السياسة السودانية

هل خسائر الجيش السوداني حقاً مُقلقة؟

كثير من الناس يرَون مقاطع مصوّرة تعرض بعض جثث شهداء القوات المسلحة، أو منشوراتِ نعي على وسائل التواصل أو بعضاً من مشاهد دمار الآليات العسكرية التابعة للجيش ويُفزعون من هذه المشاهد ويتملّكهم الخوف ويفترضون أن هذه النهاية ولكن هذا غير صحيح.

تضخيم المشاعر المُرتبطة بالخسائر ناتج عن إفتراضٍ خاطئ مفاده “بما أن الجيش أقوى من الميليشيا يجب أن لا يتكبد خسائر أبداً” وهو أمر خاطئ، فجنود الجيش ليسوا معصومين من الموت، ومهما كان فرق القوة بين المتحاربين متباعداً، فإن الطرفين سيتكبدون خسائر في قواتهم وعتادهم، ولكن يعود الأمر في النهاية لمن لهو القدر الأكبر من الإمداد، الأسلحة النوعية والثقيلة، والعتاد والأعداد.

بالنسبة لسلاح الجو السوداني فإن الجيش قد خسر ٥ طائرات مقاتلة منذ بداية الحرب: مروحيتان قتاليتان طراز أبابيل، طائرتان نفاثتان طراز FTC-2000 الصينية، وطائرة نفاثة طراز سوخوي Su-24. يمكنني من خلال المقاطع المصورة من قِبل المواطنين وشهاداتهم تأكيد أن طائرتين على الأقل(ال FTC-2000 في بحري وال Su-24 في النيل الأبيض) قد سقطتا نتيجة عُطل فني، ولكن حتى وإن سلمنا جِزافاً بأن الميليشيا قامت بإسقاط الطائرات الخمس، فهو أيضاً أمر غير مُقلق أبداً، فإنهم بهذا المُعدل سيحتاجون لأكثر من 21 عاماً لإسقاط باقي الأسطول الجوي المُكون من أكثر من 325 طائرة مقاتلة، هذا بعيداً عن باقي المسيرات أو الطائرات بدون طيّار مثل المُسيرة CH-5 ومهاجر-6 وغيرهم من المُسيرات التي لم نشهد سقوط أيّ منها رغم أنها ظلّت تعمل بكثافة منذ بداية الحرب.

ما دامت قاعدة وادي سيدنا وباقي القواعد الجوية تعمل بكفاءة، وما دام الدعم السريع يفتقر لأنظمة دفاع جوي مُتكاملة قادرة على إعتراض القذائف والصواريخ وإرسال صواريخ متتبعة بالحرارة والرادار بكثافة عالية في إتجاه الطائرات التابعة للجيش – ستظل السيطرة الجوية air dominance في كل ربوع السودان للقوات المسلحة السودانية.

بالنسبة للآليات الثقيلة والمدرعات، فإن أكبر خسارة تعرض لها الجيش كانت في قيادة اللواء الأول مشاة آلي المعروفة بالباقير، حيث تم تسليم القيادة من قِبل قائدها للميليشيا بدون مقاومة، وقام الجيش بتدمير معظم غنائم الميليشيا منها كان آخرها مدفع من طراز هاوزر تم تدميره من قِبل الجيش في محيط منطقة الرياض. إذا إفترضنا وجود 30-40 دبابة(وهو رقم مُضخّم من طرفي) في الباقير، ومن خلال مشاهداتي على الأرض في خلال ٤٥ يوماً في الخرطوم ومن خلال الفيديوهات التي يبُثها الدعم السريع يمكن تقدير أن الجيش لم يخسر أكثر من 10-15 دبابة في المعارك أي أن الجيش قد خسر أقل من 7% من إجمالي دباباته، وبهذا المُعدّل ستحتاج الميليشيا لأكثر من 16 عاماً لتمدير باقي أسطول دبابات الجيش المكوّن من أكثر من 800 دبابة.

بالنسبة للمُدرعات والتي تختلف عن الدبابات في أنها تستخدم الإطارات بدلاً من “الجنزير” كمان تستخدم مدفعاً رشاشاً بدلاً عن المدفع – فلنفترض أن الجيش خسر 40 مدرعة في الباقير (وهو رقم مضخّم أيضاً)، وقد خسر 25 في الاحتياطي المركزي-الخرطوم، وبافتراض أنه خسر حوالي 20 مدرعة في المعارك فإن الجيش قد خسر حوالي 19% من إجمالي مدرعاته، وبرغم حجم هذه الخسارة إلا أن الميليشيا بنفس هذا المُعدّل ستحتاج إلى عامين آخرين لتدمير ما تبقى من رتل المدرعات التابعة للجيش والذي يُقدّر بحوالي 450 مدرعة.

يَجدُر الإشارة إلى أن الجيش قام بتعويض جزء من خسائره في الآليات المُدرعة بإستيلائه على عدد من المدرعات من مُعسكرات الدعم السريع في الفترة ما بين 15-18 أبريل، والتي بالفعل بدأت تدخُل الخدمة في صفوف الجيش مثل مدرعة نمر إماراتية الصنع التي ظهرت تُقاتل مع الجيش في إحدى المعارك.

بالنسبة للقوات البريّة والمشاة، فإن عملية تحديد رقمٍ دقيق صعبة لمجموع الخسائر في الحرب كلها لكلا الطرفين، ولكن يمكننا الاستدلال بفارق الخسائر بين الطرفين بأرقام لبعض المعارك وبعض التقديرات من مراقبين وخبراء. فإذا أخذنا معركةً مثل معركة الاحتياطي المركزي-الخرطوم -وهي معركة خسر فيها الجيش السوداني- فسنجد أن القوات المسلحة خسرت حوالي ١٧ فرداً، فيما تتحدث الأخبار عن خسارة الميليشيا لأكثر من 200 فرد وهو رقم يمكن تصديقه لأن الميليشيا خسرت في هذه المعركة أحد أفرادها الذين اختصوا في تصوير الفيديوهات وإلقاء الشِعر، مما يدل على أنهم خسروا خسارة وصلت إلى الأفراد الذين لا يتم الزج بهم في الخطوط الأمامية. ويمكننا عكس نسبة قريبة من هذا التباين في الخسائر في كل المعارك التي يخوضها الجيش في وضعية الدفاع، وهي تمثّل معظم المعارك منذ بداية الحرب.

ولا يمكننا أن ننسى الحجم الأكبر من الخسائر التي تتلقاها قوات الدعم السريع يومياً بسبب طلعات الطيران والمسيرات والمدفعية الثقيلة، خصوصاً الخسائر الفادحة التي تعرضوا لها في معسكراتهم في الأيام الأولى والتي تبلغ المئات من الأفراد والعشرات من الآليات.

حسب الاحصائيات يملك الجيش السوداني 300,000 مقاتل منخرط في العمل العسكري على مستوى البلاد، كما يملك 200,000 احتياط أي حوالي 500,000 مقاتل مُدربون وجاهزون للقتال، وحتى اللحظة لم يتكبد خسائر بشرية لدرجة ترقى لأن تكون مؤثرة، بدلالة أن الجيش ما زال يُباشر عمله في جميع أنحاء البلاد بدون الحوجة لاستخدام كل المستنفرين الجدد في الولايات، فيما انحصر وجود الدعم السريع على الخرطوم ودارفور وخسروا قواتهم المتبقية المُنتشرة في باقي ربوع البلاد.

في تسجيل منسوب لأحد أفراد الدعم السريع في بدايات شهر يونيو، تحدث في التسجيل عن خسائر تتجاوز ال 27,000 مقاتل في صفوف الدعم السريع، فيما ترجّح تقارير اخرى -لا يُمكن التأكيد على مصداقيتها- أن الدعم السريع فقد حوالي 46,000 مقاتل وهو رقم في اعتقادي بعيد عن الواقع، الدعم سريع ربما فقد أقل من 30,000 مقاتل ما بين قتيل، جريح وهارب.
يجدر الإشارة بأن الدعم السريع رغم إمتلاكه حوالي 120,000 مقاتل فقط مُنخرط في العمل العسكري قبل الحرب،

إلا أن الدعم السريع قام باستنفار أعداد كبيرة من قاعدته الإجتماعية ومن دول الجوار، بعض هؤلاء القادمين مدربون عسكرياً مثل أفراد المعارضة التشادية F.A.C.T و البعض الآخر من القادمين يبتغون النهب والسلب ولا يملكون خبرة قتالية أو تدريب حقيقي.

يُدرك القادة العسكريون بأن كل المعارك بِها خسائر، ولكن تُعد هذه الخسائر فادحة أو مُقلقلة حينما تتجاوز حد التوقعات العسكرية، وبحسب آراء مجموعة من الضباط والقادة العسكريين وبحسب تصريحات الناطق الرسمي للقوات المسلحة فإن خسائر الجيش ما زالت تحت التوقعات التي وضعتها غرفة القيادة والسيطرة، وتُعد منطقية في إطار الحرب الدامية التي تجري في السودان.

يظهر إنهاك قوة الدعم السريع في مشاهدات على أرض الواقع أيضاً، فقد تحول الوضع الميداني من قدرة الدعم السريع على الهجوم المتواصل وإسقاط معسكر يتبع للجيش كل أسبوعين، إلى هجمات مُتقطعة وانتقلوا لحالة الدفاع، كما أن مضاد الطيارات الثنائي ZU-23 الذي كان يظهر لديهم بكثافة في كل لحظة قد قلّ ظهوره حتى في مقاطعهم المصورة، فبينما كان متوفراً بكثرة محمولاً على ظهر “التاتشرات”، صار آخر ظهور له في كمين بحري قبل أسابيع. كما أن تحركاتهم وانخراطهم في المعارك صار المُستخدم فيه اكثراً هو سيارات و”مواتر” المواطنين المنهوبة.

كلما دار حوار بيني وبين شخص يَقلق من خسائر الجيش أو يُحدثني عن أن الجيش هو من يتلقى الخسائر فإنني لا أملك إلا أن أقول له قول سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾
[ النساء: 104]

رحم الله شهدائنا من الجنود والمواطنين ونصر الله قوات شعبنا المسلحة.
ملاحظة ١: بعض من المصادر التي إستندتُ عليها موجودة في التعليقات.
ملاحظة ٢: بذلتُ كل جُهدي في الوصول إلى هذه الأرقام ولكن بسبب صعوبة الوصول إلى المعلومة، ما زالت هذه الأرقام غير دقيقة
So take it with a grain of salt

أحمد الخليفة
احمد الخليفة


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى