كيف صنع حميدتي دولته واستباح الخرطوم بيت بيت وسوق سوق ومؤسسة مؤسسة
[ad_1]
تحالف الإطاري طبيعته سياسية عسكرية بأطرافه الثلاثة، وهي أحزاب قوى الحرية والتغيير المركزي، وقوات الدعم السريع، رئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان.
لقد عمل هذا التحالف على خلق “فرعون” القرن بالسودان كما أحب توصيفه، وهو حميدتي قائد قوات الدعم السريع، وجميعهم ظنوا أنهم باستطاعتهم استغلاله حسب أهدافهم الخاصة مجتمعين أو كل على حدة.
للتغطية والتمويه والتضليل، تم الترويج بأن صناعة دولة “حميدتي” إنما أُنشئت خصيصاً لهدفين رئيسيين:
الأول: تفكيك منظومة الحكم السابق
الثاني: حراسة التحول الديمقراطي عبر أمام الاتفاق الإطاري
لقد روجوا أن هذه هي الوصفة السحرية ليتعافى السودان، فبلع ثلاثتهم الطعم الذي صنعوه بأيديهم، وتمادوا فيه جميعاً بتوزيع الأدوار فيما بينهم بالمشاركة الجماعية أحياناً وبالتواطؤ والصمت أحياناً أخرى.
استمرت هذه السياسة إلى أن ارتد السحر على الساحر، فاستيقظوا ذات صباح يتشاكسون حول الاتفاق الإطاري وحول دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني، لمحاولة تفكيك الجيش وإعادة هندسة المشهد السياسي برؤياهم الخاصة ثم صنفوا السودانيين إلى درجات وطبقات:
“من يحق له التفكير لهندسة المشهد السياسي، ومن يحق له الصياغة، ومن يحق له التوقيع فقط، ومن يحرم الآن من كل ذلك ولكن يسمح له بالمشاركة لاحقاً، ومن يحق له المشاهدة، وأخيراً من يقبع داخل السجون إلى الموت”.
بعد أن انتهوا من هذه المرحلة قالوا دخلنا في المرحلة النهائية، وهي مرحلة تنفيذ الاتفاق الإطاري بالقوة رغم المعارضة الشديدة له، فوزعوا الأدوار النهائية بالتزامن كالاتي:
حميدتي يحشد قواته وينشرها ومن ثم قوى الحرية والتغيير تقوم بدور مسعر الحرب بغطائها السياسي فتضخم حميدتي وتشكره وتهدد به بصريح العبارة: (إما الإطاري وإما الحرب).
فإذا بـ “الدوشكا” تنهمر على الخرطوم في 7 أماكن متزامنة وهي: “المدينة الرياضية، مطار مروي، بيت البرهان، مطار الخرطوم، القيادة، القصر الجمهوري، وبيت الضيافة”.
لكن بعد أن تلقى “حميدتي” هزيمته وفشل في تحقيق أهدافه الرئيسية، قامت قواته “الدعم السريع” باستباحة الخرطوم بالكامل “بيت بيت وسوق سوق ومؤسسة مؤسسة”.
ننظر في هذا المقال الطريقة التي صنع بها ثلاثتهم هذا الفرعون من خلال تضخيمه عسكرياً ومدنياً، ومن ثم ننظر إلى النتائج الكارثية.
“التضخيم ذو الطبيعة العسكرية لـ “قوات الدعم السريع
أولاً: تضاعفت قوات الدعم السريع من 20 ألفاً إلى 120 ألفاً بتصديق مالي للمرتبات والمصروفات من وزارة المالية.
ثانياً: تحولت طبيعة قوات الدعم السريع من مجرد مشاة إلى ابتعاث عدد من الدفعات من قوات الدعم السريع لدراسة الطيران والمدفعية والدروع فى روسيا وإثيوبيا.
ثالثاً: إنشاء قاعدة عسكرية تحتوي على مدرج هبوط طائرات النقل الثقيلة في قاعدة “الشفروليه” على الحدود المشتركة مع مصر وليبيا، وقاعدة أخرى قيد الإنشاء بمنطقة “زرقة” في دارفور.
رابعاً: تكوين معسكرات تجنيد وتدريب خاصة بقوات الدعم السريع دون رقابة أو قيود أو معايير، ما أدى إلى تضاعف القوات.
خامساً: شراء وتوريد الأسلحة والذخائر والمدرعات والدبابات دون رقابة القوات المسلحة وكل مؤسسات الدولة، وإحاطة العاصمة المثلثة من جميع الجهات بمعسكرات وقواعد عسكرية بها آلاف الجنود والأسلحة الثقيلة.
سادساً: تسليم الكثير من معسكرات الجيش والقواعد العسكرية “المظلات، المخازن والمهمات، وقاعدة ومعسكر جبل سوركاب شمال أم درمان، معسكر صالحه، معسكر سوبا، معسكر شرق النيل، معسكر طيبة الحسناب والجيلى والسروراب والمصفاة، مقرات هيئة العمليات، مقرات حزب المؤتمر الوطني المحلول.. إلخ”، وتكوين هيئة عمليات عسكرية منفصلة.
“التضخيم ذو الطبيعة المدنية لـ “قوات الدعم السريع
أولاً: عقد حمدتي مجموعة من الاتفاقيات مع شركة فاغنر الروسية تشمل: “تدريب الجنود، تنقيب الذهب وتهريبه، استخدام الحدود السودانية للتوغل في إفريقيا الوسطى والنيجر ومالي”، دون متابعة أو مراقبة مؤسسات الدولة.
ثانياً: تكوين مفوضية أراضي خاصة بقوات الدعم السريع وموازية لهيئة الأراضي الحكومية تعمل في كل ولايات السودان بالتسجبل والهبة والبيع، وتكوين محكمة ونيابات تقوم بالتحقيق والضبط والاحتجاز موازية لنيابة الدولة ولها سجون ومعتقلات خاصة بها، كما حدث مع “اعتقال اللواء الصادق، واختطاف اللواء شكرت الله.. إلخ”، وهم من قيادات الجيش السابقين.
ثالثاً: تجاوز وزارة الخارجية بعقد اتفاقيات خاصة مع “إسرائيل وروسيا وأريتريا وإثيوبيا وإفريقيا الوسطى والإمارات.. إلخ”. وغيرها من النشاطات حتى إرسال طائرات الإغاثة للدول المنكوبة.
رابعاً: فتح الحسابات البنكية وشراء البنوك والصحف الإعلامية وإنشاء عدد من الشركات متعددة الأغراض داخل وخارج السودان للاستيراد والتصدير وتهريب الذهب مثل شركة الجنيد، وتكوين هيئة خدمات صحية خاصة بقوات الدعم السريع من عيادات ومستشفيات واستقطاب الكوادر الطبية بعيداً عن مؤسسات الدولة.
خامساً: تكوين هيئة إمداد خاصة بالدعم السريع تستورد حسب ما تقرره من الاحتياجات المدنية والعسكرية والأسلحة وصولاً الطعام الجاهز من خارج السودان، واستخدام طائرات خاصة تستخدم كل مطارات السودان دون تفتيش.
سادساً: رئاسة وفد حكومة السودان للتفاوض مع الحركات المسلحة ينوب عنه عضو مجلس السيادة المدني، رئاسة اللجنة الاقتصادية ينوب عنه رئيس الوزراء المدني، والتغلغل في كل قطاعات الخدمة المدنية والطرق الصوفية والإدارات الأهلية، بعقد اللقاءات والمؤتمرات والتبرع بالمكافآت وتوزيع العربات باسم الدعم السريع.
لم يكن الجيش السوداني يرضى بهذا العبث، ولكن كان مكبلاً بموافقة قائده عليها، فكان البرهان نفسه مكبلاً بضغط دولي عنيف لذلك اتخذ موقفاً متردداً بينما كانت قيادات الحرية والتغيير المركزي يصنعون الفرعون.
فأصبحوا متحمسين وفرحين بـ “حميدتي” الذي سيستغلونه في تخويف الحركة الإسلامية وأتباع نظام عمر البشير، ويفككون به المؤسسات الحيوية في الدولة مثل “الجيش والشرطة والقضاء والمخابرات”، ويفرضون به هندستهم السياسية والاجتماعية حسب “الاتفاق الإطاري”.
أفق المستقبل
كان لا بد من معالجة ازدواجية وتضخم قوات الدعم السريع، ولكن قوى الحرية والتغيير المركزي كانت في عجلة من أمرها ففرضت أن تكون المعالجة بخيارين لا ثالث لهما إما الاتفاق الإطاري واما الحرب.
وفي تقديري أنه كان لا بد من إنهاء مسرحية الاتفاق الإطاري وإنهاء جريمة سرقة مؤسسات الدولة وتجييرها لصالح قوى الحرية والتغيير المركزي، ولكنها فرضت وخططت للحرب عن طريق جناحها العسكري وحليفها في الاتفاق الإطاري “حميدتي” ألا وهو الدعم السريع.
فوجدوا السودانيون أنفسهم يصطفون من جديد خلف جيشهم، الذي يحميهم من لظى الحرب، وبعد انجلاء هذه الحرب وانتهاء الوجود السياسي للاتفاق الإطاري، وللدعم السريع سيجد القادة السياسيون أنه ليس هنالك أي مخرج سوى إرجاع أمر السودان إلى السودانيين كي يختاروا بأنفسهم من الذي سيحكمهم والبرنامج الذي يصوّتون له عبر انتخابات حرة ونزيهة.
لكن المعضلة الرئيسية التي ستواجه السودان من جديد ليس قوات الدعم السريع وإنما كيفية إيقاف التدخل الدولي في شؤونهم.
“محمد عثمان عوض الله – عربي بوست”
مصدر الخبر