مكي المغربي يكتب.. الحل في الكسل!
يعتقد البعض أن النخب السودانية ستبذل مجهوداً جباراً لتوليد أفكار ومقترحات رائعة، وأن السماء ستمطر خبراء سودانيين، يغادرون مواقعهم المستقرة في مؤسسات العالم من أجل أن يأتوا للسودان (ويتلقون الصفعات والشتائم من الناشطين).
يعتقد آخرون أن الاسلاميين سيجمعون صفوفهم ويتحدون ويبايعون أميراً جديداً تحت شجرة القصر الجمهوري، ويستعيدوا حكم السودان، وكأن إسلاميي السودان مرابطين في المساجد في الصلاة إنتظاراً لإشارة “التنظيم السري”، والحقيقة هم منقسمون بين السوق والقطاع الخاص، والأقطاب الخارجية، والأحزاب السياسية، حتى حكومة قحت ومفاوضاتها الدولية خدم فيها إسلاميون، حتى التصدي للحملات الإعلامية الدولية ضد الجيش والدعم السريع قاموا به، وتعبوا وأرهقوا من إزدواج الأدوار “ضحايا وجناة” في هذا النظام، وهم الآن مرهقين جداً ويريدون الراحة والأمان من السلطة وليس استلام السلطة، إلا إذا فقدوا الأمان، سيفكرون فيها.
ما يوجد حالياً أمامك هو أقصى ما تنتجه الشخصية السياسية السودانية في هذا التوقيت، وهنالك سحابة من الكسل والنعاس تظلل الجميع.
بخصوص التدخل الأجنبي، هو سيء ولكنه أقل من حجمه الإعلامي وهو منحسر وغير متزايد -ليس بسبب رفض الأحزاب له- إنما بسبب تناقضه وتضاربه في بعضه. هذه الدول المتدخلة دخلت في حالة “الكسل” ولن يجدوا غير عملاء متثائبين يتآمرون على بعضهم بصورة مكشوفة وفاشلة، وسيجدون صانع قرار قد نسي قلم التوقيع في بيته، لكن قلم رصاص للتوقيع المبدئي ممكن.
الدول المتدخلة وسفراؤها لا يجدون من يدافع عنهم ممن نالوا منهم عطاءاً سخياً.
أنظروا إلى هذه المعادلات المحكمة التي لا يوجد أية مصلحة لأي طرف في تغييرها: مثلاً، حالياً يوجد (فيتو) سياسي على تعيين الاسلاميين وزراء أو ولاة أو قياديين في الصف الأول، وبالمقابل يوجد (فيتو) قضائي ضد فصلهم من عمل الدولة أو الأضرار بهم في (البزنس)، وأية حركة لتحطيم (فيتو)، يتحطم (الفيتو) الآخر.
توجد حركات مسلحة في السلطة مع المكون العسكري، وكانت “مجموعة الإطاري” ترغب في الإطاحة بهم والجلوس في مكانهم، ولكنها سترضى بمشاركتهم، إذاً الحل الأمثل هو إما توسيع الإطاري ليشمل الجميع أو تحويل “مجموعة الإطاري” مع “الكتلة الديموقراطية” إلى تحالف حاكم، بسبب فشل أي طرف في إقصاء الآخر.
دمج الدعم سريع والحركات المسلحة في الجيش أمر صعب ومرهق ولا يتناسب مع حالة “الكسل” لأنه سيقود للتسريح بصورة أكبر، وهذا يعني تغذية سوق القتال في السودان والدول المجاورة بكوادر عالية التدريب، وبداية حروب جديدة.
إذاً التسوية الممكنة ستكون إصلاحات في الدعم السريع خاصةً على المستوى القيادي، وتحجيم المظاهر المسلحة للحركات، يعني الخلاصة هي تحديث (أبليكيشن) تبعية الدعم السريع للجيش، وليس تذويبه في الجيش.
من الواضح أن السودان لا يتجه نحو تغيير الوضع القائم بوضع جديد، بل يتجه نحو تقنين الوضع القائم وشرعنة التحالف الحاكم الجديد والإقرار بالتعايش مع النظام السابق ووجود الاسلاميين في مفاصل الدولة وركائز السوق، لا توجد موجة ثورية ستقود للاسقاط بل ستكون هناك سلسلة تسويات تقود إلى تفصيل الصيغة الدستورية علي الوضع القائم، من الرئيس إلى معلم الأساس في قرية نائية.
في التدخل الأجنبي المتضارب، الاستثناء هو أمريكا التي إدارت توازناً جيداً، بتعاملها مع المكون العسكري بالقنوات الاستخبارية ومصر وملف التطبيع، وتعاملها مع الأحزاب السياسية بالمواقف الديبلوماسية وحلفاء (الرباعية) و(الثلاثية).
في الآيدولوجيا، يحدث ذات الأمر، لم تستطع قحت في أيام “الفوران الثوري” إلغاء الحدود الأربعة، قطع السارق والحرابة، والقذف، والزنا، وهي موجودة وسارية حالياً، نعم صحيح نجحوا في “ختان سنة” طفيف للقانون الجنائي في حيازة غير المسلم للخمر لكنهم خافوا من “الخفاض العلماني” الكامل، وحتى من “يلهفون” 5 الف يورو شهرياً أكلت لسانهم القطة خوفاً من السخط والتكفير الشعبي وليس الاسلاميين، ولجأوا للتعويض عن ذلك بالإمعان في (سيداو) وترديد عبارات تملأ الفم ولا تغير الواقع على شاكلة “الوقوف على مسافة واحدة من كل الأديان”. كلام يقوله ذات المسؤولين الذين يفتخرون بأجدادهم الأولياء والصالحين وبشاراتهم لهم. كما ذكرت، هو تعويض كلامي لإذعان النخب للتوجه الاسلامي السوداني الحقيقي وسط الشعب، الشيء الذي لم تسقطه ثورة ولا إحتلال ولا غيره.
إذاً، من يكسل يربح، ومن ينشط يجد نفسه يهرج ويرقص ليتفرج عليه الناس.
من يفكر في مؤامرة جديدة للتغيير والتلاعب، سيخرج من الساحة، وسيبقى من يبرر ويقنن ويتصالح مع الوضع القائم.
صحيفة المرصد
مصدر الخبر