مرضى وأطباء تحت القصف.. السودان مهدد بأسوأ كارثة في القطاع الصحي
الخرطوم 2 مايو 2023 ــ يواجه القطاع الصحي في العاصمة السودانية الخرطوم حالة غير مسبوقة من التردي وتحذيرات من انهياره بسبب الصراع المسلح المتواصل بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل الماضي، من دون أي بارقة أمل لوقفه رغم الإعلان 5 مرات عن هدن إنسانية تسمح بفتح ممرات إنسانية، وتمكن الفرق الصحية من مواراة مئات الجثث الملقاة على الطرقات، لكن أيا من ذلك لم يحدث.
وتقع أغلب المستشفيات الحكومية والخاصة في قلب العاصمة السودانية حيث تدور المواجهات العنيفة في محيط القيادة العامة والقصر الرئاسي؛ مما جعل المنشآت الصحية هدفا لا يمكن تجاوزه في سياق الحصول على الأفضلية الميدانية في القتال المستخدم فيه مختلف أساليب القتال، بما فيها القصف بالطائرات والمدافع والأسلحة الثقيلة.
ويروي أطباء ومرافقو مرضى لحظات من الرعب والفزع عاشوها خلال أيام الحرب الأولى قبل أن يضطروا لإخلاء المشافي من المرضى بعد تعرضها للقصف والسيطرة عليها من قبل قوى مسلحة واتخاذها مكانا لتوجيه العمليات الحربية.
ويقول مصعب علي (طبيب بمستشفى حكومي في الخرطوم) إن إدارة المستشفى اتخذت قرارا بإخلائه بعد 4 أيام من اندلاع المواجهات، رغم أن العشرات من المرضى كانوا في وضع حرج، وبعضهم في العناية المكثفة، حيث تقرر نقلهم لمستشفيات بعيدة عن مناطق القتال عقب تعرض المبنى لقصف مدمر.
ولا يتردد مصعب في وصف الوضع الحالي بأنه انهيار فعلي للمؤسسات العلاجية بعد شح المواد الطبية وتزايد الطلب على الخدمات الصحية بسبب العدد الكبير من الجرحى الوافدين على المستشفيات، في وقت تنقطع فيه خدمات الكهرباء والمياه، كما يعجز متعهدو الوجبات الغذائية المخصصة للمرضى عن إيصالها بسبب المهددات الأمنية في الشوارع.
وتروي مرافقة لوالدتها في مستشفى خاص شرق الخرطوم للجزيرة نت لحظات لا توصف من الخوف والفزع عاشوها بعد سقوط 3 قذائف على المستشفى، وقرر بعدها الأطباء إخلاءه، خاصة مع انعدام الوقود المشغل لمولدات الكهرباء ونقص الغذاء.
وتضيف أنه “في الليلة الأخيرة قبل مغادرتنا أطعموا أمي -التي كانت في العناية الوسيطة- بعض الكاسترد والبسكويت”.
وتشير إلى أن الأطباء كانوا يبدلون ملابسهم التي تدل على هوياتهم بعد أن هاجمت قوات الدعم السريع مرافق أخرى واقتادت زملاءهم بالقوة لعلاج مصابيهم.
قصف المستشفيات
وكشفت نقابة الأطباء -في وقت سابق- عن مقتل 9 من الأطباء وطلاب بكليات الطب خلال الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع، كما أكدت في أحدث تقاريرها أمس الأحد خروج 70% من المستشفيات المتاخمة لمناطق الاشتباكات عن الخدمة.
ومن أصل 85 مستشفى أساسية في العاصمة والولايات، يوجد 61 مستشفى متوقفا عن الخدمة، و25 تعمل بشكل كامل أو جزئي، بعضها يقدم إسعافات أولية فقط وهي مهددة بالإغلاق أيضا بسبب نقص الكوادر والإمدادات الطبية والتيار الكهربائي والماء.
وتعرض مستشفى البراحة بالخرطوم للقصف الأحد وفقا لنقابة الأطباء التي أحصت تعرض 16 من المؤسسات العلاجية للقصف، في حين أخلي 19 منها قسريا، كما أشارت إلى الاعتداء على 16 سيارة إسعاف، ولم يسمح لبعضها بالمرور لنقل المرضى وإيصال المعينات.
وقال المتحدث باسم الجيش -في بيان الأحد- إن ما وصفهم بمتمردي الدعم السريع حولوا مستشفى شرق النيل إلى ثكنة عسكرية مدججة بالسلاح ومركز قيادة للعمليات بعد إخلائه من المرضى، بمن فيهم الحالات الحرجة بالعناية المكثفة.
والعاصمة لم تكن استثناء؛ فالحرب الضارية امتدت لعدة ولايات، وهو ما انعكس على المرضى والمستشفيات في تلك المناطق، حيث طال القصف والإغلاق 4 من مستشفيات الأبيض (عاصمة ولاية شمال كردفان)، كما توقفت الخدمة في مستشفى الجنينة التعليمي (غرب دارفور) بعد الاعتداء عليه، وتوقفت الخدمة كذلك بمستشفى الضمان في مدينة مروي بالولاية الشمالية، وفي الفاشر بولاية شمال دارفور توقفت الخدمة بمشفاها التعليمي والخاص بالأطفال والنساء والتوليد.
الطريق إلى الكارثة
ويجزم اختصاصي التخدير والعناية المكثفة بمستشفى سوبا الجامعي بالخرطوم هيثم مكاوي بأن النظام الصحي يمضي بقوة إلى “كارثة إنسانية كبيرة” ستظهر في الأيام المقبلة، ويلخص -في حديثه للجزيرة نت- ملامحها في عدة محاور، أهمها القدرة على التعامل مع الأمراض أو إسعاف المصابين، ويضيف أن “المستشفيات الحكومية تكاد تكون خارج الخدمة تماما، ونستعيض عنها ببعض المستشفيات الخاصة التي قبلت التنسيق بتقديم خدمات مجانية”.
ويردف “حتى القطاع الخاص تضرر لأن أحد أطراف الأزمة قرر تحويل المستشفيات لمراكز قيادة ميدانية أو مستشفيات خاصة به في نهج متكرر وتعد على الإسعافات وترهيب الأطباء؛ وهذا أسهم في زيادة الأزمة”.
ويلفت مكاوي إلى أن المنظومة الصحية أصلا مركزية، وحال أصاب الشلل المركز كما حصل في مستشفيات الخرطوم وأم درمان تخرج كل المنظومة الأساسية، وتجرى الآن محاولات -كما يقول- لتقديم الخدمات في الأطراف بمستشفى بشائر (جنوب الخرطوم) الذي يعمل بطاقة غير كاملة، كذلك نقل الخدمة إلى المستشفى التركي، وهو من المشافي الثانوية.
ويتابع أنه “لو كانت هناك فرصة لإنقاذ مصابين وتوفرت لهم معابر آمنة فلا سبيل لإيصالهم إلى مستشفى”.
أزمة الأدوية
ومساء أمس الأحد، انتقلت المواجهات المسلحة إلى الساحة المحيطة بالإمدادات الطبية (المركز الحكومي الضخم لتخزين الأدوية)، وسط مخاوف من أن يطولها القصف وتتأثر بالمواجهات بنحو قد يخلف أزمة كبيرة في الأدوية، وهي التي كانت تعاني قبل الصراع المسلح من نقص في العديد من أنواعها، لا سيما المنقذة للحياة.
علاوة على ذلك، يقول الطبيب مكاوي إن صيدليات كثيرة تعرضت للكسر والتخريب؛ مما أسهم في شح الدواء، كما أن العديد من مصانع الأدوية تعرضت للاستهداف، وهو ما ستنتج عنه “كارثة كبيرة” لأن ذلك يعني فقدان الدواء المصنع محليا وفقدان المواد الخام التي نصنع منها الدواء وفقدان الآلة والماكينة. مردفا “للتمكن من جلب هذه الأشياء من جديد قد نحتاج عاما أو اثنين في حال فكر أحد في الاستثمار من جديد”.
وينوه مكاوي أيضا إلى أن مخزون الأدوية الذي كان في المطار تعرض للاعتداء، بما يرشح الوضع لأزمة دواء تنتج وضعا يصفه بالمخيف.
مأساة الجثث
في ظل عدم قدرة الجهات ذات الصلة على التعامل مع مئات الجثث الملقاة في طرق الخرطوم وضواحيها بسبب استمرار المواجهات المسلحة، عمدت وزارة الصحة لإصدار نصائح للمواطنين للتعامل مع الجثث منعا لكارثة بيئية محتملة؛ تضمنت ضرورة ارتداء أزياء واقية، ورش الجثة بالمبيد في حال كانت متعفنة، كما طلبت ترقيم الجثث باستعمال ورق مقوى ووضعها بالقرب من الجثة، ثم التقاط صور من عدة اتجاهات مشمولة بالرقم التعريفي بجانب نصائح أخرى للتمكين من التعرف على هوية القتيل لاحقا.
ويؤكد الطبيب مكاوي أن الجثث على الطرقات تمثل تهديدا بيئيا كبيرا، خاصة أن بعض المناطق لا توجد فيها كوادر صحية للتعامل معها بالطريقة الصحيحة، ومع احتمال هطول الأمطار في مقبل الأيام يحذر مكاوي من وضع غاية في التعقيد ينتظر العاصمة الخرطوم.
بدورها، اقترحت وزارة الحكم المحلي في حكومة الظل بحزب بناء السودان حزمة من الأفكار للتعامل مع مخلفات العمليات العسكرية -من بينها الجثث- ودعت حكومة الولاية لإعلان حالة الطوارئ لتدارك الأزمة ومعالجة نقص الخدمات وحفظ الأمن في الأحياء السكنية، كما دعت لتخصيص أراض جديدة لدفن جثث الضحايا من مجهولي الهوية بالتنسيق مع الجهات العسكرية والعدلية والصحية.
المصدر