7 رسائل من الإمام الصادق المهدي إلى نجله صديق وطائفة الأنصار
لقد صدم الرأي العام بتوقيع السيد صديق نجل زعيم الأنصار الإمام الصادق المهدي رحمه الله تعالى مع حركة عبدالعزيز الحلو على مصطلحات ملغومة مثل رفض استغلال الدين في السياسة ولم تكن الثورة المهدية الظافرة إلا نتاج صلة عظيمة وعميقة وبصيرة بين الدين والسياسة فجرت الطاقات وألهمت النفوس معاني العزة والإباء ، هذه خطوة كارثية تناقض الإرث الثقافي والمنطلقات القيمية لحزب الأمة القومي وطائفته المجاهدة الأنصار ، لقد كان الإمام الصادق المهدي رحمه الله تعالى مفكرا إسلاميا يتخذ من الدين مرجعية عليا في الحياة قد تختلف معه في بعض اجتهاداته لكنك تجد متعة فكرية وأنت تقرأ منطقه الفقهي ومنهجه الإستنباطي وثقافته الإسلامية الغزيرة وحرصه على التوثيق والإستدلال الذي يظهر بجلاء في ترقيمه للآيات وإسناده الأحاديث إلى مصادرها تلك المنهجية التي لا يخلو منها خطاب من خطاباته ، ولا يفوتني وأنا أعلق على ظاهرة لهث بعض القيادات السياسية لاستصدار شهادة حسن سير وسلوك بتبنهم للمفاهيم العلمانية أن أعرض هذه الظاهرة على فكر الإمام الصادق المهدي رحمه الله تعالى من خلال قراءة عميقة لمقالته الرائعة *(يسألونك عن العلمانية)* والتي أستخرج منها عدة رسائل :
1/ *مفكرون غربيون ينتقدون العلمانية* :
استعرض الإمام الصادق المهدي انتقادات لاذعة قدمها مفكرون غربيون للعلمانية فنقل عن تشارلس تيلور قوله : *( ليس الدين شأن خاص فحسب، فقد استطاع فرض وزنه في الواقع الخاص والعام. ينبغي أن يسمح للمفهوم السياسي ذا المرجعية الدينية أن ينافس ما دام يتجنب الاحتكار الثيوقراطي ويقبل التعددية، فالليبرالية تهزم نفسها إن هي أبعدت المتدينين بالقوة.)* وهذا اعتراف غربي بحقيقتين ساقهما الإمام الأولى أن الدين ليس شأنا خاصا والثانية أن الدين استطاع أن يفرض نفسه في الشأن العام والخاص .
2/ *أكذوبة ربط العلمانية بالديمقراطية*
وقد نقل الإمام في مقالته الماتعة *( يسألونك عن العلمانية)* عن بيتر بيرقر قوله : *( أخطأنا إذ اعتبرنا العلمانية هي شرط الديمقراطية، فقد مورست أفظع الدكتاتوريات تحت شعار العلمانية (هتلر، وستالين) شرط الديمقراطية هو التعددية.)* وهنا يفضح الإمام الصادق المهدي كذب هذا الإدعاء العريض الذي يزعم أن العلمانية شرط للدولة الحديثة وييبن أن أعتى الديكتاتوريات كانت علمانية !!.
3/ *قاعدة مهمة يقررها الإمام*
ويمضي الإمام الصادق المهدي في تقرير قاعدة مهمة أرجو أن نقف عندها بعمق إذ يقول الإمام الصادق رحمه الله تعالى *(لا يمكن فصل الدين عن الشعب إذا كان الشعب مؤمناً بعقيدة)* نعم لا يمكن فصل الدين عن الشعب لأنه لا يمكن فصل التصرفات عن التصورات فكل تصرفات يقوم بها الإنسان هي تعبير عن تصوراته هذه الحالة لا تتخلف إلا في صورتين النفاق والإكراه .
4/ *الإمام يقول العلمانية إنكار للغيب*
يقول الإمام الصادق المهدي في طرح عميق وهو يسبر أغوار العلمانية *(عبارة علمانية محملة بمفاهيم فلسفية تنكر أية قيمة لما ليس من عالم الشهادة، هذا الموضع تناوله أهم فلاسفة الغرب عمانويل كانط، قال: نعم إن العقل والتجربة صالحان للمعرفة في عالم الشهادة، ولكن هنالك أشياء مؤثرة في الواقع لا تدركها العقول ولا الحواس.)*
فالعلمانيون بحسب توصيف الإمام الصادق المهدي يتبنون مفاهيم فلسفية تنكر أي قيمة للمسائل الغيبية وعلى رأسها الإيمان بالله واليوم الآخر .
