السياسة السودانية

ما أسباب تأخر حسم عقبة النفط بين الخرطوم وجوبا؟

[ad_1]

بخلاف التصور القديم الذي استعمل فيه النظام السوداني السابق النفط لضمان استمراريته وتحدي المجتمع الدولي، لمدة ثلاثين عاماً من الدكتاتورية العسكرية، تعيد الحكومة الحالية النظر إلى النفط باعتباره وسيلة لإنقاذ البلاد وعلاج الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها وتعزيز موقفها الدولي المتداعي سياسياً. وبغرض جذب شركات الطاقة العالمية في مجال النفط والغاز ذات القدرات العالية للاستثمار النفطي في البلاد التي شهدت تراجعاً كبيراً خلال السنوات الماضية، وذلك بعد تحلل السودان من القيود الدولية. وكتطور طبيعي لاعتماد حكومة الرئيس السابق عمر البشير في تسيير عملها على عائدات النفط، بينما أجزاء شاسعة من البلاد في حالة من الفقر وتدهور مستوى المعيشة، هو سقوطها بعد سبع سنوات من انفصال جنوب السودان وذهاب حوالى 75 في المئة من النفط إلى الدولة الجديدة.

تعمل الحكومة الانتقالية على محورين، الأول هو إنعاش المربعات النفطية التي تضم مناطق تم اكتشافها من قبل، وهي منتجة ويُعمل على تطويرها، وأخرى استكشافية واعدة. وتتركز المربعات النفطية في السودان، بحسب الإدارة العامة للاستكشاف والإنتاج النفطي، في “26 مربعاً، منها 5 بحرية تغطي المياه الإقليمية والمناطق الساحلية للبحر الأحمر و21 مربعاً برياً تشمل الولايات المختلفة”.

أما المحور الثاني، فهو في إطار المباحثات المشتركة بين دولتي السودان وجنوب السودان التي تهدف إلى تطوير التعاون المشترك في مجال النفط، وبحث الترتيبات الفنية والمالية وزيادة الإنتاج النفطي وتقييم تنفيذ الاتفاقيات السابقة والتحديات التي واجهتها. وعلى الرغم من الظروف المحيطة بالبلدين من عدم الاستقرار السياسي ونزاعاتهما الداخلية، تحاول الدولتان تجاوز عقبة النفط التي فاقمها الانفصال.

فرص ضائعة

توفرت للسودان فرصتان لإنتاج النفط، الفرصة الأولى في سبعينيات القرن الماضي عبر شركة “شيفرون” الأميركية التي وقعت اتفاقية قسمة الإنتاج مع حكومة السودان في عام 1976. واكتشفت “شيفرون” الغاز الطبیعي من حقلي بشائر وسواكن في شرق السودان في 1976، وأُنشئ خط أنابيب بورتسودان- الخرطوم. ثم حفرت حوالى 95 بئراً استكشافية منها 36 منتجة و49 جافة، ثم أعلنت “شيفرون” اكتشاف النفط بكميات تجارية في آبار الوحدة شمال مدينة بانتيو في جنوب السودان. وحُفرت البئر الأولى في منطقة أبو جابرة جنوب كردفان في عام 1978. ثم توسعت مساحتها الاستكشافية وشملت مناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان، ومدن بانتيو وملكال والمجلد وحقول هجليج في أعالي النيل في الجنوب.

غاردت “شيفرون” السودان بعد هجوم قوات التمرد على أفرادها في حادثة “ربكونا” عام 1983. وفي 1988، تعدلت الاتفاقية وأُلزمت الشركة حفر بئرين كل عامين أو التنازل عن مساحة محددة من الامتياز. ولم تنجز ما اتفق عليه حتى 1990، فتنازلت “شيفرون” عن منطقتي أبو جابرة وشارف أي بعد 9 أشهر تقريباً من مجيء حكومة “الإنقاذ”، وآلت إلى شركة “كونكورب” المملوكة لرجل الأعمال السوداني محمد عبدالله جار النبي.

