مقترحات القوى المدنية لوقف الحرب في السودان
[ad_1]
د. الشفيع خضر سعيد
صحيح أن وقف الحرب المدمرة والمستعرة في الخرطوم منذ 15 أبريل/نيسان الماضي، هي القضية المركزية التي تشكل جوهر خطاب كل المبادرات السودانية والإقليمية والدولية. ولكن، فيما عدا مبادرة منبر جدة برعاية المملكة السعودية والولايات المتحدة، فإن كل المبادرات الأخرى، بما في ذلك مبادرة الاتحاد الأفريقي ومبادرات المجموعات المدنية السودانية المختلفة، يقتصر خطابها على المطالبة أو ديباجة الوقف الفوري للحرب دون التقدم باقتراحات ملموسة حول الكيفية والآليات التي تحقق ذلك. وكما كررنا كثيرا، فإن الأولوية دائما وأبدا هي اجتراح وتنفيذ آلية فعالة لوقف الاقتتال، على أن يسند هذه الآلية ويدعمها، اتفاق سياسي لمنع تجدد الحرب.
منبر جدة طرح التفاوض بين طرفي القتال كآلية لوقف الحرب، وتوصل الى إتفاق أولي تضمن سبعة بنود ركزت على تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين وحمايتهم، وكان بصدد بحث إمكانية التوصل لاتفاق طويل الأمد لوقف إطلاق النار، ولكنه عجز عن ذلك ثم توقف، وظلت نتائجه أقل بكثير من أمنيات وتوقعات الشعب السوداني في وقف القتل والدمار واحتلال منازل السكان المدنيين. ويومها، ومباشرة بعد التوقيع على ذلك الاتفاق الأولي، أعربنا عن تشككنا القوي في أن يلتزم طرفا القتال بما وقعا عليه، وذلك في ظل غياب الآليات المعروفة دوليا لمراقبة وحماية وقف إطلاق النار، ولخلق ممرات آمنة ومحمية لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين، وقلنا إنه بعدم توفير هذه الآليات، سيظل الاتفاق مجرد ورقة صماء في دفاتر الوسطاء.
وفي تقديرنا، أن آلية التفاوض بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع لوقف الاقتتال، في منبر جدة أو أي منبر آخر، ستظل عاجزة عن تحقيق هدفها الرئيسي في وقف العدائيات ما لم تستصحب عددا من الآليات الأخرى المتاحة والممكنة حسب الشرعية الدولية، للضغط على طرفي القتال بشأن وقف دائم للأعمال العدائية.
والآليات الأخرى هذه، تشمل منع تدفق الأسلحة والذخيرة إلى الطرفين، تجميد الأرصدة والحسابات في البنوك العالمية والإقليمية، العقوبات على المؤسسات والأفراد، وكذلك بحث فرض إعادة تموضع القوات المتحاربة وفرض المناطق الخضراء، أو منزوعة السلاح، مع الأخذ في الاعتبار تجربة قوات الأمم المتحدة في السودان وجنوب السودان ودارفور، (يوناميس و يوناميد).
هذه الآليات وغيرها المصاحبة لآلية التفاوض لوقف الحرب، يتطلب إقرارها وتنفيذها مشاركة دولية وإقليمية واسعة، وفي إطار الشرعية الدولية والقانون الدولي، كما يتطلب مشاركة دول الجوار، وخاصة مصر، ومشاركة الدول ذات العلاقة المباشرة بطرفي القتال أو أحدهما، كدولة الإمارات العربية المتحدة.
بالنسبة لمبادرات القوى المدنية السودانية، فبينما جميعها يشدد على الوقف الفوري للحرب، إلا أن أيا منها لم يتقدم بمقترحات عملية لكيفية تنفيذ هذا الوقف الفوري.
