منى أبوزيد تكتب : في المركزية القابضة..!
“في المعارك أنا عقاب الله، وإذا لم ترتكب خطايا عظيمة لم يكن ليبعث الله عقابا مثلي عليك”.. جنكيز خان..!
قبل أحد عشر عاماً أو تزيد قرأت في صحيفة الشرق الأوسط حواراً مع مرشح الحركة الشعبية لمنصب والي جنوب كردفان – آنذاك – الفريق عبد العزيز الحلو، وقد تضمن الحوار سؤالاً عن مدى رضائه بما يتعلق بجنوب كردفان في بنود اتفاقية السلام، قال في معرض رده عليه إنها – أي الاتفاقية – لم تنجح في تلبية رغبات أي طرف بالكامل لكنها وفرت المشورة الشعبية كآلية تمكن المواطنين من متابعة النضال عبر الوسائل السلمية..!
وعندما سئل عن خلافات جنوب كردفان الثقافية مع المركز، قال إن الشمال – مطلقاً – ليس وحدة واحدة وليس جنوب كردفان وحدها، وإن ما يفرق في الشمال هو أكثر مما يوحده وبالتالي لا مناص من إعادة هيكلة السلطة وإنهاء تلك المركزية القابضة من أجل ضمان استمرار الشمال موحداً وإلا سيكون مصيره مثل مصير يوغسلافيا..!
بعد ذاك قرر الحلو أن يأخذ على عاتقه مهمة بلقنة السودان – التي حذر منها قبل ذلك – عبر وسائل غير سلمية. ويوغسلافيا السابقة – كما تعلم – تقع في منطقة البلقان ذات التنوع العرقي والتنافر الطائفي، الأمر الذي نتج عنه مصطلح “البلقنة” الشهير الذي يعني في قواميس السياسة “التنوع العرقي المتنافر”. هي الحرب الأهلية إذن بحسب نبوءة سياسية كان الحلو مصدرها، ثم بحسب واقع سياسي كئيب أصبح الحلو ــــ بعد ذلك ـــ أهم الفاعلين فيه..!
وكل ما فعلته حكومة الإنقاذ حينها – في المسافة الزمنية الفاصلة بين أقوال الحلو وأفعاله – هو أنها قد باركت تلك النبوءة عندما أومأت إلى دور صناديق الذخيرة في حسم الحكاية – أي حكاية – فحكومة الإنقاذ كانت على الدوام تشد من أزر تلك النبوءة، لكن نبوءة السياسي المعارض بوقوع الحرب شأن، ووعيد الحكومة بإضرامها شأنٌ آخر. هل رأيت ثم رأيت كيف وكم أننا قد كنا ولا نزال نعيش محنة قومية تستوجب النحيب على أطلال ما تبقى من هذا السودان..؟
اضطراب يوغسلافيا السابقة وتفكك عراها كان سببه الرئيسي مُحاولة جمع تلك الأعراق المتنافرة “عنوةً” مع استئثار فكر سياسي بعينه بالسلطة، والعبرة تقول بأن دولة متعددة الأعراق مثل هذا السودان تحتاج لضمان تماسكها أن يزاوج نظام حكمها بين الديمقراطية والفيدرالية ـــــ أن يُزاوج بينهما لا أن يَزُج بهما ــــ تلك المزاوجة هي الخيار الأفضل “إن لم يكن الأوحد” لتفادي إشكالات العرقية البغيضة..!
يوغسلافيا وقعت في سوء التطبيق بينما ضربت سويسرا والهند أنجح الأمثلة في ذلك، لذا تبقى الفيدرالية الحقة هي الصيغة السحرية الوحيدة لصناعة أنشطة وطنية واحدة قوية، وبخلاف ذلك سوف تبقى أزمة وعينا الوطني ماثلة، ولسوف يبقى كلاهما وعيد الحكومات ووعود المعارضة وجهان لمحنة قومية واحدة..!
صحيفة الصيحة
مصدر الخبر