أما الفرصة الثانية، فكانت في تسعينيات القرن الماضي حين استأنفت الصين العمل في اكتشاف النفط واكتشفت حقولاً أخرى هي الفولة، والفولة شمال، وموقا وغيرها. بدخول الشركة الوطنية الصينية في التنقيب والاستكشاف والاستثمار النفطي في السودان، ضمن تجمع شركات “كونسورتيوم” من شركة “النيل الكبرى لعمليات البترول” التي تضمنت في عضويتها الشركة “الوطنية الصينية للنفط والغاز” وشركة “بتروناس” الماليزية وشركة “أو جي أن سي الهندية النفط والغاز”، بغرض وضع برنامج استكشافي وتطویري بزیادة المخزون النفطي، وتشیید میناء بشائر للتمكن من تصدیر النفط السوداني، وتقديم الخدمات في مناطق إنتاج النفط وعلى طول خط الأنابيب لسكان تلك المناطق. وتعد الشركة الصينية حجر الزاوية لهذا التجمع، وظهرت أهميتها في ضخامة حجم الاستثمار النفطي ودمجته باستثمارات في مجال البنية التحتية والإنشاءات، وفي استمراريتها النابعة من حرصها على ملء الفراغ الذي تركته الشركات الأميركية.

اتفاقيات سابقة

في المباحثات الأخيرة بين الخرطوم وجوبا خلال الأسبوع الماضي، تمت الإشارة إلى اتفاقية عام 2012 التي وقعت بعد انفصال الجنوب، وانقضى أجلها في مارس (آذار) 2022، واتُفق بموجبها على نقل خام دولة جنوب السودان ومعالجته. وعلى الرغم من إيفاء دولة جنوب السودان بحوالى ثلاثة مليارات دولار هي التزاماتها المالية الناتجة من الانفصال، إلا أن الاتفاقية انتهت دون أن تُحل مسائل عالقة متوارثة من النظام السابق. وبينما يأمل الطرفان توقيع اتفاقيات جديدة، فإنه لا بد أن يُؤسس أولاً لحل القضايا العالقة التي ستنتقل تلقائياً مع الاتفاقيات الجديدة، على الرغم من التصريح بأنها ستكون مبنية على قاعدة فنية واقتصادية وليست سياسية.

خلت اللقاءات بين وفدي حكومة الجنوب والحكومة الانتقالية من بروز الخلافات على سطح الأحداث، على عكس ما كان يتم في ظل النظام السابق من احتكاكات وتراشق واتهامات بين الطرفين. فالنظام السابق كان المستفيد الأكبر، وكل ما كان يحول لحكومة الإقليم كان لا يذهب إلى المجتمع المحلي كما نصت الاتفاقيات الأولى.

وكانت المواجهات السابقة بين الطرفين متأثرة بالحرب الأهلية في جنوب السودان التي بدأت في 1955، واستعر أوارها مع الانقلاب الذي نفذه العسكريون بمساندة “الحركة الإسلامية السودانية” عام 1989، واتخذت طابعاً جهادياً دينياً إضافة إلى جذوره الإثنية، وأصبحت حرباً بين الشماليين العرب المسلمين والجنوبيين المسيحيين. واتخذت من عنصر الأرض التي اكتشفت فيها حقول النفط مادة أخرى للصراع، ابتداءً من هجوم المتمردين على موظفي شركة “شيفرون”، ثم أحداث عدة نفذها متمردون في ما بعد على موظفي الشركة الصينية للبترول، باعتبار أنهم تابعون للحكومة في الخرطوم.

وبعد انقسام الجنوب، أصبحت الحقول نقطة ارتكاز اقتصاده الناشئ، ولكن حالت الحرب والصراعات المستمرة دون الاستفادة من هذا المورد المهم. مع ذلك، وقعت خلافات كبيرة بين النظام السابق وحكومة جنوب السودان الوليدة، إضافة إلى الخلافات بين الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار، وسعي كل منهما بفصيله إلى السيطرة على السلطة والثروة.

واقع النفط

تواجه دولة جنوب السودان انخفاضاً في إنتاج النفط نتيجة للصراعات السياسية والعسكرية، إضافة إلى الاضطرابات البيئية بسبب الفيضانات وحرق القرى. ما أدى إلى تهجير السكان وأثر في العمالة والمجتمعات المحلية في مناطق الإنتاج. وتعتزم الدولة توسيع الاستثمار الأجنبي، إضافة إلى استثمار الشركة “الوطنية الصينية” و”أو جي أن سي” الهندية وشركة “بتروناس” الماليزية.

هل تعيد “الآلية الثلاثية” السودان لـ”حضن” المساعدات الاقتصادية؟
وبدأت تعود إلى الواجهة احتمالات عودة الاهتمام الأميركي بدولة جنوب السودان، وقد سبق أن حصلت على مؤازرة مباشرة في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وانطلق من أن الدولة نقطة مهمة لمكافحة الإرهاب، وتقع في بؤرة وسطى لانتقال الجماعات الإرهابية بين شرق وغرب القارة الأفريقية. وفي ذلك الوقت، كانت بدايات تحالف هذه الجماعات الإرهابية مع جماعات المعارضة المحلية في الدول الأفريقية، فتشكلت منظمات متطرفة متولدة من تنظيم “القاعدة”، ونشطت حركات مثل “جيش الرب الأنغولي” و”حركة الشباب الصومالية”، فزادت الولايات المتحدة وجودها العسكري في أنغولا وجنوب السودان والصومال. ولا تزال هذه الحركات تسبب تهديداً مستمراً لأمن القارة ومصالح الدول الغربية. وعبرت الولايات المتحدة عن سعيها لحماية نفط دولة الجنوب لمساعدة الدولة الجديدة في عملية التنمية.

تحديات قائمة

واجهت الاتفاقيات السابقة كثيراً من التحديات، منها عدم حسم قضية أبيي وتبعيتها إلى شمال أم جنوب السودان، ثم سداد ديون السودان للصين من هذه العائدات النفطية وكيفية تعيين قيمة السداد للبلدين، هناك أيضاً تذمر المجتمعات المحلية لعدم حصولها على نصيبها من العائدات بشكل عادل. وفي هذه النقطة طالب الرئيس السابق عمر البشير باستمرار اقتسام عائدات النفط بنسبه المتفق عليها حتى بعد الانفصال أو دفع رسوم وضرائب على مرور النفط عبر الأنابيب في السودان وصولاً إلى ميناء التصدير في بشائر شرق السودان، “أو فلتبحث دولة الجنوب عن منفذ آخر لتصدير نفطها”.

وتعد قضية أبيي مشكلة أصيلة منذ بداية اكتشاف النفط في حقولها، فوفقاً لاتفاقية أديس أبابا الموقعة بين حكومة الشمال و”الحركة الشعبية لتحرير السودان” (قطاع الشمال) في الجنوب، تم الاتفاق على الترتيبات الأمنية والسياسية، ووضع حل نهائي للأزمة ووضع حد للتصعيد.

“لعنة الموارد”

ربما يتواصل تشكل الصراع على الموارد في إشعال الحروب في السودان وجنوب السودان متحدة مع أشكال أخرى، وذلك ما كانت عليه الحال منذ ظهوره في بدايات تكوين الدولة السودانية عقب الاستقلال. ثم دخل النفط أخيراً ليضيف بعداً آخر التحمت فيه العناصر كلها بما فيها ما يُطلق عليه “لعنة الموارد”. واستمر السودان باختلالات ميزان التوازن التنموي والاقتصادي والصراع السياسي. وانتقلت أزمة النفط إلى حكومة الجنوب والحكومة الانتقالية. وللخروج من هذا التأثير، ولإزالة عقبة النفط من العلاقات بين الدولتين، وبدافع ما تشهده المنطقة وأفريقيا بما يسمى “حمى البحث عن النفط”، يتحتم على الدولتين التعامل مع القضية وفق اتفاقيات جديدة لا تقتصر على نقل النفط عبر الشمال، وإنما التعاون لزيادة الإنتاج النفطي وتطويره وفق خطة استراتيجية تضمن قسمة عادلة. ويستلزم الحل إعادة هيكلة الاقتصاد السوداني على اعتبار المتغيرات الجديدة التي دخل فيها عنصر النفط الرابط بين الدولتين.

مني عبد الفتاح
اندندت عربية

[ad_2]
مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى