منى أبو زيد تكتب : بين السماء والأرض
الشجاعة هي اتقان الخوف وليس غياب الخوف”.. مارك توين..!
الحسناء التي نامت على مقعد الطائرة بجوار الأديب الفذ غابرييل غارسيا ماركيز هل كانت تظن أنّ تلك “التعسيلة” التي طالت واستطالت سوف تجعل منها أشهر حسناء نائمة في عالم الأدب العالمي بعد جميلات “كابواباتا” النائمات؟. قطعاً لا، وإلا لما أهدرت ساعات ثمينة من الجلوس بجوار ماركيز العظيم في النوم الملحوق..!
ولما اكتفت بأن تكون ملهمة غافلة لمقاله الرائع “طائرة الحسناء النائمة” الذي حدثنا فيه – وهو الذي يخاف ركوب الطائرات – عن تأمُّلاته في حركات وسكنات جارته الجميلة النائمة منذ لحظة الإقلاع وحتى هبوط الطائرة، وهو يصف لنا تأمُّلاته المُفعّمة بالشغف في نومتها تلك طوال ثماني ساعات كاملة كانت عُمر تلك الرحلة الجوية..!
ولم ينس بالطبع أن يذكر رواية “بيت الجميلات النائمات” للياباني ياسوناري كاواباتا، التي كان مسرح أحداثها بيت غريب في ضواحي طوكيو يأتي إليه الرجال البرجوازيون الطاعنون في السن، فيدفعون المبالغ الباهظة فقط لكي يشبعوا عيونهم بالتأمُّل في أجمل فتيات المدينة وهُنَّ نائمات..!
قبل أن يذيّل حكايته مع الحسناء النائمة بقوله “عندما قدموا إليّ بطاقة الهجرة في الطائرة كتبت الاسم كاتب ياباني، السن92 سنة”. ومن الأدباء الخوافين أيضاً نجيب محفوظ الذي لم يسافر إلى السويد لاستلام جائزة نوبل للآداب بعد حصوله عليها – فقط – بسبب الخوف من ركوب الطائرات، مكتفياً بإرسال ابنتيه باستلامها إنابةً عنه. وكله اجتناباً لرهبة طريق جوي طويل حتى وإن كان يؤدي إلى نوبل..!
الخوف من ركوب الطائرات حالةٌ نفسيةٌ لا علاقة لها بدرجة التحضُّر أو التخلُّف وإلا لما تفشى بين الأمريكيين سادة العالم الجدد، بل أثبتت دراسة حديثة أُجريت في أمريكا أنّ عشرة بالمائة من الأمريكيين لا يركبون الطائرات مهما كانت الظروف، ويُفضِّلون عليها السفر بالبر أو البحر.. كما أنّ الأمريكيين لا يركبون الطائرات إلا للضرورات القصوى، ويتناولون أدوية مُهدئة للتغلُّب على القلق أثناء الرحلة..!
الكثير من المَشاهير عُرف عنهم خوفهم الشديد من ركوب الطائرات، منهم عارضة الأزياء العالمية كلوديا شيفر التي أُصيبت بهذه الفوبيا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والموسيقار المصري محمد عبد الوهاب الذي أخبرته ست الودع يوماً أنّه سوف يموت بسقوط طائرة، فأصبح يخاف ركوب الطائرات، إلى أن اضطرته الظروف إلى ركوبها في حادثة طريفة “طلب منه الرئيس جمال عبد الناصر أن يسافر إلى سوريا مع وفد يضم مختلف الفنانين فتعلّل عبد الوهاب بالمرض فاعتذر عن الذهاب، وتبرّع بعض الواشين بإخبار الرئيس عن عُقدة خوفه من ركوب الطائرات. فأمر الرئيس بحمله ووضعه على متن الطائرة بالقوة”..!
ومن المصابين بفوبيا ركوب الطائرات عميد الأدب العربي طه حسين الذي لم يركب طائرة قط طوال حياته. فكان يسافر إلى أوروبا على متن السفن، وعندما دُعي إلى مؤتمر العلماء العَرب في بيروت اعتذر عن السفر إليها بالطائرة، وبرّر اعتذاره عن حضور المؤتمر بعدم رغبته في قطع الطريق إليه “معلقاً بين السماء والأرض”..!
صحيفة الصيحة
مصدر الخبر