صحيح أن مجموعة الآلية الوطنية لدعم التحول المدني الديمقراطي ووقف الحرب ومجموعة تحالف القوى المدنية لوقف الحرب واستعادة الديمقراطية (مجموعة إعلان المبادئ) تقدمتا برؤية مشتركة جوهرها أن وقف الحرب والوقف الدائم لإطلاق النار يجب أن يتم عبر التفاوض، وأن يتزامن مع قيام القوى المدنية بتشكيل حكومة طوارئ تكون مسؤولة عن إدارة الأزمة الناجمة عن الحرب وآثارها وما بعدها. وكنا في مقالات سابقة قد أشرنا إلى أن تشكيل حكومة الطوارئ بعد توقف الحرب ومن كفاءات وطنية غير حزبية، أمر منطقي ومقبول ومطلوب، ولكنا تشككنا في استطاعة أي حكومة طوارئ أو حكومة منفى تشكلها القوى المدنية قبل توقف الحرب، أن تكون بمثابة آلية ناجعة لإيقاف الحرب.
وفي ذات السياق، نتفق تماما مع ما جاء في مكتوب الصديق الأستاذ عبد الرحمن الغالي بعنوان (مقدمة في فقه الأولويات وضرورة التنازل) والذي يدعو فيه إلى إلتئام حوار وتفاوض بين القوى المدنية الرافضة للحرب، كلها دون عزل أو إقصاء، للاتفاق على رؤية وطنية لأسس وقف الحرب، تقدم إلى الوسطاء (في منبر جدة أو خلافه) ليتم التوصل لوقف إطلاق النار، ثم يعقد مؤتمر سلام قومي برعاية دولية واقليمية متوازنة تتفق عليها كل الأطراف وبمشاركة كل القوى السياسية السودانية دون عزل لأية جهة، يتم فيه الاتفاق على الأسس العامة لشكل الحكم ومؤسساته المدنية والعسكرية في الفترة الانتقالية، وينتهي المؤتمر بتكوين حكومة قومية مستقلة لا حزبية تمهد الطريق للانتخابات بعد الفترة الانتقالية.
ونعتقد أن هذا الطرح يمكن مناقشنه مقرونا باقتراحنا الذي طرحناه في مقال سابق ويقرأ أن تتوج العملية السياسية بتشكيل آلية قومية تضم قيادات كل القوى السياسية والنقابية والحركات المسلحة ولجان المقاومة والقوى الشبابية والقيادات النسائية والمجتمع المدني والشخصيات الوطنية، باستثناء دعاة استمرار الحرب، وذلك لإختيار قيادة الفترة الإنتقالية، رأس الدولة ورئيس الوزراء، على أساس النزاهة والأهلية والكفاءة والقدرة السياسية والتنفيذية، وبعيدا عن أي ترضيات أو محاصصات سياسية وحزبية.
ثم تواصل الآلية القومية الإطلاع بمهام التشريع والرقابة والمحاسبة، كمجلس تشريعي إنتقالي، إما حسب تكوينها المشار إليه أعلاه، أو يتم توسيعها بإضافة أعضاء آخرين، وفي هذه الحالة فلابد أن يتم ذلك بالتوافق والحرص على إختيار كفاءات وقدرات حقيقية، وليس لمجرد الترضيات والمحاصصات السياسية، مع مراعاة تمثيل المرأة والشباب ولجان المقاومة تمثيلا حقيقيا، وليس شكليا أو صوريا، ودائما التقيد بشرط الكفاءة والقدرة.
وخلال الفترة الانتقالية، فإن القيادات السياسية والحزبية مكانها هذه الآلية القومية/المجلس التشريعي، بينما القيادات العسكرية مكانها مؤسساتها النظامية ومجلس الأمن والدفاع القومي. لكن، مبادرات القوى المدنية لن تحقق أهدافها بدون تنسيق نشاطها في منبر يضم الجميع، غض النظر عن أي مواقف سياسية سابقة لهم، وأن تستند المجموعات المشاركة إلى قاعدة ملموسة تعمل على الأرض، ولعل الجبهة النقابية المكونة من قيادات النقابات والإتحادات المنتخبة ولجان التسيير، هي أنسب نواة تأسيسية لهذا العمل، وأن يتسم نشاط المنبر بالشفافية والبعد عن أي مؤثرات دولية أو إقليمية.
نقلا عن القدس العربي
المصدر