السياسة السودانية

يا ثوار سوريا استفيدوا من التجارب ولا تغتروا بالنصر

مارست الشعوب العربية و الاسلامية تجربة انتصارها في معاركها المسلحة على جيش الدولة الرسمي و من ثم خلع الرئيس الطاغوت و تشكيل حكومة بديلة من الثوار المنتصرين، وسط افراح وامهازيج النصر. نفذت الشعوب هذه التجربة بصورة شبه متطابقة المعالم و النتائج في كل من اليمن وليبيا و العراق و افغانستان. إلا أن ذات التجربة أخذت خصوصية مختلفة في كل من السودان ومصر و تونس. المعيار الذي أقيس به هذه التجارب هو مدى اتفاف الفصائل الثورية قبل و بعد تحقيق النصر، مدى استغلالها بواسطة الدول الخارجية أو عمالتها لها، مدى استطاعتها على تشكيل دولة مستقرة بعيدا عن المليشيات و المؤسسات الطائفية، و أخيرا مدى نجاحها في تشكيل نسيج اجتماعي وطني متماسك خلف قيم و مؤسسات مشتركة.
أكتب هذا المقال واوجهه الى ثوار سوريا، اهتداءً بالتجارب في البلاد أعلاه، واكتب عددا من الملاحظات المهمة عسى أن تكون مفيدة.

الملاحظة الأولى أرجو أن لا يعتبر الثوار السوريون أنهم مختلفين عن ثوار البلاد الأخرى، أو معصومين من الاخطاء التي وقعت فيها التجارب المماثلة في البلاد المذكورة اعلاه. لذا من الأفضل الاهتداء بهذه التجارب و تفادي تكرار أخطائها.

ثانيا: السمات المشتركة في تجربة ليبيا واليمن و العراق و افغانستان، هي أن الفصائل المتعددة، احتفظت بعد الانتصار، بسلاحها و خصائها و علاقاتها الداخلية والخارجية، مما شكل عائقا كبيرا امام وحدتها أو تفاهمها مع بعضها البعض. الملاحظة الثانية هي أنها جميعا وبسبب عدائها للحكم السابق، ظلت في عداء طلق لمؤسسات الدولة نفسها و عدم ثقتها بها خاصة الجيش والشرطة و الامن و القضاء والنيابة. ولأنها لم تريد العمل من خلالها لذلك احتفظت بسلاحها و عساكرها ومؤسساتها الخاصة الموازية لمؤسسات الدولة، خاصة القبلية أو المناطقية مما عمق الاختلاف فيما بينها و حجب عنها الرؤية الوطنية المشتركة، فصارت المطالب مناطقية بدلا عن الوطن الكلي. الملاحظة الثالثة و الأخطر، وهي أن كل فصيل كانت عليه التزامات خارجية، لذا كان عليه عبئ تمثيل مصالح الدول الخارجية التي كانت تساعده، مما شكل عبئا على حساب المصالح الوطنية الكلية و منقصة في السيادة الوطنية. الملاحظة الرابعة والأخيرة هي أن النتيجة كانت، بعد الانتصار على الحكم الديكتاتوري السابق، صارت حربا أهلية أستخدمت فيها الفصائل سلاحها ضد بعضها البعض، كان ضحيتها المواطن ومؤسسات الدولة و سيادتها، مما جعل المواطنين في جميع هذه الدول يذرفون دموع الندم على مشاركتهم في الثورة نفسها و صاروا يحنون و يتباكون على النظام القديم الذي ثاروا و انقلبوا عليه و أطاحوا به. هذه معالم ونتائج مشتركة.

الان كل المؤشرات تدل على أن التجربة السورية تنطبق عليها ذات السمات، تعدد الفصائل و اختلاف منطلقاتها وتعدد ارتباطاتها الخارجية و ولوغها جميعا في استخدام السلاح هنا أو هناك و ستواجه بعد الانتصار بمسؤولية تشكيل مؤسسات الدولة ومعالجة الخلل الكبير فيها. و بالتالي فانها تسير في ذات خطوات المليشياوية في الدول الاخرى، و يجب على هؤلاء الثوار تدارك نفسها حتى لا تقع في ذات النتائج.

أما تجربة السودان و مصر و تونس، فرغم الاختلاف إلا أن خصوصيتها المشتركة أنها جميعا أولا لم تكن مسلحة، و ثانيا عارضت النظام لكنها لم تعادي مؤسسات الدولة، ثالثا التزمت جميع الفصائل بان تعمل من خلال مؤسسات الدولة نفسها وتمنحها المشروعية و لا مشروعية لأي مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة مهما كانت قوتها وكما أن المعارضة ظلت تحاول أن تحقق أهدافها من خلال مؤسسات الدولة التي تعارصها، مهما كانت التحديات و التضحيات و العقبات التي تضعها أمامها الدولة العميقة المرتبطة بالنظام السابق. و من أهم مميزات التجربة في هذه البلاد ايضا هي أن فصائل المعارضة الرئيسية والفاعلة فيها لم ترتبط بالعمالة مع أي دول خارجية. وأن قوة وعي المجتمع و قوة مؤسسات الدولة ورسخوها، عزلت كل القوى المرتبطة بالخارج والعميلة له.

أما من خصوصية تجربة السودان أن الجبهة الداخلية، وإن كانت مكونة من عدة فصائل مختلفة، إلا أنها كانت من القوة و التماسك و وحدة الرؤية ووضوحها بمكان، بحيث أن عملاء الدول الخارجية لم يستطيعوا تحقيق مصالح تلك الدول، مما جعل تلك الدول أخيرا، تتدخل هي مباشرة في غزو خارجي يتعرض له السودان الان بمرتزقة من أكثر من 20 جنسية مختلفة. اخرها الاعتذار الرسمي من دولة كولمبيا في أمريكا الجنوبية الى حكومة السودان بسبب تورط مرتزقة كولمبيين في الحرب لصالح الدولة التي تقود العزو الاجنبي وتشتري المرتزقة وتغريهم بالمال لأن الذي يتعرض له السودان الان ليس حربا أهلية بين فصائل ثورية انما هو غزو أجنبي ضد الوطن نفسه.

وكذلك التجربتين المصرية و التونسية لهما خصوصيتيهما و دروسهما المستفادة رغم تعثرهما في الوصول الى دولة الاستقرار إلا أنه لايوجد سلاح ولا حرب أهلية و توجد مؤسسات الدولة.
اذا يمكن للفصائل السورية المتقدمة نحو دمشق أن تستفيد من هذه التجارب بأن: تعترف جميعها بشرعية مؤسسات الدولة القائمة وأن لا مشروعية لأي مؤسسات موازية لها. وإن تلتزم جميعها بالعمل من خلال مؤسسات الدولة لاصلاحها من داخلها مهما كان الخلل الذي بها، وتطويرها و البناء عليها لاستكمال الوصول الى دولة الحكم الراشد و المؤسسات القوية.
ثانيا عليها أن تدمج مؤسساتها الثورية في مؤسسات الدولة وفق معايير مهنية موحدة وتذوب من خلاها كل الفوارق و تلغي كل المسميات المليشياوية و المناطقية القديمة و أن تكون الراية المرفوعة هي فقط راية الوطن سوريا و مؤسسات الدولة وأن لا مناطقية و لا مليشياوية وإن يتساوى في ذلك جميع أبناء سوريا.

ثالثا يجب اعلاء سيادة الدولة والوطن و أن لا تكون المليشيات ثغرة تدخل من خلاها مصالح الدول الخارجية. بل تقام هذه المصالح وفق المعايير المهنية التي تضبط العلاقات المتبادلة بين الدول. انوه أن العقبة الكؤود أمام الثوار ستكون التعامل مع حمولة التدخلات الخارجية، ليس فقط بسبب ارتباطات الفصائل السابقة مع الدول المساندة لها، كل فصيل على حدا، ولكن لعامل آخر وهو هذا الصمت الدولي الرهيب، الذي يشبه التواطؤ، أو التفاهم المسبق، حيال سرعة انهيار نظام الأسد. مما يشير، بل يؤكد على أن حكومة الثوار الوليدة ستجد نفسها أمام معادلة دولية متفق عليها، مما يحتم عليها التعامل معها بصورة أو أخرى. دلت التجارب في المنطقة أن هذا النوع من التدخل الدولي أولا يظل هو المتحكم في مسار الاحداث، وثانيا يعيد التفاف مسار الثورة و يرجع بها الى نقطة البداية.

أخيرا لا مشروعية بلا انتخابات. لذا يجب أن لا يغتر النظام المنتصر بقوة السلاح، بل يجب عليه أن يتحول من المشروعية الثورية الى المشروعية الدستورية عبر الانتخابية.

بقلم د. محمد عثمان عوض الله


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى