محمد عبد الماجد يكتب: طيش حنتوب
(1)
في الكثير من الدول الافريقية الذين يخفقون في الدراسة يتجهون الى الزراعة وفي اسيا يتجهون الى التجارة وفي اوروبا يتجهون الى الفن ويصبحون فلاسفة وأدباء.
الفشل احياناً يمنحك قدرة على التفكير والتأمل ويجعل منك فيلسوفاً.
اصدق الشعراء او اخطرهم على الاطلاق .. الذين فشلوا في علاقتهم العاطفية.
تجربة قصة الحب الفاشلة تعطيك ما لا تعطيك له عشر قصص حب ناجحة.
في قصص الكثير من الفلاسفة والعباقرة في اوروبا رسوب وفشل كبير في الدراسة.
عالم رياضيات كان يسقط في امتحان الرياضيات .. وشاعر كان يفشل في اختبار اللغة العربية… ورجل اعمال كبير كان يدك الحصة الاخيرة ولا يحل الواجب المدرسي.
وهذا تأكيد يتمثل في ان الذين لا ينجحون في الدراسة لا يعني ذلك فشلهم في الحياة.
الفشل احياناً يؤدي الى النجاح .. والنجاح احياناً يبقى مقبرة.
النجاح في الحياة لا يعني بأية حال من الاحوال النجاح في الحياة.
(2)
في السودان من يفشل في الدراسة يتجه الى السياسة.. تكوين حزب في السودان والارتزاق منه اسهل من انشاء متجر او طبلية او قدرة فول.
وفي الفترة الاخيرة اصبح تكوين جيش في السودان اسهل من تكوين فريق كرة في الحي.
الرئيس السابق جعفر محمد نميري كان يسخر منه زملاء الدراسة في مدرسة حنتوب، وكان مجازاً وهو يدرس مع محمد ابراهيم نقد والدكتور حسن الترابي وعباقرة السودان يطلق عليه (طيش حنتوب) الذي اصبح رئيساً لدفعته التى كانت تتقدم عليه كثيراً في الدراسة.
طيش حنتوب زمان يعادل عاشر الشهادة السودانية الآن… وهذا للتوضيح.. علماً ان نميري كان يتفوق في مجالات اخرى كان يتفوق في الرياضة وفي العسكرية وكان يمتلك كاريزما لا يمتلكها الذين تفوقوا عليه في العلوم المختلفة.
يمتلك نميري مقومات (الرئيس) والمواصفات الرئيسية التى كان يتميز بها نميري لم تتوفر لرئيس غيره .. لا قبله ولا بعده.
ليس مطلوباً من الرئيس ان يكون شاطراً في الرياضيات .. ولا مطلوب منه ان يكون ضمن العشرة الاوائل عندما كان في المرحلة الابتدائية.
كان الرئيس الليبي السابق معمر القذافي تطلق عليه الطرف والنكات التى ترتبط بالغباء وضيق الافق.. مع ذلك كان قذافي يسيطر على ليبيا سيطرة مطلقة رغم الطبيعة العسكرية والقبلية لليبيا.. وللقذافي شعبية كبيرة في الكثير من الدول الافريقية فهو يطلق على نفسه زعيم دول الساحل والصحراء.
في السابق كان الطالب الذي يأتي (الاول) .. يعرف على نطاق المدرسة والحي والمجتمع .. وكان الطالب (الاول) شخصية معروفة وظاهرة .. وهو الطالب الذي لا يجد حرجاً عندما يسأله عمه وهو يصب عليه الماء ليغسل يده عن نتيجته فيقول الطالب ورأسه مرفوع : (الاول).
كل الاباء عندما يحكون عن انفسهم لأولادهم كان كل اب يقول انه كان (الاول) في الفصل.
كل الاباء كانوا (اوائل) .. من الصعب او من النادر او المستحيل ان تجد اباً في المركز (الثاني) عندما يحكي عن سيرته الدراسية لأبنائه.
ومثلما كان الطالب (الاول) معروفاً ومشهوراً .. كان كذلك (الطيش) .. وهو طالب يتمتع بنفس الشهرة التى يتمتع بها الاول.
سمات الطالب (الطيش) كانت ايضاً تمنحه شيئاً من التميز .. فهو طالب رأسه قوى .. ولا يعرف الخوف .. ولا يضع اعتباراً لأحد.
(3)
الطرق التعليمية الحديثة التى اصبحت تتبع في المدارس الآن .. جعلت الطلاب بدون (طيش) .. فهم لا (طيش) بينهم .. وهذه نظرة (تربوية) جيدة كنا نفتقدها في التعليم.
المدارس الخاصة جعلت كل الطلاب (اوائل) .. وربما في هذا الامر نظرة استثمارية .. فلا يمكن لأسرة ان تدرس ابنها في مدرسة خاصة وتدفع له ملايين الجنيهات ويأتي في اخر العام ابنها في المركز الاخير.
كلهم اصبحوا (اوائل) .. وأي طالب اصبح يكتب على نتيجته طالب هادئ ومثالي ومجتهد عليه الاجتهاد في دفع رسوم الدراسة في موعدها.
اذكر ان ربات البيوت في اخر السنة كن يظهرن اهتماماً ويسألن عن (طيش الفصل) اكثر من سؤالهن واهتمامهن بأول الفصل.
لذلك كان (الطيش) دمه تقيل .. ولا يبالي كثيراً.
اولياء الامور قبل عشرين سنة او قبل ثلاثين سنة لو كانوا يعرفون ان (الطيش) سوف يصبح مسؤولاً كبيراً في البلد كانوا سوف يجعلون اولادهم يتنافسون على المركز الاخير.
(4)
بغم
السودان الآن في المركز (الطيش)…لأن من يحكمون السودان جاءوا من هذا المركز.
وعلى السودان الاجتهاد اكثر في مادة الحوار والاتفاق.
وكل الطرق تؤدي الى المدنية.
صحيفة الانتباهة
مصدر الخبر