هل تفلح مبادرات القوى السياسية السودانية بإيقاف الحرب؟
[ad_1]
ما تزال أصوات الرصاص في الخرطوم هي الأعلى لليوم الخامس على التوالي، بانهيار الهدنة الموقتة المتفق عليها بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أمس الثلاثاء 18 أبريل (نيسان)، مدة 24 ساعة، لكنها لم تصمد ساعة واحدة على أرض الواقع لتنهار حتى قبل أن تبدأ، وسط اتهامات متبادلة ببدء الخرق من الطرفين.
جهود ومساع
ومع التبدد السريع للآمال في التزام الأطراف بهدنة اليوم الواحد التي تعرضت للاختراق في أولى ساعاتها واستمرار سقوط الضحايا، برزت جهود ومبادرات عدة من القوى السياسية السودانية التي نشطت في اتصالاتها ومناشداتها الجانبين وقف المواجهات والتهدئة، فما فرص نجاح هذه المبادرات والجهود في ترسيخ وتطوير وقف موقت لإطلاق النار قد يحدث بعض الانفراج الإنساني ويفسح المجال أمام تطويره لوقف دائم للمعارك والذهاب إلى طاولة الحوار؟
وقتل ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في منطقة الخرطوم بحري على إثر سقوط قذيفة على منزلهم، إضافة إلى قصف أصاب عدداً من المستشفيات، وسط الخرطوم، بعد تجدد القتال والقصف الثقيل في محيط القيادة العامة والمطار، وتواصلت الاشتباكات الدامية في مناطق متفرقة في محيط القيادة العامة للقوات المسلحة وشرق النيل ومناطق صالحة والمهندسين وكرري بأم درمان استخدمت فيها الرشاشات الثقيلة.
ودعا 12 من قادة القوى السياسية السودانية قادة القوات المسلحة والدعم السريع إلى تحكيم صوت العقل وتغليب الحكمة ووقف الحرب فوراً واللجوء لحل القضايا بالحوار بعيداً عن فوهات البنادق.
تحذير ومناشدات
وثمن القادة السياسيون، في بيان، عقب اجتماع افتراضي برعاية الآلية الثلاثية، مبادرات الآلية والولايات المتحدة للتوصل لهدنة لأغراض إنسانية لمدة 24 ساعة كان يفترض أن تبدأ مساء الثلاثاء 18 أبريل، ونوّه البيان بالمواقف الإيجابية لقيادة القوات المسلحة والدعم السريع، ودعا لاستكمال الاتفاق حولها والوفاء بالتزاماتها استجابة للحاجات الإنسانية الملحة، آملين أن تتطور هذه المبادرات إلى وقف شامل لإطلاق النار في القريب العاجل.
كما دعا البيان جميع المكونات السياسية والمدنية والاجتماعية وكل أطياف الشعب السوداني إلى نبذ الخطابات التي تؤجج الحرب أو تثير النعرات العنصرية والجهوية، والنأي عن خطابات الكراهية، والعمل المشترك من أجل الوقف الفوري للحرب وتغليب آليات الحوار في حل المشاكل المعقدة بالبلاد، وناشد القادة السياسيون من أحزاب (الأمة القومي، المؤتمر السوداني، تجمع المهنيين، التجمع الاتحادي، الحركة الشعبية شمال، الجبهة الثورية، حركة تجمع القوى الديمقراطية، الاتحادي الديمقراطي، إلى جانب كل من خالد عمر يوسف المتحدث باسم قوى الاتفاق الإطاري، ومريم الصادق المهدي، والواثق البرير الأمين العام لحزب الأمة القومي)، الأسرة الإقليمية والدولية دعم جهود المكونات السودانية لوقف الحرب وعدم الانخراط في أي أعمال من شأنها أن تدول الصراع أو تؤجج حدته.
صوت الحركات
وعلى صعيد حركات السلام المسلحة، أكدت الجبهة الثورية بقيادة الهادي إدريس عضو مجلس السيادة الانتقالي أنها ظلت تلعب دوراً وطنياً في التواصل المباشر مع قيادة القوات المسلحة وقيادة الدعم السريع والأطراف الدولية لمضاعفة الجهود لحث طرفي النزاع للوقف الفوري للقتال والعودة لطاولة الحوار، وأعلن أسامة سعيد الناطق الرسمي باسم الجبهة ترحيبها بقبول طرفي النزاع الهدنة الإنسانية لمدة يوم واحد ودعوتها الأطراف للالتزام بها وتطويرها لوقف دائم للقتال.
كما دعا جبريل إبراهيم وزير المالية رئيس حركة العدل والمساواة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع احترام الهدنة لتمكين الشعب من دفن الجثث وإخلاء الجرحى وفتح ممرات آمنة لخروج المدنيين المحاصرين في مناطق الاقتتال إلى جانب تمكين السلطات من إعادة خدمات المياه والكهرباء إلى المناطق التي فقدت هذه الخدمات.
كذلك طالب أركو مني مناوي رئيس حركة تحرير السودان حاكم إقليم دارفور بوقف استهداف المواطنين والمنظمات، وجدد الدعوة الصادقة للأطراف المتصارعة لضبط النفس واللجوء إلى الحلول السلمية مرحباً بإعلان الهدنة المعلنة من الجانبين، وأضاف مناوي في تغريدة على “تويتر” “هذه هي الحرب ونتائجها الكارثية حيث يطال الضرر الأبرياء والمدنيين العزل في أرواحهم وممتلكاتهم، نأسف لما وصلت إليها الأوضاع من اضطراب أمني وعمليات نهب وسرقات استغلالاً لظروف البلاد من بعض الجهات في إقليم دارفور”.
