السياسة السودانية

ما واقع تراجع معدل التضخم في السودان؟

“بلا شك، الأزمة السياسية في البلاد المستمرة منذ سبعة أشهر لها تأثير سلبي في الاقتصاد، وفي حال حدث توافق سياسي بين الأطراف المختلفة، سينعكس الأمر إيجاباً على الجانب الاقتصادي” (اندبندنت عربية – حسن حامد)

في خطوة تخالف الواقع الاقتصادي المتردي في السودان، أعلن الجهاز المركزي للإحصاء في البلاد تراجع معدل التضخم في أبريل (نيسان) إلى 220.71 في المئة على أساس سنوي مقارنة مع 263.16 في المئة في مارس (آذار)، وعزا الجهاز، في بيان، هذا التراجع في التضخم، إلى انخفاض المستوى العام في الأسعار خلال أبريل مقارنة مع نظيره في عام 2021، حيث سجل معدل تغيير شهري بنسبة 17.96 في المئة، لكن، كيف يقرأ الاقتصاديون انخفاض معدل التضخم في هذا البلد، ومدى واقعيته وحقيقته، في ضوء مؤشرات وأداء الاقتصاد السوداني، وما توقعاتهم له في المستقبل القريب؟

السودان-2.jpg
“ارتفاع أسعار النفط العالمية والقمح جراء الحرب الروسية الأوكرانية تسبب أيضاً في ارتفاع السلع والخدمات في البلاد” (اندبندنت عربية – حسن حامد)

زيادة الإيرادات

في هذا السياق، أوضح أستاذ الاقتصاد في الجامعات السودانية عبد العظيم المهل أن “من المعلوم أن انخفاض معدل التضخم لا يعني انخفاض أسعار السلع، وإنما يعني انخفاض معدل زيادة الأسعار، فإذا كانت الأسعار في البلاد تزيد بنسبة 400 في المئة نجدها انخفضت إلى 200 في المئة، وهو بلا شك معدل عال جداً من التضخم، ومن المفترض أن ينخفض هذا المعدل أكثر من ذلك بكثير، لكن للأسف الشديد نجد أن مراكز القوة بما فيها الدولة نفسها هي التي تمنع انخفاضه”، وأضاف المهل، “ارتفاع التضخم كان مرتبطاً بسعر الدولار، فعندما بلغ سعر الدولار الواحد 800 جنيه سوداني خلال مارس ارتفعت الأسعار بشكل كبير، لكنها ظلت كما هي عندما انخفض الدولار إلى 570 جنيهاً، فالدولة، على الرغم من تحكمها في بعض السلع كالمحروقات والسكر، إلا أنها مارست سياسة التجار والمستوردين نفسها، وغضت الطرف عن ذلك باستمرار الأسعار، لأن لديها مآرب أخرى، إذ تريد تغطية نفقات الدولة بزيادة مصادر الايرادات ولو على حساب المواطن، بالتالي، بقي التضخم الحالي عالياً جداً ولا يتناسب مع دخل الفرد، مقارنة مع عدد من دول العالم التي غالباً ما يكون التضخم فيها في حدود واحد إلى سبعة في المئة”.

انعدام الرقابة

ونوه أستاذ الاقتصاد إلى أن من المفترض أن ينخفض التضخم أكثر مما هو عليه الآن بكثير، باعتبار أن سبب زيادة الأسعار قد انتفى في حال كانت هناك بالفعل رقابة حكومية، مبيناً أن المؤشرات الاقتصادية تشير في جزء كبير منها إلى أنها تتجه نحو الاستقرار المشوب بالحذر، فعلى سبيل المثال، سعر الصرف ما بين 570 و580 جنيهاً مقابل الدولار الواحد، وهذا يعد مؤشراً إيجابياً، كما أن الإنتاج الزراعي في تحسن مستمر، لكن يحتاج التزام الدولة تنفيذ وعودها تجاه المزارعين، بخاصة من ناحية سداد مستحقاتهم الخاصة في سعر القمح حتى لا تحدث انتكاسة أو رد فعل سلبي، فضلاً عن أن القرارات الاقتصادية أصبحت أكثر تناسقاً خلاف ما كان يشوبها من تناقض وتجاذب.

وتابع المهل، “بلا شك، الأزمة السياسية في البلاد المستمرة منذ سبعة أشهر لها تأثير سلبي على الاقتصاد، وفي حال حدث توافق سياسي بين الأطراف المختلفة، سينعكس الأمر إيجاباً على الجانب الاقتصادي، بالتالي، لغاية الآن، لا نستطيع القول إن هناك نمواً إيجابياً، لكن بشكل عام يجب أن تنخفض أسعار السلع أكثر من الآن، بالنظر إلى انخفاض سعر الصرف”.

تدني الدخل

في السياق، أشار الباحث الاقتصادي السوداني هيثم محمد فتحي إلى أن “الجنيه السوداني يعد من أكثر العملات في العالم التي تعاني من التضخم حالياً، والارتفاع المتزايد لأسعار السلع والخدمات، أكبر مؤشر للتضخم المالي في السودان”، ونوه إلى أن التضخم يؤثر سلباً في شريحة كبيرة من المجتمع، وهي فئة محدودي الدخل وأصحاب الدخول الثابتة والمعاشات، الذين تزداد معاناتهم جراء ارتفاع مستويات الأسعار، نظراً لانخفاض مستويات مداخيلهم الحقيقية، إذ إن تدني دخل الفرد في السودان الذي زاد من معدلات البطالة القياسية، فضلاً عن تراجع الإيرادات العامة وتوقف المنح والمساعدات الخارجية لحكومة الخرطوم بسبب الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) بإعلان حال الطوارئ وتعطيل الشراكة مع المدنيين، أدى إلى ارتفاع العجز الكلي، بخاصة مع استمرار التباطؤ في الاقتصاد.

وتابع فتحي، “كما أن ارتفاع أسعار النفط العالمية والقمح جراء الحرب الروسية الأوكرانية تسبب أيضاً في ارتفاع السلع والخدمات في البلاد، بخاصة أن تلك الدول أحجمت عن التصدير بسبب الحرب، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار القمح والوقود”، وأكد أن ما حدث من انخفاض في التضخم جاء نتيجة ارتفاع معدل الركود في الأسواق قياساً بأسعار الدولار، إلى جانب انخفاض دخل الأسر السودانية، ما أدى إلى خفض استهلاكها اليومي من السلع الضرورية، مبيناً أن الاقتصاد السوداني الآن في أوج ضعفه، فهناك عرض كبير للسلع مقابل انخفاض في الطلب، فضلاً عن توقف حركة النقل بين المدن وداخلها، بخاصة العاصمة الخرطوم.

نقص الصادرات

ورأى الباحث الاقتصادي أن أسباب التضخم المالي في البلاد تعود إلى زيادة حجم الإصدار النقدي لتمويل عجز الموازنة، إضافة إلى نقص في الصادرات وزيادة حجم الاستيراد، وأوضح أن التضخم يعرف بأنه ارتفاع في الأسعار والكلف وما ينتج من ذلك من تدهور في القوة الشرائية للنقود، فضلاً عن أنه يتسبب في زيادة الكتلة النقدية المتداولة، كما أن انخفاض معدل التضخم لا يعني بالضرورة تراجع أسعار السلع، لكنه يعني تراجعاً في الرقم القياسي لأسعار السلع الاستهلاكية، فالمواطن يشعر بانخفاض أسعارها في حال زيادة دخله الشهري، بيد أن الزيادة في الأسعار أمر مطلوب من أجل تحفيز المصنعين والمنتجين على زيادة إنتاجهم في الأسواق على أن تكون نسبة زيادة الأسعار معقولة.

موائد رمضان تختبر قدرات السودانيين لحل أزمتهم السياسية
وتوقع فتحي أن تكون هناك تأثيرات لموجة التضخم العالمية في معدل التضخم في السودان خلال الفترة المقبلة، حيث ما زالت أسعار البترول والغاز والسلع الزراعية في العالم في زيادة، مشدداً على أن الحل في خفض معدلات التضخم يتمثل في زيادة المعروض المحلي من السلع، لا سيما وأن من غير الواضح متى ستنتهي موجة التضخم العالمية الحالية.

زيادة العجز

ويواجه السودان مصاعب اقتصادية جمة منذ قرارات 25 أكتوبر التي أعلنها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان تحت دواعي الخطوات التصحيحية لإحداث توافق سياسي، لكن المجتمع الدولي اعتبرها انقلاباً عسكرياً، ما قاد معظم دول العالم ومؤسسات التمويل الدولية والإقليمية إلى التوقف عن تقديم ما وعدت به من مساعدات في شكل منح وقروض تقدر بمليارات الدولارات، بالتالي دخلت البلاد في عزلة اقتصادية جديدة.

وعلى إثر ذلك، فقدت الدولة السودانية 40 في المئة من إيراداتها، وجمد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ملياري دولار من المساعدات كانا بصدد تقديمها للحكومة الانتقالية، فضلاً عن تجميد واشنطن 700 مليون دولار، وشحنة قمح بحجم 400 ألف طن كانت ستقدمهما هذا العام.

وكان وكيل وزارة المالية السودانية عبدالله إبراهيم، توقع في وقت سابق، زيادة نسبة العجز بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا التي أدت إلى زيادة أسعار النفط، ما يعني أن بند الدعم في الموازنة سيواجه إشكالات مستمرة، بيد أنه أكد أن وزارته فقدت المسؤولية عن إدارة الاقتصاد الوطني، كما اشتكى من وجود مشكلات في الشمول المالي ورسم السياسات، وعاب على بنك السودان المركزي عدم إشراك منتجي الذهب في سياساته.

إندبندنت عربية

ehtimamna


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى