🔴 دكتور ياسر أبّشر يكتب: هوامش على دفتر العمالة والغباء
اشتهِرَ عن حكيم الانجليز وينستون تشرتشل قوله ساخراً من أميركا:
“يمكن الاعتماد دائماً على الأمريكان لفعل الصواب، لكنهم لن يفعلوه إلّا بعد أن يستنفدوا كل الخيارات الأخرى (يعني الخطأ) “
1) Americans can always be
counted on to do the right thing…after they have exhausted all other possibilities.
والشواهد على غباء الكاوبوي وانفعالاته غير المحسوبة بذكاء أكثر من أن تُحصى. فقد دخلت أميركا ڤيتنام، لتخرج مذمومةً مدحورة منها بعد أن بلغ عدد قتلاها ما فاق الخمسين ألفا، وأضعاف هذا العدد من الجرحى والمعاقين جسدياً ونفسياً. ودخلت فيما أسمته الحرب على الإرهاب، لتكتشف بعد أحد عشر عاماً أنها تقاتل طواحين الهواء، واتصلت عام 2012 بالموريتاني محمدو ولد صلاحي تستفتيه في كيفية الخروج من ذلك المأزق. هذا علماً أن محمدو ولد صلاحي كان أحد سجنائها سنين عددا في قوانتينامو ووثّق تجربته تلك المرة في كتابه Guantánamo Diary وخدع أحمد الجلبي ومن معه من معارضي صدام أميركا بفرية وجود أسلحة دمار شامل لدى صدام فدخلت العراق، لتكتشف بعد أن غرقت في المستنقع أن الجلبي ورفاقه خدعوها. أمّا ورطتها الغبية في أفغانستان فحيّة تنبض ذكرى حماقاتها وهزيمتها في الأذهان.
وفي السودان أقنع مبارك الفاضل CIA أن نظام البشير يصنّع أسلحة كيماوية في مصنع الشفاء للأدوية فمارست غباء تغذية غطرسة القوة Arrogance of Power فضربته بصواريخ كروز، ووقعت في أخطاء عديدة نتيجة لاعتمادها على عملائها الكذبة. هذا رغم المُحقق فيما أدلى به وكتبه الخبراء أن الجاسوس يكذب دائماً.
وهكذا واصلت أميركا ممارسة نفس الخيارات الخاطئة – التي سخر منها تشرتشل – معتمدةً على نفس الأشخاص الذين يضللونها، فجاءت موللي في Phee مساعدة وزير الخارجية الأمريكي مؤخراً لتفضح شيئين:
الأول: تماهي أميركا التام مع اليساريين والشيوعيين السودانيين الذين أصبحوا يدها الثورية بعد أن تخلوا عن معاداة ما كانوا يسمونها (الرأسمالية المتوحشة)، ومثلهم تماماً تسمي إجراءات 25 أكتوبر انقلاباً، كأن ما جرى تم ضد حكومة منتخبة ديمقراطياً. وأعربت في لقائها بلجان المقاومة عن إعجابها بمعارضتهم للجيش، ولجان المقاومة باعتراف رسمي من الحزب الشيوعي في (الميدان 2013) أنها صنيعته. وتبشرهم أن بلادها أوقفت كل دعم مادي للسودان، وأمرت السعودية أن توقف دعمها ففعلت، مثلما يرغبون. وتعلن دعمها للجان المقاومة.
الثاني: مدى الهوان والضعة التي بلغها السودان الآن، هوان جعل مسؤولة أجنبية تتقصى ناشطين وتعلن أنها معجبة بمعارضتهم للحكم القائم، وهم الذين يخربون ويدمرون ويحرقون ويدعون لمزيد ضغط اقتصادي على السودان قائلين إن سوء الوضع الاقتصادي أفضل من حكم “الطّغمة الحاكمة”، في تكرار لجهالة “الجوع ولا الكيزان”. والسؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا تتعامى أميركا عن استغلال اليساريين لشباب أغرار وتجعل منه طُعمة مدفع Cannon Foder، يقتلونهم ليتاجروا بدمائهم؟؟؟
ثم لا ينسون تخويفها من بعبعين وهما:
⁃ عودة الإسلاميين
⁃ والتدخل الروسي. لكن لا مانع من التدخل الأميركي لديهم!!! وتعرف السيدة في Phee أن بلادها تعاقب بالسجن أي أميركي يتصل بدولة أجنبية دون إخطار وتسجيل رسمي لعلاقته تلك في وزارة العدل الأمريكية. وحقيقةً لا أستطيع أن أنحي بلائمة على السيدة الأمريكية وسفارتها مادام نظام الحكم يبيح مثل هذه التجاوزات لمواطنيه. وكم جأرنا بالشكوى من مثل هذا الهوان ودعوناهم أن يقتدوا بأسياس أفورقي وبحكام إثيوبيا المجاورة الذين لا يرضون امتهاناً للكبرياء الوطني لبلادهم. وفي مصر لا تسمح الدولة بدخول دولارات لمنظمات أو سواها لا تكون هي على علم بمدخلها ومخرجها.
ومن المضحكات المبكيات في حراك الأمس إشراك السفير السعودي الذي أصدر بياناً زعم فيه أنه يسعي لتمكين الديمقراطية في السودان. السعودية التي لم تسمع بانتخابات في تاريخها وليس بها دستور ولم تعرف أحزاباً، تريد أن تجلب الديمقراطية للسودان!!!!! لقد هان من بالت عليه الثعالبُ!!!!
أما بيان قحت فقد احتشد بالادعاءات، مثل ادعائهم أن الحوار الذي يجري في روتانا “ضد رغبة الشعب” دون أن يقولوا لنا براهينهم على ذلك والتي قاسوا بها رغبة الجماهير. ومثل ادعائهم ان ذلك الحوار “عملية زائفة”
كيف لا وهم ملّاك الحقيقة وأساطين المعرفة والطليعة التي لا مُعقّب لقولها ولا راد لفعلها. ولا شك أن الناس لاحظوا التناقضات بين بيانات الأمريكان والسعوديين وقحت. وقحت تتحدث عن (قوى الثورة) باحتكارية وتوجه إقصائي مَرَدَت عليه، ولا تستحي أن تتفاخر بالاستعانة بأميركا والسعودية، فهذا ليس فيه ما يعيب لديها، لأنها مردت أن تبقى خادماً للسادة، سادة المال الذي هو شريان حياتها، تبيع من أجله وطناً كان عزيزاً إلى أمدٍ قريب.
وجليٌّ من بيان الثلاثية ومما صدر من الأمريكية والسعودي أن تركيزهم منصبٌّ على ما يسمى أربعة طويلة، ويتحدثون عن الديمقراطية، هذا علماً أن تجربة قحت القريبة تقول إن الحزب الشيوعي والبعث وحزب مريم/ برمة كلها لا تريد الانتخابات بل تخافها. كما أن الأطراف الخارجية لا تُشير للمؤسسات التي تنظم انتخابات وتضعنا في مسار ديمقراطي.
ترى هل يغيب على الأطراف الخارجية المتدخلة أن حزب مريم/برمة لم يعد سوي جناح من خمسة أجنحة في حزب الأمة، وأن الحزب الشيوعي اخترقه ولا تستطيع مريم أن تعصي للشيوعي أمرا؟؟؟
الأهم أن السودانيين يعلمون أن الحزب الشيوعي يمثله ڤولكر ولجان المقاومة، وود لبات ، وأن ادعاءاته بعدم المشاركة في الحوارات ليست سوى استغفال وعدم احترام للعقول ما عاد ينطلي على أحد.
هذا، وستضيع أميركا زمناً طويلاً قبل أن تكتشف أنها تحاول أن تحيي الموتى ممثلين في حزب مريم/برمة، وأنها تغذي بالدولار كائنات مايكروسكوبية لتكبر، هي أحزاب اليسار الذي لا يعدو أن يكون بوقاً أجوف ضخماً.
ومن يَهُن يسهل الهوان عليه.
♦️دكتور ياسر أبّشر
مصدر الخبر