مجلس المهن الصحية .. المعاناة تمشي على قدمين
يعتبر مجلس المهن الصحية والطبية الجهة المنوط بها تسجيل ممارسي المهن الطبية لأكثر من (20) تخصصاً، مختلفاً، أهمها المختبرات الطبية والتمريض وغيرها من التخصصات، ويستقبل المجلس أكثر من (200) ممارس، في اليوم الواحد مقابل ما لا يزيد عن عشرة موظفين، فقط، مما جعل الضغط كبير جداً، ويكمل الممارس إجراءاته في ظروف بالغة التعقيد، من ضعف في الشبكة والموظفين، فضلاً عن عدم توفير صالة انتظار لهذا العدد الكبير وغيرها من الإشكالات في سياق التحقيق التالي.
أرقام خيالية
وفي حديثها لـ(الصيحة) قالت إحدى الكوادر الطبية التي عبَّرت عن معاناتها بمزيد من الأسى والحزن، وأوضحت أنها ظلت تتردد على المجلس لأكثر من أسبوعين للجلوس لامتحان مزاولة مهنة التمريض، وقالت: إن صالة الإجراءات واحدة وتضم نافذتين فقط، وتقدم الخدمة لأكثر من (27) تخصصاً، في مجال المهن الطبية والصحية، وهي لا تكفي لخدمة العدد الكبير من طالبي التسجيل والتجديد، فضلاً عن أن مساحتها لا تسع الجميع إلى جانب توقف وسائل التهوية من مكيفات ومراوح، وأوضحت أن هناك أكثر من (400) طالب وطالبة، يومياً، ويتوقف التسجيل عند السابعة صباحاً، على أن يبدأ التسجيل بهذا العدد الخيالي عند الخامسة صباحاً، ومن الصعب الوصول للمجلس لمن يأتي من مكان بعيد، وبمجرَّد وصول الساعة للثالثة عصراً، يتم إغلاق الصالة على أن تبدأ إجراءاتك في اليوم التالي من جديد .
صالة أفراح
في الوقت الذي يفترض توفير قاعة للامتحانات مجهزة بالأجهزة والمعدات الإلكترونية، قالت صفاء إنهم يجلسون للامتحان في صالة أفراح، دون توفير أدنى الاحتياجات من إجلاس وتخوت للاستناد عليها، فضلاً عن أن الامتحان ورقي وليس إلكتروني كما هو متعارف عليه خلال السنوات الماضية . إضافة إلى تقليدية الامتحان الذي يتم جزء منه شفهياً، والآخر تحريري من ملزمة يتم شراؤها من المكتبة وتحتوي مائة سؤال وبه الكثير من الأخطاء وما إذا تم تطبيقها عملياً سوف يقع الكادر في خطأ طبي، والطالب ملزم بمحتوى المذكرة ولا يجوز الاجتهاد من خارجها، وترى صفاء أن النتيجة غير عادلة والنجاح بالحظ وهناك من طالب بإعادة التصحيح لثقتهم التامة في النجاح.
تسهيل الإجراءات
ويرى الذين استطلعتهم (الصيحة) أن المجلس لا يرغب في تسهيل الإجراءات، والدليل على ذلك الازدحام أمام النوافذ، وكان من الأجدر أن يتم تخصيص نافذة لكل إجراء، ولكنها جميع الإجراءات في نفس النافذة ابتداءً من التسجيل وسداد الرسوم وتأكيد عملية الدفع واستلام الشهادات وغيرها من من الإجراءات. وهناك تعقيدات كبيرة تواجه الكادر الصحي أهمها الدفع الإلكتروني الذي دائماً ما تكون هناك إشكالية في الشبكة مما يؤدي إلى توقيف العمل بشكل تام، إلى جانب الوسطاء الذين يتقاضون مبلغ (500) جنيه، مقابل الدفع الإلكتروني، وجميع الإجراءات قد تكلف الكادر (8) آلاف جنيه، ولكن بالمقابل ينفقون ثلاثة أضعاف المبلغ في الموصلات للحصول على الشهادة .
سكن داخلي
وبما أن سكان ولاية الخرطوم من طالبي التسجيل والتجديد ينفقون أكثر من (50) ألف جنيه، في المواصلات نتيجة الفترة الزمنية الطويلة في إنهائهم للإجراءات و استحالة تكملتها في نفس اليوم. اتجه عدد من الكوادر الصحية للقادمين من خارج الولاية للسكن الداخلي لعدم وجود مكاتب بولاياتهم، فضلاً عن عدم وجود إمكانية الذهاب والإياب مما يجعل هناك مشقة في تكملة الإجراءات، ومع ذلك يتم توكيل مهمه استلام الشهادة لأقاربهم لعدم وجود سقف زمني لاستلامها .
ثغرة للتزييف
فيما كشف عدد من الممارسين أن ماكينة البطاقات متعطلة منذ أكثر من عامين ويتم منح الممارس بطاقة (بي دي اف) عبر تطبيق واتساب، واعتبروها ثغرة كافية للتزوير، لانتشار التطبيقات العاملة في تغيير الأسماء والوجوه .
فكر كافي
ونفس المعاناة وأكثر تواجه الكادر الذي يأتي لتجديد سجلة خاصة من هم كبار في السن ومنهم من جاء من خارج البلاد في إجازة ويحتاج لشهادة تجديد، إلا أنه يواجه نفس الإجراءات، لعدم وجود مكاتب تجديد بسفارات السودان بالخارج، مع أن إنشاء مثل تلك المكاتب يوفر عملة أجنبية إلا أن الحكومة ليست لديها الفكر الكافي لاتخاذ تلك الخطوة هذا بحسب حديث محمد عبد المولى، مختص المختبرات الطبية والذي يعمل في إحدى دول الخليج، وقال: إن ثلاثة أرباع إجازته قضاها بين دهاليز مكاتب مجلس المهن الصحية والطبية .
جسم مركزي
وهناك خبراء في هذا المجال ولديهم باع طويل في مجال المهن الصحية والطبية، ومن هؤلاء الخبراء دكتور مصعب برير، رئيس جمعية اتحاد الصحة السودانية و الذي قال لـ(الصيحة): إن المجلس مهني ولديه أهداف كبيرة جداً في تنظيم المهنة ووضع مساراتها وضمان الخطة التصورية والتأهيل المهني قبل الممارسة باعتبار أن الصحة لديها تحديثات شبه يومية . وعليه يتطلب أن يتوسع المجلس في جميع الولايات بشكل أكثر فاعلية، لتقليل التكلفة باعتبار أن تكلفة الوصول الخرطوم وإكمال الإجراءات هي تكلفة باهظة جداً، وآن الآوان لتقليل الظل الإداري حتى لا تزيد معاناة الممارس بالحضور للمركز، وشدَّد على ضرورة حصر دور المجالس في التطوير المهني للممارس، ومراجعة القيودات بسجلاتها، ويرى برير أن القيد الحالي والتجديد في تلك الفترة الزمنية غير مبرر ولا يعدو كونه زيادة في العبء المالي دون مقابل ملموس، وأضاف قائلاً: نحن في اتحاد الصحة السودانية نرى لابد من إعادة النظر في المجالس المهنية المختلفة وكانت هناك فكرة في دمجها باعتبار أنها تهتم بالتطوير بالمهني، وشدَّد على ضرورة تعديل قوانين تلك المجالس بحيث تسمح بوجود فروع لها بالولايات، لأن الحكم الآن لا مركزي وتتطلب الآليات لذلك، لتحقيق الانتشار والعدالة بشكل شفاف وواضح، وأرجع شكل الامتحان الحالي إلى أن الهدف منه ليس أكاديمياً ولكن لإثبات الكفاءة والسماح بممارسة المهن الطبية والصحية والنفسية وغيرها، بل يفترض أن تكون امتحانات مهنية لممارسة المهنة، وقال: إن هناك ضعف بائن في قضية الممارسة المهنية من حيث التطبيقات الحقلية للممارسة، وعلى المجالس تحديد المسارات أثناء فترة الامتياز عبر كراسة التدريب في جميع المراحل الإشرافية حتى يثبت الطالب بأنه كفء لممارسة المهنة. وأشار برير إلى أن المجلس بذل مجهود كبير في وضع امتحانات مهنية، إلا أنه عاد وقال: لابد من إيجاد جسم للتدقيق في تلك امتحانات الكفاءة المهنية والتأكد من أنها مستوفية للمعايير، رغم أن التعليم العالي لديه لجنة الامتحان الأنموذج تضع امتحان التخصصات الطبية والصحية مع مجلس التخصصات الطبية، ولكن لابد من وضع جسم لمراجعته وتدقيقه حتى لا تكون هناك ثغرات، كما شدَّد على ضرورة تحديثها لتواكب المتغيِّرات التطبيقية على أن تكون مركزية وتوزع لبقية الولايات.
قرار إيقاف
فيما أقر الأمين العام لمجلس المهن الطبية والصحية القومي دكتور زكي محمد البشير، عند عودتهم في شهر مايو المنصرم، بصدور قرار بإيقاف فروع المجلس بالولايات، بعد تعرُّض مركز الامتحانات لحريق أدى لتوقف (25) جهاز كمبيوتر، يجلس (75) ممارساً، في اليوم، مما أدى لتكدس للممارسين على مدى ثمانية أشهر، وكان عليهم العمل بنظام الدوامين نسبة لضعف القوى العاملة، وأضاف زكي: إن المجلس شرع في افتتاح فروع في (15) ولاية (4)، ولايات الآن بدأت العمل فعلياً وهي: الجزيرة، البحر الأحمر، شمال كردفان وشمال دارفور .
إشكالات متعدِّدة
وعدَّد زكي العديد من العقبات التي تواجه المجلس أهمها مشكلة التحصيل الإلكتروني لضعف في الشبكة ويحتاج أكثر من ثلاثة أيام، لمراجعة عمليات الدفع، وهناك مساعٍ لتحسينها وحلها، فضلاً عن مشكلة عدد الموظفين فهو قليل جداً مقارنة مع الخدمات المقدَّمة من قبل المجلس للممارسين، إلى جانب ضعف معينات العمل، بالإضافة إلى توقف ماكينة البطاقات لأكثر من عامين لأسباب سياسات مالية وعطل بالطابعات وارتفاع أسعار السوق، وهناك أكثر من (30) ألف بطاقة، متأخرة، والآن استجابت وزارة المالية لتمويل حل مشكلة البطاقات بمبلغ (10) ملايين جنيه، الآن في مرحلة فرز العطاء، وأقر بتعويض المجلس استخراج البطاقات ببطاقة (بي دي اف)، نافياً وجود أي تزوير فيها وأرجع ذلك للضابط الإلكتروني بإرسال إنذار داخل السستم وتعرض الممارس للمساءلة القانونية من عام إلى سبع سنوات، سجن، وقد تصل العقوبة إلى سحب الرخصة. وقال -أيضاً- إن مشكلة صالة الإجراءات -أيضاً- في طريقها للحل بتصديق من وزارة المالية بإنشاء صالة بمواصفات عالية والآن في طور إعداد تلك المواصفات، وأضاف قائلاً لـ (الصيحة): لكن كحل مؤقت قام المجلس بتوفير أدوات تهوية إضافية إلى جانب الانتظار خارجاً لتخفيف الازدحام، لذلك يعمل المجلس الآن على تحسين بيئة العمل وتوفير معيناته، وتحقيق الرضى الوظيفي للعاملين .
وفيما يختص بالجلوس للامتحان داخل قاعة أفراح علَّق دكتور زكي بأنه وبعد احتراق المركز كانت هناك خيارات ضعيفة أمام المجلس لانعدام الميزانيات لذلك لجأ إلى الطريقة الحالية مؤقتاً، بعد تكوين لجنة اعتماد مراكز الامتحانات بالتعاقد مع المالية مباشرة، والآن تمت مخاطبة جامعة النيلين والزعيم الأزهري وأم درمان الإسلامية والإمام الهادي وكلية المشرق وكلية الدراسات المحاسبية والمصرفية لنقل الامتحان لتلك المراكز في حالة وجود ردود إيجابية منهم.
وأقر دكتور زكي بضرورة تطوير الامتحان، وأن هناك معالجة للتجديد من خارج البلاد عبر التوكيل الشخصي موجهاً جميع الممارسين باتباع الخطوات الرسمية وعدم تجاوز الإجراءات.
تحقيق: أم بلة النور
صحيفة الصيحة
مصدر الخبر