محمد عبد الماجد يكتب: ديمقراطية (حلة العزابة)
(1)
بعض الذين كانوا يسكنون في بيت واحد، يعرف عندنا بـ(بيت العزابة) ، كانوا يعرفون ان تجهيز وجبة (الغداء) وطبخه عندما يكون على (شيخ الريح) كانت طبخته تكون دائماً ملحها قليل وطعمها (مسيخ) لأن (شيخ الريح) كان يشكو من (الضغط) لذلك كان لا يضع على (الطبيخ) الذي يطبخه (الملح) الكافي.. وكان ذلك الامر يقلق كثيراً من كانوا يقطنون معه في نفس البيت ويشاركونه بالمساهمة المالية المحددة في تجهيز (الطبخة) وفي شراء لحمتها وبهاراتها وخضاراتها ..لذلك كان كل واحد منهم يستغل غفلة الاخرين وخروج (شيخ الريح) من المنزل بوضع شيء من (الملح) على الطعام حتى يتجاوز بذلك (قلة الملح) الذي كان يضعه (شيخ الريح) على الطعام .. كان كل واحد منهم يفعل ذلك دون ان يعلم الاخر.. لذلك كانت (الطبخة) عندما تقدم في وجبة الغداء تنضح بالمرارة بسبب كميات (الملح) التى كانت توضع على الطعام فتجعله (علقماً) دون ان يكلف أي واحد منهم نفسه تذوق (الطعام) – النتيجة كانت (كارثية).
ما يحدث في ذلك الطعام الذي يعد عبر (حلة العزابة) الشهيرة عندنا تفعله الاحزاب السودانية مع (الديمقراطية) اذ يعتقد كل حزب سياسي في السودان ان الديمقراطية تتجسد في رؤيته للأشياء. وان الاخرين رؤيتهم للأشياء (ضبابية) وغير واضحة.
(2)
ازمة الديمقراطية ليست في خصومها.. هم ادنى من ان يشكلوا خطراً عليها – ازمة الديمقراطية في من يمارسونها بمفاهيم خاطئة وتركيبة قد تكون أسوأ من التركيبة التى يتعامل بها الدكتاتوريون مع الديمقراطية.
الديمقراطية هي القدرة على التعامل مع كل الوان الطيف الاخرى .. وهي احترام للرأي الاخر وليس تقليلاً منه او استخفافاً به يصل الى حد (التخوين) واغتيال الشخصيات التى يختلفون معها في وجهات النظر والآراء.
اكثر الذين يضيقون ذرعاً بالرأي الاخر هم الذين يدعون حرصهم على (الديمقراطية) ومناداتهم بها.
مع كل الانقلابات التى شهدها السودان على حكومات ديمقراطية إلّا ان اقوى ضربة وجهت للديمقراطية تمثلت في المقولة الشهيرة لزعيم المعارضة في البرلمان بحقبة الديمقراطية الثالثة (1986 – 1989) الشريف زين العابدين الهندي قبل أيام من انقلاب البشير: «ديمقراطيتكم دي لو شالها كلب ما بنقول ليه جر».
انقلاب الانقاذ مر من خلال هذه المقولة يجب ان تحاسب الاحزاب السودانية التى مهدت لانقلاب الانقاذ مع عساكر الجبهة الاسلامية الذين يحاكمون الآن على تدبيرهم ومشاركتهم في انقلاب 30 يونيو.
ما يحدث الآن من الاحزاب السياسية يمهد لانقلابات اخرى او يمدد لانقلاب 25 اكتوبر بعد ان ظلت الاحزاب السودانية باختلافاتها وصراعاتها تغري (العسكر) وتحفزهم على استمرار الانقلاب بدواعي رفض الانقلاب.
(3)
ما نفهمه عن (الديمقراطية) هو ان يكون هناك احترام لرأي الاغلبية وان يغلب في كل مجلس او لجنة رأي 50 % + 1 وان يلتزم من بعد الذين يختلفون مع هذا الرأي باحترامه والدفاع عنه .. وليس التنكر منه والاستهزاء به والخروج من الكتلة التى تبنت هذا الرأي مثلما فعل الحزب الشيوعي وحزب البعث .. اللذان ما ان اختلفا مع جهة حتى وان تواثقا معها وتعاهدا لها إلا حملا (حقيبتيهما) وخرجا من (التجمع) – ليسميا ما قاما به (ديمقراطية) وهو نحر لها، لأن الضيق من الرأي الاخر وعدم القدرة على مواجهته وتحمل تبعاتها بالهروب الى الامام والتنصل من مسؤوليتها يمثل قمة الضعف والهوان.
اذا كنت عاجزاً ان تقنع الاخرين وانتم في كتلة واحدة بوجهة نظرك يجب ان ترضى وتحترم وجهة النظر الاخرى وان كانت على (رقبتك).
الديمقراطية هي اختلافات في الاراء وفي وجهات النظر وهي القدرة على تحمل الاخر والقبول به .. هي ليست مثل وجهة (التعاريف) تأتي على شاكلة واحدة – حتى (التعريفة) عندها وجهتان مختلفتان – وجهان لعملة واحدة. .. (صرة وكتابة).
ما يحدث في الساحة الآن بين الاحزاب السياسية يغلب الطرف الاخر ويمكنه ويجعل الغلبة للعسكر ويمنح الضوء الاخضر لعودة النظام البائد.
الانتصارات الشخصية والحزبية يجب ان لا يكون لها مكان في صراع الانتصار فيه والعبور يكون عبر الوحدة والاتفاق.
الديمقراطية لن تكون في بطاقات حزبية تاريخ صدورها كان في السبعينات.. ولن تكون الديمقراطية في استمارات حزبية بالية ملأت ببيانات غير صحيحة من اجل تحقيق اكبر الاصوات في الانتخابات.
(4)
بغم
الاحزاب السياسية التى تدعي (الديمقراطية) لم تحارب في الارض اكثر من محاربتها لمحمد ابراهيم نقد وحسن الترابي والصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني وعبدالله حمدوك.
نحن نحارب في الحكومة (المدنية) بادعاء رفضنا للحكومة (العسكرية).
لم يتبق من الوطن إلا القليل.
وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).
صحيفة الانتباهة
مصدر الخبر