هناك تشابها كبيرا في مسيرة الرجلين، ادولف هتلر وحميدتي!
*” الجنجويد: نازيو أفريقيا الجدد”*
*هل فكرة الاستعلاء العرقي المتمثلة فيمن يعرفوا لدينا اليوم بالجنجويد، هي فكرة حديثة، ام فكرة قديمة متجددة!*
*يثبت لنا القرآن الكريم أن فكرة الاستعلاء والتكبر ليست بجديدة، ووثق القرآن ذلك حين أشار إلى تبرير إبليس رفضه الاستجابة لأمر الله سبحانه بالسجود لسيدنا آدم عليه السلام، بأنه، أي إبليس، أفضل منه خلقا، فكان عاقبته اللعنة والطرد من الجنة!*
*المتابع لقصص القرآن يجد ان كثير من الاقوام السابقين إنما هلكوا لكبرهم على عبادة الله، رغم ان انفسهم كانت قد استيقنتها، ولتكبرهم على خلقه وادعائهم انهم افضل من غيرهم. وقد وردت الكثير من الآيات والأحاديث التي تؤكد ان الله خلق ألناس سواسية، ومنها قوله سبحانه”إن اكرمكم عند الله اتقاكم”، ومن الأحاديث “لا فرق بين عربي ولا اعجمي الا بالتقوى”، او كما قال صل الله عليه وسلم!*
*في العصر الحديث اطلق مسمى الحزب النازي على “حزب العمال القومي الاشتراكي” الألماني، الذي تأسيس عام ١٩١٩م، واستولى على الحكم بقيادة ادولف هتلر خلال الفترة من ١٩٣٣ إلى ١٩٤٣م، وتسبب بشكل مباشر في إندلاع الحرب العالمية الثانية خلال الفترة ١٩٣٩-١٩٤٥م. وفي افريقيا نجد تجربة الحكم العنصري لصالح الرجل الأبيض، التي استمرت لعقود في دولة جنوب أفريقيا، وانتهت عام ١٩٩٤م!*
*تعني كلمة نازي قومي/ عنصري. حيث كان هتلر وحزبه قد أقنعوا الشعب الالماني/ البافاري بانهم اعلى، وارقى، وانقى شعوب العالم عرقا، وان العالم يجب أن يدين لهم، لأنهم هم الأفضل!*
*عرف عن ادولف هتلر انه لم يتم تعليمه، وان حظه منه كان ضعيفا، مما تسبب في طرده من المدرسه في النمسا. فهاجر إلى المانيا، والتحق بالجيش، ثم انخرط في العمل السياسي، وظهرت ملكته في الخطابة، التي اظهرت نجمه، لاحقا، في عالم السياسة في ألمانيا!*
*نجح هتلر في تأسيس مجموعة مؤيده له داخل الحزب، وبدأ نجمه في الصعود داخل مؤسساته حتى اعتلى قمة هرم الحزب عام ١٩٣١م!*
*من خلال خطبه الحماسية، ذات السمة القومية والعنصرية، ومن خلال تمجيده للجنس الآري، استطاع هتلر، في وقت وجيز، اقناع غالبية الشعب الألماني بالالتفاف حوله، وحول افكاره وبرامجه السياسية، مما أهله ليكون الحزب الاول في البلاد!*
*المتتبع لمسيرة الهالك حميدتي وصعود نجمه، ولنشأة وتطور ما كان يعرف قبل الخامس عشر من ابريل ٢٠٢٣م بقوات الدعم السريع، يجد ان هناك تشابها كبير في مسيرة الرجلين، ادولف هتلر وحميدتي!*
*اولا: أدولف هتلر ليس ألماني، بل هو نمساوي الجنسية، هاجر منها إلى ألمانيا، المجاورة للنمسا، خلال العقد الاول من القرن الماضي.*
*كذلك هو الحال مع الهالك حميدتي، فيقال انه ليس سوداني، بل وفد إلى السودان من الجارة تشاد!*
*ثانيا: هتلر لم ينل حظ من التعليم، وكان فاشلا في دراسته وشبابه، وعمل باشغال هامشية كثيرة، وحين ضاق به الحال في بلده النمسا، قرر الهجرة إلى ألمانيا!*
*وهذا ما ينطبق ايضا على الهالك حميدتي، فهو لم ينل حظ من التعليم، وكان فاشلا في صباه، وهاجر إلى السودان، وعمل في أشغال هامشية عديدة، منها تاجر مواشي، حمير!*
