يَوْم طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْس يَوْم الْجُمُعَة فِيهِ خُلِقَ آدَم وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّة وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا وَلَا تَقُوم السَّاعَة إِلَّا فِي يَوْم الْجُمُعَة ) . وَعَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه : ( نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْم الْقِيَامَة وَنَحْنُ أَوَّل مَنْ يَدْخُل الْجَنَّة بَيْد أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدهمْ فَاخْتَلَفُوا فَهَدَانَا اللَّه لِمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقّ فَهَذَا يَوْمهمْ الَّذِي اِخْتَلَفُوا فِيهِ هَدَانَا اللَّه لَهُ - قَالَ - يَوْم الْجُمُعَة فَالْيَوْم لَنَا وَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْد غَد لِلنَّصَارَى ) . تَقَدَّمَ الْكَلَام فِيهِ . وَقَرَأَ أَبُو الْعَالِيَة وَنَصْر بْن عَاصِم " الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " كُلّهَا رَفْعًا ; أَيْ هُوَ الْمَلِك .'; $TAFSEER['4']['62']['2'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس : الْأُمِّيُّونَ الْعَرَب كُلّهمْ , مَنْ كَتَبَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يَكْتُب , لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا أَهْل كِتَاب . وَقِيلَ : الْأُمِّيُّونَ الَّذِينَ لَا يَكْتُبُونَ . وَكَذَلِكَ كَانَتْ قُرَيْش . وَرَوَى مَنْصُور عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ : الْأُمِّيّ الَّذِي يَقْرَأ وَلَا يَكْتُب . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " . " رَسُولًا مِنْهُمْ " يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمَا مِنْ حَيّ مِنْ الْعَرَب إِلَّا وَلِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ قَرَابَة وَقَدْ وَلَدُوهُ . قَالَ اِبْن إِسْحَاق : إِلَّا حَيّ تَغْلِب ; فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى طَهَّرَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ لِنَصْرَانِيَّتِهِمْ , فَلَمْ يَجْعَل لَهُمْ عَلَيْهِ وِلَادَة . وَكَانَ أُمِّيًّا لَمْ يَقْرَأ مِنْ كِتَاب وَلَمْ يَتَعَلَّم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : فَإِنْ قِيلَ مَا وَجْه الِامْتِنَان إنْ بَعَثَ نَبِيًّا أُمِّيًّا ؟ فَالْجَوَاب عَنْهُ مِنْ ثَلَاثَة أَوْجُه : أَحَدهَا : لِمُوَافَقَتِهِ مَا تَقَدَّمَتْ بِهِ بِشَارَة الْأَنْبِيَاء . الثَّانِي : لِمُشَاكَلَةِ حَال لِأَحْوَالِهِمْ , فَيَكُون أَقْرَب إِلَى مُوَافَقَتهمْ . الثَّالِث : لِيَنْتَفِيَ عَنْهُ سُوء الظَّنّ فِي تَعْلِيمه مَا دَعَا إِلَيْهِ مِنْ الْكُتُب الَّتِي قَرَأَهَا وَالْحِكَم الَّتِي تَلَاهَا . قُلْت : وَهَذَا كُلّه دَلِيل مُعْجِزَته وَصِدْق نُبُوَّته . يَعْنِي الْقُرْآن أَيْ يَجْعَلهُمْ أَزْكِيَاء الْقُلُوب بِالْإِيمَانِ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقِيلَ : يُطَهِّرهُمْ مِنْ دَنَس الْكُفْر وَالذُّنُوب ; قَالَهُ اِبْن جُرَيْج وَمُقَاتِل . وَقَالَ السُّدِّيّ : يَأْخُذ زَكَاة أَمْوَالهمْ يَعْنِي الْقُرْآن السُّنَّة ; قَالَهُ الْحَسَن . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : " الْكِتَاب " الْخَطّ بِالْقَلَمِ ; لِأَنَّ الْخَطّ فَشَا فِي الْعَرَب بِالشَّرْعِ لَمَّا أُمِرُوا بِتَقْيِيدِهِ بِالْخَطِّ . وَقَالَ مَالِك بْن أَنَس : " الْحِكْمَة " الْفِقْه فِي الدِّين . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي هَذَا فِي " الْبَقَرَة " . أَيْ مِنْ قَبْله وَقَبْل أَنْ يُرْسَل إِلَيْهِمْ . أَيْ فِي ذَهَاب عَنْ الْحَقّ .'; $TAFSEER['4']['62']['3'] = 'هُوَ عَطْف عَلَى " الْأُمِّيِّينَ " أَيْ بُعِثَ فِي الْأُمِّيِّينَ وَبُعِثَ فِي آخَرِينَ مِنْهُمْ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَنْصُوبًا بِالْعَطْفِ عَلَى الْهَاء وَالْمِيم فِي " يُعَلِّمهُمْ وَيُزَكِّيهِمْ " ; أَيْ يُعَلِّمهُمْ وَيُعَلِّم آخَرِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّ التَّعْلِيم إِذَا تَنَاسَقَ إِلَى آخِر الزَّمَان كَانَ كُلّه مُسْنَدًا إِلَى أَوَّله فَكَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي تَوَلَّى كُلّ مَا وُجِدَ مِنْهُ . أَيْ لَمْ يَكُونُوا فِي زَمَانهمْ وَسَيَجِيئُونَ بَعْدهمْ . قَالَ اِبْن عُمَر وَسَعِيد بْن جُبَيْر : هُمْ الْعَجَم . وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَة " الْجُمُعَة " فَلَمَّا قَرَأَ " وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ " قَالَ رَجُل : مَنْ هَؤُلَاءِ يَا رَسُول اللَّه ؟ فَلَمْ يُرَاجِعهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَأَلَهُ مَرَّة أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا . قَالَ وَفِينَا سَلْمَان الْفَارِسِيّ . قَالَ : فَوَضَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَده عَلَى سَلْمَان ثُمَّ قَالَ : ( لَوْ كَانَ الْإِيمَان عِنْد الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَال مِنْ هَؤُلَاءِ ) . فِي رِوَايَة ( لَوْ كَانَ الدِّين عِنْد الثُّرَيَّا لَذَهَبَ بِهِ رَجُل مِنْ فَارِس - أَوْ قَالَ - مِنْ أَبْنَاء فَارِس حَتَّى يَتَنَاوَلهُ ) لَفْظ مُسْلِم . وَقَالَ عِكْرِمَة : هُمْ التَّابِعُونَ . مُجَاهِد : هُمْ النَّاس كُلّهمْ ; يَعْنِي مَنْ بَعْد الْعَرَب الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَهُ اِبْن زَيْد وَمُقَاتِل بْن حَيَّان . قَالَا : هُمْ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَام بَعْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . وَرَوَى سَهْل بْن سَعْد السَّاعِدِيّ : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ فِي أَصْلَاب أُمَّتِي رِجَالًا وَنِسَاء يَدْخُلُونَ الْجَنَّة بِغَيْرِ حِسَاب - ثُمَّ تَلَا - " وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ " . وَالْقَوْل الْأَوَّل أَثْبَت . وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( رَأَيْتنِي أَسْقِي غَنَمًا سُودًا ثُمَّ أَتْبَعْتهَا غَنَمًا عُفْرًا أَوِّلْهَا يَا أَبَا بَكْر ) فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , أَمَّا السُّود فَالْعَرَب , وَأَمَّا الْعُفْر فَالْعَجَم تَتْبَعك بَعْد الْعَرَب . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَذَا أَوَّلهَا الْمَلَك ) يَعْنِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام . رَوَاهُ اِبْن أَبِي لَيْلَى عَنْ رَجُل مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ .'; $TAFSEER['4']['62']['4'] = 'قَالَ اِبْن عَبَّاس : حَيْثُ أَلْحَقَ الْعَجَم بِقُرَيْشٍ . يَعْنِي الْإِسْلَام , فَضْل اللَّه يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ . وَقِيلَ : يَعْنِي الْوَحْي وَالنُّبُوَّة ; قَالَهُ مُقَاتِل . وَقَوْل رَابِع : إِنَّهُ الْمَال يُنْفَق فِي الطَّاعَة ; وَهُوَ مَعْنَى قَوْل أَبِي صَالِح . وَقَدْ رَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ فُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : ذَهَبَ أَهْل الدُّثُور بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيم الْمُقِيم . فَقَالَ : ( وَمَا ذَاكَ ) ؟ قَالُوا : يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُوم وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّق وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِق . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَفَلَا أُعَلِّمكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدكُمْ وَلَا يَكُون أَحَد أَفْضَل مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْل مَا صَنَعْتُمْ ) قَالُوا : بَلَى يَا رَسُول اللَّه ; قَالَ : ( تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُر كُلّ صَلَاة ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّة ) . قَالَ أَبُو صَالِح : فَرَجَعَ فُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : سَمِعَ إِخْوَاننَا أَهْل الْأَمْوَال بِمَا فَعَلْنَا فَفَعَلُوا مِثْله . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ذَلِكَ فَضْل اللَّه يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء ) . وَقَوْل خَامِس : أَنَّهُ اِنْقِيَاد النَّاس إِلَى تَصْدِيق النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُخُولهمْ فِي دِينه وَنُصْرَته . وَاَللَّه أَعْلَم .'; $TAFSEER['4']['62']['5'] = 'ضَرَبَ مَثَلًا لِلْيَهُودِ لَمَّا تَرَكُوا الْعَمَل بِالتَّوْرَاةِ وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . " حُمِّلُوا التَّوْرَاة " أَيْ كُلِّفُوا الْعَمَل بِهَا ; عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : هُوَ مِنْ الْحَمَالَة بِمَعْنَى الْكَفَالَة ; أَيْ ضَمِنُوا أَحْكَام التَّوْرَاة . هِيَ جَمْع سِفْر , وَهُوَ الْكِتَاب الْكَبِير ; لِأَنَّهُ يُسْفِر عَنْ الْمَعْنَى إِذَا قُرِئَ . قَالَ مَيْمُون بْن مِهْرَان : الْحِمَار لَا يَدْرِي أَسِفْر عَلَى ظَهْره أَمْ زِنْبِيل ; فَهَكَذَا الْيَهُود . وَفِي هَذَا تَنْبِيه مِنْ اللَّه تَعَالَى لِمَنْ حَمَلَ الْكِتَاب أَنْ يَتَعَلَّم مَعَانِيَهُ وَيَعْلَم مَا فِيهِ ; لِئَلَّا يَلْحَقهُ مِنْ الذَّمّ مَا لَحِقَ هَؤُلَاءِ . وَقَالَ الشَّاعِر : زَوَامِل لِلْأَسْفَارِ لَا عِلْم عِنْدهمْ بِجَيِّدِهَا إِلَّا كَعِلْمِ الْأَبَاعِر لَعَمْرك مَا يَدْرِي الْبَعِير إِذَا غَدَا بِأَوْسَاقِهِ أَوْ رَاحَ مَا فِي الْغَرَائِر وَقَالَ يَحْيَى بْن يَمَان : يَكْتُب أَحَدهمْ الْحَدِيث وَلَا يَتَفَهَّم وَلَا يَتَدَبَّر , فَإِذَا سُئِلَ أَحَدهمْ عَنْ مَسْأَلَة جَلَسَ كَأَنَّهُ مُكَاتِب . وَقَالَ الشَّاعِر : إِنَّ الرُّوَاة عَلَى جَهْل بِمَا حَمَلُوا مِثْل الْجِمَال عَلَيْهَا يُحْمَل الْوَدَع لَا الْوَدَع يَنْفَعهُ حَمْل الْجِمَال لَهُ وَلَا الْجِمَال بِحَمْلِ الْوَدَع تَنْتَفِع وَقَالَ مُنْذِر بْن سَعِيد الْبَلُّوطِيّ رَحِمَهُ اللَّه فَأَحْسَنَ : انْعِقْ بِمَا شِئْت تَجِد أَنْصَارَا وَزُمَّ أَسْفَارًا تَجِد حِمَارَا يَحْمِل مَا وَضَعْت مِنْ أَسْفَار يَحْمِلهُ كَمَثَلِ الْحِمَار يَحْمِل أَسْفَارًا لَهُ وَمَا دَرَى إِنْ كَانَ مَا فِيهَا صَوَابًا وَخَطَا إِنْ سُئِلُوا قَالُوا كَذَا رَوَيْنَا مَا إِنْ كَذَبْنَا وَلَا اِعْتَدَيْنَا كَبِيرهمْ يَصْغُر عِنْد الْحَفْل لِأَنَّهُ قَلَّدَ أَهْل الْجَهْل " ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا " أَيْ لَمْ يَعْمَلُوا بِهَا . شَبَّهَهُمْ - وَالتَّوْرَاة فِي أَيْدِيهمْ وَهُمْ لَا يَعْمَلُونَ بِهَا - بِالْحِمَارِ يَحْمِل كُتُبًا وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا ثِقْل الْحَمْل مِنْ غَيْر فَائِدَة . و " يَحْمِل " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال ; أَيْ حَامِلًا . وَيَجُوز أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع جَرّ عَلَى الْوَصْف ; لِأَنَّ الْحِمَار كَاللَّئِيمِ . قَالَ : وَلَقَدْ أَمُرّ عَلَى اللَّئِيم يَسُبّنِي الْمَثَل الَّذِي ضَرَبْنَاهُ لَهُمْ ; فَحَذَفَ الْمُضَاف . أَيْ مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمه أَنَّهُ يَكُون كَافِرًا .'; $TAFSEER['4']['62']['6'] = 'لَمَّا اِدَّعَتْ الْيَهُود الْفَضِيلَة وَقَالُوا : " نَحْنُ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ " [ الْمَائِدَة : 18 ] قَالَ اللَّه تَعَالَى : " إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِنْ دُون النَّاس " فَلِلْأَوْلِيَاءِ عِنْد اللَّه الْكَرَامَة . لِتَصِيرُوا إِلَى مَا يَصِير إِلَيْهِ أَوْلِيَاء اللَّه'; $TAFSEER['4']['62']['7'] = 'أَيْ أَسْلَفُوهُ مِنْ تَكْذِيب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَلَوْ تَمَنَّوْهُ لَمَاتُوا ; فَكَانَ فِي ذَلِكَ بُطْلَان قَوْلهمْ وَمَا اِدَّعَوْهُ مِنْ الْوِلَايَة . وَفِي حَدِيث أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : ( وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَوْ تَمَنَّوْا الْمَوْت مَا بَقِيَ عَلَى ظَهْرهَا يَهُودِيّ إِلَّا مَاتَ ) . وَفِي هَذَا إِخْبَار عَنْ الْغَيْب , وَمُعْجِزَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ مَضَى مَعْنَى هَذِهِ الْآيَة فِي " الْبَقَرَة " فِي قَوْله تَعَالَى - : " قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّار الْآخِرَة عِنْد اللَّه خَالِصَة مِنْ دُون النَّاس فَتَمَنَّوْا الْمَوْت إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " [ الْبَقَرَة : 94 ] .'; $TAFSEER['4']['62']['8'] = 'قَالَ الزَّجَّاج : لَا يُقَال : إِنَّ زَيْدًا فَمُنْطَلِق , وَهَاهُنَا قَالَ : " فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ " لِمَا فِي مَعْنَى " الَّذِي " مِنْ الشَّرْط وَالْجَزَاء , أَيْ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ , وَيَكُون مُبَالَغَة فِي الدَّلَالَة عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَع الْفِرَار مِنْهُ . قَالَ زُهَيْر : وَمَنْ هَابَ أَسْبَاب الْمَنَايَا يَنَلْنَهُ وَلَوْ رَامَ أَسْبَاب السَّمَاء بِسُلَّمِ قُلْت : وَيَجُوز أَنْ يَتِمّ الْكَلَام عِنْد قَوْله : " الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ " ثُمَّ يَبْتَدِئ " فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ " . وَقَالَ طَرَفَة : وَكَفَى بِالْمَوْتِ فَاعْلَمْ وَاعِظًا لِمَنْ الْمَوْت عَلَيْهِ قَدْ قُدِرْ فَاذْكُرْ الْمَوْت وَحَاذِرْ ذِكْره إِنَّ فِي الْمَوْت لِذِي اللُّبّ عِبَرْ كُلّ شَيْء سَوْفَ يَلْقَى حَتْفه فِي مَقَام أَوْ عَلَى ظَهْر سَفَر وَالْمَنَايَا حَوْله تَرْصُدهُ لَيْسَ يُنْجِيه مِنْ الْمَوْت الْحَذَر'; $TAFSEER['4']['62']['9'] = 'فِيهِ مَسَائِل : الْأُولَى قَرَأَ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر وَالْأَعْمَش وَغَيْرهمَا " الْجُمْعَة " بِإِسْكَانِ الْمِيم عَلَى التَّخْفِيف . وَهُمَا لُغَتَانِ . وَجَمْعهمَا جُمَع وَجُمُعَات . قَالَ الْفَرَّاء : يُقَال الْجُمْعَة ( بِسُكُونِ الْمِيم ) وَالْجُمُعَة ( بِضَمِّ الْمِيم ) وَالْجَمْعَة ( بِفَتْحِ الْمِيم ) فَيَكُون صِفَة الْيَوْم ; أَيْ تَجْمَع النَّاس . كَمَا يُقَال : ضُحَكَة لِلَّذِي يَضْحَك . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَ الْقُرْآن بِالتَّثْقِيلِ وَالتَّفْخِيم فَاقْرَءُوهَا جُمُعَة ; يَعْنِي بِضَمِّ الْمِيم . وَقَالَ الْفَرَّاء وَأَبُو عُبَيْد : وَالتَّخْفِيف أَقْيَس وَأَحْسَن ; نَحْو غُرْفَة وَغُرَف , وَطُرْفَة وَطُرَف , وَحُجْرَة وَحُجَر . وَفَتْح الْمِيم لُغَة بَنِي عَقِيل . وَقِيلَ : إِنَّهَا لُغَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَعَنْ سَلْمَان أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّمَا سُمِّيَتْ جُمُعَة لِأَنَّ اللَّه جَمَعَ فِيهَا خَلْق آدَم ) . وَقِيلَ : لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى فَرَغَ فِيهَا مِنْ خَلْق كُلّ شَيْء فَاجْتَمَعَتْ فِيهَا الْمَخْلُوقَات . وَقِيلَ : لِتَجْتَمِع الْجَمَاعَات فِيهَا . وَقِيلَ : لِاجْتِمَاعِ النَّاس فِيهَا لِلصَّلَاةِ . و " مِنْ " بِمَعْنَى " فِي " ; أَيْ فِي يَوْم ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الْأَرْض " [ فَاطِر : 40 ] أَيْ فِي الْأَرْض . الثَّانِيَة : قَالَ أَبُو سَلَمَة : أَوَّل مَنْ قَالَ : " أَمَّا بَعْد " كَعْب بْن لُؤَيّ , وَكَانَ أَوَّل مَنْ سَمَّى الْجُمُعَة جُمُعَة . وَكَانَ يُقَال لِيَوْمِ الْجُمُعَة : الْعَرُوبَة . وَقِيلَ : أَوَّل مَنْ سَمَّاهَا جُمُعَة الْأَنْصَار . قَالَ اِبْن سِيرِينَ : جَمَّعَ أَهْل الْمَدِينَة مِنْ قَبْل أَنْ يَقْدَم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة , وَقَبْل أَنْ تَنْزِل الْجُمُعَة ; وَهُمْ الَّذِينَ سَمَّوْهَا الْجُمُعَة ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّ لِلْيَهُودِ يَوْمًا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ , فِي كُلّ سَبْعَة أَيَّام يَوْم وَهُوَ السَّبْت . وَلِلنَّصَارَى يَوْم مِثْل ذَلِكَ وَهُوَ الْأَحَد فَتَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ حَتَّى نَجْعَل يَوْمًا لَنَا نَذْكُر اللَّه وَنُصَلِّي فِيهِ - وَنَسْتَذْكِر - أَوْ كَمَا قَالُوا - فَقَالُوا : يَوْم السَّبْت لِلْيَهُودِ , وَيَوْم الْأَحَد لِلنَّصَارَى ; فَاجْعَلُوهُ يَوْم الْعَرُوبَة . فَاجْتَمَعُوا إِلَى أَسْعَد بْن زُرَارَة ( أَبُو أُمَامَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ) فَصَلَّى بِهِمْ يَوْمئِذٍ رَكْعَتَيْنِ وَذَكَّرَهُمْ , فَسَمَّوْهُ يَوْم الْجُمْعَة حِين اِجْتَمَعُوا . فَذَبَحَ لَهُمْ أَسْعَد شَاة فَتَعَشَّوْا وَتَغَدَّوْا مِنْهَا لِقِلَّتِهِمْ . فَهَذِهِ أَوَّل جُمُعَة فِي الْإِسْلَام . قُلْت : وَرُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا اِثْنَيْ عَشَر رَجُلًا عَلَى مَا يَأْتِي . وَجَاءَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة أَنَّ الَّذِي جَمَّعَ بِهِمْ وَصَلَّى أَسْعَد بْن زُرَارَة , وَكَذَا فِي حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْب بْن مَالِك عَنْ أَبِيهِ كَعْب عَلَى مَا يَأْتِي . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ : وَرُوِّينَا عَنْ مُوسَى بْن عُقْبَة عَنْ اِبْن شِهَاب الزُّهْرِيّ أَنَّ مُصْعَب بْن عُمَيْر كَانَ أَوَّل مَنْ جَمَّعَ الْجُمْعَة بِالْمَدِينَةِ لِلْمُسْلِمِينَ قَبْل أَنْ يَقْدَمهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ الْبَيْهَقِيّ : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مُصْعَب جَمَّعَ بِهِمْ بِمَعُونَةِ أَسْعَد بْن زُرَارَة فَأَضَافَهُ كَعْب إِلَيْهِ . وَاَللَّه أَعْلَم . وَأَمَّا أَوَّل جُمْعَة جَمَّعَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ ; فَقَالَ أَهْل السَّيْر وَالتَّوَارِيخ : قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرًا حَتَّى نَزَلَ بِقُبَاء , عَلَى بَنِي عَمْرو بْن عَوْف يَوْم الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَة لَيْلَة خَلَتْ مِنْ شَهْر رَبِيع الْأَوَّل حِين اِشْتَدَّ الضُّحَى . وَمِنْ تِلْكَ السَّنَة يُعَدّ التَّارِيخ . فَأَقَامَ بِقُبَاء إِلَى يَوْم الْخَمِيس وَأَسَّسَ مَسْجِدهمْ . ثُمَّ خَرَجَ يَوْم الْجُمُعَة إِلَى الْمَدِينَة ; فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَة فِي بَنِي سَالِم بْن عَوْف فِي بَطْن وَادٍ لَهُمْ قَدْ اِتَّخَذَ الْقَوْم فِي ذَلِكَ الْمَوْضِع مَسْجِدًا ; فَجَمَّعَ بِهِمْ وَخَطَبَ . وَهِيَ أَوَّل خُطْبَة خَطَبَهَا بِالْمَدِينَةِ , وَقَالَ فِيهَا : ( الْحَمْد لِلَّهِ . أَحْمَدهُ وَأَسْتَعِينهُ وَأَسْتَغْفِرهُ وَأَسْتَهْدِيه , وَأُومِن بِهِ وَلَا أَكْفُرهُ , وَأُعَادِي مَنْ يَكْفُر بِهِ . وَأَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ . وَأَشْهَد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله , أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِين الْحَقّ , وَالنُّور وَالْمَوْعِظَة وَالْحِكْمَة عَلَى فَتْرَة مِنْ الرُّسُل , وَقِلَّة مِنْ الْعِلْم , وَضَلَالَة مِنْ النَّاس , وَانْقِطَاع مِنْ الزَّمَان , وَدُنُوّ مِنْ السَّاعَة , وَقُرْب مِنْ الْأَجَل . مَنْ يُطِعْ اللَّه وَرَسُوله فَقَدْ رَشَدَ . وَمَنْ يَعْصِ اللَّه وَرَسُوله فَقَدْ غَوَى وَفَرَّطَ وَضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا . أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّه , فَإِنَّهُ خَيْر مَا أَوْصَى بِهِ الْمُسْلِم الْمُسْلِم أَنْ يَحُضّهُ عَلَى الْآخِرَة , وَأَنْ يَأْمُرهُ بِتَقْوَى اللَّه . وَاحْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمْ اللَّه مِنْ نَفْسه ; فَإِنَّ تَقْوَى اللَّه لِمَنْ عَمِلَ بِهِ عَلَى وَجَل وَمَخَافَة مِنْ رَبّه عَوْن صِدْق عَلَى مَا تَبْغُونَ مِنْ أَمْر الْآخِرَة . وَمَنْ يُصْلِح الَّذِي بَيْنه وَبَيْن رَبّه مِنْ أَمْره فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة , لَا يَنْوِي بِهِ إِلَّا وَجْه اللَّه يَكُنْ لَهُ ذِكْرًا فِي عَاجِل أَمْره , وَذُخْرًا فِيمَا بَعْد الْمَوْت , حِين يَفْتَقِر الْمَرْء إِلَى مَا قَدَّمَ . وَمَا كَانَ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ يَوَدّ لَوْ أَنَّ بَيْنه وَبَيْنه أَمَدًا بَعِيدًا . " وَيُحَذِّركُمْ اللَّه نَفْسه وَاَللَّه رَءُوف بِالْعِبَادِ " [ آل عِمْرَان : 30 ] . وَهُوَ الَّذِي صَدَّقَ قَوْله , وَأَنْجَزَ وَعْده , لَا خُلْف لِذَلِكَ ; فَإِنَّهُ يَقُول تَعَالَى : " مَا يُبَدَّل الْقَوْل لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ " [ ق : 29 ] . فَاتَّقُوا اللَّه فِي عَاجِل أَمْركُمْ وَآجِله فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة ; فَإِنَّهُ " مَنْ يَتَّقِ اللَّه يُكَفِّر عَنْهُ سَيِّئَاته وَيُعْظِم لَهُ أَجْرًا " [ الطَّلَاق : 5 ] . وَمَنْ يَتَّقِ اللَّه فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا . وَإِنَّ تَقْوَى اللَّه تَوَقِّي مَقْته وَتَوَقِّي عُقُوبَته وَتَوَقِّي سَخَطه . وَإِنَّ تَقْوَى اللَّه تُبَيِّض الْوُجُوه , وَتُرْضِي الرَّبّ , وَتَرْفَع الدَّرَجَة . فَخُذُوا بِحَظِّكُمْ وَلَا تُفَرِّطُوا فِي جَنْب اللَّه , فَقَدْ عَلَّمَكُمْ كِتَابه , وَنَهَجَ لَكُمْ سَبِيله ; لِيَعْلَم الَّذِينَ صَدَقُوا وَيَعْلَم الْكَاذِبِينَ . فَأَحْسِنُوا كَمَا أَحْسَنَ اللَّه إِلَيْكُمْ , وَعَادُوا أَعْدَاءَهُ , وَجَاهِدُوا فِي اللَّه حَقّ جِهَاده ; هُوَ اِجْتَبَاكُمْ وَسَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ . لِيَهْلِك مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة , وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة . وَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ . فَأَكْثِرُوا ذِكْر اللَّه تَعَالَى , وَاعْمَلُوا لِمَا بَعْد الْمَوْت ; فَإِنَّهُ مَنْ يُصْلِح مَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه يَكْفِهِ اللَّه مَا بَيْنه وَبَيْن النَّاس . ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه يَقْضِي عَلَى النَّاس وَلَا يَقْضُونَ عَلَيْهِ , وَيَمْلِك مِنْ النَّاس وَلَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ . اللَّه أَكْبَر , وَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيّ الْعَظِيم ) . وَأَوَّل جُمُعَة جُمِّعَتْ بَعْدهَا جُمُعَة بِقَرْيَةٍ يُقَال لَهَا : " جُوَاثَى " مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ . وَقِيلَ : إِنَّ أَوَّل مَنْ سَمَّاهَا الْجُمُعَة كَعْب بْن لُؤَيّ بْن غَالِب لِاجْتِمَاعِ قُرَيْش فِيهِ إِلَى كَعْب ; كَمَا تَقَدَّمَ . وَاَللَّه أَعْلَم . الثَّالِثَة : خَاطَبَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ بِالْجُمُعَةِ دُون الْكَافِرِينَ تَشْرِيفًا لَهُمْ وَتَكْرِيمًا فَقَالَ : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا " ثُمَّ خَصَّهُ بِالنِّدَاءِ , وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ فِي عُمُوم قَوْله تَعَالَى : " وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة " [ الْمَائِدَة : 58 ] لِيَدُلّ عَلَى وُجُوبه وَتَأْكِيد فَرْضه . وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : كَوْن الصَّلَاة الْجُمُعَة هَاهُنَا مَعْلُوم بِالْإِجْمَاعِ لَا مِنْ نَفْس اللَّفْظ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَعِنْدِي أَنَّهُ مَعْلُوم مِنْ نَفْس اللَّفْظ بِنُكْتَةٍ وَهِيَ قَوْل : " مِنْ يَوْم الْجُمُعَة " وَذَلِكَ يُفِيدهُ ; لِأَنَّ النِّدَاء الَّذِي يَخْتَصّ بِذَلِكَ الْيَوْم هُوَ نِدَاء تِلْكَ الصَّلَاة . فَأَمَّا غَيْرهَا فَهُوَ عَامّ فِي سَائِر الْأَيَّام . وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَاد بِهِ نِدَاء الْجُمْعَة لَمَا كَانَ لِتَخْصِيصِهِ بِهَا وَإِضَافَته إِلَيْهَا مَعْنًى وَلَا فَائِدَة . الرَّابِعَة : فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْم الْأَذَان فِي سُورَة " الْمَائِدَة " مُسْتَوْفًى . وَقَدْ كَانَ الْأَذَان عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي سَائِر الصَّلَوَات ; يُؤَذِّن وَاحِد إِذَا جَلَسَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَر . وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَل أَبُو بَكْر وَعُمَر وَعَلِيّ بِالْكُوفَةِ . ثُمَّ زَادَ عُثْمَان عَلَى الْمِنْبَر أَذَانًا ثَالِثًا عَلَى دَاره الَّتِي تُسَمَّى " الزَّوْرَاء " حِين كَثُرَ النَّاس بِالْمَدِينَةِ . فَإِذَا سَمِعُوا أَقْبَلُوا ; حَتَّى إِذَا جَلَسَ عُثْمَان عَلَى الْمِنْبَر أَذَّنَ مُؤَذِّن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ يَخْطُب عُثْمَان . خَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ السَّائِب بْن يَزِيد قَالَ : مَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مُؤَذِّن وَاحِد ; إِذَا خَرَجَ أَذَّنَ وَإِذَا نَزَلَ أَقَامَ . وَأَبُو بَكْر وَعُمَر كَذَلِكَ . فَلَمَّا كَانَ عُثْمَان وَكَثُرَ النَّاس زَادَ النِّدَاء الثَّالِث عَلَى دَار فِي السُّوق يُقَال لَهَا " الزَّوْرَاء " ; فَإِذَا خَرَجَ أَذَّنَ وَإِذَا نَزَلَ أَقَامَ . خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ طُرُق بِمَعْنَاهُ . وَفِي بَعْضهَا : أَنَّ الْأَذَان الثَّانِي يَوْم الْجُمُعَة أَمَرَ بِهِ عُثْمَان بْن عَفَّان حِين كَثُرَ أَهْل الْمَسْجِد , وَكَانَ التَّأْذِين يَوْم الْجُمْعَة حِين يَجْلِس الْإِمَام . وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ : فَأَمَّا الْأَذَان الْأَوَّل فَمُحْدَث , فَعَلَهُ عُثْمَان بْن عَفَّان لِيَتَأَهَّب النَّاس لِحُضُورِ الْخُطْبَة عِنْد اِتِّسَاع الْمَدِينَة وَكَثْرَة أَهْلهَا . وَقَدْ كَانَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَمَرَ أَنْ يُؤَذَّنَ فِي السُّوق قَبْل الْمَسْجِد لِيَقُومَ النَّاس عَنْ بُيُوعهمْ , فَإِذَا اِجْتَمَعُوا أُذِّنَ فِي الْمَسْجِد , فَجَعَلَهُ عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَذَانَيْنِ فِي الْمَسْجِد . قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ . وَفِي الْحَدِيث الصَّحِيح : أَنَّ الْأَذَان كَانَ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا , فَلَمَّا كَانَ زَمَن عُثْمَان زَادَ الْأَذَان الثَّالِث عَلَى الزَّوْرَاء , وَسَمَّاهُ فِي الْحَدِيث ثَالِثًا لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَى الْإِقَامَة , كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( بَيْن كُلّ أَذَانَيْنِ صَلَاة لِمَنْ شَاءَ ) يَعْنِي الْأَذَان وَالْإِقَامَة . وَيَتَوَهَّم النَّاس أَنَّهُ أَذَان أَصْلِيّ فَجَعَلُوا الْمُؤَذِّنَيْنِ ثَلَاثَة فَكَانَ وَهْمًا , ثُمَّ جَمَعُوهُمْ فِي وَقْت وَاحِد فَكَانَ وَهْمًا عَلَى وَهْم . وَرَأَيْتهمْ يُؤَذِّنُونَ بِمَدِينَةِ السَّلَام بَعْد أَذَان الْمَنَار بَيْن يَدَيْ الْإِمَام تَحْت الْمِنْبَر فِي جَمَاعَة . , كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ عِنْدنَا فِي الدُّوَل الْمَاضِيَة . وَكُلّ ذَلِكَ مُحْدَث . اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى السَّعْي هَاهُنَا عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال : أَوَّلهَا : الْقَصْد . قَالَ الْحَسَن : وَاَللَّه مَا هُوَ بِسَعْيٍ عَلَى الْأَقْدَام وَلَكِنَّهُ سَعْي بِالْقُلُوبِ وَالنِّيَّة . الثَّانِي : أَنَّهُ الْعَمَل , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَة وَسَعَى لَهَا سَعْيهَا وَهُوَ مُؤْمِن " [ الْإِسْرَاء : 19 ] , وَقَوْله : " إِنَّ سَعْيكُمْ لَشَتَّى " [ اللَّيْل : 4 ] , وَقَوْله : " وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى " [ النَّجْم : 39 ] . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور . وَقَالَ زُهَيْر : سَعَى بَعْدهمْ قَوْم لِكَيْ يُدْرِكُوهُمْ وَقَالَ أَيْضًا : سَعَى سَاعِيًا غَيْظ بْن مُرَّة بَعْدَمَا تَبَزَّلَ مَا بَيْن الْعَشِيرَة بِالدَّمِ أَيْ فَاعْمَلُوا عَلَى الْمُضِيّ إِلَى ذِكْر اللَّه , وَاشْتَغِلُوا بِأَسْبَابِهِ مِنْ الْغُسْل وَالتَّطْهِير وَالتَّوَجُّه إِلَيْهِ . الثَّالِث : أَنَّ الْمُرَاد بِهِ السَّعْي عَلَى الْأَقْدَام . وَذَلِكَ فَضْل وَلَيْسَ بِشَرْطٍ . فَفِي الْبُخَارِيّ : أَنَّ أَبَا عَبْس بْن جَبْر - وَاسْمه عَبْد الرَّحْمَن وَكَانَ مِنْ كِبَار الصَّحَابَة - مَشَى إِلَى الْجُمْعَة رَاجِلًا وَقَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( مَنْ اِغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيل اللَّه حَرَّمَهُ اللَّه عَلَى النَّار ) . وَيَحْتَمِل ظَاهِره رَابِعًا : وَهُوَ الْجَرْي وَالِاشْتِدَاد . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهُوَ الَّذِي أَنْكَرَهُ الصَّحَابَة الْأَعْلَمُونَ وَالْفُقَهَاء الْأَقْدَمُونَ . وَقَرَأَهَا عُمَر : " فَامْضُوا إِلَى ذِكْر اللَّه " فِرَارًا عَنْ طَرِيق الْجَرْي وَالِاشْتِدَاد الَّذِي يَدُلّ عَلَى الظَّاهِر . وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود كَذَلِكَ وَقَالَ : لَوْ قَرَأْت " فَاسْعَوْا " لَسَعَيْت حَتَّى يَسْقُط رِدَائِي . وَقَرَأَ اِبْن شِهَاب : " فَامْضُوا إِلَى ذِكْر اللَّه سَالِكًا تِلْكَ السَّبِيل " . وَهُوَ كُلّه تَفْسِير مِنْهُمْ ; لَا قِرَاءَة قُرْآن مُنَزَّل . وَجَائِز قِرَاءَة الْقُرْآن بِالتَّفْسِيرِ فِي مَعْرِض التَّفْسِير . قَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : وَقَدْ اِحْتَجَّ مَنْ خَالَفَ الْمُصْحَف بِقِرَاءَةِ عُمَر وَابْن مَسْعُود , وَأَنَّ خَرَشَة بْن الْحُرّ قَالَ : رَآنِي عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَمَعِي قِطْعَة فِيهَا " فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه " فَقَالَ لِي عُمَر : مَنْ أَقْرَأَك هَذَا ؟ قُلْت أُبَيّ . فَقَالَ : إِنَّ أُبَيًّا أَقْرَؤُنَا لِلْمَنْسُوخِ . ثُمَّ قَرَأَ عُمَر " فَامْضُوا إِلَى ذِكْر اللَّه " . حَدَّثَنَا إِدْرِيس قَالَ حَدَّثَنَا خَلَف قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْم عَنْ الْمُغِيرَة عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ خَرَشَة ; فَذَكَرَهُ . وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يَحْيَى أَخْبَرَنَا مُحَمَّد وَهُوَ اِبْن سَعْدَان قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ سَالِم عَنْ أَبِيهِ قَالَ : مَا سَمِعْت عُمَر يَقْرَأ قَطُّ إِلَّا " فَامْضُوا إِلَى ذِكْر اللَّه " . وَأَخْبَرَنَا إِدْرِيس قَالَ حَدَّثَنَا خَلَف قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْم عَنْ الْمُغِيرَة عَنْ إِبْرَاهِيم أَنَّ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَرَأَ " فَامْضُوا إِلَى ذِكْر اللَّه " وَقَالَ : لَوْ كَانَتْ " فَاسْعَوْا " لَسَعَيْت حَتَّى يَسْقُط رِدَائِي . قَالَ أَبُو بَكْر : فَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْأُمَّة أَجْمَعَتْ عَلَى " فَاسْعَوْا " بِرِوَايَةِ ذَلِكَ عَنْ اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ وَرَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَأَمَّا عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود فَمَا صَحَّ عَنْهُ " فَامْضُوا " لِأَنَّ السَّنَد غَيْر مُتَّصِل ; إِذْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ لَمْ يَسْمَع عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود شَيْئًا , وَإِنَّمَا وَرَدَ " فَامْضُوا " عَنْ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . فَإِذَا اِنْفَرَدَ أَحَد بِمَا يُخَالِف الْآيَة وَالْجَمَاعَة كَانَ ذَلِكَ نِسْيَانًا مِنْهُ . وَالْعَرَب مُجْمِعَة عَلَى أَنَّ السَّعْي يَأْتِي بِمَعْنَى الْمُضِيّ ; غَيْر أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ الْجِدّ وَالِانْكِمَاش . قَالَ زُهَيْر : سَعَى سَاعِيًا غَيْظ بْن مُرَّة بَعْدَمَا تَبَزَّلَ مَا بَيْن الْعَشِيرَة بِالدَّمِ أَرَادَ بِالسَّعْيِ الْمُضِيّ بِجِدٍّ وَانْكِمَاش , وَلَمْ يَقْصِد لِلْعَدْوِ وَالْإِسْرَاع فِي الْخَطْو . وَقَالَ الْفَرَّاء وَأَبُو عُبَيْدَة : مَعْنَى السَّعْي فِي الْآيَة الْمُضِيّ . وَاحْتَجَّ الْفَرَّاء بِقَوْلِهِمْ : هُوَ يَسْعَى فِي الْبِلَاد يَطْلُب فَضْل اللَّه ; مَعْنَاهُ هُوَ يَمْضِي بِجِدٍّ وَاجْتِهَاد . وَاحْتَجَّ أَبُو عُبَيْدَة بِقَوْلِ الشَّاعِر : أَسْعَى عَلَى جُلّ بَنِي مَالِك كُلّ اِمْرِئٍ فِي شَأْنه سَاعِي فَهَلْ يَحْتَمِل السَّعْي فِي هَذَا الْبَيْت إِلَّا مَذْهَب الْمُضِيّ بِالِانْكِمَاشِ ; وَمُحَال أَنْ يَخْفَى هَذَا الْمَعْنَى عَلَى اِبْن مَسْعُود عَلَى فَصَاحَته وَإِتْقَان عَرَبِيَّته . قُلْت : وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَاد هَاهُنَا الْعَدُوّ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ وَلَكِنْ اِئْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَة ) . قَالَ الْحَسَن : أَمَا وَاَللَّه مَا هُوَ بِالسَّعْيِ عَلَى الْأَقْدَام , وَلَقَدْ نُهُوا أَنْ يَأْتُوا الصَّلَاة إِلَّا وَعَلَيْهِمْ السَّكِينَة وَالْوَقَار ; وَلَكِنْ بِالْقُلُوبِ وَالنِّيَّة وَالْخُشُوع . وَقَالَ قَتَادَة : السَّعْي أَنْ تَسْعَى بِقَلْبِك وَعَمَلك . وَهَذَا حَسَن , فَإِنَّهُ جَمَعَ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة . وَقَدْ جَاءَ فِي الِاغْتِسَال لِلْجُمُعَةِ وَالتَّطَيُّب وَالتَّزَيُّن بِاللِّبَاسِ أَحَادِيث مَذْكُورَة فِي كُتُب الْحَدِيث . قَوْله تَعَالَى : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا " خِطَاب لِلْمُكَلَّفِينَ بِإِجْمَاعٍ . وَيَخْرُج مِنْهُ الْمَرْضَى وَالزَّمْنَى وَالْمُسَافِرُونَ وَالْعَبِيد وَالنِّسَاء بِالدَّلِيلِ , وَالْعُمْيَان وَالشَّيْخ الَّذِي لَا يَمْشِي إِلَّا بِقَائِدٍ عِنْد أَبِي حَنِيفَة . رَوَى أَبُو الزُّبَيْر عَنْ جَابِر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ كَانَ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر فَعَلَيْهِ الْجُمُعَة يَوْم الْجُمُعَة إِلَّا مَرِيض أَوْ مُسَافِر أَوْ اِمْرَأَة أَوْ صَبِيّ أَوْ مَمْلُوك فَمَنْ اِسْتَغْنَى بِلَهْوٍ أَوْ تِجَارَة اِسْتَغْنَى اللَّه عَنْهُ وَاَللَّه غَنِيّ حَمِيد ) خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّه : وَلَا يَتَخَلَّف أَحَد عَنْ الْجُمُعَة مِمَّنْ عَلَيْهِ إِتْيَانهَا إِلَّا بِعُذْرٍ لَا يُمْكِنهُ مِنْهُ الْإِتْيَان إِلَيْهَا ; مِثْل الْمَرَض الْحَابِس , أَوْ خَوْف الزِّيَادَة فِي الْمَرَض , أَوْ خَوْف جَوْر السُّلْطَان عَلَيْهِ فِي مَال أَوْ بَدَن دُون الْقَضَاء عَلَيْهِ بِحَقٍّ . وَالْمَطَر الْوَابِل مَعَ الْوَحِل عُذْر إِنْ لَمْ يَنْقَطِع . وَلَمْ يَرَهُ مَالِك عُذْرًا لَهُ ; حَكَاهُ الْمَهْدَوِيّ . وَلَوْ تَخَلَّفَ عَنْهَا مُتَخَلِّف عَلَى وَلِيّ حَمِيم لَهُ قَدْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاة , وَلَمْ يَكُنْ عِنْده مَنْ يَقُوم بِأَمْرِهِ رَجَا أَنْ يَكُون فِي سَعَة . وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ اِبْن عُمَر . وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا لِغَيْرِ عُذْر فَصَلَّى قَبْل الْإِمَام أَعَادَ , وَلَا يَجْزِيه أَنْ يُصَلِّيَ قَبْله . وَهُوَ فِي تَخَلُّفه عَنْهَا مَعَ إِمْكَانه لِذَلِكَ عَاصٍ لِلَّهِ بِفِعْلِهِ . قَوْله تَعَالَى : " إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ " يَخْتَصّ بِوُجُوبِ الْجُمُعَة عَلَى الْقَرِيب الَّذِي يَسْمَع النِّدَاء , فَأَمَّا الْبَعِيد الدَّار الَّذِي لَا يَسْمَع النِّدَاء فَلَا يَدْخُل تَحْت الْخِطَاب . وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ يَأْتِي الْجُمْعَة مِنْ الدَّانِي وَالْقَاصِي , فَقَالَ اِبْن عُمَر وَأَبُو هُرَيْرَة وَأَنَس : تَجِب الْجُمْعَة عَلَى مَنْ فِي الْمِصْر عَلَى سِتَّة أَمْيَال . وَقَالَ رَبِيعَة : أَرْبَعَة أَمْيَال . وَقَالَ مَالِك وَاللَّيْث : ثَلَاثَة أَمْيَال . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : اِعْتِبَار سَمَاع الْأَذَان أَنْ يَكُون الْمُؤَذِّن صَيِّتًا , وَالْأَصْوَات هَادِئَة , وَالرِّيح سَاكِنَة وَمَوْقِف الْمُؤَذِّن عِنْد سُور الْبَلَد . وَفِي الصَّحِيح عَنْ عَائِشَة : أَنَّ النَّاس كَانُوا يَنْتَابُونَ الْجُمُعَة مِنْ مَنَازِلهمْ وَمِنْ الْعَوَالِي فَيَأْتُونَ فِي الْغُبَار وَيُصِيبهُمْ الْغُبَار فَتَخْرُج مِنْهُمْ الرِّيح , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْ اِغْتَسَلْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا ) ! قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَالصَّوْت إِذَا كَانَ مَنِيعًا وَالنَّاس فِي هُدُوء وَسُكُون فَأَقْصَى سَمَاع الصَّوْت ثَلَاثَة أَمْيَال . وَالْعَوَالِي مِنْ الْمَدِينَة أَقْرَبهَا عَلَى ثَلَاثَة أَمْيَال . وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَإِسْحَاق : تَجِب الْجُمُعَة عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاء . وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيث عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّمَا الْجُمُعَة عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاء ) . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه : تَجِب عَلَى مَنْ فِي الْمِصْر , سَمِعَ النِّدَاء أَوْ لَمْ يَسْمَعهُ , وَلَا تَجِب عَلَى مَنْ هُوَ خَارِج الْمِصْر وَإِنْ سَمِعَ النِّدَاء . حَتَّى سُئِلَ : وَهَلْ تَجِب الْجُمُعَة عَلَى أَهْل زبارة - بَيْنهَا وَبَيْن الْكُوفَة مَجْرَى نَهْر - ؟ فَقَالَ لَا . وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَة أَيْضًا : أَنَّهَا تَجِب عَلَى مَنْ إِذَا سَمِعَ النِّدَاء وَخَرَجَ مِنْ بَيْته مَاشِيًا أَدْرَكَ الصَّلَاة . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيّ : أَنَّهَا تَجِب عَلَيْهِ إِذَا سَمِعَ الْأَذَان . قَوْله تَعَالَى : " إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه " دَلِيل عَلَى أَنَّ الْجُمُعَة لَا تَجِب إِلَّا بِالنِّدَاءِ , وَالنِّدَاء لَا يَكُون إِلَّا بِدُخُولِ الْوَقْت , بِدَلِيلِ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( إِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاة فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَركُمَا ) قَالَهُ لِمَالِك بْن الْحُوَيْرِث وَصَاحِبه . وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَة حِين تَمِيل الشَّمْس . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي الصِّدِّيق وَأَحْمَد بْن حَنْبَل أَنَّهَا تُصَلِّي قَبْل الزَّوَال . وَتَمَسَّكَ أَحْمَد فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ سَلَمَة بْن الْأَكْوَع : كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَنْصَرِف وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلّ . وَبِحَدِيثِ اِبْن عُمَر : مَا كُنَّا نَقِيل وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْد الْجُمُعَة . وَمِثْله عَنْ سَهْل . خَرَّجَهُ مُسْلِم . وَحَدِيث سَلَمَة مَحْمُول عَلَى التَّبْكِير . رَوَاهُ هِشَام بْن عَبْد الْمَلِك عَنْ يَعْلَى بْن الْحَارِث عَنْ إِيَاس بْن سَلَمَة بْن الْأَكْوَع عَنْ أَبِيهِ . وَرَوَى وَكِيع عَنْ يَعْلَى عَنْ إِيَاس عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنَّا نُجَمِّع مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا زَالَتْ الشَّمْس ثُمَّ نَرْجِع نَتَتَبَّع الْفَيْء . وَهَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور مِنْ الْخَلَف وَالسَّلَف , وَقِيَاسًا عَلَى صَلَاة الظُّهْر . وَحَدِيث اِبْن عُمَر وَسَهْل , دَلِيل عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُبَكِّرُونَ إِلَى الْجُمْعَة تَبْكِيرًا كَثِيرًا عِنْد الْغَدَاة أَوْ قَبْلهَا , فَلَا يَتَنَاوَلُونَ ذَلِكَ إِلَّا بَعْد اِنْقِضَاء الصَّلَاة . وَقَدْ رَأَى مَالِك أَنَّ التَّبْكِير بِالْجُمُعَةِ إِنَّمَا يَكُون قُرْب الزَّوَال بِيَسِيرٍ . وَتَأَوَّلَ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَة الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَة ... ) الْحَدِيث بِكَمَالِهِ إِنَّهُ كَانَ فِي سَاعَة وَاحِدَة . وَحَمَلَهُ سَائِر الْعُلَمَاء عَلَى سَاعَات النَّهَار الزَّمَانِيَّة الِاثْنَتَيْ عَشْرَة سَاعَة الْمُسْتَوِيَة أَوْ الْمُخْتَلِفَة بِحَسَبِ زِيَادَة النَّهَار وَنُقْصَانه . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهُوَ أَصَحّ ; لِحَدِيثِ اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : مَا كَانُوا يَقِيلُونَ وَلَا يَتَغَدَّوْنَ إِلَّا بَعْد الْجُمْعَة لِكَثْرَةِ الْبُكُور إِلَيْهَا . فَرَضَ اللَّه تَعَالَى الْجُمُعَة عَلَى كُلّ مُسْلِم ; رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُول : إِنَّهَا فَرْض عَلَى الْكِفَايَة ; وَنُقِلَ عَنْ بَعْض الشَّافِعِيَّة . وَنَقَلَ عَنْ مَالِك مَنْ لَمْ يُحَقِّق أَنَّهَا سُنَّة . وَجُمْهُور الْأُمَّة وَالْأَئِمَّة أَنَّهَا فَرْض عَلَى الْأَعْيَان ; لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : " إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه وَذَرُوا الْبَيْع " . وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَام عَنْ وَدْعهمْ الْجُمُعَات أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ ثُمَّ لَيَكُونَنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ ) . وَهَذَا حُجَّة وَاضِحَة فِي وُجُوب الْجُمُعَة وَفَرْضِيَّتهَا . وَفِي سُنَن اِبْن مَاجَهْ عَنْ أَبِي الْجَعْد الضَّمَرِيّ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَة - قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَة ثَلَاث مَرَّات تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّه عَلَى قَلْبه ) . إِسْنَاده صَحِيح . وَحَدِيث جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَة ثَلَاثًا مِنْ غَيْر ضَرُورَة طَبَعَ اللَّه عَلَى قَلْبه ) . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( الرَّوَاح إِلَى الْجُمُعَة وَاجِب عَلَى كُلّ مُسْلِم ) . أَوْجَبَ اللَّه السَّعْي إِلَى الْجُمُعَة مُطْلَقًا مِنْ غَيْر شَرْط . وَثَبَتَ شَرْط الْوُضُوء بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّة فِي جَمِيع الصَّلَوَات ; لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : " إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ " [ الْمَائِدَة : 6 ] الْآيَة . وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَقْبَل اللَّه صَلَاة بِغَيْرِ طُهُور ) . وَأَغْرَبَتْ طَائِفَة فَقَالَتْ : إِنَّ غُسْل الْجُمْعَة فَرْض . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا بَاطِل ; لِمَا رَوَى النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد فِي سُنَنهمَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ تَوَضَّأَ يَوْم الْجُمُعَة فَبِهَا وَنِعْمَتْ . وَمَنْ اِغْتَسَلَ فَالْغُسْل أَفْضَل ) . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ تَوَضَّأَ يَوْم الْجُمْعَة فَأَحْسَنَ الْوُضُوء ثُمَّ رَاحَ إِلَى الْجُمُعَة فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غَفَرَ اللَّه لَهُ مَا بَيْن الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة وَزِيَادَة ثَلَاثَة أَيَّام . وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا ) وَهَذَا نَصّ . وَفِي الْمُوَطَّأ : أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ يَوْم الْجُمُعَة وَعُمَر بْن الْخَطَّاب يَخْطُب ... - الْحَدِيث إِلَى أَنْ قَالَ : - مَا زِدْت عَلَى أَنْ تَوَضَّأْت , فَقَالَ عُمَر : وَالْوُضُوء أَيْضًا ؟ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُر بِالْغُسْلِ . فَأَمَرَ عُمَر بِالْغُسْلِ وَلَمْ يَأْمُرهُ بِالرُّجُوعِ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى الِاسْتِحْبَاب . فَلَمْ يُمْكِن وَقَدْ تَلَبَّسَ بِالْفَرْضِ - وَهُوَ الْحُضُور وَالْإِنْصَات لِلْخُطْبَةِ - أَنْ يَرْجِع عَنْهُ إِلَى السُّنَّة , وَذَلِكَ بِمَحْضَرِ فُحُول الصَّحَابَة وَكِبَار الْمُهَاجِرِينَ حَوَالَيْ عُمَر , وَفِي مَسْجِد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . لَا تَسْقُط الْجُمُعَة لِكَوْنِهَا فِي يَوْم عِيد , خِلَافًا لِأَحْمَد بْن حَنْبَل فَإِنَّهُ قَالَ : إِذَا اِجْتَمَعَ عِيد وَجُمُعَة سَقَطَ فَرْض الْجُمُعَة ; لِتَقَدُّمِ الْعِيد عَلَيْهَا وَاشْتِغَال النَّاس بِهِ عَنْهَا . وَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَان أَذِنَ فِي يَوْم عِيد لِأَهْلِ الْعَوَالِي أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ الْجُمُعَة . وَقَوْل الْوَاحِد مِنْ الصَّحَابَة لَيْسَ بِحُجَّةٍ إِذَا خُولِفَ فِيهِ وَلَمْ يُجْمَع مَعَهُ عَلَيْهِ . وَالْأَمْر بِالسَّعْيِ مُتَوَجِّه يَوْم الْعِيد كَتَوَجُّهِهِ فِي سَائِر الْأَيَّام . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَة : ب " سَبِّحْ اِسْم رَبّك الْأَعْلَى " [ الْأَعْلَى . 1 ] و " هَلْ أَتَاك حَدِيث الْغَاشِيَة " [ الْغَاشِيَة : 1 ] قَالَ وَإِذَا اِجْتَمَعَ الْعِيد وَالْجُمُعَة فِي يَوْم وَاحِد يَقْرَأ بِهِمَا أَيْضًا فِي الصَّلَاتَيْنِ . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَهْ . أَيْ الصَّلَاة . وَقِيلَ الْخُطْبَة وَالْمَوَاعِظ ; قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَالصَّحِيح أَنَّهُ وَاجِب فِي الْجَمِيع ; وَأَوَّله الْخُطْبَة . وَبِهِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا ; إِلَّا عَبْد الْمَلِك بْن الْمَاجِشُون فَإِنَّهُ رَآهَا سُنَّة . وَالدَّلِيل عَلَى وُجُوبهَا أَنَّهَا تُحَرِّم الْبَيْع وَلَوْلَا وُجُوبهَا مَا حَرَّمَتْهُ ; لِأَنَّ الْمُسْتَحَبّ لَا يُحَرِّم الْمُبَاح . وَإِذَا قُلْنَا : إِنَّ الْمُرَاد بِالذِّكْرِ الصَّلَاة فَالْخُطْبَة مِنْ الصَّلَاة . وَالْعَبْد يَكُون ذَاكِرًا لِلَّهِ بِفِعْلِهِ كَمَا يَكُون مُسَبِّحًا لِلَّهِ بِفِعْلِهِ . الزَّمَخْشَرِيّ : فَإِنْ قُلْت : كَيْفَ يُفَسَّر ذِكْر اللَّه بِالْخُطْبَةِ وَفِيهَا غَيْر ذَلِكَ ! قُلْت : مَا كَانَ مِنْ ذِكْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثَّنَاء عَلَيْهِ وَعَلَى خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَأَتْقِيَاء الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَوْعِظَة وَالتَّذْكِير فَهُوَ فِي حُكْم ذِكْر اللَّه . فَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ ذِكْر الظَّلَمَة وَأَلْقَابهمْ وَالثَّنَاء عَلَيْهِمْ وَالدُّعَاء لَهُمْ , وَهُمْ أَحِقَّاء بِعَكْسِ ذَلِكَ ; فَهُوَ مِنْ ذِكْر الشَّيْطَان , وَهُوَ مِنْ ذِكْر اللَّه عَلَى مَرَاحِل . مَنَعَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ عِنْد صَلَاة الْجُمُعَة , وَحَرَّمَهُ فِي وَقْتهَا عَلَى مَنْ كَانَ مُخَاطَبًا بِفَرْضِهَا . وَالْبَيْع لَا يَخْلُو عَنْ شِرَاء فَاكْتَفَى بِذِكْرِ أَحَدهمَا , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " سَرَابِيل تَقِيكُمْ الْحَرّ وَسَرَابِيل تَقِيكُمْ بَأْسكُمْ " [ النَّحْل : 81 ] . وَخَصَّ الْبَيْع لِأَنَّهُ أَكْثَر مَا يَشْتَغِل بِهِ أَصْحَاب الْأَسْوَاق . وَمَنْ لَا يَجِب عَلَيْهِ حُضُور الْجُمُعَة فَلَا يُنْهَى عَنْ الْبَيْع وَالشِّرَاء . وَفِي وَقْت التَّحْرِيم قَوْلَانِ : إِنَّهُ مِنْ بَعْد الزَّوَال إِلَى الْفَرَاغ مِنْهَا , قَالَهُ الضَّحَّاك وَالْحَسَن وَعَطَاء . الثَّانِي - مِنْ وَقْت أَذَان الْخُطْبَة إِلَى وَقْت الصَّلَاة , قَالَهُ الشَّافِعِيّ . وَمَذْهَب مَالِك أَنْ يُتْرَك الْبَيْع إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ , وَيَفْسَخ عِنْده مَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْبَيْع فِي ذَلِكَ الْوَقْت . وَلَا يَفْسَخ الْعِتْق وَالنِّكَاح وَالطَّلَاق وَغَيْره , إِذْ لَيْسَ مِنْ عَادَة النَّاس الِاشْتِغَال بِهِ كَاشْتِغَالِهِمْ بِالْبَيْعِ . قَالُوا : وَكَذَلِكَ الشَّرِكَة وَالْهِبَة وَالصَّدَقَة نَادِر لَا يَفْسَخ . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَالصَّحِيح فَسْخ الْجَمِيع , لِأَنَّ الْبَيْع إِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ لِلِاشْتِغَالِ بِهِ . فَكُلّ أَمْر يَشْغَل عَنْ الْجُمُعَة مِنْ الْعُقُود كُلّهَا فَهُوَ حَرَام شَرْعًا مَفْسُوخ رَدْعًا . الْمَهْدَوِيّ : وَرَأَى بَعْض الْعُلَمَاء الْبَيْع فِي الْوَقْت الْمَذْكُور جَائِزًا , وَتَأَوَّلَ النَّهْي عَنْهُ نَدْبًا , وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : قُلْت : وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ ; فَإِنَّ الْبَيْع يَنْعَقِد عِنْده وَلَا يَفْسَخ . وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَفْسِير : إِنَّ عَامَّة الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ ذَلِكَ لَا يُؤَدِّي فَسَاد الْبَيْع . قَالُوا : لِأَنَّ الْبَيْع لَمْ يَحْرُم لِعَيْنِهِ , وَلَكِنْ لِمَا فِيهِ مِنْ الذُّهُول عَنْ الْوَاجِب ; فَهُوَ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْض الْمَغْصُوبَة وَالثَّوْب الْمَغْصُوب , وَالْوُضُوء بِمَاءٍ مَغْصُوب . وَعَنْ بَعْض النَّاس أَنَّهُ فَاسِد . قُلْت : وَالصَّحِيح فَسَاده وَفَسْخه ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( كُلّ عَمَل لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرنَا فَهُوَ رَدّ ) . أَيْ مَرْدُود . وَاَللَّه أَعْلَم .'; $TAFSEER['4']['62']['10'] = 'هَذَا أَمْر إِبَاحَة ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا " [ الْمَائِدَة : 2 ] . يَقُول : إِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ الصَّلَاة فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْض لِلتِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّف فِي حَوَائِجكُمْ . أَيْ مِنْ رِزْقه . وَكَانَ عِرَاك بْن مَالِك إِذَا صَلَّى الْجُمُعَة اِنْصَرَفَ فَوَقَفَ عَلَى بَاب الْمَسْجِد فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَجَبْت دَعْوَتك , وَصَلَّيْت فَرِيضَتك , وَانْتَشَرْت كَمَا أَمَرْتنِي , فَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلك وَأَنْتَ خَيْر الرَّازِقِينَ . وَقَالَ جَعْفَر بْن مُحَمَّد فِي قَوْله تَعَالَى : " وَابْتَغُوا مِنْ فَضْل اللَّه " إِنَّهُ الْعَمَل فِي يَوْم السَّبَب . وَعَنْ الْحَسَن بْن سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : طَلَب الْعَمَل . وَقِيلَ : التَّطَوُّع . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : لَمْ يُؤْمَرُوا بِطَلَبِ شَيْء مِنْ الدُّنْيَا ; إِنَّمَا هُوَ عِيَادَة الْمَرْضَى وَحُضُور الْجَنَائِز وَزِيَارَة الْأَخ فِي اللَّه تَعَالَى . أَيْ بِالطَّاعَةِ وَاللِّسَان , وَبِالشُّكْرِ عَلَى مَا بِهِ أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ مِنْ التَّوْفِيق لِأَدَاءِ الْفَرَائِض . كَيْ تُفْلِحُوا . قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : الذِّكْر طَاعَة اللَّه تَعَالَى , فَمَنْ أَطَاعَ اللَّه فَقَدْ ذَكَرَهُ وَمَنْ لَمْ يُطِعْهُ فَلَيْسَ بِذَاكِرٍ وَإِنْ كَانَ كَثِير التَّسْبِيح . وَقَدْ مَضَى هَذَا مَرْفُوعًا فِي " الْبَقَرَة " .'; $TAFSEER['4']['62']['11'] = 'فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُب قَائِمًا يَوْم الْجُمُعَة , فَجَاءَتْ عِير مِنْ الشَّام فَانْفَتَلَ النَّاس إِلَيْهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلَّا اِثْنَا عَشَر رَجُلًا - فِي رِوَايَة أَنَا فِيهِمْ - فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة الَّتِي فِي الْجُمُعَة : " وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَة أَوْ لَهْوًا اِنْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِمًا " . فِي رِوَايَة : فِيهِمْ أَبُو بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . وَقَدْ ذَكَرَ الْكَلْبِيّ وَغَيْره : أَنَّ الَّذِي قَدِمَ بِهَا دِحْيَة بْن خَلِيفَة الْكَلْبِيّ مِنْ الشَّام عِنْد مَجَاعَة وَغَلَاء سِعْر , وَكَانَ مَعَهُ جَمِيع مَا يَحْتَاج النَّاس مِنْ بُرّ وَدَقِيق وَغَيْره , فَنَزَلَ عِنْد أَحْجَار الزَّيْت , وَضَرَبَ بِالطَّبْلِ لِيُؤْذِن النَّاس بِقُدُومِهِ ; فَخَرَجَ النَّاس إِلَّا اِثْنَيْ عَشَر رَجُلًا . وَقِيلَ : أَحَد عَشَر رَجُلًا . قَالَ الْكَلْبِيّ : وَكَانُوا فِي خُطْبَة الْجُمُعَة فَانْفَضُّوا إِلَيْهَا , وَبَقِيَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَة رِجَال ; حَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيث جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : بَيْنَمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبنَا يَوْم الْجُمُعَة إِذْ أَقْبَلَتْ عِير تَحْمِل الطَّعَام حَتَّى نَزَلَتْ بِالْبَقِيعِ ; فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا وَانْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا أَرْبَعُونَ رَجُلًا أَنَا فِيهِمْ . قَالَ : وَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَة أَوْ لَهْوًا اِنْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِمًا ) . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : لَمْ يَقُلْ فِي هَذَا الْإِسْنَاد " إِلَّا أَرْبَعِينَ رَجُلًا " غَيْر عَلِيّ بْن عَاصِم عَنْ حُصَيْن , وَخَالَفَهُ أَصْحَاب حُصَيْن فَقَالُوا : لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا اِثْنَا عَشَر رَجُلًا . وَرُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنَّهُ قَالَ : ( وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ خَرَجُوا جَمِيعًا لَأَضْرَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْوَادِي نَارًا ) ; ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ . وَرُوِيَ فِي حَدِيث مُرْسَل أَسْمَاء الِاثْنَيْ عَشَر رَجُلًا , رَوَاهُ أَسَد بْن عَمْرو وَالِد أَسَد بْن مُوسَى بْن أَسَد . وَفِيهِ : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا أَبُو بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ , وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسَعْد بْن أَبِي وَقَّاص , وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَأَبُو عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح , وَسَعِيد بْن زَيْد وَبِلَال , وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ . وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَمَّار بْن يَاسِر . قُلْت : لَمْ يَذْكُر جَابِرًا ; وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِم أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ ; وَالدَّارَقُطْنِيّ أَيْضًا . فَيَكُونُونَ ثَلَاثَة عَشَر . وَإِنْ كَانَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود فِيهِمْ فَهُمْ أَرْبَعَة عَشَر . وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيله السَّبَب الَّذِي تَرَخَّصُوا لِأَنْفُسِهِمْ فِي تَرْك سَمَاع الْخُطْبَة , وَقَدْ كَانُوا خَلِيقًا بِفَضْلِهِمْ أَلَّا يَفْعَلُوا ; فَقَالَ : حَدَّثَنَا مَحْمُود بْن خَالِد قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيد قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو مُعَاذ بَكْر بْن مَعْرُوف أَنَّهُ سَمِعَ مُقَاتِل بْن حَيَّان قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْجُمُعَة قَبْل الْخُطْبَة مِثْل الْعِيدَيْنِ , حَتَّى كَانَ يَوْم جُمُعَة وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُب , وَقَدْ صَلَّى الْجُمُعَة , فَدَخَلَ رَجُل فَقَالَ : إِنَّ دِحْيَة بْن خَلِيفَة الْكَلْبِيّ قَدِمَ بِتِجَارَةٍ , وَكَانَ دِحْيَة إِذَا قَدِمَ تَلَقَّاهُ أَهْله بِالدِّفَافِ ; فَخَرَجَ النَّاس فَلَمْ يَظُنُّوا إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي تَرْك الْخُطْبَة شَيْء ; فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَة أَوْ لَهْوًا اِنْفَضُّوا إِلَيْهَا " . فَقَدَّمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُطْبَة يَوْم الْجُمُعَة وَأَخَّرَ الصَّلَاة . وَكَانَ لَا يَخْرُج أَحَد لِرُعَافٍ أَوْ أَحْدَاث بَعْد النَّهْي حَتَّى يَسْتَأْذِنَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يُشِير إِلَيْهِ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَام ; فَيَأْذَن لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُشِير إِلَيْهِ بِيَدِهِ . فَكَانَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ مَنْ ثَقُلَ عَلَيْهِ الْخُطْبَة وَالْجُلُوس فِي الْمَسْجِد , وَكَانَ إِذَا اِسْتَأْذَنَ رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَامَ الْمُنَافِق إِلَى جَنْبه مُسْتَتِرًا بِهِ حَتَّى يَخْرُج ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " قَدْ يَعْلَم اللَّه الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا " [ النُّور : 63 ] الْآيَة . قَالَ السُّهَيْلِيّ : وَهَذَا الْخَبَر وَإِنْ لَمْ يُنْقَل مِنْ وَجْه ثَابِت فَالظَّنّ الْجَمِيل بِأَصْحَابِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوجِب أَنْ يَكُون صَحِيحًا . وَقَالَ قَتَادَة : وَبَلَغَنَا أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ ثَلَاث مَرَّات ; كُلّ مَرَّة عِير تَقْدَم مِنْ الشَّام , وَكُلّ ذَلِكَ يُوَافِق يَوْم الْجُمُعَة . وَقِيلَ : إِنَّ خُرُوجهمْ لِقُدُومِ دِحْيَة الْكَلْبِيّ بِتِجَارَتِهِ وَنَظَرهمْ إِلَى الْعِير تَمُرّ , لَهْو لَا فَائِدَة فِيهِ ; إِلَّا أَنَّهُ كَانَ مِمَّا لَا إِثْم فِيهِ لَوْ وَقَعَ عَلَى غَيْر ذَلِكَ الْوَجْه , وَلَكِنَّهُ لَمَّا اِتَّصَلَ بِهِ الْإِعْرَاض عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِانْفِضَاض عَنْ حَضْرَته , غَلُظَ وَكَبُرَ وَنَزَلَ فِيهِ مِنْ الْقُرْآن وَتَهْجِينه بِاسْمِ اللَّهْو مَا نَزَلَ . وَجَاءَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( كُلّ مَا يَلْهُو بِهِ الرَّجُل بَاطِل إِلَّا رَمْيه بِقَوْسِهِ ) . الْحَدِيث . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة ( الْأَنْفَال " فَلِلَّهِ الْحَمْد . وَقَالَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه : كَانَتْ الْجَوَارِي إِذَا نَكَحْنَ يَمْرُرْنَ بِالْمَزَامِيرِ وَالطَّبْل فَانْفَضُّوا إِلَيْهَا ; فَنَزَلَتْ . وَإِنَّمَا رَدَّ الْكِنَايَة إِلَى التِّجَارَة لِأَنَّهَا أَهَمّ . وَقَرَأَ طَلْحَة بْن مُصَرِّف " وَإِذَا رَأَوْا التِّجَارَة وَاللَّهْو اِنْفَضُّوا إِلَيْهَا " . وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَة اِنْفَضُّوا إِلَيْهَا , أَوْ لَهْوًا اِنْفَضُّوا إِلَيْهِ فَحُذِفَ لِدَلَالَتِهِ . كَمَا قَالَ : نَحْنُ بِمَا عِنْدنَا وَأَنْتَ بِمَا عِنْدك رَاضٍ وَالرَّأْي مُخْتَلِف وَقِيلَ : الْأَجْوَد فِي الْعَرَبِيَّة أَنْ يُجْعَل الرَّاجِع فِي الذِّكْر لِلْآخِرِ مِنْ الِاسْمَيْنِ . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْعَدَد الَّذِي تَنْعَقِد بِهِ الْجُمُعَة عَلَى أَقْوَال ; فَقَالَ الْحَسَن : تَنْعَقِد الْجُمُعَة بِاثْنَيْنِ . وَقَالَ اللَّيْث وَأَبُو يُوسُف , تَنْعَقِد بِثَلَاثَةٍ . وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَأَبُو حَنِيفَة : بِأَرْبَعَةٍ . وَقَالَ رَبِيعَة : بِاثْنَيْ عَشَر رَجُلًا . وَذَكَرَ النَّجَّاد أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن سُلَيْمَان قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو خَالِد يَزِيد بْن الْهَيْثَم بْن طِهْمَان الدَّقَّاق , حَدَّثَنَا صُبْح بْن دِينَار قَالَ حَدَّثَنَا الْمُعَافَى بْن عِمْرَان حَدَّثَنَا مَعْقِل بْن عُبَيْد اللَّه عَنْ الزُّهْرِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى مُصْعَب بْن عُمَيْر : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى الْمَدِينَة , وَأَنَّهُ نَزَلَ فِي دَار سَعْد بْن مُعَاذ , فَجَمَّعَ بِهِمْ وَهُمْ اِثْنَا عَشَر رَجُلًا ذَبَحَ لَهُمْ يَوْمئِذٍ شَاة . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : بِأَرْبَعِينَ رَجُلًا . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فِي ( كِتَاب التَّنْبِيه عَلَى مَذْهَب الْإِمَام الشَّافِعِيّ ) : كُلّ قَرْيَة فِيهَا أَرْبَعُونَ رَجُلًا بَالِغِينَ عُقَلَاء أَحْرَارًا مُقِيمِينَ , لَا يَظْعَنُونَ عَنْهَا صَيْفًا وَلَا شِتَاء إِلَّا ظَعْن حَاجَة , وَأَنْ يَكُونُوا حَاضِرِينَ مِنْ أَوَّل الْخُطْبَة إِلَى أَنْ تُقَام الْجُمُعَة وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَة . وَمَالَ أَحْمَد وَإِسْحَاق إِلَى هَذَا الْقَوْل وَلَمْ يَشْتَرِطَا هَذِهِ الشُّرُوط . وَقَالَ مَالِك : إِذَا كَانَتْ قَرْيَة فِيهَا سُوق وَمَسْجِد فَعَلَيْهِمْ الْجُمُعَة مِنْ غَيْر اِعْتِبَار عَدَد . وَكَتَبَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز : أَيْ قَرْيَة اِجْتَمَعَ فِيهَا ثَلَاثُونَ بَيْتًا فَعَلَيْهِمْ الْجُمُعَة . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا تَجِب الْجُمُعَة عَلَى أَهْل السَّوَاد وَالْقُرَى , لَا يَجُوز لَهُمْ إِقَامَتهَا فِيهَا . وَاشْتُرِطَ فِي وُجُوب الْجُمُعَة وَانْعِقَادهَا : الْمِصْر الْجَامِع وَالسُّلْطَان الْقَاهِر وَالسُّوق الْقَائِمَة وَالنَّهْر الْجَارِي . وَاحْتُجَّ بِحَدِيثِ عَلِيّ : لَا جُمُعَة وَلَا تَشْرِيق إِلَّا فِي مِصْر جَامِع وَرُفْقَة تُعِينهُمْ . وَهَذَا يَرُدّهُ حَدِيث اِبْن عَبَّاس , قَالَ : إِنَّ أَوَّل جُمُعَة جُمِّعَتْ بَعْد جُمْعَة فِي مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ يُقَال لَهَا جُوَاثَى . وَحُجَّة الْإِمَام الشَّافِعِيّ فِي الْأَرْبَعِينَ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور الَّذِي خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ . وَفِي سُنَن اِبْن مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ أَيْضًا وَدَلَائِل النُّبُوَّة لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْب بْن مَالِك قَالَ : كُنْت قَائِد أَبِي حِين ذَهَبَ بَصَره , فَإِذَا خَرَجْت بِهِ إِلَى الْجُمُعَة فَسَمِعَ الْأَذَان , صَلَّى عَلَى أَبِي أُمَامَة وَاسْتَغْفَرَ لَهُ - قَالَ - فَمَكَثَ كَذَلِكَ حِينًا لَا يَسْمَع الْأَذَان بِالْجُمُعَةِ إِلَّا فَعَلَ ذَلِكَ ; فَقُلْت لَهُ : يَا أَبَة , اِسْتِغْفَارك لِأَبِي أُمَامَة كُلَّمَا سَمِعْت أَذَان الْجُمْعَة , مَا هُوَ ؟ قَالَ : أَيْ بُنَيّ , هُوَ أَوَّل مَنْ جَمَّعَ بِالْمَدِينَةِ فِي هَزْم مِنْ حَرَّة بَنِي بَيَاضَة يُقَال لَهُ نَقِيع الْخَضِمَات ; قَالَ قُلْت : كَمْ أَنْتُمْ يَوْمئِذٍ ؟ قَالَ أَرْبَعُونَ رَجُلًا . وَقَالَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه : مَضَتْ السُّنَّة أَنَّ فِي كُلّ ثَلَاثَة إِمَامًا , وَفِي كُلّ أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْق ذَلِكَ جُمُعَة وَأَضْحَى وَفِطْرًا , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ جَمَاعَة . خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ . وَرَوَى أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن سُلَيْمَان النَّجَّاد : قُرِئَ عَلَى عَبْد الْمَلِك بْن مُحَمَّد الرَّقَاشِيّ وَأَنَا أَسْمَع حَدَّثَنِي رَجَاء بْن سَلَمَة قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا رَوْح بْن غُطَيْف الثَّقَفِيّ قَالَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيّ عَنْ أَبِي سَلَمَة قَالَ : قُلْت لِأَبِي هُرَيْرَة عَلَى كَمْ تَجِب الْجُمْعَة مِنْ رَجُل ؟ قَالَ : لَمَّا بَلَغَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسِينَ رَجُلًا جَمَّعَ بِهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قُرِئَ عَلَى عَبْد الْمَلِك بْن مُحَمَّد وَأَنَا أَسْمَع قَالَ حَدَّثَنَا رَجَاء بْن سَلَمَة قَالَ حَدَّثَنَا عَبَّاد بْن عَبَّاد الْمُهَلَّبِيّ عَنْ جَعْفَر بْن الزُّبَيْر عَنْ الْقَاسِم عَنْ أَبِي أُمَامَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَجِب الْجُمُعَة عَلَى خَمْسِينَ رَجُلًا وَلَا تَجِب عَلَى مَنْ دُون ذَلِكَ ) . قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَكَتَبَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز : أَيّمَا قَرْيَة اِجْتَمَعَ فِيهَا خَمْسُونَ رَجُلًا فَلْيُصَلُّوا الْجُمُعَة . وَرَوَى الزُّهْرِيّ عَنْ أُمّ عَبْد اللَّه الدَّوْسِيَّة قَالَتْ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الْجُمُعَة وَاجِبَة عَلَى كُلّ قَرْيَة وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِلَّا أَرْبَعَة ) . يَعْنِي بِالْقُرَى : الْمَدَائِن . لَا يَصِحّ هَذَا عَنْ الزُّهْرِيّ . فِي رِوَايَة ( الْجُمُعَة وَاجِبَة عَلَى أَهْل كُلّ قَرْيَة وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا إِلَّا ثَلَاثَة رَابِعهمْ إِمَامهمْ ) . الزُّهْرِيّ لَا يَصِحّ سَمَاعه مِنْ الدَّوْسِيَّة . وَالْحُكْم هَذَا مَتْرُوك . وَتَصِحّ الْجُمْعَة بِغَيْرِ إِذْن الْإِمَام وَحُضُوره . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : مِنْ شَرْطهَا الْإِمَام أَوْ خَلِيفَته . وَدَلِيلنَا أَنَّ الْوَلِيد بْن عُقْبَة وَالِي الْكُوفَة أَبْطَأَ يَوْمًا فَصَلَّى اِبْن مَسْعُود بِالنَّاسِ مِنْ غَيْر إِذْنه . وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا صَلَّى الْجُمُعَة يَوْم حُصِرَ عُثْمَان وَلَمْ يُنْقَل أَنَّهُ اِسْتَأْذَنَهُ . وَرُوِيَ أَنَّ سَعِيد بْن الْعَاصِي وَالِي الْمَدِينَة لَمَّا خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَة صَلَّى أَبُو مُوسَى بِالنَّاسِ الْجُمُعَة مِنْ غَيْر اِسْتِئْذَان . وَقَالَ مَالِك : إِنَّ لِلَّهِ فَرَائِض فِي أَرْضه لَا يُضَيِّعهَا ; وَلِيّهَا وَالٍ أَوْ لَمْ يَلِهَا . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : مَنْ شَرْط أَدَائِهَا الْمَسْجِد الْمُسَقَّف . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَلَا أَعْلَم وَجْهه . قُلْت : وَجْهه قَوْله تَعَالَى : " وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ " [ الْحَجّ : 26 ] , وَقَوْله : " فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع " [ النُّور : 36 ] . وَحَقِيقَة الْبَيْت أَنْ يَكُون ذَا حِيطَان وَسَقْف . هَذَا الْعُرْف , وَاَللَّه أَعْلَم . شَرْط فِي قِيَام الْخَطِيب عَلَى الْمِنْبَر إِذَا خَطَبَ . قَالَ عَلْقَمَة : سُئِلَ عَبْد اللَّه أَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُب قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا ؟ فَقَالَ : أَمَا تَقْرَأ " وَتَرَكُوك قَائِمًا " . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ كَعْب بْن عُجْرَة أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِد وَعَبْد الرَّحْمَن بْن أُمّ الْحَكَم يَخْطُب قَاعِدًا فَقَالَ : اُنْظُرُوا إِلَى هَذَا الْخَبِيث , يَخْطُب قَاعِدًا ! وَقَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَة أَوْ لَهْوًا اِنْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِمًا " . وَخَرَّجَ عَنْ جَابِر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُب قَائِمًا ثُمَّ يَجْلِس , ثُمَّ يَقُوم فَيَخْطُب ; فَمَنْ نَبَّأَك أَنَّهُ كَانَ يَخْطُب جَالِسًا فَقَدْ كَذَبَ ; فَقَدْ وَاَللَّه صَلَّيْت مَعَهُ أَكْثَر مِنْ أَلْفَيْ صَلَاة . وَعَلَى هَذَا جُمْهُور الْفُقَهَاء وَأَئِمَّة الْعُلَمَاء . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَيْسَ الْقِيَام بِشَرْطٍ فِيهَا . وَيُرْوَى أَنَّ أَوَّل مَنْ خَطَبَ قَاعِدًا مُعَاوِيَة . وَخَطَبَ عُثْمَان قَائِمًا حَتَّى رَقَّ فَخَطَبَ قَاعِدًا . وَقِيلَ : إِنَّ مُعَاوِيَة إِنَّمَا خَطَبَ قَاعِدًا لِسِنِّهِ . وَقَدْ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُب قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُد ثُمَّ يَقُوم وَلَا يَتَكَلَّم فِي قَعْدَته . رَوَاهُ جَابِر بْن سَمُرَة . وَرَوَاهُ اِبْن عُمَر فِي كِتَاب الْبُخَارِيّ . وَالْخُطْبَة شَرْط فِي اِنْعِقَاد الْجُمْعَة لَا تَصِحّ إِلَّا بِهَا ; وَهُوَ قَوْل جُمْهُور الْعُلَمَاء . وَقَالَ الْحَسَن : هِيَ مُسْتَحَبَّة . وَكَذَا قَالَ اِبْن الْمَاجِشُون : إِنَّهَا سُنَّة وَلَيْسَتْ بِفَرْضٍ . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : هِيَ بِمَنْزِلَةِ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاة الظُّهْر ; فَإِذَا تَرَكَهَا وَصَلَّى الْجُمْعَة فَقَدْ تَرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاة الظُّهْر . وَالدَّلِيل عَلَى وُجُوبهَا قَوْله تَعَالَى : " وَتَرَكُوك قَائِمًا " . وَهَذَا ذَمّ , وَالْوَاجِب هُوَ الَّذِي يَذُمّ تَارِكه شَرْعًا , ثُمَّ إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّهَا إِلَّا بِخُطْبَةٍ . وَيَخْطُب مُتَوَكِّئًا عَلَى قَوْس أَوْ عَصًا . وَفِي سُنَن اِبْن مَاجَهْ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَام بْن عَمَّار حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد بْن عَمَّار بْن سَعْد قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَطَبَ فِي الْحَرْب خَطَبَ عَلَى قَوْس , وَإِذَا خَطَبَ فِي الْجُمْعَة خَطَبَ عَلَى عَصًا . وَسَلَّمَ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَر عَلَى النَّاس عِنْد الشَّافِعِيّ وَغَيْره . وَلَمْ يَرَهُ مَالِك . وَقَدْ رَوَى اِبْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث جَابِر بْن عَبْد اللَّه أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَر سَلَّمَ . فَإِنْ خَطَبَ عَلَى غَيْر طَهَارَة الْخُطْبَة كُلّهَا أَوْ بَعْضهَا أَسَاءَ عِنْد مَالِك ; وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ إِذَا صَلَّى طَاهِرًا . وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ فِي إِيجَاب الطَّهَارَة ; فَشَرْطهَا فِي الْجَدِيد وَلَمْ يَشْتَرِطهَا فِي الْقَدِيم . وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَة . وَأَقَلّ مَا يَجْزِي فِي الْخُطْبَة أَنْ يَحْمَد اللَّه وَيُصَلِّيَ عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيُوصِي بِتَقْوَى اللَّه وَيَقْرَأ آيَة مِنْ الْقُرْآن . وَيَجِب فِي الثَّانِيَة أَرْبَع كَالْأُولَى ; إِلَّا أَنَّ الْوَاجِب بَدَلًا مِنْ قِرَاءَة الْآيَة فِي الْأُولَى الدُّعَاء ; قَالَهُ أَكْثَر الْفُقَهَاء . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَوْ اِقْتَصَرَ عَلَى التَّحْمِيد أَوْ التَّسْبِيح أَوْ التَّكْبِير أَجْزَأَهُ . وَعَنْ عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ صَعِدَ الْمِنْبَر فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ , وَأُرْتِجَ عَلَيْهِ فَقَالَ : إِنَّ أَبَا بَكْر وَعُمَر كَانَا يَعُدَّانِ لِهَذَا الْمَقَام مَقَالًا , وَإِنَّكُمْ إِلَى إِمَام فَعَّال أَحْوَج مِنْكُمْ إِلَى إِمَام قَوَّال , وَسَتَأْتِيكُمْ الْخُطَب ; ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى . وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَة فَلَمْ يُنْكِر عَلَيْهِ أَحَد . وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمَّد : الْوَاجِب مَا تَنَاوَلَهُ اِسْم خُطْبَة . وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ . قَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ : وَهُوَ أَصَحّ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ . فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ يَعْلَى بْن أُمَيَّة أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأ عَلَى الْمِنْبَر " وَنَادَوْا يَا مَالِك " [ الزُّخْرُف : 77 ] . وَفِيهِ عَنْ عَمْرَة بِنْت عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أُخْت لِعَمْرَة قَالَتْ : مَا أَخَذَتْ " ق وَالْقُرْآن الْمَجِيد " [ ق : 1 ] إِلَّا مِنْ فِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْجُمْعَة وَهُوَ يَقْرَأ بِهَا عَلَى الْمِنْبَر فِي كُلّ جُمْعَة . وَقَدْ مَضَى فِي أَوَّل " ق " . وَفِي مَرَاسِيل أَبِي دَاوُد عَنْ الزُّهْرِيّ قَالَ : كَانَ صَدْر خُطْبَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الْحَمْد لِلَّهِ . نَحْمَدهُ وَنَسْتَعِينهُ وَنَسْتَغْفِرهُ , وَنَعُوذ بِهِ مِنْ شُرُور أَنْفُسنَا . مَنْ يَهْدِ اللَّه فَلَا مُضِلّ لَهُ , وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ . وَنَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ; وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله , أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْن يَدَيْ السَّاعَة . مَنْ يُطِعْ اللَّه وَرَسُوله فَقَدْ رَشَدَ , وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى . نَسْأَل اللَّه رَبّنَا أَنْ يَجْعَلنَا مِمَّنْ يُطِيعهُ وَيُطِيع رَسُوله , وَيَتَّبِع رِضْوَانه وَيَجْتَنِب سَخَطه , فَإِنَّمَا نَحْنُ بِهِ وَلَهُ ) . وَعَنْهُ قَالَ : بَلَغَنَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُول إِذَا خَطَبَ : ( كُلّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيب , وَلَا بَعْد لِمَا هُوَ آتٍ . لَا يَعْجَل اللَّه لِعَجَلَةِ أَحَد , وَلَا يَخِفّ لِأَمْرِ النَّاس . مَا شَاءَ اللَّه لَا مَا شَاءَ النَّاس . يُرِيد اللَّه أَمْرًا وَيُرِيد النَّاس أَمْرًا , مَا شَاءَ اللَّه كَانَ وَلَوْ كَرِهَ النَّاس . وَلَا مُبْعِد لِمَا قَرَّبَ اللَّه , وَلَا مُقَرِّب لِمَا بَعَّدَ اللَّه . لَا يَكُون شَيْء إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ ) . وَقَالَ جَابِر : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْجُمْعَة يَخْطُب فَيَقُول بَعْد أَنْ يَحْمَد اللَّه وَيُصَلِّيَ عَلَى أَنْبِيَائِهِ : ( أَيّهَا النَّاس إِنَّ لَكُمْ مَعَالِم فَانْتَهُوا إِلَى مَعَالِمكُمْ , وَإِنَّ لَكُمْ نِهَايَة فَانْتَهُوا إِلَى نِهَايَتكُمْ . إِنَّ الْعَبْد الْمُؤْمِن بَيْن مَخَافَتَيْنِ بَيْن أَجَل قَدْ مَضَى لَا يَدْرِي مَا اللَّه قَاضٍ فِيهِ , وَبَيْن أَجَل قَدْ بَقِيَ لَا يَدْرِي مَا اللَّه صَانِع فِيهِ . فَلْيَأْخُذْ الْعَبْد مِنْ نَفْسه لِنَفْسِهِ , وَمِنْ دُنْيَاهُ لِآخِرَتِهِ , وَمِنْ الشَّبِيبَة قَبْل الْكِبَر , وَمِنْ الْحَيَاة قَبْل الْمَمَات . وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا بَعْد الْمَوْت مِنْ مُسْتَعْتِب , وَمَا بَعْد الدُّنْيَا مِنْ دَار إِلَّا الْجَنَّة أَوْ النَّار . أَقُول قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِر اللَّه لِي وَلَكُمْ ) . وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا خَطَبَ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَوَّل جُمُعَة عِنْد قُدُومه الْمَدِينَة . السُّكُوت لِلْخُطْبَةِ وَاجِب عَلَى مَنْ سَمِعَهَا وُجُوب سُنَّة . وَالسُّنَّة أَنْ يَسْكُت لَهَا مَنْ يَسْمَع وَمَنْ لَمْ يَسْمَع , وَهُمَا إِنْ شَاءَ اللَّه فِي الْأَجْر سَوَاء . وَمَنْ تَكَلَّمَ حِينَئِذٍ لَغَا ; وَلَا تَفْسُد صَلَاته بِذَلِكَ . وَفِي الصَّحِيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا قُلْت لِصَاحِبِك أَنْصِتْ يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام يَخْطُب فَقَدْ لَغَوْت ) . الزَّمَخْشَرِيّ : وَإِذَا قَالَ الْمُنْصِت لِصَاحِبِهِ صَهْ ; فَقَدْ لَغَا , أَفَلَا يَكُون الْخَطِيب الْغَالِي فِي ذَلِكَ لَاغِيًا ؟ نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ غُرْبَة الْإِسْلَام وَنَكَد الْأَيَّام . وَيَسْتَقْبِل النَّاس الْإِمَام إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَر ; لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُرْسَلًا عَنْ أَبَان بْن عَبْد اللَّه قَالَ : كُنْت مَعَ عَدِيّ بْن ثَابِت يَوْم الْجُمُعَة ; فَلَمَّا خَرَجَ الْإِمَام - أَوْ قَالَ صَعِدَ الْمِنْبَر - اِسْتَقْبَلَهُ وَقَالَ : هَكَذَا أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُونَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . خَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت عَنْ أَبِيهِ ; فَزَادَ فِي الْإِسْنَاد : عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ عَلَى الْمِنْبَر اِسْتَقْبَلَهُ أَصْحَابه بِوُجُوهِهِمْ . قَالَ اِبْن مَاجَهْ : أَرْجُو أَنْ يَكُون مُتَّصِلًا . قُلْت : وَخَرَّجَ أَبُو نُعَيْم الْحَافِظ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَعْمَر قَالَ حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن نَاجِيَة قَالَ حَدَّثَنَا عَبَّاد بْن يَعْقُوب قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْفَضْل الْخُرَاسَانِيّ عَنْ مَنْصُور عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ عَلْقَمَة عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اِسْتَوَى عَلَى الْمِنْبَر اِسْتَقْبَلْنَاهُ بِوُجُوهِنَا . تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّد بْن الْفَضْل بْن عَطِيَّة عَنْ مَنْصُور . وَلَا يَرْكَع مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِد وَالْإِمَام يَخْطُب ; عِنْد مَالِك رَحِمَهُ اللَّه . وَهُوَ قَوْل اِبْن شِهَاب رَحِمَهُ اللَّه وَغَيْره . وَفِي الْمُوَطَّأ عَنْهُ : فَخُرُوج الْإِمَام يَقْطَع الصَّلَاة , وَكَلَامه يَقْطَع الْكَلَام . وَهَذَا مُرْسَل . وَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث جَابِر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِذَا جَاءَ أَحَدكُمْ يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام يَخْطُب فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا ) . وَهَذَا نَصّ فِي الرُّكُوع . وَبِهِ يَقُول الشَّافِعِيّ وَغَيْره . اِبْن عَوْن عَنْ اِبْن سِيرِينَ قَالَ : كَانُوا يَكْرَهُونَ النَّوْم وَالْإِمَام يَخْطُب وَيَقُولُونَ فِيهِ قَوْلًا شَدِيدًا . قَالَ اِبْن عَوْن : ثُمَّ لَقِيَنِي بَعْد ذَلِكَ فَقَالَ : تَدْرِي مَا يَقُولُونَ ؟ قَالَ : يَقُولُونَ مِثْلهمْ كَمِثْلِ سَرِيَّة أَخْفَقُوا ; ثُمَّ قَالَ : هَلْ تَدْرِي مَا أَخْفَقُوا ؟ لَمْ تَغْنَم شَيْئًا . وَعَنْ سَمُرَة بْن جُنْدَب أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا نَعَسَ أَحَدكُمْ فَلْيَتَحَوَّلْ إِلَى مَقْعَد صَاحِبه وَلْيَتَحَوَّلْ صَاحِبه إِلَى مَقْعَده ) . نَذْكُر فِيهَا مِنْ فَضْل الْجُمْعَة وَفَرْضِيَّتهَا مَا لَمْ نَذْكُرهُ . رَوَى الْأَئِمَّة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْم الْجُمْعَة فَقَالَ : ( فِيهِ سَاعَة لَا يُوَافِقهَا عَبْد مُسْلِم وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ) وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلهَا . وَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي مُوسَى قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( هِيَ مَا بَيْن أَنْ يَجْلِس الْإِمَام إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاة ) . وَرُوِيَ مِنْ حَدِيث أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْطَأَ عَلَيْنَا ذَات يَوْم ; فَلَمَّا خَرَجَ قُلْنَا : اِحْتَبَسْت ! قَالَ : ( ذَلِكَ أَنَّ جِبْرِيل أَتَانِي بِكَهَيْئِة الْمِرْآة الْبَيْضَاء فِيهَا نُكْتَة سَوْدَاء فَقُلْت مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيل قَالَ هَذِهِ الْجُمْعَة فِيهَا خَيْر لَك وَلِأُمَّتِك وَقَدْ أَرَادَهَا الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَأَخْطَئُوهَا وَهَدَاكُمْ اللَّه لَهَا قُلْت يَا جِبْرِيل مَا هَذِهِ النُّكْتَة السَّوْدَاء قَالَ هَذِهِ السَّاعَة الَّتِي فِي يَوْم الْجُمُعَة لَا يُوَافِقهَا عَبْد مُسْلِم يَسْأَل اللَّه فِيهَا خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ أَوْ اِدَّخَرَ لَهُ مِثْله يَوْم الْقِيَامَة أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوء مِثْله وَإِنَّهُ خَيْر الْأَيَّام عِنْد اللَّه وَإِنَّ أَهْل الْجَنَّة يُسَمُّونَهُ يَوْم الْمَزِيد ) . وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك وَيَحْيَى بْن سَلَّام قَالَا : حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيّ عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو عَنْ أَبِي عُبَيْدَة بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : تَسَارَعُوا إِلَى الْجُمْعَة فَإِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَبْرُز لِأَهْلِ الْجَنَّة كُلّ يَوْم جُمُعَة فِي كَثِيب مِنْ كَافُور أَبْيَض , فَيَكُونُونَ مِنْهُ فِي الْقُرْب - قَالَ اِبْن الْمُبَارَك - عَلَى قَدْر تَسَارُعهمْ إِلَى الْجُمْعَة فِي الدُّنْيَا . وَقَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام : كَمُسَارَعَتِهِمْ إِلَى الْجُمْعَة فِي الدُّنْيَا . وَزَادَ فَيُحْدِث لَهُمْ مِنْ الْكَرَامَة شَيْئًا لَمْ يَكُونُوا رَأَوْهُ قَبْل ذَلِكَ . قَالَ يَحْيَى : وَسَمِعْت غَيْر الْمَسْعُودِيّ يَزِيد فِيهِ : وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : " وَلَدَيْنَا مَزِيد " [ ق : 35 ] . قُلْت : قَوْله " فِي كَثِيب " يُرِيد أَهْل الْجَنَّة . أَيْ وَهُمْ عَلَى كَثِيب ; كَمَا رَوَى الْحَسَن قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَهْل الْجَنَّة يَنْظُرُونَ إِلَى رَبّهمْ فِي كُلّ جُمْعَة عَلَى كَثِيب مِنْ كَافُور لَا يُرَى طَرَفَاهُ وَفِيهِ نَهْر جَارٍ حَافَتَاهُ الْمِسْك عَلَيْهِ جَوَارٍ يَقْرَأْنَ الْقُرْآن بِأَحْسَن أَصْوَات سَمِعَهَا الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ فَإِذَا اِنْصَرَفُوا إِلَى مَنَازِلهمْ أَخَذَ كُلّ رَجُل بِيَدِ مَا شَاءَ مِنْهُنَّ ثُمَّ يَمُرُّونَ عَلَى قَنَاطِر مِنْ لُؤْلُؤ إِلَى مَنَازِلهمْ فَلَوْلَا أَنَّ اللَّه يَهْدِيهِمْ إِلَى مَنَازِلهمْ مَا اِهْتَدَوْا إِلَيْهَا لِمَا يُحْدِث اللَّه لَهُمْ فِي كُلّ جُمُعَة ) ذَكَرَهُ يَحْيَى بْن سَلَّام . وَعَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيْلَة أُسْرِيَ بِي رَأَيْت تَحْت الْعَرْش سَبْعِينَ مَدِينَة كُلّ مَدِينَة مِثْل مَدَائِنكُمْ هَذِهِ سَبْعِينَ مَرَّة مَمْلُوءَة مِنْ الْمَلَائِكَة يُسَبِّحُونَ اللَّه وَيُقَدِّسُونَهُ وَيَقُولُونَ فِي تَسْبِيحهمْ اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِمَنْ شَهِدَ الْجُمُعَة اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِمَنْ اِغْتَسَلَ يَوْم الْجُمُعَة ) ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَخَرَّجَ الْقَاضِي الشَّرِيف أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم الْهَاشِمِيّ الْعِيسَوِيّ مِنْ وَلَد عِيسَى بْن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَبْعَث الْأَيَّام يَوْم الْقِيَامَة عَلَى هَيْئَتهَا وَيَبْعَث الْجُمْعَة زَهْرَاء مُنِيرَة أَهْلهَا يَحُفُّونَ بِهَا كَالْعَرُوسِ تُهْدَى إِلَى كَرِيمهَا تُضِيء لَهُمْ يَمْشُونَ فِي ضَوْئِهَا , أَلْوَانهمْ كَالثَّلْجِ بَيَاضًا , وَرِيحهمْ يَسْطَع كَالْمِسْكِ , يَخُوضُونَ فِي جِبَال الْكَافُور , يَنْظُر إِلَيْهِمْ الثَّقَلَانِ مَا يَطْرُقُونَ تَعَجُّبًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة لَا يُخَالِطهُمْ أَحَد إِلَّا الْمُؤَذِّنُونَ الْمُحْتَسِبُونَ ) . وَفِي سُنَن اِبْن مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ ( الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة كَفَّارَة مَا بَيْنهمَا مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِر ) خَرَّجَهُ مُسْلِم بِمَعْنَاهُ . وَعَنْ أَوْس بْن أَوْس الثَّقَفِيّ قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( مَنْ غَسَّلَ يَوْم الْجُمُعَة وَاغْتَسَلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَب وَدَنَا مِنْ الْإِمَام فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَة عَمَلُ سَنَة أَجْر صِيَامهَا وَقِيَامهَا ) . وَعَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : خَطَبَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا أَيّهَا النَّاس تُوبُوا إِلَى اللَّه قَبْل أَنْ تَمُوتُوا . وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة قَبْل أَنْ تُشْغَلُوا . وَصِلُوا الَّذِي بَيْنكُمْ وَبَيْن رَبّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْركُمْ لَهُ وَكَثْرَة الصَّدَقَة فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة تُرْزَقُوا وَتُنْصَرُوا وَتُؤْجَرُوا . وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمْ الْجُمُعَة فِي مَقَامِي هَذَا فِي شَهْرِي هَذَا فِي عَامِي هَذَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَمَنْ تَرَكَهَا فِي حَيَاتِي أَوْ بَعْد مَمَاتِي وَلَهُ إِمَام عَادِل أَوْ جَائِر اِسْتِخْفَافًا بِهَا أَوْ جُحُودًا لَهَا فَلَا جَمَعَ اللَّه شَمْله وَلَا بَارَكَ لَهُ فِي أَمْره . أَلَا وَلَا صَلَاة لَهُ وَلَا زَكَاة لَهُ وَلَا حَجّ لَهُ . أَلَا وَلَا صَوْم لَهُ وَلَا بِرّ لَهُ حَتَّى يَتُوب فَمَنْ تَابَ تَابَ اللَّه عَلَيْهِ . أَلَا لَا تَؤُمَّنَّ اِمْرَأَة رَجُلًا وَلَا يَؤُمّ أَعْرَابِيّ مُهَاجِرًا وَلَا يَؤُمّ فَاجِر مُؤْمِنًا إِلَّا أَنْ يَقْهَرهُ سُلْطَان يَخَاف سَيْفه أَوْ سَوْطه . وَقَالَ مَيْمُون بْن أَبِي شَيْبَة : أَرَدْت الْجُمُعَة مَعَ الْحَجَّاج فَتَهَيَّأْت لِلذَّهَابِ , ثُمَّ قُلْت : أَيْنَ أَذْهَب أُصَلِّي خَلْف هَذَا الْفَاجِر ؟ فَقُلْت مَرَّة : أَذْهَب , وَمَرَّة لَا أَذْهَب , ثُمَّ أَجْمَعَ رَأْيِي عَلَى الذَّهَاب , فَنَادَانِي مُنَادٍ مِنْ جَانِب الْبَيْت " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه وَذَرُوا الْبَيْع " [ الْجُمُعَة : 9 ] . فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : مَا عِنْد اللَّه مِنْ ثَوَاب صَلَاتكُمْ خَيْر مِنْ لَذَّة لَهْوكُمْ وَفَائِدَة تِجَارَتكُمْ . الثَّانِي : مَا عِنْد اللَّه مِنْ رِزْقكُمْ الَّذِي قَسَمَهُ لَكُمْ خَيْر مِمَّا أَصَبْتُمُوهُ مِنْ لَهْوكُمْ وَتِجَارَتكُمْ . وَقَرَأَ أَبُو رَجَاء الْعُطَارِدِيّ : " قُلْ مَا عِنْد اللَّه خَيْر مِنْ اللَّهْو وَمِنْ التِّجَارَة لِلَّذِينَ آمَنُوا " . أَيْ خَيْر مَنْ رَزَقَ وَأَعْطَى ; فَمِنْهُ فَاطْلُبُوا , وَاسْتَعِينُوا بِطَاعَتِهِ عَلَى نَيْل مَا عِنْده مِنْ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة'; $TAFSEER['4']['63']['1'] = 'رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ زَيْد بْن أَرْقَم قَالَ : كُنْت مَعَ عَمِّي فَسَمِعْت عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول يَقُول : " لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْد رَسُول اللَّه حَتَّى يَنْفَضُّوا " . وَقَالَ : " لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَة لَيُخْرِجَن الْأَعَزّ مِنْهَا الْأَذَلّ " فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعَمِّي فَذَكَرَ عَمِّي لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَأَرْسَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ وَأَصْحَابه فَحَلَفُوا مَا قَالُوا ; فَصَدَّقَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَّبَنِي . فَأَصَابَنِي هَمّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْله , فَجَلَسْت فِي بَيْتِي فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " إِذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ - إِلَى قَوْله - هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْد رَسُول اللَّه - إِلَى قَوْله - لَيُخْرِجَن الْأَعَزّ مِنْهَا الْأَذَلّ " فَأَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ قَالَ : ( إِنَّ اللَّه قَدْ صَدَّقَك ) خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ زَيْد بْن أَرْقَم قَالَ : غَزَوْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مَعَنَا أُنَاس مِنْ الْأَعْرَاب فَكُنَّا نَبْدُر الْمَاء , وَكَانَ الْأَعْرَاب يَسْبِقُونَا إِلَيْهِ فَيَسْبِق الْأَعْرَابِيّ أَصْحَابه فَيَمْلَأ الْحَوْض وَيَجْعَل حَوْل حِجَارَة , وَيَجْعَل النِّطْع عَلَيْهِ حَتَّى تَجِيءَ أَصْحَابه . قَالَ : فَأَتَى رَجُل مِنْ الْأَنْصَار أَعْرَابِيًّا فَأَرْخَى زِمَام نَاقَته لِتَشْرَب فَأَبَى أَنْ يَدَعهُ , فَانْتَزَعَ حَجَرًا فَغَاضَ الْمَاء ; فَرَفَعَ الْأَعْرَابِيّ خَشَبَة فَضَرَبَ بِهَا رَأْس الْأَنْصَارِيّ فَشَجَّهُ , فَأَتَى عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ رَأْس الْمُنَافِقِينَ فَأَخْبَرَهُ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابه - فَغَضِبَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ثُمَّ قَالَ : لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْد رَسُول اللَّه حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْله - يَعْنِي الْأَعْرَاب - وَكَانُوا يَحْضُرُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد الطَّعَام ; فَقَالَ عَبْد اللَّه : إِذَا اِنْفَضُّوا مِنْ عِنْد مُحَمَّد فَأْتُوا مُحَمَّدًا بِالطَّعَامِ , فَلْيَأْكُلْ هُوَ وَمَنْ عِنْده . ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : لَئِنْ رَجَعْتُمْ إِلَى الْمَدِينَة لَيُخْرِجَن الْأَعَزّ مِنْهَا الْأَذَلّ . قَالَ زَيْد : وَأَنَا رِدْف عَمِّي فَسَمِعْت عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ فَأَخْبَرْت عَمِّي , فَانْطَلَقَ فَأَخْبَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَفَ وَجَحَدَ . قَالَ : فَصَدَّقَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَّبَنِي . قَالَ : فَجَاءَ عَمِّي إِلَيَّ فَقَالَ : مَا أَرَدْت إِلَى أَنْ مَقَتَك رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَّبَك وَالْمُنَافِقُونَ . قَالَ : فَوَقَعَ عَلَيَّ مِنْ جُرْأَتهمْ مَا لَمْ يَقَع عَلَى أَحَد . قَالَ : فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِير مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَر قَدْ خَفَّفْت بِرَأْسِي مِنْ الْهَمّ إِذْ أَتَانِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَكَ أُذُنِي وَضَحِكَ فِي وَجْهِي ; فَمَا كَانَ يَسُرّنِي أَنَّ لِي بِهَا الْخُلْد فِي الدُّنْيَا . ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْر لَحِقَنِي فَقَالَ : مَا قَالَ لَك رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْت : مَا قَالَ شَيْئًا إِلَّا أَنَّهُ عَرَكَ أُذُنِي وَضَحِكَ فِي وَجْهِي ; فَقَالَ أَبْشِرْ ! ثُمَّ لَحِقَنِي عُمَر فَقُلْت لَهُ مِثْل قَوْلِي لِأَبِي بَكْر . فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَة الْمُنَافِقِينَ . قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَسُئِلَ حُذَيْفَة بْن الْيَمَان عَنْ الْمُنَافِق , فَقَالَ : الَّذِي يَصِف الْإِسْلَام وَلَا يَعْمَل بِهِ . وَهُوَ الْيَوْم شَرّ مِنْهُمْ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْتُمُونَهُ وَهُمْ الْيَوْم يُظْهِرُونَهُ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( آيَة الْمُنَافِق ثَلَاث إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ ) . وَعَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَرْبَع مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَة مِنْهُنَّ كَانَ فِيهِ خَصْلَة مِنْ النِّفَاق حَتَّى يَدَعهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ) . أَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّ مَنْ جَمَعَ هَذِهِ الْخِصَال كَانَ مُنَافِقًا , وَخَبَره صِدْق . وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ هَذَا الْحَدِيث فَقَالَ : إِنَّ بَنِي يَعْقُوب حَدَّثُوا فَكَذَبُوا وَوَعَدُوا فَأَخْلَفُوا وَاُؤْتُمِنُوا فَخَانُوا . إِنَّمَا هَذَا الْقَوْل مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَبِيل الْإِنْذَار لِلْمُسْلِمِينَ , وَالتَّحْذِير لَهُمْ أَنْ يَعْتَادُوا هَذِهِ الْخِصَال ; شَفَقًا أَنْ تَقْضِيَ بِهِمْ إِلَى النِّفَاق . وَلَيْسَ الْمَعْنَى : أَنَّ مَنْ بَدَرَتْ مِنْهُ هَذِهِ الْخِصَال مِنْ غَيْر اِخْتِيَار وَاعْتِيَاد أَنَّهُ مُنَافِق . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة " التَّوْبَة " الْقَوْل فِي هَذَا مُسْتَوْفًى وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الْمُؤْمِن إِذَا حَدَّثَ صَدَقَ وَإِذَا وَعَدَ أَنْجَزَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ وَفَّى ) . وَالْمَعْنَى : الْمُؤْمِن الْكَامِل إِذَا حَدَّثَ صَدَقَ . وَاَللَّه أَعْلَم . قِيلَ : مَعْنَى " نَشْهَد " نَحْلِف . فَعَبَّرَ عَنْ الْحَلِف بِالشَّهَادَةِ ; لِأَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْ الْحَلِف وَالشَّهَادَة إِثْبَات لِأَمْرٍ مُغَيَّب ; وَمِنْهُ قَوْل قَيْس بْن ذُرَيْح . وَأَشْهَد عِنْد اللَّه أَنِّي أُحِبّهَا فَهَذَا لَهَا عِنْدِي فَمَا عِنْدهَا لِيَا وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ مَحْمُولًا عَلَى ظَاهِره أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِعْتِرَافًا بِالْإِيمَانِ وَنَفْيًا لِلنِّفَاقِ عَنْ أَنْفُسهمْ , وَهُوَ الْأَشْبَه . كَمَا قَالُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ . أَيْ فِيمَا أَظْهَرُوا مِنْ شَهَادَتهمْ وَحَلِفهمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ . وَقَالَ الْفَرَّاء : " وَاَللَّه يَشْهَد إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ " بِضَمَائِرِهِمْ , فَالتَّكْذِيب رَاجِع إِلَى الضَّمَائِر . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَان تَصْدِيق الْقَلْب , وَعَلَى أَنَّ الْكَلَام الْحَقِيقِيّ كَلَام الْقَلْب . وَمَنْ قَالَ شَيْئًا وَاعْتَقَدَ خِلَافه فَهُوَ كَاذِب . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي أَوَّل " الْبَقَرَة " مُسْتَوْفًى وَقِيلَ : أَكْذَبَهُمْ اللَّه فِي أَيْمَانهمْ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : " يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ " [ التَّوْبَة : 56 ] .'; $TAFSEER['4']['63']['2'] = 'أَيْ سُتْرَة . وَلَيْسَ يَرْجِع إِلَى قَوْله " نَشْهَد إِنَّك لَرَسُول اللَّه " وَإِنَّمَا يَرْجِع إِلَى سَبَب الْآيَة الَّتِي نَزَلَتْ عَلَيْهِ , حَسْب مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن أُبَيّ أَنَّهُ حَلَفَ مَا قَالَ وَقَدْ قَالَ . وَقَالَ الضَّحَّاك : يَعْنِي حَلَّفَهُمْ بِاَللَّهِ " إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ " وَقِيلَ : يَعْنِي بِأَيْمَانِهِمْ مَا أَخْبَرَ الرَّبّ عَنْهُمْ فِي سُورَة " التَّوْبَة " إِذْ قَالَ : " يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَالُوا " [ التَّوْبَة : 74 ] . مَنْ قَالَ أُقْسِم بِاَللَّهِ أَوْ أَشْهَد بِاَللَّهِ أَوْ أَعْزِم بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلِف بِاَللَّهِ , أَوْ أَقْسَمْت بِاَللَّهِ أَوْ أَشْهَدْت بِاَللَّهِ أَوْ أَعْزَمْت بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلَفْت بِاَللَّهِ , فَقَالَ فِي ذَلِكَ كُلّه " بِاَللَّهِ " فَلَا خِلَاف أَنَّهَا يَمِين . وَكَذَلِكَ عِنْد مَالِك وَأَصْحَابه إِنْ قَالَ : أُقْسِم أَوْ أَشْهَد أَوْ أَعْزِم أَوْ أَحْلِف , وَلَمْ يَقُلْ " بِاَللَّهِ " , إِذَا أَرَادَ " بِاَللَّهِ " . وَإِنْ لَمْ يُرِدْ " بِاَللَّهِ " فَلَيْسَ بِيَمِينٍ . وَحَكَاهُ الْكِيَا عَنْ الشَّافِعِيّ , قَالَ الشَّافِعِيّ : إِذَا قَالَ أَشْهَد بِاَللَّهِ وَنَوَى الْيَمِين كَانَ يَمِينًا . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه : لَوْ قَالَ أَشْهَد بِاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا كَانَ يَمِينًا , وَلَوْ قَالَ أَشْهَد لَقَدْ كَانَ كَذَا دُون النِّيَّة كَانَ يَمِينًا لِهَذِهِ الْآيَة , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذَكَرَ مِنْهُمْ الشَّهَادَة ثُمَّ قَالَ : " اِتَّخَذُوا أَيْمَانهمْ جُنَّة " . وَعِنْد الشَّافِعِيّ لَا يَكُون ذَلِكَ يَمِينًا وَإِنْ نَوَى الْيَمِين , لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى : " اِتَّخَذُوا أَيْمَانهمْ جُنَّة " لَيْسَ يَرْجِع إِلَى قَوْله : " قَالُوا نَشْهَد " وَإِنَّمَا يَرْجِع إِلَى مَا فِي " التَّوْبَة " مِنْ قَوْله تَعَالَى : " يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَالُوا " [ التَّوْبَة : 74 ] . أَيْ أَعْرَضُوا , وَهُوَ مِنْ الصُّدُود . أَوْ صَرَفُوا الْمُؤْمِنِينَ عَنْ إِقَامَة حُكْم اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ الْقَتْل وَالسَّبْي وَأَخْذ الْأَمْوَال , فَهُوَ مِنْ الصَّدّ , أَوْ مَنَعُوا النَّاس عَنْ الْجِهَاد بِأَنْ يَتَخَلَّفُوا وَيَقْتَدِي بِهِمْ غَيْرهمْ . وَقِيلَ : فَصَدُّوا الْيَهُود وَالْمُشْرِكِينَ عَنْ الدُّخُول فِي الْإِسْلَام , بِأَنْ يَقُولُوا هَا نَحْنُ كَافِرُونَ بِهِمْ , وَلَوْ كَانَ مُحَمَّد حَقًّا لَعَرَفَ هَذَا مِنَّا , وَلَجَعَلَنَا نَكَالًا . فَبَيَّنَ اللَّه أَنَّ حَالهمْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ , وَلَكِنَّ حُكْمه أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ الْإِيمَان أُجْرِيَ عَلَيْهِ فِي الظَّاهِر حُكْم الْإِيمَان . أَيْ بِئْسَ أَعْمَالهمْ الْخَبِيئَة مِنْ نِفَاقهمْ وَأَيْمَانهمْ الْكَاذِبَة وَصَدّهمْ عَنْ سَبِيل اللَّه أَعْمَالًا .'; $TAFSEER['4']['63']['3'] = 'هَذَا إِعْلَام مِنْ اللَّه تَعَالَى بِأَنَّ الْمُنَافِق كَافِر . أَيْ أَقَرُّوا بِاللِّسَانِ ثُمَّ كَفَرُوا بِالْقَلْبِ . وَقِيلَ : نَزَلَتْ الْآيَة فِي قَوْم آمَنُوا ثُمَّ اِرْتَدُّوا أَيْ خُتِمَ عَلَيْهَا بِالْكُفْرِ الْإِيمَان وَلَا الْخَيْر . وَقَرَأَ زَيْد بْن عَلِيّ " فَطَبَعَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ " .'; $TAFSEER['4']['63']['4'] = 'أَيْ هَيْئَاتهمْ وَمَنَاظِرهمْ . يَعْنِي عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ وَسِيمًا جَسِيمًا صَحِيحًا صَبِيحًا ذَلِق اللِّسَان , فَإِذَا قَالَ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَته . وَصَفَهُ اللَّه بِتَمَامِ الصُّورَة وَحُسْن الْإِبَانَة . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : الْمُرَاد اِبْن أُبَيّ وَجَدّ بْن قَيْس وَمُعَتِّب بْن قُشَيْر , كَانَتْ لَهُمْ أَجْسَام وَمَنْظَر وَفَصَاحَة . وَفِي صَحِيح مُسْلِم : قَالَ : كَانُوا رِجَالًا أَجْمَل شَيْء كَأَنَّهُمْ خُشُب مُسَنَّدَة , شَبَّهَهُمْ بِخُشُبٍ مُسَنَّدَة إِلَى الْحَائِط لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَعْقِلُونَ , أَشْبَاح بِلَا أَرْوَاح وَأَجْسَام بِلَا أَحْلَام . وَقِيلَ : شَبَّهَهُمْ بِالْخُشُبِ الَّتِي قَدْ تَآكَلَتْ فَهِيَ مُسْنَدَة بِغَيْرِهَا لَا يُعْلَم مَا فِي بَطْنهَا . وَقَرَأَ قُنْبُل وَأَبُو عَمْرو وَالْكِسَائِيّ " خُشْب " بِإِسْكَانِ الشِّين . وَهِيَ قِرَاءَة الْبَرَاء بْن عَازِب وَاخْتِيَار أَبِي عُبَيْد , لِأَنَّ وَاحِدَتهَا خَشَبَة . كَمَا تَقُول : بَدَنَة وَبُدْن , وَلَيْسَ فِي اللُّغَة فَعَلَة يُجْمَع عَلَى فُعُل . وَيَلْزَم مِنْ ثِقَلهَا أَنْ تَقُول : الْبُدُن , فَتُقْرَأ " وَالْبُدُن " . وَذَكَرَ الْيَزِيدِيّ أَنَّهُ جِمَاع الْخَشْبَاء , كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : " وَحَدَائِق غُلْبًا " وَاحِدَتهَا حَدِيقَة غَلْبَاء . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّثْقِيلِ وَهِيَ رِوَايَة الْبَزِّيّ عَنْ اِبْن كَثِير وَعَيَّاش عَنْ أَبِي عَمْرو , وَأَكْثَر الرِّوَايَات عَنْ عَاصِم . وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم , كَأَنَّهُ جَمْع خِشَاب وَخُشُب , نَحْو ثَمَرَة وَثِمَار وَثُمُر . وَإِنْ شِئْت جَمَعْت خَشَبَة عَلَى خُشْب كَمَا قَالُوا : بَدَنَة وَبُدْن وَبُدُن . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن الْمُسَيِّب فَتْح الْخَاء وَالشِّين فِي " خُشُب " . قَالَ سِيبَوَيْهِ : خَشَبَة وَخُشُب , مِثْل بَدَنَة وَبُدُن , قَالَ : وَمِثْله بِغَيْرِ هَاء أَسَد وَأُسْد , وَوَثَن وَوُثْن وَتُقْرَأ خُشُب وَهُوَ جَمْع الْجَمْع , خَشَبَة وَخِشَاب وَخُشُب , مِثْل ثَمَرَة وَثِمَار وَثُمُر . وَالْإِسْنَاد الْإِمَالَة , تَقُول : أَسْنَدْت الشَّيْء أَيْ أَمَلْته . و " مُسْنَدَة " لِلتَّكْثِيرِ ; أَيْ اِسْتَنَدُوا إِلَى الْأَيْمَان بِحَقْنِ دِمَائِهِمْ . أَيْ كُلّ أَهْل صَيْحَة عَلَيْهِمْ هُمْ الْعَدُوّ . ف " هُمْ الْعَدُوّ " فِي مَوْضِع الْمَفْعُول الثَّانِي عَلَى أَنَّ الْكَلَام لَا ضَمِير فِيهِ . يَصِفهُمْ بِالْجُبْنِ وَالْخَوَر . قَالَ مُقَاتِل وَالسُّدِّيّ : أَيْ إِذَا نَادَى مُنَادٍ فِي الْعَسْكَر أَنْ اِنْفَلَتَتْ دَابَّة أَوْ أُنْشِدَتْ ضَالَّة ظَنُّوا أَنَّهُمْ الْمُرَادُونَ ; لِمَا فِي قُلُوبهمْ مِنْ الرُّعْب . كَمَا قَالَ الشَّاعِر وَهُوَ الْأَخْطَل : مَا زِلْت تَحْسَب كُلّ شَيْء بَعْدهمْ خَيْلًا تَكُرّ عَلَيْهِمُ وَرِجَالَا وَقِيلَ : " يَحْسَبُونَ كُلّ صَيْحَة عَلَيْهِمْ هُمْ " الْعَدُوّ " كَلَام ضَمِيره فِيهِ لَا يَفْتَقِر إِلَى مَا بَعْد ; وَتَقْدِيره : يَحْسَبُونَ كُلّ صَيْحَة عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ قَدْ فُطِنَ بِهِمْ وَعُلِمَ بِنِفَاقِهِمْ ; لِأَنَّ لِلرِّيبَةِ خَوْفًا . ثُمَّ اِسْتَأْنَفَ اللَّه خِطَاب نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " هُمْ الْعَدُوّ " وَهَذَا مَعْنَى قَوْل الضَّحَّاك وَقِيلَ : يَحْسَبُونَ كُلّ صَيْحَة يَسْمَعُونَهَا فِي الْمَسْجِد أَنَّهَا عَلَيْهِمْ , وَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ فِيهَا بِقَتْلِهِمْ ; فَهُمْ أَبَدًا وَجِلُونَ مِنْ أَنْ يُنْزِل اللَّه فِيهِمْ أَمْرًا يُبِيح بِهِ دِمَاءَهُمْ , وَيَهْتِك بِهِ أَسْتَارهمْ . وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قَوْل الشَّاعِر : فَلَوْ أَنَّهَا عُصْفُورَة لَحَسِبْتهَا مُسَوَّمَة تَدْعُو عُبَيْدًا وَأَزْنَمَا بَطْن مِنْ بَنِي يَرْبُوع . ثُمَّ وَصَفَهُمْ اللَّه بِقَوْلِهِ : " هُمْ الْعَدُوّ فَاحْذَرْهُمْ " حَكَاهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم . وَفِي قَوْله تَعَالَى : وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : فَاحْذَرْ أَنْ تَثِق بِقَوْلِهِمْ أَوْ تَمِيل إِلَى كَلَامهمْ . الثَّانِي : فَاحْذَرْ مُمَايَلَتهُمْ لِأَعْدَائِك وَتَخْذِيلهمْ لِأَصْحَابِك . أَيْ لَعَنَهُمْ اللَّه قَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو مَالِك . وَهِيَ كَلِمَة ذَمّ وَتَوْبِيخ . وَقَدْ تَقُول الْعَرَب : قَاتَلَهُ اللَّه مَا أَشْعَرَهُ ! يَضَعُونَهُ مَوْضِع التَّعَجُّب . وَقِيلَ : مَعْنَى " قَاتَلَهُمْ اللَّه " أَيْ أَحَلَّهُمْ مَحَلّ مَنْ قَاتَلَهُ عَدُوّ قَاهِر ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَاهِر لِكُلِّ مُعَانِد . حَكَاهُ اِبْن عِيسَى . أَيْ يَكْذِبُونَ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . قَتَادَة : مَعْنَاهُ يَعْدِلُونَ عَنْ الْحَقّ . الْحَسَن : مَعْنَاهُ يُصْرَفُونَ عَنْ الرُّشْد . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ كَيْفَ تَضِلّ عُقُولهمْ عَنْ هَذَا مَعَ وُضُوح الدَّلَائِل ; وَهُوَ مِنْ الْإِفْك وَهُوَ الصَّرْف . و " أَنَّى " بِمَعْنَى كَيْفَ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ .'; $TAFSEER['4']['63']['5'] = 'لَمَّا نَزَلَ الْقُرْآن بِصِفَتِهِمْ مَشَى إِلَيْهِمْ عَشَائِرهمْ وَقَالُوا : اِفْتَضَحْتُمْ بِالنِّفَاقِ فَتُوبُوا إِلَى رَسُول اللَّه مِنْ النِّفَاق , وَاطْلُبُوا أَنْ يَسْتَغْفِر لَكُمْ . فَلَوَّوْا رُءُوسهمْ ; أَيْ حَرَّكُوهَا اِسْتِهْزَاء وَإِبَاء ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لِعَبْدِ اللَّه بْن أُبَيّ مَوْقِف فِي كُلّ سَبَب يَحُضّ عَلَى طَاعَة اللَّه وَطَاعَة رَسُوله ; فَقِيلَ لَهُ : وَمَا يَنْفَعك ذَلِكَ وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضْبَان : فَأْتِهِ يَسْتَغْفِر لَك ; فَأَبَى وَقَالَ : لَا أَذْهَب إِلَيْهِ . وَسَبَب نُزُول هَذِهِ الْآيَات أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا بَنِي الْمُصْطَلِق عَلَى مَاء يُقَال ل " الْمُرَيْسِيع " مِنْ نَاحِيَة " قُدَيْد " إِلَى السَّاحِل , فَازْدَحَمَ أَجِير لِعُمَر يُقَال لَهُ : " جَهْجَاه " مَعَ حَلِيف لِعَبْدِ اللَّه بْن أُبَيّ يُقَال لَهُ : " سِنَان " عَلَى مَاء " بِالْمُشَلِّلِ " ; فَصَرَخَ جَهْجَاه بِالْمُهَاجِرِينَ , وَصَرَخَ سِنَان بِالْأَنْصَارِ ; فَلَطَمَ جَهْجَاه سِنَانًا فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ : أَوَقَدْ فَعَلُوهَا ! وَاَللَّه مَا مِثْلنَا وَمِثْلهمْ إِلَّا كَمَا قَالَ الْأَوَّل : سَمِّنْ كَلْبك يَأْكُلك , أَمَا وَاَللَّه لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَة لَيُخْرِجَن الْأَعَزّ - يَعْنِي أُبَيًّا - الْأَذَلّ ; يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ قَالَ لِقَوْمِهِ : كُفُّوا طَعَامكُمْ عَنْ هَذَا الرَّجُل , وَلَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْده حَتَّى يَنْفَضُّوا وَيَتْرُكُوهُ . فَقَالَ زَيْد بْن أَرْقَم - وَهُوَ مِنْ رَهْط عَبْد اللَّه - أَنْتَ وَاَللَّه الذَّلِيل الْمُنْتَقَص فِي قَوْمك ; وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِزّ مِنْ الرَّحْمَن وَمَوَدَّة مِنْ الْمُسْلِمِينَ , وَاَللَّه لَا أُحِبّك بَعْد كَلَامك هَذَا أَبَدًا . فَقَالَ عَبْد اللَّه : اُسْكُتْ إِنَّمَا كُنْت أَلْعَب . فَأَخْبَرَ زَيْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : فَأَقْسَمَ بِاَللَّهِ مَا فَعَلَ وَلَا قَالَ ; فَعَذَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ زَيْد : فَوَجَدْت فِي نَفْسِي وَلَامَنِي النَّاس ; فَنَزَلَتْ سُورَة الْمُنَافِقِينَ فِي تَصْدِيق زَيْد وَتَكْذِيب عَبْد اللَّه . فَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّه : قَدْ نَزَلَتْ فِيك آيَات شَدِيدَة فَاذْهَبْ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْتَغْفِر لَك ; فَأَلْوَى بِرَأْسِهِ , فَنَزَلَتْ الْآيَات . خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ بِمَعْنَاهُ . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّل السُّورَة . وَقِيلَ : " يَسْتَغْفِر لَكُمْ " يَسْتَتِبْكُمْ مِنْ النِّفَاق ; لِأَنَّ التَّوْبَة اِسْتِغْفَار . أَيْ يُعْرِضُونَ عَنْ الرَّسُول مُتَكَبِّرِينَ عَنْ الْإِيمَان . وَقَرَأَ نَافِع " لَوُوا " بِالتَّخْفِيفِ . وَشَدَّدَ الْبَاقُونَ ; وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَقَالَ : هُوَ فِعْل لِجَمَاعَةٍ . النَّحَّاس : وَغَلِطَ فِي هَذَا ; لِأَنَّهُ نَزَلَ فِي عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ لَمَّا قِيلَ لَهُ : تَعَالَ يَسْتَغْفِر لَك رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّكَ رَأْسه اِسْتِهْزَاء . فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ أَخْبَرَ عَنْهُ بِفِعْلِ الْجَمَاعَة ؟ قِيلَ لَهُ : الْعَرَب تَفْعَل هَذَا إِذَا كَنَّتْ عَنْ الْإِنْسَان . أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ لِحَسَّان : ظَنَنْتُمْ بِأَنْ يَخْفَى الَّذِي قَدْ صَنَعْتُمُ وَفِينَا رَسُول عِنْده الْوَحْي وَاضِعه وَإِنَّمَا خَاطَبَ حَسَّانُ اِبْنَ الْأُبَيْرِق فِي شَيْء سَرَقَهُ بِمَكَّة . وَقِصَّته مَشْهُورَة . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يُخْبِر عَنْهُ وَعَمَّنْ فَعَلَ فِعْله . وَقِيلَ : قَالَ اِبْن أُبَيّ لَمَّا لَوَّى رَأْسه : أَمَرْتُمُونِي أَنْ أُومِنَ فَقَدْ آمَنْت , وَأَنْ أُعْطِيَ زَكَاة مَالِي فَقَدْ أَعْطَيْت ; فَمَا بَقِيَ إِلَّا أَنْ أَسْجُد لِمُحَمَّدٍ .'; $TAFSEER['4']['63']['6'] = 'يَعْنِي كُلّ ذَلِكَ سَوَاء , لَا يَنْفَع اِسْتِغْفَارك شَيْئًا ; لِأَنَّ اللَّه لَا يَغْفِر لَهُمْ . نَظِيره : " سَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتهمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ " [ الْبَقَرَة : 6 ] , " سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْت أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْوَاعِظِينَ " [ الشُّعَرَاء : 136 ] . وَقَدْ تَقَدَّمَ . أَيْ مَنْ سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه أَنَّهُ يَمُوت فَاسِقًا .'; $TAFSEER['4']['63']['7'] = 'ذَكَرْنَا سَبَب النُّزُول فِيمَا تَقَدَّمَ . وَابْن أُبَيّ قَالَ : لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْد مُحَمَّد حَتَّى يَنْفَضُّوا ; حَتَّى يَتَفَرَّقُوا عَنْهُ . فَأَعْلَمَهُمْ اللَّه سُبْحَانه أَنَّ خَزَائِن السَّمَوَات وَالْأَرْض لَهُ , يُنْفِق كَيْفَ يَشَاء . قَالَ رَجُل لِحَاتِمِ الْأَصَمّ : مِنْ أَيْنَ تَأْكُل ؟ فَقَالَ : " وَلِلَّهِ خَزَائِن السَّمَوَات وَالْأَرْض " . وَقَالَ الْجُنَيْد : خَزَائِن السَّمَوَات الْغُيُوب , وَخَزَائِن الْأَرْض الْقُلُوب ; فَهُوَ عَلَّام الْغُيُوب وَمُقَلِّب الْقُلُوب . وَكَانَ الشِّبْلِيّ يَقُول : " وَلِلَّهِ خَزَائِن السَّمَوَات وَالْأَرْض " فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ . أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَمْرًا يَسَّرَهُ .'; $TAFSEER['4']['63']['8'] = 'الْقَائِل اِبْن أُبَيّ كَمَا تَقَدَّمَ . وَقِيلَ : إِنَّهُ لَمَّا قَالَ : " لَيُخْرِجَن الْأَعَزّ مِنْهَا الْأَذَلّ " وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة لَمْ يَلْبَث إِلَّا أَيَّامًا يَسِيرَة حَتَّى مَاتَ ; فَاسْتَغْفَرَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَلْبَسَهُ قَمِيصه ; فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : " لَنْ يَغْفِر اللَّه لَهُمْ " . وَقَدْ مَضَى بَيَانه هَذَا كُلّه فِي سُورَة " التَّوْبَة " مُسْتَوْفًى . وَرُوِيَ أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول قَالَ لِأَبِيهِ : وَاَلَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَا تَدْخُل الْمَدِينَة حَتَّى تَقُول : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْأَعَزّ وَأَنَا الْأَذَلّ ; فَقَالَهُ . تَوَهَّمُوا أَنَّ الْعِزَّة بِكَثْرَةِ الْأَمْوَال وَالْأَتْبَاع ; فَبَيَّنَ اللَّه أَنَّ الْعِزَّة وَالْمَنَعَة وَالْقُوَّة لِلَّهِ .'; $TAFSEER['4']['63']['9'] = 'حَذَّرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْلَاق الْمُنَافِقِينَ ; أَيْ لَا تَشْتَغِلُوا بِأَمْوَالِكُمْ كَمَا فَعَلَ الْمُنَافِقُونَ إِذْ قَالُوا - لِلشُّحِّ بِأَمْوَالِهِمْ - : لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْد رَسُول اللَّه . " عَنْ ذِكْر اللَّه " أَيْ عَنْ الْحَجّ وَالزَّكَاة . وَقِيلَ : عَنْ قِرَاءَة الْقُرْآن . وَقِيلَ : عَنْ إِدَامَة الذِّكْر . وَقِيلَ : عَنْ الصَّلَوَات الْخَمْس ; قَالَهُ الضَّحَّاك . وَقَالَ الْحَسَن : جَمِيع الْفَرَائِض ; كَأَنَّهُ قَالَ عَنْ طَاعَة اللَّه . وَقِيلَ : هُوَ خِطَاب لِلْمُنَافِقِينَ ; أَيْ آمَنْتُمْ بِالْقَوْلِ فَآمَنُوا بِالْقَلْبِ . " وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ " أَيْ مَنْ يَشْتَغِل بِالْمَالِ وَالْوَلَد عَنْ طَاعَة رَبّه " فَأُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ " .'; $TAFSEER['4']['63']['10'] = 'يَدُلّ عَلَى وُجُوب تَعْجِيل أَدَاء الزَّكَاة , وَلَا يَجُوز تَأْخِيرهَا أَصْلًا . وَكَذَلِكَ سَائِر الْعِبَادَات إِذَا تَعَيَّنَ وَقْتهَا . سَأَلَ الرَّجْعَة إِلَى الدُّنْيَا لِيَعْمَل صَالِحًا . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : مَنْ كَانَ لَهُ مَال يُبَلِّغهُ حَجّ بَيْت رَبّه أَوْ تَجِب عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاة فَلَمْ يَفْعَل , سَأَلَ الرَّجْعَة عِنْد الْمَوْت . فَقَالَ رَجُل : يَا بْن عَبَّاس , اِتَّقِ اللَّه , إِنَّمَا سَأَلَ الرَّجْعَة الْكُفَّار . فَقَالَ : سَأَتْلُو عَلَيْك بِذَلِكَ قُرْآنًا : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالكُمْ وَلَا أَوْلَادكُمْ عَنْ ذِكْر اللَّه وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ . وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُول رَبّ لَوْلَا أَخَّرْتنِي إِلَى أَجَل قَرِيب فَأَصَّدَّق وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ " إِلَى قَوْله " وَاَللَّه خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ " قَالَ : فَمَا يُوجِب الزَّكَاة ؟ قَالَ : إِذَا بَلَغَ الْمَال مِائَتَيْنِ فَصَاعِدًا . قَالَ : فَمَا يُوجِب الْحَجّ ؟ قَالَ : الزَّاد وَالرَّاحِلَة . " قُلْت " : ذَكَرَهُ الْحَلِيمِيّ أَبُو عَبْد اللَّه الْحُسَيْن بْن الْحَسَن فِي كِتَاب ( مِنْهَاج الدِّين ) مَرْفُوعًا فَقَالَ : وَقَالَ اِبْن عَبَّاس قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَ عِنْده مَال يُبَلِّغهُ الْحَجّ ... ) الْحَدِيث ; فَذَكَرَهُ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " آل عِمْرَان " لَفْظه . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : " أَخَذَ اِبْن عَبَّاس بِعُمُومِ الْآيَة فِي إِنْفَاق الْوَاجِب خَاصَّة دُون النَّفْل ; فَأَمَّا تَفْسِيره بِالزَّكَاةِ فَصَحِيح كُلّه عُمُومًا وَتَقْدِيرًا بِالْمِائَتَيْنِ . وَأَمَّا الْقَوْل فِي الْحَجّ فَفِيهِ إِشْكَال ; لِأَنَّا إِنْ قُلْنَا : إِنَّ الْحَجّ عَلَى التَّرَاخِي فَفِي الْمَعْصِيَة فِي الْمَوْت قَبْل الْحَجّ خِلَاف بَيْن الْعُلَمَاء ; فَلَا تُخَرَّج الْآيَة عَلَيْهِ . وَإِنْ قُلْنَا : إِنَّ الْحَجّ عَلَى الْفَوْر فَالْآيَة فِي الْعُمُوم صَحِيح ; لِأَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجّ فَلَمْ يُؤَدِّهِ لَقِيَ مِنْ اللَّه مَا يَوَدّ أَنَّهُ رَجَعَ لِيَأْتِيَ بِمَا تَرَكَ مِنْ الْعِبَادَات . وَأَمَّا تَقْدِير الْأَمْر بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَة فَفِي ذَلِكَ خِلَاف مَشْهُور بَيْن الْعُلَمَاء . وَلَيْسَ لِكَلَامِ اِبْن عَبَّاس فِيهِ مَدْخَل ; لِأَجْلِ أَنَّ الرَّجْعَة وَالْوَعِيد لَا يَدْخُل فِي الْمَسَائِل الْمُجْتَهَد فِيهَا وَلَا الْمُخْتَلَف عَلَيْهَا , وَإِنَّمَا يَدْخُل فِي الْمُتَّفَق عَلَيْهِ . وَالصَّحِيح تَنَاوُله لِلْوَاجِبِ مِنْ الْإِنْفَاق كَيْفَ تُصْرَف بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِنَصِّ الْقُرْآن ; لِأَجْلِ أَنَّ مَا عَدَا ذَلِكَ لَا يَتَطَرَّق إِلَيْهِ تَحْقِيق الْوَعِيد . قَوْله تَعَالَى : " لَوْلَا " أَيْ هَلَّا ; فَيَكُون اِسْتِفْهَامًا . وَقِيلَ : " لَا " صِلَة ; فَيَكُون الْكَلَام بِمَعْنَى التَّمَنِّي . " فَأَصَّدَّق " نَصْب عَلَى جَوَاب التَّمَنِّي بِالْفَاءِ . " وَأَكُون " عَطْف عَلَى " فَأَصَّدَّق " وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن عَمْرو وَابْن مُحَيْصِن وَمُجَاهِد . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ " وَأَكُنْ " بِالْجَزْمِ عَطْفًا عَلَى مَوْضِع الْفَاء ; لِأَنَّ قَوْله : " فَأَصَّدَّق " لَوْ لَمْ تَكُنْ الْفَاء لَكَانَ مَجْزُومًا ; أَيْ أَصَّدَّق . وَمِثْله : " مَنْ يُضْلِلْ اللَّه فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرهُمْ " [ الْأَعْرَاف : 186 ] فِيمَنْ جَزَمَ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : هَذِهِ الْآيَة أَشَدّ عَلَى أَهْل التَّوْحِيد ; لِأَنَّهُ لَا يَتَمَنَّى الرُّجُوع فِي الدُّنْيَا أَوْ التَّأْخِير فِيهَا أَحَد لَهُ عِنْد اللَّه خَيْر فِي الْآخِرَة . قُلْت : إِلَّا الشَّهِيد فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى الرُّجُوع حَتَّى يُقْتَل , لِمَا يَرَى مِنْ الْكَرَامَة .'; $TAFSEER['4']['63']['11'] = 'مِنْ خَيْر وَشَرّ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب . وَقَرَأَ أَبُو بَكْر عَنْ عَاصِم وَالسُّلَمِيّ بِالْيَاءِ ; عَلَى'; ?>