“وثائق وسط النيران” .. الحرب تهدد بمحو ذاكرة السودانيين
[ad_1]
ترسم كتب ووثائق محترقة داخل واحدة من أعرق المكتبات في العاصمة الخرطوم صورة مظلمة لمستقبل دُور حفظ التأريخ والإرث الثقافي بالسودان في ظل نيران الحرب المحيطة بها، وسط مخاوف من أن يسبب الصراع في محو ذاكرة هذا البلد الغنية بمنتوج معرفي وفكري.
وقضت النيران بالكامل على مكتبة مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية في جامعة أمدرمان الأهلية، وتركت حاملات الكتب خاوية تكسوها أثار اللهب شديدة السواد، لتروي فصلاً من تراجيديا فاجعة معرفية، نظراً لما كانت تحتويه من كتب ووثائق ومخطوطات يدوية نادرة لشخصيات ذات اسهامات وطنية برزت خلال حقب متفرقة من تاريخ هذا البلد.
ويخشى مهتمون في البلاد أن تمتد الحرائق لتلتهم مكتبات رئيسية تحفظ التأريخ السوداني بكل وقائعه، وتحمل بداخلها إنتاج فكري ومعرفي كبير في مختلف المجالات، وسبب تصاعد المخاوف هو وجود أغلب هذه المكتبات والدُور الوثائقية وسط منطقة تشتد فيها المعارك العسكرية.
وتحيط نيران الصراع بـ5 مكتبات كبرى في السودان وهي :
دار الوثائق السودانية التي تقع على بعد حوالي 300 متراً غرب قيادة الجيش شرقي الخرطوم، وهي بمثابة خزانة لكل ما كتب عن هذا البلد من مؤلفات ومطبوعات وصحف ورقية وأي وثائق، وتمثل قِبلة موثوقة للباحثين والكتاب لاستقاء المعلومات التاريخية.
مكتبة القصر الجمهوري، والموجود بداخل مباني القصر الرئاسي القديم في وسط الخرطوم وهي بمثابة خزانة لكافة الوثائق المتعلق بالحكم والإدارة والتأريخ السياسي في السودان منذ الاستعمار وحتى الآن.
المكتبة الوطنية ومقرها في شارع الجمهورية بالقرب من القصر الرئاسي وقيادة الجيش في وسط الخرطوم، وهي خزانة للإنتاج الفكري السوداني لحفظ التراث وجهود وإنتاج المبدعين والمفكرين والأدباء والناشطين والكتاب في مختلف ضروب الحياة وتعكس وجه البلاد الحضاري والثقافي.
مكتبة الإذاعة السودانية والتي توجد داخل مباني الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون في مدينة أمدرمان، وتضم تسجيلات نادرة لشخصيات سياسية وفنية وأدبية ورياضية واجتماعية، ومكتبة للأغنية السودانية على مر الحقب التاريخية.
المتحف القومي والذي يتضمن مكتبات وأثار نادرة ويقع قرب القصر الرئاسي من ناحية الغرب.
حسرة كبيرة
وأعرب مدير جامعة أمدرمان الأهلية البروفسيور المعتصم أحمد الحاج عن تحسره على حرق مكتبة مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية، فهي عصارة مجهود علمي مدته 37 عاماً في جمع الكتب والوثائق النادرة إذ تحتوي على مؤلفات ومخطوطات يدوي لشخصيات وطنية كانت لها اسهامات سياسية وفنية وأدبية.
ويقول الحاج في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية” “قضت النيران على كل شيء، الكتب والوثائق والذكريات كذلك، وليس هناك أرشيف الكتروني لهذه المؤلفات التي يستحيل وجودها في أي مكان آخر، فقد استبيحت الجامعة الأهلية بشكل كامل ولم يتبق منها سوى المباني”.
ويضيف “هذا عمل مدمر من شأنه أن يعصف بالإرث الثقافي والأدبي وتاريخ هذا البلد، ونخشى أن يمتد ليشمل مكتبات أخرى مهمة تقع داخل نطاق المواجهات المسلحة في الخرطوم ومدينة أمدرمان، وقد باتت ذاكرة السودان مهددة بأن يمحوها هذا الصراع المتطاول”.
إجلاء الوثائق
ويشير الكاتب والروائي السوداني منصور الصويم، إلى إمكانية نشوء مبادرات شبابية تتولى مهمة نقل الوثائق المؤلفات النادرة من مقرات المكتبات في المناطق الملتهبة الى جهات آمنة، وذلك على النحو الذي تم مع إخراج الأشخاص الذين كانوا عالقين في تلك الأماكن الملتهبة.
ويقول الصويم في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية” “رغم المخاطر التي قد تواجه مبادرات من هذا النوع الا انها تعتبر السبيل الوحيد لإنقاذ جزء من الوثائق التاريخية النادرة، فلا يمكن مناشدة أي طرف عسكري في هذه المرحلة حيث لا صوت يعلوا على الرصاص”.
ويضيف “لقد سيطر اليأس علينا بعد أن رأينا البلاد تتدمر في كل مناحيها وسالت الدماء في كل مكان، وليس ببعيد ان يلحق هذا الدمار بالمكتبات وما تحويه من إرث تاريخي، وأيضا المتاحف الغنية بالآثار وهي في منتصف مناطق الصراع المسلح، فأخشى ضياع موروثنا الثقافي وسط هذه الفوضى”.
بدوره، يشدد الباحث محي الدين علي خلال حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية” على ضرورة أن يمتنع طرفي الحرب عن جعل المكتبات والمتاحف أهداف عسكرية لتفادي محو ذاكرة الأمة السودانية والذي سيشكل كارثة وجريمة بحق الجيل الحالي والقادم، بحرمانه من مورث كبير وهام.
ويقول “كثيرة هي فواجع هذه الحرب فلا شيء يضاهي الحزن على فقدان الأنفس، ولكن بالقدر ذاته فإن حرق المكتبات وما تحتويه من معارف سبب كافي للحزن والأسى. هذه كنوز لا تعوض ولن تتكرر في المستقبل، في تقديري فان ضياع الوثائق التاريخية يمثل اقسي مآسي هذه الحرب”.
سكاي نيوز
مصدر الخبر