محجوب مدني محجوب : ما قاله البشير ليس كذبا
تعريف الكذب أنه يشتمل على شرطين مهمين لا تتحقق صفة الكذب إلا بهما.
هذان الشرطان هما:
الأول: أن يخالف القول الواقع.
الثاني: أن يكون الكاذب يدرك تماما أن الحقيقة غير معلومة؛ لذلك تجد الكاذب ينهار ويعترف بالحقيقة بمجرد اكتشافه أن الحقيقة صارت مكشوفة ومعلومة لدى الجميع.
فالبشير حينما ذكر في إفادته لدى المحكمة أنه مسؤول كل المسؤولية عن انقلاب ١٩٨٩م الذي قامت به الجبهة الإسلامية يدرك تماما أن الشعب السوداني بكل طوائفه وأطفاله يدركون أن هذا الانقلاب ملك للجبهة الإسلامية، هذا الانقلاب الذي لا ينزاعها فيه أحد سواء عسكري أو مدني.
فكل طفل في الشارع لو سألته عن أنشودة أمريكيا روسيا قدنا عذابها سيقول لك أن هذه الأنشودة تبع ثورة الإنقاذ الوطني التي قامت بها الجبهة الإسلامية بقيادة حسن الترابي.
وبما أن البشير يعلم تماما أن الشعب السوداني لا يخفى عليه بأن انقلاب ٨٩ قامت به الجبهة الإسلامية، فما تفسير قوله غير الحقيقة؟
ما تفسير مصادرة البشير لكل ما أنتجته الجبهة الإسلامية وإنسابه إليه رغم علم الجميع بالحقيقة؟
قطعا ما قاله البشير ليس كذبا، فلا أحد يقول الكذب ويعلم أن الجميع يدرك الحقيقة.
عدة تفسيرات لقول البشير غير الحقيقة أمام المحكمة بكل هذه المتعة كما ذكر هو.
منها أنه يريد أن يرد على كل من ذكر أن مشروع ثورة الإنقاذ الوطني هو مشروع فاشل بامتياز، فجاء اعترافه ردا عليهم بمسؤوليته عن هذا المشروع، فالفاشل لا يباهي بالفشل لا أحد يصدح بفشله فها أنذا أصدح به أمامكم مما يعني أنه ليس عملا فاشلا ليس فقط أمامكم بل أمام المحكمة.
منها أنني شجاع لا أتنكر لفعل قمت به. ليوم واجهت به العالم.
منها لا أتنكر ليوم فصلت شيخه منه وحزت به بالكامل.
لا أتنكر ليوم تحديت فيه (أوكامبو) محكمة الجنائيات الدولية.
لا أتنكر ليوم لم أستطع أن أتركه حتى بعد أن انتهت فترة حكمي فيه، فقمت بتغيير كل الدساتير وكل القوانين من أجل أن أظل حاكما.
لا أتنكر ليوم تمسكت به حتى بعد أن رفضه الشعب السوداني.
منها أنه يريد أن يقول لمن تنكر لهذا اليوم أنه يوم يستحق الافتخار لا التنكر.
منها أنه لست مهتما بفرحة كل من فرح بدخولي السجن بسبب هذا اليوم.
منها أن ثورة ١٩ ديسمبر التي قضت على هذا الانقلاب لا تساوي شيئا.
منها أنني لست نادما من جلستي في هذا السجن بسبب هذا اليوم.
منها أنني لست نادما على وقفتي اليوم أحاكم بسبب هذا اليوم.
هذه تفسيرات تشبه اعتراف البشير بمسؤوليته عن انقلاب ٨٩ لا يمكن أن يكون تفسير هذا الاعتراف كذبا، فالكاذب يخفي الحقيقة، فإن كان يعلم أنها غير مخفية على الجميع، فقطعا قوله لما ينافي الحقيقة له غرض آخر.
وما علم سعادة المشير أن هذه التفسيرات أو غيرها لا تقل تفاهة ولا تقل استصغارا ولا تقل تحقيرا ولا تقل ذنبا من تفسير الكذب بل هي أسوأ وأشنع.
فالإصرار على الذنب أسوأ من الذنب.
الإصرار على قلب الحقيقة أسوأ من الكذب.
لأن الكذب يمكن أن يتراجع المرء عنه أما الشعور بالفخر والإعزاز بارتكابه لا يمكن الرجوع عنه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين …)
صحيفة الانتباهة
مصدر الخبر