السياسة السودانية

من سيملأ الفراغ السياسي في سوريا؟

الدولة في سوريا ستستمر فقوة المجتمع والحضارة والمدنية العميقة ووجود كادر بيروقراطي متعلم، كل ذلك سيمنح الدولة قابلية للاستمرار في ظل النظام الجديد، لكن من سيملأ الفراغ السياسي ويحدد وجهة النظام؟

سوريا ستتحول بكليتها نحو اعتماد صيغ غربية في الحل، وسيطل القرار ٢٢٥٤ من الأمم المتحدة بصيغة جديدة محسنة النظام البعثي خارجها تماما، دعوات التسامح اليوم لن تصمد طويلا مع الزمن لأنها تطرح كيوتوبيا معلقة بالسماء.

لا يمكن نفي وكالة الذين أسقطوا نظام بشار عن أنفسهم وعن قضيتهم، ولكن في أي سياق عام تبرز القضية وتحت أي مظلة تتحرك؟ الغرب موجود والكيان المحتل موجود وتركيا كذلك، ولا يمكن نفي حقيقة أن النظام القديم دافع عن بقائه من خلال الدعم الخارجي أيضا، ومع تغير ظروف إيران وروسيا وفي توقيت مضطرب يسقط النظام.

الغرب ووكلاؤه هم من سيملؤون الفراغ، سيشكلون نظام جديد لسوريا منقسمة على نفسها بقيادة نخبة سورية جديدة عاشت زمنا طويلا في الخارج، سيعملون من أجل تحويل سوريا لنموذج جديد، يشجع بعض السوريين على العودة فتحل مشاكل كثيرة لدى تركيا والغرب، لكن هل هي حقيقية واستراتيجية ومستمرة؟ من سيكسب؟ ومن سيخسر؟

الرابح الفعلي هو الغرب والكيان المحتل، لن يتجرأ أحد ويقول أن الشعب السوري هو الخاسر اليوم فستقدم صفقة من قبيل: استقرار هش برعاية القوى المهيمنة مع العمل المستمر لتغيير سياسات النظام الاقتصادية والاجتماعية مقابل الخضوع للقوى المهيمنة. هذه الصفقة لا يوجد في المدى القريب ما يمنع استمرارها ولكن طبيعة القوى المهيمنة غير منسجمة، ووكالة بعض الثوار عن أنفسهم وعن قضيتهم قد تطل مستقبلا وتدفعهم للمقاومة، وسيقمع من يرغب في مشروع خارج ما تسمح به الدول المهيمنة. أما حين تتعارض المصالح الخارجية هنا وهناك ستكون حلبة الصراع المباشر هي الداخل السوري نفسه، وبالوكالة وقتها وبالتالي لا استقرار.

ما أخشاه ويخشاه كثير من المتحفظين هو فرص وجود المشروع الوطني السوري المستقل ولو خارج خيال البعثيين ونظامهم القديم، التحفظ بروح متشائمة لا يعني غياب الأمل فالتاريخ يتحرك وتموت الأنظمة ووتخثر لكن القضايا الحقيقية لن تموت، وسيعرف التاريخ كيف يعيد بعثها من جديد، كما يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي فتلك سنن الله في الكون.

نحن السودانيون لن نستطيع منح السوريين الحكمة، وبشكل أكثر تواضعا وصدقا يجب أن نتعلم من تجربتهم، وخلاصتها هو أن الحفاظ على الدولة القائمة أمر مهم، وأن تقليل التدخل الخارجي على بلادنا أمر استراتيجي ومن كافة الأطراف، أن نجعل مدافعتنا دوما أخلاقية وذكية، وأن نحارب النخبة المستقوية بالخارج من عملاء الغرب ونواجه الظروف التي تصنعهم. وأن ننتبه لألاعيب الخارج ووسائل إعلامه، تأمل كيف نظر للثوار هناك في وقت من الأوقات كإرهابيين متشددين، ثم نظر لهم في سياق آخر كمعارضة وطنية. كذلك اليوم عندنا في السودان يتحدثون عن إسلاميين بتضخيم يطرحهم كمشكلة، والهدف عداء الدولة وجيشها الوطني وإعادة صياغتها بطريقتهم. الدرس هو أن نحافظ على ما نملك وأن نمد الجسور ونقلل حدة الصراع ولا نستثني أحدا إلا الخونة.

هشام الشواني


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى