السياسة السودانية

محمد أزهري: الهارب! (2) – النيلين

قبل أن أبدي له أية مساعدة، زاد الرُّعب في قلبه، سألته هل تأكّدت أنّه ميِّتٌ أو حاولت رفعه من الأرض، وهل هناك دماءٌ أو إصابةٌ ظاهرةٌ، أجاب من الوهلة الأولى، أصابني رعبٌ شديدٌ اقتربت منه وأنا أصرخ (يا دكتور .. يا دكتور)، فلم يجبني، أدركت أنه فارق الحياة، لكن لم يتعرّض لإصابة، ولم أر دماءً على الأرضية، بحثت عن موظف في المكاتب ولم أجد وهذا ما جعلني أخاف، لأنّني الوحيد الذي دخل الشركة في هذا التوقيت، سألته بصراحة (عبود إنت عملت حاجة خائف منها)؟ أجابني وهو يدمع (لا لا والله أنا زول بعول أسرة وكنت بفتِّش ليك عشان تساعدني لأنك عندك علاقات مع ناس الشرطة)، قلت ربما يكون الرجل قد تعرّض لنوبة مُفاجئة غيّبته عن الوعي لحظة عدم استجابته “لعبود” ويحتاج لإسعافٍ، استعنت بشخصين وصعدنا إلى الطابق الأول حسب إرشاده، بالفعل عثرنا على شخص يبدو سميناً بعض الشئ، ممددٌ على أرضية حمام بوابته مفتوحة، رأسه يظهر بالخارج وبقية جسده بالداخل، الحمام مقابلٌ لبوابة مكتبه، يرتدي قميصاً أبيض وبنطالاً أسود، مع سفنجة مكتبية، لا يبدئ أية حركة ولا يتنفّس، مبدئياً لم ألاحظ تعرُّضه لأيّة إصابة، يكفكف أكمام قميصه فوق المنكبين، وبنطاله منتصف الساقين، داخل الحمام ماسورة على حوض يُستخدم للوضوء، طلبت من “عبود” الهدوء ثم أمرته أن يكون ثابتاً وأن لا يُـغادر المكان، أخبرته بأنني سأخطر شرطة النجدة كإجراء قانوني، وطمأنته سأكون معه إن دعا الأمر إلى تحقيق أو مضابط بوليس، قبل وصول الشرطة حاولت التخفيف عنه بأنّ هذه أقدار الله وتصريفاته، الشرطة ستُقيِّد بلاغاً تحت طائلة الوفاة في ظروف غامضة وفقاً للمادة (51) إجراءات في هذه الحالة، ولا تتّهم شخصاً إلاّ بعد الاشتباه في تعرُّض الميت لجناية وتشريح الجثمان، سألته هل تعرف أحداً من أسرته، قال إنّه يحتفظ برقم موظفة واحدة فقط وهي سكرتيرته، طلبت منه الاتصال عليها، بدورها أبلغت زوجته، وصلت الشرطة بالتزامن مع زوجة الطبيب وابنه، كانت هناك مستشفى قريبة من موقع الحادثة أحضرنا منها نقّالة ثم صعدنا، كنا لا نسمع بعضنا من صراخ زوجته، مع حثنا لنقله بسرعة للمستشفى، فهي تستبعد وفاته تماماً، أملها في الله كان كبيراً بأن زوجها على قيد الحياة، ابنه العشريني كان ثابتاً، لكنني اكتشفت أنه مصدومٌ عندما حاولنا رفع الطبيب من الأرض، كان يمسك بطرف والده ثم لا يقوى على الحمل، حتى طلبنا منه الابتعاد وترك المهمة لنا، أنزلناه وأسرعنا به إلى المستشفى، وظللنا نترقّب النتيجة، خاصّةً بعد إصرار زوجته على أنّه حيٌّ، ويحتاج لإسعاف فقط.. المكان اكتظ بالناس، اختلط المرضى بالمُرافقين، يتوسّطهم أفراد الشرطة الذين حضروا.
الأطباء يعملون بهِمّة لإيجاد نبضة حياة تدفعهم للعمل، لكنهم أعلنوا وفاته، تجددت صرخات الزوجة تتوعّد بمقاضاة كل من تأخّر في إسعافه، حتى الأطباء لم يسلموا منها، انشغلت لحظات مع بعض الزملاء ولفيف من تابعوا الحادثة، فجأةً تذكّرت “عبود” الذي وعدني بعدم المُغادرة، بحثت عنه داخل المستشفى، وخارجها أرسلت صبي (غسّال) للبحث عنه، عاد بعد دقائق، وقال إنّه لم يجده لكنه وجد معدات عمله في مكانها، قلت ماذا نفعل بجركانة فارغة وصابون سائل.. إذاً اختفى “عبود” وضرب بالوعد عرض القانون..
نواصل ..
محمد أزهري


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى