السياسة السودانية

مكي المغربي: شركات العلاقات العامة لتحسين الصورة، هل هي مثل العطر على الوسخ أو “الدلكة على البهق”؟!

جائني سؤال ملح عن شركات العلاقات العامة، في مجال الاعلام والسياسة في الدول الغربية وأمريكا تحديدا ودورها في (تحسين الصورة) اذا صح المصطلح.
يدفع الكسل أحيانا بعض الجهات من السياسيين والدولة في السودان للتصديق بأن هنالك شركات في الدول الغربية يمكن أن تشتري عبرها “الصورة الجيدة” في غضون أشهر قليلة بمبلغ محدد، ولذلك بدلا من “القراية أم دق” والاحتياج للخبراء الوطنيين، وأيضا من أجل خصوصية العلاقة مع هذه الدولة أو تلك يستحسن اخفاء الأمر وتحسين الصورة “بالغمتي”.
تخيل هذا الفهم الأعوج؟ عمل إعلامي كبير بالسر!
السؤال هو: هل شركات العلاقات العامة غير مفيدة؟ العكس تماما هي مفيدة لكنها مكملة لعمل وجهد محلي وطني لا بد أن يتم من طرف طالب تحسين الصورة أو تجسير العلاقة.
هي شركات وسيطة تجمع طرفا وطنيا مع آخر أجنبي، وهي لا تنحصر في الإعلام والصحفيين فقط، يمكنها تنسيق جلسات مع سياسيين وبرلمانيين من دول غربية، بل يمكنك أن تطلب منها فنانا مشهورا فتأتيك به بغرض زيارة دولة ما لتشجيع السياحة فيها مثلا.
هي شركات تحقق لك ما تطلبه من لقاءات وعلاقات، ولكن أنت الذي تستطيع إدارة هذه العلاقات وتثميرها، وقد تتسبب أنت في إفساد العلاقات التي اشتريتها عبر الشركة بسوء تصرف منك.
ما هو ذنب شركة بريطانية مثلا لو استوفدت لك وفدا برلمانيا بريطانيا وأنزلته في فندق في شارع المطار واندلعت مظاهرة جواره وقام البرلمانيون بتصوير القمع وربما خرجوا به “لايف” في البرلمان البريطاني، لماذا أسأت أنت اختيار الموقع من الأساس؟! لماذا يسهل استفزازك واستدراجك للقمع؟! هذه ليست مشكلة شركة العلاقات العامة، بل مشكلتك أنت في سوء السيطرة والإدارة المحلية. وكذلك اذا اخترت لهم مثلا الذهاب إلى (قندهار للحوم) وغالب الوفد (نباتي) وأنت لا تعلم.
نلاحظ أن هنالك تفاصيل بدأت تظهر رويدا رويدا، لتعود وتؤكد مجددا ضرورة وجود خبرة وطنية حاذقة وأن شركة العلاقات العامة ليست “مشروب سريع التحضير” لتحسين الصورة.
لتقريب المثال لدور هذه الشركات، الخاطبة التي تأتي للأسرة بعريس مغترب “لقطة” هل هي مأذون زواج ام وسيط خطوبة؟! من الواضح أن لباقة البنت وحياءها وخفرها، ونظافة البيت وترتيبه، وأمور كثيرة لا بد من وجودها لإتمام الأمر؟ ما هو ذنب الخاطبة لو كانت نظرات الأم للخاطب الثري في الطمع مثل نظرات “ضبع الخلا الجقام”!
سيطفش العريس بسبب أم العروس وليس الخاطبة.
إذن شركات العلاقات العامة مفيدة، لكنها لا تغني عن عمل السفارات ولا عن مؤسسات الداخل أبدا، والدليل هو في بعض الأحيان تتعاقد الشركة لتحسين الصورة، ولكن تجد نفسها بسبب تسريب المعلومات و”الهرجلة السياسية” هي ذاتها صورتها تأثرت سلبا بسبب التعامل مع الطرف المحلي فتلغي العقد بعد أن تكون قضمت المقدم الذي لا يسترد، لأنه أصلا مقابل (دراسة صورة) وضعوا لها القسط الأول 2 مليون دولار، بينما الدراسة أصلا مجرد ورقة أعدها صحفي محلي بألفي دولار، وربما سفير معاش مفلس من داخل السودان نفسه، ولم يضيفوا عليها سوى “بوليش أوربي أو أمريكي شديد اللمعة”.
إذن طالما توجد هرجلة سياسية، وكسل إداري، وضعف في الإهتمام بالبعثات الدبلوماسية وتراجع في اداء المؤسسات، فإن الحديث عن شركات العلاقات العامة مثل استعمال العطر على الوسخ، أو الدلكة على البهق.
لدي رأي خاص حول مصطلح (تحسين الصورة) لأنه أحيانا يفضي إلى انتشار إعلامي كبير لكنه مؤقت وعديم الجدوى، أيضا هنالك أوهام بأن اسم الصحيفة أو المؤسسة الاعلامية أهم من “المحتوى”، وغير ذلك من الأساطير التي تزيد حجم التعاقدات ماليا للشركات دون انجاز ملموس، والسبب هو طلب الزبون واصراره على أسماء محددة.
لدي أيضا حديث يطول ويطول حول التفريق في الواقع الأمريكي بين شركات اللوبينغ، وشركات العلاقات العامة، ومجموعات المناصرة “آدفوكسي”، وجماعات الضغط، وشركات التسويق، وروابط الأصدقاء والقائمة تطول لجهات التأثير والتغيير، واختلاف ادوارها وطرق التعامل معها.
وها هنا سؤال، كيف تتغير الحلول لمشكلة واحدة.
ولنضرب مثالا لتقريب الفهم، صاحب مزرعة دواجن تفشي فيها مرض، لديه عدة طرق لحل المشكلة.
1/ يمكن أن يتصل بشركة بيطرية متخصصة تذهب للمزرعة ومعها كامل معداتها وادواتها وادويتها، ويرتدون ازياء مثل “رواد الفضاء” وتقيم الشركة فترة في المزرعة لعلاج المرض.
2/ يمكن أن يذهب طبيب بيطري ومعه مساعدين، ويأخذ عينات فراخ ميتة ومريضة للتحليل، والتشخيص وتحديد الدواء، ثم احضاره.
3/ يمكن أن يكون هنالك تشخيص أولي معتاد للمرض ويأتي الطبيب ومعه العلاج لأن العلاجات ومضادات البكتريا والفطريات (واسعة نطاق التأثير) أصلا مصممة للقضاء على عدة امراض متشابهة، وكسب الوقت لانقاذ ما يمكن انقاذه أفضل من انتظار التشخيص العلمي الدقيق.
4/ يمكن ألا يستعين صاحب المزرعة بطبيب، ولا شركة، يقوم بالحل التجاري المعتاد، ابادة الدجاج الميت بعيدا، تطهير الحظائر، التقسيم لثلاث مجموعات، مريض ومشتبه فيه وسليم، ويبدأ في علاج المريض والمشتبه فيه بالدواء المتوفر، ويذبح الدجاج المتعافي والسليم للبيع، وأهم شيء يخصص حظيرة مفصولة للفراخ الجديدة الصغيرة لقطع سلسلة المرض.
قد يكتشف لاحقا أنه لو كان جاء بـ “رواد الفضاء” لمزرعته أنهم لن يفعلوا شيئا سوى هذا الحل ولكن بشكل علمي فيه تقارير وإحصائيات ولكنهم في النهاية “يلهفون” أتعابا بمقدار ثمن كل الدجاج وربما العلف والحظائر لمدة سنة.
أحيانا لا بد من الشركات وأحيانا يمكن الاستعاضة عنها لو كنت واثقا، أكرر لو كنت واثقا من طاقمك المحلي.
لا يفوتني هنا أن أحذر أنه هنالك خطورة متوقعة من (الكوميشنات) إذ يمكن أن تأتي شركة غالية وهزيلة الفائدة ولكن (عودها قوي) بسبب المناولة للوسطاء وموظفين الدولة، ويتم تفضيل شركات سيئة على جيدة ومجربة بسبب الرشاوي المباشرة أو غير المباشرة.
الأفضل هو الشروع في تقوية البعثات الدبلوماسية ومؤسسات الدولة أولا ورفع مستوى النزاهة، ثم الدخول في هكذا تعاملات.

مكي المغربي

ehtimamna


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى