منى أبوزيد تكتب : مَن يجرؤ على الكلام..؟!
*”لم ينتصر كذباً ولم يُهزم ولم يُفطَم على البارود طفلٌ قَبله.. لدماء طفلٍ في شوارع غزةٍ أقم الصلاة فكلُّ طفلٍ قِبلَة”.. الشاعر أحمد بخيت..!
قبل نحو خمس سنواتٍ، أّقيمت الذكرى المئوية لوعد بلفور، يومها قام الشعب الفلسطيني بإحياء ذكرى اندلاع مأساته التي كانت شرارتها الأولى تلك الرسالة التي أرسلها آثر جيمس بلفور في اليوم الثاني من شهر نوفمبر للعام 1917م إلى اللورد ليونيل وولتر دي ورتشيلد، والتي ضمنها تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. فيا لها من ذكرى ويا له من يوم..!
إلى جانب مراسم الحداد ومظاهر الاحتجاج، طالبت الحكومة الفلسطينية القضاء البريطاني والقضاء الدولي بالاعتذار عن ذلك الوعد والتعويض عن آثار النتائج الكارثية التي ترتّبت عليه والاعتراف بدولة فلسطين على حدود عام 1967م. لكن الرفض وانتظار معجزة التسوية السياسية بين الجانبين كان هو الرد المتوقع الذي تمخّضت عنه اجتماعات اللجنة البريطانية الفلسطينية المشتركة، وبعد بحث المطالب الفلسطينية بإعادة التوازن إلى الدور البريطاني في المنطقة، قالت بريطانيا أن لا اعتذار ولا تعويض ولا اعتراف ولا هم يحزنون، بل إصرار من جانبها على الاحتفال بتلك الذكرى، وتأكيد من حكومتها على الاحتفاء بذلك الوعد..!
وبينما أعلنت اللجنة الوطنية العليا في فلسطين عن إحياء الذكرى المئوية لذلك الوعد المشئوم عبر سلسلة من احتجاجات في الميادين العامة وأمام المؤسسات البريطانية ورفع الرايات السوداء على البيوت والسيارات، قامت تريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا بدعوة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو حينها للاحتفال في لندن بمئوية ذلك الوعد، وعبرت عن فخرها بدور بريطانيا في تأسيس إسرائيل..!
ومن شر البلية أن نتانياهو قد دعا – بدوره – زعيم حزب العمال البريطاني المعارض جيريمي كوربن حينها لحضور حفل عشاء في ذكرى المناسبة، لكن كوربن المعروف بتأييده لحقوق الشعب الفلسطيني اعتذر عن تلبية الدعوة. والحقيقة أن الذين يتخذون مواقف رافضة لسياسات إسرائيل في أوروبا وأمريكا كثُر، لكن اللوبيهات الصهيونية التي تسيطر على الإعلام – هناك – تجتهد في التعتيم على تلك المواقف..!
عندما تعثّرت بكتاب “الخداع” للكاتب الأمريكي “بول فندلي” كنت في حالة بحث دؤوب عن كتاب “من يجرؤ على الكلام” لذات المؤلف والذي صدر في ثمانينات القرن الماضي بطبعة أولى حرص اللوبي الصهيوني في أمريكا – والذي فضح الكتاب أفعاله – على أن تكون الأخيرة..!
في أثناء بحثي، تعثّرت أيضاً بكتاب “باسكال بونيفاس” الذي يشرح موقف كاتبه الفرنسي من اللوبي الصهيوني في فرنسا – والذي كنت قد أشرت إلى مضمونه في مقال سابق – كما وجدت “لفندلي” نفسه كتاباً آخر بعنوان “لا سكوت بعد اليوم” يدحض عبر صفحاته بالحجج والأدلة مسوغات ودعائم الصورة المُزيّفة عن الإسلام في أمريكا، والتي جعل اللوبي الصهيوني في أمريكا من العمل على تنميطها شغله الشاغل..!
الكتب الثلاثة “لفندلي” وكتاب “بونيفاس” تمتاز بأنها لا تفضح أقوال وأفعال إسرائيل كدولة، بل تدلل على تفاصيل تواطؤ الحكومات الأمريكية الواقعة تحت رهبة وتهديد اللوبي الصهيوني. تشرح كل ذلك بلغة رصينة مدججة بالشواهد التاريخية والمُستندات المُثبتة الدقيقة وبلغة علمية نحتاج مثلها كثيراً في خطابنا العرب إسلامي المعاصر، كتباً “عرب إسلامية” البحث والهوية تتناول بالشرح والتحليل تغطية بعض أجهزة الإعلام العربية لبعض الأحداث “العرب إسلامية” بمزاج يتبنى جل قناعات أمريكا ومعظم رؤى إسرائيل..!
ألا تتفقون معي على أن موجبات مثل هذه المشاريع الإعلامية المتحاملة على بعض القضايا – وبالتالي بعض الحكومات والشعوب العربية والإسلامية – تحتاج إلى مشاريع عربية إسلامية قوية طال انتظارها..؟
المشكلة ليست في الموقف من السلام أو المقاطعة، المشكلة الكبرى تكمن دوماً في مواقفنا من بعض الحقائق، حقائقنا التي يجتهد الآخر في طمسها، وحقائق الآخر التي يجتهد بعضنا في التغطية عليها..!
صحيفة الصيحة
مصدر الخبر