لماذا تفشى خطاب الكراهية في المجتمع السوداني متزامنا مع ثورة ديسمبر 2023 ؟
أولا، ظاهرة تفشى الكراهية بين أبناء الوطن، جاءت متلازمة مع ثورة ديسمبر. أي لم تكن موجودة من قبلها. أي أن هنالك رابط بين ظاهرة الغلو والفجور في الخصومة وبين ثورة ديسمبر.
١/ القحاته لوثوا الجو العام بخطاب الكراهية. مثل: (سنزفهم الى المقابر. سيصرخون. أي كوز ندوسو دوس. سنفصلهم عن العمل ولو إجراءات تعينهم كانت سليمة ولو كانوا الشريف الارضي. نحن فقط من يحق لنا التظاهر. والله ما ح نخلي فيهم واحد. ثم الاعتداءات المباشرة. التشهيير … وغيرها من عشرات الأمثلة).
ضغط القحاتة على بعضهم البعض، فيما بينهم، بحيث كلما فجر أحدهم أكثر في الكراهية، كلما زادت مكانته بينهم، بل وزاد توهمه بالنضال والوطنية …الخ.. ليس هذا وحسب، بل ان الديسمبريون استخدموا خطاب الكراهية كرافعة سياسية تتيح لهم أفعال لايستطيعون القيام بها في الظروف الطبيعية. مثل عدم احترام الكبير، عدم احترام الاستاذ، عدم احترام حق الجيرة وتمزيق رابطة الزمالة وحتى رابطة الدم. المبرر الوحيد لتجاوز كل هذه الروابط الأصيلة الراسخة في المجتمع، وتحويلها الى عداء فاحش وتعدي مباشر جماعي وفردي، ومبرر هو عامل الكراهية والشيطنة. (فلان كوز. يكفي أن تهدر دمه وتتعدى على كل حرماته وانت مطمئن أن قومك سيؤيدونك ويعضددون عمك بل ويصفقون لك بأسمى آيات الاعجاب)
هذا التفسير والتحليل في البعد العام والجماعي، ولكن هنالك بعد آخر خاص وشخصي . وهو أن جو الكراهية العام هذا، وفر بيئة خصبة بحيث انفجرت بسببه عقد نفسية قديمة لبعض الأفراد، كانت مختبئة في أعماق أنفس كثيرة للعديد من الناس. عُقد شخصية مثل الحقد والكراهية وحب الانتقام الناتج عن الشعور بالدونية والرغبة في لفت انتباه الناس او السماع والاستمتاع باشادتهم. كان جو التسامح العام، قبل ثورة ديسمبر، يمنع هذه العقد من مجرد الظهور، وان ظهرت كان المصلحون يهدئون من روعها ويكبحونها…
أما اصحاب هذه العقد، فقد كانت أنفسهم تتوق لجرح فلان أو التربص بفلان أو الانتقام من فلان، فلايستطيعون ولا يجدون ما يشفي غليلهم، فتتراكم هذه الاحاسيس السالبة في اللاوعي، بانتظار أن تنفجر يوما ما. ولكن وما ان انفجرت ثورة ديسمبر، ونشرت ثقافة الانتقامية وفجرت في الخصومة ونشرت الكراهية، حتى انفجرت تلك العقد القديمة في المجتمع، كالبركان الهايج، التسونامي الذي لا يبقي ولايذر ويدمر كل شيء أمامه لا يبالي بسابق عشرة ولا رحم ولا زمالة ولا جيرة ولا اسلام ولا قيم ولا أخلاق. دوس فقط. يكون صاحبه في حالة مغايره للمعهود ويتحول الى شخصية مختلفة. وهو في وضعه الجديد هذا تتملكه نفسه الأمارة بالسوء، فيقسو ويقسو ويقسو ويستمر ويتمادى ويتقوى بمن معه، يوما بعد يوم حتى يتم يتجاوز كل الرصيد السابق من عشرة وزمالة ورحم، فلا يستطيع كبح جماح نفسه ولا يرغب.
ذلك هو التفسير يا صديقي. فلا تعجب.
بقلم د. محمد عثمان عوض الله
5 يوليو 2023
مصدر الخبر