من ذاكرة الحرب في السودان .. موقعة أم رقاريق
في صيف 1891 والبلاد قد خرجت لتوها من مجاعة سنة ستة ، هجم جنجويد التعايشي على منطقة البطانة ونهبوا وسلبوا وسبوا وقتلوا معظم من قابلهم من أهل قرى العاديك على الضفة الشرقية للنيل الأزرق .
وصل الجنجويد لقرية أم رقاريق (ود عركي) 48 كلم شرق تمبول ، وكان سكان أم رقاريق من ذرية الفارس عركي ود الصالح ود الضو ود حمدنا الله وأولاد محمد ود الضو ود حمدنا الله(خال أب سن) ، والمشهور عن هؤلاء أنهم طوال ضخام عمالقة أشداء ولذا سموا ب (الطُوال الزُرْق) ، عندما سمع أهل أم رقاريق بتقدم الجنجويد أعدوا العدة فأحكموا الدفاعات وقاموا بإخفاء المؤن في المطامير والسعية في العلاو ، فأستعدوا للقتال وتسلحوا بالحراب والسيوف وحراحيف الشجر ، ويوم اللقاء كان النساء والأطفال خلف آبائهم واخوانهم فتجلى الطوال الزرق فأستشهد منهم من أستشهد وجرح من جرح لكنهم صدوا العدو وحموا ديارهم ، يحكى عن تلك المعركة أن الرجال يومها عندما وجدوا أن بعض خيالة الجهادية كانوا يحملون البنادق كان أحدهم يتقدم ليأخذ الرصاصة في صدره ليتمكن أخيه من الوصول لصاحبها قبل أن يلقمها بأخرى فيرديه قتيلا، وآخرين كان يقذفون قوائم الحصان بالحرحاف ليسقط هو وصاحبه ، ومنهم من كان يصارع الخيل ويرميها بمن فيها .
أنتصر أهل أم رقاريق نصرا عظيما وهزموا عدوهم شر هزيمة ، فخلدوا أسمائهم في سجلات التاريخ، من عاش منهم عاش كريما ومن مات مات شهيدا فورث أحفادهم خير ذكرى وخير شرف ، وقيل فيهم من الشعر الكثير .
بعد هذه الواقعة بسنوات تم إعتقال الشيخ محمد ود حسب ربو (الرهينة) وإقتيد رهينة لأم درمان ، فنفذ فيهم إبنه (عوض الكريم) كمينا في جبل (الأبايتور) وأعمل فيهم سيف والده المسمى ب (ود أب كاقوم) وأفناهم جميعا ، ثم من بعد حدثت واقعة الهورما وجاءت إنتقاما لكمين الأبايتور .
ظل ود حسب ربو في سجن الجنجويد حتى سقوط دولتهم ، وغير بعيد عن ذلك أولاد رتيم السبعة الماتوا فوق (القِربة) ، ومقتلة الأقوياب الشماشة وتعذيب الشيخ ود مادا وسلخ جلده حتى الموت ، وسجن محمود ود زايد ومشايخ السناب ومقتلة البطاحين وغير ذلك كثير من المخازي .
للحروب ذكريات ممتدة يحفظ فيها إسم الشريف البطل والخائن الندل، والتاريخ لا ينسى أسماء القتلة ولا الخونة ، الإنتهازيين والمرتزقة ، فذاكرة الحرب ذاكرة حية لا تنسى أحداً وليس لها مناطق حياد فالأعداء والخونة فيها واضحون وكذلك الأصدقاء والشرفاء ، لذلك تُشكلّ الحربُ وعي الشعوب وعلاقاتها ، وتبقى قصص الحرب حية تتناقلها الأجيال .
لا مكان للجنجويد بيننا .. لا أمس ولا اليوم ..
يوسف عمارة أبوسن
8 يوليو 2023
مصدر الخبر