مكي المغربي: رسالتان من البرهان في عيد الجيش!
قرأ الناس خطاب قائد الجيش رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان من زوايا مختلفة، وقبل تسليط الضوء على ما اخترته، لا بد من التأكيد على أن الخطاب يضعنا مجددا أمام الصورة الحقيقية الناصعة، وهي .. قائد جيش ظاهر غير مستتر، نعم صحيح هو في حالة مواجهة مع العدو، ويأكل العدس لأيام ويشرب “موية البحر” ولا يجوب بالمروحية أرجاء العاصمة حاليا، ولا يتنقل بالبر إلا في سياق الحرب والعمليات العسكرية، ولكنه قائد حقيقي لجيش متماسك، وليس ذكاءا اصطناعيا أورجلا مجهول الحال والمصير، هو قائد قوات نظامية وليس مجموعات متشرذمة منقسمة على خطوط العشائر ومتوجسة من بعضها، مجموعات كانت يوما مليشيا شبه نظامية، وكانت يوما ما لديها غطاء سياسي ومطبلاتية يجوبون السفارات والعالم ويأكلون السحت لتخريب وطنهم، والآن، لا شيء لهم سوى السمعة السيئة ولعنات الشعب وخذلان العالم.
نعم صحيح المقارنة ذاتها بين جيش ومليشيا ليست محبذة، مثل مقارنة السيف بالعصا، ولكن لا بد من ذلك بغرض الإيضاح لأن رجلا مثل حمدوك (بعد ١٤ سنة خدمة في ثانوي) أطل علينا في بواكير المخطط زاعما أن هذه حرب بين (جيشين) متجاوزا بذلك أسوأ (القحاتة) الذين قالوا هي حرب بين (جنرالين) واستحوا أن يقولوا بين جيشين.
الرسالة الأولى التي أخترتها في خطاب البرهان حديثه عن مجازر دارفور والعدالة الواجبة ضد مليشيا الدعم السريع، وأعجبني جدا سرده لأسماء المناطق في الفقرة (فكيف يمكن أن تأتي الديمقراطية بإرتكاب جرائم الحرب في الخرطوم والجنينة وكتم وطويلة وسربا وصليعة ومنواشي وكاس وكل شبر وطأته أقدام المتمردين في البلاد منذ تمردهم المشؤم).
يأتي هذا الحديث من البرهان بعد تشكيل لجنة انتهاكات مليشيا الدعم السريع إذ لا بد ان يتم توطين القضية والإجراءات أولا داخل السودان ثم التحرك بعد ذلك في التعاون والتوضيح الخارجي بما لا يؤثر في سيادة البلد واختصاص القضاء الوطني، وذلك موضوع آخر سيأتي شرحه وتناول محاذيره، ولكنني اختصارا أقول أن هذه اللجنة معنية بالانتهاكات كلها وبالمنتهكين كلهم سودانيين كانوا أم مرتزقة، ومن عاونهم أفرادا كانوا أم مؤسسات داخل أو خارج السودان، لأن الدم الذي أريق دم سوداني وحمايته واجب على الحكومة السودانية ونظامها العدلي.
الرسالة الثانية التي أخترتها من خطاب البرهان في عيد الجيش هي رسالة محلية ووطنية وصادقة، وهي إشادته بالقوات النظامية وبالمتطوعين والمستنفرين من المواطنين الذين امتزجت دماؤهم -والحديث للبرهان- بدماء أشقائهم من القوات المسلحة والأمن والشرطة.
الآن الآن، عزيزي المواطن وأنت تقرأ هذا العمود، هنالك جندي لزوم يصوب سلاحه نحو العدو الذي يرغب في سرقة ممتلكاتك وانتهاك عرضك في أي مكان في السودان وليس الخرطوم وحدها، الآن الآن عزيزي المواطن، هنالك متطوع مدني .. ودع أمه وزوجته أو خطيبته لأنه يؤمن بالدفاع عن الوطن والانحياز الخالص للجيش، يفعل ذلك تقربا إلى الله .. وقد مضى إلى الله منهم عدد كبير .. وفي ذات الوقت هنالك من يجتمع مع المليشيا في أديس وغيرها ويتلقى الرشوة حتى يبصق على الجيش ويقارنه بالميليشيا ويزعم أن الجيش لا خيار له سوى القبول بدمجهم معه.
البرهان .. أرسل تحياته واعلن افتخاره بالنظاميين والمتطوعين .. فالاستنفار الشعبي سيمضي للأمام حتى نهاية المعركة، وما بعدها.
ختاما شغل الناس وحق لهم أن ينشغلوا ويقلقوا هو عبارة قائد الجيش في الخطاب (لم نكن يومها نتصور أن تمتد يد الغدر والخيانة من قيادة قوات الدعم السريع…) لم يروق لكثير من الناس مفردة (نتصور) .. لأن الأمر ليس بالتصورات بل بالمعلومات والقراءة الاستخبارية والتي يقال أنها كانت موجودة.
ولكنني إذا رغبت تجويد العبارة فإنني أعلق على أن الغدر لم يكن من حميدتي وحده .. الدائرة تتسع لتشمل أحزاب سياسية وقيادات .. غدرت وستغدر كلما رأت “ربطة من الدولارات” أيضا هنالك شخصيات تنفيذية وسيادية غدرت .. والأخطر من ذلك دول كبيرة وصغيرة غدرت، بعضها توقف وأنكر وبعضها مستمر.
إن “حرب أم قرون” كانت قرونا من الشر والخيانة ولم تكن تشبه الضفائر المنسدلة على جانبي وجه الحسناء، كانت صولة لقرون الشيطان، كانت ولا تزال كذلك.
مكي المغربي
مصدر الخبر