*ثالثا: هتلر عمل بالعسكرية لفترة من الزمن، واسس علاقات اهلته لدخول عالم السياسة، وهناك، في عالم السياسية، سطع نجمه لقدرته الفائقة على مخاطبة الجماهير!*
*الهالك حميدتي ايضا، عمل بالعسكرية غير المنظمة، أي بالسرقة والنهب، قبل ان يستفيد منه البشير ويسخره لمواجهة حركات التمرد بدارفور. فأبلى بلاء حسن، مما رفع اسهمه، وسطع اسمه لدى الحكومة آنذاك!*
*رابعا: استفاد هتلر من حالة عدم الاستقرار السياسي، وحالة الهشاشة خلال فترة التحول الديمقراطي التي كانت تعيشها المانيا واوروبا بعد الحرب العالمية الاولى، للتأسيس لنفسه وحزبه وللاستئثار بالسلطة المطلقة في المانيا خلال عقد الثلاثينيات!*
*خلال السنوأت الاخيرة من عمر الانقاذ، وجد البشر نفسه مضطرا لتعزيز مقدرات ما كان يعرف بالدعم السريع، وزيادة اعدداه وعتاده، حتى بلغ عدد قواته حوالي عشرين الف مقاتل، مزودين بالأسلحة الخفيفية والمتوسطة!*
*الهالك حميدتي نجح خلال السنوات الأربع الاولى التي تلت سقوط الانقاذ، اي خلال فترة التحول الديمقراطي، وبالتعاون مع العملاء والخونة في الداخل والخارج، وبدعم من بعض العرب والعجم، في زيادة اعداد قواته عشرات الاضعاف، حيث تجاوزت قواته المائة وخمسين الف مقاتل، كما استفاد من عائدات الذهب التي سيطر عليها من جبل عامر، لشراء أسلحة حديثة ومدرعات، وحاول شراء طائرات لو تدخل العقلاء الأقوياء من القوات المسلحة!*
*وفي غفلة من الزمان، سطع نجم الهالك حميدتي بعد الثورة، وشغل منصب نائب رئيس مجلس السيادة، وهو الذي لا يجيد لا القراءة ولا الكتابة!*
*خامسا: هتلر كان يحرص كثيرا على بناء علاقات مع السياسيين، والعسكريين، ومع رموز المجتمع، والثقافة، والرياضة. كما اعتمد كذلك بشكل كبير على الدعاية لتعزيز مكانته، ونشر قناعاته، وأفكاره، وكسب تأييد العامة والخاصة من الناس، فنجح في ذلك كثيرا، وكان له ما ارد من تأييد رجل الشارع الألماني له!*
*في السودان، نجح الهالك، من اموال الذهب، التي هي في الأصل أموال منهوبة من الشعب السوداني، في توسيع علاقاته، وشراء ذمم وولاء كثير من السياسيين، والعسكريين، ورموز المجتمع والإدارة الأهلية، والثقافة، والفن، والرياضة، بل حتى ولاءات بعض رؤساء دول الجوار ووزرائهم، وولاءات بعض السفراء المعمتدين لدى السودان، ومدراء وكبار موظفي المنظمات الإقليمية والدولية!*
*كما أصبحت كثير من الأقلام والأبواق والقنوات التلفازية والإذاعية تدين له بالولاء، وتحرص على تزيين صورته، واظهاره في صوره رجل الدولة الحادب على مصلحة الشعب ومصالح الدولة العليا، وهو في جوهره خواء لا يستطيع القراءة ولا الكتابة!*
*سادسا: بعد ان شعر هتلر انه تمكن من تسيد الموقف، وان الجميع بقبضته، وأنه كسب ولاءات وذمم السياسيين والمسؤولين بالدولة، بدأ يمارس قناعاته، وغرض دكتاتورية وشمولية على الشعب الألماني لا عهد لهم بها من قبل. فكان مصير كل من يعارض خطط هتلر التوسعية والعنصرية مصيره العزل من منصبه، والسجن، الاختفاء القسري، او حتى الموت!*
*شرع هتلر في التوسع، وضم إليه المتحمسون إلى مشروعه العنصري التوسعي من الجنس الألماني من دول اخرى مثل النمسا وسويسرا وهولندا وبولندا، حتى أشعل نار الحرب العالمية الثانية، التي خسرتها ألمانيا ودول المحور. وتم تدمير العاصمة والمدن الألمانية، واحتلال المانيا من قبل دول التحالف المنتصرة في الحرب. بذا هلك هتلر، وهلك مشروعه التوسعي القائم على القومية والعنصرية، وعلو الجنس الآري!*
*ومنذ ذلك الحين، اصبح مصطلح “النازيون الجدد” يطلق على اي قوى سياسية، او مجموعة من البشر تقوم على اساس عرقي او قومي عنصري. وهناك الكثير من مجموعات “النازيون الجدد” الموجودة في العديد من الدول، خاصة الغربية، بما فيها المانيا، ولكنها تصنف عادة كمجموعات إجرامية او حتى إرهابية محظورة بالقانون!*
*تماما، كما فعل هتلر في ألمانيا، فعل الهالك في السودان. فاراد أن يبني إرث ومجد له، ولإسرته، وقبيلته، من عرب افريقيا، يقوم على اساس قومي/ عنصري. فدعا عرب افريقيا إلى المجيء والاستقرار في السودان. وقام بضمهم إلى قواته المقاتلة، بعد ان منحهم الجنسية السودانية من غير ما استحقاق. واستخدمهم في قتل وسحت القبائل السودانية وهتك عرض نسائهم، ونهب ممتلكاتهم، وتهجيرهم قسرا من مناطقهم، وإلى خارج السودان. وقام بإحلال القبائل العربية الوافدة من خارج السودان مكانهم، بحجة انهم انقى عرقا وجنسا من غيرهم من غير العرب.*
*لقد مارس الهالك نفس المنهج الذي كان يستخدمه من قبله الهالك هتلر ضد مكونات المجتمع من غير الآرئيين في ألمانيا والدول والمجتمعات الأخرى التي غزاها!*
*تآمر الهالك قائد ما كان يعرف بقوات الدعم السريع على الشعب، وعلى القوات المسلحة التي كانت تدعمه، كما تآمر على الوطن الذي تربى في حضنه، ومنحه جنسيته، وعامله كأحد مواطنيه، بل منحه أعلى المناصب السيادية في الدولة.*
*تآمر الهالك مع قحت والعملاء، والخونة، ورهن نفسه والوطن للخارج، واستجلب المرتزقة من بني جنسه وغيرهم من المتحمسين لفكرته وطموحه من دول الجوار والإقليم، واعلن الحرب على الوطن، والمواطن، قبل ان يعلنها على القوات المسلحة الباسلة!*
*فكان مصيره، تماما، كما كان مصير الهالك هتلر من قبله. وفجأة وجد العالك حميدتي نفسه وحيدا، بعد ان تخلت عنه القوى السياسية، وغادر عملاء وخونة قحت، الذين دفعوا إلى مصيره المحتوم، البلاد عبر سفارات البلدان التي يعملون لصالحها.*
*وجد الهالك حميدتي نفسه وحيدا، مبوذا، ومطاردا، بعد ان اظهر له الجيش ماكان مخفيا عنه، من قوة، وبسالة، وثبات، ورجولة، واستعداد للتضحية والفناء ليبقى الوطن.*
*فتبددت كل احلامه وآماله في حكم البلاد، وبناء جيش عرمرم لا يهزم. فهلك حميدتي، تماما، كما هالك هتلر، وحيدا، عاجزا، هاربا، يتخبى!*
*هلك حميدتي، ومن قبله هتلر والأمم السابقة لكبرهم وتكبرهم، ولادعائهم ما ليس لهم وفيهم. فكما كانت عاقبة إبليس اللعنة والطرد من الجنة، كانت عاقبة المتكبرين على عباده الله وخلقه، من الأفراد والجمعات الهلاك والخسف والعقاب الأليم، إلا من تاب وأصلح وبين، فإن الله غفور رحيم!*
*هل ينتهي مشروع “نازيو افريقيا الجدد” بموت الهالك حميدتي، ام أن الهالك حميدتي كان مجرد محاولة أولى، فقط، وان هناك من سيحمل الرأية من بعده، ويكمل مشوار “نازيو افريقيا الجدد”!*
*(يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).*
*٢٠٢٣/٠٦/٢٢م*
*د. محمد حسين الشامي*
*خبير إستراتيجي وأمني*
*الولايات المتحدة الأمريكية*
مصدر الخبر