5/ *تأييد العلمانية تفعله أحزاب صغيرة إنتهازية*
ويصف الإمام الصادق المهدي رحمه الله تعالى الأحزاب التي تؤيد العلمانية بأنها أحزاب صغيرة وانتهازية هذا ليس كلامي أنا هذا كلام الإمام الصادق المهدي في مقالته الرائعة *( يسألونك عن العلمانية )* إذ يقول بوضوح وعبارة صريحة *(توجد في المشهد السياسي السوداني أحزاب صغيرة ترفع الشعار العلماني، ولكن أهم تبني لها كان في ميثاق الحركة الشعبية لتحرير السودان، دعوة رحبت بها قوى سياسية سودانية شمالية لأسباب انتهازية بصورة مكشوفة )*!! وينقل عن القيادي الجنوبي ستيفن واندو ممثل الحركة الشعبية في واشنطن قوله : *(هنالك شماليون هزمت أجندتهم العلمانية ويريدون الاستنصار بتضحيات الجنوبيين.)*
6/ *العلمانيون يكيدون للإسلام*
يستعرض الإمام الصادق المهدي مكانة الدين في الدساتير والسياسة الغربية ويصف دعوتهم للعلمانية في عالمنا بأنها كيد للإسلام إذ يقول *(والقائد المسيحي الإنجيلي جيري فالون مهتم بالعلاقة الكنسية في الجنوب، وهو يشجع المطالبة بالعلمانية في السودان ليس لأنه علماني فهو متعصب إنجيلي ولكن دعواه للكيد للإسلام.)*
7/ في خاتمة تعليقي على الواقعة الصادمة بتوقيع السيد صديق على مقولات ومصطلحات السودان الجديد الذي كان يسميه الإمام بالسودان النقيض أذكر بحقيقتين غاية في الأهمية بينهما الإمام في مقالته تلك :
الحقيقة الأولى : أن القوى المناهضة للعلمانية أقوى من المؤيدة لها وأن الدعوة إلى العلمانية ستحول دون تحقيق السلام الشامل والعادل إذ يقول *( فالعلمانية لم تكن من أسباب الاقتتال، وقد تحلقت حول المطالبة بها قوى سياسية سوف تثير ضدها قوى سياسية أقوى منها، وتفتح الباب لمواجهات تخرب مشروع السلام العادل الشامل )*.
الحقيقة الثانية : الدعوة إلى العلمانية مخطط لتخريب الفترة الإنتقالية إذ يقول الإمام الصادق المهدي *(هنالك تدابير لتخريب الفترة الانتقالية بمطالبات غير شرعية: كتمديد الفترة الانتقالية ـ والمطالبة بالعلمانية كشرط للسلام ـ وتقرير المصير ـ والمطالبة بمشاركة في السلطة الانتقالية، وهي مشروعة، دون إجراء الدمج والتسريح )*.
الجدير بالذكر أن الصفحة الرسمية لحزب الأمة القومي نشرت مقالة الإمام الصادق المهدي *(يسألونك عن العلمانية ) بتاريخ 8 مارس 2020 كما اصدر الحزب بيانا بتاريخ 20 مارس 2021 استنكر فيه اشتراط الحلو علمانية الدولة لتحقيق السلام فجاء في البيان *(ويؤكد الحزب على أن علاقة الدين بالدولة قضية وطنية لا يمكن تداولها والبت في أمرها خارج الإطار القومي وأن المؤتمر الدستوري هو المكان الطبيعي لتنظيم هذه العلاقة )*
لقد ظل حزب الأمة القومي رائد النضال الوطني يواجه الاستبداد الأجنبي والتدخل الخارجي وظلاله الثقافية والسياسية ببسالة ويقاوم الإستبداد الداخلي وطغيان الدكتاتوريات الحاكمة بشجاعة ينطلق في ذلك من منظومة قيمية وإرث ثقافي ونضالي لا ينكره إلا مكابر ، إن كبوة جواده بتوقيع يخالف كل أدبياته كانت صادمة لكل منصف يرى في طائفة الأنصار وحزب الأمة حائط صد وجيش مقدمة لمواجهة خطاب الإستلاب الثقافي والتدخل الأجنبي بعزة تحفظ الهوية والسيادة ومواجهة خطاب التطرف والعنصرية باعتداله وقوميته بما يحفظ السلم الإجتماعي والإستقرار السياسي .
✍️ كتب *د.محمد علي الجزولي*
مصدر الخبر