رغبة الحسم أقوى
في السياق، لفت أبو القاسم عبد الرحيم أستاذ العلوم السياسية إلى أن رغبة قيادة الجيش المؤكدة في سحق ما وصفته بتمرد قوات الدعم السريع أكبر من رغبتها في أي تفاوض معها ما يبدد أي جهود ومبادرات لوقف النار في الوقت الحالي، وقال “كل يوم يضاف إلى الحرب يقابله تدهور مضاعف بالأوضاع الإنسانية التي تنحدر نحو وضع مأساوي” معتبراً أن عدم صمود المهلة الإنسانية مؤشر خطير على نوايا الطرفين في التمادي في القتال وسحق كل منهما الآخر، وأشار عبد الرحيم إلى أنه على رغم أن منطق الجيش يبدو معقولاً من الناحية النظرية فهو يشكل منطلقاً يعززه التقدم الذي يحرزه على أرض الميدان، لكن تأخر عملية الحسم قد تكون له محاذيره وتداعياته على الوضع الإنساني ما يضاعف من الخسائر المتزايدة مع كل يوم يضاف إلى مسيرة الاقتتال.
خيارات محدودة
من جانبه، قال الباحث في العلوم السياسية عبد الغفار حمزة إن خيارات القوى السياسية باتت محدودة وضيقة إزاء المواجهة العسكرية بين الجيش والدعم السريع بخاصة في ما يتعلق بإبداء أي تحيز أو تأييد لطرف الدعم السريع في مواجهة القوات المسلحة بوصفها المؤسسة القومية الوطنية الراسخة التي ظلت ضامنة للوحدة الوطنية طوال تاريخها، ولفت حمزة إلى أن القوى السياسية في وضع لا تحسد عليه، وقد لا تجد أمامها مناصاً من دعم القوات المسلحة بغض النظر عن رؤيتها وتخمينها لمنطلقات قادتها الحاليين أو موقفهم السياسي من الحرب الحالية، ما يضع المنظومة السياسية كلها أمام محك واختبار حساس في ما يختص بقراءاتها لمسئوليتها الوطنية، وأشار الباحث السياسي إلى أن مجموعة القوى السياسية الموقعة على الاتفاق الإطاري سيكون وضعها أكثر تعقيداً وحساسية بالنظر إلى علاقتها السياسية مع الفريق محمد حمدان دقلو لا سيما بعد إعلان الجيش التزامه بتعهداته تجاه مسار العملية السياسية في خضم معاركه الحالية، بغض النظر عن اعتقاداتها في نوايا وما وراء أهداف قيادة الجيش الحالية من الحرب، ولفت حمزة إلى أن على قادة الجيش الانتباه إلى أن تأخر حسم معركتهم تسابقه الجهود والمساعي الدولية بشكل كبير بخاصة بعد التحركات المكثفة الإقليمية والدولية.
تبادل الاتهامات
وسط هذه الأجواء، اتهمت القوات المسلحة، في بيان، “ميليشيا التمرد بعدم الالتزام بالهدنة”، معلنة انطلاق المرحلة الثانية، فجر الثلاثاء، لعملية تأمين المناطق المحيطة بالقيادة العامة وصولاً إلى وسط الخرطوم بالتزامن مع بقية المناطق تدريجياً، وكشف الجيش في بيانه عن “وجود معلومات دقيقة بتورط أطراف إقليمية ومحلية سيتم الكشف عنها في الوقت المناسب”، معلناً هروب قوات الدعم السريع من مطار مروي ومحاولتها سلب ونهب المدينة “ما استدعى التعامل الحاسم بالقوات الجوية وتكبدها خسائر فادحة”.
مستشفيات السودان تحت القصف: أوضاع كارثية وأزمات معقدة
في المقابل، نفت قوات الدعم السريع ما وصفته بادعاءات كاذبة بشأن مشاركة جهات إقليمية أو دولية في الصراع مجددة التزامها الصارم بالهدنة الإنسانية.
وكان كل من الجيش والدعم السريع وافقا على مقترح لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لوقف إطلاق النار مدة 24 ساعة لفتح الممرات الإنسانية الآمنة والسماح للمحتجزين في مواقع الاشتباكات الوصول لمناطق آمنة.
مبادرات مؤجلة
في هذا الوقت، كشف فولكر بيرتس رئيس البعثة الأممية المتكاملة بالسودان عن عدد من المبادرات للوساطة من مجموعة “إيقاد” والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، غير أن أجواء السودان مغلقة ولا يستطيع أي وسيط الدخول إلى البلاد، وأوضح بيرتس أن الاتحاد الأفريقي يجري اتصالات مع جميع الأطراف بهدف التوصل إلى وقف إطلاق النار أولاً، وبعده يمكن الحديث عن الوساطة.
في أحدث تقاريرها كشفت القوات المسلحة عن توفر معلومات دقيقة لديها بفصول عملية التآمر ومؤشرات قوية بتورط أطراف إقليمية ومحلية سيتم الإفصاح عنها في الوقت المناسب.
جمال عبد القادرالبدوي
إندبندنت عربية
مصدر الخبر