السياسة السودانية

منى أبوزيد تكتب : في فضاء الاحتمال..!

[ad_1]

“عندما يدفعك العالم لكي تجثو على ركبتيك فاعلم بأنك في الوضع المناسب للصلاة”.. جلال الدين الرومي..!
كم مرةً وقفت عاجزاً أمام امتحان الانتظار، كم مرةً عجزت عن أن تتجمّل بالصبر، كم مرةً أثقل كاهلك الهم واستبد بك الحزن فقط لأنك قد أردت شيئاً ما بقوة أو لأنك قد أحببت شخصاً ما بشدة، وبذلت الغالي والنفيس للوصول إلى ذلك الشيء أو للفوز بذلك الشخص؟. لعله قد حدث كثيراً، إن لم يحدث هذا فقد حدث ذاك. والآن على الجانب الآخر من وجه الحقيقة كم مرةً تخلّيت عن رغبتك الجامحة في تحقيق أمرٍ ما فتحقّق، وكم مرةً فككت تعلقك العاطفي بشخصٍ ما فعاد إليك طائعاً مُختاراً؟. كم مرةً عملت ما يجب عليك عمله ثم تركت الباقي على الله، بلا قلق أو خوف فكان لك من الله ما أردت وأكثر..؟
لماذا تفشل إذا تعلقت ولماذا تنجح إذا تخليت؟. لأن الأمر ببساطة مرهون بنجاحك في التعامل مع مبدأ فائض الاحتمال، وذلك بحسب نظرية طاقية اسمها “فضاء الاحتمالات” لمؤلف روسي معاصر وفيزيائي في ميكانيكا الكم اسمه “فاديم زيلاند”. مضمون تلك النظرية يقول باختصار انك لو أردت شيئاً ما بشدة أو أحببت شخصاً ما بشدة فأطلق سراحه، لا تتعلّق به، تخلى عنه تماماً دون أي مشاعر أو أحكام سلبية. لأنك عندما تريد شيئاً ما بشدة لدرجة أن تكون مُستعداً للتضحية بسلامك النفسي وصفائك الذهني وراحة بالك فإن موقفك العقلي والنفسي والعاطفي هذا يخلق فائض احتمال ويسبب خللاً في التوازن “توازن طاقتك وطاقة الكون من حولك”، ثم ينقلك إلى مسار حياة وتراتبية أحداث محبطة تعيق وصولك إلى ذلك الهدف الذي تعلّقت به، وكأن الكون كله يعمل على تأديبك حتى تتعلّم أن تحب نفسك أولاً وكما يجب..!
ولعل تلك النظرية هي الوجه المادي لمعنى التخلي والتجلي عند الصوفية “أن يضعك الله في امتحان روحاني لتهذيب نفسك والارتقاء بها إلى مراقي التخلي عن التعلق بغير حب الله”. حيث تمر تزكية النفس بثلاثة خطوات هي “التخلي والتحلي والتجلي”. وحيث التخلي والتحلي أمران من فعل العبد، هما عبارة عن مُجاهدات ورياضات نفسية باطنية وتعب ومنازعة وترويض وتهذيب من الإنسان لنفسه ثم تطعيمها بالمعاني العلوية الشريفة الراقية، والمواظبة على إروائها بالذكر والشكر وصدق التوجُّه والسير إلى الله..!
وأما التجلي فهو عند الصوفية نتيجة، وهو من فعل الله تعالى، حينما يرى من عبده صدق المجاهدة، فيقابل ذلك بفتح أبواب التوفيق ومد أسباب المعونة، واصطفاء ذلك الباطن لمناجاته وشرف معرفته. فالتجلي بذلك هو شأن إلهي وتصرف رباني يفعله الله بتلك النفوس التي قامت بالتخلي والتحلي..!
خلاصة القول إنّ كلا الوجهين الفيزيائي “الطاقي” والصوفي “الروحاني” يتفقان على نبذ كافة أشكال “العَوَز” والمُبالغة في التعلُّق بالأشياء والتعويل على الأشخاص، فكل ما نحتاجه كامنٌ في دواخلنا. وعن هذا يقول جلال الدين الرومي “إن تكن تبحث عن مسكن الروح فأنت روح، وإن تكن تُفتش عن قطعة خُبز فأنت الخُبز، وإن تستطع إدراك هذه الفكرة الدقيقة فسوف تفهم أن كل ما تبحث عنه هو أنت”..!

صحيفة الصيحة

[ad_2]
مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى